بارت 11

جلس بالقرب من النافذة يحدق للخارج بشرود شديد , قلبه لم تهدأ نبضاته بعد و هو يرى بأنها لن تفعل قط , لازال راغباً بالبكاء بالرغم من أنه فعلها و كثيراً جداً لاسيما بالنسبة لشخصية تميل إلى كتمان و سجن كُل ما يؤذيها بأعماق قلبه حيث لا يسمح لتلك المشاعر بالخروج و رؤية السطح مُطلقاً , لكن ما يمر به الآن هي ظروف غير إعتيادية , مشاعر لا يرغب بتجربة تذوقها مُجدداً أبداً , وجهه لازال شاحباً و بقوة , هو يشعر بأنه مرهق من كل شيء بهذا العالم حتى نفسه !

نظر للخلف ما إن شعر بحركة ما تحديداً بالقرب من ذلك السرير الطبي حيث يقبع توأمه و أسرته الوحيدة , الشخص الذي تمكن بجدارة من تحطيمه و ثقته بنفسه بفعلته تلك , هو و منذ تلك اللحظة يبحث بذكرياته عن مواقف أخطئ هو بها لتقود توأمه للإنتحار , كلمات ذاك اللعين الذي يفترض أن يكون والدهما لازالت ترن بأُذنه محطمة إياه أكثر فأكثر .

الآخر و الذي استيقظ تواً أراد رفع يده بحركة عفوية عله يمحو أثار النعاس بهما إلا أن تلك اليد تجمدت عندما مُقلتيه أبصرتا تلك الضمادة حول معصمه !

هو بدى و كأنه استعاد ذاكرته تواً فسكنت حركته تماماً مُتأملاً نتيجة ما فعله ، عقله كان متوقفاً عن التفكير تماماً هو كان يحدق بها بشرود شديد ، لا يعلم كيف يشعر الآن سوى أن دقات قلبه تتزايد ، هو فشل ؟! عندما إستيقظ أول مرة مُطالباً برؤية توأمه لم يكن يذكر أي شيء سوى تلك المهمة فصرخ مُطالباً بتواجده الآن بإنهيار شديد .

وما فكر به تالياً مع ابتسامة شبه ساخرة بأنه أخفق حتى بالموت أم أن الموت يرفضه أيضاً ؟! و لكن شقيقه لم يفعلها بالنهاية ، ربما دائماً يمكنه تكرار ما فعله بالسابق و بهذا لن يقتل أبداً لكن ماذا لو لم يحدث هذا !؟ ماذا لو ضغطوا عليه أكثر بالمرة القادمة ؟ أو حتى سلبوا حياته منه بسبب فشله ؟

الرعب إحتل تقاسيم وجهه لعدة ثوان قبل أن يُظهر على ملامحه نظرة حملت الكثير من الألم و الاستياء وجهها نحو معصمه كأنه يعاتبه على إخفاقه ، الآن كل ما نجح بفعله هو زيادة مشاكل توأمه واحدة بدلاً من إزالتها للأبد .

هنري راقب كل تقلبات وجهه ، علم أن شقيقه ليس نادماً و لو بدرجة واحدة و هذا جعله يعض على شفتيه بقوة بينما قطعت قدماه المسافة الفاصلة بينهما بسرعة ، وجهه عكس أدق معاني الألم ، الانكسار و الذبول !

أمسك بمعصم أخاه يُحيل بين الضمادات و مُقلتي توأمه بينما ينطق بنبرة بذل الكثير من الجهد حقاً ليجعلها هادئة بعيدة عن كل عواصف روحه :" كيف تشعر الآن هاري ؟ "

هاري كاد يشهق بالفعل ما إن وضعت يد شقيقه على معصمه ، هو لم يلاحظ أنه معه بذات الغرفة حتى ، فقط ثوان قليلة و سحب يده برفق من يد توأمه و هو ينطق بصوت لم يخلو من التعب بعد :" أنا مازلت بخير كما ترى للآن ! "

عيناه إتسعت لثوان معدودة و هناك آلاف الكلمات تجرح حنجرته مُطالبة إياه بالتحرر علها تعبر عن ما يدور بخلده من عاصفة لم ينتبه لها من أمامه بعد ، لكنه أجبر نفسه على إبتلاعها بقوة شديدة مع كمية كبيرة من غصة ألم مريرة إضطر لتجُرعها مرة واحدة !

أغمض عيناه ليمنع عبراته من الإنهمار بالكاد بينما شفتيه رسمتا ابتسامة شاحبة و لا يدرك كيف ظهرت هو ينطق :" سعيد بأنك بخير ؛ لا تفكر بالذهاب لأي مكان ! "

الأصغر حدق به و بقسمات وجهه جيداً أراد أن يعلم لماذا توأمه حزين حقاً ؟! لا يفهم ذلك مُطلقاً ، و مع هذا هو أراد أن يُجيبه بأنه لن يفعل ، حاليا على الأقل إلا أن دخول الطبيب قاطعهما و الذي أشار لهنري بأن يتبعه لبعض الوقت و الآخر أعطى توأمه نظرة موافقة ما إن لمح التردد بين ثنايا زرقاوتيه .

*

عيناه الزرقاوتين حدقتا بالكتاب أمامه بشيء من الملل و التعب ثم نقلها ليأخذ نظرة خاطفة لرفيقه الذي إنشغل بكتابه بكل جد , هو ابتسم بخفة فآلفين دائماً ما يرغم نفسه إكمال كل ما يفعله بإتقان و جد !

هو أعاد بصره للكتاب أمامه , ليس و كأنه يرغب بالتكاسل لكن بحق آخر المُحاضرات هو تواجد بها جميعاً بل و قام بكتابة المُلاحظات لذا عقله للآن يحتفظ بتلك المعلومات , هو فقط لديه تلك الذاكرة التي تُمكنه من حفظ ما يُلقى أمامه بما أنه فهمه إذاً لماذا عليه دراستها ؟!

عبس يلقي بكتابه ليخفض آلفين كتابه وهو يتنهد بإستياء فعلى ما يبدوا هُناك جولة أخرى من التذمر و التي يكررها ليو بكل مرة يجتمعان به !

اليوم هو يومهما الثاني فقط بالدراسة و الامتحانات بمطلع الأسبوع المُقبل و قطعاً لدى آلفين أقل من درجة الإمتياز تُعد فشلاً ذريعاً .

