بارت 33

كأمواج البحر الهائجة كانت مشاعره ! ، مليئة بالضياع ، الألم و الفراغ و كم انعكس كل ذلك بعيناه الفاترة و التي بدتا كخلية فارغة ! ...

خطواته ما كانت ثابتة حتى و أنى لها الثبات و الألم يعصف به جسدياً و نفسياً ؟ أين هو ذاهب ؟ لا يعلم حقاً و كيف يمكنه إستجماع أفكاره و شتات نفسه و هو الذي تبعثرت روحه عدة مرات بهذه الحياة و لم ترحمه منذ كان طفلاً ؟

خُصلاته الداكنة غطت معالم وجهه بشكل كبير فور توقفه أمام الشاطئ بمنطقة شبه معزولة عن البقية ، مُقلتيه شردت بالمنظر أمامه ، بتلك الأمواج المُتلاطمة كحال قلبه تماماً !

تسائل بداخله عن السبب بكل ما يحدث له ؟ هو أكان عليه ألا يبحث عن الدفء منهم ؟ من أسرته التي يفترض أن تكون بجواره مهما كانت الظروف حالكة ...

روحه تسائلت لأي هدف أنت كنت تسير ؟! ما كانت وجهتك النهائية التي أردت الوصول لها عندما بدأت بشق طريقك ؟! ماذا كنت تظن أنك ستحقق ؟

أغلق عيناه محاولاً الهرب من تلك الأسئلة التي باتت تتكرر بعقله ! بل هو أراد الهرب من كل شيء ، نفسه و أفكاره و كل من يعيش بهذا العالم ربما ؟ ... أن يغلق على نفسه للأبد دون الاهتمام للعالم الخارجي عله يحمي ما تبقى منه من فتات ...

رنين الهاتف جعله يفتح عيناه يرفعه دون النظر للشاشة حتى ، هو فقط لا يريد أي تواصل مع أي أحد فهل هذه غلطة ؟ أليس حقه بالنهاية ؟

الانزعاج بان على ملامحه عندما تكرر رنين الهاتف مجدداً و مجدداً بنوع من الاصرار مما دفعه لرؤية المتصل و أخيراً و لسبب ما قلبه ما شعر بالراحة لرؤية رقم مديره بالعمل ، هو فقط حدق به عدة ثوان قبل أن يقرر المخاطرة ربما حيث تبدلت نظراته لأخرى فارغة و كأنه غير مهتم حقاً بأي مما يحدث حوله لذا هو رفع الهاتف و وضعه على اذنه دون الحديث فأي مزاج يمتلكه للحديث حقاً ؟!

و ثوان فقط هي ما فصلته عن وصل صوت الطرف الآخر ينطق بنبرة جعلته يدرك التالي من نبرة الاستعلاء والتقزز التي حملتها :" عملك معي انتهى ، لا تأتي إلى هنا مجددا، مطعمي ليس مأوى للمجرمين ! "

هو اختتم عبارته يغلق المكالمة دون إعطاء الطرف الآخر أي فرصة للرد ثم حدق بجيكوب و والدته يشكرهما على ما قدماه له من خدمة ! فكيف يمكن لمجرم و سارق التواجد بمطعمه الذي يفخر به ؟

و بِناحية أخرى المعني بكل ذلك ما تحرك و لو لخطوة واحدة ، ملامحه كانت ساكنة و هو يخفض الهاتف ببطء بينما ابتسامة ما بدأت ترتسم على شفتيه بشكل تدريجي !

شد هو على الهاتف بيده بقوة بينما تلك الابتسامة بدأت تختفي حتى رفع يده عالياً قبل أن يرمي ما بها بأقصى ما لديه من قوة مُحطماً شاشته لأشلاء و قد ظهر صوته غاضباً ، حانقاً على كل ما حوله بينما يُزمجر :" سُحقاً لكم جميعاً "

و ربما أنه حسن حظه او حظ الآخرين أنه كان بمفرده هناك بلا تواجد لأحد حوله فملامحه ما كانت طبيعية مطلقاً بل هي تحولت لبرود شديد ، و كم هي شفافة حيث أوضحت رغبته بقتل أو تحطيم المزيد و المزيد !

عسليتاه راقبتا أشلاء الهاتف خاصته بينما تنفسه كان سريعاً كأنه بذل مجهود عظيم تواً ، شعر بأنه راغب بالبكاء لكنه قطعاً ليس ممن يفعل لذا و بصعوبة تامة هو جلس على تلك الرمال الناعمة محاولاً أخذ عدة أنفاس عميقة ! أن يهدأ أو يحاول على الأقل فعلها ..

و بالنهاية هو احتضن نفسه عندما أخفض رأسه يضعه على ركبتيه مغلقاً ذاته لحمايتها مُستعيناً بأصوات الموج الذي داعبت مسامعه تؤنس تلك الوحدة التي تكاد تفتك به !

####

الضوضاء و الحركة كانت كبيرة و بأي حال ما كان أي من هذا أمر غريب حقاً فبالنهاية من قد يجد الهدوء بكفتيريا الجامعة ؟!

و بين كل ذلك الضجيج جلس ليو على إحدى المقاعد يشرب من كوب القهوة الضخم الذي بيده بينما عيناه كانت تتابع حاسوبه المحمول باهتمام و تركيز شديد ! ...

معظم جروحه كانت قد اختفت بالفعل و أخيراً ، ملامحه كانت هادئة بينما يدقق بالملفات أمامه و بالمعلومات التي لديه بالحاسوب ، هو كان غارقاً بذلك عندما تقدم ابن عمه ليجلس مقابلاً له ينطق بهدوء :" ليو جدي يريد مقابلتك قريباً "

قطب المعني حاجبيه ليرفع بصره لمن أمامه يجيبه بسخرية :" لما هذا ؟! هل هو اشتاق لي ؟ "

حرك المعني كتفيه بلا اهتمام و هو ينطق :" من يعلم كيف يفكر هو لكن كما تذكر أنت لم تجلس مع أي منهما لوقت طويل و هو لم يفرض أوامره و قوانينه بعد عليك و أظن أن احداها ستقضي بأن تتخلى عن أعمالك الكثيرة تلك "

عبس المعني و هو يعيد بصره لما أمامه قبل أن ينطق بجد :" حسناً هذا متوقع نوعاً ما ؟! أعني بجدية أنا الآن بالكاد أجد وقت للدراسة فالوقت الذي يفترض بي الدراسة به بت أقوم بدراسة و متابعة الصفقات التي أقحمت نفسي بها "

هو انهى جملته بالكاد حيث تثائب بعدها ليرتشف المزيد من القهوة تحت أنظار سيتو الذي أسند وجهه على كف يده :" أنت تقود نفسك للهلاك لذا جيد أنك ستتخلى عن بعض تلك الأعمال ، و الآن أنظر الأسرة الثالثة التي تعمل معنا بالمشروع مع أسرة انجيلا أرسلت لي تقرير اليوم حول العمل و هو جيد حقاً ! و أمر آخر ..."

هو قطب حاجباه بتردد ليعيد ليو بصره له باهتمام ينطق بتساؤل :" ما الأمر ؟ "

عض سيتو على شفتيه لينطق بنوع من الارتباك :" الصفقة الثانية تمت ! لقد اكتشف عمي اليوم أنه لم يعد المسؤول عن الشركة خاصته ، و فقط من تواصل معي أخبرني أنه عندما أدرك أنك من سحبت الادارة منه هو فقط غادر بصمت و هذا مخيف نوعاً ما لذا أليس عليك الحديث معه ليو ؟ "

رجفة ما سرت بجسده و هو يتخيل أي نوع من الصمت هو الذي اتخذه والده ! أجل الصفقة الثانية كانت خيانة والده و سحب الإدارة منه لأنه رفض توقيع عقد إعادة الدمج بينه و بين الأسرة الأم ... !

لكن ما جعله ينتفض حقاً هو طلب الأخير منه ! ، الحديث معه ؟ أهو فقد عقله ؟

تنفس بعمق و قد أغلق عيناه ، حسناً الأمر مختلف تماماً صحيح ؟ هو سيفعل على الأغلب لكنه توقع ردة فعل أخرى من والده ، و هذا دفعه لإخراج هاتفه لتفقده الا أنه ما وجد أي اتصال او رسالة من كلاهما و هذا مخيف أكثر من اتصاله و توبيخه أليس كذلك ؟

أفكاره بشكل مفاجئ هربت إلى رفيق طفولته هو قال أنه سيراه اليوم صحيح ؟ إذاً لماذا هو الآخر لم يرسل له أين سيراه ؟ هل نسي الأمر حقاً ؟

عبس سريعاً فآلفين لن ينسى هذا ليس مع مقدار كرهه لجده و اسرته إذاً ربما انشغل بمحاضراته ؟! إن لم يظهر هو حتى موعد انتهاء عمله الأول سيذهب ببساطة لرؤيته بعمله كما هي العادة صحيح ؟!

و سيتو راقب تغييرات ملامحه بدقة مُفكراً أن هذا الفتى حقاً يسهل قرائته ؟ لكن رغم ذلك هو لا يعرف للآن ما هي نيته الحقيقية اتجاهه !

و للحق هو يحاول بشكل كامل ان لا يسمح لنفسه بالتفاؤل أو رفع سقف توقعاته فهذا فقط سيكون سخيفاً ، و مؤلماً لذا هو فقط سيوصله للقمة كما يرغب الان ثم فقط سينسحب ...

####

الشحوب كان طاغياً على ملامحه بينما يستلقي على فراشه بتعب ! كم يوم مضى دون وصول الطعام لمعدته ؟

سامويل لم يلغي أمره بعدم السماح له بتناول الطعام و ان لا يشرب الا مرة واحدة يومياً ...

هو و رغم أن عيناه كانت تحدق بالسقف بشرود إلا أن وعيه كان يُسحب منه بشكل تدريجي ، لذا هو حتى لم يُلاحظ باب الغرفة الذي فُتح بقوة و لا بجسد الأكبر الذي اندفع نحوه حتى أمسكه من ياقة قميصه يجبره على الوقوف أمامه ...

و هو شهق بشكل سريع يغلق عيناه بألم تام دون القدرة على الاستفسار حتى عن تلك الملامح الغاضبة كما الجحيم .

سامويل حدق به بنظرات نارية قبل ان ينطق :" أين هو ؟ مع من اتفقت لأخذ ذلك الطفل ها ؟ أقسم أنني حتى الآن لم أقم بِقتلك فقط لأجل احترامك يا هذا ! ، لأنني للآن أحاول التصرف كأخ لك لكنني مللت منك إيرنيست ! "

نظرات ايرنيست كانت تائهة بشكل كامل ، هو ما استوعب الكثير حقاً ، لم يفهم عما يتحدث به من هو أمامه ؟ لما هو غاضب أو لماذا يصرخ ؟ ما مشكلته الآن ؟

تقلصت ملامحه بألم عندما شعر برأسه يكاد ينفجر قبل أن تُغلق عيناه مُعلنة عن رحيل وعيه ... و هذا جعل الأكبر يكز على أسنانه بقوة قبل أن يلقي بجسد الفاقد للوعي أرضاً بينما يهتف بسخط :" أحضروا الطبيب لإيقاظ هذا اللعين الآن ! ثم خذوه للقبو أريد العودة لأجده واعياً و مربوط على مقعد ما بالأسفل مفهوم ؟ أو أقسم سأقتل كل المتواجدين "

أخفض المتواجدين من الخدم رؤوسهم باستياء تام بينما تحرك الحرس لتنفيذ أوامره لتخلو الغرفة مجدداً إلا من ذلك الجسد الذي توسط الأرضية بملامح هادئة رغم شحوبها ! ...

ذلك الجسد الذي تحمل الكثير حقاً و يبدوا أن أخاه لن يتركه إلا عندما تغادر روحه معه ...

