بارت 31

كالقط و الفأر هما أحدهما يمتلك كل شيء تقريباً ، المال ، النفوذ ، السلطة ، القوة و كل ما أراده إلا قلبه الذي باعه على الأغلب بإحدى صفقاته الشيطانية ، و الآخر عاكسه تماماً فهو ما امتلك سوى قلبه و مشاعره و شيء من الشجاعة بدأ بالظهور مؤخراً فقط !

الاتفاق بينهما يساوي الصفر بكل النواحي رغم أن رابطة الدماء تجمعهما ، الأول لا يعلم لما يبقي على وجود الآخر و الثاني لطالما شعر بعجز عن الوقوف أمامه ...

مما جعل تلك المطاردات بينهما تزداد و ها نحن ذا نقف أمام مواجهة نادرة بإحدى الزنازين الحجرية بمنطقة بعيدة نوعاً ما عن أي مدينة !..

هو مكان أشبه بِكهف واسع اتخذته تلك العصابة كمقر سري لها ، أنفاس الأصغر كانت سريعة بينما صدره يعلو و يهبط دون انتظام ، قطرات العرق ملئت وجهه و جسده حيث اختلطت مع الدماء .

هو فتح عيناه الزرقاوتين بإرهاق فور ابتعاد من كان يقف أمامه عنه ، ابتسامة ما رُسمت على شفتيه مع دخول شقيقه الأكبر للمكان و الذي فور رؤيته لابتسامة الأصغر هو نطق يقترب منه أكثر :" علي أن أندهش من هذا إيرنيست ! بالعادة كنت لأجدك تبكي بشكل مثير للشفقة "

راقبه الأصغر قليلاً و ملامحه يحاول معرفة ما يرمي إليه قبل أن يجيبه بصوت مرهق :" كل شيء يتغير ألا تظن هذا سامويل ؟ "

و الأكبر أسند جسده على الحائط بجانبه يتحدث بنبرة هادئة نوعاً ما :" أجل ، هذا هو السبب الذي يدفعني لعدم قتلك قد تتغير يوماً ما و تبدأ بالعمل حسب إرث أسرتك "

و المعني أجابه بنوع من الاستنكار :" عن أي إرث تتحدث سامويل ؟ ذلك الرجل تسبب بموت أمي و تفرق أسرتنا فلماذا علينا اتباع خطاه ؟ "

الغضب بان على ملامحه و هو يتقدم منه يمسك به من شعره :" أتمنى أن تعني بهذا عدونا لا والدنا ! فذلك اللعين هو السبب "

أغمض إيرنيست عيناه بألم أكبر بينما بدأ صوته يرتجف قبل أن يسعل بقوة زادت من ألم جراحه أكثر قبل أن يجيب:" أنت واهم ! والدنا الذي تفخر به ربما كان يهتم بنا و بأمي ظاهرياً لكنه لم يفعل ذلك من قلبه يوماً و إلا لما قبل أن يكون قاتلاً و مروج لتلك السموم ! أو حتى خاطفاً لأجل المال ! هو خسر كل شيء نفسه ، شرد أسرته و قتل زوجته ! "

هو فتح عيناه بعدها يُردف بحدة نادرة و قد سيطر على موجة الألم تلك :" و أنت تسير على ذات طريقه ! لما فعلت ذلك ؟ لأجل الإنتقام ؟ لكن الانتقام مما ؟ "

ابتعد عنه بينما ينطق بسخرية :" مما ؟ أنظر إلى نفسك بينما تحاول إتخاذ الأعداء أصدقاء لك ! تعيش بعالم مختلف تماماً عن الحقيقة إيرنيست "

آمال برأسه و هو يحدق به بنوع من الرجاء و قد بدأت عيناه تذبل أكثر و ازدادت نبرته ضعفاً بسبب التعب :" الحقيقة أنك تكرر غلطته ! هو فقد أسرته و كل شيء ، لكن أنت لديك ابن صغير لازال بحاجتك ، لديك أنا بجوارك ! بأفعالك أنت تفقد أسرتك التي تدعي أنك تنتقم لها "

ابتسامة ساخرة تربعت على ثغر الأكبر بينما يضع نظارته الشمسية على عيناه يتجه للخارج :" كما توقعت الحديث معك بلا فائدة تماماً ! فكل منا قد اتخذ طريق مختلف ايرنيست "

أنهى عبارته التي وجهها لشقيقه قبل أن يردف لرجاله :" خذوه للقصر و قوموا بحبسه بغرفته بلا طعام و الماء مرة واحدة يومياً "

تلك العبارات التي نطقها الأكبر جعلت الابتسامة تعود لشفتيه بينما التعب وصل حده به ، كم مضى على خضوعه لذلك الكم من التعذيب و رغم ذلك حاول إيصال صوته له ، يدرك أنها بلا فائدة لكنه أراد خوض حديث هادئ معه كما الآن لمرة أخيرة قبل أن يعلن خيانته لشقيقه !

قبل أن يفقد أمله بالكامل منه ، لذا وعيه انساب من منه ببساطة فتلك المهمة انتهت و بهذا ربما لن يشعر بالندم لاحقاً لترك يده دون محاولة جره للخارج بما أنه بات يعلم أن شقيقه يدرك الحقيقة لكن كبريائه يمنعه من التراجع .

*

الظلام كان مُحيطاً به ، هو يسير وحده به بلا أي ضوء ، عقله كان واعياً بحيث يُدرك أنه بكابوس أو حلم لا يهمه حقاً فهو عاجز عن الاستيقاظ !

أو بشكل أدق الصور من ذاكرته كانت تُعرض بعشوائية شديدة لذا هو حاول إيقافها و ما إن فعل حتى وجد نفسه بهذا الظلام ، أليس هذا دليل على أنه يحلم ؟

هو تنفس بعمق يغمض عيناه و يحاول فتحها عدة مرات عله يصحو كل ما يحيط به ...

و بالنهاية صدرت شهقة منه عندما شعر بجسده يسقط ليفتح عيناه و يعتدل بجلسته يحاول أن يعيد أنفاسه فور أن أيقن استيقاظه ...

و بجهة أخرى كان آلفين قد اطمأن أن شقيقه استقر نسبيا بنوم مريح فتمكن اخيرا من الجلوس ليرتاح هو الآخر ، كل ما حصل وتره بشدة وكل أفكاره حاليا تتجه إلى " ما الذي يمنع هذا الأحمق من أن يصاب بأذى ؟!"

لا يعلم هل الشجار حقا كان فكرة جيدة ؟ واضح ان نتائجه عكسية فمنذ حدوثه للآن ومشاكل شقيقه الصحية لا تنتهي ! كلام ذلك الطبيب أيضا شغل باله فأي رجل هذا الذي سيأتي به للمشفى ؟ وطالما هما بشجار ايحق له استجوابه حقا ؟

حين سمع صوت السرير يهتز التفت يحدق به ليجد شقيقه قد بدأ بفتح زرقاوتيه في محاولة للعودة للواقع فنهض من مكانه ليقف قرب سريره ، كان مترددا بما يجب قوله فهو لم يحسم أمره بعد لكنه سأل اول ما خطر بباله بنبرة هادئة " كيف تشعر ؟

و المعني رمش عدة مرات قبل أن يحدق به هو تمكن من رؤية تلك الحيرة أو القلق بعينا شقيقه مما دفعه ليميل برأسه قليلاً يرفع يده ليضعها على الضِمادة يحاول تذكر ما حدث حتى عادت له صورة سيتو بتلك الحالة ليقطب حاجبيه :" لم يكن حُلم ! أنا اتصلت بك ؟ و أجل بخير "

هو بعدها أعاد جسده للخلف بشرود يشعر و كأن كل ما حدث منذ رحيل سيتو و قدوم شقيقه حلم فقط !

الفين وقف لثواني يراقب شقيقه الشارد ، مشاعر التردد هذه تثير أعصابه بشدة ، وجود شقيقه أمامه وهو لا يمكنه توبيخه يزعجه وهذا فقط انعكس عليه إذ قطب حاجبيه بينما جر إذن شقيقه بقوة وصمت وكانه يخرج استيائه بها و يخبر نفسه ولا الف شجار يحق له منعي من توبيخه !

شهقة صدرت من جوفه فور شعوره بيده تلك تجر اذنه ليحدق به باستنكار و الذي ازداد مع ذلك الصمت ليهتف بنوع من العبوس :" مريع ! أولاً هذه ليست طريقة لقول حمداً لله على سلامتك كما تعلم ! و ثانياً هل تحاول التنمر على شخص مريض ؟ لا أظن القط أكل لسانك بما أن القطط لا تأكل بعضها البعض ! "

تلك العبارت المتذمرة من رفيق طفواته جعلت تقطيبه يزداد بينما ينطق بتذمر هو الآخر :" يجب أن تعلم سبب هذا بنفسك !فكر بالمصائب التي اقترفتها وستعلم لما يتم معاقبتك ! كم مرة دخلت المشفى منذ تشاجرنا للأن بحق الله ؟!اتحاول اغاظتي بهذا ؟! ما قصة فقر الدم الحاد ؟! ومن ذلك الرجل الذي جاء معك ؟! "

و هو كتف يداه يستمع لأسئلته قبل أن يميل برأسه مُحدقاً به بينما يفكر أنه بالفعل حدث الكثير و يبدوا له أن الشجار وقع منذ مئة عام ربما ؟!

