بارت 14

الحُلة البيضاء للأرض و التي تبعث على السعادة و تحفز على النشاط بدت كئيبة و بشدة هذه المرة بعيناه الزرقاوتين , أكان السبب إنعكاس لون الغروب على تلك البلورات الثلجية حقاً كما أوحى لنفسه ؟!

لماذا على لون الغروب أن يعكس ذاته على شيء نقي كما الثلج ؟! أن يتدخل مُبعداً تلك المشاعر الدافئة عنه مانحاً إياه كئابة لا نظير لها , ألا تُعد هذه جريمة ما ؟! أن يُباعد ما بين تلك البلورات النقية لونها الأبيض الساطع و يستبدله بلون الغروب الباهت ؟!

أليس هذا يعكس حالته أيضاً ؟ أليس هو يعاني من ما يفصله عن سطوعه و دفئه ؟! إذاً أتتمرد الطبيعة أيضاً كنوع من التعذيب له أم مواساة له ؟ هو لا يعلم حقاً , كل ما يفعله مُنذ مغادرته للمنزل الذي إحتضنه لسنوات هو الركض فقط , كم ساعة مضت على ذلك لا يذكر و ما عاد يهتم حتى !

و أخيراً خطواته المُرهقة توقفت بل إنهارت كما جسده أرضاً بوسط حديقة عامة بمنطقة تبعد الكثير عنه بل ربما ما كان ليخطر له القدوم لها سابقاً , لكن أهو فكر بهذا حتى ؟! عقله فارغ مُنذ ذاك الشجار الذي خاضه مع نصفه الآخر , لا يُمكنه التفكير مُطلقاً بل منع نفسه من فعلها عن طريق ذلك الركض الذي بدى له لوهلة بأنه سيستمر حتى يسلبه حياته , إلا أن قدميه و جسده أقدموا على خيانته مُنهارين يطالبون بحقهم بالراحة .

دموعه هي الشيء الوحيد الذي إستجاب لنداء قلبه ما إن سقط جسده أرضاً , أفكاره بدأت بالتدفق و هذا ما لم يرغب به حقاً , هو طفل ربما , تصرف بتهور شديد أجل فعل , لكن بحق الإله لماذا يظن أنه إقترح أمر كهذا ؟!

أيعتقد و لو لواحد بالمئة أن هذه هي رغبته حقاً ؟ أنه سيكون أفضل حالاً من دونه ؟! شهق بشدة بينما قبضتا يداه إنغرستا بالثلج تقبضان عليه بكل قوة ما إن خطر بعقله سؤال توأمه حول مشاعره إن فقد آخر فرد عزيز عليه !

هذا جعله يصك على أسنانه بقوة شديدة بينما ينهض من مكانه ليقف و هو ينطق بصوت مُرتفع نسبياً عكس كل ذرة ألم يشعر هو بها بهذه اللحظة :" أجل ستنهار أعلم ! لكن ماذا عني و اللعنة هنري , ماذا سيحدث لي إن فقدتك للأبد ؟ "

كور قبضته اليُمنى بقوة شديدة بينما يُكمل بذات نبرته السابقة :" أنا هُنا من يشعر بأنني سأفقدك بأي لحظة , لقد تعايشت مع هذا الخوف منذ زمن ما عاد بإمكاني إحتماله يا أخي , لماذا لا تشعر بي ؟ "

شهقة أُخرى قاطعت كلماته قبل أن يُردف بنبرة شبه هامسة :" ماذا إن وجدتك الشرطة و أخذتك بعيداً عني ؟! يمكنني أن أراهن بحياتي كلها أنك حتى لو كُتب لك الخروج من السجن لن تحاول العودة لي حتى بحجة أن هذا سيكون أفضل لي ! إذاً ماذا لو إضطررت للقتل ؟ لن تعود أساساً للحياة , و إن لم تتدخل الشرطة لكنك بدأت تعتاد على مهام كالقتل ؟! "

أغلق عيناه مُتخيلاً صورة توأمه الباسم بهدوء بينما أخرجت حُنجرته نبرة ضعيفة ما سبق له إستخدامها :" سأفقدك بشكل آخر ! أنت و مع بضع مهام كالسرقة و التجسس بدأت تنعزل عن الجميع , بالكاد كنت تتحدث معي ! أخي لو إضطررت للقتل و لو لمرة فأنت قد تتوقف حتى عن العبث بشعري بل عن الجلوس معي بمكان واحد بحجة أن يداك ملوثتان ! "

يده التي كورها مُسبقاً وجهها بإتجاه عامود الإنارة بكل قوته يفرغ به جُزء من تلك المشاعر التي تكومت بأعماقه قبل أن يهتف بحده و غضب :" تشعر بالأمان بوجودي ؟ ترى أنني أمنحك الأمل ؟ بماذا سيفيدك كل هذا إن ماتت مشاعرك ؟! كيف سيصل صوتي إليك ؟ إن تحطمت تماماً كيف ستُعيد إبتسامتي اللعينة شتات نفسك لتتماسك ؟ لن تفعل , و لن أنجح لإن الآوان قد فات أهذا ما تريد مني إنتظاره ؟ لا مُستقبل آخر أنت تفكر به صحيح ؟ "

صمت مُحاولاً أخذ نفس عميق ما إن شعر بأنه يختنق أكثر بينما دموعه تجمدت فحسب فجأة , جلس أرضاً ببطئ يُسند جسده للعامود الذي كاد يحطم يده بفعل حركته السابقة تلك , عيناه الزرقاوتين عصفت بهما الكثير و الكثير من المشاعر , لكن ما طغى عليهما بتلك اللحظات القاسية بالنسبة له هي ظُلمة مُخيفة , تلك الزرقة النقية التي كانت تنبعث بالعادة منه تم إبتلاعها بسبب عاصفة هوجاء تسببت بإحداث دوامة عميقة مُظلمة , ملامحه كانت حادة كما لم تكن قبلاً , مشاعر و وجه آخر لتلك الشخصية التي عُرفت بطيبتها و لطفها مُناقضة تماماً لذاته هي ما بدأ يخرج من سباته فما عاد توأمه معه لإيقافها , لن تتواجد يده تبعثر شعره و هو ليس هنا للوقوف أمامه يحميه من مواجهة الحياة !

حدق بيده التي تغير لونها و شيء من الألم بدأ يتسرب منها , إلا أنه ما إهتم حقاً بذلك بل كانت نظراته شاردة يفكر بما عليه فعله الآن , هو لم يضع مغادرة المنزل الليلة بعقله , أراد أن يُقنع هنري أولاً ثم يفكر بخطوته التالية إلا أن الأمر إنتهى به يغادر المنزل و بالكاد حمل معه هاتفه , محفظته و معطفه , الثياب التي يرتديها تُعد ثياب منزلية أقل سماكة من ثيابه الشتوية للخارج لكن الآن هذا حقاً آخر ما يهمه .

أرخى سمعه بالأرجاء فور سماعه لصوت أنين صادر من خلف إحدى المقاعد هو أدرك مُنذ الوهلة الأولى أنها لا تعود لإنسان , و بطريقة ما وجد نفسه يتجه لمصدر الصوت الذي قاده لجرو صغير يحاول النهوض بينما دمائه صبغت ذرات الثلج بالقُرمزي , هو شهق مُسرعاً بإتجاهه ليخلع معطفه و يلفه حوله بينما يتحدث بقلق و هو يربت عليه :" ماذا حدث لك ؟ سأعتني بك حتى يزول الألم أعدك "

هو أنهى عبارته ليجلسه على المقعد بينما يُمزق جزء من كُم قميصه ليبله ببعض الماء النظيف ثم عاد لحمل الجرو الذي كان يحاول التحرر منه بخوف , هو كان يربت على ظهره بهدوء محاولاً طمأنته قليلاً و يده الأُخرى إمتدت لمسح الجُرح بأكبر قدر من الرقة لئلا يؤلمه أكثر , ثم مزق كُم القميص الآخر ليلفه حول الجرح !

أنهى ذلك دون أن يتوقف عن التربيت عليه , نظراته كانت قد عادت لطبيعتها و كأنها ليست من عصفت بها دوامة مُرعبة قبل ثوان فقط , هو تحدث بشيء من الشرود :" لماذا أنت مصاب ؟ أين هي أمك ؟ ألا أشقاء لك ؟ "

عبس قليلاً قبل أن يردف :" لا يمكن الإعتماد على الوالدين بأي حال صحيح ؟ لذا لننسى أمرهما , لا تقلق سأعتني أنا بك "

ما إن أنهى عبارته تلك حتى إتسعت عيناه , كيف له أن يعتني بأحد و هو لا يدرك كيف يمكنه العناية بنفسه ؟! إلى متى سيبقى صامداً ؟ لكن ألن يفعل ؟ هو لم يغادر ليموت فحسب , بل لينهض و يجد طريقة تمكنه من الإمساك بيد توأمه صحيح ؟ لن يسمح بأن يكون هذا الألم الذي يتجرعه الآن بكل ثانية بلا ثمن , هو سيعود و عندما يفعل سيتأكد من إيضاح فكرة ما لتوأمه , لا يحق له مُطلقاً أن يقول له إرحل و لا تهتم بشؤوني لإنها لم تعد تخصك !

بل هي تخصه أكثر من أي شيء آخر بهذه الحياة حتى حياته , خرج من تلك الدوامة مُجدداً عندما قام الجرو بلعق يده لإثارة إنتباهه ربما ؟!

هو نظر له بلطف قبل أن ينطق :" أعتذر ! إذاً هل أنت جائع ؟ أظن أنني أمتلك بضع قطع نقدية ستكفي لشراء طعام لك ! "

أنهى عبارته ليُخرج محفظته بهدوء لكنه ما إن فتحها حتى عض على شفتيه بقوة و دموعه عادت للإنهمار بلا رادع , متى هو وضع النقود بها ؟ هي كانت فارغة صباح اليوم , قد يظن الآن أنه أنفق كل ما أعطاه إياه الأسبوع السابق !

ابتسم بوسط دموعه :" أحمق , أخبرتك مراراً أن ما تعطيني إياه أكبر مما أحتاجه , قد لا تعلم لكنني لا أحمل معي سوى ما أحتاجه لليوم الواحد , البقية ستجده بإحدى ثيابي التي لا أستخدمها عادة للخروج "

أنهى عبارته بينما يضم المحفظة أكثر لقلبه و دموعه إنهمرت أكثر و كلما حاول إيقافها تمردت و إزدادت بل حتى صدى صوت شهقاته و بكائه تردد بالأرجاء , السماء كانت قد أظلمت بالكامل , القمر و النجوم كانا مُختبئين خلف الغيوم السوداء بخجل مما جعل تلك الليلة أكثر كآبة مما يُمكنه إحتماله .