####

القلق و الألم برفقة عدم التصديق كان ينهش بروحها بلا رحمة !

هي فقط لا تعلم ما عليها فعله بعد الآن و كيف يمكنها ان تفعل و قلبها يرغب بالتمزق لشطرين أحدهما لتحتوي به زوجها و الآخر صغيرها الذي لم تعد تفهم ما يفعله ؟!

ليو كيف أمكنه أن ينقلب على والده و لأجل ماذا ؟ أهنالك من يهدده ؟ و إلا هي لن تصدق ذلك حقاً ! لابد له من سبب و مقنع أليس كذلك ؟!

جلست على الأريكة المُقابلة لتلك التي يستلقي زوجها عليها بينما أخفضت رأسها تدفنه بين يديها ، الآن فقط أي مصير هو هذا الذي ينتظر أسرتها ؟! لما كل هذه المشاكل تطاردهم ؟

ألن يعود الاستقرار الذي فقدوه لهذا المنزل مهما حاولت ؟! بحق كل شيء هي تعبت و بشدة ، منذ حادثة سجن صغيرها ، لم تسبب مشاكل لزوجها لأنها تعلم أنه كان مُنهار بحد ذاته لأجل صغيره فهما كانا مقربين ، يشعر بالعجز و الاستياء التام من نفسه لأنه ما تمكن من انقاذه ..

لذا هي حافظت على ابتسامتها لأجله و لأجل صغيرها الذي ما أرادت ان تستقبله بشخصية مهتزة ، بأسرة محطمة لكن صغيرها من عاد بشكل مختلف ؟!

أو لا هو ما كان مُختلفاً بقدر كونه غير واثق ، أجل هي والدته و تدرك أنه ما كان يثق بأي منهما و بذات الوقت يشعر بالذنب لأنه يرى نفسه سبب المصاعب التي واجهتهم ! ، و لكن هل معرفتها الدقيقة هذه بمشاعر صغيرها كانت ذات فائدة ؟ أي نوع من الامهات هي التي لا يمكنها بث القليل من الدفء بقلب صغيرها ؟

دموعها انهمرت و أخيراً بعد كفاح دام لسنوات مُعترفة بفشلها التام بأداء دورها بإسناد هذه الأسرة الصغيرة ، لم تعد قادرة على التبرير لزوجها أكثر و كيف تفعل و هي ما عادت تفهم شيء ؟

صوت بكائها دفع الآخر ليبعد يده عن مقلتيه يحدق بها بشرود تام ! إذاً زوجته وصلت لأقصى حدود تحملها بالفعل و هو أكثر من يدرك ما مدى صلابتها بالعادة !

عض على شفتيه فهو أول ما خطر بباله هو المغادرة فقط لكن أي نوع من رد الجميل لها بانسحابه فقط ببرود أو انزعاج لأنها سمحت لدموعها بالانهمار و أخيراً بعد كل ذلك الصبر معه ؟!

لذا نهض من مكانه بنية الجلوس بجوارها و احتضانها إلا انه بالكاد اعتدل بجلوسه حتى بدأ هاتفه بالرنين و هو أراد ببساطة تجاهل المكالمة بعد كتم صوتها كما فعل سابقاً فمن سيتصل سوى الشركاء و بعض الشامتين ربما إن وصل لهم الخبر ؟

إلا أن عيناه اتسعت و هو يراقب ذلك الاسم الذي أضاء شاشة هاتفه بدهشة هذا كان آخر من يتوقع اتصاله !

لا بل ربما هو الرقم الذي تمنى رؤيته على هاتفه وحده كما الآن !؟ لذا هو أجاب على تلك المكالمة و رفع الهاتف ليضعه على أذنه دون أن ينطق بحرف واحد !؟

و لورين رفعت رأسها بينما تحاول مسح دموعها لتراقب ردة فعل زوجها الغريبة ؟ قلبها خفق بشكل سريع مع تلك الخاطرة التي مرت بعقلها مما دفعها لتتقدم و تجثو أمام برايان تحدق به بلهفة ؟

بينما من على الطرف الثاني ابتلع رمقه فور استشعاره لذلك الصمت القاتل ! هو أغمض عيناه لوهلة عله يستجمع قواه قبل أن ينطق بنبرة بقدر ما حاول جعلها هادئة هي كانت مرتبكة تماماً و مُبعثرة كحال صاحبها :" أبي ؟! "

سماع تلك النبرة و هي تناديه باللقب الذي توقف ابنه عن مناداته به منذ خروجه بالسجن جعله يعض على شفتيه مانعاً ابتسامة ما من الظهور فلا يعقل أنه سيسامحه بتلك السهولة صحيح ؟

هو أبعد الهاتف ليفتح المكبر و يسمح لزوجته بالاستماع و التي ابتسمت لحركة زوجها تلك فهي ألا يحق لها ادراك ما يحدث ؟

و ابنهما بعثر خُصلاته الزرقاء ليهتف بنوع من العبوس الطفولي :" أيمكنك أن لا تستخدم أسلوبي ضدي ؟ هذا فظيع أنت من يردد دائماً أنه علي التحدث أليس كذلك ؟ لذا فقط لا تصمت أيمكنك ؟ "

أغمض برايان عيناه و هو يعيد ظهره للخلف فنبرة ليو بنهاية جملته تحولت لأخرى هادئة و متوسلة ؟ هذا دفع الأكبر لينطق بنبرة بان بها شيء من العِتاب و التعب :" أنا تحدثت كثيراً ليو لم أعد أمتلك ما يمكنني قوله لك ! هو دورك أنت إن كنت حقاً مهتماً و إلا فطريقك أمامك افعل ما يحلو لك "

وضعت لورين يداها على شفتيها لتمنع شهقة ما من الخروج بينما دموعها عادت لتنهمر بلا إرادة فماذا إن اختار صغيرها الابتعاد فقط ؟

و تلك الأفكار المشؤومة تم قطعها عندما صدرت شهقة من الأصغر و هو ينطق سريعاً :" أنا لا أعلم كيف يمكنني تبرير ما حدث لكن تدرك أنك من رفض مشروع الاندماج أولاً ! اعني أنت ستكون المدير كالعادة للشركات كلها بعد اتمامه ! "

خطوات ليو توقفت أمام المتجر الذي يعمل به ليستند للحائط من خلفه و هو يردف بخفة دون تفكير حقيقي :" لا يمكنني التبرير حقاً لكن أنت يجدر بك أن تعلم أنني ابنك أنت ! لن أقوم بأي عمل أدرك أنه سيؤذيك و لو كان الثمن حياتي ! لذا فقط عليك معرفة هذا اظن بل أن تثق بهذا "

هو لم يفهم الكثير حقاً و من يلومه مع كل تلك الأحاديث غير المفهومة ؟ لكن عيناه اتسعت كما لورين مع كلماته الأخيرة ، هي كانت دافئة بطريقة ما ، دافئة للدرجة التي جعلت ابتسامة هادئة ترتسم على وجه الأب الذي نطق بهدوء :" غداً مساءاً أنا و والدتك سنكون معك "

هو أنهى عبارته تلك ليغلق الخط من فوره بينما ابتسمت زوجته بسعادة و قد مسحت دموعها بالكامل لتهتف :" سأقوم بإعداد الحقائب فوراً "

و بالفعل هي ركضت لتفعل ذلك ! و من خلفها تنهد برايان فهل هو يحاول إعادة مكانته و والدته لما كانت عليه قبل تلك الحادثة ؟ أهذا ما يسعى صغيره له ؟

ألا يدرك أن أفضل ما يفعله لأجله هو أن يكون بخير و يبتسم دائماً كما كان ؟

و بالطرف الآخر بقي ليو يحدق بالهاتف لوهلة قبل أن يضرب جبهته بيده هامساً لنفسه :" مذهل ! أنا لا يمكنني مقابلة أي منكم هذا فظيع ليس بعد آخر عبارة نطقتها ! "

العبوس طغى على ملامحه بشكل كامل بينما يدخل للعمل ، هو بالكاد نطق تلك العبارة المُحرجة ! لكنه يدرك أنها كانت أقل ما يمكنه قوله بعد ما فعله ...

ابتسامة ما ارتسمت على ملامحه فوالده رغم أنه خانه قام بإعطائه خيار بالبقاء و لو كان شخصا اخر لأرسل له رسالة ليركله خارج الاسرة ببساطة دون أي تخيير ، لكن حقاً هو فقط محظوظ و ليس و كأنه اكتشف هذا تواً بل ربما هذا كان أكثر ما يؤلمه دائماً أنهما أفضل بكثير مما يستحق !

####

الهدوء كان طاغياً على تلك الغرفة حيث كان هنري جالساً بالقرب من الحاسوب بهدوء تام فعقله مشغول بالتفكير بما أمامه فقط ، أولاً هو إكتشف عن طريق إختراقه لموقع العصابة أن لا أمر حقيقي صدر للحاق بهاري كما ادعى أبيل حقاً !

أي أن ذلك الوغد قام بخداعه بشكل كامل لكن لماذا ؟ إلى أين يود الوصول و ما هي غايته الحقيقية من خلف ذلك ؟ أكان راغباً بالتخلص منه فقط أم له أهداف أخرى ؟ و الأهم هل برحيله وصل هو لأهدافه أم أنه لازال يحتفظ بالمزيد ؟

لا يهمه نفسه حقاً بقدر قلقه من معرفة ذلك الفتى لتوأمه أيضاً فهو قال أنه يمتلك صورة له مع جرويه أي هي حديثة ؟ فقط كيف أمكنه الوثوق بشخص كهذا بحق الإله ؟

و ما قاطع أفكاره كان ذلك الصوت الذي صدر من معدة الصغير ؟!

هو أخرجه تلك الهالة السلبية بالكامل إذ هو ما لاحظ أنه أثناء غرقه ببحر تلك الأفكار كانت ملامحه حادة بشدة ! ... إلا أنه الآن حول بصره للصغير الذي كان من الواضح على وجهه أنه يحاول التظاهر بالقراءة مُتجاهلاً ذلك ؟

و هذا دفع القليل من التوتر للأكبر فكيف يفترض به التصرف معه حقاً ؟! لذا تنهد بتعب تام قبل أن ينطق بنبرة هادئة :" أنت جائع ؟ "

شهقة قصيرة هربت من الصغير الذي انكمش على نفسه و هو يخفض رأسه بخوف و قلق ؟

و هذا دفع الأكبر لينطق باستنكار بينما يخرج هاتفه :" أنا لن أتناولك كما تعلم لا داعي لكل هذا ! "

أجرى بعدها مُحادثة مع خدمة الغرف لإحضار الطعام لهما بينما وقف الصغير أمامه حيث انحنى بخفة له و دون أن يترك له أي فرصة للرد هو ركض عائداً لفراشه !

هو فقط خائف ، لا يعلم ما هو مصير من يفترض أنه عمه و هو تمكن من إستيعاب أن السبب هو زيارته له !؟ أي لو لم يقم بزيارته و الاعتناء به لكان بخير صحيح ؟ هو اسند جسده لوسائده حيث أغلق عيناه لئلا يبكي فآلفين وعده بالبحث عنه صحيح ؟

و الأكبر انتبه لذلك لكنه لم يستطع مواساته وهو بالكاد يتمكن من قول بضع كلمات له ، تركه بحالته تلك وركز على ما يقلقه هو ، اكتشافه أمر أبيل ذاك جعله يفكر ملياً بالأمر بل هو حتى نسخ كل المعلومات التي تخص أبيل لدى العصابة ليتفقدها !

ظلت عيناه تجول بين تلك المعلومات بحذر شديد وغضب ناتج من فكرة أنه خدعه لمحاولة أذية تؤامه ، عض على اظفر اصبعه الأكبر بغيظ وتوتر من كل الأفكار التي تنتابه حتى توقف فجأءة عن كل ذلك يحدق بالصورة التي تخص أبيل بدقة ... !