لكن ليس كل ذلك هو غلطته صحيح ؟ حسناً بعضها فقط ! ... لذا أجاب بهدوء :" مرتين فقط ! و لا بالطبع لست طفلاً لأفعل ذلك ، و أظن فقر الدم أحبني لدرجة لم يستطع مفارقتي بها "

هو ضحك على كلامه بشكل لا إرادي مفكراً بأي حماقة يقولها قبل أن يعيد الجد على ملامحه :" رجل رآني بالشارع مليء بالدماء بعد اصطدامي بالشجرة فكان لطيف و أوصلني للمشفى رغم انني اردت الذهاب للنوم بالمنزل ! "

حدق بحاجب مرفوع وهو يتسائل بنبرة تحقيق أكثر منها كسؤال :" الشجار منذ اسبوعين ! ودخلت المشفى مرتين !"

ابتسم بعدها بسخرية :" قليل حقا كان عليك المجيء أكثر !"

اردف بتوبيخ مباشرة بعد أن محى تلك السخرية :" فقر الدم كان سيتركك لو لم يجد طفلا لا يحافظ على صحته حتى ! ثم ايفترض أن أصدق انك تبعت رجل ما للمشفى بكل بساطة وانا حين كنت أطلب منك أحتاج لجرك جراً ؟! "

هو آمال برأسه قبل أن تبدوا الدهشة على ملامحه ينطق بتعجب :" أسبوعين فقط ؟ أي بكل اسبوع زيارة ! فظيع "

و ما أنهى عبارته السابقة حتى تنفس بعمق يجيبه :" أنا أفعل ! تقريباً ، هنالك أشخاص لا يتناولون سوى وجبة و لا يحدث لهم هذا ! ، و أيضا لا تقارن بين تعاملي معك و مع أحد آخر إن تجاهلنا فكرة أنني بتلك الليلة كنت قد تشاجرت معك ثم صغيرتي تحطمت بعدها ذهبت للعصابة سيراً على الاقدام ثم إلى ذلك الشارع الذي ذهبت مع الرجل به للمشفى ! لم تكن لدي طاقة للحديث حتى "

حدق به لثواني قبل أن يتنهد لينطق بصيغة أمر لا تقبل النقاش مجدداً :" حسنا لا يهم الآن من هو فقط من اليوم وصاعدا تناول ثلاث وجبات وإياك ثم إياك ثم إياك أن تصاب أو تتشاجر أو تجرح بشيء ما والا سأعاقبك فوق إصابتك ! مفهوم؟! "

اردف بغيظ تام واستياء " فقط لأننا تشاجرنا لا تعتقد أنك يحق لك التكاسل والتهور والإهمال ! "

و هو عبس كطفل هذه المرة يهتف :" مريع ! مهلاً يا متنمر من قال أنني أتكاسل !؟ أنا امتلكت اليوم أربع أعمال بالفعل هذا لا يعد تكاسلاً بأي شكل من الأشكال ! و لست من يسعى للاصابة أو الشجار مع أحد الأمر يحدث صدفة ! فظيع "

تنهد رفيقه وهو ينطق بيأس " والطعام ؟! ثم لحظة واحدة ! اساسا كيف اصبت اليوم ؟!

رمش ليو عدة مرات يحدق به :" ما به الطعام كيف سأتناوله مثلا بتلك الاعمال الاربعة ؟ و كيف اصبت انا هل سمعت بالإرهاق من قبل عندما ترغب بالتوجه للفراش و القاء نفسك عليه فقط ثم تصطدم بشيء ما بكل تنمر ؟ "

ضم ذراعيه لصدره معترضا :" ولما أربع أعمال ؟! اتمر بضائقة مادية ما ؟! اترك اثنين ! يكفي اثنين !"

هو نظر له بابتسامة غريبة نوعاً ما ينطق بهدوء :" لكن ألا تظن أن ملئ الوقت أفضل ؟ أنظر لهذا آلفين لن أمتلك وقت للتعرف على الحمقى حينها أظن ، ثم أليس المتخاذلين هم فقط من يمتلكون وقت فراغ كبير بيومهم ؟ "

حدق به بينما ضيق عينيه بشك :" منذ متى تفكر هكذا ؟! وقطعا لا ! الوصول لمرحلة الانهيار من الإرهاق أمر غير مقبول ! لذا اترك اثنان منهما لتجد وقت للراحة ! ثم الطعام بوقت راحتك لو تركته سأصبح لعنتك الحية أكثر منا انا عليه الأن ! "

هو عبس مجدداً يعيد رأسه للوسادة خلفه :" أتعني أنك تظن أنني طفل حقاً يا متنمر ؟! و مريع أنت لست لعنة هذا فظيع وصف نفسك كذلك أنت متنمر فقط ! و واحد لطيف أيضا "

اجابه الاكبر بينهما بينما يغمض عينيه :" دعك من هذا ! "

حدق بشقيقه من جديد يغطيه وهو يقف أمامه بذراعيه المعقودتين :" اسمع لن اجبرك على ترك العمل لكن الطعام لو تركته ستكون بورطة حقيقة ولو اهملت صحتك كذلك ولو تكررت إصابة كهذه لن تستمر بالعمل مفهوم ؟! "

هو ابتسم قبل أن يضحك بخفة بينما ينطق :" مفهوم ! و بالمناسبة أخي أنت لا تجيد الشجار حقاً مع أحد لذا مستقبلاً إن فكرت مثلاً بفعل هذا لإيزا أو زوجتك المستقبلية أو ابنائك لا تفعل فالأمر سيكون مضحكاً !"

سمع صوت رنين هاتفه فحدق بالاسم سريعا الا انه اعاد بصره لليو وحدق بحاجب مرفوع وهو ينطق باستهجان تام :" اعذرني سيد طفل ساحرص على أخذ دروس خصوصية بهذا ، واضح انك مستمتع بالشجار ، طالما الأمر كذلك ساتركك لتكمل استمتاعك بينما أغادر انا ! "

تحرك ناويا المغادرة لكنه وقبل أن يبتعد رفع يده يشير لليو وهو ينطق بتحذير :" وكنت جاد حين قلت لن امرر الأمر لو اصبت مجددا لذا من الأفضل أن لا تفعل ! "

المعني حدق به قبل أن يُجيبه بضحكة هادئة توقفت فور غياب رفيقه عنه ! ، هو أعاد جسده لوضعية الاستلقاء بعد أن شاهد أن الساعة تشير للثانية ليلاً ! و هذا جعله يقطب حاجبيه بحيرة و شيء من الاستنكار فهل هو حقاً تركه ليكمل الليلة هنا وحده ؟

عبست ملامحه قليلاً ينطق :" متنمر ! أم هل عمه المتصل ؟ هل أعاد حظر التجول خاصته ؟ "

أغمض عيناه و هو يهمس :" لا ملامحه لم تكن تدل على ذلك إذاً من ؟! هنالك من يحاول سرقة أخي مني حيث تركني و انا بالمشفى يا له من تنمر ! "

*
خطواته كانت هادئة نوعاً ما لا تشي بما يفكر به صاحبها أو عن تلك العواصف التي تسري بعقله ... الكثير يحدث من حوله و عليه القلق بشأنه ، ليو و صحته و ذلك الشجار ، و المشاكل التي تحدث بمنزل عمه ثم الآن صاحب تلك المكالمة الذي طلب منه القدوم لرؤيته !

هو للآن لا يثق به بل كلاهما لا يفعل ، فالأمر ليس سهلاً و لن يكون بأي حالة من الأحوال بما أن الرهان الرئيسي هنا هو حياة كل منهما ...

الهدوء كان طاغياً فالوقت مُتأخر بالفعل لتواجد أحد بالشوارع و ربما من حسن حظه هو قرب المشفى من الفندق الذي وضع هنري به و إلا لوجد صعوبة بالتواجد ! ...

هو أخبره أنه سيطلعه على معلومة مهمة عن عدوه و هذا ببساطة كان ليدفعه للوصول له و لو إضطر لقطع مسيرة يوم كامل سيراً على الأقدام ! ...

و فور وصوله هو أخرج المفتاح بحوزته ليفتحه ، و من بالداخل و الذي كان يجلس على فراشه يعبث بنوع من الملل بإنتظار الذي يفترض أنه مُنقذه فور أن التقطت أُذناه تلك الحركة قرب الباب هو نهض من موقعه ليقف بإحدى الزوايا التي تُظهر له من القادم دون أن يسمح له برؤيته !

