الفصل 15


و هاهي الشمس تُعلن غيابها المؤقت مُجدداً , بلونها الأحمر المُشتعل الذي تعكسه على زُرقة السماء النقية , كأنها تهتف بنا أن ساعات الوداع أكثر حرقة من ساعات الإستقبال , فمن يمكنه مقارنة برودة الشروق الأصفر بلهيب الوداع الأحمر ؟! لم تكن تلك الغيوم المُتكدسة بالسماء قد منعت لهيب ذاك اللون من الظهور بل إنه تكامل معه بنسق واحد , قد يُشعر البعض بالإكتئاب مُشبهاً إياه بحياته التي لا يرى بها سوى الغروب , و آخرون سيرون به وقت يخفون أسرارهم و ألامهم حيث يقفون أمام من أنارت لهم نهارهم مودعين إياها و مُوديعين بها أسرار قلوبهم و ما ألم بها علها تحملها بعيداً معها برحلتها المُستمرة لتعود و ما برفقتها سوى الأمل و السعادة ! .

و بقصر أُسرة سوين الرئيسي إجتمعت العديد من الأصناف الفخمة على مائدة العشاء , ما كان يوجد أي شخص يجلس على المائدة سوى ذلك العجوز الذي ترأس المكان و بجانبه هو وضع العكاز الخاص به و المميز بأن قبضته تشكلت على هيئة نسر يبدوا و كأنه بحالة تأهب للقتل و القتال بجواره .

ابتسامته كانت تشق وجهه بالكامل و هذا ربما كان أول ما جذب زوجته و التي ظهرت بشعرها ذو اللون الأشقر الباهت بفعل تلك الأصباغ التي تستخدمهما بالعادة بينما ما خلت أي نقطة من وجهها من مساحيق التجميل , الذهب كان يغطي عنقها و يديها لتتحدث بعدم مُبالاة حقيقي ربما :" إذاً ما هو الأمر الذي يُسعدك الآن ؟! "

حدق زوجها بها قليلاً قبل أن يُجيب :" عزيزتي الليلة نحن سنحتفل بإنتصارنا ! لم يتبقى سوى القليل و نُعيد صغيرنا الذي غادر العُش دون موافقة منا , سيأتي مُعترفاً لنا بنفسه أنه أخطأ و بشدة بإختياره لذلك المُجرم "

و هنا هو تمكن من الإستحواذ على إنتباهها بالكامل بينما تنطق بحيرة :" و كيف ستفعل هذا ؟ "

تقدم حفيدها منها يقبل يديها بخفة قبل أن يجلس مُقابلاً لها لتكتمل بذلك تلك الأسرة الصغيرة بينما يُجيبها :" ليس عليك القلق بهذا الشأن جدتي ! بالغد سوف ترين الأمر , كل شيء سيبدأ من الغد و عمي بالتأكيد سيُعيد تفكيره بالأمر ! "

أراحت جسدها على مقعدها أكثر بينما تبتسم بنوع من التكلف مُجيبة :" أتمنى أن تنجح حقاً بهذا سيتو فكما رأيت أن النتائج ليست لصالحك "

لم يتمكن من كبح إستيائه لعدة ثوان قبل أن يُعيد ابتسامة ما على وجهه و هو يفكر بأن كل شيء سينقلب بالغد لذا من سيهتم حقاً ؟! فقط هو مُمتن لإنه حظي بفرصة الإجتماع به مُجدداً , سيجعله يتعلم حقاً كيف يكمن له أن يقف أمامه !

بالنهاية هو خرج من أفكاره على صوت جدته التي أردفت :" بأي حال لا خلل بطريقة تربيتي لصغيري برايان لكن زوجته تلك لا يمكنها فهم قيم هذه الأُسرة ! هنا علينا التكاتف لأجل الأُسرة و سمعتها و إن كان هذا يعني أن علينا إلقاء أحد أفرادها خارجاً "

حدق سيتو بها و هو يجيب :" أظن أن عاطفة الأمومة بها قد جعلتها تبتعد عن هذه الأهداف ! ليست غلطتها أن ذلك المجرم يجيد تمثيل البراءة و يخدعها بطريقة ما "

ضرب العجوز بعصاه الأرض و هو ينطق :" بل و ينظر لنا أننا من أخطأ بحقه ! ذاك الجرذ ألم نقدم له المُساعدة ؟ ألم نضع له أفضل المُحامين و عندما توصلنا لحل يخرجه ركله ببساطة ؟! ثم يجرأ على العودة بل و خداع برايان و لورين ! بل هو حتى أنكر فضلنا بإبقائه بهذا المنزل رغم أنه بات ملوثاً "

و لا أحد آخر علق و لو بحرف واحد فقد أعطى الجد ما إنهى كلماته تلك الإشارة ببدأ تناول الطعام مما يعني صمت بالكامل و إغلاق على كل هذه المواضيع ! .

-----

حدقتاه كانتا شاردتين بالكامل يحدق للأمام بينما يضع دفتر الحسابات الذي يخص مبيعات اليوم أمامه يده تضرب القلم بالطاولة بشكل متكرر , و من خلفه حدق مدير العمل بالدفتر أمامه قبل أن يخطف القلم من بين يديه بحركة سريعة ليكتب صافي الربح لليوم ثم أعاده لمن يقف أمامه و هو ينطق :" ما الأمر ليو بما أنت شارد هكذا ؟ لا أظن يا بُني أنك عاجز عن حل مثل هذه المُعادلة البسيطة و التي يمكن لعجوز مثلي فعلها ! "

هو إنحنى قليلاً بينما ينطق بخفة :" أرجو المعذرة لم أنتبه حقاً , سأذهب لإنهاء جرد البضائع بالمخزن "
هو إختتم جملته ذلك مُتجهاً بخطوات سريعة لفعل ما قاله , لا رغبة لديه اليوم بالعمل أمام الزبائن حقاً لذا الهرب للمخزن أفضل ربما ؟!

لا يدرك بالحقيقة سبب تبدل مزاجه بهذه الطريقة , والده كان لطيفاً اليوم و كل شيء بخير إذاً لماذا يشعر بالإختناق ؟! بأعماقه هو يدرك أن رؤيته لجده كان بداية إنقلاب كيانه بالكامل , كما قال آل تماماً هو غير قادر على التعامل معه بحق !

يُقلقه تواجده بالجامعة أيضاً , و إن كان يحاول إقناع نفسه بأنه لن يكلف نفسه عناء التواجد بالجامعة لإفتعال مُشكلة ما له صحيح !؟

بالنهاية هو تنفس بعمق شديد محاولاً طرد تلك الأفكار التي باتت تؤرقه و بذات الوقت يغلق باب الذكريات التي بدأت بعرض ذاتها دون إستئذان حتى مُشغلاً نفسه بالعمل فحسب .

------

لطالما كانت العينان مرآة لمشاعر الإنسان مهما كان , تعكسان الكثير و الكثير من ا

لأسرار و الخفايا التي تظهر لمن يُجيد قرائتها فحسب و بوسط ذلك كانت تلك الحدقتين العسلية تتقد بنيران حاقدة , هو ما تمكن من كبح أفكاره و ذكرياته كما رفيقه !

كل ما كانت تشاهده عسليتاه هي مشاهد من ماضٍ ما رغب برؤيته مُجدداً , وجه رفيقه الشاحب كما لو كان يحتضر , جسده الجاف و كأن المياه سُلبت منه , دموعه و تقاطيع وجهه المُنكسرة كما لو كانت روحه تنزف بألم , الشاش الأبيض الذي أُحيل جزء منه للأحمر القاني و عيناه اللتين تحدقان به بإنكسار و ألم بينما تغطيهما الدموع .