كان يرتدي بها قميص أبيض و حسب ويوجد على صدره لأيمن خدش يمتد لمسافة مجهولة المقدار ، عيناه حدقت به لثواني بينما يرمش بحيرة تامة وعقله يحاول إنكار ما يفكر به ...

لم تكن فكرة واردة أو هذا ما أراد إقناعه نفسه به ، سرعان ما غاص بأفكاره بتوتر تام وضياع وهو يربط كل شيء معاً، وضع يده على جبينه حين شعر أنه بدأ يشعر بالدوار بسبب تعقيد تلك الأفكار ، أعاد بصره للصورة يحدق بذلك الجرح من جديد ، يذكر أن تؤامه يملك جرح كهذا لكن لما أبيل يملكه؟

لا يعقل أنه تؤامه صحيح ؟ لكن حينها سيكون كل شيء منطقي ومعرفته واهتمامه كله كذلك ! تردد حقا بخطوته التالية لكنه شعر بنفسه يخرج هاتفه بتردد قبل أن يفتح سجل المكالمات وهو ما يزال بحيرته ذاتها ، ايتصل ويجازف؟ ولم يتأخر فقد قرر الاتصال والتأكد افضل من أن يقتله القلق وحسب !

ادخل رقم أبيل و ضغط زر الاتصال وقد كانت ملامحه كلها غير طبيعية وقلبه ينبض بخوف شديد من أن يحصل على جواب يجعله يندم بقية حياته ، فور أن سمع صوت رفع الخط تحدث بجدية تامة رغم نبرة التسائل فيها :"هاري ؟"

و المعني بكل ذلك كان يجلس بهدوء يحدق بالوصي عليه بملل شديد فهو يفترض به إخباره بالجزء الثاني من الخطة صحيح ؟

تنهد بملل حتى رن هاتفه الخاص بالعصابة ليخرجه و قد توتر عندما لاحظ اسم المتصل ! لما هتري يتصل على أبيل ؟

هو وضع من فوره جهاز غير الصوت قبل أن يجيب و قد قطب حاجباه فور وصول ذلك التسائل ؟ أهو كشفه ؟ ضربات قلبه ازدادت بينما أجاب باستنكار :" و أنا من ظن أنك اشتقت لي لكنك مدربي أخطأت بالرقم على ما يبدوا أرقم هاري مشبه لرقمي ؟ "

وهنري لم يجب فوراً بل تردد بما عليه فعله لكنه قرر أن يسأل بضع أسئلة قد تفيده بالاستنتاج فإن كان توأمه هو غالبا لن يعترف لذا تحدث بهدوء مريب :" أنا من اتصل لذا أنا من يحق له أن يسأل ، لما كذبت بشأن هاري ؟! "

نطق الآخر بنبرة هادئة :" إكتشفت الامر إذاً ؟! إذا ألم يخبرك مصدرك بالسبب ؟ "

هنري أجابه بجدية امتزجت معها حدة بسبب رؤيته تلاعب من أمامه بالاجوبة :" أنا من يسأل هنا ! أنت اجبني ! لما كذبت هكذا ؟! "

تنهد أبيل بتعب قبل أن ينطق بمرح :" لأنه تمت ترقيتي ! أتعلم تخلصت من المزيد من الأشخاص بطرق مختلفة ! أغلبهم سلمتهم للشرطة لكن شعرت أنك جيد لذا اخرجتك فقط "

لم يقتنع هنري حقاً بكل هذه الحجج فتحدث بحذر :" أنا جيد ؟ دون الجميع ؟ هذا لا يفسر معرفتك باخي ومحاولاتك البائسة لجعلي اتناول الدواء "

رمش الأصغر عدة مرات قبل أن يقف و هو يهتف :" بائسة ؟ هل سمعت يوماً بشخص أُعجب بأحدهم و تركه يموت ؟ و ثم أنا بحثت عنك و عن معلوماتك بالعصابة منذ اليوم الذي طلب مني مرافقتك ! لذا طبيعي أن ابحث عن ورقتي الرابحة التي ستجعلك تخضع ان اضطررت "

رفع حاجبه بإستنكار تام وهو يسأل بينما يشعر أنه فقط أسكته حقا بتبريره رغم ذلك لم يقتنع حقا :" ولما أنت انضممت لهم بأي حال ؟! "

تنهد المعني و هو يعود للجلوس  بتعب :" لأنني أنا أنوي الانتقام منهم لسبب شخصي ! "

ضيق الأكبر عينيه من فوره وشعر بالخوف من جديد ، تسائل بذات حذره السابق :" ما سببك ؟ وما علاقة هذا بإبعادي؟ كان يمكنك جعلي بصفك مثلا ! "

ابيل آمال برأسه بينما ينطق :" لما أنت خائف الآن ؟ سببي كما قلت شخصي ثم أنت تتحدث و كأن العصابة لم تؤذي أحد ! و أنت كنت تمنع ترقيتي فسام يضع جل تركيزه عليك ! "

صمت هنري يفكر بعمق دون رد يذكر ، هو غير مقتنع لكنه يريد الاقتناع أن أبيل ليس هاري ، وبدون سابق إنذار خطرت له فكرة جعلته يتحدث سريعاً:" اذا طلبت مقابلتك هل ستوافق ؟ "

رمش عدة مرات و هو ينطق بهدوء :" لا ، أأنت أحمق ؟! أتدرك ماذا قد يحدث حينها ؟ "

أجابه الأكبر بثقة " اعرف كيف أتصرف ، أنت وافق ولا تتدخل ! "

هتف ابيل بسخرية :" أنت ألا تحلم ؟ أتدرك أنني سأعرض نفسي للخطر أن تواجدت معك و رآنا أحد ؟ لا اعلم ما يدور بعقلك حقا لكنه جنون "

اجاب بذات ثقته السابقة في محاولة لمحاصرة أبيل :" قلت لك لا شأن لك ، لن يعلم أحد ! أنت فقط وافق واللعنة ! ألا إن كان لديك سبب أكثر منطقية ! "

تنهد باستياء تام و هو يجيبه :" و هل هنالك ما هو اهم من حياتي ؟ لست متهور مثلك و أحسب خطواتي جيداً أي جنون هو ما تطلبه مني قد يسبب بمقتلي قبل تحقيق غايتي "

اقترح هنري بإصرار أكبر :" إذا فقط مكان معين لن نتقابل وجها لوجه ! ساخبرك أن تذهب إليه وحسب !"

تنفس بعمق و هو يجلس واضعاً قدم على أخرى :" لا أفهم ما هي مشكلتك حقاً اليوم لكن حسنا موافق "

و المعني تنهد براحة وأخبره سريعا " سارسل لك الموقع والوقت بعد قليل ! "

أغلق الخط من فوره ولم يأخذ استراحة حتى بل من فوره ضغط زر الاتصال على رقم آخر ولم يكن سوى هاري !

وضع السماعة بحذر وهو يعيد جسده للخلف يسند ظهره للسرير بينما ينتظر جوابه أما ألكسندر فقد كان يحدق به بنظرات جانبية وحيرة تامة دون فهم ما يجري !

أبعد هاري جهاز تغيير الصوت ليحدق بمارسيل و كأنه يود اخباره بكارثة الا رنين هاتفه ذاك جعله يشهق من فوره !

هو لا ينوي تركه يرتاح حتى ؟!

أخذ نفساً عميقا قبل أن يجيب لينطق بمرح :" هنري أتدرك كدت أتصل بك تواً ! حدثت الكثير من الأمور هذه الفترة "

وهنري رسم ابتسامة صغيرة على شفتيه فور سماع صوت تؤامه لكنها سرعات ما تحولت لنظرات قلق وببراعة تامة أخفى مشاعره من صوته ليجيبه بحنانه المعتاد :" أوه أخي ماذا حدث ؟ أخبار جيدة أم العكس ؟! "

ضحك توأمه بخفة :" بل هي أخبار متوسطة ! لا سيئة و لا جيدة ! أولاً أنا سأعود للدراسة لكن ليس هذا العام فقد رفضت ذلك رغم عرض مارسيل ذاك ! و ثانيا دخلت لنادي يعلم فنون الدفاع عن النفس و أكاد احصل على اول حزام به ! أليس لطيفاً ؟ "

هو عبس قبل أن يكمل :" المشكلة أن شهيتي باتت أقل حتى للحلوى "

رمش هنري عدة مرات قبل أن يبتسم بخفة :" أحسنت أخي حقا يسعدني سماع هذا منك ! اجتهد جيدا موافق ؟! أما بخصوص الحلوى فهذا سيء حقا !ما سبب انخفاض شهيتك؟! "

هو عبس مجدداً ليهتف بطفولية :" بسبب الحمية التي طلبها المدرب لنمو العضلات ! أتتخيل كم هذا فظيع ؟ لكن بات لدي عضلات صغيرة لذا لا اعلم ايستحق هذا ام لا ! "

ضحك من فوره فور سماع هذا ليتحدث بهدوء " وقت مؤقت وحسب ، ستنفعك هذه الدروس لذا اصبر قليلا أخي ! "

هو ابتسم فور سماعه لتلك الضحكة لينطق بهدوء :" اشتقت لك و لضحكتك هذه بشدة اتعلم هذا ؟ "

سماع ذلك جعل الأكبر يصمت لثواني بتفاجأ قبل أن يبتسم من جديد :" سنلتقي ذات يوم أخي سنفعل دون شك !"

تغيرت ملامحه للجدية وظهر بعض الهم على ملامحه وهو يتحدث بتردد شديد وشيء من الشعور بالذنب أزعجه فلو تبين انه مخطأ سيغضب حقاً من نفسه للشك بتؤامه لكنه لاجل سلامته بأي حال !
:" هاري ، هل لديك وقت لنلتقي ؟ "

هو أومأ له بخفة ! قبل أن يضيق عيناه فهو أراد ابعاده عن الموضوع الرئيسي لكن يبدوا أن شك شقيقه أكبر مما يتصور ؟!

لذا هو نطق بعد فترة من الصمت بضحكة ما :" أخي اللطيف هل اشتقت لي ؟ أم تريد رؤية العضلات ؟ "

أجابه بابتسامة صغيرة يجاري ابتسامته تلك :" كلاهما أظن ، إذا هل أنت موافق ؟ "

أجابه الأصغر بنبرة طفولية :" تظن ؟ إذاً لا هذا و لا ذاك !؟ ماذا تريد من رؤيتي بما أنك لم تشتق لي حتى و للعلم ارفض ذلك ! "

نطق هنري بشك تام " لما ترفض ؟!"

و هاري شهق من فوره :" لأنك اعترفت تواً أنك لست مشتاق لي حتى ! أساساَ انت تتصرف بشكل مريب منذ ظهور آلفين ذلك اليوم ، و أجل علمت اسمه بالفعل لانني طلبت من مارسيل التحقيق بشأنه ! انت لا تظن ان تصرفاتك تلك قد نسيتها انا تجاهلتها لأنني مللت حقاً من الشجار معك بينما أنت توأمي و أي كلمة منك او فعل ما يمكنه قتلي "

أجابه الآخر بصوت مرهق :"هاري ، هل أنت أحمق يا أخي ؟ طبعا اشتاق لك وأكثر مما تتصور ! لكن أرجوك فقط نفذ لي هذا الطلب ، لكي اطمأن ! أو فقط اجبني بصدق تام ، هل تقوم بأي شي خطير هذه الفترة ؟! "

تنهد هو الآخر بينما ينطق بقلق :" لا أعلم هنري حقاً ما بك !؟ تبدوا مختلفاً اليوم ، هل حدث أمر سيء معك ؟ أأنت بخير ؟ أين انت اساسا ؟ "

شيء من الضيق ظهر على صوته دون شعور :" هاري ، أنا بخير فقط يمكن القول اني أشعر انك لست بخير ! أو تقوم بأمر لا يفترض بك القيام به ! لذا أرجوك فقط اجبني أو نفذ لي ما طلبته ودع الباقي لي موافق ؟!"