نطق ليو أولاً مُدافعاً عن نفسه :" لقد تعبت آل ! و أشعر بالملل يا أخي ، لنتحدث قليلاً بعيداً عن هذه الكُتب المُملة "

رفع المعني أحد حاجباه بإستنكار تام و هو يُجيبه :" لست هنا لزيارتك ليو بل نحن هنا لتشكيل حلقة دراسة و هدفها كما تعلم هي أن لا نخرج عن محور الكُتب مُطلقاً "

عبس ليو من فوره و هو يتحدث بملل :" حسناً سيد آل سأذهب لإحضار بعض المياه إن كنت تأذن بهذا ! "

نهض من مكانه بسرعة إلا أنه ما إن كاد يفعل حتى شعر بدوار شديد أجبره على الهبوط أرضاً مُغمضاً عيناه بشيء من القوة لعدة ثوان فقط ، هو بعدها شعر بأن كل شيء يستقر مجدداً لاسيما بعد أن شعر بنهوض آلفين و إسناده لجسده بينما وجهه فضح الرعب الذي امتلأ فجأة بأركانه كما أن نبرته حملت معها كمية لا بأس بها من الخوف و هو يهتف :" أنت بخير ؟! بما تشعر ؟ "

هو أنهى طرح أسئلته تلك بينما عسليتيه تلتهمان الشحوب الطاغي على وجه رفيقه و الذي أبعد جسده قليلاً عنه بينما رسم إبتسامة مرحة على شفتيه و هو يجيبه :" أنا بخير ! أراهن أن عقلي قد امتلأ بالمعلومات فأعلن إكتفائه بهذه الطريقة لذا لا للدراسة بعد اليوم "

أردف بعدها بخفة و بلا إنتباه ربما لكلماته :" الدليل أن هذا لا يحصل إلا داخل غرفة المحاضرات ! لذا لنستمتع فقط ! "

ضيق عيناه فجأة مُنقضاً على أحرف رفيقه بأفكاره قبل أن يعبس ليمسك بيده و هو ينطق :" هيا بنا "

هو أنهى عبارته ليجر الآخر خلفه بعد أن أخذ منه المفتاح الخاص بصغيرته ، ليو حقاً سار خلفه بكل هدوء و صمت بل إن الفضول طغى على لمعة عيناه ، أيرغب آل بالقيادة ؟ هو لم يفعلها منذ زمن بعيد بما أنه غير مهتم بذلك ، و لكن أكثر ما يثير دهشته حقاً هو هل توقفت حلقة الدراسة تلك الآن ؟

**

وقف أمام مكتب شقيقه و خُصلاته الشقراء تُغطي ملامحه لئلا تُظهر لأحد ما يفكر به , عيناه الزرقاوتين كانتا ذابلتين بشدة , بشرته إزدادت شحوباً بينما قلبه ينبض بقوة شديدة راغباً بالإنفجار و التخلص من كل ما يحدث حوله , لم يكن الأكبر مُنتبهاً أو مُهتماً حتى بما يدور بخلد الأصغر أو مشاعره و أحلامه التي رآها هو أكثر تفاهة من التفكير بها , إلا أنه نهض عن مقعده بينما إبتسامة خفيفة تميل للمكر أكثر من الود وهو يقترب من الأصغر واضعاً إحدى يديه على كتفه بينما ينطق بهدوء :" إيرنيست اليوم و أخيراً ستنطلق بمهمتك الأولى لتنضم لعمل العائلة الخاص بنا و لتثبت لي و لكل من يساوره شك بك بأننا جميعاً أخطأنا بتقديرك ! "

هو ابتعد يسير أمامه ذهاباً و إياباً كضابط عسكري يحقق مع مُتهم ما بينما يكمل حديثه :" لقد إطلعت بالفعل على نتائج تدريبك و كانت مذهلة بشكل لم أتوقعه أنا شخصياً , بقي التطبيق العملي الذي أعلم أنا أنه أصعب بقليل فقط لكن إيرنيست بعد أن تفعلها و تتناثر دماء ضحيتك الأولى ثق بي ستشعر بحرية لا يمكنك الشعور بها قط ! سترغب بتجربة هذا الشعور مُجدداً , هو يشعرك بأنك تقف على القمة و لا أحد يمكنه إيقافك , لا القوانين و لا العقوبات ! "

رعشة باردة سرت بجسد الأصغر الذي كاد أن يشهق فاضحاً دواخله و دموعه التي تقف بإستعداد تام للإنهمار بأي ثانية , تمنى لو أنه قادر على الهرب من كل هذا ! أليست هذه حماقة ؟! ما يتحدث عنه أليست غريزة حيوانية ؟! ألا يفترض بأنهم مميزون عن الحيوانات بالإنسانية ؟! هل إنقرض هذا المُصطلح بقلب شقيقه ؟! و هو الآن يحاول إعدامه بقليه أيضاً , أن يجعله مثله مُغلفاً بندم عظيم ثم للهرب منه يبرر الأمر لذاته مُجدداً حتى يغرق تماماً بلذة تلك الخطيئة .

قبض على يده بقوة عندما نطق شقيقه بعد أن تنهد بتعب فور رؤيته لصمته و إرتعاشته تلك :" إيرنيست سأحذرك لمرة واحدة فقط , إن لم تتمكن من فعلها فلا تقم بإعاقة العملية فهمت ؟! الشخص الذي سنتخلص منه اليوم مهم جداً , لذا إن شعرت بنفسك تضعف أغلق عيناك فقط و إضغط على الزناد مفهوم ؟! لا تهاون مطلقاً لدي بالإخفاق ! "

أنهى عبارته ليغادر المكتب بهدوء أما الآخر فقد إنهار أرضاً من فوره و قد إخترقت دموعه وجنتيه , تمنى لو أنه لم يولد قط , لا يعلم لماذا كان عليه هو إحتمال كل هذا دون غيره من البشر , لماذا هو فقد أسرته ؟ لما حُرمت عليه الحياة بطريقة طبيعية ؟! كيف أصبحت أحلامه التي تتمثل بعودته للمنزل بعد يوم دراسي مُتعب ليجد أمامه منزلاً دافئاً و أسرة لطيفة أمراً مُستحيلاً مع أن هذه واحدة من أقل الحقوق التي يجب أن يمتلكها ؟! بل كيف يرغب آخر فرد من أسرته تحويله لآلة خالية من أي مشاعر دون أي ذرة ندم ؟!