****

عيناه المُرهقتين كانتا تُحدقان بالكتاب أمامه بينما و بكل جوارحه هو كان مُنغمساً بقرائته , كم مضى عليه بعيداً عن الكُتب التي يعتبرها كالسند الوحيد له بهذه الحياة , ربما عوالمها المُختلفة و أبعادها هي ما تجعله يبحر لمسافات طويلة خارجاً من أفكاره الخاصة و التي باتت تنحصر بشقيقه و ما يسببه كل لقاء بينهما من ألم !

لماذا هو أنقذه من الهلاك ؟ قطعاً الإجابة ما كانت أنه فعلها لإنه يحبه أو ما شابه , بل فقط المدرسة إتصلت به تطالبه بتقرير أو سبب يدفعه للغياب , إن تشكلت لجنة للبحث عنه و إكتشفوا أنه مات أو حدث له مكروه لشكل هذا له مشكلة لا داعٍ لها .

أبعد الكتاب عنه قليلاً ما إن خطر بعقله صورة ذاك الصغير الذي قُتل أمامه بينما يعض على شفته بقوة , لم يكن يفترض بهذا أن يحدث , هو حقاً ظن أن بإمكانه إنقاذه ثم ليتلقى العقاب مهما كان , لكن يبدوا أن سامويل رغب بإعطائه درساً بطاعته ربما ؟ أو رغب بأن يظهر له كم أن محاولته هذه مثيرة للشفقة , أن يقطع بقلبه أو أفكاره أي فكرة تمرد واحدة .

لكن أيعلم سامويل أنه و بفعلته تلك جعل اليأس يتسلل لقلب الأصغر ؟ أيدرك أن اليأس من حُلم إن تولد بقلب شخص لديه رغبة بالحياة حقاً لن يعني سوى بداية جديد ؟ ألا يفكر بأنه و بما فعله أعطى لشقيقه ضوء أخضر للتحرر من طيف الماضي !

سامويل الذي كان يمسك بيده دائماً , ذاك الذي كان يبتسم له بلطف و يدافع عنه أمام المتنمرين بالحي بطفولتهما المُبكرة , الشقيق الأكبر الذي كان ينتظر إيرنيست عودته ميت , هو ما عاد له مكان بهذه الحياة , رحل برفقة والديه إلى الأبد تاركاً , هو فقد بالفعل الشخص الوحيد الذي كان مُستعداً ليغفر له كل تلك الأخطاء و يأخذه بعيداً عن كل هذه الفوضى بل ربما لو أن الأمر بيده و إقتضى الأمر أن يُعدم أحدهما كان ليسلم نفسه بسرور إن شعر بأن روح الأكبر عادت لدفئها القديم لكن الآن بدأ هذا يتلاشى .

ليس الأمر سهل حقاً على الأصغر الذي أمضى طفولته حقاً ينتظر يد ما تنتشله من كل هذا , الأمر مؤلم حقاً و بشدة , و مع أنه لم يتحرك بعد لكن قلبه ينبض بشكل مؤلم , مشاعره يشعر بأنها تتحطم و تتسرب تاركة إياه وحيداً كالجماد , السير وحده بهذه الحياة و إختيار طريق يمضي به ما تبقى له من حياته صعب و بشدة .

تنفس بعمق عله يُبعد كل تلك الأفكار السلبية من عقله بينما نهض من تلك الأرضية المُمتلئة بالغُبار ينفض عن ثيابه آثارها مُتمنياً لو أن بإمكانه نفض أفكاره بهذه السهولة أيضاً , هو بات يحبس نفسه أغلب الوقت بهذا المكان برفقة كُتبه نافذته الوحيدة للترفيه عن نفسه , سار بالممرات سريعاً عله يصل لغُرفته بلمح البصر أو دون أن يلاحظه أحد , يفضل حقاً لو كان كما الأشباح التي لا يراها أو يسمعها أحد !

إلا أن خطواته توقفت فجأة أمام ذاك المكتب الذي بالعادة سيفضل التحليق لو أمكنه لئلا يراه حتى لكن سماع إسمه أجبر قدميه على التوقف إستجابة للرعب الذي إحتله بالكامل , أيتم إعطائه مهمة أخرى ؟! لا يريد المرور بتجربة كهذه مُجدداً مهما حدث !

هو كتم أنفاسه تماماً يسترق السمع لمن بالداخل حيث تحدث مساعد شقيقه و يده اليُمنى :" إذاً سيدي بعد فشل إيرنيست ذاك الجميع بات يرى أن شقيقك سيجلب لهم العار و لك خاصة لاسيما أن إسمه مُقترن بك و بوالدكما الراحل ! "

المعني لم يرفع رأسه عن أوراقه بينما يتحدث ببرود :" لن أقرن إسمي به , هو فقط مدلل أكثر مما يجب و أظن أنها غلطتي بالفعل , كان عليه أن أدخله منذ طفولته لأعمالنا لذا إنسى أمره تماماً , لقد تم حذفه بالفعل من قائمتي "

صمت قليلاً قبل أن يسند جسده للخلف يركز ببصره على من أمامه ليردف :" أخبرني كم أصبح عمره الآن ؟ و أين هو ؟ "

آمال ذاك الرجل برأسه قليلاً فقطعاً سيده لم يقصد إيرنيست بما أنه تواً أخبره بأن إيرنيست تم حذف اسمه من قائمته , و بالخارج قطب الأصغر حاجبيه , فلو تجاهل تلك الكلمات المؤلمة التي سمعها تواً يوجد شيء ما بأعماقه يطالبه بالوقوف و الإستماع للنهاية و إن لم يعد الأمر يعنيه !

ذاك المساعد أصدر صوتاً يدل على تذكره بينما ينطق :" أنت تعني صغيرك ؟! هو سيكمل التاسعة قريباً سيدي و يعيش بدار للأيتام قريبة من هنا سيدي "

ابتسامة ساخرة رُسمت على وجهه بينما يتحدث :" إذاً فقد هربت و تركت الصغير خشية أن ألاحقها لأجله ؟ و كم كانت محقة بهذا ! بأي حال راقبه جيداً , لا أريد له أن يصبح مدللاً كما الأحمق , من الجيد أنني لم أتخلص منه فقد تكون هناك فائدة ما منه , العام القادم سأحضره لهنا و سيحظى بتعليم خاص مُنذ صغره "

إيرنيست تراجع للخلف بدهشة و عينان مُتسعة , هو ما كان يعلم بهذا من قبل ! سامويل لديه صغير ؟ يكاد يبلغ الخامسة بميتم ما وحده ؟ و الأكثر قسوة ربما أن والده يريده فقط ليجعله دمية قتل ؟

شد على قبضة يده و قد أخفت خُصلاته مُقلتيه و دموعها , هو يعد نفسه بأنها ستكون المرة قبل الأخيرة التي يبكي بها شقيقه , يقسم بأنه بعد هذه اللحظة لن يبكيه إلا عند دفنه , فقطعاً سامويل لم يعد هنا , لم يكن ليقبل بكل تلك القسوة , عاد يسير لغرفته مُحافظاً على ثات خطواته و هدوئها بالرغم من تلك الدموع التي تجري على خديه , هو بأعماق قلبه لعن والده مئات المرات , ذلك الرجل دمر حياتهم بالكامل .

و بالرغم من ذلك الألم الطاغي كانت هُناك بذرة أمل تنمو بصدره تملئ تلك الإنكسارات بأعماقه , ذلك الصغير هو سينقذه قطعاً , لن يسمح له بأن يتعرف على والده هذه , لن يغرق بالظلام مهما حدث !

*

تنفس بعمق و كثير من الراحة بينما يسير خارجاً من ذلك المتجر , ثيابه التي كان يرتديها و مزقها لأجل علاج الجرو كان قد إستبدلها بأخرى أكثر سماكة و بيده اليُمنى التي كانت قد تم تضميدها أمسك بمغلف يحتوي على طعام لذاك الجرو الذي عثر عليه , لذا هو أسرع بخطواته حيث الحديقة التي تركه بها لإطعامه , هو قلق من أن يؤذي نفسه إن تحرك لذا طلب منه البقاء بمكانه .

لم يكن بخير حقاً بالرغم من تلك الابتسامة التي كانت على وجهه , لازالت مشاعره مُضطربة كما أنه بات يشعر بالخوف , الوقت متأخر و لا أحد بالشوارع حقاً سواه , لا منزل لديه للعودة إليه و لا يدرك كيف يمكنه قضاء هذه الليلة , و بأعماقه هو تساءل عما يفعله توأمه الآن , أهو بخير ؟! هل حاول الخروج و البحث عنه ؟

أومأ سلباً لنفسه فلو حاول البحث عنه لكان إتصل عليه على الأقل ؟! عض على شفتيه بينما يتوقف أمام الحديقة , خُصلاته كانت تغطي عيناه و ملامح وجهه , شعور بالوحدة كان يتسرب إلى أعماقه تدريجياً , لم يسبق و إنفصل عن شقيقه لهذه المدة حقاً متخاصمين !

تنفس بعمق بينما عاد للسير بإتجاه المقعد ما إن تهادى لمسامعه صوت نباح الجرو الذي لمحه و نهض يسير بإتجاهه بخطوات بطيئة بسبب ذاك الجُرح مما دفعه للإسراع بإتجاهه بينما يُخرج الطعام له , هو قام بفتحه ثم إنخفض يقدمه للصغير بابتسامة خافتة ليتناوله لكنه شهق سريعاً و بصدمة ما إن سلبه الجرو عُلبة الطعام كاملة ثم بدأ بالسير بأقصى سرعة تسمح له قدمه المصابة بها .

حدق هاري به بصدمة حقيقية , لماذا هو هرب منه ؟ أفعل ما يغضبه أيضاً ؟ يستحيل للحيوانات أن تتجاهله بعد أن تأخذ منه ما تريده فحسب صحيح ؟ هذا جعله ينهض سريعاً ليتبعه , هما خرجا من تلك الحديقة مُتجهين لأحد الأزقة القريبة منها , هناك حيث وصل لمسامع هاري صوت نباح ضعيف مما جعله يسبق الجرو حيث الصوت !