و فور أن لمح آلفين هو خرج من مكانه ليعود لفراشه بينما ينطق بنبرة هادئة ما خلت من السخرية :" هذا كان سريعاً أتعيش بالقرب من هنا بالفعل ؟ أم أنك تمتلك سرعة خارقة أو ما شابه "

و المعني رفع أحد حاجبيه بينما يسير حتى بات قريباً نوعاً ما يفكر أنه هل هذا الطفل هنا يحاول جعله يعطيه معلومات عنه حقاً ؟

هذا دفع ابتسامة ما للظهور على شفتيه بينما يُجيبه بذات نبرته :" بل أدرك فقط أنني أتعامل مع طفل قد يغير رأيه إن تأخرت لذا استحضار تلك القوى الخارقة أمر ضروري ألا تظن ؟ "

و نظرات الأصغر تبدلت للغضب فوراً يهتف :" ألم أقم بتحذيرك من مناداتي بهذا ؟ أم أن عقلك الصغير هذا لا يمكنه استيعاب ذلك ؟ "

ابتسامته الساخرة اتسعت و هو يجلس على الأريكة أمامه يجيبه :" أليس الأطفال من لا يمكنهم التحكم بانفعالاتهم هكذا ؟ بأي حال دعنا نتجاهل هذا و أخبرني الآن بما أردت قوله لي لست قادم الى هنا عند الثانية فجراً لنتناقش حول أأنت طفل !؟ "

و جملته قام بإنهائها بنوع من الجد مُحدقاً بمن أمامه و الذي عض على شفتيه لوهلة حتى كتم غضبه و كلماته الساخطة التي أراد تفجيرها بوجهه إلى أن نطق بهدوء بعد أن أخذ نفساً عميقاً فهو عليه و بشكل جدي أن لا ينسى وضعه لذا يجدر به العمل على رؤية إن كان آلفين هذا جدير بالثقة أم لا !؟

-:" حسناً أولاً سأخبرك بهذا ، سامويل لديه ابن بالتاسعة من العُمر ! "

شهقة ما كادت أن تصدر من الآخر الذي قطب حاجبيه يصغي بكل جوارحه له قبل و فور شعوره أنه لن يكمل وحده ربما أجاب بخفة :" و أين هو ؟ هل يعيش بِرفقته ؟ "

ابتسامة ساخرة نوعاً ما ارتسمت على شفتيه و هو ينطق بهدوء :" بل يضعه بميتم بمنطقة قريبة من هنا نوعاً ما ، هو لا يريده أن يكبر بينما يعتمد على أحد سوى نفسه ليصبح مثله ببساطة ! يريده ان يكون وريث مثالي لذا على الأغلب سيرسل من يؤذيه ليجعله بارد و قاسٍ أكثر ! "

عينا آلفين اتسعت بشدة مع تلك العبارات ، هو لا يمكنه تصديق ذلك حتى ! إلى أي درجة يمكنه أن يكون وغداً لترك طفل بالتاسعة وحده هكذا !؟

لذا آمال برأسه قليلاً ينطق بتساؤل :" و كيف علمت أنت عنه أم أن جميع من بالعصابة يفعل ؟ "

أجابه المعني بلا مُبالاة :" بطرقي الخاصة فقط ! و لا هي معلومة سرية "

رمش آلفين عدة مرات قبل أن يومأ بهدوء و ينهض بينما يتحدث بجد :" و هذا فقط ما أردت قوله لي أظن صحيح لليوم على الأقل ؟ "

أومأ هنري له بينما يحدق به محاولاً معرفة ما يفكر به من أمامه و الذي غادر ببساطة بعد أن سأله عدة أسئلة أخرى لم يعلم أهو مهتم بالطفل أم ينوي استغلاله أم ماذا ؟!

*
الأحلام التي يسعى المرء للوصول لها ما هي ؟! بل ما هو تعريف هذه الكلمة ؟ هل حقاً وجد أولئك الذي نجحوا بالوصول لها ؟ أم أنها مجرد كلمة وضعت كمُرادف لكلمة الأمل ؟! و عن أي أمل نتحدث بعالم بلا رحمة ؟

قلوب كالحجارة أو أشد حتى هي ما يُحيط به إذاً عما يتحدث ؟ أي أمل هو هذا بل أي أحلام هي التي قد يجرأ على التفكير بها بينما هو لا يحق له ذلك ؟

وجهه كان شاحب على غير عادته يجلس على مقعده وحده تماماً حيث طالب البقية بالابتعاد عنه بحجة المرض !

الساعة تجاوزت الثامنة إلا عشر دقائق أي المحاضرة الأولى توشك على البدء لكنه فقط وضع رأسه على مقعده يحاول أخذ عدة أنفاس بشكل هادئ !

رغم ذلك ابتسامة ساخرة ارتسمت على ملامحه فالأمور بدأت بالإنقلاب ! كم سيكون حظه مذهلاً إن وصل إتصال ما من عمه لجده يخبره بما فعله لابنه المدلل ذاك ، أو حتى إن اتصل ليو بجده أو قام بإخبار الش...

-" تفضل ، و صباح الخير سيتو "

أفكاره لا بل جسده انتفض فور استماعه لذلك الصوت الذي ود أن لا يرى صاحبه اليوم مطلقاً ! ، هو رفع رأسه ببطء لتُقابل عيناه عينا ذاك الجالس بجواره مع ابتسامة واثقة ! ...

هو حدق بتلك الضمادة على رأسه قبل أن تمتد أنامله لسحب ذلك الملف الذي ألقاه له فور وصوله محاولاً أن لا يُظهر ضعفه أو خوفه لمن يفترض أنه عدوه الأول .

أعينه اتسعت فور رؤية ما بيده بنوع من الصدمة هو شد بيده على ذلك الملف الذي حمل ورقة واحدة بل هي نسخة عن رفع شكوى ضد شخص مجهول لمحاولة قتل !... هو أراد أن ينطق ، أن يسأله لما هي مرفوعة ضد مجهول ؟ لكنه أدرك بطريقة ما أن شيء كهذا يعني أنه يمكنه الآن إهانته و تحويله لخادم حتى مقابل أن لا يوضع اسمه بدل عبارة مجهول تلك .

لذا هو أغمض عيناه و نبضاته ازدادت بشكل كبير أراد أن يسأله عن المُقابل الذي يرغب به بالفعل إلا أنه فقط يشعر بأن لسانه لا يقبل الحديث ، بل جسده كله خارج عن النطاق !.

لذا بالنهاية هو وجد نفسه يحمل كل شيء يخصه حتى ذلك الملف و يتجاوزه مغادراً القاعة بشكل سريع ! فبالنهاية لا يمكنه السماح تحت أي ظرف من الظروف أن يخرج دموعه ، حتى و إن كانت نهايته ! ...

و من جهة أخرى أغمض ليو عيناه بنوع من الهدوء ، هو و منذ مغادرته المشفى أخذ تقرير منهم عن حالته و سجلها لدى الشرطة بحق مجهول حيث ادعى أنه لم يرى ملامحه جيداً ، و للحق أراد أن يسخر حقاً منه ...

إلا أن ملامحه الشاحبة من الأساس جعلته فقط يريه الملف و مغادرته بتلك الطريقة جعلت نوع من العبوس يحتل ملامحه :" هل أصبحت أنا هو المتنمر فجأة ؟ "

لكن ذلك اختفى خلال عدة ثوان يأخذ كتبه هو الآخر و يغادر بعد أن رسم ابتسامة واثقة يُردف :" لا أرى مشكلة بهذا بعد كل هذه السنوات صحيح ؟ "

خطواته قادته لأقرب مكان قد يذهب إليه قريبه إن كان راغباً بالاختلاء بنفسه ربما و هي دورة المياه التابعة للكلية ، و كما توقع هو وجده هناك ، لكن عيناه اتسعت بنوع من الصدمة و قد أصدر شهقة مُستنكرة من بين شفتيه ! ... حيث كان الآخر يقف أمام المرآة بينما يزين معصميه بالمزيد من تلك الجراح .

و عيناه شاردة تماماً تحدق بذلك السائل القُرمزي بينما ابتسامة غير مُريحة مرتسمة على ملامحه ، تلك الابتسامة هي ما دفعت الأصغر للانطلاق نحوه يسلبه تلك الشفرة بينما يهتف بحدة :" هنيئاً لك فقدت عقلك بشكل كامل و أخيراً هل علينا إدخالك لمصحة ما ؟ "

و هو رفع بصره يحدق به بذات نظراته السابقة قبل أن ينطق بنوع من السخرية :" سوين ليو ، سيكون هذا يوم سعدك عندما يحدث هذا ! يمكنك حينها القدوم و السخرية أو دفع المال لهم لأجل صعقي أو إعطائي حبوب لا أعلم ما تأثيرها حتى ! ثق بي لن يوقفك أحد ، لا أحد بشكل حرفي قد يعترض "

و صوته اهتز بنهاية كلماته بينما أسند جسده للحائط خلفه يهمس بنبرة مهزومة :" أنت ماذا تريد مني ؟ الكرة الآن داخل ملعبك ، لقد انتصرت لا بل أنت كنت كذلك منذ زمن بعيد للغاية ! لطالما كنت قادراً على نيل اعتراف الجميع و اهتمامهم حتى والداي أنا ! "

رمقه ليو بنوع من الهدوء يستمع لكلماته قبل أن ينطق بسخرية :" أنت تعلن إنهزامك حقاً ؟ سوين سيتو لقد أعلنا حالة الحرب من فترة قصيرة لكنك تستسلم ! لقد خيبت ظني بالفعل ، ألم تقل أنك تريد البقاء بالقمة ؟ أنت هكذا تتنحى "