بعثر هاري خصلات شعره و هو ينطق بنبرة هادئة :" كالعادة أنت فقط لا يمكنك الثقة بأحد آخر سواك و ان كان توأمك صحيح ؟! افعل ما يحلو لك اخي الى اللقاء الان لدي عمل "

شهق فور سماع هذا وكان على وشك الحديث من فوره إلا أنه سمع صوت قطع الخط مما جعل عيناه تتسع قليلا قبل أن يهمس بألم شديد " سحقا فقط ! سحقا لكل شيء ! "

رمى الهاتف أرضا بقوة والكسندر فقط شهق برعب من غضب هنري و هذا فقط جعل هنري يدرك أنه نسي أن الصغير هنا قربه !

التفت يحدق به لثواني قبل أن يخفض رأسه ثم نهض سريعا من السرير بينما يأخذ عدة التنكر :" سأذهب للمشي لا تخاف من البقاء وحدك صحيح ؟"

والصغير همس بصوت بالكاد وصل لهنري :" أجل !"

وهذا جعل هنري يخرج من فوره وهو يشعر بالألم بشدة وقلقه لم يرحل مطلقاً ! هو الآن ضائع بين مشاعر توأمه التي جرحها على ما يبدو بغباء وبين قلقه من أن يكون هاري هو أبيل ذاته وبين رغبته بالاطاحة بسام بأسرع وقت ممكن ! استيائه جعله يخرج سائراً بخطوات غاضبة ومتعجلة إلى اللامكان في محاولة فاشلة لإخراج غضبه !

####

تنهد بتعب بينما يقوم ببعض الحركات الرياضية لتمديد جسده عله يطرد النعاس و التعب من كيانه !

رغم ذلك هو فشل حيث تثائب ليسير باستسلام مقرراً شراء كوب قهوة كبير مُركز بينما يتجه لعمله الثاني إذ ذلك المطعم السخيف ذو فرقة المهرجين بانتظاره ...

بجدية أول ما سيقدم استقالته له هو هذا العمل المختل ! مدير فظيع و فرقة من الحمقى كيف هو لم يلاحظ وجودهم عندما ذهب لتقديم طلب التوظيف ؟!

تنهد بتعب قبل أن يفكر بوالداه ! هما قادمين غداً أيفترض به أن يأخذ إجازة ما ؟ بعثر خُصلاته الزرقاء الداكنة فغداً مساءاً لديه احتفال صغير عليه حضوره بمناسبة حفل ميلاد لرجل سياسي كبير !

ما شأنه ؟ حسناً لقد انتشر بالصحف و الأخبار بالفعل نبأ عودته لأسرة سوين لذا هو سيذهب مُجبراً فكما قال سيتو عليه العودة لهذه الأجواء ، كما أن الحفل سيضم الكثيرين ممن يمتلك النفوذ و المال حقاً !

هو رمش بينما يفكر أن جد آلفين و أسرته قد يتواجدون أيضاً فجده أحد أكبر و أشهر القضاة و ابنه الأصغر يكاد يصبح بشهرته بينما الأكبر تمكن من إنشاء شركة تخصه من الصفر حيث بدأت بغرفة صغيرة و الآن هي واحدة مهمة نوعاً ما و بمدة قصيرة حقاً ..

هو ما كادت أفكاره تنتقل لشيء آخر حتى توقف بمكانه تماماً ! فهنالك سؤال يشغل عقله أكثر من كل ذلك الهراء بالأعلى و هو أين شقيقه ؟

آلفين أين بحق كل شيء ؟! هو عبس قبل أن يرفع هاتفه للاتصال به فهو يفترض أنه بعمله الآن صحيح ؟

قطب حاجبيه بقلق و هو يستمع للصوت الذي يخبره أن الرقم المطلوب مغلق ! لما آل قد يغلق هاتفه ؟ أحدثت مشكلة ما ؟ أهنالك من أزعجه حقاً ؟

و بما أن ضربات قلبه بدأت تنبأه بوجود أمر خاطئ بينما احتله فجأة شعور مقيت يملئ عقله بالكثير من الأفكار المشؤومة هو اندفع مُتجاهلاً عمله حيث أن رؤية آل تُعتبر الآن أولويته الأولى !

لكنه ما كاد يخطو و لو لخطوة واحدة حتى التف بسبب صوت مزمار إحدى السيارات و هو قطب حاجبيه يحدق بسيتو الذي خرج منها ينطق بهدوء :" وجدتك ! جدي يريد منك القدوم فوراً "

حدق ليو به قليلاً و كاد يتجاهله بالكامل إلا أن ابتسامة ما ظهرت على ملامحه لينطلق من فوره حيث جلس بجوار السائق ينطق بهدوء :" لنذهب إلى مكان عمل آلفين أولاً "

حدق الأصغر به بنوع من الاستنكار التام بينما يهتف :" هل سمعت ؟ قلت يريدك حالاً و أنت تود الذهاب الآن ل... "

صمت عندما قاطعه ليو بنبرة مشابهة لخاصته :" إلى متى أنت سترتجف خوفاً بسبب أوامره ؟! هذه نقطة ضعف بنظره ! "

تنهد و هو يرفع يداه فوراً بينما يردف :" و هذه ليست نصيحة ! ليست لأجله بأي حال بل فقط لتعيش أنت حياتك كما ترغب "

أومأ سيتو له بصمت حيث حرك كتفيه بلا اهتمام و قد بدأ بالقيادة :" حسناً بأي حال أنت من سيواجهه لا أنا ! "

لم يجبه ابن عمه بل فقط حدق من النافذة بشرود تام ، شيء ما يزعجه و ربما ذلك لن يختفي إلا برؤية آلفين بخير ! كم مضى على معرفتهما ؟ هو لم يقم من قبل بإغلاق هاتفه !

آلفين لطالما كان مُراعياً حيث لم يكن يتصرف بطيش مثله إذ هو ما كان يمانع أن يسبب القلق لأحد إن أغلق هاتفه عكس رفيقه الحريص على إبقائه مفتوحاً دائماً و يعتني بشحنه جيداً ..

إذاً الآن ماذا حدث ؟! أهنالك من قام بأذيته ؟ ملامحه احتدت فجأة بغضب ، مجرد تواجد أفكار كهذه تجبره على إظهارها ! فمن قد يجرأ ؟

لاحظ سيتو ملامحه تلك ليحدق به بحيرة تامة فما هي مشكلته حقاً ؟ من الواضح أنه

شارد تماماً إذ هو ما تحرك من مقعده رغم أن هنالك فترة مضت على تواجدهما أمام المكان المطلوب ؟!

لذا هو نطق بهدوء :" وصلنا ليو ألا ترغب بالدخول ؟ "

و تلك الجملة سحبته من أعمق أفكاره ليحدق بقائلها قليلاً قبل أن يسير للخارج سريعاً و الآخر تبعه بنوع من القلق فهنالك شيء ما خاطئ أليس كذلك ؟!

و بجهة أخرى جلس مالك المكان خلف مكتبه ذو الجدران الزجاجية ليراقب ما يحدث بدقة بصالة الزبائن ، إلا أن وجهه كان مُتكدراً على خلاف الأيام السابقة التي كانت ابتسامته تزين ملامحه !

هو لا يمكنه تصديق أنه قام بتوظيف مجرم ما بهذا المكان الذي طالما إفتخر به ، ألا يُعد هذا تلويثاً له ؟! أخرج عدة أنفاس عميقة يُذكر ذاته أنه طرده لذا ليهدأ فقط ؟

إلا أن ذلك الهدوء اختفى و قد عاد شيء من الكدر لملامحه فور رؤيته للشاب الذي دخل تواً يتسائل بأعماقه هل هو يعرف حقيقة صديقه ذاك ؟

أراد فقط تجاهل الأمر لكن أليس من واجبه أن يخبره ثم ليفعل ما يريد ! ، ليس و كأنه يهتم حقاً و لو ذهب كلاهما للجحيم ...

نهض من موقعه خاصة عند رؤيته لليو يقترب من مكتبه حيث قابله أمام الباب يكتف يداه لصدره و قد نطق قبل ليو و من معه :" إن كنت تبحث عنه فقد تم طرده ! و للعلم فقط هو مجرد مجرم وضيع حيث تبين أنه قاتل منذ طفولته و آخر ما تم إضافته لسجله هو سرقته لمنزل عمه ! أتتخيل أنه سرق مجوهرات زوجته و شقيقتها ؟ "

أردف بعدها بضيق أكبر :" حقاً أنا ممتن لشقيقتها و ابنها لاخباري بكل هذا ! و هم حقاً نبلاء حيث أعطوه فرصة ما لإعادة المال بدل زجه بالسجن ! "

بالبداية هو فقط دهش فلماذا قد يقوم بطرده لكن تتمة الحديث و بكل حرف كان يشعل به نوع جديد من المشاعر المُتدفقة !؟ هو يعلم أن هنالك من لا يتقبل وجود شخص خرج من السجن !؟ لذا كاد يحدق به بسخرية فلماذا عليه التعامل مع شخص مثله ؟

إلا أن تتمة تلك الجملة و ما تلاها جعل عيناه تتسع و بشدة ! سرقة ؟ أهو قال زوجة عمه و شقيقتها و ابن الثانية ؟ أي كل تلك التحذيرات أتت بلا فائدة ؟

تلك المختلة ماذا فعلت بشقيقه ؟ عض على شفتيه بقوة حيث كاد يغادر لولا أن من أمامه نطق بنوع من التحذير :" الأفضل لك البقاء بعيداً عنه أيضاً "

و هذه كانت فوق طاقته ربما ؟ فمن يعلم كيف هو ابتلع غضبه مقرراً المغادرة بسلام أولاً إلا أن جملته هذه دفعته ليحدق به بملامح مُرعبة حيث يمكن للواقف بمواجهته أن يقسم بأن أعين ليو الزرقاء احتوت على لمعة تفيد أنه مستعد لقتله الآن !

أجل تشير أن هنالك وحش ما قابع بالأسفل و هو يوشك على الاستيقاظ أو ربما أيقظه تواً !؟ و حقاً لم يفهم لما او كيف تحول ليو اللطيف لهذا ؟

سيتو تراجع للخلف و هو يضرب جبهته بيده ، يبدوا أن مشكلة ما ستندلع الآن و ظنه لم يخب إذ أمسك من معه المدير من ياقته يقربه له بشكل وحشي بينما يهمس بنبرة باردة اثارت القشعريرة بجسد الآخر :" دعني أوضح لك أنني كنت شريكه بتلك الجريمة ! و أنك وقعت تواً على ورقة لا خروج منها يا عديم الفائدة لكن قد أتجاهلك لأنك أخبرتني بما حدث "

هو اختتم جملته يلقي به للخلف حيث أوصله لمكتبه و قد اصطدم به بقوة و ما ان رفع رأسه بارتياب و خوف ليو و من معه كانا قد خرجا بالفعل !

####

هو شهق فجأة يفتح عيناه بنوع من الارتياب فور شعوره بإبرة ما تخترق جلده الرقيق !

رمش عدة مرات قبل أن يعني أنه بالقبو و كيف له أن لا يعرفه و هو أمضى الكثير من الوقت هنا ؟ بالعادة كان يبكي بكل مرة يجد بها نفسه متواجداً هنا ...

