بارت 20
لطالما عكست الحياة أمانينا محولة إياها لِمقبرة الأمُنيات ، أكان الخطأ منا أم منها ؟ أنحن من قصر بمد أيدينا للإمساك بما نتمنى أن أنها من قطعت أيدينا مهدية لنا عكسها ؟
ربما الحقيقة أننا من زرعنا فكرة اليأس بقلوبنا قبل أن نخطو الخطوة الأولى حتى ! ثم تحركنا للتنفيذ و عقلنا أُشبع من اليأس فأنى له التفكير بالنجاح ؟
هو و مُنذ وصوله قبل ساعة أو اثنتين لهذه الشقة وضع نفسه و الجروين بغرفة و رفض المُغادرة ، بات يدرك ربما أنه من إختار الفشل طريقاً له قبل البدء !
كل ما أراده هو الهرب من كل شيء لا فقط تحرير هنري ربما ؟ رغب بالراحة فقرر بيأس شديد أن الحل الوحيد هو الابتعاد عن توأمه و أي راحة هي هذه التي سيجدها و مصدر الأمان بعيد عنه ؟
و فوق كل ذلك الأمر ليس بتلك السهولة هو لا يمكنه فهم الموقف الذي وجد نفسه به الآن ! هل ذاك الشخص جيد أم لا !؟
أهو راغب بمساعدته فقط أم هناك أمر آخر ؟ و إن أراد مُساعدته لماذا ؟ ربما قبل شهرين من الآن هو ما كان ليخطر على عقله سؤال كهذا مُطلقاً ، فلماذا قد يحتاج أي إنسان لسبب لأجل مُساعدة غيره ؟
لكن الدرس الذي حصل عليه اوين كان كافياً ليدرك ليست كل تلك الأيادي الممُتدة اتجاهنا مع ابتسامة دافئة أو آمنة حتى !
أغمض عينيه يعيد رأسه للخلف و هو يهمس :" هل علي الهرب و العودة ؟ ماذا لو نفذ تهديده ؟ حينها قد يؤذي أخي أيضاً "
أعاد فتح مُقلتيه و هو يحدق من النافذة بالغرفة بينما يردف :" أخي هل أنت بخير ؟ قلبي يؤلم ، أعلم أنني لست على ما يُرام لكن ليس لدرجة تجعلني أشعر و كأن هناك حمل ثقيل ! "
مد يده تلامس الزجاج و فكرة ما خطرت بباله ، ذلك اللعين لم يرسل الصور حقاً أليس كذلك ؟ أجل هو أخبره بابتسامة حاول جعلها شامتة قبل أن يفقد وعيه بأنها ستكون نهايته إن أرسلها لكن قطعاً هو لا يتمنى ذلك ! .
لا يريد تخيل شعور هنري لو شاهدها و بحث عنه دون أي دليل ! أهذا ما يؤلمه ؟ ألهذا هو يشعر بأن دقات قلبه تنبض بعنف ؟ هل توأمه يعيش ذلك الرعب الآن ؟
مُجدداً هل سبب له الألم رغم بعده عنه ؟ و إلى متى عليه فعل ذلك ؟ يده رفعها بنية ضربها بالحائط بقوة شديدة دون الإهتمام لتلك الإصابة بها بينما دموعه إنهمرت بشدة ، إلا أنه و قبل أن تصل يده للجدار يد أخرى أمسكت بها بنوع من الحزم بينما تحدث صاحبها بهدوء :" ما الأمر الآن ؟ يدك حقاً لن تحتمل ضربة كهذه و قد تتسبب بإعادة فتح الجرح "
انتفض جسد الصغير يُبعده عنه عدة خطوات قبل أن يُحدق به بِعتاب :" ماذا تريد الآن ؟ "
تنهد المعني و هو يبعثر خُصلات شعره ، لا يبدوا له أن هذا الفتى قد يثق به سريعاً لذا للآن هو عاجز حتى عن سؤاله حول قصته و كيف انتهى به الأمر ملقي بذاك المُنتزه ؟!
بالنهاية هو تحدث بابتسامة هادئة :" الغداء ، أنت رفضت تناوله بطريقنا و قدرت أنك قلق ربما ، لكن لا يمكنني السماح لك بتجاهله "
أشاح بوجهه عنه بضيق ، أحقاً يمكنه التفكير بالطعام ؟ و شقيقه ؟ هل هو تناوله ؟ أم لا ؟ ألن تكون هذه خيانة أساساً ؟ أن يجد من يعتني به بينما لا يعلم هو أي شيء عن شقيقه سوى تلك المشاعر التي تخبره أنه ليس بخير ؟
أغمض عيناه و سار برفقة الرجل الذي للآن لم يفهم ما يريده منه ، للحق يرغب بأن يثق به ! يريد أن يفعل ليتمكن من طلب هاتفه و الحديث مع توأمه و الاطمئنان عليه .
الصمت كان مُطبق على تلك المائدة حتى كسره هاري بسؤال بنبرة هامسة مُترددة :" ألن تخبرني لما أنت تفعل هذا ؟ أولاً قُمت بالحديث بلطف ثم اتبعت ذلك بتهديد لأطيع أوامرك لما ؟ "
ثبت الأكبر قزحيتيه ذات لون البُنفسج بينما يُجيب بابتسامة ودودة ربما :" أخبرتك أنا لن أقوم بإيذائك لأنك طفل جيد صحيح ؟ ثم من واجب الشرطة مُساعدة من يحتاج أليس كذلك ؟ "
و شهقة مصدومة صدرت من هاري الذي وقف سريعاً من مقعده بلا إرادة ، هو شرطي ؟ يمتلك إسمه و يحاول أن يبحث عن أسرته و ماضيه !
لو كان طفلاً سيئاً لأذاه ببساطة و هم بقاموسهم اللعين شقيقه كذلك إذاً قد يؤذي هنري ؟ لن يهتم أحد لما واجهه شقيقه ، بل قد لا يفكرون حتى بالأسباب فكل ما يهمهم هو فقط فخر إلقاء القبض عليهم !
كز على أسنانه بشدة ، نظراته كانت حاقدة و ما حاول أن يُخفي كل هذه التغييرات التي جعلت مارسيلينو يشك بأمر من أمامه أكثر ، هو بات يشعر بأنه يخفي الكثير حقاً و قصته ليست بسيطة أو مُتمثلة بالهرب فحسب ! لكن طفل بعمره ما أقصى شيء قد يتورط به ؟
و بالرغم من كل تلك التغييرات التي طرأت على الصغير هو نطق بنوع من الحيرة :" أهناك مشكلة لديك بهذا ؟ إن كان الأمر سيجعله أفضل فأنا محقق و ليس شرطي عادي فحسب "
و هاري قبض على كفيه بقوة شديدة ، أي ثقة هي هذه التي كان يرجوها ؟ منذ متى قامت الحياة أساساً بإعطائه شخص لطيف يمد يده له غير هنري؟
لكنه بعد ثوان من الصمت عاد للجلوس على مقعده و هو يومأ سلباً و يتناول طعامه ، قراره اتخذه ببساطة سيهرب من هذا المكان ، حتى لو بحث عنه و وصل لتوأمه لا أدلة ضده و لا يظن أنه سيفكر ب
حقيقة كونه بعصابة ، أي قد يؤذي والديه فقط و ربما بأعماقه يتمنى حدوث ذلك لهما ! ..
•••••
مُسنداً جسده لمقدمة سريره بينما جفنيه يُخفيان مُقلتيه العسلية خلفهما ، ملامحه ما كانت لشخص يشعر بالاسترخاء فحسب ، بل طغى عليه الحزن و الألم !
بدى و كأنه فقد جزء من نفسه بذاك المكان ، و ربما لو تأخر رفيقه عن الحضور لما تمكن من الحفاظ على ذاته مُطلقاً .
هم أُسرته هو أو هذا ما يفترض أن يكونوا عليه ، لكن هو ما عاد جزء من تلك الأُسرة بعد الآن ! لم يدرك حقاً مدى صعوبة رؤيتهم أو سماع أصواتهم مجتمعين إلا عندما وجد نفسه هناك كالمنبوذ وحيداً بغرفة ما يُحرم عليه النهوض و مشاركتهم !.