و المعني تقدم و قد تجاوزه حيث قام بمسح الدماء بالمياه ثم نطق و هو يخفي جراحه تلك :" افعل ما يحلو لك ، و استغل ذلك جيداً ! أتعلم أنا أكرهك ليو ، حقاً أفعل ، بالماضي أردت أن نكون صديقان لكن هذا كان ايجعل ابي يُجن ، ثم ازداد الأمر حيث دائماً ما تكون على صواب و أنا على خطأ ، لطالما تم توبيخي أمامك و هذا جعلني أساساً أتراجع عن فكرة الحديث معك حتى ! لن تنظر لي سوى باحتقار "

ابتسم بنوع من السخرية و هو يردف :" هكذا ظننت دائماً ، ثم كنت تأتي و تعطيني تلك النصائح التي أعرفها جيداً لكنني عاجز عن تطبيقها ! "

هو كز على أسنانه بغضب ليتقدم منه يمسكه من ياقة قميصه يسنده بخفة على الحائط بينما يهتف :" أتدرك ما مدى غرورك وقتها ؟ أنت و نصائحك الغبية التي لا فائدة منها ليو ! أنا ببساطة لم أكن قادراً على استيعابها حتى أتفهم ؟ "

تركه ليبتعد قليلاً يأخذ نفساً عميقاً و هو يغمض عيناه :" لم أسمع بحياتي كلها والداي يتحدثان عني بشيء إيجابي لطالما كنت أنت محض اهتمامهم و كيف أصبح أفضل منك ! فقط مجرد مسخ يحاول التغلب على من أمامه "

دموعه انهمرت أخيراً يشير إليه بحقد قبل أن يهتف :" أنا خائف ! أنت لديك كل شيء لكن أنا ليس لدي ! غلطة واحدة ليو و سأجد نفسي خارج المنزل بالشارع ، و لن يكون هنالك أحد ليعترض تماما كما لم يتواجد أحد عندما تم إلقائي بالقبو لأيام لأنني أخرجت غضبي مرة بوريث أحد الشركات المهمة ! "

هو فقط مسح دموعه و حرك يديه بمعنى لنكف عن هذا الهُراء بينما يسير بخطوات مرهقة للخارج و ليو فقط تنفس بعمق قبل أن يتقدم حيث أمسك به من ياقته هذه المرة ليضربه بالحائط بقوة :" لطالما كنت مُستعداً للإمساك بيدك ! أن أساعدك للنهوض أن أكون الشخص الذي يمكنك الاعتماد عليه إن شعرت أنك ستسقط ! و أعلم ربما أنه ليس ذنبك حتى لكن أنا لم أعد مُستعد لذلك ، لست بملاك سيتو ! لا يمكنني محو الماضي مهما حدث "

هو أردف بعدها سريعاً :" قبل دخولي للسجن كنت مستعد حتى لمشاركة كلا والداي معك ! لكنني عندما خرجت لم أجد منك أي ذرة رحمة أو شفقة إذاً لما يفترض بي الشعور بها الآن اتجاهك ؟ أم يحق لك أن تكرهني لدرجة الاستمتاع بألمي و أنا لا ؟ "

هو شد عليه بشكل أكبر يهتف بضيق :" رغم كل ذلك أنا للآن و للمرة الأخيرة سأعرض عليك أن تمسك بيدي ! لكن فقط حتى تنهض مُجدداً ، إلى أن تدرك ما هي رغبتك الحقيقة بالبقاء حياً ثم ستذهب بطريقك دوني ، جد لنفسك صديق جيد أو زوجة مخلصة تحبك لا أهتم أليس هذا أفضل من نظراتك الغبية التي تقول أنني سأنتحر ! "

ملامح سيتو انتفضت بنوع من الحدة يبعد يداه عنه يحاول لكمه على وجهه بينما يهتف :" لست بحاجة لشفقتك اللعينة ليو ! و لا شأن لك حتى و إن انتحرت ! وفر عرضك لنفسك فأنا لست مُهتماً به و لا بأي حال من الأحوال "

أمسك ليو بيده قبل أن تصل لوجنته ثم ركله ليسقطه أرضاً حيث جلس فوقه يشده من قميصه و هو يسدد لكمة له :" إن لم ترغب برؤية أحد يشفق عليك فتوقف عن كونك مثيراً للشفقة ! أعلم أنك خائف ، لقد عشت خمس سنوات كاملة بالسجن أعتقد أن نهايتي ستكون الشارع ! مع عصابة ما أو متسول أو أن أموت بعد فترة من الجوع و العطش لمنع الخيارين الآخران من الحدوث ! أدرك أن جداي ليسا شخصاً يمكنك الاستناد عليه "

هو هدأ غضبه قليلاً ليبعثر شعره بخفة بينما ينهض :" لكنك من خسرتني و والداي ! بتلك الفترة لو أنك كنت افضل و لو بقليل لكنت قد كسبت أسرة جديدة ! بأي حال هذا لا يعني أن تبقى أرضاً ، من الحماقة التفكير بي و إضاعة حياتك بانتظار لحظة سقوطي لاستغلالها ! ثم أتعلم أنني لطالما شعرت بالغيرة منك ؟ على الأقل بالفترة الأخيرة ، أنت تقوم بعمل مذهل بالفعل رغم كل مشاعرك تلك ، أنت صمدت لفترة طويلة وحدك و انهيارك لا يعني فشلك حقاً ! أنا تواً بدأت بالاستيقاظ من حادثة السجن و ما فعلته أنت و جداي لاحقاً ! يمكننا النهوض معاً أنا بحاجتك إعتبرها صفقة فقط يساعد كل منا الاخر على الوقوف من جديد ، سأنتظر رأيك عندما تكون مستعدا "

هو أنهى عبارته ليغادر و ما إن فعل حتى وجد عدة أشخاص يقفون بالممر و هو نظر لهم بسخرية تامة ! من يعلم ما هي الإشاعات التي سيطلقونها الآن ؟ و لكن هل يهتم ؟ قطعاً لا أمامه أقل من شهر بالفعل لينفذ ما يدور برأسه و أحد تلك الأمور هي معرفة من اتصل على آل ليلة الأمس بالمشفى قطعاً !

*
أشارت عقارب الساعة إلى الساعة العاشرة صباحاً بينما عينا البُنفسج تلك تطارد العقارب علها تصبح أكثر سرعة ربما ؟

ليس ممن قد يتهرب من عمله او ينتقده إلا أن العمل المكتبي هذا لا يروقه دائماً ، يفضل التواجد بالساحة هناك حيث الميدان الشائع ليحلل ، ينتقد ، يفكر و الأهم يقتنع تماماً دون أي سبيل للشك !

و رغم كل ذلك الكثير من الأمور الشائكة بدأت تظهر أمامه منذ لحظة إيجاده لهاري بذلك المنتزه بتلك الطريقة ...

أغلق عيناه قليلاً تزامناً مع صوت طرق على الباب قبل أن يأذن للطارق بالدخول حيث تقدم شرطي ينطق باحترام :" سيدي هذه معلومات حول ما طلبته منا سابقاً ، ليست كثيرة لكن أظنك سترغب بمعرفتها قد تقودك لشيء آخر "

هو مد يده لاستلام الملف بنوع من الاهتمام فأخيراً قد يجد ما يهمه حقاً ، و فور أن غادر من معه حدق بالملف بجد بينما يقوم بفتحه ، أنظاره حملت الكثير من الجد و التركيز قبل أن تتسع بصدمة حقيقية و قد ظهرت صورة والد الصغيران بعقله بينما يشد بيده على الملف !...

هذا أمر هو حقاً ما توقعه أبداً ، ذلك المختل لم يتخلى عن صغيراه فقط حيث وضعهما بمنزل بمفردهما بل هو من قام بالتخلي عنهما رسمياً لسامويل كأنهما شيء يمكنه التجارة بهما مقابل دين ما عليه .!

أغمض عيناه يُبعد مشاعره الحقيقية بينما يفكر أن هنالك ما يحدث ، كيف يعرف والد التوأم سامويل بأي حال ؟ و ما هو الدين الكبير الذي جعله يعطيه إبناه و إن لم يكن مُهتماً بهما ؟ و ربما الأهم أنه على ما يبدوا اي منهما لا يعلم هذا و إلا كأقل تقدير يدرك أن هاري ما كان ليصمت إلا عندما ينال حكم الإعدام لقتله والده و زوجته و أخاه منه ربما مع سام بيوم واحد ! ...

و هذا رسم ابتسامة تحدي على شفتيه فالآن هو عليه إيجاد طرف خيط فقط و ليس سامويل وحده من قد يسقط فحتى ذلك الأب المذهل سيدخل بتهمة التجارة بالبشر كأقل تقدير !...

