P 16

مبعثر16

.
.
.

حين فتحتُ عينِي قابلني صورة لسقفٍ يهتز بقوة و كأنَّ هناك زِلزالًا ما .. الدِوار العنيف يعصِف برأسِي و هناك شعورٌ حاد مِن التعبِ يُحيط بي،  أشعر أنَّ قُوَّتي مُنسحبة تمامًا كما و هناك شيءٌ ما يُؤلمني بينما هناك سائل أشعر ببرودتِه بينما يسير في أوردتي ... تململت بتعب مُحاولًا تعديل جسدي على الفراش بأيّ طريقة لكنني لم أستطِع! 

يدٌ خشنة قليلًا دافئة حطَّت على جبهتي تُزيح لي خُصلاتي المُتناثرة و تتحسسه بـرِفقٍ بينما ينبعث صوتَهُ جِواري في نفس اللحظة:
" حرارتُك تحسنت بالفِعل لكن لا تُحاول التَحرُّك فجسدك مُرهق جدًا. "

وجَّهتُ عينايّ إلى مُحدثي الذي لم يكن سوى أبي الذي عاد ليَفتح الكتاب بين يديهِ دون أنْ يتحدث مُجددًا و قد تَبيَّن أنِّي مُحتجَز في أحدِ غُرف المشفى الطبية و والدي جواري يقرأ كتابًا ما بصمت و اندماج ، ثوانٍ حتى همستُ بصعوبة و يدي تتجه بتعب نحو يده بينما أحاول أنْ أرفعُ جسدي قليلًا نحوِه:
" أبي .. "

لم أُكمِل و قد شعرتُ أنَّ الدوار يعصف بي بعنف لأرتمِي للخلف مُجددًا أئِنُّ بألم لأسمعُه يُخاطبني بلهجة هادئة دون أن يتحرَّك مِن مكانِه:
" لا تُحاول التحدُّث حتى ،  فجسدك في مراحل متقدمة مِن التعب .. ستظل تُجهد نفسك فحسب .."
ثم ترك ما بيده و حدق بي رادفًا:
" نارين و أختك كانا هنا بالأمس لكنَّك ظللت نائمًا حتى اليوم .. و حرارتك في المساء ارتفعت و لكنها انخفضت الآن. "

" ماذا حدث لي؟ "

لم أشأ النظر نحوه بعد سؤالي إياه و رافق ذلك مسكِه لكفِّ يدي بينما يُجيبني:
" كُنَّا معًا بالسكن و أغميَ عليك فجأة ،  حاولتُ إفاقتك لكنك لم تفِق لذلك حجزتُك في المشفى لعِدة أيام حتى تتحسن .. لقد أرهقت نفسَك بالآوانة الأخيرة يا أحمق."

عبستُ بضيق مُطلقًا تنهيدة مُغتاظة ليُحيط بنا الصمت سوى مِن أصواتِ تأوُّه بسيط مِن المرضى بما أنِّي مُحتجَز معهم ، لم أُفكر كثيرًا حين رؤيتي لـسيدة دلفت تتجه نحو مريضٍ ما بينما تُخاطب أبي بلُطف بعدما رأتْه:
" مرحبًا طبيب مروان ؟ .. يُسعدني لِقاءُك هنا .. أردتُ أن أشكرك لِانقاذك ابني مِن الحادث."

لمحتُ ابتسامة أبي الخجِلة قبل أن أسمع صوتَ رجُلًا مُسن يُوجِّه لوالدي الكلام بكل امتنان و قد تقدم منه مِن خلف تلك المرأة التي ذهبت نحو ابنها ليتبادلا المصافحة بحرارة مِن قِبَل الرجُل:
" دكتور مروان كم أنا مُمتن لك! .. لقد أشرفتُ على جِراحِة ابنتي و اهتممت بها جيدًا ،  شكرًا لكَ و السلامة لِابنُك،  أتمنى أن يُشفى."

" لا داعي للشكر يا عم. "

ردف أبي بخجل ، فتركَهُ الرجُل و اقترب مني يُملِّس على شعري رادفًا:
" لا تترُك أبيك يا فتى،  كُن له الدِرع و السند دائمًا،  و كُن له ابنًا صالحًا فأبيك لا يُعَوض."