كل تلك المناظر إخترقت ذكرياته ما إن علم بتواجد ذاك اللعين بالجامعة , ماذا هو أراد ؟! أحقاً يفترض به تصديق أنه تجاهل ليو ببساطة ؟ بعد كل ما فعله بالماضي ؟ أيحاول ليو إخفاء عنه أمر ما ؟ أم أن جده من يخطط لفعل شيء له ؟

هو لا يعلم سوى أنه يشعر بتجدد رغبته بقتل تلك الأسرة بالكامل , و ربما هو ما إنتبه حقاً لنفسه عندما وضع طلب إحدى الطاولات بقوة شديدة بينما يتمتم مع حفاظه على تلك الملامح الحادة و المُشتعلة :" ليقترب منه مُجدداً فحسب ! "

و إحدى الفتاتين اللتين كانتا تجلسان حول الطاولة تراجعت قليلاً تبتعد عمن أمامها فملامحه بدت مُخيفة حقاً لها , و الأُخرى نظرت له بشيء من الإستنكار قبل أن تهتف مُخرجة إياه من شروده :" هل تحاول الإنتقام من الطاولة لسبب ما آلفين ؟"

و هو إتسعت عيناه قليلاً بنوع من الإرتباك ليتراجع للخلف قليلاً يحدق بآنجيلا مُتجاهلاً صديقتها ربما بينما ينطق :" أنا آسف لست بالمزاج الجيد حقاً ! "

هو أنهى عبارته ليغادر و قد قرر إبعاد تلك الأفكار الدموية عنه قليلاً أو على الأقل حتى ينتهي عمله لئلا يتسبب لنفسه بالطرد فآنجيلا على الأقل لن تركض للمدير تشكوه على ما فعله تواً و هذا من حسن حظه ربما !؟ .

-----

وقف بالمكتب الفاخر يحدق بكل ما حوله ببرود شديد , يُدرك أن إستدعائه ربما يكون بسبب ما فعله بآخر مهمة له لكن أهو يهتم حقاً ؟

هو بالكاد أجبر نفسه على القدوم و الإستجابة لتلك الأوامر , أخفض رأسه سريعاً ما إن شعر بتواجد عدة أشخاص بالغرفة , هو كان يقف بمنتصف المكتب بينما تجاوزه كل من دخل الغرفة و كأنه مُجرد هواء لا وجود له !

الرئيس جلس بمقعده بينما نطق من يقف أمام المكتب بإحترام :" سيدي لقد تمت المُهمة بنجاح , و الشحنة التالية ستصل للبلاد قريباً جداً و قد أخبرنا العميل بأنه سيتواصل معنا لأجل بقية المعلومات "

أومأ له المعني بينما ينطق بابتسامة واثقة :" تعلم ما هو ثمن الفشل صحيح ؟! و الآن يمكنك الذهاب "

إنحنى له الرجل بينما ينطق بجد :" بالطبع سيدي , أرجو المعذرة "

إعتدل بوقفته ليسير مُغادراً المكان و من خلفه الرجال الذي هو مسؤول عنهم , و ما إن غادورا المكان حتى أعاد السيد ظهره للكرسي يريح جسده عليها بينما يُحدق بهنري الواقف أمامه ليتنهد بتعب و هو ينطق :" إذاً أهناك أي أمر ترغب بقوله ؟ هنري تعلم أن وقوفك هنا بسبب غلطة كتلك أمر نادر ! و كل هذا فقط لإنني أرى أنك لا تستحق الموت ببساطة ! "

حافظ المعني على صمته و ما رفع رأسه حتى ليجيبه ليردف الأول مُركزاً بحدقتيه ذات اللون القُرمزي عليه :" لن توجد مرة ثانية أطلبك هنا لأجل غلطة كتلك بل ستجد نفسك بإحدى السجون للعقاب و أدرك أنك لن ترغب بزيارة أحداها. "

وقف من مكانه يُعيد ترتيب خُصلات شعره ذات اللون الأشقر يقف أمام هنري تماماً بينما ينطق :" لا تظن أنني أجهل أن ذلك الطفل قد هرب من المنزل ! و أظن أن إهمالك بهذه الفترة بسبب ذلك صحيح ؟ إستمع لي كنصيحة فكر بالأمر بأنك تخلصت من مُجرد عائق ! كُتلة إزعاج لا أهمية لها بحياتك , هنري أنت تحررت بالفعل هو كان السبب بعدم إظهارك لكل ما يمكنك فعله و الآن برحيله لم يعد لديك السبب "

رفع رأس الأصغر بقوة يحدق بعيناه مُباشرة بينما يهتف بقسوة و حدة :" لا شيء سيجعلك تصل للقمة إن حافظت على مشاعر غبية كهذه ! أنا ألقيت بإيرنيست للموت عدة مرات بيداي , لا يهم كونك شقيقه أو الأكبر بشيء من يشكل عائق تخلص منه ببساطة , و هو أراحك من التخلص منه لذا الآن هنري يبدأ المُستقبل أمامك , كن فتاً مُطيعاً و أقسم لك سأجعلك بالقمة بل ستصبح مُساعدي الأيمن "

تراجع هنري خطوة للخلف بينما عيناه و ملامحه حافظت على برودها بمعجزة ما فهو لا يريد أن يجعله يُدرك إلى أي حد هو مُتعلق بشقيقه , لاسيما و أنه يعلم بأمر مُغادرته المنزل !

لذا نطق سريعاً و ببرود :" لا أريد أن أُصبح مُساعداً لأحد و الآن سأرحل عن إذنك "

أنهى عبارته يسارع بالمُغادرة و ما إن وصل للرواق الفارغ حتى ضرب الجدار بيده بقوة شديدة , من هو العائق ؟! أيظن أنه مِثله بأي طريقة ؟! من أخبره أنه سيفضل النجاح على الإمساك بيد توأمه ؟ بل من أخبره أنه يريد النجاح بهذه الطرق المريضة ؟!

أغمض عيناه يحاول السيطرة على إنفعالاته و يغادر بينما يشغل أفكاره بتوأمه , هو أخرج هاتفه من جيبه يحدق بصورته و ابتسامته قبل أن يهمس بخفة و ألم :" كُن بخير أينما ذهبت هاري فأنت كنزي الثمين يا أخي "

و بالمكتب من خلفه نطق سام بشيء من السخرية :" هل أنا مُحاط بالحمقى دائماً ؟ بأي حال يبدوا أنه الآخر بحاجة لبعض الدروس القاسية ليتعلم "

------

اليوم قطعاً كان واحداً من أجمل أيام حياتها , هي شعرت و للمرة الأولى مُنذ أعوام بالحُرية التي إفتقدتها و بشدة , لطالما رددت عبارات ما مثل أرغب بالهرب و ما إلى ذلك لكنها اليوم جربت ذاك الشعور حقاً , و كم كان مُنعشاً بالفعل هل عليها تكراره دائماً ؟ ليس و كأنها إكتفت بالهرب من المدرسة و الذهاب لرؤية شقيقها الأكبر بعد كل تلك الأعوام و إنما أخذت وقتها بالتجول بأنحاء المدينة !

و الآن هي عادت للمنزل فقط لتبديل ثيابها ثم الهرب مُجدداً لمنزل عمها كما وعدت آلفين , لذا ما إن وصلت لمنزلها حتى بدأت بالتسلل بداخله و كم كانت مُعتادة على مثل تلك التحركات و السير كلص هارب !

كم مرة تشاجرت مع والدها و إضطرت للهرب من مواجهته بهذه الطريقة ؟! توقفت بالنهاية أمام باب غٌرفتها بينما ابتسامة مُنتصرة قد شقت ملامح وجهها , هي فقط وصلت لبر الأمان تواً , قامت بفتح باب الغرفة بهدوء شديد لئلا يُصدر أي صوت منه يدل على أنها متواجدة , هي عليها تبديل ثيابها ثُم و بكل بساطة الهرب من النافذة مرة أُخرى و يمكن لوالدها معاقبتها عند عودتها لن تهتم .

و كما قامت بفتحه هي أغلقته بذات الخطوات ثم أشعلت الأنوار و أخيراً بها بينما تتنفس براحة كبيرة تُغلق عيناها بهدوء لتجعل قلبها الذي كان ينبض بقوة قبل لحظات قليلة يهدأ إلا أن نبضاته تبعثرت بشكل جنوني ما إن سمعت صوت بارد كما الجليد ينطق :" لم أكن أعلم أنني أمتلك إبنة تتمع بموهبة فطرية بالتسلل كما لو كانت مُجرم يحاول الفرار ! "

صمت قليلاً قبل أن يُردف :" مهلاً أنتي كذلك بالفعل ! ماذا تظنين نفسك تفعلين إيزابيلا ؟ "

و لوهلة هي شعرت بأنها نسيت حتى كيف يمكن لها التنفس , هو غاضب بشدة يمكنها معرفة هذا دون حتى فتح مُقلتيها لرؤيته كما و أنها المرة الأولى التي ينتظرها بغرفتها هكذا بل حتى أنه كان يغلق الأضواء ! .

فتحت إحدى عيناها فقط تحدق بمن يجلس على مقعد المكتب الدراسي لتراه ينظر لها بنظرات شابهت نبرته الباردة تلك بل ربما تخطتها حتى , هو يشتعل من الداخل و هي تثق بهذا , يده كانت تشير للسرير أمامه و هي ما كانت بحاجة لأي إشارة أُخرى لتتحرك و تجلس حيث أشار تُصبح مقابلة له و كم تكره هذا .