*

آمال برأسه بنوع من العبوس و هو يحدق بِكلا الفتاتين أمامه بينما ينطق بتذمر :" أهو تحقيق مُضاعف أم ماذا ؟ "

و إيزابيلا أجابته سريعاً و هي تكتف يداها لصدرها :" لكن منذ دخولي لهذه الكلية و كل ما أسمعه هو ثرثرة حول شجار وقع بين وريث سوين الحالي و السابق ! ما هو هذا ؟ لما قد تتشاجر معه ؟ بل هل من المنطقي أن تتحدث معه أساساً ؟ "

أنجيلا أردفت بعدها :" قد تصل الشائعات لآلفين أيضاً "

و المعني ابتسم قليلاً بينما يحمل كتبه :" ببساطة لا بأس أن يعلم أخي آل بهذا الآن فهو سيكتشف الأمر قريباً جداً ، لذا بأي حال آنسة متنمرة رقم واحد لم نتشاجر أو فعلنا إلا أن هذا لا يخص كل أولئك الحمقى ! لا شيء حقاً يُهمني أمره ! "

و المعنية بعبارة ' المتنمرة رقم واحد ' شهقت و هي تقف أمامه بإعتراض :" أنظر لنفسك أنت لقد أُصبت مجدداً ! إلى متى ستستمر بهذا ؟ "

ضحك بخفة و هو ينحني لها بمرح :" لن يتكرر أعدك مولاتي ، لذا الآن عن أذنكن لدي عمل علي اللحاق به و هو بعيد نسبياً عن هنا "

قطبت أنجيلا حاجبيها سريعاً تهتف :" مهلاً لاتزال الساعة هي الثانية عشرة ! ماذا عن بقية المحاضرات ؟ "

أجابها و قد تجاوزهن بالفعل :" ألغيت بقية المواد ! فكما يقال العمل النظيف بحاجة لوقت ! لما الإسراع بالتخرج ؟ "

و كلتاهما لم يتح لها المجال بالرد فاليوم كان غريباً بكل المقاييس المعهودة ! هو تحدث بمرح مع كل من أتى و سأله حول سيتو ! شارك بالنقاش بالمحاضرات حتى أن بعض الأساتذة أخبروه أنهم الآن يرون من أين حصل على المرتبة الأولى ، و الآن ما بال تلك العبارة ؟

بحق الإله هو بدى واحد مطابق لمن يرونه بالعالم الرمادي لمديري الشركات فماذا حدث بهذه السرعة ليستبدل شخصيته فجأة ؟!

و من جهة أخرى هو كان يسير بخطوات سريعة نسبياً فعمله الأول يبدأ عند الساعة الواحدة و النصف بمنطقة قريبة من منزل عم آلفين بل و كل أسرة رفيقه بما فيهم والداه و قطع القمامة التي قابلها سابقاً بحفل ميلاد آنجيلا ، هو لم يكن يمزح عندما أخبر رفيقه أنه سيعمل بأربع أعمال ، لما ؟ فقط لأنه حان موعد النهوض صحيح ؟

لذا بدلاً من تحاشي الاقتراب او الاختلاط بالآخرين هو سيتجه للعمل بواحد من أرقى المحلات التجارية الموجودة هناك و المخصص ببيع ثياب للأسرة كلها و ليس للشباب فقط كما عمله الأول !

أي هو سيتعامل مع كل الأعمار مُنذ صغرهم و حتى كبرهم ! مع كل الطبقات أيضاً و بهذا ربما سيمكنه إستعادة قدرته على الانتباه لما يُحيط به و لسماع رأي الآخرين دون أن ينطقوه حتى .

و ما ان استقل الحافلة حتى أسند جسده للخلف يخرج هاتفه و يرسل رسالة ما لرقم قام بنقله من ورقة صغيرة كانت معه قبل أن يتنهد بتعب و يغمض عيناه ، كل شيء تقريباً يسير بسرعة شديدة و هو عليه تدارك كل هذه التغييرات بوجه هادئ أو مُبتسم هكذا عليه أن يفعل ، بحق كل شيء أحياناً يشعر أنه يُلقي بنفسه للجحيم بيده ! ...

عبس بشكل كامل عندما تذكر كلمات آلفين بذلك اليوم المشؤوم ! هو أخبره أن يذهب للجحيم بكل تنمر ! ... إلا أن ذاك العبوس اختفى فجأة لحل مكانه ابتسامة ما و هو يهمس لنفسه :" هذا غير صحيح ! أنا أوشك على مغادرة الجحيم الذي حبست به نفسي منذ سنوات طويلة "

*

خطواته كانت شبه ميتة بينما الخدم يراقبونه بنوع من الدهشة فلماذا هو بالمنزل و لازال الوقت مُبكراً على نهاية مّحاضراته أو عودته بأي حال ؟!

إلا أن أي منهم لم يكن لديه الكثير من الفضول لدرجة ذهابه و سؤاله مثلاً لذا عاد كل منهم لعمله بينما سار هو للأعلى و عقله يعيد إليه ما حدث بالجامعة لا بل منذ أن ضرب ليو بالأمس ليلاً بتلك الطريقة ...

و بطريقة ما هو توقف أمام تلك العلية المتواجدة بالمنزل بينما بدأت ذاكرته تعرض له عدة صورة و كأنها تحدث الآن !

حيث وقف ذاك الفتى ذو الخامسة عشرة من العمر أمامه يصرخ بنوع من التوسل :" ماذا تريد أنت مني الآن ؟ لقد انتصرت ألم تفعل ؟ أصبحت وريث هذا المكان الرئيسي لذا دعني و شأني فقط ! "

ذلك المشهد تلاه عدة مشاهد أخرى حتى وصل لما حدث بالجامعة و عبارة قريبه ذاك :" لست بملاك لأنسى الماضي سيتو ! لكن يمكن لكلانا الوقوف معاً و تجاوزه "

و ذكرياته هو أوقفها فور جلوسه على ذلك الفراش القديم يضع رأسه بين يديه و هو يأخذ عدة أنفاس عميقة ، أجل هو يذكر أنه بالفعل أوصل ليو لذات حاله اليوم بتلك الفترة ! ...

إذاً ماذا يريد منه ؟ أي صفقة هي هذه و كيف يساعد كل منهما الآخر على النهوض ؟! أغلق عيناه حينها بهدوء قبل أن تصله رسالة ما على هاتفه هو قطب حاجبيه قليلاً يميل برأسه يخرجه من جيبه ، حدق بتقطيبة حاجب بالرقم فهو لا يعرفه حقاً ! ...

لكن لثوان فقط قبل أن يفتح الرسالة و يرى ما بداخلها لتتسع عيناه فور معرفته بصاحبها بسبب ما بها و نوعاً ما كل شيء بدأ يصبح أكثر وضوحاً ... و منطقي !

*
الحركة كانت سريعة بشكل كبير فبعض الموظفين بدأ موعد استراحتهم و آخرون يوشكون على الذهاب !

و من بينهم سار ذلك الفتى ذو السادسة عشرة عاماً حيث استبدل ثياب العمل بأخرى عادية ينطق بمرح و هو يلوح لمن بغرفة الاستراحة :" شكراً لعملكم الشاق اليوم ! و أعتذر لترك البقية لكم "

ابتسم له المتواجدين و كل منهم رد عليه بابتسامة ودودة فبالنهاية هذا أصغر موظف لديهم ! و بعضهم لديه أبناء بعمره أو أخوة أصغر سناً ، ثم ابتسامته المرحة هذه و طرقه للتخفيف عن الحزين منهم جعلته محبوب بالمكان الذي يعمل به !

مجدداً هو يثبت أنه ليس فقط فتى منعزل و كئيب بل لديه جوانب أخرى لطيفة و من يعلم عن الظروف التي أجبرته على إخفائها ؟!

و بالخارج جلس على إحدى الطاولات يحدق بالعاملين باحثاً عمن يود رؤيته !؟ هو ارتدى معطف طويل باللون الأسود و قد وضع قلنسوة تخفي وجهه و خُصلاته ، و أنهى الأمر بوضعه لكمامة ما على شفتيه و أنفه متظاهرا بالمرض ربما ؟

تنهد بتعب قبل أن يبتسم بنوع من الاطمئنان و الشوق لذاك الذي ظهر فجأة أمامه يلوح لبقية العاملين و قد بدى أنه سيغادر الآن ؟!

لذا و بما أنه رآى ابتسامته تلك نهض هو الآخر ليسبقه للخارج و يغادر فكل ما أراده هو الاطمئنان عليه ، أن يعلم أنه بخير و لا توجد مشاكل تطارده و هذا نوعاً ما كان كافياً رغم الألم الذي بدأ ينبثق بقلبه يخبره أنه ذلك ليس كذلك ، هو غير كافٍ له ليهدأ مُطلقاً ! .

إلا أنه و مُجدداً سار بخطوات هادئة مُتجاهلاً كل ذلك الألم .!..

شهقة مُرتفعة صدرت منه عندما توقفت خطواته تماماً بفعل إحاطته بالجروين هو أراد التحرك بشكل أسرع ليبتعد عنهما عندما صدر صوت يشابه صوته تماماً ينطق بنوع من الصدمة :" هنري ؟! "

و المعني توقف بمكانه يغلق عيناه فلا يمكنه الهرب الآن صحيح ؟!

هذا دفع الأصغر للتقدم يُردف بخفة و قد سيطر على جزء من صدمته :" كما تعلم مظهرك هذا مثير للريبة خاصة و أننا بفصل الصيف ! ثم يمكنني أن أميز أخي التوأم من ظهره فقط و إلا سيكون الأمر مريعاً "

هو أنهى عبارته يكتف يداه بينما ينفخ وجنتيه بلا إرادة منه .

ضحكة ما صدرت من جوفه و هو يلتفت يحدق بملامح شقيقه قبل أن يتقدم يُمسك بيده ليجره لمكان آخر منعزل نوعاً ما !..