تنفُسِي ضاق لِكلماتِه و أحسست بالخجل كَوني أفعلُ عكس ما قالُه ، لكنِّي أومأتُ بخفة بِمُوافقة ، فتركني بعدما ابتسم لي بلُطف ثم سار نحو فتاةٍ تبتسم نحوِه بتعب!

أعدتُ نظري عن ذاك المشهد نحو والدي الذي عاد ليَقرأ الكتاب كأنَّ شيئًا لم يكُن و كأنه مُعتاد عن مُقابلات كهذه ، لأهمِس ببعضِ الاحراج:
" أبي،  هل لي الدخول إلى المِرحاض ."

هنا وجدتُ ابتسامة أبي تتسع بـخُبث لتشمل ضحكة صغيرة خرجت مِن ثِغرِه و هو يُومئ بخفة حين رؤيتِه لِعُبوس ملامحي و كأنَّه كانَ قادرًا على قراءتي ،  لم أكُن قادرًا على النُهوض أصلًا،  لكِنَّه فقط يُزعجني بسخريتِهِ مِنِّي!

تجاهلتُه أعتدل بصعوبة كي أُغادر لكني توقفتُ حين فصَل المحلول عن يدي و اقترب يسنُد جسدي ثم يحملني بغتة! ..  فشهقت بخوف و كِدّتُ أصرخ عليه لكنّي صمتُّ حين وجدتُ رأسي تصبح ثقيلة في لحظاتٍ و عيناي تنغلق بدوارٌ حاد فأرخيْت جسدي بين يديه باستسلام شديد بينما يقول بشئ مِن التوبيخ و البساطة:
" لو كنتَ قد وقفت وحدَك كان سيُغمى عليك أصلًا بسبب انخفاض ضغطُ دَمك لذا لا تعترض يا مُتهوِّر."

بعد دقائِق أعادني إلى الفِراش و وضعني عليه برِفق ليُوصل المَحلول مجددًا ليدي و ابتعد يتنهد بضيق لرؤيتِهِ لدموعي ، فنطق باستياء :
"  لما تبكي الآن؟! "

شهِقْت فجأة لأدخل بنوبة بُكاء على ضعفي هذا! ..  لم أُحِب الضَّعف يومًا و لكني أضعف الآن لدرجة العجز .. فلم أتخيل أن يصِل بي الحال إلى هنا!

..

جلس إلى جواره و تنهيدة عميقة أفرج عنها بينما يلتقط جسد ابنه مُحيطًا إياه بذِراعيه يضمهُ إليه ،  و ظلَّ يهمِس في أُذنِه بهدوءٍ ماسحًا خصلاتِه بخفة لعلَّ ذلك يُهدئ نوبة الاكتئاب اللحظية تِلك :
" إهدأ حسنًا؟ .. البُكاء لن يُجدي نفعًا ،  سيُرهِقُك فقط صغيري ..."

زادت حِدة بكاءِه ، فتوتر مروان ليقول بعفوية:
" سأشتري لكَ بلايستيشن و لاب جديد .. و سأُحضِر لك كاميرا جديدة لو هدأت!  "

" هذه .. تُعِد رَشوَة! "
همس بنبرة مُختنِقة عابسة بعدما توقف عن البُكاء و هو يُدفن نفسهُ بِحُضن والده أكثر مُغمضًا عينه بينما ضحك والده بخفة و هو يُزيد من قوة احتضانه،  لقد أحبَّ ذلك الشعور ان لم أقل كلاهما!  .. كلاهما وجداه شعورًا يدغدغ معدتهما و يحيط بقلبهما بكل ود و محبة باعثًا فراشاتٍ ربيعية مُبهجة!

بعدما هدأ ابتعد عنه مروان بينما يمسح وجهه وعينه إثر الدموع التي خلَّفها بُكاءه و مِن خلفه دلفت سيدة بعمرٍ كبير لتُقدم لهم الوجبات،  فتبسم و هو يرمق ابنه العابس بسخرية :
" لقد حضَر الطعام. "

و عبس ساجد لرُؤيته لطعام المشفى ليُبعده هاتفًا باعتراض ببساطة:
" لن أكُل منه! .. سأنتظر أمي لتأتيني بطعامٍ مِن يدها!"

