22: شهقة روح.
كنتُ أمشي لغرفة الملابس وعقلي مشغول بما حصل قبل البارحة، لم أتوقف عن التفكير بكل هذه التفاصيل، حتى أن نشرَوان شعر بالملل من كثرتها وذهب لعالمه باكرًا.
وبسبب ضياعي كدتُ أقع عدة مرات لأنني لم أكن مركزًا، وأخيرًا سينتهي اليوم كي لا يحدث شيء سيّئ.
«هل أنتَ بخير؟ كنت شاردًا كثيرًا اليومان الماضيان» سألت نورسين حالما أتت بجانبي، ابتسمت لسؤالها واومأت «شيء في العائلة» أجبتُ بصدق لتعقد حاجباها «لم أعلم أن أحد أفراد عائلتك هنا» قالت لأنفي برأسي وأجيب: «حتى أنا لم أعلم، أتوا البارحة. أنت كيف حالكِ؟» سألتها لتبتسم بخفة وترفع كتفاها وتذهب.
خرجتُ من المشفى وأخذتُ سيارة للفندق، يا ترا ماذا سيحدث هناك؟ هل سوف نتكلم مثل الحفيد وجده، أو كعائلة حقيقيّة، لا أعلم حقًا.
---
استقبلني آريان لندخل الغرفة ويقف نيد حالما رآني، قام باحتضاني بقوّة لأقف هناك دون حركة، لم اعتد على هذا التواصل الجسدي، حتى أبي لم يكن يحتضنني كثيرًا، ربّما مرة أو اثنتان طيلة حياته، وأمي لم تعرف التواصل الجسدي سوى بمحاولة قتلي أو تعذيبي، يا للسخرية.
طلب مني الجلوس على الأريكة لينظر لي دون أن يقول أحدنا شيئًا، ماذا الآن؟...
«أنتَ تشبه والدتك كثيرًا، لديكَ نفس عينيها بلون المحيط» قال لأبقى صامتًا، سأعتبر هذا مديحًا بالرغم من كل شيء.
«نشرَوان معك؟» سأل بعد دقيقة لأنفي برأسي «جيد، هناك شيء يجب أن تعلم حوله» قال وأشار لآريان، وقف وذهب للغرفة ليعود ومعه كتاب صغير. «هذا كتاب به كل المعلومات التي حصلت من بداية اللعنة حتى الآن، خذه واقرأه لكن دون معرفة نشرَوان. حتى قديمًا كان نشرَوان يخرج من أجسادنا، لهذا كل شخص منا كتب تجربته مع اللعنة أو معلومات عنها».
قال وأخذت الكتاب لأبدأ بتفحصه، يبدو قديمًا جدًا. «لكن هناك شيء آخر» أكمل لأنظر له «نحن نحاول إيجاد حل للّعنة» قال لينقبض قلبي وأردف بسرعة: «هل هناك حل للّعنة؟» سألته لينفي برأسه «لا نعلم بعد، في الكتاب وضعنا كل نظرياتنا لكن لا شيء منها يبدو منطقيًا، اللعنة بأكملها غير منطقية. وهذا سبب آخر كي لا تجعل نشرَوان يعلم بأمر الكتاب، لو عَلِمَ بأمره ربّما سيفعل شيء اسوأ من اللعنة، لذا خذ حذرك» قال لأومئ له.
لو كان هناك للّعنة سيكون هذا... لا أعلم ماذا سيكون حقًا، طيلة حياتي عشت بها ولم أفكر لمرة واحدة أن هناك حلٌ لها، بالذات لم أعلم أنها لعنة، ظننتُ أنني ملعون وحسب من الآلهة لهذا أعيش هكذا. نشرَوان اقنعني أنني ملعون وأنه من محض خيالي، أن أفكاري تتجمّع على هيئته، بحيث دماغي يخفف الصدمة علي بخلق شخصية أخرى، هذا اللعين.
«أعتذر لك» قوطعت أفكاري لأنظر له ويكمل: «أعتذر لك ولوالدتك لأنني تخلّيتُ عنكما. ربّما فات الآوان لكن أتمنى أن تصلح علاقتي بك قبل أن أموت» قال لأنظر للأرض، لا أعلم حقًا ماذا أفعل أو بماذا أفكّر.