و الأصغر سار معه بلا أي إعتراض ، هو كان قلقاً و بشدة عليه ، أين هو الآن ؟ و ماذا يفعل ؟ أهو بخير أم لا ؟ يشعر أنه كاد يفقد عقله تماماً و مئات الأسئلة تتدافع لكن و برؤيته الآن يشعر بأنه قادر مجدداً على الهدوء و إن كان لم يحصل على إجابته بل يدرك أنه لن يفعل ...

لذا و فور توقف شقيقه هو أبعد عنه تلك القلنسوة و الكمامة لينطق سريعا بفضول :" اذا ما بك أخي ؟ "

و الأكبر ابتسم بمرح بينما يخبره :" لا شيء بي فقط كنت بمهمة و أردت رؤيتك لكنك بدوت مشغول لذا فكرت بالمغادرة و العودة لاحقاً ! لكن الأهم الآن كيف حالك ؟ "

رفع أحد حاجبيه سريعاً مكتفاً يداه لصدره ينطق بنوع من الاستنكار التام :" مشغول أخي و أنا ألقي التحية للمغادرة ؟ و قلت مهمة ها ؟ أأنت تمزح معي ؟"

تلك النبرة و كل الاستنكار الذي ظهر بصوت الأصغر وتره بشدة ، هو لا يمكنه إخباره أن نيته لم تكن الحديث معه أساساً ، بل فقط أراد الاطمئنان و حسب لذا هو أجاب بتوتره ذاك :" لم أرك و أنت تودعهم رأيتك من بعيد وحسب وخشيت أن أسبب لك المتاعب ! وأجل مهمة ! بأي حال أخبرني عن حالك أنت ! هل كل شيء بخير ؟! "

أغمض عيناه بنوع من الهدوء و هو يتنهد بتعب قبل أن يُعيد فتحهما يحدق به بنوع من الهدوء المُربك:" حسناً سأدعي أنني صدقت هذا كله ! أنا بخير تماما ! ماذا عنك أنت ؟ طعامك هل تتناوله ؟ أأنت بخير ؟ أيزعجك أحد ؟ "

اجابه الأكبر بينما ينطق بإعتراض تام :" أنا بخير أنت من يجب أن أساله عن حاله ! أنت تعيش مع غريب وغد كيف هو معك ؟! "

نفخ الأصغر وجنتيه يتقدم ليضرب جبهة شقيقه الأكبر ينطق بنوع من العبوس :" غريب وغد ؟ لو كان كذلك أكنت ستبقيني معه هنري ؟ ثم أنت هو الذي يهمل تناول طعامه مؤخراً ! و مارسيلينو جيد رغم أنه شخص مُستفز بشكل فظيع أحياناً ، أتعلم بعيداً عن كل هذا أنا اشتقت إليك و بشدة ! "

هو أنهى عبارته يخفض رأسه و تلك الدموع التي تجمعت من حيث لا يعلم ! حتى أنه وبخ نفسه بقلبه يسأل ذاته لما هذا الآن ؟ هو ليس بالوقت الملائم صحيح ؟ لكن ماذا يفترض به أن يفعل هو غير قادر على إنكار كل تلك المشاعر ! بما فيها رغبته بضرب من أمامه بقوة بسبب كلامه الأخير مع مارسيل ، أن يخبره أن حياته فقط مستمرة لأنه يأمل بيوم ما يأتي يعيش كلاهما معاً دون أي تهديد أو ألم أم أنهما لا يستحقان هذا ؟!

هنري و الذي كان يراقب توأمه باهتمام بالغ و فور رؤية ذلك التحول اتسعت عيناه بقوة ، لم يكن صعباً عليه إدراك سبب تلك الدموع لكنه من فوره سحب صغيره ليضع رأسه على كتفه وهو يمسح على ظهره بخفة ناطقاً بصوت حنون خالطه حزن شديد :" أنا أيضا اشتقت إليك بشدة صغيري ، أكثر مما تتصور، لكن ستصمد لأجلي صحيح ؟ المرة القادمة حين آتي أريد أن تعرفني لأصدقائك ، انت بمدرسة جديدة صحيح ؟ أرغب بسماع كل شيء منك وبالتفصيل الممل ، لذا حتى وقتها ستكون بخير أليس كذلك ؟ "

و الأصغر تشبث به قليلاً قبل أن يبتعد ليمسح دموعه بهدوء و هو يميل برأسه ينطق بهدوء مجيباً على عبارته الأولى :" سأفعل بالطبع لا تقلق علي ! "

الا انه بعدها أشاح بوجهه عنه يجيب بنوع من التوتر :" أنا لست كذلك ! لم أعد للمدرسة القديمة و لم أنقل أوراقي لأخرى جديدة لأنني توقفت عن الدراسة "

تاك العبارة التي نطقها جعلت الأكبر يشهق من فوره و أنفعل دون شعور وهو ينطق بإعتراض تام :" لحظة لما هذا ؟! ماذا يفعل ذلك المحقق الوغد ؟! ألا يفترض به الاهتمام بهذا ؟!لما لست بالمدرسة إذاً ؟! "

قطب حاجبيه يكتف يداه مُجيباً بنوع من العناد :" لأنك لم تعد تذهب لواحدة و هذا مؤكد ! لا أريد متابعة الدراسة دونك و لا أحد يمكنه تبديل رأيي كما تعلم و لو عشرة أشخاص كمارسيل "

و قبل أن يتابع أي منهما ذاك الحوار صدح صوت لشخص ثالث مألوف للأكبر فقط حيث وقف على مقربة منهم يمسك هاتفه يضعه على أذنه بينما ينطق بنبرة وجدها الأصغر مستفزة :" سأراك بالفندق أيها الطفل الظريف ! "

و كل هذا نوعاً ما لم يعجب الأصغر الذي قطب حاجبيه يعيد بصره لمراقبة ملامح شقيقه من فوره ز و الذي ما إن وصله ذلك الصوت شحبت ملامحه والتفت يحدق بمصدر الصوت وتلك النبرة والكلمة المألوفة وفور وقوع زرقاوتيه بإتجاهه لعن حظه ونفسه ألف مرة على قلة حذره !

نسي حذره كله فور رؤية صغيره والآن قد يكون تسبب بتوريط شقيقه معه مع شخص لا يثق به بعد والأكثر من هذا رغبته حاليا بالانقضاض عليه وتشويه وجهه له بعدة لكمات على عبارة طفل وفوقها ظريف ؟!

بل إن رؤيته له مع تؤامه كانت كابوس تحقق ولم يكن يملك حق الرد فهذا سيجعل شقيقه يشعر بالشك أكثر بل سيتاكد من الأمر و آلفين كان يتظاهر أنه يتحدث مع شخص آخر إذاً هو يوقع نفسه بالأمر ويكشف كل ما يحاول اخفائه لو فتح فمه بأي حرف الأن !

و رؤية ملامح شقيقه تلك جعلت الأصغر يتقدم بخطوات سريعة يقف أمام الشاب يكتف يداه بينما يحدق بملامحه بتمعن !

هو لا يبدوا له أنه من المجرمين بالعصابة أو مستجد ما و إلا لعلم بشأنه صحيح ؟ لكن هل هنري يعرفه ؟ و لماذا شحبت ملامحه أهو يزعج توأمه ؟

و رغم أنه يود فعل الكثير حقا الا انه فقط وقف يحدق بتلك العينان ذات لون العسل بهدوء من النادر ان يتحلى به !..

و بالمقابل آل توقف فور رؤية تلك الملامح فأيقن أن هذا الفتى تؤام هنري إذا أهو يحاول حمايته ؟ أهو سبب هربه ؟ ملامحه معه كانت مختلفة كلياً وهو يمكنه رؤية مدى لطف الصغيرين واهتمامهما ببعضهما وهذا فقط يبعد بعض الشك من قلبه عن هنري فمن هو مجرم سفاح لن يكترث حتى لأسرته غالبا !

نظرات الفتى و وقفته جعلته يتوقف بينما يبعد الهاتف عن أذنه و هو ينطق بهدوء مع ابتسامة صغيرة :" بما يمكنني مساعدتك ؟ "

وهنري لم يعلم أيتدخل أم الصمت أفضل ؟! تابع المشهد يأمل أن يكون آلفين قادراً على أبعاد شبهات صغيره و هو سيتأكد من تحطيم رأسه فور رؤيته لاحقا !

و هاري كتف يديه لصدره و هو ينطق بينما يميل برأسه بنوع من المرح !؟ :" مرحباً ! لا شيء سوى إخباري بمن تكون أو ماذا تريد من قدومك إلى هنا !؟ "

هو بعدها حدق به بنظرة حادة خالفت ذلك المرح تماما ! .... حيث حدق به آل بهدوء قبل أن يبتسم مجددا يرد عليه بمودة وشيء من السخرية المبطنة :" لما علي فعلها ؟ أقصد هذا شارع عام صحيح ؟ ليس منزل أو ما شابه ، كنت أمر للمنزل وحسب ! هل ازعجتك بشيء دون أن أعلم أيها الصغير ؟ ام تحاول افتعال مشكلة ؟ عد للمنزل شقيقك يبدو قلق عليك لا تسبب له المتاعب ! "

وهنري قرر أخيراً التدخل و هو يقترب من شقيقه بتوتر ممسكاً بذراعه :" أخي ما هذا الذي تفعله ؟ دعه يمر عيب إعتراض طريق كبار السن "

تنفس هاري بعمق بينما يشعر بنبرة السخرية المختلطة بالود الذي أظهره يتسائل كيف تمكن من جمع كلاهما بوقت واحد ؟!