" بالطبعِ فعلْت! "

توجهت أنظارهما نحو نارين التي اقتحمت الغرفة بمرح و بيدها حقيبة سوداء بينما جوارها وقفت سارة بابتسامة شغوفة و فورًا اقتربت مِن شقيقها في لهفةٍ تحتضنه!

بادلها العِناق بفرحة غامرة و بعدِ لحظات ابتعدت سارة لتقول بسعادة:
" لقد اشتقت لكَ كثيرًا أخي."

ابتسم نحوها بلُطف يرُد:
" و كذلك أنا ، حبيبتي. "

" أخي عليكَ أخذي معَك لرفيقَك سديم حينما تتعافى!"

هي تقريبًا صاحت بحديثها فجأة آمِرة إياه تَرسُم ابتسامة مُتكلفة بينما تنتظر الرد بموافقتِه رُغمًا عنه،  لكنه صدم توقعاتها حين هز رأسه يُنفي ما تُريده ، لِتُظلِم ملامحها باستياء فنظرت لوالدها تتذمر بغِيرة و عبوس طفولي:
" أبي،  لما هو يذهب لصديقِه بينما أنا لا؟ .. ثم أنا أخته! أيفضلُه عليّ!"

" هذا لأنَّهُ صديقي. "

التفتت إلى ذاك الصوت الذي أتى مِن خلفها فجأة مع نهاية تذمرها ثم عبست فورًا بكُرْه لرؤيتِه واقفًا يبتسم أمامها و كأنه بريء ، لكن ابتسامتِه توسعت مستفزًا إياها ، فهو يعلم جيدًا أنها تغار منه على شقيقها و ذلك ما أحبَّه!

هو تقدم نحوَها و بحركةٍ خبيثة بعثر شعرها بعنف و تركها بشعرٍ فوضوي جعلها تكاد تستشيط مِن الغيظ منه ، بينما سلَّم على والديها و نظر لصديقه قائلًا:
" العم مروان أخبرني أنَّكَ لستَ بخير فطلبت مِن والدي توصيلي إلى هنا لرؤيتك. "

ابتسم لرفيقه الذي جلس جواره تاليًا كلماتِه و مُتابعًت ببعض التوبيخ:
" ما كان عليكَ إرهاق نفسك هكذا يا ساجد. "

اعتدل المعني رغم صعوبة الأمر على جسدِه الفاقد لطاقتِه مُطلقًا تنهيدة بائسة بتعبٍ قائلًا بخفوت:
" أسِف،  لكن أنتَ تعرف سبب ما فعلته. "

" وَلوْ! كان عليكَ أخذ راحة لا أن تُتعِب نفسَك هكذا! "

همهم ساجد بقِلة حيلة بينما تدخلت نارين قائلة بلطف:
" و الآن انسوا ما فاتَكم،  و إن شاء الله يا بُني ستصِل إلى ما كنت ترجوه و أكثر،  فقط ثِق بذلك! "

بعد ذلك تَوالت الأيام ، عاد الهدوء يُضاهي الفوضى التي مرَّ بها ،  شهر و نِصف مِن الهُدوء كان كفيلًا بإعادة روحِه للحياة و مُشاركة عائلتِه لحظاتُه مُتناسيًا أنَّ ما فتحهُ من صفحاتٍ محروقة سيعود و بقوة ينشُر خلاياه السوداء لتُغرق عالَمهُ الوردي المؤقت!

سديم و ساجد تَشاركا سويًا إحدى المقاهي الهادئة و هما يتفقان على بِدء نشاطٍ جديد ، أمام كُلًا منهما كوب مِن الموكا و مُندمجان بالتفكير عن المشروع الجديد الذي قرر ساجد عمله ..

