بارت 1

كيف يمكن للآخرين وأد الأحلام ؟ أحقاً يُمكن للحياة سلبنا كل شيء !؟ آمالنا و أحلامنا بلحظة واحدة ما كانت لتخطر على عقل أي منا !

قد لا يتمكن البعض من تصديق ذلك فكم من شخص عاش حياته بأمان يكذب ذلك الإنقلاب السريع بالحال وفجأة وجد نفسه غارق ببحر من الظلام الدامس بلا قاع ، حينها فقط هو سيندم على كل لحظة سخر منها من تلك المُعتقدات ، سيعلم و يؤمن وقتها أن لا شيء بهذه الحياة ثابت ، لا الألم و لا السعادة !

*

عدة طرقات من مطرقة القاضي أجبرت جميع من بالمحكمة على الصمت بأجواء مُغلفة بجبروت القلق و الخوف ، و ما أفظعها من لحظات تُضعف حتى قلوب أشد الرجال فكيف لو كانت هذه المطرقة و صاحبها على وشك تحديد مصير طفلان بالعاشرة من العُمر ؟ مسألة مؤلمة و قضية لم يحسب أي شخص ممن شهدها على أنه سيأتي يوم ما و يروا ذلك حقاً بل هي هدية إعتيادية من الأيام التي قلبت موازين سعادتهم و أغرقتهم بالألم .

كلاهما وقفا خلف الزنزانة الصغيرة بإنتظار حكم القاضي بأمرهما بمشاعر متفاوتة ، أحدهما كان يحدق بالقاضي بإنكسار و ألم بينما دموعه تهدد بالتحرر القريب أما الآخر فقد كان يحدق بكل ما حوله بإستياء شديد و شيء من الحقد و إن لم تتمكن عيناه من كتم الرعب الذي يتجرعه !

حدق القاضي بالأدلة أمامه وهو ينطق بحزم مُغمضاً عيناه :" لقد تم الحكم على المذنبين بجريمة القتل غير متعمد بالسجن لخمس سنوات بسجن الأحداث "

أنهى عبارته ليطرق مجدداً مُنهياً تلك الجلسة المشؤومة ، بينما إتسعت عينا الصغيران بخوف و ألم وهما يريان أنه ما عاد لهم أي أمل أو سند حقاً فما كان منهما سوى الإنقياد خلف الشرطة للعودة لزنزانتهما إستعداداً لنقلهما لسجن الأحداث الذي سيقضيان به فترة طفولتهما و التي حكم عليها بالإعدام قبل أن تُزهر حتى !

****

رفع حقيبته يضعها على ظهره بعشوائية شديدة وهو يتأمل حركة الأشخاص من حوله بشيء من البرود بينما يرن صوت مُضيفة الطيران بأذنه وهي تشكرهم على إختيار هذه الرحلة ، تثائب قليلاً قبل أن يحرك جسده بهدوء و من ثم يلتفت بعيناه ذات اللون العسلي النقي لرفيق طفولته و حياته :" ألم تجد حقيبتك بعد ليو ؟ أترغب حقاً بأن أتركك خلفي ؟ "

عبس رفيقه وقد عثر على ضالته أخيراً قبل أن يوجه أنظاره لصديقه وهو يتحدث بإستياء طفولي :" أأنت جاد ؟ أتستطيع فعلها حتى ؟ "

صمت قليلاً قبل أن يُردف بيأس :" أهكذا تخاطب رفيق دربك آلفين ؟! ناكر للجميل حقاً "

تململ آلفين منه وهو يعيد ترتيب خُصلات شعره الداكنة للخلف راداً على صديقه بتهكم :" لا تغتر كثيراً بنفسك حتى لا يحدث لك مكروه ما "

شهق رفيقه بفزع وهو يتمتم بضيق :" فظيع ! فقط كيف قضيت حياتي معك ؟ "

نظر له من طرف عينه بشيء من السخرية ليسير للأمام خارجاً من المطار ، هو فقط وقف يحدق بالشوارع ، لا يدرك حقاً سبب عودته لهذه المدينة كما لم يتوقع أن يكون الهواء هُنا خانقاً لهذه الدرجة المؤلمة !