«لا شأن لك بكل شيء، محاولتكَ بإعطائي الكتاب ومعرفتي بالحقيقة أمرٌ كافٍ بالنسبة لي» قلت ليبتسم.
أمضينا ساعة نتحدّث عن أي شيء، أمّي قديمًا، وبعض الحديث عن اللعنة، حياته بعد موت جدتي، حياة آريان.
---
جلستُ على الكرسي بالحديقة أحدّقُ بالكتاب بين يداي، أخاف أن اقرأه واكتشف شيء جديد يصدمني ويفسد عيشتي، أو أن أعلّق آمالًا على نهاية اللعنة ثم لا تحدث لأكمل حياتي هكذا، ملعونٌ حتى من راحة البال والتفكير.
نظرتُ للساعة وكانت تقريبًا التاسعة مساءً، نشرَوان عادةً يعود بعد منتصف الليل، لديّ وقتٌ كافٍ لأقرأ القليل من الكتاب. تخطيتُ خوفي وفتحتُه ليستقبلني خطٌّ متوسط الحجم، واضح أن من كتبه كان يكتب ببطء لأنه مرتب كثيرًا.
أوراق الكتاب كانت محددة، بحيث كل عدة أوراق عليها مشبك وورقة فوقها، وأوّل مجموعة مكتوب عليها مايسون، لكن مجموعة مايسون لم تكن من الكتاب نفسه، يبدو أنها من كتاب آخر وتم وضعها هنا.
«لا أعلم من أبدأ... المصحة أعطتني هذا الدفتر كي أكتب به علّ حالتي تخف، لكنهم لا يعلمون أن ما بي ليس مرضًا، ولو أنني أتمنى أن يكون مرضًا وأن ما فعلته فقط من محض خيالي.
بدأ الأمر حين بدأت أفكار غريبة تراودني، وحصل هذا بعد عشر سنوات تقريبًا من حادثة أبي، كنت، ولا زلت في حالة من عدم التصديق والحزن لما حصل، ربّما من منعني من قتل نفسي وجود نيد.
الأفكار كانت غريبة، وجدتُ نفسي اهتم لمن حولي، شيءٌ بعقلي يخبرني أن هذا يفعل هذا وذاك لا يفعل، وفجأة ذهبتُ لشراء مسدس رغم أنني لم أمسك واحدًا بحياتي، لنقل أنه لدي عقدة من الأسلحة. لكن مع ذلك الأفكار كانت تخبرني أنني بهذا انتقم لوالدتي، وكأنني انتقم من أبي بقتل كل من يحمل السلاح لأنهم يشبهونه.
الشيء المُحيّر أنني لستُ الشخص الذي ذهب لشراء السلاح، كنتُ أنا لكن بنفس الوقت لا، كما لو أن هناك أحدٌ يتحكّم بجسدي.
ثم بعد أسبوع من شراء المسدس قتلتُ أحدهم، لم أكن أنا لكنه كان أنا، لم أصدق أنني فعلتُ هذا، انهرتُ تمامًا، وحين وقعتُ على ركبتيّ ظهر أمامي بينما يقهقه بشر. لم أعلم ماذا أفعل، الخوف مما فعلت كان أكبر من خوفي منه.
أكملتُ حياتي بصعوبة، كنتُ أغيب معظم الوقت عن نيد كي لا أقتله، حتى عائلتي لم اقترب منها وذهبتُ للعيش مع نيد، أناقض نفسي وهو يعاندني.
ثم خطط لضحيتنا التالية، لأكتشف أننا نختار من يمسك سلاح بيده، لكنه لم يختر أبدًا أحد أفراد الشرطة. أخبرني أنني سبب اختياره للضحايا، وكل هذا يحدث بسببي، هو فقط يقرأ أفكاري وينفذها، وأنني أنا القاتل.
وحينها بعد شهر أتت ضحيتنا التالية، يومها عدتُ للمنزل وأنا مليء بالدماء ونيد من رآني، حينها انهرت وأخبرته بكل شيء، لم يصدقني لكنه خرج كي يثبت له مدى صحة كلامي. خرج وعرّفنا عن نفسه، ولم أصابتنا اللعنة بالذات، وكان كل هذا بسبب أبي، اللعين الذي حتى وهو ميت لا يتركنا وشأننا، وكلانا فقط ازداد حقدنا عليه.