" القلم الذي أهديتني إياه،  لديَّ فضول و شغف أن أعلم كيف صُنِع؟" .. تكلم ساجد و هو يجذب رشفة من الموكا التي بين يديه ، ليبتسم سديم على ما حدث،  فلقد كان هناك بقايا مِن الموكا تصنع شكلُ شارِب على وجهِ الفتى ، فهز سديم حاجبيه بسُخرية لينتبه ساجد إلى تعبيرِه الساخر ، و بسُرعة ينظر لانعكاس وجهه على شاشِة هاتفِه و يعبس بينما يلتقِط منديلًا من العُلبة أمامِه ليمسح ما فعلَهُ و ذلك جعل سديم يُخاطبه ساخرًا:
" كنتَ لطيفًا .. جدًا! "
مُشددًا على أخر كلمة كان! .. ثم ابتسم بخُبث ليُفاجأ شاهقًا بزجاجة الماء تنسكِب فوقه! .. لحظات ظلَّ يستوعب خلالها متى صاحبهُ نهض و فعلها؟! .. ثم حدجه بنظرةٍ حاقدة مما جعل ساجد يُغطي فمه بخفةٍ و تنطلق مِنه ضِحكةٍ قصيرة هامسًا باعتذار ،  و إن كان إعتذارهُ مُجرد سخرية بالأصل!

كلاهما دفعا الحساب و غادرا رفقة بعضهما البعض و قد قرر سديم أن يُرِي صديقه شركة والده و المصنع الذي يُصنع فيه تلك الأدوات و قد وافق ساجد مُرحبًا بالفِكرة!

" لقد فعلْت ما كنتَ تُريده .."

هنا ابتسم ساجِد و هو يذهب بحدقتيه ليحدق بصاحبِه الذي يُحدق بدورِه في شاشِة هاتفهِ قبل أن يبتسم بحماس نابسًا:
" لقد نجحنا! .. لقد حصلت أنتَ على 90% .. لقد تفوقت في وقتٍ قصيرٍ حقًا! "

" و أنتْ؟ "
بفضول و بهجة نطق،  ليعبس سديم مِن فورِه و تحتل ملامحه الحزن و هو يُجيبه بيأس العالم أجمع:
" 99% .. لقد رسِبت! "

ظهر الحزن جليًا على ملامح ساجد بشكل عفوي و هو يتأثر بالكلمة الأخيرة ، فانحلت لحظة الحُزن عن وجه سديم و هو يُطلق ضحِكاته على ملامح ساجد الذي استوعب بصعوبة أنَّ صاحبهِ كان يخدعهُ! .. فدفعه بغلظةٍ هاتفًا بتذمُر:
" تبًا لكَ يا سديم! .. لقد ظننتُك رسِبت حقًا! "

تابع الفتى ضحكاته بخفة بينما يُخاطبه بمشاغبة:
" لكن اعترف أنَّك تأثرت! .. رغم أني نطقت النِسبة أولًا لكنك تأثرت بملامحي أيها الأحمق! "

تنهد ساجد غيظًا منه ، فهو حقًا شعر بالغباء لعدمِ استيعابِه في الوقتِ المناسب و بينما يُوقِف سيارة أجرة نطق بتنهيدة :
" أنتَ حقًا مُزعج! .. لكن لا بأس،  المُهم أنَّك لازِلت بالقِمَّة! "

تصافحا و أيديهما لم تُترك،  بينما يدلُفان سويًا داخل السيارة ثم طلب مِن السائق توصيله لشركة الالكترونيات الخاصة بوالده.

****

تنهيدة عميقة أطلقها أندرو مُنزعجًا بينما يرى نتيجتِه! .. مُقارنًا إياها و زملائه لنتيجة ساجد الذي لا يعلَم كيف فعلها! .. لقد كان راسِبًا بالفصل الأول! فكيف به يصِل لتِلك النسبة العالية؟!  .. و لتوّه شعر بأنَّهُ مُستاء فَهُم خسروه!  .. هو يُوقِن أنَّ ساجد كان ذكيًا لكنه سُحِب معهم نحو ذلك الطريق .. ثم تذكر ذلك اليوم الذي ربما كانت نهاية علاقتهم به،  حين خرج قبلَهُم مِن الملهى! .. بعدها هو تغير تقريبًا دون أنْ يعلم أحدهم السبب و بدأ ببطء بالابتعاد أو ربما هُم مَن ابتعدوا ..  تَذَكر مجددًا ذلك الرجل المدعو أورلاندو الذي تقابل معه بذلك الملهى مُجددًا و احتجزهُ لساعتين علِم مِن خِلالها أنَّهُ صديق لذلك الأحمق ساجد .. هو تقريبًا مِن خوفهِ أخبرهُ بكل شئ ، ليتفاجأ بعدها بعِدة أيام أنَّ ساجد قد اختفى بعد مُكالمته التنبيهيّة و قد شكَّ الجميع بموتِه! ... لم يَهتم لا هو ولا رفيقيهِ حتى! .. و عاد ثلاثتهُم لحياتِهم دون اهتمام بصديقِهم ساجد!  .. ثم تفاجأ به مجددًا يعود ليَحضُر ثاني أو ثالث امتحان و يعلَم بعدها أنه رسب بمادتين ليُفاجأ توًا أنه نجح و بتفوق أًيضًا! ..  ربما تَدخل والده و تسبب بنجاحهِ كونَهُ طبيبًا مشهورًا هنا في كندا! .. لكن لا،  فمدرسته شديدة الحِرص!  ... لكن ذلك الفتى الذي يُرافقه دومًا ربما السبب؟ .. هنا عبس أندرو و شعر أنَّ ساجد عليه أن يعود ليَبقى برفقتهم حتى لو عنى ذلك إرغامه! .. ربنا عليه استغلاله،  فهو لا ينتمي لدولتهِ على أيِّ حال،  مُجرد عربي لا يعلم حتى من أيِّ دولة عربية هو!؟