يمكنها الشعور بأنه سيعلم كل شيء يدور بعقلها بمجرد نظره لها , يمتلك تلك الهالة التي تجعلك تتخذ الحيطة حتى من أفكارك و كأنه قادر على قرائتها , ثوان فقط و أشاحت بوجهها عنه كردة فعل لتلك الأفكار التي تدور بعقلها و هو نطق بينما مُقلتيه السماويتين كانتا تحدقان بها بدقة :" إذاً إيزابيلا أعطني مُبرراً واحداً لما فعلته اليوم ؟! "

أعادت أنظارها نحوه لترفع أحد حاجبيها بإستنكار قاذفة بخوفها كما هي العادة منه بعرض الحائط بينما تنطق بنوع من السخرية :" لماذا ؟ ألا تعلم حقاً ؟ هذا المنزل خانق بشدة , أتظن أننا نعيش بسجن ما ؟ كونك رب هذه الأُسرة لا يعطيك الحق بإتخاذ القرارت التي تُقيد بها حُريتنا ! "

نظراته إزدادت حدة و كأنها كانت بحاجة لذلك لتُصبح أكثر إخافة ربما ؟! و مع ذلك هو لم ينهض من مكانه و ما تغيرت ملامحه , ليس ممن سيفقد هدوئه و يصرخ مثلاً ! بل هو ببساطة رفع أحد حاجبيه بينما يجيب بذات نبرته التي أضاف لها نوع من الحدة :" بلى يعطيني ذلك الحق خاصة إن تحدثنا عنك ! إيزابيلا لن تُغادري هذه الغرفة لثلاث أيام سوى للمدرسة ! و من الآن الغد سأرسل سائق من المحكمة لمرافقتك من المدرسة و إلى المنزل للتأكد من تلك التصرفات "

اتسعت عيناها بشدة بينما هو أغلق نافذة الغُرفة بقوة ثم حدق بها بحدة و تهديد فليس و كأنه يجهل ما قد تفعله هذه الفتاة أمامه حقاً ! , و هي كانت تشد على يديها بقوة , أرادت الصراخ وبشدة لكن هذا لن يغير من رأيه بل حتى قد يزيد الأمر عن حده أكثر !

ألقت أحد الكُتب من مكتبها على الباب ما إن أغلقه خلفه , لما يتصرف هكذا ؟ أيحق له حقاً التحكم بها هكذا ؟! أليست هذه هي حياتها ؟ لما لا يعطيها الفرصة مما هو خائف بحق الإله ؟! ليس و كأنها تكرهه حقاً , بل العكس تُحبه و تحترمه و بشدة لطالما آمنت به مع هذا هو فقط يزداد غموضاً و إبتعاداً عنها أو هكذا تشعر دائماً , هي منذ البداية ما كانت مقربة منه حقاً .

ألقت بجسدها على السرير بينما تُرسل رسالة إعتذار لآلفين تخبره بها أنها لن تتمكن من رؤيته إلا بعد ثلاث أيام , ثم أغلقت عيناها لن تبكي حقاً بسبب توبيخ كهذا بقدر رغبتها بأن تنفجر ربما ؟! بعثرت خُصلاتها بخفة بينما تذكر لقائها بشقيقها بالصباح , ألم يكن لقاء كارثي حقاً ؟!

ما بال تصرفاتها تلك ؟ كان عليها التصرف بشكل مختلف خاصة عندما توقفت تحدق بها فقط كما الحمقى ! لابد من أنه يرى أنها غريبة أطوار الآن أليس التوتر أساساً كان يعتلي ملامحه ؟ أهذا بسببها ؟ ربما لإنها فقط ظهرت فجأة أو تسائل إن كانت هذه المختلة شقيقته ؟

تنفست بشيء من الضيق فهل هي تركت مثل ذاك الإنطباع الأول بعقله حقاً ؟ أعادت بصرها لباب غُرفتها عندما فتح لتظهر والدتها من خلفه و هي ما إحتاجت للكثير حتى أدركت أنها تمنع دموعها بالكاد من الهطول , لذا إعتدلت بجلستها بخفة بينما والدتها فقط أحاطتها بذراعيها قليلاً تطمأن أن صغيرتها بخير فبالرغم من كل العناد الذي تتمتع به إبنتها لم تفعلها قط و تهرب من المدرسة بل و تتأخر حتى الغروب بعودتها .

لا تدرك كيف تماسكت لكنها ما إن ابتعدت قليلاً نطقت بصوت ظهر به نبرة من الضعف غير المقصودة :" لما فقط تتصرفين بهذه الطريقة ؟ ألا يمكنك أن تتوقفي عن هذه التصرفات و التهور ؟ "

و إيزابيلا وضعت رأسها على كتفها دون الإجابة حقاً , و والدتها لم تكن قادرة على النطق بأكثر من هذا , لا تريد الخوض أكثر بالموضوع خشية ردة فعلها ، ما كانت لتغامر بفقد صغيرتها أيضاً , ليس و كأنه يمكنها إحتمال ذلك حقاً ! .

------
خطواته كانت تتصبح أكثر بُطئاً بفعل الانهاك الذي يمر به ، هو مُتعب حقاً و يرغب فقط بالإرتماء و لو أرضاً عله يُريح جسده .

مُنذ أن أستيقظ و هو يبحث عن مكان ما ليقضي به يومه أو عدة أيام حتى يتمكن من التفكير بما عليه فعله لاحقاً ، لكن هو عجز عن إيجاد مكان ما يستقبله .

توقفت خطواته أمام ذات المكان الذي انطلق منه يجلس بكل يأس بينما يخفي رأسه بين ركبتيه ، لم يكن باعتقاده أن الأمور ستكون بهذه الصعوبة حقاً !

شهق بنوع من المُفاجأة عندما شعر بالجروين يقفزان بمحاولة منهما للوصول لظهره ، هو رفع رأسه سريعاً و فتح ذراعيه يحمل المُصاب منهما بينما ينطق بإستياء :" لا تفعل ماذا لو أُصبت مُجدداً ؟ أو تألمت ؟ قد تجعل قدمك أسوء حتى "

تنفس بعمق بينما يذكر نفسه أن من أمامه لن يفهمه حقاً لذا وضعه و الآخر على قدميه يربت على فروهما الأبيض و الذي كان دافئاً حقاً بالنسبة للجو هنا بالشارع !

بليلته الأولى خارجاً هو ما شعر بالبرودة حقاً بفعل التعب و الحالة النفسية التي كان بها مع ذلك الأمر مختلف الآن ، هو بحال أفضل قليلاً و يوشك على التجمد حرفياً .

أعاد بصره للسماء التي كانت تأذن للغروب بأن يحتل لونها مُفكراً بما حدث معه للآن ، لا أحد رغب بجعل طفل تحت السن القانوني يعمل أو حتى يستأجر غرفة ما دون وجود بالغ و إن توافرت لديه النقود خشية مصدرها ، و آخرون ما همهم هذا بل رفضوا تواجد الجروين معه و طلبوا منه تركهم خارجاً و هو ما عجز عن فعله حقاً !

لذا يبدوا أنه تنتظره ليلة ثانية بالشارع حيث قد يتجمد جسده بالكامل ، تنفس بعمق يخرج هاتفه مُحدقاً بالصورة التي يضعها كخلفية ، هو تأملها عدة دقائق فقد خلالها حواسه بالكامل ، لا شيء لديه أهم من صاحبها و لا حتى حياته ، هو يدرك أن دموعه تأبى الإنهمار على الوضع الذي وجد نفسه به فقط لإنه يراه سبب سخيف مقارنة بإشتياقه له .