أسدل جفنيه مُخفياً بذلك عسليتيه بمحاولة بسيطة لاسترجاع شتات نفسه ، و من خلفه ما كان صديقه بحالة أفضل حقاً ، كلاهما قرر خوض معركة العودة لبلدهم الأم بمحاولة ما لإثبات لأنفسهم ربما أن ما حدث بالماضي إنتهى به و الآن هو وقت الجد و الإجتهاد لتكوين أنفسهما !

بالنهاية بعثر ليو خُصلاته الزرقاء بعشوائية ليضع يده على كتف رفيقه بينما ينطق بمرح :" هيا تحرك ليس موعد النوم ! لدينا الكثير من العمل علينا إنجازه "

عبس بخفة بينما يكمل كلماته :" و لا أصدق أنني أنا من ينطق بكلمة عمل ! كم هذا فظيع "

أعطاه رفيقه وصديق طفولته نظرة جانبية قبل أن يسير هو الآخر بينما يتحدث بجد :" إذاً أولاً سنذهب للجامعة لتقديم طلب الإلتحاق و من ثُم .."

قاطعه ليو من فوره وهو ينطق بتذمر :" آلفين أسمعت بكلمة راحة ؟ سنذهب لمنزلنا أولاً نستحم ثم نتاول الطعام ونذهب للجامعة ! "

أومئ له إيجاباً و سارا معاً قبل أن يتوقف ليو وهو يهتف بنبرة طفولية سعيدة :" سيارتي ! وأخيراً سأقابلها اليوم ! إشتريتها مُنذ أسبوع من إحدى المواقع لابد و أنها تنتظر والدها بشوق "

رد عليه آلفين بإبتسامة جمعت ما بين اللطف و السخرية معاً على الرغم من أن عيناه فضحت  سعادته برؤية صديقه سعيداً :"والدها مجرد طفل سيرسلها لمحل الخردة بعدة ساعات وحسب !"

عبس من فوره وهو يجيبه :" لن يحدث ! أنا سأفديها بحياتي "

إتخذ وضعية التفكير قليلاً قبل أن يبتسم بمكر ويخبره " هل أخبر والدك بهذا؟ أثق أنه لن يكون سعيداً بسماع ذلك "

نظر له وهو يشهق بفزع قبل أن ينطق :" لن تُفسد فرحتي بها آلفين ! ثم قصدت أنني سأكون لطيف معها ! فهي من مصروفي الشخصي كما تعلم و ليست من ذلك العجوز "

إبتسم آلفين بهدوء بينما يخبره بغير إهتمام
:" لا تقلق لن أُخبره حقاً ! ثم أنني سأكون برفقتك لمنعك من أي حماقة لذا لا داعي لقول أي شي ، الآن لنذهب قبل ان تهرب صغيرتك منك  "

أنهى عبارته ليبتسم بنهاية كلامه بعبث لتعود ملامح  وجه ليو للسعادة و ينطلق بسرعة بينما  يهتف بحماس :" لن تهرب مني ! هي لن تجد أب مثلي مطلقاً "

رسم إبتسامة هادئة بالكاد تُرى بينما يسير خلف رفيقه الذي يكاد يطير من السعادة فقط لأجل سيارة ما مُتناسياً تماماً صعوبة وجوده هنا ! أو على الأقل هذا ما يراه هو .

*

ألقى بجسده على الكنبة بإحباط شديد وكأنه لم يكن الشخص الذي كاد يحلق من السعادة قبل نصف ساعة فقط ! هو حتى لم يُلقي بالاً لتفقد المنزل و الأثاث به ! 