هو بعدها حدق بشقيقه التوأم بحاجب مرفوع و نوعاً ما شيء من الاستياء بان على ملامحه !

لذا هو أعاد بصره لآلفين يحدق به مرة أخيرة فهل شقيقه التقى به عند هربه ؟ و الآن ان أراد تهديد توأمه قد يستغله صحيح ؟ و إن لم يفعل فهو سيكو

ن شخص جيد نوعاً ما و هنري ليس ضعيفاً أو مغفلاً ليخدع لذا أشاح بوجهه أخيراً يسير مبتعدا عن كلاهما !

حيث لوح دون أن يري أي منهما ملامحه بينما ينطق :" حسناً سأتخيل أنني مجرد أحمق و أصدق أياً كان ما تقولانه لدي عمل الآن سأذهب ! "

و هنري فور حصول هذا هو حدق بتؤامه بحيرة وتوتر أكبر والفين لم يختلف عن حيرة هنري بل ارتفع حاجبه بشدة مستنكرا !

فهو كان يراقب تحركات الفتى وأدرك اخيرا أن هذا الفتى مزاجي وبشدة وبطريقة ما ذكره هذا بشجاره مع ليو ! و أيقن ربما أن الفتى هو الأهم لهنري على ما يبدو لذا تصرفات هنري الحذرة هل تعلمها لاجله ؟!

خرج من أفكاره على شعوره بشيء يضغط على قدمه فشهق يحدق بهنري بلوم وحاجبين مقطبين بينما الأخير ركض خلف هاري يلحق به ينادي باسمه بشيء من الذنب فهو لن يدعه يرحل غاضباً وحسب بأي ثمن ليس لمرة ثانية على الأقل !!

توقفت خطوات الأصغر دون أن يبتعد كثيراً عندما وصله صوت نداء شقيقه ليلتف محدقا به بعد أن أخذ نفسا عميقا يكتف يداه :" ماذا الآن أخي ؟ أم قررت أن تدعوني لتناول مثلجات الشكولاة من المتجر الجديد هنا ؟ لا أرغب بتناول شيء وحدي و مارسيل الفظيع لا يفكر بدعوتي لهذا "

حدق به هنري بينما يرمش عدة مرات قبل أن يجيب دون شعور وتلقائية :" أجل طبعاً هيا بنا !" وهو للآن لم يفهم ما جرى تواً حتى !

و آلفين بالخلف همس لنفسه وهو يحدق بهما :" أهو طفل أم لديه إنفصام من نوع ما ؟ كم موضوع تحدث به بالدقيقة ؟!"

أردف بحاجبين مقطبين :" وما قصة معاملة هنري له كطفل صغير لهذا الحد ؟!"

بعثر شعره وهو يشرع بالسير مجدداً بينما يبتسم بسخرية :" هذا وليو يتذمر من معاملتي له ،لو عاملته كما يفعل هنري ماذا كان ليقول !؟ "

*
عقارب الساعة أشارت للسادسة مساءاً مما جعل ليو يتنهد بتعب تام ، هو غير مُعتاد على كل ذلك بجدية !

قبل ساعة تقريباً بدأ عمله الثاني بل بطريقة ما و الثالث إذ أنه يعمل على توصيل البيتزا و الصحف حيث كلاهما يملكها مدير واحد ، شخص إستطاع بجدارة أن يكتسب إحتقاره ، يظن أن من يعملون لديه ليسوا سوى عبيد تحت قدميه .

و للحق كان هذا إحدى الأسباب التي جعلته يقدم للعمل هنا ، مدير وغد يجعله أكثر قدرة على تحمل من هم أسوء منه كأسرته و جده ربما ؟

تنهد بتعب يغمض عيناه عندما هتف من يعمل لديه :" ليو ، ماذا تظن نفسك فاعلاً ؟ أتدرك أنك تعمل لدي ثلاث ساعات فقط ؟ لا وقت للراحة لك "

و المعني وقف من مكانه يقترب منه بينما يُجيب بابتسامة مُتكلفة :" أجل سيدي ، إذاً أين الطلبات الجديدة ؟ "

تنهد الأول بضيق فهل ابتسامته تلك سخرية ؟! إلا أنه قرر تجاهل هذا بينما يضع مجموعة من الطلبات أمامه و معها مجموعة أكبر من الصُحف ينطق بنبرة آمرة :" نصف ساعة فقط و عليك التواجد هنا ! لا تظن أنه يمكنك فعل ما يحلو لك لأنك خارج المطعم فالدراجة مجهزة بخدمة التتبع لذا لا تحاول التلاعب و إضاعة الوقت ! "

و المعني تنفس بعمق يأخذ الطلبات منه و يسير للخارج ، هذا العمل يزعجه و هو من ظن أن عمله الأول سيء حيث أن وجهه كاد يتجمد على تلك الابتسامة الغبية ! لكنه هنا مُضطر للحفاظ على أعصابه ، تلك الطلبات رغم كونها بأماكن مُتقاربة إلا أن أنها بحاجة لوقت ...

هذا إن تجاهل أن الدراجة المخصصة للعمل تزعجه و الأمر ذاته للزي الرسمي و لكن الأسوأ بكل هذا هو ...

-:" مرحباً ليو "

شهقة صدرت من المعني عندما قاطع ذلك الصوت المكتوم أفكاره ! ، هو تحاشى النظر لمن ألقى عليه التحية تواً ينطق بنبرة سريعة :" أهلاً بك ، أرجو المعذرة علي الذهاب "

أنهى عبارته يغادر سريعاً بينما وقف الشابان من خلفه يحدقان به بنوع من الاستنكار حيث أزال الأول ذلك القناع الكبير ليظهر وجهه ينطق :" لما هو يتصرف هكذا دائماً ؟ "

أجابه رفيقه بينما بدأ بتشكيل بعض البالونات كحيوانات للأطفال بلا اهتمام :" هو بدأ عمله هنا اليوم فقط ! ثم ربما لا يحب المهرجين هنالك الكثير من الأشخاص هنا هكذا "

الآخر بدأ يساعد رفيقه و هو ينطق :" أجل أعلم لكنه يتجنب الحديث معنا سواء بالقناع أو دونه ! أي ليس هذا السبب "

قلب الأول عيناه بملل يجره خلفه :" لما أنت مهتم ؟ هل كسر قلبك مثلاً ؟ ليفعل ما يحلو له و الآن تحرك سيبدأ حفل الميلاد بعد قليل لا تود أن تطرد بسبب التأخير فقط لأننا نحاول إيجاد سبب مقنع لتصرف شخص لا يهمنا و لا نهمه "

و بجهة أخرى انطلق ليو لعمله بينما و أخيراً قرر الإعتراف حتى لنفسه أنه منزعج و منذ بداية عمله بهذا المطعم بسبب تواجد مثل تلك الكائنات به ! لا يهمه المدير الفظيع حقاً ليس بقدر تواجد فرقة كاملة من المهرجين !

بحق كل شيء ما هو الممتع بهم حتى ؟ هم مخيفون فقط مع كل تلك الألوان و الابتسامة الواسعة كسفاح أو ما شابه ! و رعشة ما سرت بجسده ليوقف الدراجة عند أول عنوان بينما يحاول تهدئة نبضات قلبه المضطربة ، بحق كل شيء عليهم تجاهله كما يفعل هو ! لن يمكنه حتى إلقاء التحية عليهم و إن كانوا خارج زيهم الرسمي ذاك ، فصورتهم كمهرجين فقط هي ما طبع بعقله الآن .

و الساعة الأخيرة من عمله كانت أكثر إزدحاماً من غيرها حيث أنه و فور أن دقت الساعة السابعة اتجه يسلم مفتاح الدراجة لمن بعده و يغادر سريعاً دون تبديل ثيابه حتى !

و لما لم يفعل ؟! لأن ذاك الاحتفال انتهى و لابد أن الفرقة الآن بغرفة الاستراحة أي لا مكان له هناك ! و خطواته قادته للمطعم الذي يعمل شقيقه به ! هو بحاجة للراحة صحيح ؟

لذا فور وصوله هو جلس على أقرب طاولة أمامه بحيث أسند وجهه للطاولة لدقائق يغلق عيناه بنوع من العبوس و التعب الذي سمح لجزء منه بالظهور على ملامحه قبل أن يرفع رأسه يتنهد بتعب و هو ينطق بتذمر لنفسه :" تباً لسوين ! لما علي خوض كل هذا ؟ هذا تنمر بحق كل شيء "

أخرج من جوفه بعدها نفساً عميقاً فهو يومه الأول فقط ! ليس و كأنه توقع أن يكون الأمر أكثر سهولة مثلاً ؟! جده كان محقاً بأمر واحد أوقات الفراغ الكثيرة تسمح لنفس الشخص الفوز عليه ! حيث يحقق رغباته قبل أولوياته إلى أن يضعف الجسد ...