تنفس بعمق و هو ينطق بصوت خافت :" أراهن لو أنك هنا أو تعلم بما يحدث كنت لتجبرني على العودة صحيح ؟ "

دموعه داعبت عيناه بينما يحدق برقمه الذي لا يدرك كيف وصل إليه ، هو يريد حقاً سماع صوته أن يعلم على الأقل إن كان بخير أم لا ! لكن ثم ماذا ؟ هو لم يتعلم أي شيء ، إن عاد له الآن ألن يسبب له الألم ؟

الشعور بالاختناق ازداد بأعماقه لاسيما بِتصارع مشاعره المتناقضة تماماً ! هو ليس سوى طفل ما شاهد من الحياة سوى ظلال فقط عمل توأمه على جعلها أقل ألماً أو قسوة دائماً ، لذا أليس من واجبه معرفتها جيداً ليتمكن من أن يخطو للأمام ؟

بالنهاية هو أعاد هاتفه لجيبه مُغلقاً على رغباته بالركض إليه و إحتضانه ، ليغمض عيناه عله يتمكن من النوم مُتجاهلاً أطرافه التي تكاد تتجمد ، لكنه ما كاد يفعل هذا حتى تهادى لمسمعه صوت شخص ما :" أنت أتنوي الموت من التجمد ؟ كنت أراقبك منذ الصباح "

فتح المعني عيناه بخفة بينما نهض الجروين يقفان أمامه ليردف الغريب مُجدداً :" ما بك ؟ لدي منزل و هو كبير نوعاً ، أقوم بإعطاء أمثالك الغرف مقابل مبلغ زهيد من المال ما رأيك ؟ "

وقف هاري من مكانه ينفض الثلج و الغبار عن ثيابه بينما يحدق بالفتى بهدوء و تمعن ، خُصلاته ذات اللون البُني المحروق و عيناه اللتين إمتلكتا ذات اللون ، وجهه احتوى على بعض الندوب و هو ما أثار حفيظته حقاً !

شعر الأول بذلك ليحرك كتفيه بلا مُبالاة قبل أن ينطق مُستديراً :" حسناً آسف على التدخل "

عض هاري على شفتيه بقوة قبل أن يهتف :" مهلاً لحظة ، هل ستسمح لي بإحضارهما ؟ "

هو آمال رأسه قليلاً راسماً على شفتيه ابتسامة ما قبل أن يخفيها و يُجيب ببرود :" أجل ليس لي أي علاقة بما تحضره للغرفة إن استلمتها منك دون أي تخريب "

انهى عبارته بينما يشير بيده لهاري ليتبعه إن رغب و بدأ بالسير بالفعل و كأنه يخبره لا وقت لديك للتفكير إما ان تتبعني أو ابقى هنا ، و هاري نهض بالفعل ليتبعه فهل هناك أي خيار آخر حقاً ؟

------
استلقى على فراشه يحدق بالسقف بهدوء ، هو تمكن و بطريقة ما من إخماد غضبه و أفكاره التي كانت تُزعجه بالعمل ، هو تأكد من العودة مع ليو أولاً و إيصاله لمنزله قبل عودته لمنزل عمه .

قطعاً هذا لم يعني أن مشاعره السلبية قد أُخمدت بالكامل كما غضبه ، بل العكس ازداد الأمر سوءاً عندما أخبره ليو بصدق أنه لا يشعر حقاً بالألم من رؤيته بل الغضب أولاً من نفسه و ثانياً هو فقط يمتلك شعور سيء !

بالطبع رفيقه ابتسم بعدها بخفة يخبره بأن لا يقلق قد يكون هذا الشعور فقط لإنه شاهد العجوز الفظيع .

و قطعاً كلمات كتلك لن تُخمد قلقه بل و لا جزء بسيط منه حتى ، اهتزاز هاتفه جعله يُفيق من تلك الأفكار ، هو وجد رسالة إعتذار عن رقم مجهول إلا أن ما كُتب بها جعلته يدرك مرسلها و هنا سُحبت أفكاره لدفة أُخرى تماماً ، كيف عرفت هي عن مكانه ؟

لم يفهم ربما سبب زيارتها له بالجامعة حتى اللحظة ، عبس قليلاً بينما يذكر ردة فعله تلك ، هو بدى كتمثال حجري ربما بفعل إرتباكه ذاك !

كم كان عمرها عندما رآها آخر مرة ؟ هي كبرت و بشدة و بطريقة لا يتوقعها حتى ، تبدوا له صلبة و قوية ، ربما طائشة و لا يمكن السيطرة عليها و حقاً لم يتخيل قط أن تكون شقيقته الصغرى حاملة لمثل هذه الصفات .

بالنهاية هو فكر بكيف هي أحضرت رقمه لكنه سرعان ما تجاهل الأمر و ألقى بهاتفه بجواره ، هي عرفت اين هو يدرس فلماذا قد يخفى عنها أمر كهذا ؟ و حقاً هو ما شعر بنفسه عندما سقط بعالم الأحلام .

------

الظلام كان لا يزال مُسيطراً على الأرجاء بفعل تلك السُحب الداكنة و التي منعت أشعة الشمس من الظهور ، هو بدى يوماً كئيباً من بدايته رغم أنه يُحب الشتاء حقاً !

الضوضاء بالخارج أيقظته مُبكراً فعلى ما يبدوا أن الأمس ليلاً قد كانت مُحملة بذرات الثلج النقية و هم الآن يبعدونها عن الطرق الرئيسة ، سمع بالعمل من مديره أنها قد تكون آخر عاصفة لهذا العام و أن الأجواء ستبدأ بالإعتدال قريباً .

لما هو يفكر بكل هذا ؟ لا يعلم حقاً لذا فور أن لاحظ أنه جالس على سريره منذ أن فتح عيناه قبل ساعة ربما هب واقفاً بشكل سريع بينما ينطق بِتذمر :" مريع ! صباح فظيع ، لا أريد الذهاب للجامعة بل النوم ".

و بالفعل هو لم يكد يُنهي عبارته حتى أسقط جسده على فراشه ينعم ببعض الدفء الذي فقده ما إن ابتعد عنه بينما يكمل سيل تذمراته :" فقط الخروج بهذا الجو يُسمى جريمة و آل الفظيع لم يسمح لي حتى الآن بقيادة صغيرتي "

شهق بقوة ما إن بدأ هاتفه بالرنين بنغمة مميزة كعلامة للشخص المتصل ، هو أجاب بصوته الخامل :" اذهب بمفردك أريد النوم أيها المُتنمر "

الآخر رفع أحد حاجبيه باستنكار سريعاً و هو يجيب :" ليو لا تقل أنك لم تنهض بعد أيها الكسول ! أمامك خمس دقائق فقط لتستعد "

ازداد عبوس الآخر و هو يفكر بجدية بتجاهله ، لا يريد الذهاب اليوم ، يشعر مُنذ الأمس بأن هناك خطب ما سيحدث و الجو يزيد من تأثير تلك المشاعر السلبية و مع ذلك وجد نفسه يقف مرة أخرى يجيب رفيقه بتذمر :" آل أريد إستخدام صغيرتي اليوم أهذا ممكن يا أخي ؟ "

أجابه من فوره " كم مرة علي القول أنك لن تقودها حتى تشفى ؟ تناول كل يوم سبع وجبات وستستعيدها غير هذا لا نقاش "

شهق المعني و هو ينطق بعبوس :" من يتناول كل هذا المقدار ؟ مُتنمر ، سأعود للنوم "

أجابه بتهديد " عد للنوم و أعدك أني سآتي لأوقظك بطريقة لطيفة لم ترى مثلها قبلاً "

تذمر بينما يُبعد الهاتف عن أُذنه و ينهض ، قطعاً ذلك التهديد لا شأن له بقراره سوى أن عقله أوحى له بأن آلفين سيقف بانتظاره عند موقف الحافلات و إن تأخر سيأتي له بنفسه لكنه سيكون قد تجمد على الأغلب لذا هو فقط أسرع بتجهيز نفسه للخروج متوعداً أنه لن يتوقف عن التذمر و لو للحظة عندما يرى شقيقه !

و بالفعل هو ما إن لمحه جالساً على مقعد الإنتظار للحافلة حتى أسرع بخطواته اتجاهه بينما يشعر بشيء من الذنب لتركه ينتظر فالفرق بين نهاية تلك المحادثة و الآن تعدى ما يقارب الربع ساعة و هو حقاً محظوظ لكون شقته قرب موقف الحافلات .