ابتسامة ساخرة مؤلمة رُسمت على شفتيه بينما ذاكرته تعرض عليه كل ما قيل عنه هناك !
- :" آسف "
عقد حاجبيه بخفة بينما فتح عيناه يحدق بالذي ظهر من العدم ربما يبعثر له شعره الداكن و ملامحه مُتألمة ؟
هو أبعد أولاً كل أفكاره تلك ثم رفع يده ينقر بإحدى أصابعه على جبهة الآخر ينطق بابتسامة خافتة :" و لماذا تعتذر أنت ؟ "
عبس المعني يشيح بوجهه عنه قبل أن ينطق بجد :" لأنني لم أقم بقتلهم ! لكن كما تعلم الوصول إليك كان أولى من فعل ذلك "
رمش آلفين عدة مرات يبحث عن أي أثر للمُزاح بوجه رفيقه ليضم قبضته هذه المرة و يضربه حقاً على رأسه بخفة :" هل جننت ؟ ماذا حدث لمن لم يتوقف عن العبوس بسبب المسدس ؟ لم أكن لأشعر بالسعادة لو فعلت بأي حال "
قبض ليو على كفيه بقوة و حدق برفيقه بملامح جادة ، ليس لديه ما يُمكنه التعبير عما يشعر به الآن حقاً ، لكن يعلم أنه لا يجدر به ترك تلك الأسرة و شأنها ، ليس و هم على بعد عدة خطوات من رفيق طفولته !
ربت آلفين على كتفي ليو و هو ينطق بهدوء :" أنا بخير ليو ، تواجدك هناك حقاً حمل جزء كبير من الألم ، بل تقريباً أنا نسيته بالكامل ما إن شعرت بتواجدك لذا لا داعي لأي تصرف طائش "
كتف الثاني ذراعيه ينطق بتذمر :" لا أرغب بأن أستمع لهذا من شخص كان أول ما فكر به هو شراء مُسدس ليهدد به أو يفرغه بالكامل برأس عجوز عفن ! "
ابتسم ال بخفة و هو يحدق بملامح شقيقه تلك قبل أن يُسند رأسه لكتفه و الآخر مد يده يبعثر له خُصلاته بهدوء ، حقاً كيف يفترض به مُسامحة من سبب الألم لشقيقه ؟
لم ينطق أي منهما بحرف لعدة دقائق قبل أن ينطق ليو بخفة :" آل لقد وصل الطعام ، لذا دعنا نتناوله معاً موافق ؟ "
رفع المعني رأسه بهدوء بينما تحدث بتردد :" ليو ، لا رغبة لدي بالعودة لذاك المنزل "
نظر الأصغر له بنوع من الصدمة أولاً قبل أن يرسم ابتسامة هادئة على شفتيه :" تعلم آل أن قرار كهذا سأكون أول من يسعد به ، لكن فقط إن كان صادراً من تفكير عميق و ليس نتاج موقف ما ، عمك كان لطيفاً بشدة معك "
هو صمت يعبس مُفكراً بلماذا هو يشجعه على العودة لهم ؟ هو شقيقه صحيح ؟ هل عليه العودة لذاك الصراع الداخلي بأعماقه ما بين الأنانية و ما يفترض به كصديق فعله ؟
تنفس بعمق يطرد أفكاره بالكامل و هو ينطق بمرح :" بأي حال آل ، هذا منزلك باللحظة التي تشعر بها بأنك تعبت من أي شيء سيحتضنك بدفئه ! و بالطبع سأكون هنا أيضاً لأجلك دائماً لذا مهما كان القرار الذي تريد اتخاذه فأنا معك ، هذا ما لن يستطيع أي إنسان بالعالم تغييره آل "
هو أنهى عبارته ليلتف و يغادر أولاً ، لا يعلم ما نوع الهراء الذي تفوه به حقاً فهو فقط أراد أن يُظهر لآلفين أنه بجواره و لا يدرك هل أصابت كلماته أم خابت بتوصيل ما أراده !.
و الآخر أخفض رأسه يرسم ابتسامة ما على شفتيه ، ابتسامة هو بحد ذاته لا يُدرك أي معنى تحمله ، لكن يثق بأن السعادة و الدفء كانت جزء مما حملته و ربما هو قرر تجاهل تفكيره الآخر لينهض تابعاً الآخر .
•••••
تعلق بصره بالمبنى الضخم أمامه بينما جسده انحنى للأمام يحاول إستعادة أنفاسه ، القلق و التردد كان واضحاً على ملامح وجهه ، هو أغمض عيناه يعتدل بوقفته بينما يضم قبضتيه بقوة مُستجمعاً كل ما لديه من شجاعة للدخول !
مشاعره متناقضة و قد ظهر هذا جلياً على خطواته التي كانت تُسرع تارة و تبطئ تارة أخرى ، لا يدرك حقاً هل يتمنى أن يجد صغيره هنا أم لا !؟
ألا يعني بقائه هنا لفترة أنه ليس بخير ؟ أوقف أفكاره عنوة و هو يقف أمام الاستعلامات يتنفس بعمق قبل أن ينطق بنبرة حاول جعلها مُتماسكة :" أريد معرفة إن تواجد فتى بالسادسة عشرة من العُمر هنا يدعى هاري إيفلين "
أومأت له الموظفة قليلاً طالبة منه أن يُمهل إياها دقيقة و هو حرك رأسه إيجاباً و قد عاد التوتر يحتله ، لا يمكنه نسيان آخر مرة تواجد بها بمكان كهذا ، شد على قبضته مُجدداً فلماذا دائماً يجد نفسه عاجز عن حمايته ؟
لقد تنازل عن تواجد توأمه معه فقط لئلا يرى تلك الدماء مرة أُخرى ، إذاً لماذا ؟ كيف يمكنه ببساطة موازنة الأمور ؟ إعطائه حريته ليكون شخصية مُستقلة و بذات الوقت يحميه ممن هم أمثال ذاك الوغد ؟!
شعور خانق تملكه و هو يشعر بعجز شديد ، يأس كبير احتل ملامحه و عبراته تكاد تخنق عيناه مانعة
إياهما من الرؤية حتى .
انتزعت الموظفة من أمامها عندما نطقت بهدوء :" هاري إيفلين ، هو غادر المشفى اليوم "
و هو رفع رأسه يحدق بها بنوع من اللهفة بينما أكملت هي تشرح له عن إصابته برأسه و تلك السكين إذ كان ذلك أسوء ما بإصابته ليعض على شفتيه بقوة مُخفضاً رأسه و قد شحبت ملامحه ، الغضب عاد يحتل جزء منه إلا أن القلق طغى و هو ما كان واضحاً من نبرة صوته المُرتجفة عندما سألها عن التفاصيل و هي استدعت له الطبيب يشرح الأمر له و يطمأنه بأن وضعه ما كان خطراً !
تنهد و كأنه يحاول استخراج قلقه من قلبه و بالرغم من كل ذلك هو يريد رؤيته و الآن ، نبضاته التي تنبض بألم لن تهدأ إلا برؤيته أمامه بخير .
لذا رفع رأسه يسأل بنوع من الحذر :" إذاً هل ترك عنوان ما ؟ "
أجابته الموظفة :" أجل بالطبع فهو غادر مع شخص آخر يُدعى مارسيلينو آدم هذا هو رقم هاتفه و عنوانه "
و الصدمة بدت على ملامحه فمن هو هذا الآن ؟ و بلا إرادة هو وجد نفسه يستفسر عن ملامح ذاك الشخص أكثر و الأهم ربما أكان شقيقه مُرتاح معه أم لا ؟
و بالرغم من الإجابات كانت إيجابية حول المعني إلا أن هذا لم يكن ليُدخل الطمأنينة بقلبه ! هو ربما شيء بسيط للغاية من الراحة تسلل لأعماقه أن شخص جيد يعتني بتوأمه لكن دون رؤيته و لو من بعيد فقط بخير لن يهدأ تماماً .!
