(16)

بقلم : نهال عبدالواحد

دخل المكتب سليم، سلمى، وليد وعن مقربةٍ جلس أدهم يعبث بهاتفه، ينتظرون تلك الضيفة، كان سليم يتحدث إلى سلمى عن ما حدث خلال ذلك الإجتماع.

وبعد فترة وصلت تلك الضيفة!

كانت إمرأة شديدة بياض البشرة، وجنتيها ممتلئة بالنمش، عيناها زرقاوتين،  شعرها أصفر ذهبي ناعم لكنها تجمعه لأعلي على هيئة كعكة وترتدي كنزة ضيقة مفتوحة الصدر على شكل حرف (V) و تنورة قصيرة فوق الركبة.

دخلت المرأة التي تبدو أجنبية وقد تم التأكد من هويتها مع بداية حديثها فقد كانت تتحدث بالروسية فبالطبع لم يتحدث إليها ويتناقش معها سوى سليم الذي يجيد الروسية.

رغم أن سلمى تجيد الروسية هي الأخرى إلا إنها ظلت جالسة ببلاهة، كأنها لا تعلم شيء فقد أصابها ضيق في صدرها بمجرد أن رأتها لكن ربما تلك هي غيرة النساء فالمرأة شديدة الجمال، بالإضافة إلى طريقة جلستها المستفزة وهي واضعة ساقًا فوق الأخرى عاريتان.

كانت المرأة تتحدث لسليم حول إمكانية حدوث إستثمار من الشركة التي هي مندوبة منها، قدمت أفكار المشروع وعروضها، تحدثت معه بشأن كل شيء .

لكن سليم لم يرد عليها ردًا قاطعًا فقد طلب منها وقت كمهلة للتفكير والتشاور مع شركاءه.

كان وليد متابعًا للحوار وهو لا يفهم شيئًا بالطبع، ينتظر إنتهاء اللقاء ليشرح له سليم كل شيء، بينما أدهم كان يفهم الروسية ويتقنها جيدًا لكن طريقتها لم تريحه فظل غير آبه كأنه مشغول بهاتفه لكن في الحقيقة هو كان منصتًا لها بكل جوارحه.

كان سليم طوال الوقت يشبّه عليها، يشعر كأنما تقابلا من قبل لكن ذاكرته لم تساعده حتى إنتهيا من حديث العمل ولازال يحاول تذكرها لكن لم يتمكن.

فقالت بالروسية: هل لازلت تشبّه عليّ!
كأنك لا تعرفني!

سليم: أعتذر منك سيدتي، لكني رغم محاولاتي في التذكر إلا أن ذاكرتي لا تسعفني.

فقالت بدلال: يا للأسف! كنت أظنك ستعرفني منذ مجيئي!

فقال بجدية: رجاءً سيدتي تحدثي بشكل مباشر وبلا مراوغة!

فابتسمت ثم قالت: حسنًا حسنًا! أنا إيرينا!
هل تذكر من أكون؟!

فتغير وجهه، وجم لبعض الوقت، ابتلع ريقه ببطء ثم قال: وما علاقتك بتلك الشركة؟ وكيف توصلّتي للعمل معها؟ وكيف خرجتي من السجن أصلًا؟!

فقالت: هذا حديث يطول شرحه، ربما نحتاج لعدة لقاءات لأحكي لك.

فقال بجدية: لا داعي لكل ذلك فأنا لم أقبل عرضكم حتى الآن، أنا لديّ شركاء ويلزم مشاورتهم.

فأومأت بطرف عينها اتجاه سلمى وقالت بمكر: وهل هي إحدى الشركاء؟!

فرد بنفس الجدية: نعم هي شريكتي، وزوجتي وأم أبنائي قبل ذلك.

فقالت بتعجب: زوجتك! وأم أبناءك! شيءٌ غريب!
والأغرب كونها حامل في مثل عمركما!

فقال بجدية: شيء لا يخصك، انتظري منا رد إن وافقنا على عرضكم، شكرًا لك.

نهضت إيرينا واقفة وبها بعض الغضب ثم انصرفت.

بينما جلس سليم يتحدث لوليد ويشرح له ما دار بينهما لكن وليد كان منتبهًا أكثر لملامح سلمى غير المفسرة حتى انتبه إليها سليم هو الآخر فانتفض متجهًا نحوها ظانًّا أنها تعاني من شيءٍ ما أو هناك ما يؤلمها.

صاح سليم بلهفة: سلمى!  مالك فيكِ إيه يا حبيبتي؟!
تعبانة ولا إيه؟

أومأت سلمى نافية: لا أنا كويسة.
ثم قالت: الصفقة دي مش عايزينها، مش هنفذ المشروع ده.