نطق ما إن وصل إليه بتذمر :" حسناً سيد مُتنمر أنا هنا ؟ و الآن تفضل و اشرح لي أسباب هذا التنمر ! ماذا لو استخدمت صغيرتي اليوم لما تأخرت هكذا أو تجمدت من البرد "

اختتم عبارته يعدل وضعية الوشاح على وجهه بينما حدق به رفيقه بطرف عينه فحسب و هو يقف :" هل تناولت الإفطار ؟ "

و سؤال مُباغت كهذا كان كافياً بجعل ليو يختتم تذمُراته قبل أن يبدأ بها حتى و آلفين نهض من مقعده يضربه بقوة متوسطة على رأسه بما كان يحمله قبل أن يُلقي به له و هو يجيب :" رأيت أنت من لا يرغب بالشفاء سريعاً و العودة لها أخي ! و الآن تناول هذه "

هو حدق بما يديه و الذي ضُرب به بعبوس تواً ليرى أنه عبارة عن مُغلف تواجد بها فطيرة جُبن قبل أن يمد له كوب من الحليب الساخن بجواره و ليو رفع أحد حاجبيه بشيء من الاعتراض قبل أن يبتسم بخفة ، كيف له التذمر بحق و رفيقه هنا يفكر به حقاً أولاً !؟

بالنهاية هو سار باتجاه القاعة للإستعداد لبداية يومه الدراسي المُمل , هو جلس بمكانه المُعتاد يُحضر كُتبه بينما عاد الشعور بالإختناق يلفه أكثر فأكث

ر , هو و للمرة الأولى وجه أنظاره لإبن عمه الذي جلس برفقة مجموعة من الطُلاب يضحك معهم بخفة , مهما نظر إليه هو بدى أكثر من مُستعد لتحمل المسؤوليات بل و ربما أكثر كفاءة لتولي الإدارة منه هو , لديه مظهر مدير بالفعل و ينظر الجميع له بإحترام دائماً , لا يمكنه إنكار أنه يترك بصمة بكل مكان يتواجد به كما أنه لطالما تمكن من الحفاظ على مظهره هذا حتى و إن شعر بأنه غاضب , لن تختفي الإبتسامة عن وجهه أمام من يحاول إزعاجه بل سيعمل لإعادة الأمر له بساحة العمل !.

أشاح بوجهه بعبوس عندما إلتقت عيناه به و الذي رفع يده يقوم بتحيته بشيء من السخرية التي لطالما تواجدت بعيناه ما إن ينظر إليه , أسند رأسه للطاولة أمامه وهو يشتم نفسه لإنه حدق به كالمغفل , إن آتى إليه الآن سينتحر ببساطة فلا رغبة لديه بسماع أي مما سيقوله بكل سخرية و إزعاج كما هي عادته .

أخذ نفساً عميقاً يرفع رأسه ما إن دخل المُحاضر للقاعة , يشكر ربما حظه أن الأحمق لم يرى بتصرفه قبل قليل دعوة للقدوم و إزعاجه , بدأ بتسجيل المُلاحظات بهدوء مُتناسياً كل شيء للوقت الحالي بما بذلك شعوره السيء الذي بدأ يخفت فحسب وهو يرى أن هذا اليوم يسير بذات الوتيرة التي تسير بها بقية أيامه !

لكن ذاك الهدوء لم يدم طويلاً حقاً , فمنتصف تلك المُحاضرة دخل مُحاضر آخر للقاعة و قد تحدث قليلاً مع الأستاذ لديهم قبل أن يومأ له الأول و يتنحى جانباً قليلاً , الطلاب كالعادة بدأت الهمسات لديهم تعلو بينما ليو ببساطة بدأ يراقبهم بملل حتى وقعت عيناه مُباشرة على سيتو الذي رفع يده له أولاً قبل تحريكه لأصبعه الخنصر أفقياً أمام عنقه مُخبراً من ينظر إليه الآن أن نهايته إقتربت , و ليو عاد إليه شعوره ذاك بالقلق و قد إتسعت عيناه بشيء من الصدمة , يدرك حقاً أنه أياً كان القادم لن يكون بالأمر الجيد الآن , لذا هو تأمل سيتو الذي عاد للنظر للأمام بحقد بينما يكز على أسنانه بقوة يقبض على يديه بشدة مُغمضاً عيناه و كأنه يستعد لأياً كان القادم فهو لم يعد يوماً سليماً بعد تلك الإشارة .

و ما كانت سوى ثوان لم يتمكن ليو خلالها من إبعاد كل تلك المشاعر بل إزداد توتره عندما نطق المُحاضر الدخيل :" سوين ليو أنت سترافقني إلى المجلس التأديبي للجامعة "

و بالرغم من كل شيء هو رفع رأسه سريعاً يُحدق به بدهشة فلماذا قد يتم إستدعائه حتى لهناك ؟! عض على شفتيه قبل أن ينطق بوسط همسات الطُلاب الذين ينظرون له بنظرات مُختلفة و متفاوتة :" و لماذا علي ذلك ؟ "

و المعني أجابه بنبرة باردة :" هل تدعي أنك لا تعلم الآن بما فعلته ؟! سيد سوين لا أصدق ما فعلته فأنت تُسيء بهذا لسمعة أسرتك و كل من يؤمن بك ! أنت تبني نجاحك على الغش أمر لا تقبله هذه الجامعة مُطلقاً , من تظن نفسك لتفعل هذا ؟! و أنا الذي كنت أتسائل كيف يمكن لطالب مثلك إحضار الأول هنا ! "

عيناه كانتا تتسعان مع كل كلمة يتم قولها بينما أسنانه كادت أن تطحن بعضها البعض بغضب , هو وقف يأخذ ما أمامه دون أن ينطق بأي حرف آخر , هو لم يفعلها صحيح ؟ إذاً أياً كان ما قدمه سيتو لهم يمكنه فقط رده عليهم , خطواته كانت شبه ثابتة يحاول إطفاء تلك الشُعلة التي كانت تحرقه بأعماقه , هو خائف ؟ أجل هذه ما كانت المرة الأولى التي تم إتهامه بها دون أي ذنب , و يدرك بأعماق قلبه أنه لم ينجوا بأي مرة سابقة إذاً لما قد تكون هذه المرة مُختلفة ؟!

توقفت خطواته قليلاً عندما تهادى لمسمعه صوت طالب ما ينطق بنوع من الهمس المسموع لرفاقه :" لقد علمت قبل فترة أن تهمته كانت القتل ! و تسائلت حقاً كيف يمكن لشخص قاتل أن يكون الأول هنا ! الآن هذا يفسر كل شيء "

أخفض رأسه يسرع بالخروج من المكان مُتجاهلاً بقية الهمسات يشد على يديه بقوة , هو حتى لم ينظر لسيتو فلا طاقة لديه لفعلها , ملامحه باردة كما الجليد , بالرغم من أن أعماقه بالداخل مُشتعلة كما لو كان يحتضر , لماذا فقط يحب الآخرين دائماً القفز لتلك الإستنتاجات ؟! ما شأنهم بأي حال ؟! قاتل أم لا , غش أو لم يفعل هو حتى لم يختلط بأي منهم صحيح ؟

تنفس بعمق مُتسائلاً عن ردة فعل ثلاث أشخاص هو سيرى إنعكاس قوته بهم فقط , إن وقفوا برفقته سينهض و إلا فقط لماذا عليه المقاومة ؟!.

------

هو أنهى عمله هذا اليوم مُبكراً فقط للتوجه لرؤية شقيقه الأصغر بمكتبه , لم يتفرغ للحديث معه مُذ عودته من تلك الرحلة و لكن لا يمكنه حقاً تأجيل الأمر أكثر من ذلك , و لا يريد تواجد زوجته و ابنته أيضاً عند جلوسهما معاً , هو دخل للمكتب الفارغ حيث أخبره من بالخارج أن السيد جين حالياً بجلسة قضائية لذا يمكنه الإنتظار بالمكتب !.

هو وقف بالمكان يحدق به بهدوء , كم مضى منذ آخر مرة زاره هنا بمكان عمله ؟ و بالرغم من هذا لا يوجد الكثير مما تغير حقاً , تقدم بإتجاه المكتب يلتقط صورة ما موضوعة فوقه و قد كانت تقريباً الوحيدة وسط إستغرابه من ذلك فلطالما كان جين يرفض وضع على مكتبه أمور كهذه , لكن على الأغلب هي صورة كان يتأملها قبل مُغادرته و عيناه اتسعت بالفعل ما إن رآها , هي كانت صورة لشقيقه أمام باب منزله بينما يبتسم بإبتسامة واسعة ما عاد يراها على وجهه كثيراً و بقربه وقف طفل بالسابعة من العمر ينظر إليه بابتسامة مُشابهة لخاصته بينما تعكس وجنتيه المتوردتين الكثير من شخصيته الخجولة التي إمتلكها .