وقف بصعوبة مُستنداً على الأريكة خلفه بينما كفيه تمسحان دموعه و عقله يخبره بأنه يستحق كل ما يحدث معه هو حقاً إستحقه بجدارة , الحياة الكريمة و الدافئة التي يحلم هو بها حُرمت عليه بسبب تلك الخطايا التي تحملها أكتافه الواهنة , أليس هو الذي صمت حتى هذا الوقت ؟! أما كان بيده أن يرسل أي دليل حي يثبت إدانة شقيقه للشرطة و بهذا كان ليُنقذ المئات من الضحايا ؟! ألا يعتبر صمته هذا أنه شاركه بقتلهم ؟! أوليس ضعفه خطيئة تتوجب عقاباً قاسياً ؟! هو من أضلته شعلة الأمل بقلبه عن طريق الحق , لكن لحظة مُنذ متى و الأمل يضل عن طريق الحقيقة ؟! ألا يُعتبر إمتناعه عن تقديم شقيقه للمُسائلة جُزءاً من نقاط ضعفه ؟ خائفاً على نفسه من الوحدة لذا يقبل بإذلالها هكذا ؟! أوليس طريق الأمل هو الذي سيخبره بها بأنك ستجد ما يعوضك إن أنت إتبعت خُطاي خارجاً من بئر الظلام هذا !؟

و تلك الخاطرة التي مرت بعقله أوقفت سيل دموعه الساخنة تلك وقد تجمدت تعابير وجهه , هو لا يستحق حتى أن يبكي لأجل نفسه و بما أنه من تسبب لنفسه بهذا إذاً فليكن فبالنهاية ما ينتظره هو حبل يلتف حول عنقه يخرج روحه الملوثة هذه إلى الجحيم حيث يستقر بعذاب أبدي هو قطعاً إستحقه .

عدة دقائق فقط و إنطلق هو الآخر للأسفل مُنتظراً من سيقوده لمهمته المشؤومة و عيناه كانتا تفيضان عزماً فقراره قد إتخذه بالفعل !

*

عيناه الزرقاوتين هو أغمضهما بهدوء بعد أن طال غياب توأمه عنه , و ذاكرته أعادت له كلماته الدافئة الأخيرة ، ابتسم بشيء من الألم فشقيقه لطالما كان كذلك ، مليء بالدفء و الحنان ، يُحيطه بين يديه محاولاً اقتلاع أي جذور ضارة أمامه لحمايته .

فتح مُقلتيه فور شعوره بتواجد شخص آخر معه بالغرفة و لثوان معدودة هو ظنه توأمه لكن آماله خابت عند رؤيته لرجل كبير بالسن نوعاً ما يُطل من باب الغرفة للخارج بشيء من الحذر قبل أن يغلق الباب و يُطلق صوتاً يدل على ارتياحه !

و هاري انتصب بجلسته من فوره يحدق به بريبة شديدة ، و الآخر ذو العينان العُشبيتان شعر بحذر الفتى و تردده لذا رسم ابتسامة لطيفة و كم بدت مُلائمة له ، فلو أنه لم يقم بالدخول بطريقة مريبة لما أذنت ملامحه الباعثة على الإطمئنان بوصفه بالمُريب !

الرجل خُصلاته كانت بيضاء ناصعة بعد أن غزاها الشيب بالكامل ، عيناه واسعتان و تبعثان كمية كبيرة من العطف و خطواته كانت رزينة هادئة ، هو وصل ليقف قرب السرير قبل أن ينطق بإبتسامته اللطيفة تلك :" أعتذر بشدة لأنني تسللت لغرفتك هكذا ، فقط اسمح لي بإمضاء بعض الوقت هنا حتى يرحل شخص ما لا أرغب بمقابلته "

رد هاري تلك الابتسامة بطريقة لا شعورية و هو يشير إليه للجلوس على المقعد بجواره بينما ينطق بهدوء :" لا مشكلة سيدي تفضل و إسترح قليلاً "

تلك الإبتسامة الودية التي رُسمت على شفتي هاري أنبأت من أمامه أن هذا الصغير شخص إجتماعي و يسهل الإحتكاك به , هو جلس على المقعد بجواره يراقبه لعدة دقائق قبل أن ينطق الرجل :" لماذا أنت هُنا يا صغيري ؟ تبدوا لي صغيراً على أن تُصاب بمرض ما ! "

حدق هاري بشيء من التردد بينما رفع معصم يده يحدق به بهدوء شديد و إن لم يكن هناك أي ندم يغلف قلبه على تلك المحاولة لكنه يشعر بالخجل حقاً من إطلاع أحدهم على ما فعله , لكن ألا يدل هذا على أن فعلته هذه خاطئة ؟! مع ذلك أي بديل كان يمتلكه ؟

الرجل نطق بشيء من الإستياء و الحيرة الصادقة :" إنتحار !؟ لكن لماذا شاب يافع مثلك يحاول فعلها ؟ "

هو نظر له بحاجبين معقودين فلماذا عليه حقاً الإجابة وكيف قد يفهم من أمامه أياً مما يشعر به ؟! و مُجدداً نطق من معه بينما عُشبيتاه تفترس كل حركة يقوم بها الأصغر :" لا أعلم ما مررت به هذا مؤكد , و لا يمكنني أن أشعر بمشاعرك فالحقيقة لا أحد يشعر بالآخر إلا ما ندر فقط ! "

إلتفاتة سريعة قام بها هاري بعد تلك الجملة لتقابل عيناه عينا من أمامه فكيف هو علم ما يفكر به تماماً ؟! و هذا شجع الآخر على أن يُردف بكل لطف :" لكن أنظر لهذا أنا و أنت غريبان تماماً , قد لا نلتقي مجدداً أبداً يمكنك إخباري بما يزعجك ! "

لم يكن حقاً يعلم أنه قادر على الإبتسامة بسخرية شديدة إلا عندما رُسمت على وجهه واحدة بينما يفكر بأعماق قلبه و عقله أن هذا مُستحيل ، ماذا عليه أن يخبره ؟! أنه السبب بدمار حياة توأمه ؟!