لكن الآن لا لن يفعل حقاً فهو اكتفى لذا حدق بالطبيب الذي نهض ليغادر قبل أن يحدق بالسقف بشرود تام ، يشعر أن جسده محطم بشدة ، لكن لما ؟ هو يذكر اقتحام سامويل لغرفته لكنه لم يؤذيه فهل ضربه و هو فاقد للوعي ؟

حسناً الأمر لن يكون مُستبعداً فقط هو ماذا أراد ؟ لما بدى غاضباً إلى تلك الدرجة ؟

لحظات فقط كانت ما فصلته عن دخول بطل أفكاره للمكان و هو أخفض نحوه يحدق به بهدوء تام بينما الأكبر وقف أمامه مباشرة ينطق بنبرة حانقة :" أين هو ؟ "

قطب المعني حاجبيه بحيرة و هو يُجيبه :" من تقصد ؟ "

كز سامويل على أسنانه ليمسك بخصلات الأصغر الشقراء بقوة يهتف بنبرة مرتفعة :" لا تتظاهر بالجهل الآن ! أين ألكسندر ؟ من هو الذي تتعاون معه سراً ؟ "

هو بالبداية أغمض عيناه بألم إلا أن تلك الجملة هزت كيانه ! الصغير مفقود ؟ منذ متى ؟ دقات قلبه ازدادت برعب حقيقي ، ماذا لو وصل له أي أحد سيء ؟ و تم إيذاءه أو حتى قتله ؟

تلك الأفكار جعلته ينسى الألم حتى بينما هتف بحدة للمرة الأولى أمام شقيقه الأكبر و التي أوضحت قلقه :" أتعني أنه مفقود ؟ سامويل أيها اللعين ألم تضع له الحماية ؟ "

هو تركه بعنف يصرخ به مجدداً :" أتعني لا تعلم أين هو ؟ لو كان أحد أعدائي لأرسل لي مطالبه ألا تظن ؟ أو شريط تسجيل تظهر بها لقطات تعذيبه أو حتى حقيبة بها رأسه ان أراد قتله لكن لا شيء اذا ألست السبب ؟ "

شهقة مرتعبة صدرت من جوف الأصغر و قد امتلئت عيناه بالدموع ،ما بال تلك الخيارات التي وضعها شقيقه ؟ بل كيف هو يتحدث بكل هذه البساطة ؟

رجفة سرت بجسده رافضاً تخيل أياً من ذلك ! و هذا كان واضحاً لسامويل الذي بدأ يقتنع أن آيرنيست ليس السبب ؟ إذاً من ؟

نطق الأصغر مقاطعاً أفكاره :" سامويل أنت بدل الوقوف هنا كمغفل عليك الخروج و البحث عنه أرجوك ! "

رمقه سامويل بسخرية و هو يستدير من مكانه :" هذا ليس مهماً حقاً ! ان لم تكن الفاعل فأياً كان من أخذه سيرسل لي شيء ما قريباً "

حدقتيه نظرت بظهر شقيقه الذي يعتزم الخروج بصدمة ! فقط إلى متى سيثبت له أنه ما عاد هنا ؟ ذلك الظهر الذي اعتاد قديماً الإحتماء خلفه ؟

الغضب ملأ كيانه فجأة و بقوة هو ما توقع وجودها بجسده وقف بشكل مُنحني حيث رفع ذلك المقعد الذي ربط به معه بينما نطق بنبرة مرتفعة ، مُستغيثة و دموعه رغم ملامحه الغاضبة انهمرت :" سامي أرجوك ! "

خطوات الأكبر توقفت تماماً و هو يقطب حاجبيه ، كم مضى منذ آخر مرة سمع بها هذا الاختصار منه هو ؟

و توقف خطواته ذاك جعل ايرنيست ينطق :" كفى ! حقاً توقف ؟ ألم تكتفي ؟ حتى أبي يا أخي كان يهتم لنا ! رغم كونه كان رجل عصابات و قاتل ، تاجر للمخدرات لكنه فقط طوال سنوات وجوده هو ما سمح للهواء بإيذائنا حتى ! "

التف الأكبر له بحدة و هو يجيبه بسخرية :" أنت تعترف أن أبي كان جيداً لكنك ترفض الانتقام له ؟ "

ابتسامة مُتألمة ظهرت على ملامحه و هو يجيبه :" هو كان جيداً كأب حتى دفع سامي خاصتي للقتل ! أنت فقط غرقت بعدها تدريجياً ، لما ؟ لطالما كنت أكثر من يخاف على أسرته ، أتذكر أمي طالما قالت أنها تتخيل أنك ستكون أفضل والد بالعالم ؟ لأنك كنت أفضل شقيق و أفضل ابن ، ستكون أعظم مهندس حيث كنت تنوي انشاء مدينة سكينة فريدة من نوعها بالعالم بأسره ! "

أردف سريعاً لئلا يقاطعه شقيقه :" لكنك فقط تخليت عن كل ذلك ! ألقيت بكل هذا خلف ظهرك سامويل ! لو أن أمي تجاوزت صدمتها بأبي و إعدامه لماتت لرؤيتك هكذا ! لقتلتها يومياً بتصرفاتك هذه يا أخي ... "

حدق الأكبر به بسخرية و بنظرات ما كان الأصغر قادراً على تفسيرها مطلقاً و أنى له ذلك و من أمامه بات شخصاً مختلفاً ؟ إنسان هو لا يدرك إن تخلى عن كل ذرة إنسانية أن لازال هناك القليل مختبأ بين نبضات قلبه القاسية ؟

أغلق عيناه قبل أن يفتحهما بهدوء حيث أوقف سيل دموعه تلك و حل بهما نوع من السكون و هو ينطق بنبرة واثقة :" قم بقتلي سامي ! إفعل ذلك الآن قبل فوات الآوان فأنا أقسم لك أنني سأكون أول أعدائك ، و الشخص الذي سيوصلك لمنصة الأعدام ! بيداي أنا أتفهم ذلك ؟ "

ضيق سامويل عيناه قبل أن يسير باتجاهه بينما ينطق بذات هدوء الأصغر :" أيمكن لشخص مثلك فعلها ؟ و أنت من كان يبكي حتى الأمس على أطلال شقيقك ؟ "

رد الآخر بابتسامة ساخرة ما قصد هو إظهارها حقاً :" أجل حتى الأمس فعلت ! و سأفعل بعد إيصالك للمشنقة أو أياً كانت الطريقة التي ستعدم بها ، لكن بوقتها سأكون قد أوقفت جرائمك عند حدها ، و ربما أكون أنقذت و لو آخر ذرة بقيت بقلب أخي إن وجدت بالطبع "

و تلك الجملة كانت نهاية ذلك النقاش الطويل ! ، نقاش كان من طرف واحد ربما إذ غادر الأكبر المكان بهدوء و ملامحه بدت شاردة لوهلة بينما حدق مساعده به بهدوء فهل هو الآن يفكر بقتل شقيقه من عدمه ؟! أما هو سبب تلك الملامح الحائرة ؟

####

كالجزر و المد هي الحياة ، كسيف بحدين ، متنقلة غير ثابتة و لا تكاد تستقر على حال لكن أوليس هذا هو طبعها منذ بداية خلقها ؟

لا تدوم على حال و تتقلب كما لو كانت ساعة رملية ؟ و أليس طبعها هذا ما يُعطي كل منا لذة عيشها ؟ فما هي أهمية تلك الحياة الرمادية الروتينية ؟ بل هي خُلقت لنحياها بكل تقلباتها و بدورانها الذي يكمن بين طياته رحمة لا يدري بها سوى خالقها ...

و كذلك الدوران مزاجه كان ! ... ملامحه كانت متقلبة كما هي أحوالها إلا أن السلبية بكل معانيها هي ما ارتسمت عليه !

ما بين الحقد و الألم كان يتقلب و الحيرة كانت تغزوا أفكاره ما بين فترة و أخرى ، قلبه نبض بعنف عدة مرات .. هو كان يضع وجهه على النافذة الزجاجية يحدق بالخارج بشرود ، يذهب لآل أولاً ؟

لكن لا ! بهذه الحالة هو قد ينفجر بوجه شقيقه ، عليه إفراغ مشاعره قبل الذهاب و البحث عنه ، و مجدداً أعليه تركه لوقت أطول حقاً ؟

و هو أكثر شخص يدرك أي نوع من الأشخاص هو آلفين ، أي حساسية يمتلكها شقيقه و مدى الكسر الذي تعرض له الآن و هذا حول مشاعره لأخرى حانقة ، كيف يجرأون على العبث بشيء كمشاعره ؟ كيف و هو من أعطاهم ثقته ؟

كز على أسنانه بقوة يهتف بنبرة باردة :" سيتو تعرف أين هو منزل شريكنا اللطيف أليس كذلك ؟ لننطلق إلى هناك الآن "

و أجل و أخيراً هو حسم قراره ، سيقلب حياتهم فوق رؤوسهم ، سيحولها لجحيم إن لزم الأمر حتى ! يقسم أنه سيفعل ...

####

الحوار بينهم كان يبدو للوهلة الأولى مأساوياً وكل من يسمعه سيشفق عليهم و يلعن ذلك اللص الذي كسر قلب من أواه ، كان الخمسة مجتمعين والدا انجيلا ومعهما جيكوب وأمه وآخر من انضم لهم كانت هي ضيفة الشرف التي  وفور وصولها استقبلتها وجوههم الكئيبة ، توقفت عن السير بعد أن نوت الذهاب لغرفتها واقبلت   نحوهم بارتياب تام :" ماذا حدث ؟!"

خالتها وفور رؤيتها نهضت بحزن بالغ تقترب منها بينما والدتها كانت تحدق بها بنظرات غريبة لم تفهم أنجيلا مغزاها حتى سمعت كلام خالتها :" ابنتي العزيزة ، لو تعلمين ماذا حدث ! "

أنجيلا قطبت حاجبيها تسأل بقلق تام وهي توجه بصرها نحوها :" ماذا حدث يا خالتي ؟!"

الخالة من فورها رسمت الألم و الحسرة التامة قبل أن تتحدث وهي تمسك بيدها :" الذهب الذي كنت قد إحتفظت به لزوجة ابني الغالية ، أنتِ ، قد سرق كله ، ذلك اللص اللعين الذي خان الأمانة ونكر الجميل سرقه ورحل !"

آنجيلا رمشت عدة مرات تحاول إستيعاب عن أي لص و أي جميل تتحدث حتى لاحظت صمت والدها الذي بدا غير مقتنع إلا أنه كان بحرب داخلية بسبب كلام من حوله والذي كلما شك بالأمر زادت الأدلة التي يقدمونها ! أدركت من المقصود بالكلام قبل أن تتسع عيناها لتنطق بحدة و هي تسحب يدها  :" لحظة ما هذا الهراء ؟!  آلفين لا يفعل شيء كهذا ! بأي حق حكمتم أنه هو ؟! المنزل تم إختراقه قبلاً صحيح ؟!"

خالتها فزعت من ردة فعلها وكادت تجيبها بحدة مماثلة إلا أن جيكوب نهض من مكانه وهو يتحدث بعصبية:" لا تدافعي عن  لص مثله ! لقد رأيت الذهب معه بأم عيني ! ولا أحد كان غيره بالمنزل و هو حتى لم ينكر بل وعد بدفع  المبلغ ! كاد يقتلنا بالبداية  لكني تمكنت من دفعه ففقد توازنه وكاد يسقط من الدرج وهذا ما أوقفه من حسن الحظ !"

أردف بعد صمت دام لثوان بانزعاج تام :" خاف بسبب ذلك لأنه رأى أني أقوى منه  و اعترف بعدها وقال أنه سيسدد المبلغ ، يمكنك سؤال الشرطة فقد  كنا لطفاء كفاية لكي نعطيه مهلة ! "

ضرب على الطاولة بقوة وغيظ و هو يتابع كلماته تلك :" ذلك الذهب عملت جاهداً لأجله والآن كل شيء أخذه ذلك اللعين ! كان علي قتله "

و أخيراً تشارلز نهض من مقعده حيث تدخل بالحوار ينطق بحدة :" جيكوب ، كفى ! لا نعلم ما حدث ! ولم أقتنع بعد آلفين ليس هكذا ! لابد من أن هنالك شيء قد حدث ! "

جيكوب هتف صارخاً بصوت مرتفع :" لا شيء يبرر سرقة ذهب أمي الذي سيكون لزوجتي أو ذهب خالتي !  لا شيء يفعل ! المال سيعود لنا أو سأقتله أقسم ! "

آنجيلا بصرها اتجه نحو والدتها التي كانت صامتة طوال الوقت لتتقابل أنظارهم ، تبادلتا النظرات لثواني قبل أن تتسع حدقتاها وهي تدعو أن لا يكون ما تفكر به صحيح ! ...