عيناه إتسعتا بدهشة حقيقية عندما وجد جرو آخر يمتلك ذات مظهر الأول يجلس بعُلبة كرتونية كُتب عليها " إعتني بنا رجاءاً "

الجرو الأول تقدم مع علبة الطعام ليضعه أمام الآخر أيضاً و سرعان ما بدأ كلاهما بتناوله , مشاعر مُختلفة أحاطت بمراقبهما تشكلت بهيئة تلك الدموع التي تجمعت بعيناه , هو مد كفه بتردد يربت على فرو المُصاب الأبيض بينما ينطق بمشاعر متفاوتة :" هل غادرت هذا المكان للبحث عن طعام ما لكما ؟! لماذا لم تعد إلى هنا عندما أُصبت هل خشيت العودة دون أي شيء لتشاركه إياه ؟ "

صمت قليلاً قبل أن يردف و قد إنهمرت دموعه :" ماذا لو لم تعد إليه ؟ أنظر هو كان ينتظرك بكل ثقة بأنك ستعود فهل كنت لتُخيب رجائه فقط لإنك عجزت عن تحقيق أمر واحد ؟"

شد على قبضة يده بينما أخفض رأسه يسند بجسده للخلف ليكمل حديثه و كأنهما يفهمان ما يقوله حقاً :" أتعلم أنت تبدوا الأكبر بالنسبة لي , ربما علي أن أطلق عليك إسم هنري ؟ هو سيغضب لكنك تشبهه حقاً ! "

ضحك بخفة وسط دموعه :" لن أفعل بالطبع لكن حقاً أتعلم أن اسم هنري يحمل معنى المنزل المميز الخاص ؟! و أخي كذلك حقاً , هو شيء يمكنني الإنتماء إليه دائماً , منزل خاص , بل هو أشبه بمحيط بالنسبة لي ! يحاول دائماً إبقائي أعماقه لئلا يُصيبني أي مكروه "

إستلقى بجسده على تلك الأرضية بذاك المكان بينما يهمس وهو يغمض عيناه بتعب شديد :" هو كذلك حقاً "

تحرك الجرو الذي أنقذه إليه ليستلقي بجسده الصغير بجواره ليسرع الآخر و يتبعه , لم يتمكن هاري من رؤيتهما حقاً فهو سقط نائماً بأسرع مما كان يظن أنه سيفعل , فهذا اليوم حقاً كان مليئاً بالكثير بالنسبة إليه .

*

حدقتاه ذات لون العسل الصافي كانتا تُحدقان بما حوله بينما دقات قلبه كانت عنيفة لدرجة شعوره بأنه لو تواجد أي شخص ما بجواره لتمكن من سماعها , أول ما تمكنت عيناه من إلتقاطه كانت تلك القُضبان الصدأة أمامه , و تدريجياً هو بدأ ينتقل بالمكان بعينيه بينما جسده مُتجمد بمكانه كما لو كان آلة , قلبه و دقاته المُتسارعة كانت توقظ كل ما يمتلكه من غرائز تشير للخطر , كيف هو وصل لهنا ؟!

هو لا يذكر حتى ما آخر موقف حدث معه إذاً ماذا يحدث هنا ؟! لما عقله يعيد عرض مثل تلك الذكريات ؟! أهو كابوس ما ؟!

هتف بشيء من القوة و الثبات الذي يحاول التشبث بهما :" ليو ؟! أين أنت يا أخي ؟ "

ربما لا يذكر أياً مما حدث معه سوى شعور آخر يعلمه بأن أخاه قريب منه و بشدة لكن لماذا إذاً لا يمكنه الوصول له ؟, لم يكد يختتم أفكاره تلك حتى بدأت أصوات عديدة تصدر من حوله , جسده إرتجف بلا إرادة منه بينما شحبت ملامح وجهه بقوة , صدى صوت صراخ كان يتكرر بالأرجاء !

مع ذلك لا أحد هنا ! هو بالفعل غادر تلك الزنزانة راكضاً بإتجاه مصدر الصوت بضياع شديد , و بكل خطوة يخطوها يصرخ به وعيه بأنه كابوس عليه الإستيقاظ منه حالاً , لكن أكان الأمر بهذه السهولة حقاً ؟ ذلك الصوت يجبره على المُضي قُدماً , جسده كان يتحرك من تلقاء نفسه , شد على قبضة يده بتلك اللحظة و قد تراجع للخلف سريعاً بينما يضع يديه على أُذنيه مُغمضاً عيناه بقوة , قطرات الدماء التي بدأت تظهر على تلك الأرضية تصحبها ذلك الصراخ المؤلم أجبره على إيقاف نفسه عن الحركة !

هو ما غير وضعيته حتى بل أبقى جفنيه مُنسدلان لئلا يرى تلك الدماء و يديه تبذلان كل ما تمتلكانه من قوة لتكونا حاجز يصد ذاك الصوت عن أُذنيه , كم إستمر الأمر لا يعلم حقاً سوى أن طاقته بدأت تنهار و بشدة , و كقواه تلك و مشاعره , تصدعت الأرض من تحت قدميه لتُسقطه بحفرة سوداء عميقة !

صوته لم يظهر و لا حتى ليصرخ طالباً النجدة , هو عجز عن ذلك تماماً لذا صدرت شهقة مكتومة من فمه إلا أنه هذه المرة ما أغمض عيناه بل أبقاهما تحدقان بتلك النهاية التي تنتظره أياً كانت .

جسده سكن فجأة بينما هدأت دقات قلبه , هو ما غادر ذاك المكان المُظلم بل بات عالقاً بوسطه لم يعد جسده يسقط بل إستقر واقفاً غير آبه بما يحدث من حوله حقاً فأمامه ربما و على بُعد عدة خطوات منه كان أخاه يقف مُعطياً إياه ظهره دون الإنتباه لوجوده ربما ؟

و بلا إرادة منه أسرعت خطواته بإتجاهه بينما نطق بصوت خافت لا يدرك حتى سببه :" ليو , أخي ؟! "

الآخر التف نصف إلتفاتة فقط إليه , ملامحه لم تكن طبيعية البتة , هو لم يكن مُبتسماً و لا حتى عابساً أوقلقاً بل عيناه الزرقاوتين كانتا حمراوتين بينما تحدقان به بنوع من الغضب , قليلاً فقط و أشاح بوجهه عنه بينما همس بصوت يمكن لآلفين سماعه :" لقد كنت السبب طوال الوقت ! "

أنهى عبارته ليسير مُبتعداً عن المكان بأكمله , و آل عيناه كانتا مُتسعتان بشدة بينما تُحدقان بظهر من أمامه و هو يبتعد عنه , دموعه تجمعت من فورها , بينما أنفاسه تسارعت برعب و ألم !

لا يعلم كيف ظهرت ابتسامة مُنكسرة على شفتيه بينما إنهار جسده أرضاً على ركبتيه و دموعه تحررت من مُقلتيها و أخيراً إلا أن صوته عاد للإختفاء , لم يتمكن من التعبير حقاً عن أي شيء سوى بتلك العبرات التي سارت على وجنتيه بحرقة !.

هو ما عاد راغباً بالنهوض و لا حتى برؤية أي شيء أمامه , ذاك الموقف أنساه الكثير بما في ذلك صوت عقله الذي يخبره بأنه حُلم عليه النهوض منه فحسب ليعود للواقع , إلا أن شعور مُفاجئاً بالدفئ ملئ أركان جسده بلا أي تنبيه مُسبق , شعر بيدان تحيطان به بخفة و لطف بينما صوته خرج هادئاً لا يخلو من القلق و الألم بآن واحد :" آل , أخي آل إفتح عيناك الآن , هو مجرد كابوس لذا إنهض هيا "

شهقة قوية صدرت منه بينما إنتفض جسده بالكامل و بالرغم من تلك الإنتفاضة لم يسقط حتى فتلك اليدان لازلت تحيط به بقوة , هو رأسه كان تقريباً على كتف رفيقه الأيسر حيث كان قادراً على سماع دقات قلبه و التي بعثت بداخله القليل من الهدوء , أنفاسه ما كانت مُنتظمة بينما عيناه مُغمضتين , يد ليو إحداهما كانت تمسك به بقوة لئلا يسقط إن تحرك بطريقة خاطئة و الآخرى كانت تعبث بخصلات رفيقه عله يبعث به القليل من الهدوء و الطمأنينة .

عيناه الزرقاوتين حدقتا بملامح آل بألم , هناك شيء ما حدث هذا أمر هو يثق به , أمر يُخفيه آل عنه و إلا لماذا تلك الذكرى بالذات ؟ ما حدث بالأمس ألا يفترض جعله يفكر بأسرته مثلاً ؟ أول أيامهما بالسجن ؟ إذاً ما بال ما كان يتمتم به بنومه ؟ و بالرغم من أفكاره تلك إلا أنه ينطق بخفة و لطف :" أنت بخير الآن , إنتهى الأمر أخي "

آلفين بدأ بتدارك نفسه بعد عدة دقائق بدت كقرن من الصمت , هو خلالها أدرك بأنه على ما يبدو غفى بالأمس هنا بالحديقة على كتف ليو , يعلم سبب ذلك الكابوس بالفعل هو فقط عكس ما يشعر به من ذنب بل ربما أيقظ المزيد منه بأعماقه ! و بالرغم من كل ذلك هو لم يبتعد حقاً أو يبعد يد شقيقه عنه , تركه يفعل له ما يشاء بينما بقي ذهنه شارداً , أقال أن الأمر إنتهى ؟

الأمر لم يبدأ بعد حتى , أي ردة فعل هي تلك التي سيظهرها رفيقه إن حان الوقت حقاً ؟! تلك بالحلم أم أنه سيبتسم له كما الآن ؟ شد بيده على قميص من أمامه بلا شعور , هو أراد فقط أن يفرغ جزء من تلك المشاعر التي يمتلكها .

أبعد ليو عنه بخفة بينما حدق به بشيء من الجد , و آلفين أشاح بوجهه سريعاً لذا نطق الأول بهدوء :" آل أتعلم أنك كنت تتحدث أثناء نومك ؟ "

اتسعت عيناه سريعاً بينما يتحدث :" إنتظر هل أنت ...؟ "

وضع ليو رأسه على كتف من أمامه و هو ينطق بخفة :" أريد أن أسئلك عن الكثير حقاً أخي , لماذا تلك الذكرى بالذات ؟ "

قطب حاجبيه سريعاً و هو يردف بشيء من الجد و الضيق :" هذا و قد تحدثنا مُسبقاً بالأمر لكنك تكرر تلك العبارة الفظيعة إلى الآن "

إبتعد و أخيراً بالكامل عن رفيقه و هو يهمس بصوت يمكن لليو سماعه :" لقد كان الأمس فظيعاً ليو , كان هناك شرطة و مجرمين إضافة إلى تلك الرسالة , أظن فقط كل ذلك إختلط معاً لذا لا تهتم "

عبس سريعاً بمحاولة منه للخروج من تلك الأجواء الخانقة لكلاهما :" تعلم أنه من الفظيع أن تهاجمك الكوابيس و أنا بجانبك "

نظرات آلفين إرتكزت فجأة على عينا ليو الزرقاوتين , هما كانتا تعكسان الكثير من المخاوف الممزوجة بحزن بدى مجهولاً لصاحب العينان الزرقاء الداكنة بالرغم من محاولته الجادة لقراءة ما تحمله عسليتا رفيقه من ألم و قلق لا يعلم هو عنه .!