تابع سليم: بس إنتِ مش لوحدك لسه في ناس تانية مش موجودة وليهم رأي لازم يُحترم.... إيه مالك!

-  الموضوع مش محتاج لمشاورات، انهي القصة دي من بابها مهما هنستفاد من وراها، مش عايزاها.

-  آسف جدًا مش هينفع.

صاحت سلمى وبدأت نبرة صوتها ترتفع: لا يا سليم هينفع.

صاح سليم وقد بدأ يغضب: سلممممممممى!

تابعت سلمى بعند: لأ يعني لأ.

- طب بلاش السكة دي، إنتِ جرالك إيه؟

صاحت سلمى بعصبية: مجنونة، في حاجة!

-  طب كفاية كده!

-  لا يا سليم مش كفاية غير لما تصرف نظر عن الموضوع ده.

صاح سليم بعصبية: واضح إنك نسيتي نفسك ونسيتي إني مش بيتلوي دراعي ولا دي طريقة تنفع معايا.

فتدخل وليد قائلًا: جرى إيه يا جماعة!
صلوا على النبي أمال!

أهدر سليم متنهّدًا: عليه الصلاة والسلام، شكل الحمل تخن مخك.

- أنا قولت لأ يعني لأ يا سليم.

- ما تخرجنيش عن شعوري.

تدخل وليد مجددًا: يا اخوانا بالراحة أرجوكم !
إستهدى شوية يا سليم! معلش راعي ظروفها!

-  ما انت شايف بنفسك الإستفزاز!

- هي كلمة واحدة يا أنا يا هي!

- لا ده انتِ اتجننتي رسمي، عمومًا حسابنا في البيت اتفضلي أدامي.

- لا بيت ولا غيط، أنا قولت اللي عندي وخلاص.

- طب يا سلمى لو........

فتدخل أدهم مقاطعًا: بعد إذن حضراتكم  كفاية لحد كده، واتفضلي يا طنط هوصلك أنا، بعد إذن حضرتك يا عمي سليم.

فأشار برأسه أن نعم فانصرفت، غادرت المكان دون أي كلمة أو التفاتة إليه، وذلك الموقف يعني الكثير فليس بموقف تلقائي ولا عادي.

فلم يعتادا التحدث معًا بتلك الطريقة  من سنواتٍ طويلة سواء بينهما وخاصةً أمام الآخرين، كما أنه لم تحدث أبدًا أن ينصرف أحدهما من مكان دون توديع الآخر بعناق وقبلةٍ على جبهتها.

جلس سليم مكانه واجمًا ناظرًا أمامه، يتلاقط أنفاسه من الغضب و وليد يجلس أمامه ينتظره يهدأ، وبعد مرور فترة من الوقت وقد هدأ سليم نوعًا ما.

سأله وليد: في إيه يا سليم! عمري ما شوفتكم كده أبدًا ولا شوفتك كده من يوم ما عرفتك، في إيه! وما تقوليش ضغوط بسبب الولاد، حاسس إن الموضوع أكبر من كده.

سكت سليم قليلًا مترددًا ثم قال: كل الحكاية إن اللي كانت قاعدة هنا من شوية كانت مراتي ف يوم من الأيام.

فصدم وليد وصاح: إيييييييه!
إنت كنت متجوز غير سلمى!

فأجاب برأسه أن نعم، فقال وليد: وسلمى عارفة!

فأجاب برأسه أن نعم، فقال وليد: تبقى خلصانة يا سليم ومقفولة بضبة ومفتاح.

- ما الكلام كان أدامها وعرفت إني ما كنتش فاكرها أصلًا وبعد كده كنت بتكلم معاها برسمية.

-  سلمى بتعرف روسي!

فأجاب برأسه أن نعم، فقال وليد: إنت بتحاول تبرر إيه! حتى لو انت نسيتها وهي مش حاجة بالنسبة لك سلمى عمرها ما هتشوفها غير الست اللي كانت مراتك، يا سليم قدّر موقفها، سلمى مضغوطة جدًا وانت مصدر أمانها وبدأت تحس إنه بيتهز وهي ف رأيها إنها بتدافع عنك.

- إنت ما شوفتش طريقتها بتتكلم إزاي؟! والطريقة دي لا يمكن تعدي كده!

- لا معلش عديها! واتحملها!

ظل وليد و سليم يتناقشان في ذلك الأمر، وليد ينصحه بينما سليم على رأيه في حجم خطئها الذي لا يمكن أن يمر ببساطة.

بينما يحيى انطلق من الشركة و معه شفق في سيارته ليقوم بتوصيلها للبيت قبل ذهابه للكلية.