و راح يُرفِق رقم أنجِل في هاتفهِ كي يُحادثه مُخبرًا إياه عنِ النتيجة ، و رغبته المُلِحَّة بعودة ساجد بينهم و قد اتفق معه على مُحادثة مارك كذلك ليُغلِق بعدها مُتنهدًا باستياء!  .. فلن يتفوق عليه ذلك العربي!  مهما كلفَهُ الأمر لن يسمح له بأن يتفوق عليه!

هنا جفل أندرو خارجًا مِن مُخططات أفكارِه على عِدة أقدامٍ تقِف أمامه،  فرفع ببطء عيناه كي يرى مَن هؤلاء الثلاثة؟!! ليُحدق بملامح الذي يستنشِق غِليُونه بتململٍ ،  للحظاتٍ حتى اتسعت عيناه بصدمة و هو يتراجع بفزع مصدومًا مما يرى!

****

تنهيدةْ ارتياح أطلَقها مُعبرًا عن ارتياحهِ حين فهَم مِن صاحبهِ أخيرًا كيف يُصنع القلم و يوضع به شريحة تجسس أو تتبع دون عِلم أحد؟! .. و هذا ما كررهُ سديم عديد المرات أمام ساجد الذي كان مبهورًا بالأمر!

انتهى الاثنان ليودِعَا مايكل الذي ابتسم لطفلهِ و لصاحبِه بكل وِدٍ و حب ثم يعود لعملِه.

" لقد كان الأمرُ مُذهلًا! .. أنتَ حقًا ذكي يا سديم! "

هتف ساجد بانبهارٍ و لُطف ، فتَبسَّم سديم بدفءٍ دون رد ،  بينما ظلَّ ساجِد يتحدث بسعادةٍ عن كم هو رائع!  حتى افترق الاثنان نحو منازلهما بعد يومٍ لطيفٍ للغاية .. ليس بالنِسبة لهُ فحسب،  بل لسديم كذلك الأمر!

سار بهدوءٍ و خِفة بينما يشعر بلطافةِ اليوم ، و تِلك الأوقات التي يُجاور بها صديقِه سديم ،  و ظلَّ يُفكر كمْ أنَّ رِفقة سديم تُشعِرهُ بخفةِ وزنه ،  فهو غير مُضطر ليُبرر ما يفعله أو يفعل شئ مُرغم عليه أو حتى أنْ يشعُر أنَّهُ في مكانٍ غيرِ مُناسب ،  بل يشعُر أنَّهُ حقًا في مكانهِ المناسب عندما يكون جِوار سديم! و هذا أكثر شئ يُريحه! .. فقد جمعتهما صداقةٌ غير مُتكلفة،  صداقة مُريحة! و صادقة تمامًا!

نظر إلى ساعةِ هاتفه ، فوجد أنَّها تُشير على السابعة مساءًا ،  أنوارُ الشوارع مُضاءة و يملأ الجو نسيمٌ عليل! رغم ذلك فقد شعر بحرارة الجو المُنخفضة لذا أغلقَ عليه السُترة الجِلدية بينما يسير يُخاطب نفسَهُ بأنَّ المنزل قريب و لم يَعُد هناك الكثير حتى يصِل!