تلك المحاولات بمعرفة ما تحمله عيناه توقفت عندما تهادى لمسامعه صوته الهامس بينما ينطق بنبرة تُجاهد للخروج :" هل أنت ستندم يوماً على معرفتي ؟ أيوجد شيء قد يجعلك تكرهني ؟"

و الآخر قطب حاجبيه بإستنكار تام , فهل هو حقاً جاد ؟! ألا يدرك أن الإجابة واضحة حقاً ؟ هو عبس بشكل أكبر لكن ملامح آلفين الشاحبة جعلته يأخذ نفساً عميقاً قبل أن ينطق سريعاً بلا أدنى تردد :" لا آل , هل علي إخبارك يا أخي مُجدداً أنه بتلك اللحظة التي أمسكت بها بيدي مُنقذاً إياي من ذلك المكان الفظيع و المليء بتلك الأقنعة الخاصة بالمخلوقات المريعة , كُنتَ قد أُصبت بلعنة ما تدعى الإلتصاق ! لن أترك يدك قط , و لا يوجد شيء بهذا العالم قد يدفعني لفعلها أقسم لك "

صمت قليلاً قبل أن يردف بمرح :" و أنت أيضاً آل , حتى لو حاولت ترك يدي ستجدني أتشبث بيدك أكثر ! فكما قلت لك هي لعنة لن تنتهي إلا برحيلي الأبدي "

ابتسامة ما وجدت طريقها لثغره و أخيراً بالرغم من أن حتى صاحبها لم يستطع تحديد أكانت سعيدة أم حزينة تماماً كعجزه عن تحديد مشاعره المُتناقضة بشكل تام و ربما بطريقة غير منطقية حتى , هو أخفى وجهه بدفنه ما بين ساعديه و ركبتيه لينطق :" شكراً أخي , إنسى ما قلته أظنني مرهق و لا أفكر كما يجب "

هو عبس راغباً بأن يُجيب على ذلك رافضاً مثل هذه النهاية للحديث القصير بينهما بما أنه ما علم حقاً ما يؤلم رفيق طفولته بعد إذاً ما الفائدة من كُل هذا ؟!

تنفس بعمق فور رؤيته لأنجيلا تتقدم بشيء من التردد بإتجاههما بينما تحمل بين يديها علبة للإسعافات الأولية , هو آمال برأسه قبل أن ينطق بحيرة :" هل أنتي مُصابة ؟ "

آل رفع رأسه سريعاً ناهضاً من موقعه ليتحدث بتساؤل:" أأنتي بخير ؟ أهناك أمر ما ؟ "

هي أومأت سلباً لتجيب على تلك التساؤلات سريعاً :" الواقع أنت المُصاب صحيح ؟ لقد ضربك على ذراعك بقوة لذا أردت إعطائك هذه من الأمس لكن كنتما قد ... "

شهقت بصدمة عندما سلبها ليو تلك العلبة سريعاً بينما ينطق بإنزعاج :" أكنت مصاباً طوال الوقت ؟ لقد سألتك إن كنت قد أُصبت صحيح ؟ كان يمكنك إيقاظي أنتي أيضاً "

رفعت المعنية أحد حاجبيها بشيء من الإستنكار بسبب لهجته تلك قبل أن تأخذ نفساً عميقاً لتشاهده كيف يجبر آلفين على علاج يده دون أن يتوقف عن التذمر مُذكراً إياه أنه يوبخه بكل مرة بسبب إهماله لنفسه و الآن هو يفعل ذات الأمر , و آلفين بالمقابل كان ينظر إليه بطريقة ساخرة موضحاً أن ضربة كهذه لا تحتسب حتى بجوار إهمال الطعام !

و ليو إستمر بالتحديق به بعبوس و عدم إقتناع , هو حدق قليلاً بتلك الكدمة بشيء من الحقد موجه لمن تسبب بها , يتمنى فقط لو أنه كان قادراً على الوصول قبل الشرطة ليجعلهم يرون الثمن الحقيقي لمس شقيقه فقط , هو ما كان ليسلمهم للشرطة بسهولة حتى , تنفس بعمق بينما أنهى ما كان يفعله و لازال العبوس يحتل ملامحه .

هي و مجدداً شاهدت بالأمس جانب آخر من آلفين , هو حقاً مليء بالكثير بكل مرة تظن أنها أوشكت على معرفة كل جوانبه , بالنهاية خطر بعقلها أمر ما لتنطق سريعاً و بشيء من التوتر :" صحيح آلفين لقد إتصل أبي مُنذ الفجر و هو قال أنهما سيعودان فوراً , لذا أظن قد يصلان للمنزل بأي لحظة "

شهقة سريعة صدرت من جوف ليو الذي أنهى ما بيده تواً جعلت الأنظار تتجه إليه و هو نهض من موقعه بينما ينطق بشيء من التوتر :" لقد تذكرت أمر ما علي فعله , آل ستُقتل إن لم تتصل بي بحال حدث أمر أزعجك ! "

حدق به آلفين سريعاً بالكثير من الإستنكار ليمسك به من يده بينما يتحدث بجد :" أأنت بخير ؟ ما الأمر أخي ؟ "

هو أومأ سلباً بينما يبتسم بشيء من المرح :" لا شيء , فقط تذكرت أنه علي غسل صغيرتي اليوم ! ثم هل تصدق أنني لم أضع الهدايا التي إشتريتها لها بعد ؟ "

لم يفلت يده و ما أجاب بل بقي يحدق بثبات فهو لديه شعور ما بأن من أمامه يحاول الهرب من أمر ما فقط , أنجيلا حدقت به بشيء من الريبة قبل أن تنطق بلا تفكير ربما :" لماذا تتصرف و كأنك قابلت أبي و تعلم ما رأيه حقاً ؟"

قطب آلفين حاجبيه سريعاً بينما يُحدق بليو الذي إتسعت عيناه بشدة و إستنكار و هو يهتف :" ألا يمكنك الصمت ؟! ثم بحق أي إنسان بهذا العالم يمكنه معرفة من لا يطيق رؤيته حتى "

حدقت به بشيء من الإستياء بينما تجيبه :" إذاً أنت تعلم أنه يكرهك بالنهاية ؟ لا أعلم كيف لكن لا داعي لكل هذا الخوف ليس و كأن أبي قد يلتهمك أو يطردك "

ابتسامة ساخرة لم يستطع ليو إخفائها بينما يستعد للرد لكن تلك اليد التي إشتدت بإمساكها به جعلته يصمت تماماً بينما بدأ التوتر يعتليه مُجدداً هو حقاً لثوان بسيطة غفل عن تواجد آل حتى , نظر لرفيقه سريعاً ليتحدث لكن نظرة الآخر الجادة جعلته يصمت مُفكراً بأن التبرير الآن لن يكون له أي قمية !

أبعد آلفين ببصره عن ليو ليوجهه لأنجيلا بينما ينطق بإستياء و ضيق لم يكن ليخفيه :" و لماذا هو يكرهه ؟ لا أظن أنه قابله من قبل صحيح ؟ "

أشاحت ببصرها بعيداً و هي تفكر بما عليها قوله , إلا أن ليو سبقها لينطق بينما هنالك إبتسامة مُرتسمة على وجهه و نبرة مرحة ما كان أحد ليشك حقاً بما تخفيه خلفها :" حسناً سأخبرك بقصة قصيرة , تعلم بالماضي كان هناك طفل صغير لطيف للغاية يخجل من كل شيء و يختبئ معظم الوقت خلف والده بكل لطف , و ما إن إلتحق بالمدرسة أصبح لديه صديق ما و على خلافه صديقه كان طفلاً مشاكساً و فجأة بيوم من الأيام تم سجنهما لأجل جريمة قتل , و اللطيف بينهما تغير كثيراً فبرأيك من سيكون السبب ؟ ألا ترى أنه من المنطقي أن يكون المشاكس ؟! "

شد على قبضة يده بينما تبدلت نظراته تلك حاملة بين طياتها كُل من الألم و الغضب , يشعر بالغضب على عمه فهو بطريقة ما أوصل تلك المشاعر لرفيقه و الألم لأجل الأحمق الذي إحتفظ بهذا لنفسه طوال الوقت لذا نطق بإعتراض :" لن افعل وانا أعلم أن من يفترض أنه المشاكس أنقذ الآخر طوال حياته و وقف إلى جانبه ، ليس بالضرورة أن يكون السبب هو ! لا يحق لأحد الحكم قبل التعرف عليه ومعرفة أي شخص هو ثم إن كنت تعلم بهذا لما لم تخبرني ؟!كنت تتجنب المجيء طوال الوقت وانا فقط من... تباً ليو !"

أشاح بالنهاية بوجهه عنه بينما شعور مؤلم بدأ بالتسلل إلى أعماقه , أكان مُغفلاً إلى هذه الدرجة و لم ينتبه حقاً لكل ذلك !؟ هو حتى لا يعلم إلى أي حد شعر رفيقه بالألم من تصرفات عمه بينما كان غير مُدرك لكل ما حوله !

لا يعلم لماذا تسلل لعقله بتلك اللحظة ذلك الحُلم الذي رآه بأول ليلة له بهذا المنزل , عندما سقط ليو بحفرة عميقة بينما كان هو يقف برفقة عمه و يتحدث إليه , أخفض رأسه و رسم ابتسامة ساخرة على وجهه فهل كان ذلك تنبيه له و هو فقط لم يفهم الأمر ؟

قطب حاجبيه بإنزعاج عندما شعر بيد رفيقه توضع على كتفه بينما ينطق بشيء من التذمر :" أخي هل يمكنك إيقاف عقلك عن التفكير قليلاً و الإنخراط بأفكارك التي أثق أنها لن تُعجبني ؟ ثم ما الحاجة لذكر أمر كهذا لك ؟ أعني ليس و كأن هذا سيؤثر صحيح ؟ هو شخص لطيف معك و بأي حال لست جزء من أسرته حقاً لأهتم بما يظنه عني ! أعني و لا أقصد أن أكون وقحاً لا أهتم برأيه , فقط أكثر ما يهمني هي علاقتي معك لا أكثر ! "

حدق بمن أمامه بعدم إقتناع تام فهل هو يظن أنه يمكنه إقناعه حقاً بهذا ؟! لذا سرعان ما أبعد يد ليو عنه بضيق و هو يتحدث بنبرة أوضحت بأنه غضب بالفعل :" انت أخي , إن كان يعتبرني من أسرته كان عليه أن يخبرني بصريح العبارة أن لديه مشكلة مع أخي وحينها سيكون لكل شيء حديث ! من لا يتقبل أخي فهو لا يتقبلني ! هل تعتقد أني يمكنني التصرف وكان شيء لم يكن بعد معرفة هذا ؟ بل أني غاضب حقاً لأن لا أحد أخبرني ! أشعر أني أحمق حالياً ! أقدر له لطفه معي وانا ممتن له دون شك ولا اطالبه برعايتك أو ما شابه لكن ان يكرهك ويرفضك أمر آخر تماماً و لا أقبله ! "

بعثرت أنجيلا خُصلات شعرها بإرتباك شديد فهذه المرة الأولى التي تراه غاضباً بها حقاً و مع ذلك ما إستطاعت كبح نفسها عن النطق بإرتباك شديد :" أبي فقط قلق عليك منه , أعني أظن كل ما عليك فعله هو مناقشته و سيحل الأمر لذا إهدأ قليلاً "

هو حدق بها قليلاً قبل أن يزفر الهواء بشيء من العُنف , لم تغادر ملامح الإستياء ملامحه إلا أنه صمت فحسب فمناقشة الموضوع معهما أساساً لن تحضر له أي فائدة .