أغمض عيناه بينما نطق بشيء من الهدوء و الاحترام :" أقدر لك هذا لكن لا رغبة لي بالحديث "

أومأ له بتفهم قبل أن يتحدث بنبرة عاطفة :" لك حرية الإفصاح من عدمه ، يمكنك قول أمور غير مباشرة تخرج بها القليل من قلبك الذي أثقلته بالهموم "

شعر بأنه على وشك البكاء ، يريد حقاً أن يتحدث مع أحدهم و يخبره عن حقيقة تلك الكوابيس ، أن يشكو ظُلم و مرارة الأيام التي اضطر لعيشها و من عمر صغير ، أراد من يمسك بيده ليخبره أن كل شيء بخير ، سيأتي يوم ما بالمستقبل تجلس و توأمك به معاً بسرور !

عض على شفتيه وكأنه يمكنه السيطرة على دموعه بهذه الطريقة بينما نطق بصوت مرتجف بفعل كتمانه لدموعه :" كيف يمكنني أن أصبح أكثر قوة ؟"

أنهى سؤاله ذاك مع إنهمار بضع دموع من مُقلتيه بينما سأله الرجل بخفة :" لماذا تريد أن تصبح أقوى و هناك من يحبك كما أنت ؟ "

نظر لمن أمامه بضيق شديد و هو يهتف وسط دموعه :" أريد تحقيق المُستقبل الذي أحلم به ! إن لم يتواجد لا أريد أن أتواجد أنا أيضاً ! إما أن أتواجد أنا و ذاك الحُلم أو لا داعي لتواجدي بالمستقبل "

يديه كانتا ترتجفان بقوة تنبأ الجالس بقربه عن أنه فقد السيطرة على أعصاب جسده كما أنه بدأ ينهار ، أراد أن يُعيد له جزء من تماسكه و شغله عن فكرة عدم التواجد لذا نطق بصوت هادئ :" ما هو ذاك الحُلم ؟ "

هدأت ملامحه فجأة مُستذكراً حلمه البسيط بينما ينطق بصوت خافت :" أريد أن أعيش مع أخي بهدوء و سعادة ، لا يهمني أي أمر آخر حقاً "

ابتسامة لطيفة حلقت على ثغر المُقابل له بينما ينطق مُختتماً حديثهما القصير ذاك ناهضاً من مكانه :" و أنت اخترت الهرب قبل هروب حلمك ! لازال تحقيقه ممكناً فالمستقبل لم يأتي بعد و كلاكما معاً ، لا أعلم ماذا يخيفك لكن الانتحار كان خياراً لك صحيح ؟ ربما نجاتك هي تنبيه أنه الخيار الخاطئ و عليك الآن البحث عن بديل آخر ! "

أنهى عبارته بابتسامة مُشجعة ثم غادر تاركاً هاري غارق ببحر من الأفكار المُتلاطمة !

و بجهة أُخرى بمكتب الطبيب المسؤول عن حالة هاري جلس توأمه الأكبر أمام تلك الشاشة التي تعرض له ما يحدث بغرفة توأمه ، عيناه عكستا الكثير من الألم و الحزن و هو يتابع ذاك الحوار الدائر ما بين شقيقه و الرجل الآخر .

هو ما إن أخرجه الطبيب أعلمه بأن توأمه يجب أن يُعرض على طبيب نفسي لمُعاينة أولية تحدد إن كان سيُلزمه بالعلاج أم لا !

و مع أنه رفض و بقوة أن يحصل شقيقه الأصغر على العلاج النفسي إلا أن فكرة حديث أحدهم معه ليكشف القليل مما حمَّل توأمه على الانتحار جعله يوافق على ذلك .

لذا ما إن استجاب هاري للطبيب حتى أصغى هو بكل جوارحه لتلك الكلمات التي تصدر من جوف صغيره ، و مع ذلك لم يستطع إبعاد ملامحه الحزينة عن وجهه فهو لم يتخيل و لو لثانية أن يعيش يوماً طويلاً كهذا مليئاً بالكثير من النكبات !

عيناه إتسعتا بشدة و مشاعره اختلطت بالكامل فور سماعه لحلم هاري الذي يطالب به ، عيناه جمعتا مقدار لا بأس به من الدموع و هو يستشعر مدى فشله حنى بتحقيق حلم بسيط كهذا للإنسان الوحيد الذي يهتم لأمره .

و مع رحيل الطبيب من غرفة توأمه غادر هو الآخر مُسرعاً لخارج المشفى سامحاً لدموعه بالإنسياب على وجنتيه ، هو حقاً قد ينفجر أن لم يأذن لها بذلك ، يشعر بأن قلبه و مشاعره منقسمة تماماً ، جزء منه سعيد لإنه أراده بجانبه ، و آخر مُرتعب إن لم يتمكن من تأمين هذه الأمنية له أيكرر فعلته و يرحل إلى الأبد ؟ و ثالث شعور بالعجز إجتاح القدر الأكبر من كل ذلك !

لماذا هو فقط لا يمكنه تحقيق ذلك ؟ حلم بسيط كهذا ألا يمكنه تحقيقه لمن يعطيه بكل يوم بابتسامته و تواجده القوة و الأمل ؟

بالنهاية هو مسح دموعه و جلس قليلاً عله يستعيد هدوئه فالآن عليه الوقوف بجانب شقيقه و مساندته لا الانهيار بجواره !

**

ساد صمت موتر بالنسبة لليو خلال الطريق ، ملامح وجه آلفين و عيناه بالذات تُشعرانه بالقلق ، أخاه غاضب لكن أهذا الغضب بسببه هو ؟!

عاد يُحدق بالشوارع و البشر المارين من حوله حتى مر على عقله خاطرة ما جعلته يشهق كمن لسعته حشرة و هو ينطق بشيء من التذمر :" آل مهلاً الأمر حقاً لا يحتاج للذهاب إلى المشفى ! أأنت جاد بذلك ؟ "

لم ينظر آلفين إليه مُطلقاً بل قرر الاحتفاظ برأيه و كل أفكاره إلى أن يتحقق من صحة تفكيره ، لإنه يقسم أنها إن كانت صحيحة فهو سيجعل من يجلس بجواره حالياً مُتذمراً من كل شيء ويندم !