حتى النفس بحاجة لتدريب دائماً ، ليس و كأنه سيحتفظ بأعماله الأربعة طوال فترة دراسته و إنما هي فقط لإعادة ضبط جسده و روحه ، و كأنه مجرد استعداد لأجل الخوض بمعركة أكبر !.

و أفكاره تشتت عندما تقدم أحد العاملين منه ينطق بابتسامة هادئة :" مرحباً ليو ! بماذا يمكنني خدمتك اليوم ؟ "

رد المعني ابتسامته الهادئة بأخرى لطيفة يجيبه :" أهلاً بك ! أريد بيتزا باللحم بحجم صغير مع كأس من المشروب الغازي "

هو أنهى عبارته قبل أن يُردف سريعاً بتحذير :" و أريد ما طلبته و إلا سأتناول من يحضر لي غيره بدلاً من الطعام و الوجبة ! "

ضحكة ما صدرت من جوفه و هو ينحني مُجيباً إياه :" أنا سأوصل طلبك و إن تم تبديله سأجبر آلفين على إحضاره لك بما أنه سيكون الفاعل ، و بأي حال أنت على ما يبدوا تعمل بمطعم للبيتزا و تأتي إلى هنا لتناول واحدة ؟ "

العبوس طغى على ملامحه قبل أن يجيب بمرح :" أجل لولا أن المدير هناك شخص متنمر أكثر من آلفين ! ثم بما أننا بِشجار ما فهي الطريقة الوحيدة لرؤية المتنمر و ازعاجه ! "

ضحك الآخر مجددا و هو ينحني :" مرحباً بك دائماً "

أنهى عبارته بنوع من الرسمية قبل أن يتجه للداخل يوصل الطلب للمطبخ ، و فور أن بات هناك قابل آلفين الذي كان يوشك على العودة للخارج عندما نطق موقفاً إياه :" آلفين رفيقك هنا ، يبدوا متعباً بعض الشيء ، و انظر هو قال أنه إن تجرأ أحد على العبث بطلبه سيتناوله بدل البيتزا !؟ "

الفين حدق  بالفتى الذي معه يستمع له بكل اهتمام حتى ابتسم بشر بآخر كلامه :" دعه لي و لنرى أن تجرأ على الاعتراض ! "

و تلك الجملة و طريقتها أضحكت الأول قبل أن يعود لعمله بينما ترك آلفين على يختار الأطعمة التي ستنفع صحة شقيقه و وضعها معاً ليأخذها له بنفسه لكي يجبره عليها و يطمأن عليه بصورة غير مباشرة بالوقت ذاته !

و لم يتأخر كثيراً فقد كان قد حضر بعضها بالفعل تحسبا لمجيئه لذا خرج مع الأطباق يحملها وفور رؤية شقيقه استطاع معرفة أنه وجد عمل آخر ، تقدم يضع الأطباق أمامه بينما يخرجه من حالة الاسترخاء تلك بنبرة تهديد مطلق  :" وجبتك هنا ، تناولها كلها أن لم ترد أن تحبس هنا لباقي اليوم  ! "

رفع رأسه فور شعوره بتلك الأطباق ليحدق بها بنوع من الصدمة قبل أن يشهق مع وصول كلمات آلفين له و هو يهتف :" مريع ! ما هو هذا سيد متنمر فظيع ؟! أولاً كما تعلم أنا بشري أمتلك معدة واحدة لا مئة ! ثانياً مريع لدي عمل بالمرآب بعد قليل ، و ثالثاً أتجيد قول عبارة كيف حالك ؟ "

هو اختتم عبارته الطويلة تلك يعبس قبل أن يشيح بوجهه بتجهم يهمس لنفسه :" و كأنك لم تتركني بالمشفى وحدي "

و المعني رفع حاجبه مستنكراً ينطق باعتراض :" هل أنا من قال " أنت لا تجيد الشجار ؟ " كان عليك إغلاق فمك وحسب ! بأي حال بدل التذمر بشأن هذا تناول طعامك حتى لا تضطر للعودة إلى هناك وحينها سيكون وجودي بالمشفى أسوء كوبيسك ! "

آمال برأسه بعبوس :" و منذ متى و أنت تستمع لأحد أساساً ! ثم أنظر قلت لي إذهب للجحيم لكنني لم أنفذ ! كم أنا لطيف و أنت لا تقدر هذا "

هو بعدها ازداد عبوسه ينطق بملل :" و إن ذهبت للمشفى ما المشكلة ؟! سأرتدي تلك الثياب الزرقاء الفاتحة ، و بمناسبة الازياء انظر لهذا الشيء الأبيض المريع ! على احدهم أن يصمم للمطاعم ثياب أفضل من هذه ! "

حدق آلفين به ينطق بإستنكار :" ما مشكلتك مع الازياء اليوم ؟! ثم أتت لست ممن يستمع لأحد فمثلا لو قلت لك أدرس أكنت لتفعل ؟ لا ! إذاً ليس بجديد أنك لم تذهب للجحيم كما قلت لك و لو كنت ذهبت لجعلتك تندم بأي حال ! "

ضيق ليو عيناه قبل أن يجيب :" مريع ! أنت فقط تريد شيء لتوبخني عليه لا أكثر "

هو أردف بعدها بمرح مصطنع :" أنظر ثياب العمل بالمرآب أيضاً باللون الأزرق الداكن ! و جربت من قبل ثياب السجن ! لكن تعلم ما هو الشيء الذي لا أود تجربته ؟ "

أجاب بسخرية على جملته الأولى :" الأطفال الحمقى يجلبون التوبيخ لأنفسهم ليس ذنبي ! "

شهق سريعاً قبل أن يسمح له بإتمام كلامه باعتراض:" بل العجائز من يحبون التوبيخ بلا سبب سيد متنمر ! "

ابتسامة ساخرة ارتسمت حين سمع كلمة عجوز ليتذكر كلام هنري فابتسم بسخرية مجيباً ليو "ربما أكون كذلك ! "

و المعني صمت يرمش عدة مرات قبل أن يستغل آل صمته بسرعة مُجيباً على سؤاله الآخر بشيء من البديهية :" زي مهرج ! أيحتاج الأمر سؤال حتى ؟ "

هو عبس كطفل عندما عاد الحوار للأزياء تلك بينما هتف :" تماماً ! أتعلم أنني إن قمت بارتداء واحد لن أقبل النظر بالمرآة ، و سأقوم بحرق جسدي حتى لأزيل بقايا الزي عنه ! إذا ألا يكفي أنني أحاول تحمل وجودهم ؟ كيف قد اتحدث مع احدهم ؟ "
"
رمش آلفين عدة مرات قبل أن يضيق عينيه :" أين تتحمل وجودهم ؟! ولما تتحدث لواحد أساسا ؟! "

كتف يداه لصدره و هو يجيب بخفة :" مطعم البيتزا يقيم إحتفالات أعياد ميلاد و غيرها لذا لديهم فرقة موظفين هناك ! و تعلم أنا للمرة الأولى أعلم أنني أكره الحديث معهم حتى دون أزيائهم ! بجدية هذا مريع "

ضيق عينيه بقلق خفي وهو ينطق بهدوء :" جد عمل آخر إذا ! لست مضطر للبقاء هناك ! "

تنفس بعمق و هو ينطق :" أي عمل هو هذا الذي يسمح لك بثلاث ساعات فقط ؟ ثم هو عملين بواحد ! إن تجاهلت أن راتب كلاهما أقل من عملي بالمتجر أو لدى مصلح السيارات "

حدق آلفين به بجدية تامة بينما يتحدث :" ابحث عن آخر  وبينما تجد أبقى هناك  وتجنبهم و حسب أو اتركه ببساطة حتى تجد غيره ! لست مجبر عليه لهذا الحد ! "

أغمض عيناه قليلاً قبل أن يبتسم :" أجل ، لا تقلق بأي حال ما هو أسوء ما قد يحدث ؟ الكوابيس ربما ؟ "

حدق به الأكبر  بضيق و هو ينطق بجد :" انتهى الأمر اترك العمل ! "

ضحك ليو بخفة و هو ينهض :" أنت أخ لطيف بالفعل ! و أنا بخير الان بعد كل هذا التذمر ، علي الذهاب للعمل الأخير الآن "

تنهد وراقب شقيقه و هو يغادر أما داخله فقد اتخذ قراره بالذهاب إلى هناك ليطمأن عليه أثناء العمل ويتفقد الوضع له بدون علمه قطعاً بينما يتسائل بداخله أهو حقا لا يجيد الشجار ؟!

كيف يفترض بالمتشاجرين  التصرف بحالات كهذه!؟ أيفترض به التعامل معه ببرود وتجاهله ؟ لكنه هكذا سيؤذيه إذاً أي فائدة قد يجنيها من الشجار  وهو فقط يريد سلامته ؟!

تجاهل هذه الفكرة وعاد للعمل يكمله بأسرع ما يمكنه كي يستطيع الخروج للذهاب لتفقد هنري قبل أن يقرر أين سيقضي باقي اليوم !..

~ نهاية الفصل ~

ارجو ان يعجبكم❤
الفصل من كتابة  Coldsnow5

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top