ليو حدق بهما قليلاً ليتقدم من رفيق طفولته عله يقنعه بأن ينسى الأمر فحسب , لكنه ما إن تقدم حيث أصبح مُقابلاً لآلفين حتى شهق بشيء من التوتر و ضرب جبهته بيده ليتراجع سريعاً للخلف بحركة لا إرادية علَّ جسده يختفي خلف رفيقه ؟!

ردة فعله تلك أجبرت آل على التحديق حيث كانت أنظار رفيقه تتوجه لتتسع عيناه قليلاً إلا أنه سرعان ما أعاد ملامحه للهدوء و أشاح بوجهه بعبوس فأياً كانت الطريقة التي سيعلم عمه بها عن رأيه لم تكن كلماته لتختلف كثيراً لذا حقاً لم يواجه مشكلة بكونه هنا الآن و لا يهتم بمقدار ما سمعه !

و من جهة أخرى حدقت أنجيلا بوالديها بخفة بإنتظار أي ردة فعل تظهر منهما ؟! والدتها نظرت لزوجها قبل أن تبتسم له بخفة و تنطق بصوت خافت :" أظن بما أنه لا يمانع من النقاش فأنت لم تخسره صحيح ؟ بأي حال سأترك الأمر لكما فأنا بالنهاية غريبة هنا ! "

أنهت عبارتها لتلقي التحية على البقية ثم تتجه للداخل و كم رغب ليو حرفياً بفعل المثل تماماً , ما مكانه هنا بحق ؟! هو أيضاً غريب صحيح ؟ و هذا يُعد نقاشاً أُسري لا حاجة لوجوده لكن أيمكن لأحد إقناع آلفين الذي يُمسك بيده و كأنه قادر على قراءة أفكاره من ذلك ؟!

تشارلز حدق بإبن شقيقه بالبداية بتوتر و إرتباك , هو تواجد مُنذ أن هتف آلفين بإستنكار عن السبب الذي يدفع عمه لكره رفيقه , سمع رد الآخر و كل تلك المُحادثة دون أن يتدخل حقاً , ربما رغبة منه بترتيب كلماته أولاً ؟ أو ربما وجدها فرصة لقياس إلى أي مدى سيغضب آلفين و الأهم ربما أن ليو ذاك تصرف على طبيعته التي يدرك أنه لن يظهرها أمامه ببساطة , على الأقل ليس بعد تلك النظرة التي وجهها له .

هو تنفس بعمق قبل أن يتقدم أخيراً ليقف أمام آلفين بينما يتحدث بخفة :" آسف حقاً لم أقصد إخفاء الأمر لإنني لا أعدك من أسرتي لكن بُني لم أكن أعلم ما مدى تعلقك به و خشيت حقاً من ردة فعلك إن تدخلت منذ البداية بهذا , بأي حال فقط الأمر كما قال الفتى لا يمكنني أن لا أفكر أنه السبب بتغيرك أنت , لذا كان من الطبيعي لي أن أشك به مع ذلك إن أزعجك الأمر فأنا سأتقبله , فقط أريد التأكد أنه شخص جيد لا يورطك بالمشاكل ! "

ليو آمال رأسه بشيء من العبوس فلماذا هو يتحدث و كأنه غير موجود حتى ؟! هو إنشغل بالتذمر حرفياً بداخله حول سلوكه حتى شاهد آلفين يفرد يده أمامه و كأنه يحاول حمايته حتى من الكلمات لتتسع عيناه قليلاً قبل أن يبتسم بخفة و إمتنان , هو فقط يكفيه هذا حقاً , وجود آلفين أكثر من كافٍ له ليتمكن من البقاء واقفاً مهما كان الوضع الذي يجد نفسه به , و أفكاره مُجدداً إتخذت أمواج أخرى لركوبها مُفكراً بمتى حقاً أصبح هو من يقف بالخلف و آل أمامه , كيف إنقلب أمرهما هكذا ؟ هو تراجع كثيراً و رفيقه تقدم .

كلاهما ما عاد كما كان و كم يدرك هو هذا لكن لماذا عليه التفكير بهذا الآن , العودة لمثل تلك الذكريات تؤلمه حقاً أكثر من أي شيء آخر , تلك الحادثة بكل مرة يذكرها يشتعل بقلبه ألم من نوع آخر , ذاك النوع الذي يُغلف بالندم العميق و الإنكسار , تلك الحادثة كانت نقطة تحول لهما كلاهما , لكنها كسرت شيء ما بأعماقه يظن أنه ليس بقادر حقاً على إستعادته , ثقته إهتزت من أعماقها !

و مجدداً أخرجه آلفين من كل ذلك قبل أن يغرق أكثر عندما نطق بهدوء و جد :" أنا حقاً أقدر لك قلقك علي لكن ليو و أسرته هم السبب ببقائي على قيد الحياة حتى هذه اللحظة ! هو الشخص الذي أمسك بيدي حتى تمكنت من الوقوف مُجدداً , أنا أعتذر عمي لكن المنزل الذي لا يقبل به يعني أنه يرفض وجودي أيضاً فأنا و هو كالشخص الواحد "

إختتم عبارته تلك بينما عكست حدقتاه كل ما يمتلكه من إيمان بعبارته تلك , بقدر ما كان إخراج مثل تلك الكلمات الصادقة و التي تعبر حقيقة عن مشاعره صعباً بالظروف العادية إلا أنها بدت أكثر سهولة بموقف كهذا , و من خلفه ابتسم ليو بشيء من الدفء بينما يشد على قبضة يده بخفة , هو رغب بالذهاب لزاوية ما لعدة دقائق على الأقل لإستعادة ملامحه المُعتادة !

تشارلز أخذ نفساً عميقاً قبل أن يبتسم بخفة ليمد يده لليو الذي نظر له بتوتر قليلاً قبل أن يمد يده هو الآخر لمصافحته ما إن ابتعد آلفين , الأكبر نطق بهدوء :" أظن أنك تعرفني مُسبقاً لكن , إسمي هو تشارلز عم آلفين "

أجابه بشيء من التلعثم :" تشرفت بمعرفتك , سوين ليو رفيق آل "

أخفض آلفين رأسه ليكبح نفسه عن الابتسام أو الضحك حتى على مظهر رفيقه المتوتر بشدة أو تلك النبرة التي أصدرها و الآخر عبس فور رؤيته لملامح آلفين تلك و كم رغب بالإتجاه إليه ليهتف له بأن هذا غير لطيف مُطلقاً !

إلا أن تشارلز شد إنتباه عندما نطق مُجدداً :" هيا دعونا ندخل للمنزل بدلاً من الوقوف هنا , ليو ستبقى لتناول الإفطار معنا و لا مجال للإعتراض "

أنهى عبارته ليتقدم أولاً مُنهياً النقاش بينما صدرت شهقة مُرتبكة من المعني فلماذا عليه الإنضمام لهم حقاً ؟ عاد العبوس ليحتل تقاسيم وجهه فور أن إقترب آل منه و كأنه يطالبه بإنقاذه من هذا إلا أنه همس له :" على الأقل يمكنني التأكد أنك تناولت شيء صحي "

ما إن أنهى آل عبارته حتى تذمر الآخر من فوره بهمس :" مريع ! أي نوع من الأصدقاء هو أنت ؟ أين ذهب كل ذلك الإمتنان قبل قليل ؟ أهكذا تعامل رفيق طفولتك هذا تنمر كما تعلم يا أخي "

و الآخر توقف للحظات قبل أن ينطق بنبرة مُهددة جادة :" ليو سوين تحدث مجدداً عن ما حدث هنا و أقسم لك لن تعجبك النتيجة "

أراد أن يعبس و يكمل تذمره إلا أن ضحكة خافتة هربت منه , يدرك أكثر من أي شخص آخر أن لو الأمر عائد لآلفين لأفقده ذاكرته ربما على أن يتذكر تلك الكلمات التي قالها عنه تواً , لا يمكن لشخص يفضل إبقاء مشاعره و رأيه بأعمق نقطة بقلبه أن يتقبل هذا , لذا نطق بهمس و نبرة مُستاءة مُصطنعة :" أكان علي تصوير ذلك ؟ إلهي لما نسيت فعلها ؟! "

أنهى عبارته ليصدم بقدم رفيقه تدوس على قدمه بشيء من القوة قبل أن يسبقه للداخل و هو شهق بألم قبل أن ينحني قليلاً بينما يهمس :" متنمر ! "

*
رفعه من ياقة قميصه بينما يصرخ بتهديد :" أنت أيها الطفل أتظن أن هذا الأمر قد يمر بسهولة !؟ "

حدق المعني به بنظرات خالية من الحياة تقريباً دون أن يُبدي أي ردة فعل تلائم و حجم الخطأ الذي ارتكبه تواً و الذي قد يودي به و من معه إلى خلف القضبان مُباشرة لو لم يصحح من معه ذلك !

الفرد الثالث تدخل بينهما ليُبعد يد رفيقه عن الأصغر بينما ينطق بشيء من السخرية :" دعك منه الآن ، لقد نجحنا لنرفع ما فعله كتقرير للزعيم فحسب و هو من سيتصرف "

نظر هنري لهما بشيء من الحدة بينما يُبعد يد من يُمسك به ليسير مُغادراً المكان فحسب و من خلفه نطق الأول بإنفعال :" من يظن هذا الطفل نفسه ؟ أكان عليك التدخل حقاً ؟ "

حرك الآخر يديه بلا إهتمام بينما يجيبه :" مما أنت غاضب ؟ دعك منه فحسب إن تكرر وجوده معنا بمهمة أخرى و هذا أمر نادر الحدوث حينها سنتخلص منه ببساطة فالزعيم حقاً لن يهتم بموت إحدى الحشرات ! "

ابتسم الآخر بشيء من الرضى بالنهاية ليغادر هو و رفيقه المكان أيضاً و بجانب آخر كان هنري يسير بخطوات هادئة يقسم من يراها أن صاحبها يعيش حياته بسلام تام غير مُدركين حقيقة تلك العواصف التي تندلع بين كل ثانية و أخرى بأعماق روحه و فكره , هو كان يشعر بفراغ شديد , لا يعلم ما عليه فعله و إن كان قد حدد هدفه تالياً , لكن خطواته ترفض إطاعته , عقله بدى كما لو أنه تجمد تماماً , أفكاره ؟! هو حتى غير واثق بما يفكر به , يعيش بحالة ضياع لا يعلم ما نهايتها حقاً .