كان الصمت سائدًا بينهما وبعد فترة توقف يحيى على جانب الطريق وبدا عليه التردد.

تحدثت شفق بقلق: وقفت هنا ليه؟!

أجاب يحيى بتردد: بصراحة... أصل.. أصل... كنت عايز أتكلم معاكِ شوية.

- عايز تقول إيه ما أنا سيبت الشغل ف الشركة من مدة! يعني مفيش صدام.

- مفيش صدام، بس في كلام.

تابعت شفق بارتباك: اتفضل.

- هو هو.... انتِ لسه مش طايقاني!

- هه! وإيه اللي هيخليني ما اطيقاكش!

- يعني، إنطباع، بحسك كده من أول مرة اتقابلنا، حتى ساعات بحس إنك قاصدة تغيظيني.

- لا مش للدرجة دي.

- أمال إيه!

- إيه!

-  بتشوفيني إزاي يعني؟!

- هي أكتر حاجة لافتة نظري هي علاقتك بأمك وأبوك وحنيتك حتى مع رقية أختك بحس إنك بتتعامل معاها بلطف كأنك أبوها مش اخوها التؤم، بعكس تعاملاتك مع خلق الله كلهم.

وهنا انفجر يحيى ضاحكًا ثم قال: إيه أشكيف!

- لاااااا، ده الأشكيف ألطف بكتير.

فضحك وقال: ماشي مقبولة منك.

- عادي على فكرة لو فضلت بشوش وبتضحك طول الوقت.

-  ماما بتقولي إني واخد طبع أبويا بالمللي.

- ربنا يقومها بالسلامة!

- وده موضوع تاني ومهم جدًا.

- إيه هو!

-  أختي اللي جاية ف السكة، إن شاء الله هتبقى مسئولة مني مسئولية كاملة، هتكون بنتي الأولانية، لا بابا ولا ماما هيقدروا يتحملوا تربية طفل دلوقتي ولو قدروا دلوقتي كلها كام سنة و الوضع هيبقى أصعب فأنا اتوليت المهمة دي.

- ربنا يباركلك ويجازيك خير!

- يعني ده رأيك!

- رأيي!

- أنا طول عمري مركز بين الشغل و الدراسة وعمر ما ارتبطت ولا كان عندي وقت أعرف بنت، لكن لما قلبي اتحرك واختار حد بعينه يبقى لازم أعرفه من قبل حتى ما يعرف حقيقة شعوري لازم يعرف المسئولية اللي هيشيلها معايا ويقبلها وده طبعًا مش إجبار بالنسبة له، لكن شرط بالنسبة لي حتى لو اترتب عليه وجع وكسر لقلبي.

تابعت شفق بتردد: بس أنا إيه علاقتي بكل ده!

فابتسم وقال: شفق إنت بنت ذكية وأكيد فاهمة قصدي وفاهمة أنا ليه بكلمك في الموضوع ده؟! بصراحة كده ترضي تكوني أم لبنت مش بنتك!

نظرت شفق نحوه نظرة طويلة وشردت وعيناها تتلألأ بالدمع .

فقال يحيى: أنا والله مش قصدي أضغط عليكِ.

- الموضوع مش كده، بس افتكرت حكاية مامي شفق مع بابي، مامي شفق حبتني أوي وادتني كل الأمومة اللي اتحرمت منها حتى قبل ما تشوف بابي ولا تحبه، بالعكس دي كان ليها دور كبير في تحسين علاقتي بيه، وبعد ما اتجوزته حبتني أكتر وأكتر، هي اللي ربتني وعمرها ما فرقت بيني وبين عز، عارف مرة زمان قابلت أمي الحقيقية، الغريب بأه إني ما حبتهاش ولا حسيت بيها.

كانت تتحدث ودموعها تنهمر بطريقة لا إرادية فأعطاها يحيى منديلًا لتمسح دمعها وتهدأ قليلًا.

وقال: أنا آسف والله! مش قصدي أقلّب عليكِ المواجع.

فهزت برأسها أن لا ثم قالت: لا أبدًا، أنا قصدي أقولك إن مامي شفق أحسن حاجة حصلت في حياتي، ويمكن ربنا بعتهالي عشان أحس بأي طفلة فقدت أمها ومحتاجة لأم تحتويها.

فابتسم وقال: يعني........

قاطعه رنين هاتفه فتأفف، نظر فيه فوجد أدهم فظل ناظرًا للهاتف كأنه يفكر إن كان يجيب أم لا.

لكنه شعر بشيءٍ مريب فجأة فأجاب: آلو.... أيوة يا أدهم..... في إيه؟ بتقول إيه!

.................................

NoonaAbdElWahed

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top