هو تشبث بالورقة التي وضع عليها العنوان و الرقم يهمس بنبرة متوسلة :" هاري كُن بخير أتوسل إليك أينما كنت يا أخي ! "
و ربما بأعماقه هو أكمل دعائه بأن لا يكون صغيره قد تأثر من فعلة ذاك المختل ، لا يريده أن يفقد ابتسامته ، هو عاش بكابوس فظيع دونها ، حرره ليراها مُجدداً لا ليفقدها للأبد !
و الدموع عادت تتجمع بينما قرر الذهاب للعنوان المطلوب غداً منذ الصباح الباكر .
•••••
الشمس غربت تماماً و هو حالياً يستلقي بغرفة الجلوس مُفكراً بكلمات ليو و رغبته هو بعدم العودة حقاً لمنزل عمه ، ليس ذنبه يعلم هذا جيداً لكن أهو مُستعد للتعرض لموقف مُشابه مرة أخرى ؟!
أطلق تنهيدة مُتعبة فهو مُشتت و ربما من الأفضل له حقاً التفكير أولاً ، يمكنه البقاء هنا عدة أيام ربما حتى يستقر تماماً لئلا يتخذ قرار خاطئ ؟
فتح عيناه يرسم شبه ابتسامة على شفتيه بينما صدر صوت يشبه صوته تماماً ينطق :" طفل ، طفل ! "
و تلك الابتسامة تحولت لضحكة بينما يعتدل بجلسته عندما وصله صوت ليو الذي نطق بتذمر :" متنمر ! هي أنت لما لا تتعلم ما أريد منك تعلمه ! كم مرة علي أن أعلمك عبارة آل المتنمر لتتقنها ؟ "
و آلفين أجابه بحاجب مرفوع و هو يحدق بليو الذي يضع طعام الببغاء له و بعض المياه :" ربما هو لا يفضل التعلم من الأطفال "
و ليو شهق سريعاً يتقدم من رفيقه ناطقاً بعبوس :" ماذا يفترض ان يعني هذا سيد متنمر !؟ انت حتماً لا يمكنك أن تقدر صديق مذهل مثلي "
هو أنهى عبارته يجلس بجواره بعبوس ليمسح آل على شعره بخفة بينما يحدق بقفص الببغاء و هو يتحدث :" ليو ، هل أنت قمت بصرف نقودك على أمور غير مهمة مُجدداً ؟ "
و ازداد عبوسه يبعد يد آل التي تفسد ترتيب خُصلات شعره يجيب :" صغيرتي و صغيري الجديد ليسوا أمور بلا فائدة ! هو يبقى وحده طوال فترة تواجدي بالجامعة و العمل لابد أنه سيشعر بالملل بقفص صغير ! ثم ماذا لو إنتهى الطعام و الشراب ؟ بالطبع سيحتاج لمكان اكثر اتساعاً لمُضاعفة الكمية "
الآخر نطق بتوبيخ :" حقاً ليو ما السبب الذي يدفعك للعمل ؟ أهو دفع كل مالك على السيارة و الآن على طير ؟ "
أجابه بملل :" أعطني أمر أكثر أهمية من ذلك ؟ "
تنهد آلفين و هو ينطق :" هذا ميؤوس منه بالفعل ! ماذا عن المستقبل مثلاً ؟ الدراسة و غيرها و التأكد من احتفاظك لمبلغ مالي جيد لأجل صحتك و الطعام "
عبس ليو و هو ينطق بتذمر شديد :" أخي لم أقم بحظر أمي و مكالماتها و رسائلها لتأخذ أنت مكانها ! هذا تنمر كما تعلم أطالب ببعض الحرية "
و المعني اتسعت عيناه ينهض ليقف أمام أخاه :" حظر ؟ ليو أأنت جاد ؟ ما شأن خالتي بالأمر ؟ "
هو بان الانزعاج على ملامحه بينما يجيب بمرح مُصطنع :" أجل جاد ، قمت بحظرها و العجوز من كافة وسائل التواصل الإجتماعي و المكالمات و الرسائل ! و لا يمكنك تخيل مقدار الراحة التي اشعر بها آل ! "
صمت قليلاً قبل أن يُردف بنوع من السخرية :" كيف لم أفكر بفعل هذا من قبل ؟ حقاً المصائب فقط من تعطيك أفكار مذهلة لحل المشاكل ! "
عاد يجلس بقربه بنوع من القلق و هو يحدق به :" أخي هل حصل أي شيء آخر ؟ لابد أنهما قلقان حقاً كما تعلم ، لذا أخي يجب أن تخبرني إن كان هناك سبب أو أنا قطعاً لا أوافقك الرأي بفعل هذا "
كتف يديه لصدره :" لا ، لم يحدث شيء لكنهما لم يتوقفا عن ازعاجي ال ! لذا أردت اجازة و فعلت ذلك "
ثم أردف بعبوس :" سأزيله لاحقا فحسب "
تنهد بينما حدق بالفراغ بضيق فهو لطالما أراد العمل على تقريب هذه الأسرة معاً ! يدرك أن ثلاثتهم يقلقون على بعضهم البعض لذا يريد تصحيح العلاقة بينهم ، مغ ذلك هو أعاد بصره يحدق به بجدية مُخبراً
إياه :" تعدني انك ستزيله صحيح ؟ وستتصل بهما بنفسك حينها ! وخلال ذلك انا ساطمئنهما بدلك "
هتف سريعاً بصوت مستاء :" لن أفعل سيد متنمر ! "
آل رفع حاجبيه يحدق به بنوع من الإستياء الشديد و التهديد مما دفع ليو ليشيح بوجهه عنه ، و بتلك اللحظات ذاتها صوت صدر بالغرفة يهتف بإستياء :" سيد متنمر ، سيد متنمر "
و ليو اتسعت عيناه بصدمة قبل أن يعود العبوس لاحتلال معالم وجهه :" مريع ! أأنت تتنمر علي أيضاً ؟ "
هو أراد أن يعلمها للبغاء بنبرة إما مُستفزة أو ساخرة و ليس عندما يكون هو حانق !!
ضحكة ما هربت من فم آلفين قبل أن ينطق بسخرية :" ها قد أفسدته ليو وصار يتذمر مثلك مبارك "
نظر ليو حوله ليمسك إحدى الوسادات التي وضعها هنا للنوم و يلقيها عليه بينما ينطق بتجهم :" مضحك للغاية ! هو تعلم التنمر منك ، بأي حال سأذهب للنوم "
عاد للضحك مجدداً و هو ينهض مُمسكاً إياه بينما يتحدث :" لازال الوقت مبكر هيا تحرك لنخرج لمكان ما "
و فكرة الخروج راقت له لذا أسرع يومأ بالموافقة و عاد لرسم ابتسامته .
•••••
عقارب الساعة اشارت للواحدة ما بعد منتصف الليل ، و بالرغم من تأخر الوقت إلا أن هاري كان أبعد ما يكون عن النعاس او الرغبة بالنوم !
بل على العكس هو كان يجلس على فراشه يحدق بالساعة ، منذ الغداء هو لم يغادر غرفته و ما التقى بالمحقق حتى عند موعد العشاء هو رفض تماماً مُغادرة غرفته و احتج بأنه لا يمكنه تناول أكثر من وجبة .
فتح عيناه اللتين كان يُغلقهما لينهض من مكانه و هو يهمس لنفسه :" لابد أنه نام الآن ! "
حمل حقيبته التي على ما يبدوا قام المحقق بإحضارها لأجله من ذاك المنتزه ثم انحنى أمام الجروين الذين يحدقان به فقط لينطق بينما يمسح على فروهما :" لا نريد إصدار أي صوت حسناً ؟! علينا مُغادرة هذا المكان ! "
هو بات عازماً على العودة لمنزله فقط ، سيعود لهنري و يجد طريقة ثالثة ربما تجبر شقيقه على جعله جزء من مشاكله !