و قطعاً دخوله للمنزل لم يخفف أي من ذلك عنه , هو أدار مُقلتيه بالأرجاء مُحدقاً بالفراغ بشرود تام مُبحراً بتلك الذكريات التي جمعته مع ابتسامته و روحه الأُخرى , سار بخطوات بطيئة حيث غرفة النوم هو توقف أمامها يحدق بكل الزوايا قبل أن يهمس :" لم يعد إذاً ! "

بالنهاية هو ألقى بجسده على فراشه بينما ذكرياته تستحضر الكثير من المواقف المختلفة , تحية شقيقه له بإبتسامة لطيفة فور وصوله للمنزل , نومه أحياناً بينما ينتظره عند مائدة الطعام , شعوره بالإطمئنان عندما كانت أصابع هاري تعبث بخصلات شعره كما كان يحب أن يفعل , شقاوته التي كان يظهرها بين فنية و أخرى كما حدث عندما أيقظه ذات مرة بالقفز فوقه أو كما فعل عندما أحضر له الطعام للحديقة , كل هذا قاده للتفكير أشقيقه بخير الآن ؟! كيف أمضى الليلة السابقة ؟ أين هو ؟ ما كان يرتديه ثياب خفيفة فهل وجد لنفسه مكان جيد للنوم به قبل أن يحل الظلام ؟!

هو حقاً لم يشعر بتلك القطرات التي غادرت مُقلتيه إلا بعد جفافها ربما ؟! و مع هذا هي ما أخرجت جزء من الفراغ و الألم الذي يشعر به فهو بحاجة للمزيد لكن لا ! ليس هذا هو وقت البكاء مُطلقاً بل سينتقم من العصابة التي أجبرته على الوصول ليوم كهذا , كل ما أراده هو العيش بسلام , كان ليقبل بأقل حياة ممكنة فقط لو أنهما بأمان من كل هذه الأمور , لو أن كل هذا لم يحدث لكان الأمر مختلف و لما كان ليسمح لتلك اليد بأن تُفلت من يده مهما فعل .

*

تنفس بعمق شديد بينما كان يضع رأسه على الطاولة أمامه ، لا يوجد أي زبائن و صاحب المتجر ليس هنا و مجريات الصباح تستمر بالظهور بعقله !

و بكل مرة يذكر أمر ما يعبس بلا إرادة منه ، ذلك الإفطار كان كارثة ربما ؟! ليس بالمعنى الحقيقي لكن كل شيء مر بسرعة لم يتمكن هو مُجاراتها حقاً ، لا يعلم كيف تمكن من الحفاظ على هدوء ملامحه و ابتسامته !

تنهد للمرة الألف بينما يذكر أهم ما دار هناك ، عم آلفين كان يختبره بالكامل ، كل كلمة نطق بها او حتى كل نظرة أطلقها بالأرجاء كانت تحت مراقبته ، متى آخر مرة شعر بها بضغط مماثل حقاً ؟

و بالرغم من كل هذا هو لم يكن يعترض حول هذا حقاً ، لسبب ما شعور بالراحة كان يتسلل لأعماقه ، فكل ما حدث يدل على اهتمام عمه بالفعل و هذا يسعده فقط .

مشاعره عندما طلب منه أن يعده بالنهاية بالحفاظ على آل و ابعاده عن المشاكل كانت مختلطة بالكامل ، بالبداية هو استنكر الأمر فالعكس ما يفترض به أن يحصل ! هو من عليه أن يعطيه وعداً بإسعاده و الحفاظ على رفيقه فهو أخذه منه !

لكن سرعان ما أبعد ذلك الشعور الغريب لأعماقه و قَبِل بذلك بابتسامة لطيفة ، ليس لإنه تنازل حقاً و إنما شعوره ذاك بالاطمئنان على رفيقه هو السبب ، هو وضع ثقته به فحسب .

فتح عيناه ما إن بدأ هاتفه بالرنين مُعلناً عن إنتهاء موعد عمله ليغلق المكان على عجل وينطلق للمنزل , الجو كان بارداً بشكل لا يطاق كما أنه إبتل بالكامل فقط ليصل لموقف الحافلات , و ربما لو تواجد آل برفقته لما توقف عن التذمر فلماذا هو عليه المرور بكل هذا و صغيرته تشعر بالخمول بسبب ركودها ذاك ؟!

بالنهاية و فور وصوله للمنزل هو أخذ حماماً دافئاً ثم أجبر نفسه على شرب كوب من الحليب بالكاد ليتجه لغرفة الجلوس و التي إنقلبت بطريقة ما لغرفة نوم له ممارساً طقوسه المُعتادة بفتح التلفاز و البحث بين قنواته حتى يسقط نائماً .

نومه ما كان مُزعجاً حقاً بل هو حتى لم يشعر بنفسه عندما غرق به فليلة الأمس حملت الكثير حقاً له إضافة إلى أنه فضل البقاء مُستيقظاً يعبث بخصلات شعر آلفين الذي غفى عله يبعد عنه و لو القليل من التعب .

و من جهة أخرى و على خلافه لم يكن آلفين قد إستغرق بالنوم حقاً , أفكاره بدأت بالعبث كعادتها تغرقه بين أمواجها المُتلاطمة بلا أي سبيل للهروب منها , تلك الأفكار سارت ما بين التفاؤل و اليأس المُطلق , لا يدرك كيف سينتهي كل هذا لكن يعلم على الأقل الآن أن هناك عدو ما لازال يجول باحثاً عن المشاكل !

*

و كأي صباح روتيني لهما سار كلاهما معاً بينما أغلق كل منهم على أحداث الأمس و ما قبله لفترة غير معلومة الأمد , آل كان يسير بينما يستمع لحديث رفيقه حول العمل و غيرها و بعض المواقف التي حدثت معه هناك , هو بالفعل لم يكن صباحاً مُختلفاً عن بقية الأيام التي إعتاد كلاهما على قضائها هنا !

ذلك الهدوء ما كان ربما سوى هدوء يحمل بطياته عاصفة تهب من العدم بطريقة مُباغتة , ليو إتجه لمحاضرته الأولى و قد أبعد إبتسامته اللطيفة تلك ليضع ملامح لا مُبالية من حوله , ربما المقصود سيفهم أنه حقاً لا يهتم بشأن تلك المُحادثة القصيرة التي يتمنى لو تتوقف بينهما .

هو جلس على مقعده بينما يحدق حوله , للحقيقة سيتو لم يظهر مُنذ بداية الفصل الدراسي ! أهو مُستاء لهذه الدرجة حقاً ؟! ابتسامة ساخرة إرتسمت على وجهه بينما يضع دفتره أمامه ليستعد للنوم فوقه حتى قدوم المحاضر إلا أن ذلك فسد تماماً عندما وصل لمسامعه صوت شخص تمنى لو أنه لم يتسائل عنه تواً :" ليو ! مُبارك تلك النتيجة أراهن أن عمي فخور جداً ! "

رفع المعني رأسه يحدق بتلك الابتسامة على وجه من أمامه و لسبب ما هي ما أشعرته بالراحة مُطلقاً لتحتد ملامحه بلا إرادة منه ليردف ابن عمه بخفة :" ماذا ؟ أقوم هنا بتهنئتك ليو لا تنظر لي بهذه النظرة ! أتمنى فقط أنها كانت من جُهدك بالكامل , لا أقصد أي سوء لكنك الأمر أشبه بقنبلة ! تمنيت لو أرى لحظة علم عمي بها ! أراهن أنه حتى لم يصدق ذلك ! "

أنهى عبارته ليضحك بخفة و يبتعد , و ليو رفع أحد حاجبيه بإنزعاج , هو حقاً لم يفكر بالأمر , آل هو من أخبر والداه لذا لم يرى تلك النظرة بعيناه ؟! أكان يشك بالنتيجة أم أنه صدقها فوراً ؟!

على الأغلب فعل فمن أطلعه على النتيجة كان آلفين و لا سبب لديه للكذب , تنفس بعمق فهذا حقاً لا يهمه , لكنه يعلم أنه غير مرتاح مُطلقاً لتلك النظرة اللعينة بعيناه , لطالما كانت تعني ابتسامته المُصاحبة نظراته تلك بأن هنالك مصيبة ستحل عليه , و كم يتمنى أن لا تكون أمراً يجعله عاجزاً عن الصمت أكثر لتحطيم رأسه !

هو أخذ نفساً عميقاً لتنطق آنجيلا بهدوء :" هذا كان مثير للريبة ! "

إنتفض هو من مكانه بالبداية قبل أن يحدق بها سريعاً بينما يهتف :" منذ متى و أنتي هنا ؟ "

حدقت به قليلاً لا تعلم أعليها إخباره بما سمعته صباحاً أم تتركه يكتشف الأمر بمفرده ؟! و هو كان يراقب ملامحها بهدوء , لماذا تبدوا منزعجة حقاً ؟ بالنهاية هو أسند ظهره لمقعده بينما تحدث بنبرة شبه باردة :" إن كان الأمر يتعلق بالحمقى الذين يجلسون ببداية الصف الأول و يظنون أنفسهم أكثر من مهمين لإنهم تمكنوا من إحضار معلومات حول أنني كنت بالسجن مرة فلا داعي لإنني أعلم بالفعل ! "

إتسعت عيناها قليلاً قبل أن تنطق :" ألا يفترض أن تفعل أمر ما قبل أن يعلم الجميع هذا ؟ لن يطول الأمر حتى يكتشف بعضهم أن السبب كان جريمة قتل كما تعلم و حينها ستصبح منبوذاً بالكامل هنا "

أسند رأسه لكفه بينما ثبت عيناه عليها و هو ينطق بلا مُبالاة :" ثم ماذا ؟ ألا يجعل هذا الأمور أكثر سهولة ؟ لا أحد حينها سيجرأ على إيقاظي من نومي حتى الأساتذة "

أشاحت بوجهها سريعاً و بدأت بالسير مُبتعدة بينما تنطق بإنزعاج :" لا أصدق أن هناك شخص يمتلك مثل هذا البرود "

هو أغمض عيناه و أعاد رأسه لمكانه على الطاولة , هو سمعهم صباحاً فقط بالصدفة تفاجأ بالبداية حقاً من سرعة حصولهم على تلك المعلومات لكنه يدرك من الذي يسربها لهم بهذه السرعة , لذا حقاً هو لا يهتم فقط سيراقب إلى مدى يمكنه الوصول و إن ساء الأمر لن يمانع أن يضاف إسمه لقائمة الجرائم التي إرتكبها , بل و هذه المرة سيحصل على حكم قتل متعمد مع الترصد أيضاً !