وعلى العكس منه تماماً فقد تجولت عينا آلفين ذات لون العسل الصافي بالمنزل , غرفة الجلوس هذه إضافة لغرفة للضيوف و التي على الأغلب ستبقى مُغلقة للأبد فمن سيأتي لزيارتهما بأي حال ؟ ومطبخ صغير , ثم ممر ضيق ويبدوا أن بنهايته غرف النوم و دورة المياه ,  هو أعاد أنظاره لصديقه لينطق بسخرية:" ما بك الآن ؟ قال المالك بأنه سيعيدها بعد أن يتم غسلها خلال أقل من ربع ساعة ؟ ,ثم ألم أُخبرك ؟ هي ستهرب منك فحسب !  "

تذمر بإستياء شديد :" و من طلب خدمته تلك ؟ ماذا لو أن من أخذها لتنظيفها عاملها بطريقة فظيعة ؟! ومن ثُم من قال أنني كنت لأرسلها لمحطة غسيل ؟! أنا سأخدمها بنفسي ! هذا فظيع "

رفع حاجبه ليتنفس بعمق ويحمل حقيبته مُتجهاً للداخل وهو ينطق بملل :" سأذهب أنا لإختيار الغرفة الأكبر ! إبقى حزين هُنا على سيارتك و كأنها تحطمت  "

أردف بشيء من السخرية :" تخدمها بنفسك ؟! لن أصدق حتى أرى ذلك أيها الكسول "

لم يبدي الآخر ردة فعل كبيرة فحالياً هو جل تفكيره مُنصب على سيارته وشوقه لرؤيتها و قيادتها الذي تحطم فور أن علم بأن مالك العِمارة أراد أن ينظفها لمالكي أحد المنازل بعمارته قبل وصولهم !

هو وقف بينما يُتمتم بتهديد :" سأقتلع قلوبهم جميعاً إن عادت وهُناك خدش واحد عليها ! "

بالنهاية لم يجد أي أمر يمكنه فعله فإلتف ببصره مُحدقاً بالغرف التي تمتد على بصره ثم بحث بعيناه عن صديقه بعد أن أمسك بحقيبته , ليشهق بينما ينطق بفزع :" أهو حقاً ذهب أولاً ؟"

سار بعدها بخطوات سريعة  ليجد أن رفيقه إحتل الغرفة الأولى و التي كانت تحتوي على سرير فردي وباب ما ويبدوا أنها تحتوي على دورة مياه مُستقلة و خاصة بها ! هو عبس لينطق بتذمر ":هذا غير عادل آلفين ؟! لقد إستغللت حُزني تماماً "

رفع أحد حاجباه بشيء من السُخرية وهو يتحدث :" مع الأسف تأخرت و أنا حذرتك مُسبقاً "

حمل حقيبته على كتفه وهو يجيبه بلا إهتمام مُصطنع :" لا أهتم لحجم الغرفة أساساً ! ولا لأي مزايا أخرى ! ثم الغرفة الأبعد عن كل غرف المنزل أكثر هدوءاً من غيرها ! "

الساعة بذلك الوقت بالكاد كانت تُشير على العاشرة صباحاً  ! أي أنهُ لازال أمامهما القليل من الوقت قبل أن تُغلق الجامعة وطلبات الإستقبال , ومع ذلك للبحث عن عمل هُما عليهما الإنتهاء من كُل الإجراءات بوقت مُبكر !

لذا كِلاهما أسرع فحسب بالإستحمام و التجهز لأجل الإنطلاق مُجدداً , فهذا اليوم لن يكون قصيراً بأي شكل من الأشكال على أي منهما .