و من جهة أخرى و قبل بدأ ذاك الحديث بأكمله بعدة ثوان فقط فور وصول ليو هو نهض من مقعده ليقف أمام ذلك المنزل بذات مشاعره المتقلبة !

و من خلفه كان سيتو الذي يحدق به بنوع من الترقب و الفضول رغم تواجد خيط رفيع من القلق فهو حتى لا يضمن نتائج أفعال من أمامه ... لذا تقدم بنية طرق الباب إلا أن يد ليو أوقفته حيث رسم ابتسامة غير مألوفة للثاني بينما يمد يده لفتح الباب الغير مقفل !

هو كان ينوي و إن وجده مغلقاً أن يقتحم المنزل من إحدى النوافذ دون الإهتمام لأي شيء آخر ، لذا فور دخوله هو سار بخطوات صامتة لا صدى لها !

و ابتسامته المريبة تلك كانت تتسع أكثر و كأنه ليس أكثر  من مجرد قاتل محترف يحب رؤية اللون القرمزي و يستمع للصرخات المرتعبة ! ...

عيناه ما كانت نظراتهما أقل جنوناً و بطريقة ما هذا أرعب قلب من معه خاصة و أن كلاهما وقف بهدوء تام منذ بدأ حديث الخالة ببداية غرفة الطعام حيث تجمعت تلك الأسرة هناك ملتفة حولها ...

و هو كان هادئاً بشكل يثير الريبة كهدوء ما قبل العاصفة التي ستنتزع كل شيء من مكانه !

و خلال ذلك التحديق بين الأم وابنتها شهق جيكوب فجأءة بطريقة جعلت الأنظار تتجه نحوه ، ولم يكن سبب ذلك إلا ملاحظته لليو الواقف بمنتصف المكان بشكل مُفاجئ بملامح مُرعبة كلياً ! كاد يرتجف من الخوف لكن بطريقة ما تماسك بينما ينطق بصوت بالكاد واضح :" ماذا تفعل هنا ؟"

والكل التفت بحدق بالاتجاه لتتسع عينا  نينا بقوة و أختها فقط  شعرت برعب شديد ، أما عم آل ففور رؤية ليو كان قد نهض من كرسيه يحدق به بشيء من الذنب ، لسبب ما تذكر كل الكلام بينه وبين ليو ورغم كثرة ما رغب بقوله ولا شيء منها ظهر ربما لأنه أدرك أن ملامح ليو تشير ببساطة الى أنه يعلم بما حدث وأنه هنا ليحقق وعده بالانتقام لو أصيب آل لديهم وهو فقط لم يملك القدرة على فتح فمه بشيء بل إنتظار حركة ليو !

أما انجيلا فقد كانت ملامح ليو مصدر رعب لها لأنها تدرك أنه ما كان ليظهرها لولا أن آل ليس بخير  خصوصاً بعد ما قاله إبن خالتها !

و المعني بكل هذا بادلهم التحديق بذات نظراته و ملامحه تلك ! ما تحدث و لو بحرف واحد ، بل حتى خطواته بقيت جامدة بمكانها ...

كأنه ليس متواجداً حقاً و كأنه ليس أكثر من تمثال بلا روح و هذا زاد من مظهره رُعباً فقط ...

و سيتو رمش عدة مرات ليتقدم و يقف بجوار قريبه بتوتر ! ما هي مشكلته ؟ هو ظن أنه سينقض عليهم لاسيما بعد كل ما سمعه لكنه بقي واقفاً ؟

اعينه هو التفت بها ناحية جيكوب الذي نطق بسؤاله ذاك قبل أن يعيد بصره لليو الذي لم تتغير ملامحه و لا وقفته !

هو حقاً لا يفهم ما ينوي الوصول له هل سيقتلهم ببساطة ربما و يغادر ؟ اجل أفكاره ربما سخيفة لكن من يرى وقفته و ملامحه و ذلك الصمت يجعله يعتقد ذلك ! ...

و قطعاً هو ما تجرأ على الحديث أيضاً بل لا أحد تجرأ على فتح فمه حقاً ، الصمت بقي لبعض الوقت حتى استجمعت والدة جيكوب شجاعتها بصعوبة وهي تقف بعيداً عنه للحذر والخوف كان واضحاً بصوتها :" هل من شيء يمكننا مساعدتك به سيد سوين ؟"

آنجيلا تجاهلت كلامها قبل أن تستجمع هي الأخرى شجاعتها ونبرة قلق وخوف واضح وصلت لليو حين سألته بحذر :" ليو ، أين آلفين ؟! هل أصابه مكروه ؟! "

و هو أخفض رأسه لثوان مع سؤال آنجيلا فهل آلفين بخير  ؟! ذلك المختل قال أنه دفعه من السلالم !

كز على أسنانه قليلاً قبل أن يسير و أخيراً بخطوات ثابتة رغم رغبته الشديدة بالإسراع لكن أليس هذه أفضل لأجل إرعابهم أكثر  هو وقف أمام آنجيلا أولاً ليدفعها برفق للخلف يهمس :" أنتي ابقي خارج الأمر ! "

و رغم أنه همس بهذا إلا أن صوته كان مسموعاً للجميع و كيف لا و الصمت يعم الأرجاء ؟

بعدها هو أعاد تقدمه حتى وقف بشكل مباشر أمام جيكوب يعيد رسم تلك الابتسامة المختلة بينما أخرج سيتو هاتفه بنية الاتصال بعمه او بأي أحد إن شعر ان الامور خارجة عن سيطرته أو بمعنى أدق هو فتح كاميرا الهاتف مقررا انه سيرسل ما يحدث لأي حد يمكنه ايقاف من معه !

آنجيلا فقط ظلت تحدق به بتوتر تام ، لم تجد ما تقوله  بأي حال فغضب ليو بالوقت الراهن يمنع أي حوار من أن يبدأ حتى وهذا فقط جعلها تدرك أن آلفين أبعد ما يكون عن الخير !

جيكوب ارتعب من وقوف ليو أمامه بتلك الملامح ونطق برعب وحيرة بينما يتراجع بحذر وتوتر  :" ماذا تريد ؟! إن كان لديك ما تريد قوله فأفعل بسرعة ! "

والدته تقدمت مقتربة  منه لتضمن حمايته ربما أو هذا ما كانت تحاول فعله رغم خوفها ، نينا حين شعرت  أن الوضع غير مطمئن وكونها صاحبة المنزل تحدثت بصرامة رغم نبرة الاحترام المرافقة لكنها خالية  من  أي شعور بالذنب رغم قلقها على عمل زوجها :" ماذا تريد سيد سوين ؟ أرى أنه من الوقاحة الدخول بهذا الشكل ثم الصمت ! تفضل بالجلوس حتى أحضر لك شيء لتشربه "

و المعني آمال برأسه يحدق بجيكوب بنوع من السكون قبل أن يحدق بسخرية يمسك به من ياقة قميصه ينطق ببرود تام :" لدي ما أفعله و ليس ما أقوله ! "

و أجل هو تجاهل البقية فلكل شخص هنا دوره لما الاستعجال ؟!

و فور ان اختتم جملته قام بلكمه على فمه بقوة جعلت الدماء تسيل منه و تسقطه أرضاً ... !

و قطعاً هو ما اكتفى حيث تقدم ليجلس القرفصاء أمام ذلك الملقي أرضاً يمسك به من خُصلاته ينطق :" ما رأيك ؟ أين هي شجاعتك الآن ؟ تلك التي جعلت من آلفين يهرب و يخاف ها ؟ أرني إياها أيها الوغد ! ثم قلت أنك دفعته ؟ "

عيناه اظلمت من فورها و هو يرفعه عنوة بينما هتف بصوت مرتفع :" ما رأيك لو جربت انا دفعك من الأعلى ؟ "

والخوف والشحوب هو كل ما كان يمكن أن يراه أي أحد على جيكوب حالياً ، لم يجرأ أن يتحدث  أو يدافع حتى لكن الوضع اختلف مع والدته التي شهقت من فورها برعب وحاولت الاقتراب لتنقذ ابنها  لكن اقتراب ليو من جديد جعلها فقط تتجه لليو محاولة جره وإبعاده بصراخ هستيري :" أبتعد عن إبني أو سأتصل بالشرطة ! "

وعم ال تقدم هو الآخر محاولاً تهدئة ليو  وجره بعيداً:" بني اهدء أرجوك  أعدك بالتصرف فقط اهدا ولا تتهور ! "

ونينا كانت مرتعبة بحق ، و اقتربت تبعد جيكوب تضعه خلفها لتحرص أن لا يصاب بأذى ...

ذلك الهدوء الذي كان ليو به إن كان يُعد هدوئا تبخر تماماً إذ ظهرت الشراسة و الاشمئزاز على ملامحه بينما يلقي بيد كل من والدة الشاب و تشارلز بعيداً يصرخ بحنق :" سأكسرها ! اليد التي ستحاول لمسي فقط أقسم أنها ستتحطم ! "

هو أعاد بصره للواقف خلف خالته لينطق باستهزاء تام :" هل تختبأ خلف إمرأة لحمايتك ؟ "

صفق له بذات السخرية :" أجل أحسنت أيها الرجل العظيم ! و تقول أنك أخفت أخي ؟ بالطبع يمكنني تصديق هذا مع كل هذه الهالة الرجولية المنبعثة منك "

ملامحه عادت للجد بعدها و هو يهتف :" سأعد حتى ثلاثة إما أن تقف و تتقدم إلى هنا لتحظى بقتال عادل أو أقسم سترى ما سينسيك إسمك حتى "

آنجيلا كانت مرعوبة من ما يجري  ومن فورها انسحبت لتتصل بآلفين سراً فهو الوحيد الذي قد يمكنه إيقاف ذلك !

وجيكوب فقط شعر بأن قدماه لا يمكنها أن تحمله حتى ! هو خائف بشدة فنظرات من أمامه  كافية لكي ترعب أعمق نقطة بقلبه فكيف يمكنه بحق أن ينهض و يقاوم ؟ لكن كلمات من أمامه استفزته أمام فتاته لذا فكر ربما أنه يمكنه القتال وان من أمامه ليس بالقوة التي يبدو عليها !

لذا نهض بتردد تام قبل يمسح طرف فمه ورغم قدمه التي تطالبه  بالهرب هو وقف بصعوبة في وضعية هجوم يحاول قتال من أمامه لكن والدته بقيت واقفة قربه تمسك بذراعه برعب :" لا تفعل بني هذا الشخص مجنون ! لا تلوث يديك بسببه ! "

والعم فقط وقف بتوتر عارم محاولا تهدئة ليو  :" ليو أرجوك يا بني الأمور لا تحل هكذا ! "

نينا صرخت به من فورها هي الأخرى  بحدة :" لا أسمح بهمجية كهذه في منزلي ! إن كنت هنا لأجل صديقك ذاك فقد تسبب لنا بما يكفي من الأذى ! بدل أن تسبب لنا كل هذه المشاكل يفترض بك أن تشعر بالخجل من إظهار وجهك على ما فعله هو  !  أما أن تحترم قوانين المنزل أو تفضل للخارج  ! "

هو وقف يستمع لهم فرداً فرداً ببرود بالرغم أن ملامحه انكمشت باعتراض مع كلمة بني التي خرجت من الرجل أمامه !