لم يعرف نيد ماذا يفعل، مثلي تمامًا. لكنه وقف بجانبي، حاول إيقافي، ربطني بالحبال، الأصفاد، سلاسل حديدية، لكن كل هذا لم يكن نافعًا.
ثم أتى اليوم المشؤوم حين اكتشفت الشرطة أنني أنا القاتل، اكتشفوا أن الرصاصات مطابقة للسلاح الذي اشتريته وسلاح شخص آخر، يبدو أنني تركت رصاصة في مسرح الجريمة وغفت عنها.
وبعد التحقيق اكتشفوا أن سلاح الشخص لم يكن قد تم استخدامه بعد بينما سلاحي قد استخدمته، وبهذا تم القبض علي.
حاولت الشرح، وأمرت نشرَوان أن يخرج لكن اللعين لم يفعل، وبهذا تم الحكم علي بالسجن مدى الحياة مع العلاج النفسي لأنني بنظرهم مريض نفسي، وكم تمنيت لو أنهم محقون.
وها أنا الآن لوحدي بين أربعة حوائط، تاركًا خلفي زوجة وفتًى، أغلى ما أملك. وحتى الشيطان الذي كان سببًا في وجودي هنا ليس موجودًا، لوحدي تمامًا...».
أعدتُ مجموعة مايسون وقلّبتُ باقي الأوراق وكان بها أشياء عشوائية، الجملة التي يجب أن يتم قولها، ملاحظات عن الاكتئاب، سبب اللعنة التي أخبرنا بها نشرَوان البارحة، أفكار كل من نيد، مايسون وآريان، وبعض المعلومات عن نشرَوان.
أما الباقي كان فارغًا فقط هذا؟ أين حل اللعنة أو ما شابه، بقيتُ أقلّب حتى وصلت لآخر صفحة وكان يوجد رسمة تقريبيّة لشكل نشرَوان. علمتُ أنه لا يجب علي رفع آمالي لإيجاد حل للّعنة.
أغلقتُه بغضب ونظرت للساعة وكانت العاشرة، يجب أن أعود للمنزل قبل أن يأتي نشرَوان فقط للاحتياط، وقفت وبدأت بالمشي. سأكمل قراءة أفكار نيد وآريان بوقت لاحق، نشرَوان لا يمكن الوثوق به، وأنا لا أريد أن أخاطر بأن يتم كشفي.
لكن بالنظر لبداية اللعنة فيبدو أن نشرَوان لم يكن منظمًا كثيرًا، أعني ليس من عادة نشرَوان أن يقتل بمسدس، وحتى لو فعل فهو لا يترك أي أدلة خلفه. هو أصبح منظّم أكثر، يهتم بالكثير من التفاصيل حين نأتي للقتل، وحين سألته مرة كان كي لا يتم كشفنا، هو دقيق باختيار أماكن القتل والأدوات، أيضًا دقيق باختيار الأوقات التي نقتل بها، هو يستطيع التحكم بجسدي في أي وقت لكنه اختار هذان اليومان بالضبط، حتى أنه لم يشكفنا أحد، وفي بعض الأحيان تبدو عمليات القتل كما لو أن الشخص مات ميتة طبيعية مثل المشرفة.
وصلتُ المنزل وكان فارغًا، يبدو أن إليون ليس هنا، وضعتُ الكتاب بين مكتبة إليون كي لا يجده نشرَوان، لم أرى إليون قبلًا يقرأ من المكتبة لذا لن يقرأه، آمل ألا يفعل.
صعدتُ غرفتي وجلستُ اتأمل السقف، آمل ألّا أفكر بشيء عن الكتاب وهو بعقلي كي لا يكتشف.
دقائق حتى شعرتُ بشيء داخل جسدي لأشهق «مرحبًا يا مغفل» قال جملته المعتادة لأقلب عينيّ، دائمًا ما يقول هذه الجملة عندما يعود.
«اليوم كان طويلًا وأريد أن أنام، لذا لا تزعجني».
«انظروا من يتحدث، الشخص الذي خسر ثلاثة كيلو من وزنه بسبب تفكيره الذي أحرقني وأنا شيطان!» سخر لأتجاهله وأغمض عينيّ.
---
فصل فيو معلومات عن اللعنة من البداية للآن.
برأيكم هل في حل للّعنة فعلًا؟
أحبكم إيميز. 🖤
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top