تمتم لنفسه :" تبدوا تهمة تستحق أكثر مما حدث بالماضي ! بل يفترض إعطائي وسام شرف لتخليصهم من مختل ما ! "

و بذات القاعة من جهة أُخرى عاصفة من نوع مختلف كانت على وشك الهبوب لاسيما مع دخول تلك الفتاة التي بدى جلياً أنها ما كانت تنتمي للجامعة ليس قبل أن يمر عليها عامين على الأقل , خُصلات شعرها ذات لون البُن الداكن كانت تنسدل بكل خفة و حرية , بينما عيناها الزرقاوتين إختلط بهما الكثير من شخصيتها , نظراتها ما كانت سوى واثقة توحي لمن أمامها أنه مهما بذل من جهد معها فهي لن تنفذ سوى ما يدور برأسها و بأي حال أليست هي ذاتها التي عجز حتى واحد من أكبر القضاة على جعلها تخضع لكلامه ؟!

آنجيلا إتسعت عيناها بصدمة حقيقية ما إن رأتها و هي ابتسمت بشيء من الثقة قبل أن تقترب منها بينما تهتف بصوت مُرتفع نسبياً :" إذاً آنجيلا ! أظن لنتوقف عن العبث إلى هنا و خذيني لأخي آلفين الآن ! "

تلك النبرة الواثقة إضافة للكلمات التي صدرت منها جعلت ليو يرفع رأسه سريعاً مُحدقاً بتلك الفتاة التي ظهرت من العدم فجأة ! هو همس بصدمة حقيقية :" إيزابيلا ؟! ماذا تفعل هنا ؟ "

لم يكن ليو الوحيد الذي جذبه ذلك الحديث بل إلتفت معظم القاعة إليهما لمراقبة ما يحدث و من بينهم كان سيتو يحدق بلا إهتمام حقيقي , و هذا بمفرده جعله ينهض سريعاً ليمسك بيد تلك الفتاة بشيء من القوة مُخرجاً إياها من القاعة بالكامل و من خلفهم نهضت آنجيلا سريعاً !

هو أوقفها بحديقة الكلية بينما يتأمل وجهها بحدة , لا يعجبه هذا حقاً ماذا تفعل شقيقة آل الصغرى بالجامعة ؟ بل و تريد رؤيته ! ليس و كأنه يمانع لكن ألا يعني هذا أن والدا آل قد يعلمان ؟ هو لا فكرة واضحة لديه حول ما حدث مع آل و لماذا لم يعد لمنزله بعد السجن لكن يدرك أن ما حدث هو أمر آلمه و بشدة إذاً أليس من الخطر توسع معرفتهم بوجوده هنا ؟!

و بالمقابل هي كانت ترفع أحد حاجبيها بضيق شديد و إستياء , فمن يظن هذا المُختل نفسه ليفعل هذا ؟! هي قامت بتدليك يدها حيث كان يجرها لتخفف الألم بها بينما هتفت بقوة :" من تظن نفسك لتمسك بي بهذه الطريقة ؟ أتدرك أنه يمكنني رفع دعوى قضائية ضدك ؟ "

ابتسامة ساخرة إرتسمت على شفتيه بينما ينطق بنبرة ساخرة :" و هل سأتشرف بأن يتم الحُكم علي من السيد جين بنفسه مرة أخرى ؟ "

هي قطبت حاجبيها بشيء من الشك , أقال مُجدداً ؟ ألا يعني هذا أنه عدو لوالدها ؟ أرادت أن تُجيب لولا أن آنجيلا وقفت بالمنتصف بينهما و هي تنطق بشيء من الإرتباك :" يكفي كلاكما ! أولاً ليو يمكنني أن أضمن لك أن عمي لا يعلم حتى بوجود ابنته هنا أو بما تفكر به لذا إن كنت قلقاً من معرفتهم بأمر آلفين هذا لن يحدث !"

صمتت قليلاً لتردف و هي تحدق بإيزابيلا بإستياء شديد :" و هل تعلمين ما هي ردة فعل عمي إن علم أنك هربتي من المدرسة ؟ و أيضاً هذا الفتى هنا هو صديق آلفين المقرب "

تلك الكلمات بدت سحرية إذ أن المعنية ابتسمت فجأة و تقدمت لليو تمسك بيده لتجذب إنتباهه بينما تنطق بمرح :" كان عليك قول ذلك من البداية ! إذاً أين أخي ؟ أريد رؤيته حالاً "

قطب حاجباه سريعاً بينما يبعدها بشيء من الرفق :" و ما هو الضمان الذي ستقدمينه لي بأنك لن تتسبي لآل بالمتاعب ؟! "

آمالت برأسها قليلاً بينما تجيب بملل :" أنظر إلي أعرض نفسي لعقوبة ما بسبب هربي من المدرسة هنا فقط لرؤيته أهناك شخص ما بالعالم يفعل ذلك فقط ليسبب لغيره المتاعب ؟! "

أجابها سريعاً :" أعرف شخص ما مُستعد لإيقاع نفسه من أعلى جبل ما إن كان هذا يعني نهاية حياتي أو مستقبلي ! "

هي نظرت له بإستنكار شديد قبل أن تتحدث بصوت شبه هامس إلا أنه وصل لمسامعه :" لا علاقة لي إن كان من تعرفه مريض نفسي "

أنهت عبارتها لتكتف يديها بينما تنطق :" إذاً هل ستأخذني لأخي أم أذهب و أبحث عنه بكل الكليات الموجودة ببساطة ؟ "

نظر ليو لآنجيلا ليراها تحدق بمن أمامها بإرتباك شديد , هي تعلم تماماً أن من أمامها مُستعدة لفعلها و لو عنى ذلك هربها من المدرسة بكل يوم و قضاء الوقت هنا بالبحث عنه , مما دفعها لتبادل ليو النظرات بنوع من الرجاء لأخذها إليه فحسب فهي إكتشفت الأمر بأي حال ! ثم ليس و كأنها لن تأتي لمنزلهم فجأة و تراه !

تلك الأفكار خطرت بعقل ليو الذي أخرج هاتفه يرسل لآلفين رسالة ما تطالبه بأن لا يدخل لمحاضرته الأولى بل أن يُلاقيه بساحة الكلية التي يدرس بها فحسب , أنهى كتابتها ثم سار برفقة آنجيلا و إيزابيلا بينما معالم وجهه تفضح القلق الذي يسكن بأعماقه , ليس واثقاً مما يفعله , ثم ألا يعني هذا أنه يقدم شقيقه للمزيد منهم , لا يدرك حقاً أهذا جيد أم لا بقدر ما يعلم أنه إن حدث أي أمر سيء فسيكون عليه تحمل النتائج بالكامل لوثوقه بأي شخص و السماح له بالإقتراب من شقيقه .

و بجهة أخرى وقف آلفين بالمكان المُحدد بينما بدأ القلق يعتريه فلماذا قد يطلب ليو منه هذا ؟! أحدث أمر ما ؟ هو لديه الرغبة بالذهاب إليه بنفسه لكنه فضل الوقوف و إنتظاره ببساطة , بعثر خُصلات شعره قليلاً قبل أن تلتقط عيناه صورة لتلك الفتاة ذات السادسة عشرة عاماً تقف أمامه مُباشرة !

هو لوهلة عجز عن الرمش حتى , لا زال يذكر معالم وجهها جيداً فهو رآها أيضاً بذلك اليوم المشؤوم , أراد أن يقطع حقاً النظرات بينهما فهي غير مريحة له مطلقاً , و بالرغم من كل ذلك هو فكر بأنها كبرت حقاً عن آخر مرة شاهدها بها , عض على شفتيه ليبعد بصره لجهة أخرى , لابد أن تواجدها هنا صدفة بأي حال لذا ربما من الأفضل إنهاء الأمر و الابتعاد فحسب , هذا سيكون الخيار الأمثل له أيضاً ليتمكن من السيطرة على كل ما يعتليه من مشاعر و أفكار مُتشابكة .

يفترض بأنها شقيقته الوحيدة ، هي كانت مُدللة بالنسبة للجميع حتى له ، و رؤيتها هنا و الآن تحرك الكثير من المشاعر الخامدة بأعماقه و بالرغم من هذا لا يمكنه إتخاذ الخطوة الأولى ، هو لا يعلم حتى إن كانت كبقية الأسرة أم لا ؟ تحقد عليه أم لا تفعل !

لا يمكنه التكهن بما تفكر به و هذا بحد ذاته أوجد عاصفة بداخله ، لكن ربما يثق بأمر واحد فحسب هي جعلته يوقن أنه كان يشعر بالإشتياق و الحنين لكل ما حاول إنكاره قط .

و هي أفكارها لم تكن أفضل حقاً , خائفة بالفعل و إن أخفت ذلك بطريقة ما , متى كانت آخر مرة رأته بها ؟! منذ ذلك اليوم الذي جعلها تبدل كل ما كانت تمتلكه من أفكار , تدرك أنه ربما يحق له أن يكرهها فهي لم تفعل أي شيء , بل إختبأت فحسب تراقب ما يحدث .!

رؤيته يستدير ليغادر حركت جسدها بلا إرادة منها لتنطلق متشبثة به بقوة ، لن تسمح له بالذهاب ، ليس بعد الآن ، هي تغيرت كبرت و جعلت من نفسها أكثر قوة فقط لأجل يوم كهذا .

أن يغادر ببساطة بعد وصولها إليه و أخيراً و دون أي فرصة لتدافع عن نفسها أمر لا يمكنها تقبله مُطلقاً ، هذا يؤلم ، الوضع الذي أصبحا عليه بفعل كل تلك الظروف مؤلم لذا هي تشبثت به بقوة مانعة إياه من الرحيل .

أما هو فقد تجمدت حركته تماماً ، الصدمة ثبتته بمكانه و بالكاد نطق بشيء من التردد :" إيزابيلا ! "

أنهى جملته تلك لينتبه لتواجد رفيقه بفعل تلك الشهقة التي صدرت منه ما ان تشبثت إيزابيلا به .

ربما وجود ليو هنا جعله يتراجع قليلاً دون أن يُبعدها عنه بقسوة بإنتظار ما ترغب بقوله فإن كانت هنا لإنها تعلم بوجوده ألا يعني هذا أن هناك ما تريده ؟!

و هي صمتت قليلاً تحاول ترتيب كلماتها قبل التفوه بها لكن لم تجد ما تنطق به حقاً ، و مع ذلك أليس عليها الحديث ؟! أي نوع من المواقف هو هذا الذي وضعت نفسها به ؟

لا تدرك لماذا لكن كل ما فعلته هي الوقوف و النظر لملامحه و كأنها تحفظها بأعماق ذاكرتها لتبقى برفقتها مهما حدث اليوم ، هو حقاً كبر بشدة و يبدوا لها أكثر قوة أيضاً !