إلا أن ضحكة ما صدرت من جوفه مع نطق من أمامه جملتها !؟ أجل هو ضحك بقوة و كأنه استمع تواً لنكتة جديدة مضحكة و أليست كذلك ؟

لذا هو نطق بين ضحكته تلك و قد التفت لصاحبة المنزل و أخيراً :" همجية ؟ تسبب بالأذى ؟ الشعور بالخجل !؟ "

ملامحه احتدت أكثر مع توقفه عن الضحك ليهتف بوجهها مباشرة :" ألا تظنين أن تلك الكلمات تلائمك وحدك ؟ ألستي من ألف هذه المسرحية لأن ابنتك أخبرتك أنها تحب آلفين ؟ و أنك ترغبين بأن تتزوج هي بالطفل المدلل هناك ! "

ابتسم بسخرية أكبر و هو يمسك احدى خصلات شعرها دون شدها :" ماذا عن طلبك له بأن لا يعود للمنزل لأنه يزعج صاحب السعادة و العريس المرتقب لابنتك ها ؟ عماذا تتحدثين ؟ أتظنين أن تصرفك هذا مبرر ! هي ابنتك أعلم لكن عزيزتي أخي لم يقل لمرة واحدة حتى انه أحبها أو مهتم بزواجها من مختل كهذا "
ترك تلك الخصلة دون أن يبتعد يهتف مجدداً :" قلتي قانون أليس كذلك ؟ جيد جداً لنكن أشخاص نسير على القانون هذا ليس صعباً حتى لقاتل مثلي أن يفعله ! و أول ما سنفعله هو أنكم ستوقعون على ورقة تنازل الآن و تحويل الدين باسمي لا باسمه ! "

أردف بابتسامة تجسدت بها كل معاني الشر :" و فقط و بالقانون الذي تعرفينه سترين كيف سينهار عالمك تدريجياً بشكل مثالي متقن و أنتي تراقبين فقط "

هو تراجع للخلف و أخيراً ينطق بنبرة حادة رغم أنها كانت هادئة بأعين مليئة بالثقة :" أقسم هنا و أمامكم جميعاً أن نهايتكم حلت ! أحلامكم ودعوها لأنها مهما حاولت لن تحدث ! أقسم لكم أنني سأتخلى عن لقب سوين بل و أغادر بلا عودة كل هذه البلاد إن لم أقلب حياتكم لجحيم"

و خلال حديثه الجميع ظل يحدق به  بدون قدرة على فتح أفواههم ، تشارلز ظل يحدق بصدمة حقيقة فعن أي حب يتحدث ؟! وأي زواج ؟! وهل غيابه عن المنزل كان بسبب هذا ؟!  لذا ودون شعور منه على الرغم من كونه ليس الوقت الملائم صرخ لأول مرة ربما بزوجته وهو يوجه سؤاله لها :" نينا ! عن ماذا يتحدث ليو ؟! أي حب وأي زواج ؟! هل طلبتي من آلفين حقاً الابتعاد ؟! "

نينا ارتعبت من كلام ليو أولا حتى شحبت شحوب الأموات  لكن ما أرعبها أكثر هو زوجها الذي لم يرفع يوماً صوته عليها !

لم تجد ما يمكنها قوله و هي تعيش برعب تام لذا تولت أختها الرد بدلها حيث بتردد كامل هي تحدثت تحاول امتصاص غضبه :" تشارلز نينا لم تخطأ !  خافت على ابنتها من السمعة السيئة ، لقد وقعت بحب من طرف واحد مع آلفين ولكي تحميها هي قررت فسح مجال لعلاقة جيكوب مع آنجي ، لذا طلبت منه بكل لطف أن يعطيهما  مجال وحسب ! هذا فقط ! هو يبالغ لأنه غاضب ! "

وجيكوب حمد الله أنه لم يعد مضطراً للقتال فوجه كلامه لعمه :" صدقني يا عمي هذا ما حدث هو حساس فقط ، و أظنه انتقم  بسرقة الذهب لأنه أخذ الأمر على نحو شخصي !"

أما آنجيلا فقد حاولت الاتصال بآل لأربع مرات متواصلة لكن الهاتف يظهر لها مغلقاً وهذا فقط جعلها تلعن حظها وقلبها لم يهدأ قط !

تخشى أن شيء حدث له فهو حتى بأسوء الظروف لم يحدث أن كان هاتفه مغلقا ! لم تجد حل غير العودة لهم للتدخل بحال اشتعلت الأمور لحد لا رجعة فيه سواء كان لاجل أسرتها أم لاجل آل الذي سيجن لو أصاب ليو شيء ..

و بموقع النقاش فور عودتها السخرية كانت قد طغت على ملامح ليو الذي وجه بصره أخيراً لتشارلز و هو ينطق بينما يشير بأصبعه نحوه :" و أنت أغلق فمك ! لا تتصرف كالرجل النبيل فهذا لا يلائمك ! لا تجرأ و تحاول حتى الأقتراب من أخي مجدداً و إلا أقسم لك أنني سأتجاهل ضميري الذي يطالبني بعدم الانقضاض عليك ! "

عيناه بقيت مثبتة عليه و هو يردف بنبرة باردة :" جريمتك أنت أسوء منهم جميعاً ! لا غفران بها لذا يفضل أن تبقى صامتاً و تستمع لزوجتك و هرائها "

أعاد بصره لجيكوب :" و أنت خذ أنفاسك براحة عزيزي فقريباً جداً هي ستنقطع "

هو بعدها أخرج ورقة ما كان قد جهزها مسبقاً منذ خروجه من المطعم :" الآن أريد منكم التوقيع هنا و كتابة المبلغ ليصبح الدين رسمياً باسمي و الشرطة ستتعامل معي أنا ! و إلا فالصفقة التي دخل بها زوجك سيتم افسادها و حينها ستضطرين لبيع حتى المنزل و نفسك و ابنتك ربما لأجل اعادة المال لنا ! "

تشارلز فور سماع هذا صمت بعيون متسعة ، هو محق لقد كان غافلاً عن كل شيء حدث و ابن شقيقه الذي وعد هو بحمايته كان يتعرض للتنمر على أيدي  زوجته واقاربها وهو فقط غافل ! اخفض رأسه بألم تام وهو يهمس بداخله :" لما لم تقل شيئا آلفين ؟ لكي لا تسبب المشاكل ؟ لكني أردت لك الراحة معنا وليس هكذا ! "

لم يجرأ على رفع رأسه مطلقاً أمام ليو أما شقيقة نينا فقد تقدمت سريعاً تأخذ القلم لتوقع على الورقة لتضمن بهذا أنه سيدفع و أيضا لن تفسد بهذا الصفقة وينتهي  كل شيء على خير ربما أو هذا ما تمنته حيث همست بصوت خافت :" لقد وقعت ، الأمر معك الآن ، بأي حال لا تغضب ، هو من تسبب بكل هذا لأنه أراد الانتقام و أساء فهم طلبنا !  ولولا أننا جمعنا المبلغ  بصعوبة لكنا تركنا الأمر يمر لكن المبلغ كبير جداً لجمعه ، لم يقصد أحد سوءاً ! "

هو أخذ الورقة من بين يديها لينطق بينما يلتف للخارج :" لئلا يقول أي منكم أنني شخص سيء فأنا بنفسي سأحقق بموضوع السرقة ! ثقوا بي الفاعل سنجده ، و إن كانت تهمة ملفقة فعلي إعلامكم جميعاً أنه سيحق لنا رفع دعوى ضد من افتعل الأمر و سجنه لرد الاعتبار ! "

هو سيلتفت قليلاً ينطق بسخرية :" أظن ان معلومة كهذه لا تهم أي منكم فأنتم بريئون صحيح ؟ "

هو غمز بنهاية جملته ليغادر و من خلفه سيتو الذي لسبب ما ابتسم بسخرية قبل ان يخفض هاتفه و يغادر خلف قريبه حيث آخر ما التقطته الكاميرا خاصته كانت تلك الوجوه الشاحبة !

إذ أن الشحوب الذي كان رفيقهم زاد مع آخر جملة واُخفضت الرؤوس بشكل مثير للريبة جعل تشارلز يحدق بهم بشك تام ، هو بدأ يشعر أن كل شيء مدبر لكن فكرة أن زوجته قد تفعل شيء كهذا لا يمكن تصديقها وهي التي كانت معه على الحلوة والمرة !

وجد نفسه  يتحدث بحدة فور رحيل ليو و من معه :" نينا ، إن كان لديك شيء لقوله افعلي الآن أو لن تكون النتائج جيدة لو اكتشفت لاحقا ما لا يسرني ! لديك شيء للاعتراف به ؟!"

نينا لم ترفع رأسها للنظر له بل ظلت تحدق بالارض وحين شعرت شقيقتها أنها قد تفضحهم تحدثت من فورها بانفعال :" ما هذا السؤال الغبي ؟ بالطبع لا ! آلفين سرق الذهب هذه حقيقة لا بديل لها ! لن يجد ذلك الفتى أي شيء وقد حل الأمر الآن فاطمئنوا !"

حاولت وضع ابتسامة وهي تردف :" علينا الآن التفكير بأمر تحضيرات الزواج !"

قاطعها تشارلز بحدة صارخاً بها :" أي زواج ؟! قلتي بنفسك أنها تحب آلفين ! لم يولد من يجبر ابنتي على شيء مفهوم ؟! ما لم يحل كل شيء وترغب آنجيلا   بذلك لا تحلمي حتى ! "

نينا هنا رفعت رأسها تصرخ هي الاخرى بحدة :" حتى لو أرادت خريج  السجون ذاك ؟! أنت ستقبل به لو أرادت صحيح ؟! "

تشارلز فور سماع هذا وبدون سابق إنذار رفع يده لتهوي على خدها بقوة  ليتركها تحت تأثير الصدمة وهي تمسك خدها وتنظر إليه بينما هو نطق بعصبية و ان ظهر شيء من خيبة الأمل على وجهه :"خريج سجون إذا ؟ هكذا ترينه ؟! مذهل يبدوا أنني كنت أعيش بمسرحية ! خيبتي ظني يا نينا ! لقد نزلتي  من عيني اليوم أكثر مما يجب ! "

التفت معطيا ظهره لها ليتحرك مبتعداً نحو غرفته وهو يشعر بالانهيار كلياً، كل شيء لم يكن على ما يرام وكل هذا لأنه لم يكن حذراً كفاية ! لم يعرف زوجته كما يجب وابنته كانت ستجبر  على  شيء لا ترغب فيه  فقط لأنه أخطأ بفهم زوجته !

انجيلا سمعت كل شيء ورأت والدها يضرب والدتها لأول مرة لم تعلم أي الأمور كانت الاكثر صدمة لها لكنها كانت تعرف أنها لم تعد تطيق البقاء هنا أكثر فركضت للخارج وحسب دون إعلام أحد لكي تبكي  على ما وصلت إليه الأحوال وهي تلعن جيكوب وأمه فمنذ ظهورهم وكل شيء بدأ يتهدم من حولها وها هم دمروا حتى التوافق بين والديها الذي كان حصنها الدفين !

####

الجو كان بارداً بطريقة ما أو هذا ما شعر به حين كان يمر الهواء مبعثراً شعره بينما أفكاره كانت تبعثر داخله ، لم يدرك لما الوضع كله جعله يشعر بنفسه الفتى ذو الخامسة عشر الذي قطن الشوارع لأشهر قبل أن يأتي ليو وينتشله  !