ليو حدق به بإستياء شديد و قطعاً هو ما كتم ذاك الاستياء بل نطق بغيظ :" أولاً ما تفعله يُعد عملية اختطاف ، ثانياً أنت تبالغ بردة فعلك حقاً ، بدلاً من التوجه لمكان أتعس من الجامعة او العمل كان عليك خطفي للبحر مثلاً "

و الآخر حدق به بحاجب مرفوع بينما ينطق :" سنرى بعد قليل إن كنت أبالغ أم لا لذا أوقف تذمرك الآن فهو بلا فائدة ، و ادعو أن يكون ما أفكر به خاطئ ! "

أنهى عبارته ليعيد بصره و كامل تركيزه على الطريق و قد بان بملامحه القلق و الإستياء بآن واحد ، مما دفع رفيقه لإبتلاع سيل تذمراته و اعتراضه على كل شيء لجوفه بما ذلك سؤال قصد به التهكم حول متى أصبح آل طبيباً ؟

مضى الوقت بعدها ليصل كلاهما للمشفى و ها هو ليو يجلس بغرفة الفحص بوجه عابس مُتذمر من كل شيء ، بينما آلفين وقف على بعد عدة خطوات من الطبيب و رفيقه مُراقباً ملامح الطبيب بدقة و قلق .

ثوان فقط و غادر الطبيب الغرفة مُمسكاً بيده ورقة الملاحظات الخاصة به و الزجاجة الصغيرة التي احتوت على ذاك السائل الأحمر ، و من خلفه نطق ليو بتذمر :" لقد آلمني ! هو حتى لا يجيد سحب الدم بشكل جيد ، كم هذا مريع "

اقترب آلفين منه بخطوات هادئة ليجلس على المقعد بجواره بينما الأول كان يغلق ازرار قميصه و يعيد ترتيب ثيابه ، عدة دقائق مرت بصمت تام ليقاطعها عودة الطبيب و هو ينطق بهدوء :" النتائج بحاجة لساعة تقريباً حتى تظهر و إن كان لدي فكرة عامة حول ما يحدث معك ! "

لم يجبه ليو فقد سبقه آلفين بالنطق بهدوء شابه بعض القلق :" ما هو توقعك ؟ أهو سيء ؟ "

ابتسم الطبيب له بخفة بينما يجيب :" لا يمكنني معرفة ما المدى الذي وصل إليه رفيقك بعد ! لكن سيد سوين أخبرني عن نظامك الغذائي بالعادة "

رمش ليو عدة مرات بينما شد آل على قبضة يده بقوة ، هو حقاً توقع نتيجة كهذه لذا وجه نظرة ساخطة لرفيق دربه و الذي فور أن رآها ابتلع رمقه بشيء من التوتر و هو يجيب :" الواقع أنا لا أتبع نظام معين "

هو لم يرد الخوض بالتفاصيل حقاً ليس و هو يستشعر كمية كبيرة من الرغبة بالقتل ربما تصدر من الجالس بجواره !

و قبل أن ينطق الطبيب بأي حرف وجه آل إليه كلماته بحدة آمرة :" ليو أجب على السؤال بشكل جيد ! "

عبس المعني وهو ينطق بِتذمر كطفل تم حصاره بالزاوية :" حسناً ، ماذا أفعل إن كنت أنسى تناول الطعام !؟ بحق لا أشعر بالجوع إلا نادراً و الحلويات أو البيتزا أكثر من كافية لسد ذلك "

أنهى جملته ليحدق بالطبيب الذي تنهد بهدوء و إستياء مُتجنباً النظر لملامح وجه آلفين و التي إزدادت حدة و غضب , حتى أنه شهق بإعتراض عندما غادر الطبيب الغرفة تاركاً إياه مع آلفين الغاضب , هو أكثر من يعلم أن رفيقه الآن على وشك الإنفجار بوجهه و بالفعل لم يطل إنتظاره كثيراً فما لبث أن سمع صوت آل الغاضب ينطق :"إذاً سيد ليو ؟! "

هو أخذ نظرة خاطفة على ملامح وجه أخاه قبل أن ينطق مُدافعاً عن نفسه :" أنت تعلم يا أخي أنني لم أقصد , أعني حقاً كثيراً لا يكون لدي الرغبة بتناول الطعام , أستيقظ بوقت شبه مُتأخر لذا لا للإفطار و الغداء نتناوله معاً بالعادة بكثير من الأحيان و قد أتناول بعض الحلوى كعشاء ! "

صمت قليلاً ليكمل بعبوس :" لا أمتلك رغبة لتناول شيء آخر , ماذا تريد مني أن أفعل ؟ "

أجابه الآخر بحدة :" ببساطة ليو أخبرني أن شهيتك أُغلقت فجأة لنجد حلاً قبل أن يتفاقم الأمر ! ثم أي شخص عاقل سيعلم أن ما تفعله يُعد إنتحار ! أهذا ما كنت تحاول فعله ؟ "

أراد أن يُجيبه بسرعة لكن آل لم يعطه المجال حقاً لذلك إذا أنه تابع كلماته :" ثم تأتي و تخبرني لم أقصد بل و تعترض على القدوم للمشفى ! و ماذا تفعل عندما لا نتناول الغداء معاً ؟ قل لي أنك تتجاهله حينها أيضاً "

أخفض رأسه بشيء من الهدوء ليزداد غضب الأول وهو يهتف :" هل أنت جاد ؟! أأنت طفل ليو ؟ أقسم أنك بحاجة لعقاب قاسٍ "

رفع رأسه ليحدق به ليعترض لكنه رآى خلف كل تلك الحدة و الغضب المُنبعثة من مُقلتيه العسليتين قلقاً أشد ربما مما جعله يصمت تماماً , فربما لو إنقلب الأمر لشعر هو بذات الغضب !

تنفس آل بعمق شديد و هو يغادر الغرفة قليلاً عله ينجح بتهدئة نفسه فهو رآى نظرات ليو النادمة لذا لا حل آخر حقاً لديه سوى الهدوء ، حالياً على الأقل .

بعد ساعة تقريباً جلس كِلاهما بمكتب الطبيب الذي تحدث بهدوء :" حسناً كما هو واضح أنك مُصاب بفقر للدم ، لكن من حظك ربما هو ليس حاداً لذا القليل من الإلتزام من قبلك و تكون بخير "

أنهى عبارته تزامناً مع إنهائه كتابة الدواء المطلوب ليقدمها لهما ، ثم أعطاه بضع نصائح من ضمنها أن يتوقف عن القيادة لئلا يصاب بدوار فجأة و يسبب الكوارث !