غادر آلفين أولاً غرفته وهو يرتدي قميص باللون الأسود و بنطال أزرق داكن بينما لم يقم بتصفيف شعره الداكن وتركه مُبعثر قليلاً كطبيعته , أما صديقه فقد غادر غُرفته ولازال من الواضح عليه الإنزعاج بينما يرتدي قميص باللون الأبيض وبنطال مشابه لرفيقه وقد صفف شعره الأزرق قليلاً ليحد من بعثرته الشديدة حول وجهه .

تحرك كلاهما للخارج وقد حافظ كِلاهُما على الصمت , التفكير بالمستقبل و ما سيواجهه كل منهما هُنا وربما بعض المخاوف الشخصية لكل منهما شغلت فكرهما تماماً , لكن كل ذلك الجو المليء بالتوتر و القلق من المجهول تبدد تماماً فور أن لمحت حدقتاه الزرقاوتين تلك السيارة الحديثة مُصطفة بمكانها بينما تلمع تحت أشعة الشمس بلونها الأسود الفاخر !

هو و كطفل صغير إتسعت إبتسامته مع شهقة مُتفاجئة لينطلق لها مُتفقداً كل شبر منها ليتأكد من أنها خالية من أي شوائب ! بالنهاية هو وقف عند مُقدمتها مُحاولاً إحتضانها بين يديه !

وعلى بعد عدة خطوات راقبه آلفين وقد خرج من أفكاره هو الآخر , هو إبتسم بشيء من الهدوء بينما يتمتم لنفسه :" هو حقاً طفل ! "

تقدم من رفيقه بينما يهتف بصوت مسموع :" ألا ترغب بتجربتها ؟ هيا لننطلق ! "

هز رأسه بالموافقة سريعاً ليقفز من موقعه مُنتقلاً لباب السائق بينما إتجه آلفين للمقعد بجواره , صعد كلاهما للسيارة بينما عينا ليو كانتا تتفقدان كل إنش بها وهو يقوم بالعد على أصابعه !

نطق آلفين بهدوء :" ماذا تفعل ؟ "

أجابه بحماس بينما يبدأ بتشغيلها :" لا تهتم ! فقط كُنت أحصي ما علي شرائها لها , أغطية للمقاعد و عطر لها و هكذا أمور "

أعطاه نظرة ساخرة وهو ينطق :" أأنت مهووس ؟"

لم يجبه الآخر و الذي بدأ بالقيادة فحسب و السعادة بادية على وجهه مما دفع آلفين ليبتسم قبل أن يُشيح ببصره للنافذة مُحدقاً بالشوارع ووجوه الأشخاص الذين يصادفونهم بالطريق , ذكريات كثيرة ما أراد لها أن تتواجد الآن عادت للتدفق لمُخيلته وهو ما إستطاع إيقافها حقاً !

ولكن فجأة صدح صوت موسيقى مُزعج شتت ذكرياته وأفكاره ليحدق بصديقه الذي رسم إبتسامة هادئة بها شيء من الحزن وهُنا هو علم أن من معه فقط يتظاهر بالمرح وعدم إنزعاجه مع ذلك حتى هو هاجمته ذكريات مزعجة وأراد نفضها بهذه الموسيقى .

****

إستند كلاهما للحائط وبين يدي كُل منهما ورقة الطلب للإلتحاق بجامعة أكسفورد , إنهمك كُل منهما بتعبئة النماذج و ما يرغبان بإختياره , وما إن إنتهى ليو من تعبئة نموذجه حتى نطق بمرح :" إذاً ماذا ستدرس ؟ "

أشاح بوجهه قليلاً بينما يجيبه :" القانون "

عبس بشدة وهو ينطق بإستياء :" لماذا هذا الإختيار بالذات ؟"

أجابه بإنزعاج :" أنا أريد دراسة القانون ثم سأصبح بروفيسور بالجامعة ولن أعمل حقاً بالمحاكم أو مع الشرطة "

أومأ له إيجاباً بينما حدق آلفين به وهو ينطق :" وأنت ؟ "

أجابه بسرعة وهو يسير لإكمال الإجراءات :" سأدرس إدارة الأعمال بالطبع "