هو قطب حاجبيه يفكر بالصورة و بكل ما حدث حقاً , لم يفكر قط بما قد يكون شعور شقيقه الحقيقي بذاك الوقت فهو لم يُظهر أي أمر على ملامحه و ما تحدث حقاً عن ذلك مُجدداً , ثوان فقط و شهق سريعاً و بشيء من الرُعب عندما سُحبت الصورة من بين يديه بنوع من القوة بينما تهادى صوت شقيقه إليه ينطق بهدوء :" أعتذر إن تأخرت وأشعرك هذا بملل شديد تشارلز ! "

هو أعاد الصورة لدرج المكتب بجواره قبل أن يجلس بالكرسي الذي أمام المكتب حيث دعى شقيقه المُتجمد للجلوس بالكرسي الذي يُقابله ينتظر منه أن ينطق , قوس تشارلز أولاً شفتيه بنوع من الإستياء قبل أن ينتهد و هو يسير للجلوس لحيث دعاه بينما يتحدث بذات نبرة أخاه :" لا تتحدث معي بهذا الأسلوب أخي , أنت لست ممن يزين مكتبه بالصور عادة هذا كل ما في الأمر "

ابتسم له بالمُقابل يُجيب :" الفضول سيء ! خاصة عندما تقف بمكتب لقاضٍ ما تشارلز , هناك معلومات سرية بكل مكان و بالعادة لا يُسمح لأحد بالدخول , بأي حال لننسى الأمر لا أظن أنك إشتقت لي فجأة و قررت القدوم فقط صحيح ؟ "

تنفس بعمق يُخرج الظرف الأسود من جيب معطفه يمده لشقيقه الذي قطب حاجبيه قليلاً و قد بدى على ملامحه الضيق و كأنه يدرك ما بداخله دون رؤيته حتى ! .

هو قام بفتح الظرف و إخراج الرسالة بينما بدى على ملامح وجه الضيق أكثر فأكثر , لم يرغب بوصول الأمر لأفراد أسرته حقاً أو أي منهم , هو للآن لا يعلم حتى من يكون غريمه و ماذا يريد تماماً , لا يذكر من الذي يحقد عليه لهذه الدرجة و ما يرغب به , و كما آل هو وقف أمام الأسطر الأخيرة و قد رفع أحد حاجباه سريعاً , هو يعلم من المقصود بالطير لكن الأمر بات يُثير غضبه و شكوكه !

بالنهاية هو تنفس بعمق عندما سمع شقيقه يتحدث :" لقد وصلت للمنزل عندما كنت و زوجتي برحلة العمل تلك , بحقك جين ماذا يحدث معك يا أخي ؟ لا يمكنك تجاهل أمر كهذا مُطلقاً "

هو أجابه سريعاً :" رحلة العمل ؟ أنت و زوجتك فقط ؟ هل أبقيت أنجيلا بالمنزل بمُفردها حقاً ؟! و هل وجدته وحدها أهي بخير ؟ "

و تشارلز عض على شفتيه سريعاً من سرعة بديهة تفكير من أمامه , كيف أوصلته أفكاره بهذه اللحظة لأمر كهذا بحق ؟ آمال جين رأسه يحدق بشقيقه قليلاً بشيء من الحيرة فلماذا هو إنزعج من سؤال كهذا حقاً ؟ و كأنه يريد إخفاء أمر ما ؟

تنهد بتعب قبل أن يُردف فهو لا يريد فتح تحقيق مع شقيقه بأي حال :" أيمكن لك أن لا تخبر أحد بالأمر !؟ أعني والدانا أو أي أحد آخر من الأسرة و لا زوجتي أو إيزا , سأتعامل مع الأمر فلا داعي للقلق ! "

شد على يده قليلاً فالرسالة بيده بحق الإله تهديد بالقتل بل و هناك دماء تزينها ! , ثوان و نطق بحنق :" جين هذه ليست لعبة ثم بحق دماء من هي على الظرف ؟ "

تلك العبارة الأخيرة أجبرت الأصغر على إدارة الظرف ليرى الكتابة الحمراء , هو للتو إنتبه أنها دماء حرفياً , عض على شفتيه بقوة فالأمر لا يعجبه حقاً , خاصة مع تواجد عبارة الطير بالرسالة ! أغلق عيناه قليلاً قبل أن ينطق بصوت مرتفع نسبياً لشخص ما يقف خارج المكتب يطلب منه الحضور و ما إن فعل حتى نطق بهدوء و جد :" أريد منك تحليل عينة الدماء هذه , إضافة إلى البصمات التي بها و لا تخبر أحد بالنتيجة قبلي "

أنهى عبارته ليعيد نظره لشقيقه الذي بدى وجهه شاحب نوعاً ما لينطق بشك :" حقاً تشارلز أهناك ما تُخفيه عني أيضاً ؟"

خرج المعني من شروده ذاك يحدق بالمكتب و تحديداً للمكان الذي تواجدت به تلك الصورة قبل أن يُخفيها من أمامه , و عندما أعاد ببصره للأصغر وجده يحدق به بابتسامة مُريبة , هي ذات الابتسامة التي يرسمها بكل مرة يوشك بها على إكتشاف ما يحاول إخفائه و بحق بات يكره هذا لذا نهض سريعاً قبل أن يتسبب بدون إرادة منه بكشف آلفين الذي يعيش بمنزله حقاً و هو ينطق بجد :" حسناً سأعود للمنزل و سأثق بقدرتك على حل الأمر لكن أخي من الأفضل لك أن لا تحاول المقاومة حتى و أنت تدرك أن لا فائدة منها بمفردك مفهوم ؟ "

نهض الآخر أيضاً يومأ إيجاباً بابتسامة هادئة :" لا تقلق لن يحدث , ثم أيضاً أُدرك أنك و أسرتك لمستم الظرف بالفعل لذا بالطبع البصمات الخاصة بكم لن يتم إحتسابها أخي "

و هو حقاً لا يعلم لما شعر بأن جين يحاول إستفزازه هنا لذا أنهى زيارته بالمُغادرة فحسب بعد أعاد على مسامع شقيقه الأصغر :" إن أردت المُساعدة تعلم أين ستجدها جين "

و ما إن غادر الأكبر المكتب حتى نهض الأصغر ليقف أمام النافذة يحدق بها بشرود , الأمور تخرج عن سيطرته بالفعل بل هو بكل خطوة يخطوها لكشف ما يحدث يأتيه شعور عميق بالضيق فكل خيط يتصل مع تلك الحادثة و هذا يؤرقه بشدة , ابتسامة مُنكسرة ظهرت على ملامحه بينما ينطق :" يبدوا بالنهاية أني من تسبب بكل هذا لأسرتي , و مع ذلك أنا من دفع الثمن و غالياً جداً "

أغلق عيناه مُخفياً زُرقة عيناه الزجاجية خلف جفنيه و كل مشاعره أخفاها بإتقان شديد بلحظات , شد على يده قليلاً قبل أن ينطلق لمكتبه يكمل مُراجعة القضايا التي أوكل القضاء بها إليه .

------

وقف يستمع لكل ما يحدث حوله بحاجب مرفوع و شيء من السخرية غمرت ملامح وجهه , هي سخرية أخفت بين طياتها كل ذلك الألم الذي يشعر به الآن , هو يقف أمام مكتب مدير الجامعة بينما هنالك المُحاضر الذي أخرجه من القاعة بتلك الطريقة المُهينة و الذي تبين له أنه من قدم البلاغ الخاص بمسألة الغش , و بقربهم وقف عدة أفراد من اللجنة التأديبية كُل منهم يُدلي برأيه من خلال تلك الأدلة التي تم جمعها أو العثور عليها هو لا يهتم حقاً !

الموقف بأكمله يُعيد إليه ذكريات لا رغبة له بتذكرها حقاً , بحق الإله أهم بقاعة محكمة ؟! أغمض عيناه يأخذ نفساً عميقاً عله لا ينطق بما سيندم عليه لاحقاً , شد على قبضة يده عندما نطق المُدير بحزم :" سيد سوين أتذكر ما قلته لك عندما أتيت و صديقك للتسجيل هنا ؟ نحن لا نقبل أصحاب السوابق بالعادة و مع ذلك و إحتراماً لصديق لي قبلت بهذا , لكنك خرقت القوانين بأي حال ! و فوق كل هذا هناك تقارير تشير إلى أنك تتصرف بعدائية مع من يحاول الحديث معك , أين تظن نفسك لتقوم بكل هذه الأفعال ؟ "

شفتيه كانتا قد بدأتا بالنزيف من شدة ضغطه عليهما , يمكنه معرفة سبب قدوم جده بالأمس الآن فمن سيُقدم تقارير كهذه بحق الإله سواهما ؟! بالنهاية هو نطق بنبرة باردة :" أجل أذكر ما قلته ذاك اليوم جيداً , و لم أخرق أي قانون لعين "

أجبر نفسه على الصمت لئلا ينفجر حقاً , فهو لو أكمل حديثه لأبعد الإحترام تماماً من بين أحرفه لذا فقط صمت مُتراجعاً خطوة للخلف مُحدقاً بمن أمامه و الذي نظر له بإستنكار شديد و كأنه قد خرق كل الأداب العامة !