ليو خرج من لديه وهو ينطق بإستياء :" فظيع ! أهو يحاول فصلي عن صغيرتي ؟ ماذا يمكنه أن لا يفهم بعبارة أنا بخير و ... "

قاطع كلامه صوت آل الذي نطق بهدوء تام :" سنذهب لمطعم ما لنتأكد من تناولك للطعام ثم أقلك للمنزل بعدها سأعود لمنزل عمي ، و مفاتيح صغيرتك ستبقى برفقتي حتى تشفى "

شهقة مُرتفعة صدرت منه و هو يبدأ بسيل من التذمرات ، لماذا عليه العودة لمنزل عمه دون أن يوصله !؟ أو على الأقل بدلاً من أخذه للمفاتيح فقط ليأخذها هي ! لما عليهما إستخدام وسائل النقل و هما يمتلكان سيارة ؟

و من جهة أخرى لم يكن آلفين ليقبل بهذا ، هو يدرك حقاً مدى تعلق رفيقه بصغيرته لذا يشعر بأنه إن أخذها منه سيأخذ جزء من روحه ، لذا يفضل فقط إجباره على الحركة وحده دون الإعتماد عليها ، و هو حقاً ما كان بجيب أسئلة رفيقه إلا بإختصار شديد ، لم ينجح بأن يهدأ تماماً ، بل هو مُستاء من كل ذلك و يلوم نفسه على تركه له !

لذا أُحيل ذاك العشاء الذي يفترض أن يغير من نفسيتهما قليلاً لآخر صامت حتى قطعه رنين هاتف آلفين ، هو عقد حاجبيه قليلاً فالساعة لم تتجاوز الثانية عشرة بعد ، لكنه ما إن رأى اسم المتصل حتى أجاب من فوره بهدوء :" مرحباً عمي "

الآخر و الذي كان رغم تأخر الوقت يجلس بمكتبه بالشركة أجابه بابتسامة لطيفة :" أهلاً بُني ، كيف حالك آلفين ؟ و الجامعة و استعدادات الامتحانات لديك؟ "

أخذ آلفين نظرة سريعة لليو الذي كان يقلب الطعام بملل و عبوس لينطق بنبرة بها شيء من المكر بينما نظراته كانت مُتحدية :" أنا بخير عمي و كذلك إستعدادي و ليو للإمتحانات ، فقط اليوم قاطعنا معرفة أن ليو مُصاب بفقر الدم لإنه يهمل تناوله للطعام "

إعتدل من معه على الهاتف بجلسته وهو ينطق بنبرة قلقة :" أهو بخير ؟ أهناك سبب ما لعدم تناوله إياه ؟ "

أراد آلفين أن يجيبه لولا تلك اليد التي إنتشلت الهاتف منه بينما نطق صاحبها بعبوس :" هل أنا  طفل آلفين ؟ لماذا أخبرته بذلك ؟ ليس عليه أن يعلم كل شيء ! هل هربنا من ذاك المنزل ليعلموا كل شيء ؟ "

رفع آلفين أحد حاجبيه و هو ينطق بينما يمد يده لاستعادة هاتفه :" من هو الذي هرب ؟! هذا لم يحدث إلا بُمخيلتك ليو و الآن أعد الهاتف "

ضيق عيناه إلا أنه أعاد الهاتف ليد من أمامه مُتذمراً منه ، و ما إن وضعه على أذنه و هو يعتذر بسبب هذا حتى نطق والد ليو :" لا بأس يا صغيري ، بأي حال إعتني بنفسك و به "

أنهى عبارته ليغلق الهاتف بينما تأمل آلفين رفيقه بحاجب مرفوع خاصة و أنه فقط يعبث بالطعام أمامه :" أأنت طفل ؟ تناوله ليو الآن "

أجابه بتذمر و قد بدأ بتناوله :" و أنت  شخص فظيع ! "

*
جلس بغرفة الجلوس بوجه شاحب تماماً , لم يكن يعلم أن دخوله لغرفتهما فقط ستعيد تدفق منظر توأمه بلا حراك و دمائه لمُخيلته , لكن إن كان هو قد تذكر هذا من فوره و غادرها فماذا بالنسبة لشقيقه ؟!

هو بالنهاية قرر إجبار نفسه على النهوض و التوجه لتلك الغرفة مُجدداً و ما إن فعل وجدها بمظهر آخر ، حيث كان هاري قد أنهى تنظيفها و أبعد كل ما تلوث بدمائه مُسبقاً بينما ألقى تلك السكين بالقمامة ، ثم بدل ثيابه و جلس على فراشه بهدوء .

تقدم هنري منه بخطوات شبه مُتخاذلة و هو يجبر نفسه على الابتسامة :" لما لم تطلب مني المساعدة لتنظيفها ؟ أنت متعب و عليك أن ترتاح فحسب "

فتح مُقلتيه ناظراً بوجه شقيقه بهدوء ، قطب حاجبيه من فوره و هو يرى تلك الابتسامة المُزيفة على وجهه ، لماذا يحاول ان يبتسم له ؟

عليه أن يوبخه ! على الأقل أن يظهر ما يشعر به لا أن يبذل كل ما بوسعه لإخفائه و اظهار ابتسامة مشوهة كتلك !

هو نطق بلا وعي و بشيء من الحدة :" توقف عن الابتسام بهذه الطريقة ! "

ارتسمت ملامح الصدمة الشديدة على وجهه و قد بدى عليه الارتباك للحظات قبل أن تنقلب ملامحه لأُخرى حزينة و بالرغم من ذلك ابتسم بهدوء وهو يجيب :" أعتذر منك أخي ، بأي حال هل تحتاج إلى أي شيء ؟ "

ملامح الندم تسللت لقلبه سريعاً ، هو حقاً لم يقصد أن ينطق بهذا بل أراد أن يخبره أنه بخير فقط و يغلق فمه عن بقية كلماته ، عض على شفتيه بينما ينطق بصوت منخفض :" لم أقصد ، تجاهل ما قلته ! و فقط أنا بخير ، اظن سأنام فحسب "

أنهى عبارته ليقوم بتغطية جسده بالكامل مُتهرباً من شقيقه الذي أخفض رأسه ليسير لفراشه هو الآخر ، هذا اليوم كان واحداً من أطول أيام حياته ! يوم لا يرغب بأن يتكرر مطلقاً !