لذا وضع هويته بجيبه ثم بدأ بالسير على أطراف أصابعه للهرب من كل هذا ، لن يبقى هنا ليس بمنزل محقق ما ، جميعهم يرون أنفسهم القانون فقط و هم أبعد ما يكون عن ذلك !
كوابيسه التي أرهقت روحه بتلك الفترة انحصرت ما بين تعرض شقيقه للقتل أو أن يُلقى القبض عليه ، لا أحد سيهتم بعمره و لا بظروفه ، سيؤذونه فقط يحرمونه من حريته و يتألم ، و شخص كتوأمه الأكبر لن يحتمل ذلك أبداً ، مهما كان قوياً هو أكثر من يدرك بأنه حساس للغاية .
من قد يؤمن بأن شقيقه لديه قلب أطهر من قلوبهم جميعاً ؟ لا أحد ! سيعملون على تحطيمه فقط و لن يرى أي منهم أبعد من أنوفهم المُتعالية و بهذا هو سيفقده ، لن يعود هنري له و لو حكم عليه ليوم فقط ! هو حقاً لن يفعل و هذا يرعبه .
أي شيء إلا سلب توأمه منه ، سيحتمل أي عذاب و مهما كان نوع الألم سيتجرعه لكن ابتعاد هنري لا !
دمعة ما فرت من عينه و ضربات قلبه تصاعدت بخوف ، هو أحمق أليس كذلك ؟ حتى لو غادر ما كان عليه قطع تواصله مع نصف روحه الآخر !
توقفت خطواته تلك أمام الباب الرئيسي للمنزل ، هو تقدم ليفتح القفل دون أن يحدث أي ضجيج ! حدق بالمفاتيح المعلقة بجواره بضيق فهو لا يعرف أي منها للباب الرئيسي و لا يعلم حتى لما البقية لكن عليه التجربة !
تنفس بعمق شديد يمد يده ليُمسك بالأول و ما إن فعل حتى شهق برعب شديد بفعل الأضواء التي اشتعلت فجأة بينما ظهر صوت مارسيلينو من خلفه :" المفتاح المطلوب ليس متواجد بهذه المجموعة لذا لا تتعب نفسك "
اتسعت عيناه بصدمة و هو يشد على قبضة يده بقوة ، وجهه شحب سريعاً دون أن يلتف حتى ! لماذا هو مستيقظ للآن ؟ كيف فكر بإبعاد المفاتيح ؟ هل توقع منه الهرب ؟ لما ؟ ترددت هذه الكلمة بأعماقه كثيراً ، لما هو يفشل دائماً ؟
جسده ارتجف بلا إرادة و حتى هو لم يعرف مما هو خائف ! ممن خلفه ؟ أم على شقيقه ؟ أم بفعل تلك الأفكار التي كانت تراوده قبل قليل !؟ هو ليس واثق سوى بأنه يشعر برغبة مُلحة بالبكاء ، إلى متى بحق سيبقى يتصرف كطفل ؟ هو حتى لا يرى نفسه أو قلبه بنقاء و حساسية هنري و مع ذلك يمكن لتوأمه الصمود أكثر منه دائماً و هو فقط يبكي !
جسد الصغير المُرتجف أمر تمكن من ملاحظته بسهولة ! حقاً هذا الفتى فقط يزيد من حيرته أكثر فأكثر مع كل دقيقة تمر ، مع ذلك هو تقدم بخطوات هادئة يمسك بيده التي انتفضت و لولا أنه يحكم قبضته حولها لأبتعد على الأغلب ، هو مع ذلك كان حذراً لئلا يؤلمه ، أخذه معه لغرفة الجلوس حيث جلس هو ينتظر من هاري الجلوس أيضاً لكنه بقي واقفاً بمكانه بنوع من العناد ربما ؟!
تنفس الأكبر بعمق قبل أن ينطق بهدوء :" لا أعلم ما مشكلتك لكن ربما بعض الشرطة سيئة إلا أن هذا لا يعني أن الكل كذلك ، كما الأطفال بالشارع بعضهم سيء وبعضهم لا ، لما لا تحاول الاعتماد علي ؟ إن خذلتك حينها يمكنك محاولة الهرب ،كما ترى ليس صعب علي اذيتك لو أردت الا يفترض بهذا أن يطمئن قلبك قليلاً ؟ "
نطق بصوت خافت :" لكن لا أريد البقاء هنا ! "
أسند ظهره للخلف بهد
وء و هو يُجيب :" أتريد الذهاب لملجأ للأيتام إذاً ؟ "
هتف بضيق :" لا ! لا أريد ، لما تفعل هذا ؟ هل من الطبيعي أساساً أن تمد يدك لكل طفل هارب أو مشرد ؟ "
تنهد بضيق قبل أن يُجيبه بجد بينما يعقد ذراعيه لصدره :" ليس الجميع طبعا ، لدي اسبابي الخاصة وحسب لكن أؤكد أنها ليست سيئة ، أحاول فقط أن أمد لك يد العون لتجنب أن يكون لقائنا التالي كمتهم ومحقق ربما ، ماذا قد تجني من العيش بالشارع غير هذا؟ "
هو كتف يديه لصدره ينطق بتهديد لا يعلم كيف تبادر لذهنه حتى بكل عناد :" بل سنلتقي كجثة و محقق ! أنت إن أجبرتني على البقاء سأنتحر و حينها لتتحمل المسؤولية "
نظراته احتدت بينما يخبره بنبرة جادة وهو يحدق بعينيه " هل الانتحار سهل لهذا الحد لديك ؟ هل من السهل لهذا الحد إنهاء حياة كائن حي ؟هل انت ضعيف لهذا الحد لتهرب عند أبسط موقف يحدث "
تراجع للخلف عدة خطوات ، جسده لم يتوقف عن الإرتجاف قط ، هو هنا لا يغامر بحياته وحده لو كان الأمر متوقفاً عليه لما اشتكى لكن و توأمه ؟ هو لن يسلمه له ! لا يمكنه فعل ذلك بحق .
لذا نطق بنبرة ضعيفة للغاية تهدد بالبكاء :" لا شأن لك ! "
أجابه بضيق وهو يحدق به بشيء من الجدية " الحياة ليست وردية ، أن كنت لا يمكنك تحمل القليل من الألم فلا تأمل الكثير ،قد لا الومك على ضعفك سابقا بسبب ظرف معين لكن انت ملام ما لم تجعل من نفسك أقوى وتنهض لا تضيع نفسك الان ، انا امنحك فرصة ولك حق رفضها لو رغبت لكن تذكر انك ستندم لاحقا ما لم تحاول النهوض وانت تملك الفرصة "
عض على شفتيه و هو يجيب بصوت مرتفع :" ليست حياتي من ستكون الثمن !!! أتفهم ؟ ان حدث و تسببت له بأي مشكلة أخرى فأنا فقط حقاً لن أتردد بالموت "
اتسعت عيناه بتفاجأ فهو لم يتوقع أن لديه من يقلق عليه ! لذا هو تدارك نفسه ليدنو منه بابتسامة مطمئنة ويحدق به بتفهم :" اذا أليس من الضروري أن تصير أقوى الآن ؟! لأجله هو ، لكي تنقذه ولا تسبب له المتاعب ؟ وطالما انت تحبه هكذا فهو لابد أيضا يحبك الن يتألم من سماعك تردد كلمة الموت ؟ "
نظراته حملت الكثير من التردد كما هي نبرته :" لقد تشاجرنا لانني اردت الرحيل و اظن هو لم يستطع منعي بالقوة لانني حاولت الانتحار أولا ، أردت أن اخلصه من العبء الذي يحمله ، أريد ان اصبح اقوى لكن بذات الوقت لا اعلم كيف "
حدق به بينما ينطق بتوبيخ هادئ :"وهل الانتحار الحل برايك؟ تخيل أن يفعل هو شيء كهذا قائلا إنه لاجلك، كيف كنت ستشعر ؟ الهرب ليس الحل ! "
ابتسم له بخفة و هو يردف :" رغبتك هذه بداية الطريق ، يمكنني مساعدتك لتكون أقوى وتنقذه، لكن عليك أن تكون مستعدًا لكل شيء لن اتساهل معك فقط لأنك صغير ، انت بطريقك للنضوج بالفعل وأظن عليك بذل جهد مضاعف لكي تصل لما تريده فهل أنت مستعد ؟ لكن ساحتاج لثقتك كي أستطيع مساعدتك بدون تردد أيضا ودون قلق انك قد تهرب وسط الطريق ، فأنا ساتحمل مسؤوليتك ! "
تجاهل عبارته الأولى ليس لإنه لم يهتم بل فقط هو لا يتخيل هنري كشخصيته ، و الأهم شقيقه هو مُنقذه و ليس عبء كما هو ! .