ابتسامته الساخرة عادت للظهور , إنتهى الأمر بالفعل هو يدرك ما يلي تلك النظرة تماماً لذا قبض على يده يستمع لكلمات المُدير بلا أي تعبير مرسوم على وجهه :" سوين المواد التي قدمتها بالفصل الماضي سيتم إسقاطها جميعاً و أنت محروم من تقديم هذا الفصل يمكنك التفكير خلال هذه الأشهر حول تصرفاتك و سلوكك , كن شاكراً أنني لم أفصلك نهائياً من الجامعة يمكنك محاولة البدأ من جديد ببداية العام القادم "

هو أنهى جملته يعطيه إشارة بيده للمغادرة بإنزعاج منه , و ليو سار للخارج بصمت , جسده يرتجف بقوة بينما شحبت ملامحه بالكامل هذا أكثر مما توقعه حقاً , الآن سيعود المستشارين لإزعاج والده بشأن فشله و رفضه , بل هل سيحافظ والده على سجله الجيد حقاً معه و يستمع له ؟!

هو كان قد غادر الجامعة بأكملها يسير بالطرقات دون أن يعلم أين يفترض به الذهاب , الوشاح هو رفعه لتغطية وجهه بينما أخفى خُصلاته و بقية ملامحه أسفل القبعة المُتصلة بمعطفه و قبل أن يُدرك كانت هناك دمعة تسير على وجنته و هو مسحها سريعاً و بعنف , ماذا سيفيده هذا حتى ؟! خطواته البطيئة تلك تحولت للركض و كأنه راغب بالهرب لا لمكان محدد فقط أراد الإبتعاد أو إنهاك جسده علًَ هذا يُبعده عن الألم الذي يحتل صدره الآن .

------

أخرج تلك الورقة التي دون عليها المعلومات عن الميتم و إسم الصغير من جيبه بينما يتأمل المكان أمامه , من الواضح له أن هذا الميتم يفتقر للكثير حقاً من المقومات الأساسية , هو حتى بمنطقة مُتهالكة لا يرغب أحد حقاً بالتواجد بها , لا يُدرك لما يبقي سام إبنه بمكان قذر كهذا , لكن مُجدداً هل شقيقه يهتم حقاً ؟

هو سار بخطوات هادئة مُترددة حيث صوت الأطفال يعلو تدريجياً من الساحة الخلفية للمبنى و التي يمكنك الإلتفاف لها بسهولة , للآن هو لم يرى أي شحص يراقبهم حتى و تسائل بأعماقه عن من يحمي الصغار إن حدث أي مكروه مثلاً ؟!

قطعاً هو لم يكن قادراً على معرفته لاسيما و أنه لا يعلم حتى من هي أُمه و لا يستطيع أن يُخمن أهو يشبه شقيقه و أسرته أم والدته ؟! خرج من أفكاره عندما شد إنتباهه طفل ما وقف مكتفاً ذراعيه ينظر لمن يجلس وحده تحت ظل شجرة كبيرة مُغمضاً عيناه بخفة قبل أن يقاطعه صوت الطفل الأول الذي نطق بضيق :" أليكسندر لقد طلبت منك إعادة الكرة لي صحيح ؟ "

فتح الصغير المعني عيناه يحدق بمن أمامه بشيء من الإستياء بينما يُجيب :" و أنا قلت لك أحضرها بنفسك ! "

تذمر الآخر منه بينما يسير مُبتعداً عنه , أنظار إيرنيست تعلقت بالصغير الذي أعاد إغلاق عيناه الذهبية بينما يسند جسده على جذع الشجرة , خُصلاته شابهت لون عيناه و التي قام هو بترتيبها قليلاً قبل أن يضع رأسه أيضاً على الجذع , بالنسبة لإيرنيست هو رآى الكثير حقاً من الوحدة و الألم بالنسبة لطفل بمثل عمره , و هذا آلمه , ذاك الصغير أطلق عليه إسم " أليكسندر " أي هو الصغير المنشود صحيح ؟!

ضم قبضته بينما يفكر بأنه عليه العمل لمحو تلك النظرة من عيناه , لا يريد أن يكبر ليصبح بائساً مثله لذا سيحميه حقاً منهم , إختتم زيارته تلك للمك

ان عند هذا الحد , لا يمكنه الإقتراب من الطفل لإخباره أنني شقيق والدك الأًصغر ! هو عليه أخذ وقته قبل أن يتحرك لئلا يفقد ثقته أو يسبب بكشف خططه لسامويل فيسلبه النجاح قبل أن يخطوا أولى خطواته نحوه .

------

توقف أمام المحل الذي يعمل به بالرغم من أنه لازل من المُبكر تواجده حقاً , أنفاسه كانت مُنهكة تماماً كما لو كانت توشك على الإندثار , يشعر بدوار شديد يكاد يفتك به هو حتى أخرج كل ما إحتوته معدته وجهه كان شاحب كما الأموات تماماً , يُزعجه و يؤلمه كل ما يحدث , الآن هو يدرك أنهم أخبروا والده بالفعل إن لم يكن المدير فعلى الأقل سيتو فعل بما أنها غايته بأي حال !

لماذا هو أحمق لهذه الدرجة ؟ لما عليه و بكل مرة أن يتأذى بسببه ؟! ألم يتعلم الدرس بالفعل ؟ لماذا لا يتخذ حيطة أكبر ؟ لكن بحق ماذا كان يمكنه أن يفعل ؟ هو حتى تجنب الحديث معه و لم يرفع يده قط لئلا يُمسك أي منهم دليل ضده و مع ذلك حدث هذا , أخفض رأسه بينما يُبعد القبعة عن رأسه و يتقدم للداخل , بماذا سيفيده التفكير بأي حل الآن ؟!

لا شيء يدور بعقله سوى والده , هو ربما قادر على ثنيهم عن ذلك القرار لكن أيمكنه حقاً الإتصال به و طلب المُساعدة منه ؟ هو حقاً لن يحتمل أن يتنازل للإتصال به طالباً منه المُساعدة فيوبخه لإنه ليس بحاجة لذلك , هو فقط بالكاد يقف على قدميه , يشعر بأن صوته قد إختفى حتى و الألم بصدره لا يُطاق , يعترف بمفرده أنه مغفل دون الحاجة لأي إنسان لإخباره بذلك لذا فقط كيف له أن يُغامر ؟

رفع رأسه ببطء عندما هتف مالك المتجر بسرور :" ليو لقد أتيت مُبكراً ! كنت حقاً أرغب بالإتصال بك فاليوم لدينا الكثير من العمل , ستصل الشُحنة الجديدة من الملابس لذا علينا التأكد منها و نقوم بعرضها على واجهة المحل بدلاً من المعروضة حالياً ثم ترتيبها و بالنهاية ترتيب ما تبقى بالمستودع لذا كالعادة اليوم سنغلق المحل فلا يمكن لي و لك فقط فعل كل هذا إضافة لإستقبال الزبائن !"

أومأ له المعني بهدوء بينما ينطق بصوت مُرهق :" ألم يكن لديك موعد يوم ؟ يُمكنني تولي الأمور هنا وحدي "

قطب حاجبيه سريعاً بينما ينظر للشاب الشاحب أمامه و قد إنتبه لملامحه تواً :" هل أنت بخير يا بُني ؟ أرى أنك بحاجة لراحة لا لحمل كل المهام فوق عاتقك ! "

نظر له ليو بعينان ذابلة و هو يجيب :" هو مجرد زُكام على الأغلب و علي مقاومته فقط , لذا من فضلك لا تقلق سأتولى الأمر هنا لا داعي لإجهاد نفسك "

حدق به العجوز بشيء من الحيرة قبل أن يتنهد بخفة بينما ينطق :" لا بأس سأعتمد عليك إذاً , لكن سأغادر بعد أن نستلم الشُحنة و أنت ستكمل الباقي موافق ؟"

أومأ ليو له بينما ينزع معطفه و الوشاح ليضعهما على الطاولة , هو تأمل هاتفه للحظات قبل أن يُرسل رسالة لرفيقه بأنه غادر مُبكراً اليوم لأجل العمل , و ما إن أرسلها حتى ابتسم بسخرية من نفسه و كأنه يمكنه خداع آل طوال الوقت ! , مُكالمة واحدة فقط و ستفضح أمره تماماً , و إن رآه أيضاً ذات النتيجة ثُم ليس و كأنه لن يعلم من آنجيلا عما حدث , ربما سيغضب منه هو الآخر لكن بحق لا يشعر بأنه قادر على الحديث عن الأمر أو إرساله كنص حتى لذا قرر تجاهل الأمر حالياً يمكنه فقط الإختفاء هذه الليلة عنه و غداً سيرى ما سيفعله .