ألقى بجسده على فراشه واضعاً يده اليُمنى على عينيه بينما ينطق بألم شديد :" ماذا فعلت أنا ؟! أين أخطأت ؟ و لماذا !؟ "

رمقه شقيقه قليلاً بشيء من الهدوء بسبب نبرة صوته تلك ، لكنه لم يفهم ! هو حقا لا يفهم أنه أخطأ و أذى قلب توأمه بقوة ، و بالرغم من ذلك سالت دموعه بسخاء بسبب تلك النبرة الصادرة من بين شفتي توأمه .

*
نسمات الهواء كانت باردة تُثير رعشة بالأجساد بينما حُبيبات المطر تنساب بكل هدوء ، و هُناك بمنطقة معزولة قليلاً صوت هدير مُحركات السيارات السوداء اخترق السكون !

اشعة الشمس لم تكن قد ظهرت بعد و بإحدى تلك السيارات جلس ذاك الشاب ذو السادسة عشرة من العُمر مُحدقاً بالطريق و الأشجار ، شيء من الصدمة شعر بها فور أن لمح كوخ صغير يبدوا مهجوراً بالكامل , هو كان بمنطقة بعيدة عن الأعين , للحظات تمنى لو أنه قادر على العيش بواحد كهذا , بعيداً عن كُل شيء و حتى أحلامه و آخر من تبقى بأسرته .

ترجل من السيارة عندما نطق من بجانبه بضيق شديد :" من فضلك تحرك سيد إيرنيست , الضحية بهذا الكوخ لقد تم الإمساك به بالفعل "

مُقلتيه الزرقاوتين حدقتا بالكوخ أمامه و نفسه شعرت بالإشمئزاز منه مُسبقاً , جسده كان هادئاً بحيث خطواته كانت ثابتة تماماً , ملامحه لم تشي بأي تردد أو قلق و هذا ما أزاح بجزء كبير من قلق الذي يسير بجواره , لقد حُمل مسؤولية الشقيق الأصغر للزعيم و يخشى على رأسه من أي خدش قد يُصيبه , لاسيما والأوامر كانت واضحة أعده سليم تماماً مهما حدث و إن أخفق فأنا من سيتعامل معه !

قطب إيرنيست حاجبيه بشك كبير و كادت خطواته تتوقف عندما وصل لمسامعه صوت لبكاء طفل مكتوم , هو حدق بالكوخ ما إن دخله ليجد أنه مهُترئ من الداخل كما الخارج بل و تنتشر به رائحة الدماء , إذاً أهو مركز لإعدام المُنظمة ؟!

توقف بصره عند ذلك الصغير الذي لم يتجاوز التاسعة ربما بينما يضم جسده لنفسه بإحدى الزوايا يبكي برعب , و الآن هو يتأمل الوجوه التي ظهرت بشيء من اللهفة و الرعب , شيء ما بأعماق إيرنيست تحرك يؤلمه فهو يمكنه فهم ذلك الشعور , هو يأمل أن يكون منقذه واحد ممن أطل حالياً و بذات الوقت خائف من أن لا يجد من يريده .

أغمض عيناه مُتنفساً بعمق عندما أعطاه أحدهم المُسدس بينما ينطق :" أقضي عليه بسرعة لنهرب من المكان , قد يظهر رجال والده بأي لحظة ! "

الصغير إتسعت عيناه أكثر ما إن سمع ذلك و حاول الزحف للخلف أكثر عله يحشر نفسه ليصبح هو و الحائط واحداً , ابتسم إيرنيست له بخفة قبل أن ينطق بلا ذرة تردد واحدة مع علمه بأن النتائج لن تسره مُطلقاً :" لم أعلم أن الضحية طفل ! لن أقتله مهما حدث و هو سيكون بعهدتي لن يمسه أي منكم أيضاً "

شهقة سريعة صدرت من المسؤول هنا لينطق بصوت شبه متوسل :" سيد إيرنيست أرجوك ! أنت لا تعلم ماذا قد يفعل سيدي بنا جميعاً حينها ! "

أغمض عيناه وهو يجيب بينما يتقدم للصغير ليقف أمامه :" أخبره أنني من أنقذته ! "

شد على قبضة يده بسخط شديد , هذه هي نهاية من يرافق المُبتدأين أمثاله و فقط لو لم يكن مهماً لخيره بين حياته و حياة الطفل و ربما قتلهما معاً , إلا أنه الآن يقف أمام موقف عصيب لذا ثوان فقط هي ما فصلتهم عن خروج شخص للخارج يوصل
ما يحدث للقائد !.

ذاك الرجل ما إحتاج أكثر من دقيقتين للعودة للكوخ حيث الأجواء المشحونة بالفعل ، هو إتجه للمسؤول هنا يخبره بأذنه عن الأوامر ، تنفس المسؤول الهواء براحة قبل أن ينطق بنبرة آمرة خذوا الصغير للسيارة التي أنا بها و ليعد كل منكم لعمله "

وجه نظرة خاطفة مُنزعجة لإيرنيست بينما ينطق :" ارجوا أن تأتي معنا لدي أوامر بإصطحابك للمنزل "

وجهه شحب تماماً هو لم ينقذ الصغير حتى و لا يعلم ما هي أوامر شقيقه ! لكنه يدرك قطعاً أنها سيئة بشدة ، و بالرغم من هذا سار معهم بخطوات مُترددة مُتسائلاً عن الأمر الذي يدفعه لإيذاء طفل !؟

ما ذنبه ليقتله إن كان لديه مشكلة مع والديه أو أحدهما ! ؟ لا يعلم حقاً كيف وصلوا للمنزل , ألم يكن طريق الذهاب أكثر طولاً من هذه ؟! الصغير و الذي كان معهم بذات السيارة إلتصق به برعب شديد و هذا زاد الألم بداخله , الآن يشعر بأنه مسؤوليته هو و عليه أن ينقذه مهما حدث !

ترجل من السيارة و برفقته الصغير الذي كان يحاول البقاء مُلتصقاً به مهما حدث و من خلفهم رجال شقيقه , دقات قلبه كانت تتسارع بشدة مع كل خطوة يخطوها للداخل , و للمرة الأولى منذ زمن ظهرت أثار الخوف على وجهه , عند وصوله للقاعة الرئيسية للمنزل نطق أحد الخدم وهو يخفض رأسه بخجل أو ألم ربما :" نحن نعتذر بشدة سيد إيرنيست لكنها كانت أوامر السيد , أرجوا منك و من معك التوجه لجناحك الخاص "

ذلك الإعتذار أجبر دقاته على التزايد أكثر فأكثر و كأنه يوشك على الخروج من مكانه , أقال أنه بجناحه الخاص ؟! حيث يحتفظ بكل شيء ثمين بالنسبة له ؟!