لذا نطق بنوع من التهديد :" ان اعطيتك ثقتي و تسببت بايذائه او اي شيء اخر مهما كان بسيطا فأقسم ستتحمل أنت ذنب كل ما سيحدث بعدها ! و دمائنا ."
حدق به بهدوء ثم ضحك بخفة يخبره بابتسامة واثقة :" لا بأس ، لكن لا تحاول الهرب لاحقاً حين نبدأ الطريق صعب فهل أنت مستعد ؟ "
سيجيبه بثقة :" لن أفعل ! إن كان أخي سيكون بخير لاحقاً أنا لن اهتم ! ان أنت حقاً أرشدتني للطريق الصحيح لن يؤذيني شيء "
نطق بينما يميل برأسه بابتسامة " جيد ، تذكر هذه الكلمات بالمستقبل ، هل ترغب أن تخبرني مما تُنقذه ؟ "
هو نطق آخر سؤال له بنوع من الحيرة ، يفترض به أن يعلم ما يواجهه شخص بالسادسة عشر فماذا لو كان أحدهم يحاول إقحامه بمسائل لن تؤدي به سوى للسجن ؟!
أشاح هاري ببصره عنه قليلاً مُتردداً بذلك ، أولاً هو إن خان ثقته سينتهي كل شيء و بذات الوقت يشعر برغبة حقاً بأن يمسك راشد ما يده يخبره التصرف الصحيح !
و ثانياً شرح كل شيء من البداية حقاً سيطول ، لذا جلس مُقابلاً لمارسيلينو بهدوء عدة ثوان قضاها صامتاً قبل أن يقرر إعطائه فرصة ، لذا فتح فمه ناطقاً بنوع من السكينة :" أول ما عليك معرفته ربما أنني أتحدث عن أخي التوأم ، أي هو قاصر مثلي ... "
و من هذه المُقدمة هو شرع يخبره ببعض ما حدث منذ طفولتهما المبكرة و انفصال والديه ، زواج كلاهما مرة أخرى و تخلي والدتهما أولاً عنهما ، ثم خروجهما من منزل والدهما و الذي يفترض بأنه أمام القانون ولي أمرهما .
تلك تفاصيل ذكرها بإيجاز شديد و عيناه كانتا تحدقان بالفراغ بينما هناك نظرة ساخطة ، حاقدة تؤكد رغبته الداخلية ربما بحرقهم جميعاً على ما فعلوه بهما ، لولا تلك الأنانية لما كانت حياته و شقيقه بهذا السوء !
ثم هو بدأ يخبره عن العصابة التي ظهرت فجأة و على خلاف حديثه عن أسرته هو ما تحدث بإختصار لاسيما بمناقشة مارسيلينو له و إستفساره أكثر بينما يحدق بالصغير أمامه بتركيز عاقداً حاجبيه بتفكير و شيء من الإستياء ربما .
كم شخص يتوجب مُقاضاته ؟ الأب أولاً ثم ذاك الذي أدخل طفل ليقوم بأعمال لا قانونية !
شعور بالراحة غمره عندما وصل هاري لجزء ما قام شقيقه بفعله ، فهو الأهم إن لم يكن هناك دماء يمكنه التدخل حقاً لئلا يصل الصغير الآخر لمستقبل مظلم لكن بالمقابل عليه التحرك سريعاً ! .
هاري بالفعل أعطاه عدة أسماء مهمة سيعمل على أن يكونوا أول خيط له بالقضية ، و عندما ينتهي كل شيء سيلتفت للأب .
عندما انتهى ذاك الحديث كانت الساعة تشير للثانية و النصف بالفعل ! لم يكن محور نقاشهم ما حدث فقط بل فقط مارسيلينو ناقشه حول الخيارات المُتاحة و ما عليه أن يفعل ليحسن من نفسه أولاً و يصبح أقوى !.
و بالنهاية هو نهض مُقترباً منه يبعثر شعره بينما ينطق بابتسامة هادئة " جيد ، غداً صباحاً ستأتي معي إذاً ."
يصمت قليلاً قبل أن يكمل :" و الآن اذهب للنوم قليلاً فالغد سيكون يوماً طويلاً و أنت ستأتي معي منذ الصباح الباكر "
أومأ له هاري بهدوء و بدأ بالسير لغُرفته بعد أن ألقى نظرة على الجروين الذين ناما بجواره ليبتسم بخفة ، قد تكون المرحلة القادمة هي الأطول بحياته لكنه يريد تجاوزها مهما حدث علّ المُستقبل يضحك لهما ؟!
•••••
جلس بحديقة كُليته الخاصة يعيد مُراجعة ما أخذه للآن ، لا يمكنه أن يُراكم كل ذلك لليلة الإمتحان حقاً ، عيناه العسلية كانتا تُحدقان بتركيز بما أمامه لديه ما يقارب الساعتين قبل بدأ المُحاضرة الثانية ، الأجواء كانت لاتزال باردة خصوصاً بهذا الوقت المُبكر !
خططه بل كيانه هو تبعثر عندما سمع صوت عمه ينطق بابتسامة لطيفة :" أنت حقاً شخص مُجتهد آلفين "
هو رفع رأسه ببطء شديد ليحدق به ، لم يتوقع مُفاجأة كهذه بحق الإله عندما لم يتصل من أمامه به بالأمس هو اعتبر ربما أنه يتفهم رغبته بالابتعاد قليلاً !.
لم يجب على تلك الكلمات فهو حقاً لم يفهم ما قاله مُطلقاً فعقله تجمد ربما بفعل ظهوره المُفاجئ ؟
و الأكبر تقدم قليلاً ليتحدث بنبرته اللطيفة ذاتها :" لقد قلقت عليك لذا أتيت لرؤيتك ، ما رأيك لو ذهبنا لمقهى او مكان آخر لنتحدث قليلاً إن كان لديك وقت بالطبع "
جزء منه رغب ربما بالهرب هذه الابتسامة و النبرة اللطيفة تشعره بنوع من الضعف ! و كأن إرادته تُسلب منه لذا وجد نفسه ينهض بعد أن أومأ إيجاباً .