عقد حاجبيه بتفكير بينما يتحدث بحيرة :" مهلاً من قال أنني لن أصبح وريث ذلك العجوز مهما حدث و أن الأمر ممل ومتعب للغاية ؟ "

لم ينظر له بل تابع سيره وهو يهتف :" ليس لدينا اليوم بطوله ! صغيرتي تنتظرني لأعود لها هيا أسرع "

هو بعثر خُصلاته الداكنة أكثر بينما يفكر بأن صديقه هذا ليس على طبيعته فلماذا هو سيطيع والده فجأة ؟! ليس و كأنه لا يرغب بأن تعود علاقتهما جيدة لكن مع هذا الأمر لا يروق له لسبب ما !

بالنهاية كلاهما وقفا أمام رئيس الجامعة و الذي نطق بحزم بينما عيناه تُحدقان بالشابان أمامه :" سأخبركما بالأمر بصراحة حتى لا يكون هُنالك أي سوء فهم من البداية ! هذه الجامعة عريقة للغاية وكل من تخرج منها لديه دعم قوي , لا أريد أي فوضى بها ! "

صمت بينما ينظر لهما محاولاً إختيار كلماته بحذر :" ما أريد قوله هو أرجوا أن تبتعدا عن المشاكل تماماً فهذه المرة الأولى التي تقبل بها جامعتي أشخاص بسجلات سابقة ! أنتما السيد سوين أوصاني جيداً عليكما لذا لا تخيبا أمله بكما ! "

رسم ليو على ملامحه الغضب بينما ينطق بإبتسامة مُخيفة :" لكن سيدي أتعلم ؟! هُنالك مقولة عن أن الشخص الذي يدخل للسجن مرة يمكنه تكرارها أترغب بأن تكون أول ضحية لي بعد خروجي ؟ "

شهق الرئيس بينما رغب ليو بالإكمال لولا صديقه الذي ضربه على معدته بقوة متوسطة لينحني قبل أن ينطق :"أرجوا المعذرة سيدي , نعدك لن نسبب أي مشاكل لك لا أنا ولا هو وهذا وعد ,هو فقط يمتلك نوع سخيف من المُزاح "

إنحنى ليو هو الآخر بغير رضا حقيقي بينما نطق بإستياء :" أجل أعتذر "

وبذلك إنتهى كلاهما من إجراءات الإنتساب , فقد إشترط رئيس الجامعة لقبولهما رؤيتهما أولاً لتحديد إن كان سيعطيهما فرصة أم لا للدراسة لديه !

و بالخارج نطق ليو بتذمر :" لما أنت أفسدت لعبتي !؟ "

أجابه بسرعة وبشيء من البرود :" لإنها لُعبة مزعجة ! لا تكرر ذلك مجدداً ليو  "

عبس بينما إستمر بتذمره يتهم رفيقه بأنه كان قاسياً معه ولم يجدر به ضربه على معدته فقط لأجل مجرد مزاح لا طائل منه , والآخر سبقه حتى وصل للسيارة ليصعد بمقعده ويغلق الباب بقوة خلفه دفعت بقلب ليو للإنهيار ! .

هو ركض ليتفقد الباب أولاً ثم ركب بمقعده بينما يتحدث بحده :" أأنت جاد ؟ هذه قسوة إن كان لديك أي إعتراض علي فيجدر بك أن تخبرني به لا أن تنتقم بطريقة لا أخلاقية ! "

رفع أحد حاجباه بشيء من السخرية ليعبس رفيقه وهو يحرك السيارة :" فقط هذا فظيع ! أنت لا يمكنك إيذاء صغيرتي آلفين "

تنهد بعدها بتعب ليعود لتشغيل الموسيقى الصاخبة ذاتها ، هنا تحدث آلفين بإنزعاج :" ذوقك فظيع اليوم "