للحظات هو تناسى كل شيء و إنطلق للأعلى حيث جناحه ليتبعه البقية و فور وصوله لغُرفة الجلوس الخاصة به حتى وجدها مُمتلئة بالخدم بينما شقيقه الأكبر يقف أمام المدخنة و هو ينفث الدخان من سيجارته بحدة , لم ينظر و مع ذلك إيرنيست كان يتخيل تلك النظرة المُرتسمة على ملامحه , إلا أن عيناه إتسعت فور رؤيته لعدة صور بين يديه , هو كاد أن يتحرك بينما يهتف بشيء من الذُعر :" سامويل أعدها لي الآن ! "

رفع الأكبر أحد حاجبيه بسخرية وقد أشار للخدم من حولهم ليتجمعوا حول شقيقه و يثبتونه بمكانه جيداً و قد كان ذلك تزامناً مع دخول المسؤول عن المهمة و الطفل أمامه .

بتلك اللحظة التف الأكبر بينما عيناه عكستا الكثير من الغضب و الإستياء و مع ذلك كان هُناك ابتسامة ما حملت بين طياتها أي معنى سوى المكر و الخبث , هيئته بالكامل بتلك اللحظات بدت لإيرنيست كهيئة شيطان مُرعب , هو إقترب من الصغير بخطوات هادئة أثارت القلق بقلبي إيرنيست و الطفل الذي لو كان قادراً على الموت من الرعب لمات حقاً !

هو إنحنى يعبث بخصلات شعره ذات اللون القُرمزي بينما ينطق بسخرية باردة :" إذاً أخي الصغير قررت مخالفة الأوامر لأجل هذا الطفل ؟! "

يقف ليبتعد عدة خطوات قبل أن يلقي بالصغير بإتجاه إيرنيست و باللحظة التي أراد إيرنيست التحرر للإمساك به كانت هناك رصاصة تخترق رأسه لتتناثر الدماء أرضاً و على أجساد من حوله و منهم إيرنيست الذي إتسعت عيناه بقوة , مُقلتيه الزرقاوتين كانتا تتحركان بسرعة شديدة , جسده إرتجف بقوة و دموعه إنهمرت بلا رادع !

شعر بأن قواه خارت تماماً ولا من يُمسك به بقوة لكان قد سقط أرضاً بجوار تلك الجثة , لم يجرأ النظر حتى لشقيقه الأكبر و الذي كان يمسح على مقدمة مسدسه بينما ينطق :" الآن المهمة إنتهت ! "

وجه النظر لرجاله بينما ينطق :" خذوا الجثة لأسرته مع الرسالة التي إتفقنا عليها ! "

تحرك الرجال بسرعة لئلا تصيبهم رصاصة ما تحمل غضب من أمامهم , و مع إفراغ الغرفة منهم جميعاً تبقى فقط خادمان يُمسكان بإيرنيست الذي كان مُتجمداً بمكانه , أعاد مسدسه لمكانه ثم أمسك بتلك الصور مُجدداً يحركها أمام ذاك الذي تحول لتمثال من الصدمة بينما ينطق بحدة شديدة :" إيرنيست , لا تُخبرني أن هذه الصور هي ما توقفك عن المشاركة معنا ؟! "

حدق بشقيقه ليراه ينظر إليه بنظرة مُنكسرة بينما دموعه تنهمر ليزداد غضبه و يُمسك به من شعره بقوة شديدة :" إستمع لي و اللعنة , ذاك الماضي لم يكن متواجد قط ! والدنا لم يكن يوماً شخصاً جيداً و إنما مُمثل بارع , الوحيدة التي كانت بريئة بالأسرة هي والدتنا و أنظر ماذا حدث لها ! ماتت من الحزن و العار , أهذا هو المصير الذي تسعى إليه ؟! "

لا يعلم من أين له القوة ليجيبه و إن كانت نبرته تحمل كل معاني الألم بأعماقها :" و كيف كانت نهاية أبي ؟! أهذا ما تسعى له ؟ "

ابتسم بسخرية شديدة بينما يجيبه :" لكننا هنا لننتقم لأبي ! إستمع لي جيداً لا قانون يمكنه السيطرة علي ! لست مغفلاً مثله , و إن كنت تحلم بأن يعود شقيقك الأكبر لك فأنت واهم ! ذلك الشخص الموجود بهذه الصور مات ! أتفهم ذلك إيرنيست ؟! "

أكمل بإبتسامة ساخرة باردة :" أنا إن وضعت بموقف يتحتم علي به الإختيار ما بين حياتك وقتل عدوي فسأرحب و بقوة بإرسالك للعالم الآخر , سأقوم بإفراغ مُسدسي بقلبك لتخترقه الرصاصات و تنطلق لمن يحتمي بك و بجسدك ! لذا إستيقظ من أحلامك هذه "

شهقة شبه مرتفعة صدرت من إيرنيست فور سماعه لتلك الكلمات بينما سار سامويل بإتجاه المدفئة ليلقي بتلك الصور إليها .

لا يدرك الأصغر من أين أتته القوة حقاً لكنه إنطلق من مكانه ما إن أرخى الخادمان يديهما متجهاً للمدفئة و بلا أي لحظة تردد هو أدخل يديه يخرج الصور منها ويحاول إطفائها من النيران قبل أن يحتضنها باكياً بقوة مُتجاهلاً ألم يديه , سامويل شعر بضيق شديد من تلك التصرفات لذا هو أمسك به شعره يجره خلفه بكل قسوة حتى وصلا لخارج القصر تحديداً لكوخ صغير كمخزن ما لأدوات الحديقة ليلقيه به بينما ينطق بضيق :" إبقى هنا و فكر بنفسك و بكل ما تفعله , لا طعام و لا شراب لك , لن تذهب للمدرسة سيتم حبسك هنا كحيوان ما حتى أغير رأيي "

أنهى عبارته يغلق باب المخزن خلفه بقوة حتى أنه وضع بعض السلاسل ليبتعد بخطواته عنه تاركاً شقيقه يضم نفسه بنفسه باكياً بقوة شديدة بينما يبعد معطفه الذي تلوث بالدماء عنه بقوة !

ارجو ان يعجبكم ❤😍

الفصل من كتابة Coldsnow5

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top