لم يأخذ الطريق منهم أكثر من بضع دقائق بالسيارة ، آلفين نطق بهدوء ما إن سأله عمه عن إن كان بخير أم لا :" أنا بخير "
و تشارلز قطب حاجبيه فهل هو توقع حقاً أن يحصل على إجابة من آلفين ؟ لذا تحدث هو الآخر بهدوء :" إذاً أنت لا تنوي أن لا تعود أليس كذلك ؟ أنا حقاً آسف بشأن ما حدث كما رأيت أي منا لم يعلم بتلك الزيارة "
أشاح آلفين بوجهه عنه قليلاً يحدق من نافذة المقهى بنوع من الضيق ، هل عليه خوض حديث حول ما حصل حقاً ؟! شد على قبضة يده التي يخفيها تحت الطاولة بينما يجيب بنبرة ثابتة :" أنا أعلم ذلك عمي أنها لم تكن غلطة أحد ، لذا ليس عليك الإعتذار "
أسند تشارلز ظهره للخلف يتحدث بابتسامة ودودة :" و أظن أنا لست بحاجة لأخبرك أنه عليك تجاهل كلامهم مهما كان ! هم فقط لا يرون إلا ما يرغبون به ! "
الضيق ، الألم و الحنق ظهرت على ملامح آل ليردف عمه سريعاً :" ليس هذا ما أتيت أخبرك به بأي حال لكن آلفين أردتك فقط أن تعلم أنني أعتبر منزلي منزلك ! كنت سعيداً حقاً برؤيتك مجدداً و قبولك للعيش أمام عيناي و لهذا أطلب منك أن لا ترحل بسبب ذاك الموقف و سأبذل ما بوسعي لئلا يتكرر "
و كما هي عادته هذا الرجل أمامه قادر على جعله يشعر بالحيرة ، العجز ربما ، الضغط و بطريقة ما يخالط كل ذلك نوع من الامتنان فأي تناقض هو الذي يُثيره بأعماقه حقاً ؟
رغم ذلك هو نطق بنوع من الهدوء :" عمي أنا أقدر لك ما فعلته لي حقاً ، لكن أرى أنه من الأفضل ربما أن أعود للعيش برفقة ليو ، على الأقل هذا لن يضع أي منا بموقف سيء ! أنت قد يحدث لك عدة مشاكل إن اكتشفوا أنني بمنزلك حقاً "
أمسك بيد ابن شقيقه و هو يتحدث بجد :" إن كنت تقدر الأمر حقاً آلفين فأنت ستعود ، ثق بي لن يتكرر الأمر ! و أنا لن أمانع القتال معهم جميعاً ، لا يمكنني أن أدير ظهري لك ببساطة انت جزء من العائلة بالنهاية ! "
أخفض آلفين عيناه و هو يتحدث بخفة بعد أن تنهد بعد تفكير طويل :" سأعود غداً للمنزل اعتبره وعد "
ابتسم تشارلز له بسعادة بينما ربتت يده على شعره و هو ينطق :" هذا بالفعل ما تمنيت سماعه ! شكراً لك صغيري ، و الآن دعني أوصلك للجامعة لئلا تتأخر "
•••••
زرقاويتيه تعلقتا بمارسيلينو بينما يتحدث مع مدير أحد المطاعم القريبة من منزله ، المكان كان فخم بحق !
هذا كان يثير بنفسه القلق فهل هو يمكنه الانسجام هنا مع العاملين و الزبائن ؟ جزء من الإتفاق الذي بينهما نص على أنه يريد من هاري الاندماج بالمجتمع و الآخرين بما أنه لم تمر فترة طويلة حقاً على محاولته للانتحار أي هو مُصاب بالاكتئاب أو بدايات او شيء كهذا لم يهتم له الصغير بقدر رغبته بالعمل حقاً فهو لم يكن ليعتمد على مال مارسيل فقط .
أعاد انتباهه لما يحدث حوله عندما ربت المدير على رأسه ينطق :" يبدوا لي طفل وديع ، حسناً موافق يمكنه البدء من اليوم مساءاً "
أومأ له مارسيلينو بخفة و قطب هاري حاجباه بخفة لما من المساء و ليس منذ الآن ؟ مع ذلك هو كتم سؤاله لنفسه فحسب .
مارسيلينو نطق بهدوء و ابتسامة :" أجل هو كذلك ، بأي حال أريد منك العناية به حقاً فهو كما ترى مُصاب لذا حتى يشفى تماماً ثم يمكنك أن تتصرف كمدير وغد "
و هاري نفخ وجنتيه يحدق بمن جانبه بنظرة جانبية يكتف يديه لصدره دافعاً الأكبر و المدير للضحك !
هذا جعله يهمس بنفسه :" يا له من أسلوب مختل لأصبح أفضل ! لو أن هنري ... "
صمت يقطع أفكاره بينما يتنفس بعمق شديد ، لا التفكير بما كان هنري ليفعله هنا لن يفيد ، فأولاً توأمه ليس هنا و ثانياً لم يكن ليقبل بأن يعمل حتى !..
و بما أن النقاش إنتهى تقريباً عند هذا الحد فقد غادر كلاهما المكان و هاري حدق به بإستنكار و هو يتحدث :" أنت قلت سأبدأ من الصباح الباكر !"
ابتسامة لم تعجب الأصغر حقاً رُسمت على وجهه و هو يُجيبه :" تلقيت مهمة ما قبل دقائق و نحن بالمطعم و رغبت بأن تأتي برفقتي لترى بنفسك "
آمال هاري برأسه بنوع من القلق ، لسبب ما لا يشعر بالراحة مُطلقاً ، أي مهمة هي هذه التي سيأخذه معه ليراها ؟ و لما ؟ ما الهدف الذي تحمله ؟
و قلقه ازداد أكثر ما إن توقفت سيارته الفاخرة أمام المشفى لينظر له الصغير من فوره بحيرة و هو ابتسم له بود هذه المرة :" لا تخف حسناً ؟ لنقل أنها أفضل طريقة لتقريب وجهات النظر ربما ، هيا تعال "
أومأ إيجاباً فهو منذ الأمس وعد أن لا يرفض له طلب أو يحاول الهرب و الإنسحاب لذا سار خلفه للداخل بينما عاد الأكبر يتحدث :" واحدة من مهامنا هي التحقيق مع أسرة شخص كرر محاولات الانتحار للتعرف على الأسباب ثم ارساله لطبيب نفسي "
توقفت خطوات هاري و قد شحب وجهه فجأة بينما نظر له مارسيلينو بخفة و هو يردف :" أريد منك أنت تولي الحديث مع أمه و سؤالها ، أخذ ردة فعلها و أنظر إن كانت صادقة أم لا هو تدريب جيد لك "
ابتلع رمقه بشدة فما بال مثل هذا الطلب ؟ لما عليه فعل ذلك ؟ نظر له بنوع من الرفض يومأ سلباً ليرفع مارسيلينو احد حاجبيه ينطق بضيق :" ماذا يفترض أن تعني ؟ لم نبدأ بعد و أنت بت ترغب بالانسحاب ! "
عض على شفتيه بقوة و هو يأخذ الورق الذي يفترض به ان يحتوي على الأسئلة و عاد للسير بالاتجاه الذي وصفه له الأكبر !
خطواته حقاً كانت مُترددة و تقطيبة مُنزعجة ظهرت على ملامحه ، لا يريد فعل ذلك و إن كان للآن ربما لم يقتنع بأن قتل نفسه ليعيش شقيقه بخير أمر سيء .
أخذ نفساً عميقاً ما إن توقفت خطواته أمام إحدى المقاعد الحديدية الباردة حيث جلست إمرأة ما تخفض رأسها مُخفية إياه بين كفيها ، كتفيها كانا يهتزان دليل على بكائها الصامت و هذا بالفعل أعاد تردده إليه ، انخفض يجلس القرفصاء أمامها بينما يده امتدت يضعها على كتفها ناطقاً بنبرة هادئة متعاطفة ربما :" سيدتي هل أنتي بخير ؟ "
رفعت المعنية رأسها لتظهر له ملامح وجهها البائسة ، دموعها تنهمر بشدة و عيناها منتفخة ، شاحبة بشدة كما لو كانت توشك على فقدان الوعي ! بالنسبة لهاري هي بدت و كأنها من تحتاج لرعاية و ليس ابنها ربما ؟
توتر و قد ضاقت أنفاسه فجأة ما إن وضعت كلتا يديها المليئة بالدموع على وجنتيه بينما تنطق بنوع من الانهيار :" أخبرني أنت ! تبدوا لي بمثل عمره ، ماذا أفعل ليتوقف عن ذلك ؟ سأفعل أي شيء حقاً مهما كان فقط ليكن هو سعيداً "
صوتها كان مُرتجف و هاري دق قلبه بعنف شديد و ألم ، ذاكرته عرضت له مشهد ما لم يفكر به من قبل ، هو لم يصحو بعد أول محاولة للانتحار بالمشفى بل بين يدي هنري !