إبتسم ليو له بخفة بينما يُجيبه :" أنت مُحق ، لكن الإزعاج أفضل من الأفكار الصاخبة صحيح ؟ "

عاد الصمت ليحتل آلفين لبرهة من الزمن قبل أن يتحدث بهدوء :" الآن وقت العمل ! أنا سأبحث عن عمل ما بمطعم أو بمقهى "

نطق ليو بسرعة وهو يخفض صوت الموسيقى :" أما أنا فأرفض خدمة الآخرين ! هذا مُرهق للغاية "

أجابه بإستهزاء :" لا تتصرف كسلحفاة عجوز الآن و إلا لن تجد نقود ما لتُدلل بها صغيرتك و تثبت نفسك أمام والدك"

إستغرق عدة دقائق بالتفكير قبل أن يتحدث :" ومع ذلك سأبحث ربما عن محل لبيع الثياب أو المجوهرات للعمل به كبائع "

عقد حاجبيه وهو يهمس :" وهل تعتبر هذا أسهل ؟ "

أتاه الرد سريعاً :" بالطبع ! لاسيما الثياب الرجالية لا اظن سيكون هناك الكثير من المشترين خاصة بفترة مسائية بعد دوام الجامعة ، و يمكنني رؤية أحدث الصيحات لشرائها "

نظر لنافذة بينما يتحدث لنفسه :" قسم من النقود للسيارة و الآخر للثياب ! "

*

الشمس كانت بأوجها بالرغم من أن الشتاء يقارب على الوصول ، آلفين كان يجلس على مقعده بالمطعم و أمامه كعكة بالشوكولاتة مع فنجان من القهوة ، يحدق بأشعة الشمس القوية مُتمنياً ألا تختفي بالشتاء القارص و الذي يحمل معه ذكريات باردة مُظلمة .

و على خلافه تماماً ليو كان يتمنى أن يحل فصل الشتاء ليرتاح من أشعة الشمس ، فهو و بالرغم من كل شيء يرفض ربط ذكرياته الفظيعة بفصل واحد فمعاناتهم امتدت لخمسة سنوات تبدلت بها
وكل الفصول و لم يجد أي منهما الرحمة بإحداها دون عن الآخر !

هو تناول من كعكته بالفراولة قليلاً بينما يشرب من العصير أمامه ، و كعادتهما كلاهما ينسيان الطعام بالأوقات التي ينشغلان بها بأمور أخرى و لا يذكرانه إلا بعد أن يكاد أحدهما ينهار جوعاً ، لذا كِلاهما حالياً يتناولان وجبة خفيفة كإفطار مع أنه موعد الغداء !

بالنهاية تفرق كلاهما باحثاً عن عمل ما بما انهما بمنطقة مكتظة بالأسواق و المجمعات التجارية وربما الأهم قُربها من الجامعة .

الفين  سار بخطوات هادئة بين الجموع ، هو كان يدخل لمقابلة مدير كل مطعم أو مقهى تقع عيناه على لافتته دون الإهتمام بعدم وجود طلب لموظفين جدد .

و بعد عدة ساعات قضاها بالبحث هو عثر و أخيراً على وظيفة بمقهى ما ، هو وقف أمام زملائه بالعمل لينطق بصوت هادئ :" أندرسون آلفين ، سأعمل معكم ابتداءً من اليوم "

حياه العاملين بخفة و من ثم تحرك الجميع لعمله ! هو لم يبالي كثيراً برد التحيات و إنما كان تعريفه عن نفسه طلباً من المدير الذي رغب منه البقاء طوال اليوم معهم ليرى العمل و يختبره قبل إبداء موافقة تامة .