و إذْ فجأةً تتوقف أقدامَه و يتضاءل وِسعُ حدقتيهِ و هو يرمُق رفاقَهُ القدامَى بشيئٍ مِن الضيق فرؤيتهِم عكَّرَت باقي يومه!

تقدم أندرو مِنه و وقف أمامَهُ مُبتسمًا ابتسامة لم تُعجِب ساجد الذي راح يتنهد بضيقٍ يُخاطبه بجفافٍ:
" ماذا تريد يا أندرو؟ "

" ألازِلت غاضبًا منَّا يا أوليڤِر؟ "

تكلَّم مُدعيًا الطِيبة ، فزفر ساجِد أنفاسَهُ في حِدَّة و هو يوجهها لهم نابسًا بقوة:
" لستُ أوليڤِر! .. أنا ساجد مروان بدر الدين،  لذا لا تُخطئ في اسمي يا أندرو! "

همهم المعنيّ ببراءةٍ مُصطنعة و بسُخريةٍ واضحة يُوجِّه نظراتَهُ لرفيقيهِ اللّذان تقدما مِن كِليهِما بينما يقول:
" أنتما كذلك لا تُخطِئَا بإسم السيد ساجد ،  فوالده طبيب و هذا يُؤثر عليه يا رِفاق! "

تبسَّم الشُبَّان في اللحظة التي قلَب فيها ساجِد عينيه بتململٍ واضح ينتظر أنْ ينتهِي الثلاثة مِن سُخريتِهم ثم نبس ببرود بينما يتحرك مُبتعدًا عنهُم :
" إلى هنا و تنتهي المسرحية خاصتكُم ،  أراكُـ .."

لم يُكمل إذ وجد أنجِل يُعركِل قدمه مِن الخلف بحركةٍ مُفاجئة عنيفة جعلتهُ يشهَق بعدما سقط للخلفِ أرضًا ليَصدُر صوتٍ لمارك قائلًا بتعجبٍ مُصطنع:
" أوه! يا إلهي لقد سقَط ابن الطبيب! "

رمقهم بغضب ليشهَق فجأةً مُوقِفًا التنفس للحظاتٍ تزامُنًا مع تِلك الركلة التي أتتهُ مِن أنجل جعلتَهُ ينهار أرضًا مُحيطًا معدتِه في تألمٍ واضِح!  يسعُل دمًا و تقِل مُقاومته بينما يسمعُ ضحِكاتهم على ضَعفِه قبل أنْ يتقدم أنجِل نحوِه مُجددًا يُخاطبه بسُخريةٍ و استخفافٍ و هو يجذِب فكَّهُ كي يُبادلُه التحديق بِكُرّه:
" لا تظُن نفسَك شيئًا أيُّها العربيّ! .. عيناكَ الرمادية لا تجعلُك مِن هنا! .. ولا ملامِحَك النتِنَة هذه! .. لقد كُنَّا نصنَع لكَ شأنًا حين كنتَ جِوارنا! و الآن تتجرأ و ترمُقنا بتِلك النظرات أيُّها الوغد!!؟ "

رُغم ضَعفَهُ إلَّا أنَّهُ دفع بيدَ أنجِل بعيدًا ليتنفس بتعب ثم رد باستخفاف و سُخريةٍ لاذِعة:
" لستُم شيئًا يُذكَر لأشكركُم عليه أو كي تصنَعونِي! .. لا تكونوا عُنصريين لكَونِي وُلدتُّ عربيًا! .. فأنا لازلتُ أفضل مِنكُم و مِن أمثالِكُم .. لستُ فتى مُتنمرًا و لا سيئًا يتعاطى المُخدرات أو يدفَعُها لرفيقهِ كي يسير في الطريقِ الخاطئ مِثلما فعلتُم معي! .. حياتي معكُم و الثلاث سنوات التي عرفتكم بها كانوا مجرد كذبة! .. مجرد .. هُراء! ... "

سكتَ للحظة يأخذ أنفاسه الضائعة ليُكمل بهدوءٍ شديد:
" كُنتُم شرَّ صُحبة! .. و لازِلتُم! .. لم أنَل شيئًا مُنذ معرفتي بكُم بل خسرتُ كل ما يُحاوطني بسببكم لذلك لا تحاولوا ارجاعي لجواركم مجددًا .. أنا أعلَم جيدًا أنَّ مجيئكُم اليوم لأجلي كان بسببِ رؤيتَكُم لدرجاتي الثمينة! .."