لكن الآن شعوره بالتشرد لم يأتي إلا لأنه شعر أن الأرض بمن فيها يرفضونه ، لم تكن تلك مشكلة له فقد وضعها بالحسبان منذ سنوات لكن أن يبني آمال من جديد ثم تتحطم وتحطمه معها لأنه أخطأ بِبنائها على من سبق وجعل منه شخصاً مشرداً أساساً ، شيء بداخله صوت برأسه أو إحساس كان يلح ويتردد صداه داخل روحه وقلبه
" أنت جلبت هذا لنفسك بغبائك " " تستحق " " هل تعلمت درسك؟"" لا مكان لك بعالم الأبرياء بالنسبة لهم انت قاتل ومجرم وستظل  ! " " لا تحاول إثبات شيء لأي أحد لا أحد سيقتنع ولا حتى انت !"

ظلت تتكرر  وتتكرر و هو يشعر بالألم والبرد يفتك به حتى أحاطت يداه جسده تمنحه بعض الأمان والدفء بعيداً عن قسوة البشر !

ذكريات الماضي وما عاشه من بعد السجن وكم من أفكار سبق ودفنها بدأت تعود حتى كاد يشعر أنه على وشك الانهيار و العودة لحالة الرعب و الفوبيا التي كانت تلازمه أياماً ، شعر بالاختناق كليا ففتح أزرار قميصه العلوية  مع ملامح ممتعضة بقوة و عصبية صار  على قناعة تامة أن حياته لن تكون يوماً طبيعية كما تمنى بطفولته  و أن أفكاره المتفائلة تلك ما كانت سوى كذبة  لا يرغب بتصديقها بعد اليوم بل هو حتى ما عاد يثق بشقيقته ولا بنفسه وافكاره !

كان بعد كل هذه الرحلة من الأفكار يشعر بالإرهاق فمدد جسده على الرمال قرب صخرة عملاقة يفترش الأرض ويحدق بالسماء الصافية فوقه بملامحه المرهقة كان  نسيم البحر بارداً يُشعره أنه حي فكان نعمة بتلك اللحظة ، شهد البحر كثيراً من ألمه ومسراته وها هو ذا يستقبل ألم وخيبة جديدة من خيباته ، أغمض  عينيه بأرهاق تام وهو يحاول أخذ عدة أنفاس عميقة ، وضع يده فوق قلبه وصر على اسنانه بقوة وهو ينطق بهمس :" تبا لك توقف عن النبض بهذه الطريقة اللعينة !"

اغمض عينيه بقوة أكبر  وبدون أن يشعر ارتخى   جسده حيث مر ما يقارب الساعتين وهو نائم هناك دون أن يدرك أن البحر ثار وصار مده وجزره سبباً لأن تغطي مياهه الباردة جسده كله وثيابه و رغم ذلك البلل الذي اتحد مع نسمات المساء الباردة لإيقاظه لم يكن كافياً فتعبه و إرهاقه النفسي كان أكبر من كل ذلك !

مرت الساعات سريعاً وهو على ذات الوضع وحين استيقظ كان شعور بعدم الراحة يرافقه و كأن شيء ما يجلس فوق صدره ، فتح عينيه ببطئ استغرق منه ثواني قبل أن تتضح الرؤيا نسبياً بينما يشعر أن انفاسه ثقيلة لسبب ما وصداع فظيع  أصاب رأسه جعل يده ترتفع تلقائياً تضغط عليه بمحاولة لتخفيف الألم  !

نهض  ببطئ  يعتدل بجلسته وهو يحاول استيعاب أين هو أو ما سبب شعوره بالبرد القارص ،  فور نهوضه انتبه أنه على الشاطئ ولسبب ما كانت المياه تغطي ثيابه بالكامل  بل ما تزال أمواج البحر تتجه ناحيته ، فور أن مرت الرياح يده احاطت بجسده في محاولة لابعاد البرد أو تخفيفه إلا أن ذلك كان عديم النفع كليا ، رجفة سرت بجسده  وسعل بقوة ،حاول الوقوف لكي يغادر إلا أنه وفور محاولته الوقوف  شعر بالدوار وكاد يسقط  لكنه أستند للصخرة بجانبه سريعا لكي لا يفقد توازنه ، وضع يده على جبهته فشعر بحرارته المرتفعة ، كان من سوء حظه مصاباً بالحمى فتنهد بتعب وهو يهمس لنفسه :" هذا آخر ما ينقصني !"

قرر أن يغادر فالتفت ببطئ وما تزال يده تستند بالصخرة، أنفاسه المتعبة جعلت السير يبدو أقرب للجهاد والجهد الذي تتطلبه كل خطوة يعادل جهد حمل أثقال لكنه لم يملك الكثير من الخيارات  فالبقاء  هنا لم يكن ليحل شيء ، كان يشعر بالدوار بشكل فظيع ولم يستطع تمييز ما أمامه كما يجب لكنه كان يدرك أن عليه الذهاب والراحة في مكان ما وسريعاً !

جسده كان يتحرك وحده وعقله كان شبه متوقف بالكاد يقوم بأقل احتياجاته للتنفس والسير  ولم يعلم أين يتجه فقط يعلم أن جسده مسير حالياً وهو لا طاقة له للجدال معه حتى !

كانت حرارته تزداد مع كل خطوة يخطوها وهو لم يكن مكترثاً لأن يبحث عن علاج ما بل ترك لجسده أن يقوده  لأي مكان ، لكن حتى جسده توقف فجأءة و لم يعد يريد التحرك ، طاقته وصلت للصفر ولا عزيمة أو رغبة لديه بالحركة فجلس مستنداً لشيء ما يجهل ما هو و اغمض عينيه تاركاً الحمى تتولى الباقي بدله رغم أنه للآن لا يدرك حتى أهو يحلم أم بحقيقة ولم يكن أي مما حدث حتى باختيار وعيه بل اللاوعي تكفل بذلك له حتى  فقد آخر مقدار من الطاقة لديه !

####

- :" ليو "

حدق المعني به بحدة شديدة فهو تجاهله عدة مرات بالفعل لكنه لازال مُستمراً بمناداته !

لذا هو هتف :" ماذا تريد سيتو ؟ لست أصماً لئلا أسمعك من المرة الأولى "

أخفض الهاتف من أذنه و هو يعض على شفتيه بقوة ، هاتف شقيقه لازال مُغلقاً ! بحث عنه بالحدائق القريبة من منزل عمه أو عمله ، و ذهب للبحر و بحث عدة مرات هناك لكن لا شيء !

هو رمش عدة مرات بينما رفع يده فجأة و قد همس لنفسه :" السوار "

آلفين لازال يرتدي ذلك السوار الذي أهداه إياه بعيد مولده صحيح ؟ إذاً ربما يمكنه استخدامه ليستدل على مكان شقيقه فهو وضع بكلاهما موقع تحديد الأماكن !

سيتو كان يحدق به بنوع من الحيرة و قد قرر الصمت بالنهاية فما هو شأنه بأي حال ؟ بل لما يتعب ذاته بشخص كان عدوه حتى فترة قريبة ؟

و بجهة أخرى كز ليو على أسنانه بسخط فهو لا يحملها معه منذ بداية الشجار رغم أنه رآها بيد شقيقه عدة مرات ! و أجل هو كان خائفاً أن يرتديها و يكتشف آلفين أماكن ذهابه كمكتب القاضي ؟!

أغلق عيناه و هو يهمس :" فقط أعدني للمنزل "

أجل هو سيعود يأخذ الساعة ثم ينطلق للبحث عنه وحده ، لديه مكان أخير يفكر به و هو ذات القمة التي أخذه إليها بعيد مولده ! قد يكون هناك صحيح ؟

لكنه بعيد و إن كان توقعه خاطئاً سيضيع المزيد من الوقت دون إيجاده و هذا يرعبه أكثر فكل ثانية تمر تجعل تماسكه يقل بشكل كبير ...

هو قطب حاجبيه عندما توقفت السيارة ليجد أنهما وصلا بالفعل لذا هو أسرع بمغادرتها و الصعود للأعلى بأقصى سرعة امتلكها دون أن يلاحظ أن ابن عمه سار خلفه لكن بخطوات هادئة تماماً و كيف له أن يلاحظ أي شيء الآن ؟!

شهقة صدرت منه منعته حتى عن التقاط أنفاسه قبل أن تتحول خطواته لأخرى بطيئة و قد اتسعت مُقلتيه الزرقاوتين بألم و صدمة فور أن وقعت على ذلك الجسد المستند للحائط خلفه ينام بمنتصف الممر المؤدي للشقق المتواجدة بهذا الطابق ، تحديداً بجوار باب شقتهما هما !

هو انخفض يجلس القرفصاء أمامه بينما وضع احدى يداه على وجنتيه المُشتعلتان ليزداد ذاك الشعور المؤلم بقلبه ! هو همس بنبرة خافتة مليئة بالقلق :" آل ! أخي "
و قطعاً ما كان الآخر ليجيب و هو بحالة كتلك ليخفض ليو رأسه حيث وقف لفتح الباب قبل أن ينخفض حاملاً آلفين بين يديه بكل هدوء .

أوصله لغرفته و فتح التدفأة بها رغم أنهم يشارفون على نهاية فصل الصيف إلا أن جسد آل المُشتعل كان بحاجة لذلك .. هو قام بإخراج ثياب مريحة ليبعد تلك المُبتلة عنه ثم جلس بجواره على الفراش .

سيتو كان قد بقي بغرفة الجلوس طوال تلك المدة قبل أن ينهض ليتجه لغرفة الفاقد للوعي حيث كان أول ما وقعت عيناه عليه هي تلك الدموع التي كانت تنهمر من أعين قريبه !

إذ كان الأخير يحاول إيقافها عنوة لكن أنى له أن يفعل حقاً ؟ لازال يشعر أن ما فعله و سيفعله غير كافٍ حقاً لهم ، لا شيء يكفي بعد كسر الثقة ! ...

و قطعاً رؤية آل بحال كهذه كانت تزيد مئات المشاعر بأعماقه ، ليس الغضب و الحقد فقط بل حتى الندم و الخوف كانا يتسللان عميقاً لقلبه .

نادم هو لأنه سلم ثقته لأحد آخر بشيء يخص أخاه ، مكسور أيضاً فهو وثق بتشارلز للدرجة التي سمحت له بأن يأذن ببقاء أخاه لديه بل و أن يختبره هو !

ألم يكن ذلك العم هو من أراد أن يبعده عن آلفين بحجة خوفه عليه ؟ إذاً كيف تجرأ لإيصاله لتلك الدرجة ؟

هو بالنهاية أخذ نفس عميق قبل أن يبعد دموعه بالكامل فربما يصحو شقيقه بأي لحظة و قطعاً رؤيته يبكي ليس أفضل ما قد يراه صحيح ؟

أغلق عيناه بينما يقف لإحضار الكمدات و علبة الإسعافات الأولية فهو قطعاً لاحظ تلك الإصابات و التي جعلته راغباً بتحطيم جسد ذلك الغبي مراراً و تكراراً بل و دهسه حتى ..

هو توقفت خطواته عندما مر بجوار سيتو الذي نطق بهدوء :" طلبت كل المعلومات عن زوجة تشارلز و شقيقتها و ابنها ذاك بما في ذلك أرقامهم للنتحقق من كل شيء و سأمر غدا صباحا لإطلاعك على المعلومات و احضار الطعام لكلاكما فهو على الأغلب لن يصحوا الليلة ! لذا سأتواجد غدا مبكرا "

أنهى جملته ليلتف بنية الخروج فعلى الأغلب المعني لن يجيب بمزاجه هذا وبذلك هو حقا لم يلاحظ نظرة الحيرة المصاحبة للدهشة التي علت على وجه ليو فحقاً ثلاث جلسات لدى طبيب نفسي لن تجعله يتغير لهذه الدرجة صحيح ؟

هو ألقى بدهشته تلك لوقت لاحق ربما سيتحدث معه أكثر غداً ؟ و هو عبس فور تذكره لما عليه من أعمال غداً إن تجاهل قدوم والديه ...

يتبع
ارجو أن يعجبكم 😍😍😍
الفصل من كتابة  Coldsnow5

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top