وهناك وسط الزبائن فتاة ما بشعر أسود طويل ينسدل على ظهرها بكل نعومة بينما مُقلتيها ذات لون البُنفسج الغامق تحدقان بالقائمة بهدوء قبل أن تنطق لصديقتها :" الطلب المعتاد "

ضحكت رفيقتها بخفة وهي تجيبها :" أجل محقة لن أخاطر بتناول أي شيء "

و من جهته أرسل رسالة لرفيقه ليو يعلمه عن مكانه و عن موعد مغادرته المقهى اليوم !

****

أخرج هاتفه فور وصول رسالة ما لهاتفه وهو فعلياً ما كان بحاجة لفتحها ليعلم من المرسل فتلك الأغنية المميزة و التي انبثقت من هاتفه جعلته يدرك هوية المرسل ، لذا هو فتح الرسالة من فوره ليبتسم بخفة ، هو توقع أن يجد صديقه عملاً بسهولة !

إبتعاده عنه بأوقات العمل أمر هو إختاره بنفسه لا يريد أن يبقى برفقته حتى لا يكشف ضعفه أمامه ، و على خلاف آلفين هو لم يكن يدخل أي محل يراه أمامه ، لا يريد الكثير من الزبائن لذا يبحث عن محل صغير ربما ، ليس و كأن مُخالطة الآخرين عمل يمكنه فعله دائماً .

لا يعلم كم استغرق بالسير حقاً لكنه يدرك أنه ابتعد عن موقف سيارته و عن مكان عمل آلفين و قد باتت المتاجر هنا أقل إكتظاظاً من سابقاتها لذا بدأ فعلياً برحلة البحث عن عمل !

*

آلفين بذل ما بوسعه حقاً بخدمة الزبائن لإثبات نفسه و حصوله على هذا العمل ، هو عليه البدء بالاعتماد على نفسه و النهوض بمفرده دون الحاجة ليد تُمتد لإيقافه ! 

مُستقبله بتلك اللحظات لم يكن كئيباً كما إعتاد تصوره بل شعر بقليل من الأمل يغزوه ، فهو قادر على لمح الرضى الذي إحتل وجه المدير من أداءه لليوم وهذا بحد ذاته بداية مُبشرة حقاً .

و بذات المقهى نهضت تلك الفتاة و رفيقتها من المكان بينما الثانية تنطق بإستياء :" كما العادة ! تأخرنا بالعودة للمنزل لنسرع الآن أنجيلا "

أومأت لها بهدوء وهي تسير برفقتها لكن و لعدة ثوان فقط هي لمحت ذلك الشاب يسير بين الطاولات و يخدم الزبائن ، أرادت العودة و الحديث معه لكن ذراع صديقتها الذي كان يشدها للخارج أجبرها على التخلي عن الأمر حالياً .

*

كان يعبث بهاتفه بملل شديد إلا أن قاطعه صوت فتح باب المتجر ليتركه جانباً و ينهض ، هو إتجه نحو الزبون و ساعده بإختيار الثياب ثم ودعه بابتسامة مرحة ، مالك المتجر تقدم منه وهو يتحدث بسرور :" أهلاً بك هنا منذ الغد ستبدأ بالعمل رسمياً "

إبتسم له ليو وهو يستعد للمغادرة ، هو سيحتاج لوقت طويل حتى يصل لرفيقه ، ليس الأمر سلبي بل ربما هو بهذه الفترة يمكنه التوقف قليلاً عن التمثيل و إظهار مشاعره الحقيقية قليلاً ، فهو حقاً كان متردد للغاية بشأن قدرته على النجاح من عدمها .

بالنهاية وصل للمقهى ليقف قليلاً بينما يراقب صديقه وهو يستعد للمغادرة أيضاً ، لوح له بمرح ليعود كلاهما للمنزل بعد يوم طويل حمل بين طياته هدوء روتيني فهل يستمر ؟ أم أن هُناك عاصفة توشك على الهبوب ؟

~ نهاية الفصل ~

الفصل من كتابة Coldsnow5

ليو سوين
18 عاما

الفين أندرسون
18 عاما

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top