بذلك الوقت هو نطق عبارة مُشابهة لهذه ، اخبره بأنه سيفعل أي شيء فقط عليه أن يصمد صحيح ؟
رفع يده المُصابة بهدف وضعها على عينيه قبل أن يبكي إلا أنها و فور رؤيتها لتلك الضمادة المُلتفة حول كفه و معصمه حتى أمسكت بكفيه بنوع من العنف و هي تهتف :" هل أنت مثله ؟ أأنت أحد المرضى هنا ؟ كيف لكم فعل ذلك بنا ؟ أجب ! لما تفكرون بأنانية مُطلقة ؟ ماذا نفعل لئلا تقوموا بقتلنا مئات المرات و كأن الحياة لا تفعلها يومياً ؟ "
صدرت شهقة من فمها بينما أردفت و هي تبتعد عنه تُسند بجسدها للخلف بانهيار و تعب :" هل علي البحث عن عدة نسخ مني ؟ كيف يمكنني التصرف ؟ إن لم أستطع تلبية طلباته سيشعر بالنقص و إن بذلت كل جهدي بالعمل لتحقيق ما يُريده فالشعور بالملل و الإهمال هي النتيجة ! "
حركت رأسها سلباً و قد أغلقت جفنيها :" ليس كذلك ، هو ليس طفلاً سيئاً لكنني فشلت مُجدداً ، لم أستطع فعلها ، أي أم هي هذه التي لا يمكنها إيصال السعادة لقلب صغيرها ؟ هي غلطتي صحيح ؟ "
بالنهاية هي تمتمت بنبرة مُتألمة للغاية ، صوت شعر هاري بأن روح صاحبته توشك على الخروج :" ماذا فعلت أنا ؟! أين أخطأت ؟ و لماذا ؟ "
شهقة قوية صدرت من هاري الذي نهض يتراجع للخلف سريعاً و عيناه تذرفان الدموع ! ، جسده كان يرتجف بعنف و دقات قلبه ازدادت أكثر فأكثر و كأنه يوشك على الانفجار ، هو ترك الأوراق و مارسيلينو و كل شيء خلف ظهره راكضاً للخارج بأسرع ما لديه !
خطواته توقفت أمام السيارة التي وجدها غير مُقفلة ليجلس بمقعده سريعاً يغلق الباب خلفه ثم يسمح لجسده بالانهيار !
لم يهتم بأين هو و لماذا بل عقله أخذ يفكر بتلك الفترة ، بعيداً عن نفسه و رؤيته ، بنصفه الآخر و روحه ، منقذه و بطله فقط بحق الإله ماذا فعل هو به ؟
كيف يمكنه أنه يكون بمثل هذه الأنانية ؟ كيف يرد له كل ما يفعله له بطريقة فظيعة كهذه ؟ أهكذا يعبر هو عن مدى حبه له ؟ بتحطيمه ؟ بسلبه ثقته ؟ يديه شدت على خُصلات شعره و هو ينطق بنبرة باكية :" أنت لم تفعل ! هنري لم تخطئ بشيء يا أخي ، أنا هو الأحمق ، لقد أفسدت كل شيء لكن أقسم لك لم أقصد ، لو فكرت بأنك قد تلوم نفسك و تتألم لما فعلتها !"
صدرت عدة شهقات منه بينما كان يتمتم بين فنية و أخرى بأنه آسف حقاً !.
و بجهة أخرى تنهد مارسيلينو بإحباط و هو يراقب الطبيب يضع المغذي لتلك المرأة لينطق :" أي علي العودة عندما تصبح أكثر إستقراراً ؟ "
أجابه الطبيب بهدوء :" يفضل هذا فهي تعاني من انهيار شديد ، هذه المرة الثانية التي يحاول ابنها الانتحار بها "
أومأ له بتفهم فلا خيار آخر لديه بالنهاية مع ذلك هو قضى بعض الوقت مع الطبيب و الذي حدثه عن ظروف تلك الأسرة ، و قبل مُغادرته هو اتجه لغرفة الصغير الذي لم يكن قد استعاد وعيه بعد و يديه مُقيدة بالفراش كإجراء وقائي ليبعثر خُصلاته البُنية يسير للخارج بضيق .
وصل للسيارة ليصعد بمقعده بينما عيناه ثُبتت على هاري الذي كان قد غفى ، وجنتيه مُحمرة و مليئتان بدموع لم تجف بعد ، هو كان يصدر شهقة بين كل برهة كطفل صغير نام بعد أن أُرهق من كثرة البكاء .
آمال برأسه قليلاً و هو يتسائل إن كان قد بالغ بما فعله ! لكن عدم ندمه على فعلته تلك تجعله يخشى أن يحاول تكرار أمر كهذا مُستقبلاً !
و ما إن تحركت السيارة حتى فتح هاري عيناه يحدق بالأكبر بنظرات غير مفهومة قبل أن ينطق بنبرة مُشبعة باليأس :" لقد كنت أناني بشكل كبير هل يمكن أن يُسامحني ؟ "
ابتسامة هادئة رُسمت على ثغر مارسيلينو يُجيبه بلطف :" سيفعل بالطبع ! ثم أنظر عندما حاولت فعلها أنت فقط فكرت بأنك تنقذه و لم يخطر ببالك حجم الألم الذي سببته له ! و الآن و قد أدركت ذلك أصبحت نادماً و هذا يعني أنك لست أناني حقاً لكن لم تقدر الأمور كما يجب ، و معرفته بأنك فهمت ذلك و لن تكررها مهما حدث سيكون اعتذار كافياً له "
اعتدل هاري بجلسته و هو يحدق من النافذة ، أهذا سيكون كافياً حقاً ؟ هو عليه أن يوضح له مكانته لديه ، عليه أن يدرك تماماً بأن هنري إيفلين لم يسبب يوماً له الألم ، ما كان قط ملجأ يفشل بحمايته و ضمه ! ليست غلطته مُطلقاً !.
•••••
مُنذ أول إشعاع وصل لعيناه هو نهض يسرع بمغادرة المنزل باحثاً عن ذاك العنوان الذي يفترض بأن توأمه بات به ؟
لم يرد التأخر فالمكان بعيد نسبياً عن موقع منزلهم ، كما أنه لا يدرك بعد متى قد يغادر ذاك الذي وضع توأمه تحت رعايته !
هو حمل برفقته الهاتف و النقود يُعيدهما لصاحبهما ، بالرغم من كل المشاعر التي تغلفه إلا أن ما طغى على ملامحه هي اللهفة ؟!
يريد رؤيته حقاً ، لم يعتد على كل هذا البُعد ، يرغب بالتأكد بأن ابتسامته تلك التي تسقي روحه و تعلاج ألمه لم تختفي بسبب ما تعرض له ، أراد رؤيتها فهو حُرم منها قبل تلك الحادثة و مغادرة شقيقه المنزل حتى !.
لن يمانع حقاً رؤيتها من بعيد فقط ، لمحة تُثبت له أن صغيره بات بخير بعد نيله للحرية التي أرادها ، فقط يتأكد أنه لم يبعد السبب ببقائه حياً للآن لأجل لا شيء .
بصره ارتفع يتأمل ذلك المبنى الفخم ، قبل أن يُخرج تلك الورقة التي سجل عليها العنوان ليتحقق من الشقة التي يفترض به الذهاب لها ، صوت ما قاطعه ينطق بنبرة شبه رسمية ربما :" أنت لست ذات الصغير الذي أحضره السيد آدم صحيح ؟ "
التف هنري له سريعاً ليرى أنه يرتدي زي حارس ، إذاً هو حارس لهذه العمارة ؟ أبعد أفكاره تلك لينطق بجد :" أتعرفه ؟ أعني لذلك الصغير ؟ أهو هنا الآن ؟ "
ابتسم الآخر له بخفة :" أنت تشبهه حقاً لكن تعلم عدم وجود ضماد أظن هو الفرق ! بأي حال لا ، لقد خرجا مُنذ الصباح الباكر ، و للحق لا أعلم متى قد يعودان ، لا وقت محدد قد تراه يعبر المدخل بأي ثانية لكن يمكنني التأكيد أنه بعد الثانية ظهراً سيكون هنا لأنه عادة ما يعود للراحة "
هو شعر بنوبة من الإحباط تحتله ، شد على قبضة يده لينحني مُغادراً ، الساعة لا تزال لم تتجاوز الثانية عشرة ، أي يفترض به تمضية وقته ؟ ثم ذاك الرجل قال أن الضماد هو الفرق !