تلك النظرات جعلت آلفين يقطب حاجبيه بينما الشك مازال ينبثق من سائر جسده ، إلا أن ذلك لم يجعله يتحرك أو يبتعد بل إنتظر سماع الأحرف التي ترغب هي بنطقها مُتسائلاً بأعماقه هل اشتياقه لها هو السبب الذي يجعله يقف فقط أمامها مُستعد لأي حرف قد تنطق به و إن كان جارحاً ؟

ليو نظر إليهما بتردد ، أين ذهبت تلك الفتاة المختلة ذات اللسان السليط ؟ الآن كلاهما صامت و هذا يجعل الأمر أكثر تعقيداً حتى لذا سار ليقف خلف آل بينما ينطق بنبرة مُتذمرة :" لا تجعل هذه الفتاة تخدعك أخي فهي كارثة مُتنقلة ! لم ترها كيف اقتحمت الفصل ! "

رمش آلفين عدة مرات دون أي تجاوب حقاً منه بينما بالمقابل هتفت إيزابيلا :" من هي التي تصفها بالكارثة المتنقلة ؟ ألست من أمسك بيدي بقوة !؟ كن شاكراً أنني لم أقم بتحطيم يدك لك ! "

رفع المعني أحد حاجبيه بينما ازداد توتر الآخر فكيف انقلب الأمر هكذا ؟ هو حدق بليو بحاجبين معقودين لينطق رفيقه سريعاً :" هي تقول أنها هربت من المدرسة اليوم لتأتي و تراك ! "

هو أعاد بنظره إليها سريعاً لينطق باعتراض :" هربتي ؟! لحظة لا يجب فعل هذا إيزابيلا ! عليك العودة فوراً ماذا لو تسبب هذا لك بمشكلة ؟ "

هي أيضاً أعادت ناظريها إليه لتضحك بخفة بينما تجيب بشيء من الشقاوة :" لا داعي للقلق ، شقيقتك معتادة على هذا ! "

هي أرادت اضافة عبارة ما كيوماً ما سأهرب من المنزل للأبد إلا أنها فضلت حالياً الاحتفاظ برأيها لنفسها ، عليها أن تقترب منه تدريجياً لا أن تصدمه تماماً ربما ؟!

هي تقدمت من شقيقها أكثر تمد يدها إليه لتصافحه بينما تتحدث :" أظن أنه علي الذهاب لئلا أتسبب بتغيبك أيضاً عن دراستك أخي ، لذا دعنا نلتقي مساء اليوم بمنزل عمي موافق ؟ و صحيح هل لديك مانع من مناداتك بآل كما يفعل هو ؟ "

أنهت عبارتها تشير لليو الذي عبس سريعاً و أشاح بوجهه عنها ، أما آلفين فقد صافحها بينما يومأ إيجاباً دون ان يتحدث حقاً !

لازال تحت تأثير صدمته برؤيتها و ربما برؤية ما أصبحت عليه !

و هي كغيمة ماطرة تساقطت قطراتها بالأرجاء على حين غرة مُبلِلة إياهم بالكامل قبل أن تختفي تماماً و كأنها لم توجد قط ، هكذا كانت بتأثيرها ، رحلت إلا أن تلك القطرات الملتصقة بثيابهم كانت الدليل الوحيد على تواجدها .

إنتهى أمر اجتماعهم ذاك بالتفرق كل منهم لمُحاضرته و إن كان ليو لازال راغباً بالحديث مع شقيقه أكثر ليتأكد من أن ظهورها ما حمل بطياته الكثير من التأثير ' السلبي ' على الأقل .

**
لما دائماً عليه أن يكون أول من ينتهي من المحاضرات ؟! هو عبس بشدة بينما يخبر نفسه أنه سيطلب من آلفين الخروج مُبكراً من الآن فصاعداً !

تحرك من مكانه بخطوات شبه هادئة لشراء كوب من القهوة علها تبعد شيء من الصداع الذي يرفض تركه و شأنه ، ليس ممن يحبها حقاً و مع ذلك إن كانت ستجعله يصبح أفضل و لو قليلاً لن يمانع بشربها .

إرتشف القليل منها بينما يفكر بإيزابيلا و ال و كل ما حدث صباحاً ، هو لا يدرك مدى تأثيرها على أخاه لكن يعلم أنها لم تؤثر بشكل سلبي و إلا لكانت ردة فعله أكثر شراسة !

أي هو تقبل وجودها ؟ عبس بينما يفكر أنه لا يعلم أهو سعيد بهذا أم لا ؟ أيحاول مجاراة الوضع فقط ام أسعدته رؤيتها ؟

لا يمتلك أي أشقاء لذا حقاً لا يعلم كيف قد يكون شعور آلفين الآن ، مع هذا هو تنفس بعمق بينما ينطق بتذمر :" لكن آل بالنسبة لي أفضل من أي شقيق حقيقي ! "

تنهد بتعب بعدها و هو يفكر أيمكن وضع إيزابيلا بمكانته ذاتها أم أعلى بما أنها شقيقته حقاً ؟

كز على أسنانه بينما أخذ رشفة أكبر مما بيده و بدأ بالتحرك لحيث كان يقف ، لما هو يتصرف كالأطفال مجدداً ؟ أساساً لما عليه المقارنة بينه و بينها ؟ و الأهم ربما كيف سارت به الأفكار لهذه النقطة بدلاً من تفكيره بنفسية شقيقه ؟!

توقف و قد اتسعت عيناه بصدمة ما إن مد أحدهم عصى خشبية أمامه ، و هو حدق بصاحبها العجوز بريبة أولاً و شيء من الخوف الذي ما ظهر على ملامحه حقاً قبل أن يبتسم بسخرية و هو ينطق :" يا لها من طريقة لطيفة للفت انتباهي جدي "

و المعني حدق به بشيء من الاشمئزاز بينما يهتف سريعاً :" إياك و أن تطلق علي ذاك اللقب ! أنت لا تستحقه "

رفع أحد حاجبيه بإستنكار أولاً قبل أن يُجيبه بذات السخرية :" شكراً لإعفائي على إطلاق ذلك عليك كنوع من الاحترام الذي لا تستحقه ! لذا تنحى جانباً عن طريقي "

هو أراد أن يكمل كلماته تلك ، رغب بتهديده بتكرار ما فعله به مرة بالماضي لكنه كبح نفسه بالكاد يبعده عن طريقه و يبتعد هو ، ليس لأمر سوى أنه لا رغبة له بدخول المشاكل فوضعه أساساً ليس جيداً .

عاد للوقوف أمام البوابة الرئيسية و ما إن فعل بدأ هاتفه بالرنين ، هو أخرجه سريعاً مُتأملاً الرقم الذي ظهر على الشاشة ، هل وصل الأمر له بهذه السرعة حقاً ؟

عبس قليلاً قبل أن يُجيب واضعاً الهاتف على أذنه بنبرة حذرة :" مرحباً "

رد والده سريعاً بضحكة خافتة :" ما بال نبرتك هذه ليو ؟ تبدوا كطفل يدرك أنه قام بعمل خاطئ و ينتظر التوبيخ ! "

شهق المعني سريعاً بإحراج بينما يجيبه بعبوس :" فظيع لستُ طفلاً ، ثم ألست من لا يتصل بالعادة إلا للتوبيخ !؟ "

ضحكة أخرى وصلت لمسامعه جعلت عبوسه يزداد أكثر قبل أن ينطق والده :" ألم نقل أننا سنغلق ذلك السجل ؟ "

صمت المعني قليلاً غير قادر على الإجابة حقاً ، يشعر بأنه يرغب بإغلاق الخط فقط لكن ألا يجعله هذا طفلاً ؟!

لذا هو نطق بنبرة مرتبكة :" حسناً ماذا تريد ؟ "

أجابه بهدوء :" أخبرني كيف هي صحتك ؟ و دراستك ؟ "

آمال برأسه قليلاً بينما ينطق :" أنا بخير، و تعلم أمراً لقد رأيت والدك قبل قليل لذا ظننته اتصل بك فوراً "

قطب حاجبيه سريعاً و هو ينطق بريبة :" أبي ؟ ماذا كان يفعل هناك ؟ و ليو هل تجاهلته فحسب ؟ "

تنفس بعمق قبل أن يجيب :" حاولت تجاهله لكنه من بدأ ، من الفظيع أن تمتلك والداً مثله "

كلماته مستفزة ربما لكنه يرغب بمعرفة إلى أي حد يمكنه الوثوق بوالده و بذاك السجل الجديد الذي يقول أنه تم فتحه !

و الأكبر تنفس بعمق قبل أن يجيب :" لا أحد يختار والديه ليو ، لكنه أبي أيضاً و أقدر لك أنك تخطيته فحسب ، لذا أهو أزعجك ؟ "

أومأ سلباً بينما يبتسم بخفة لكل من ردة فعل والده المُفاجأة حقاً و لرفيقه الذي أصبح بجانبه بينما يجيب بتذمر :" لا تقلق لم يفعل ، كل ما قاله لا حق لك بأن تطلق علي كلمة جدي أو ما شابه ذلك ! يتحدث و كأنني أرغب بالإعتراف به كواحد "

ابتسامة لطيفة مزجت بالحزن ارتسمت على وجه الأكبر بينما يتحدث :" هذا جيد ، إذاً إعتني بنفسك و أوصل سلامي لآلفين "

هو أومأ إيجاباً و ما إن أغلق الخط حتى بادر آلفين بالسؤال بجد :" هل رأيت جدك ؟ أهو هنا ؟ ماذا أراد منك ؟ "

ابتسم ليو بخفة و صدق و هو يجيب :" لا تقلق يا أخي ! لا شيء سوى ما سمعته و لا اعلم حقا سبب تواجده هنا ! لذا لننسى الأمر و نذهب قبل أن تتاح لي فرصة رؤيته مجدداً و حينها قد أصاب بلعنة ! "

العديد من الذكريات طرأت على عقل آلفين جعلته يتمسك بليو مُحدقاً به بشك ، هو يعلم تماماً أي نوع من الأشخاص هم أسرة والده ، و يدرك التأثير الذي تركوه بقلب شقيقه لهذا اليوم لذا أيظن من أمامه أنه سيخدعه بقول أن كل شيء بخير ؟

ليو آمال برأسه قليلاً و هو ينطق بعبوس :" أخي ! أدرك إلى أي حد جدي شخص مريع لكن لن أسمح له بالتأثير علي مُجدداً ! ثم أنا لست بمفردي كما كنت بالماضي صحيح ؟ أنت الان برفقتي و ذاك العجوز أيضاً لم يقف بجانبه لذا كل شيء بخير حقاً ! "

أنهى عبارته ليمسك بيد شقيقه و يسير للخارج بينما كانت هناك ابتسامة مرحة يرسمها على ثغره ، ابتسامة من يعلم الى متى قد يتمكن من إظهارها حقاً !.

يتبع
أرجو أن يعجبكم 😍
الفصل من كتابة Coldsnow5

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top