ضحك فجأةً بتعب بينما يرمي ظهرَهُ مُتسطحًا أرضًا ليفتح رماديتاه و يُحدق بالسماء الشِبه غائمة يردف بإجهادٍ و هدوء:
" أنتُم تُحَاولون إرغامي على رِفقتكُم لمصلحة شخصية .. معرفتي بكُم كمعرفتي لإسمي الكامل! .. لم يكُن عليكم المجئ فأنا تغيرت ،  لم أعُد أوليڤِر الأحمَق و العابِث .. بل ساجد .. ساجد التي يتمنَّى أن تبقى حياتَهُ في أوجَّ هدوئِها التام . "

" تقصد ساجد الذي لا يعرِف مَن هما والداه الحقيقيان صحيح؟! .. "

رمقهم بصمت رغم صدمته بمعرفة ثلاثتَهم بذلك السِر! .. بينما أكمل أنجِل بدلًا عن أندرو:
" لا تُشعر ذاتُك أنَّ لديك قيمة! ..  لستَ سوى حشرة! .. نحن نعلَم جيدًا أنَّ الطبيب مًروان ليس بوالدَك الحقيقي .. لكن نصيحتِي لك .. لا تغمُر نفسَك بذلك الحلم طويلًا حتى حين تسقط لن تجدهم جِوارك و يومًا ما سيرمِي كِلاهما إياكَ بعيدًا عن حياتهما لتغدو مَنسيًا! "

هنا تكلم مارك بحِدة مُنهيًا النِقاش:
" هيا يا رفاق لنذهب مِن هنا .. لسنَا نتشرف بوجوده معنا. "

غادروا و ظل هو على حالهِ ،  يُفكر بكلامهم السام،  ثم فجأة  اعتدل و نهض بصعوبة،  خف ألم معِدته قليلًا لكنه لا يزال يشعر بطعمِ المعدن في فمه لكنه توقف ينظر ليدِه بتشوش و دِوار،  دقات قلبه شعر و كأنها تُسابق الرياح! .. ربما لم يكُن يفكر بحديثَهم لو أنَّهُ يثق بوالديه! .. لقد جرَّب أن ترمقَه والدته مرّة بكُرّهٍ و عدم رغبة حين أُصيبت أُخته ذلك اليوم، و جرَّب قسوة والده كذلك ، ربما مرة أخرى و سيصِل الأمر بوالدهِ أن يكرهُه ثم يبتعدان عنه كونه ليس يربطهما دمًا!

و لوهله وجد نفسه يعود ليفترش الأرض و تنزلق دموعه بقهر! ..  هو ليس يعرِف مِن أي مكان هو؟!! .. والديه ليسا بكذلك! .. و هو لا يعلم من والدته و والده الحقيقي؟! .. لما كُلَّما يشعُر بالفرحِ يدُق بابَه يُفاجأ بالحُزن الذي يكاد يشُق أرضَهُ و يبتلعه في ثُقبٍ أسودٍ مُهلِك لمشاعرِه و لكيانِه!

فهل مِن خلاص؟!!!! .....

*
*
*
يتبع..

حسنًا تأخرت عدة أيام،  لكني لم أكمل تعديلِه الا هذه اللحظة .. أخذ مني الكثير حقًا لأني غيرتُ بعض المشاهد مجددًا لتصبح أفضل و جعلتُ السرد أجمل كذلك و كذلك اصبح البارت 2700 كلمة، طويل اكثر من العادة!!!😁❤️👈👉

و لازلت عند رأيي،  سأحاول بكل قوتي أن انهي الرواية خلال أسبوع،  شجعوني لأفعل ذلك و لا أفقد شغفي.😓

و الآن لا تنسوا الڤوت و الكومنت اللطيف بين الفقرات

لا تنسو التقييم؟

المشهد؟

رأيكم بشكل عام؟

أي انتقاد أو سؤال؟ شئ لا تفهمونه مثلًا؟

و الآن سأودعكم
تصبحون على خير 💜✨

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top