أي صغيره ليس بخير تماماً ربما ؟ لازالت جراحه لم تلتئم و هذا يخنقه حقاً بل و يزيد من اصراره على رؤيته و التأكد بنفسه منه .
المزيد من الكره تدفق من قلبه بكل مرة يذكر بها ذلك اللعين يتمنى لو أنه قام بإقتلاع قلبه
لا ضربه فقط ، فهو ما عبث سوى بقلبه و روحه و مع أسرته الوحيدة !
•••••
توقف مارسيلينو أمام باب الشقة بينما ينطق :" تعلم أنك ذاهب للعمل لا التنزه ! لما تأخذ الجروين معك ؟ "
نفخ هاري وجنتيه و هو يجيب :" بقائهما بالساحة الخارجية للمطعم لن يؤثر على أحد وهما لن يزعجا الزبائن "
بعثر شعره بنوع من اليأس قبل أن يرفع يديه دلالة على إستسلامه ربما :" حسناً ، لا بأس لكن لا شأن لي إن تم توبيخك بسببهما ، و لا تعد باكياً حينها "
نظر الأصغر له و كأنه يخبره أنه لئيم بحق قبل أن ينطق باستفزاز بينما يحملهما :" لن أبكي على الأقل لن أعود لك أنت باكياً "
ابتسامة واسعة رسمت على شفتي الأكبر ليتبعه ، هو طلب منه أن يرتاح لليوم و ينسى أمر العمل لكن هاري كان أعند من فعلها ، لذا فقط استحم و ساعده بنفسه بتغيير الضمادة حول رأسه و يده و الآن هم على وشك الإتجاه للمطعم حيث سيتركه هناك ثم يذهب للقسم .
يدرك أنه بالعادة يأخذ القليل من الوقت للراحة لكن هناك مهمة أخرى باتت بإنتظاره !
هاري ما إن وصل للمطعم وضع جرويه بزاوية ما ليجلس أمامهما مُخرجاً طعامهما و هو ينطق بابتسامة هادئة :" لا تتحركا من هنا مفهوم ؟ هو يومي الأول بالعمل لذا عليكما تشجيعي "
أنهى عبارته و قد اتسعت ابتسامته قليلاً قبل أن تختفي تماماً و هو ينهض للداخل ، حان وقت الجد هو بطريقه ليخطو أولى خطواته نحو النضج ، عليه أن يصبح أفضل ليصحح كل ما فعله بحق شقيقه ، هو همس بصوت منخفض :" راقب ذلك هنري أنا سأصبح أفضل و أقوى ، سأتخلى عن أنانيتي لأقف بجوارك دائما و أدعمك "
أنهى عبارته و بدأ بعمله ، المدير أخبره بأنه هنا لن يعمل دائماً كنادل فحسب بل أحياناً سيكون عليه العمل بالمطبخ إلا أنه و مراعاة لصحته حالياً سيعمل بخدمة الزبائن !
و هو للحق كان مُتحمساً و قد تناسى قلقه سريعاً ، ابتسامته كانت مُتسعة بينما يراقب زميل له مسؤول عن تدريبه ، و هذا أثار حيرة المدير الذي ظن من كلام مارسيلينو بالبداية أن هذا الصغير غير إجتماعي و منعزل فما يراه الآن يخبره بأمر آخر تماماً .
هاري كان يقوم بعمله مع ابتسامة لطيفة ، فبأي حال هذا الفتى لم يكن قط مُنعزل بل العكس هو بالمدرسة كان مُحاط بالأشخاص دائماً ، إلا أن ظروفه تلك أخفت ذاك البريق خلف رُكام من ذرات التراب ، و مع تجدد الأمل هو بدأ يعود مرة أخرى ليسطع مجدداً !
الساعة كانت تشير للواحدة و الربع تقريباً ، العاملون كان كل منهم خلال ساعتين يذهب شخص او اثنين للراحة ثم عند عودتهم يذهب غيرهم ، المطعم كان ممتلئ تماماً من الداخل فهو وقت الغداء و معظم الموظفين بالشركات أو المحلات المجاورة يأتون لتناول غدائهم .
لم يكن هاري قد شعر بالتعب للآن فبأي حال هو بالكاد بدأ العمل منذ ساعة واحدة فقط !
لذا نشاطه كان بأوجه ، دقائق أخرى فقط و وصل لمسامعه صوت نباح من الخارج لتتوتر حركته ، هو نسي تفقدهما ، لذا نظر للمدير و بعدها للنادل الذي يعمل بالخارج :" هاري الجروين يزعجان أحد الزبائن ! هما قفزا على طاولته حتى ! "
شهق المعني سريعاً و أسرع بخطواته للخارج و مع كل خطوة نبضاته كانت تصبح أكثر عنفاً .
من جهة أخرى هو لم يعد لديه مكان ما يذهب إليه ، و لازال هنالك نصف ساعة أمامه ، جسده منهك حقاً خاصة و أنه لم يتناول طعامه جيداً بالأيام الماضية و كيف يفعل و مصير توأمه كان مجهولاً ؟!
أجبرته خطواته على التوقف أمام مطعم ما ، هو لم يرد حقاً الدخول لمكان مُغلق لذا تواجد ساحة مُلحقة به أمر أحبه ، اتجه لإحدى الطاولات يضع رأسه عليها عله يحظى بشيء من الراحة لكن هذا لم يكن ليحدث خاصة و أن جروين لا يدرك حقاً ما يفعلانه قفزا لطاولته يحاولان جذب انتباهه ؟
هو حدق بهما بخفة و قد مد يده ليعبث بفراء أحدهما و لسبب ما شعر بنوع من الود اتجاههما فوراً !
لكن و قبل وصول يده تلك صدر صوت شهقة على مقربة منه ، صوت هو يمكنه تمييزه مهما كان الأمر ، بصره ارتفع سريعاً ليحدق بالواقف أمامه ، المُطابق له تماماً بينما يرتدي ثياب تدل على أنه يعمل هنا .
كلاهما بدى الزمن و كأنه توقف للحظة ، لم يتحرك أي منهما أي خطوة و ما نطق أحدهما و لو حرف واحد ، أعينهما ربما فقط هي ما تواصلت ، قلبيهما نبضا بقوة و راحة ؟
الدموع تجمعت بعينا الأصغر الذي و أخيراً عاد الأمان لاحتلال قلبه ، و أخيراً ها هو ذا أمامه ، ذاك الذي بكى اليوم كطفل ماتت والدته لإنه جرحه بقوة .
و الأكبر بصره كان يوزعه على ملامح صغيره و جسده يتأكد من صحته و أخيراً تلك الضمادات اللعينة ، و تلك الدموع التي تزين مُقلتيه ، الكثير هو ما أراد قوله له ! و بصره هو الآخر تشوش بفعل تلك الدموع التي بدأت تتجمع دون أن تتحرر من سجنها بنوع من عدم التصديق ربما ! فصغيره هنا أمامه على بعد عدة خطوات فقط !
كان ليقبل برؤيته من بعيد فقط لكنه الآن يقف هنا مُقابلاً ، بالنهاية كسر ذلك الجمود ينطلق بسرعة يحطم تلك المسافة التي تفصلهما ليمسك به من كتفيه ناطقاً بكثير من القلق :" أأنت بخير ؟أخبرني كيف تشعر ؟ "
و ما أن لاحظ نفسه تراجع للخلف بارتباك فهو من طرده أيضا بآخر لقاء صحيح ؟ قد يكون صغيره غاضب ؟
و الآخر تلك الكلمات كانت إشارة الإذن له ليقترب سريعاً من ذاك المرتبك يحيطه بعناق قوي سامحاً لنفسه بالبكاء مرة أخرى !.
- نهاية الفصل -
الفصل من كتابة Coldsnow5
ارجو أن يعجبكم 😍😍😍
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top