إنطلق أولاً لواجهة المحل حيث بدأ بإفراغ أماكن العرض للإستعداد لقدوم الدُفعة الجديدة منها فلا فائدة بأي حال من الجلوس و الإنتظار فقط , و صاحب المكان جلس يراقبه بهدوء و شيء من القلق لا يعلم ما حدث معه لكنه ليس بمغفل ليصدق بأن الشاب أمامه مُصاب بالزكام و مع هذا لم يرغب حقاً برفض طلبه و قرر المُغادرة لأجله و بذات الوقت لم يرد تركه مع الحسابات و غيرها بذهن مُشتت كهذا فلا يمكنه التسامح بأخطاء من هذا النوع لذا فضل فحسب أن يتأكد هو من الأمر !.

ذاك الإنتظار لم يطل كثيراً فالشُحنة وصلت بعد ذلك بساعة تقريباً لم يشعر أي منهما بها , فقد كان ليو يُبعد بعض الثياب لإرسالها للمستودع لعرض الجديدة بينما كان الأكبر سناً يضع خطط للقيام بمعرض تخفيضات قبل حلول موسم الصيف , و كلاهما ترك ما بيده و إتجه للتأكد من البضاعة التي وصلتهم .

ساعة أُخرى باتت جزء من ماضٍ لا يعود , توقف المالك يحدق بالفوضى التي ملئت الأرجاء راغباً بالتراجع عن قراره بترك الفتى وحده , كم ساعة سيمضي هنا ينهي العمل ثم ينظف المكان إستعداداً للغد ؟! فهو لا يمكنه تركه بفوضى أيضاً !

رفع ليو رأسه ما إن شعر بتحديقه به لينطق سريعاً :" سأكون بخير ! إن حدث أي أمر سأتصل بك "

تنفس المعني بهدوء و هو يغادر مُغلقاً باب المحل خلفه و الذي نهض ليو من بعده ليضع لافتة مُغلق ثم أقفله بالقفل ليعود و يُبحر بالكثير من الصمت حتى بأفكاره التي توقفت عن إزعاجه فهو أشغل نفسه حرفياً بكل ما بيده , هو ما رغب بتواجد أحد حوله و كم شعر بالراحة عندما أدرك أن لا زبائن اليوم و إلا ربما إكتمل يومه بحصوله على طرد من هنا .

لم يكن الدوار قد إختفى للآن و مازال قلبه ينبض بألم لكن بملامح ما عكست عن أي من ذلك سوى بشحوب وجهه , بفضل إستعداده السابق هو إنتهى من عرض الثياب و وضعها على الرفوف المخصصة لها أو تعليقها خلال ساعتين أتمها بطريقة ما , و حقاً هو لم يعطي لنفسه أي راحة بل بدأ ينقل الثياب للأسفل حيث المُستودع , كم نقلة قام بها و أنها ترتيبها لا يعلم حقاً و لا فكرة لديه عن الساعة حتى لكنه فجأة جلس على إحدى الدرجات المؤدية للأسفل يُمسك برأسه بقوة بينما يُغمض عيناه , بحق يكفيه ما به لما على هذا الدوار الإستمرار بمُهاجمته !؟

ليس و كأنه ينقصه حقاً , هو نهض ليكمل ما يفعله بينما ذاكرته عرضت عليه عندما أصابه الدوار و آل بقربه , أجبره يومها على الذهاب للمشفى , لو كان هنا لوبخه بحق على ما يفعله , من المجنون الذي يستمر بصعود و هبوط السلالم و هو مُصاب بدوار كهذا ؟ أو يعمل حتى ؟

قوس شفتيه للأسفل يحاول و بكل جهده أن لا يبكي حقاً , ليس طفلاً ليفعل هو حقاً ما عاد كذلك إلى متى سيستمر بالهرب بمواقف مُشابهة ! أليست غلطته ؟ هو كان عليه توقع حدوث شيء كهذا بل ربما و أسوء لكن ماذا فعل ؟ لا شيء إنتظر فقط حدوث الأمر بالرغم من شعوره بوجود شيء خاطئ منذ رؤيته لذلك اللعين ! ما هي مشكلتهم معه بحق الإله !؟

نهض من موقعه يكمل عمله فبكل حال لم يتبقى أمامه الكثير فقط ترتيب ما بيده ثم تنظيف المكان و العودة للمنزل حيث سيتأكد من إبتلاع عٌلبة من الحبوب المنومة لئلا يصحوا قريباً .

الساعة كانت قد تجاوزت الثامنة مساءاً عندما هو أمسك بمعطفه و وشاحه يعيد إرتدائهما ثم حمل هاتفه و ما إن فعل حتى شعر بأن قلبه يوشك على التوقف عن النبض حقاً , هو وجد عدة مُكالمات من والده و أُخرى من آل !

شد على قبضته بقوة قبل أن يضع السماعات بأذنيه و يصلهما بالهاتف , هو أغلق المحل جيداً و كل أضوائه ثم سار بالطريق بينما رذاذ المطر يتساقط , عيناه كانتا تتأملان تلك المُكالمات عندما وصلته رسالة من آلفين :" أين أنت ؟"

هو أراد الإجابة عليها برسالة أٌخرى عندما قاطعته مُكالمة واردة من والده , تنفس بعمق شديد وقد قرر الصمت مهما أخبره أو وبخه و كم يتمنى بأعماقه أن لا يفعلها حقاً , عض على شفتيه تزامناً مع ضغطه للإجابة مُغمضاً عيناه و قد توقف عن السير ليقف مُستنداً على الحائط خلفه , وجهه الشاحب إزداد شحوبه ما إن وصلته تلك النبرة الغاضبة :" أتدرك كم مرة إتصلت بك و اللعنة ليو ؟! من الجيد أنك قررت الإجابة بالنهاية لإنني أقسم أن النتيجة لم تكن لصالحك ! "

يُقسم بأنه لا يعلم كيف ظهر صوته يجيب بنوع من التهكم :" أتعني أنها بصالحي الآن ؟ "

هو حقاً لم يرد الإجابة و لا الحديث لكنه ما تمكن من منع نفسه من نطقها و الطرف الآخر هتف سريعاً بحنق :" من المُذهل كيف أنك تجد الوقت للرد و التهكم ليو بينما كل تفعله هو إفساد كل شيء , أخبرني فقط كيف يمكنني التعامل معك ؟ ما هو الشيء الذي علي فعله لك لتتوقف عن إيقاع نفسك بالمشاكل ؟ بحق الإله ليو أخبرني "

ضرب الحائط خلفه بيديه ما إن وضع الهاتف بجيبه عل هذا ينقل شيء مما يجتاحه الآن له مُخرجاً بذلك جزء من الألم الذي به , و قطعاً هو لم ينطق بأي حرف لئلا يكشف عن صوته المهزوز و الذي يُنبأ بأن دموعه كادت تغادر مُقلتيه سواء برغبته أم لا !

الآخر عاد للحديث بإنزعاج أشد :" هل ستبقى صامتاً ؟ أتعلم أن هذا كل ما يمكنك فعله بكل مرة !؟ لماذا لا تتحدث ؟ أم أنك فقط تفتح فمك عندما ترغب بالسخرية و التهكم ؟! أخبرني ماذا و اللعنة علي أن أفعل ! أتدرك حجم المشكلة التي نحن بها ؟ "

صمت قليلاً قبل أن ينطق مُصحِحاً :" لا أقصد التي أنا بها فلا أظن أنك تهتم من الأساس لأي مما يحدث حولك و اللعنة ! كيف تظن أنه بإمكاني تصحيح الأمر أمام المُستشارين ؟ أجب ! بحقك لقد وقعت على ورقة عقوبة تأديبية ليو , لم تكتفي بالسجن بسجلك و الآن هذه ! لقد تدخلت مع الإدارة بالجامعة , مع بداية الأسبوع القادم ستذهب لتقديم إمتحان شامل للمواد الخاصة بالفصل الماضي , هذه المرة ستكون المراقبة شديدة و عليك النجاح ليلغى قرار الفصل و إسقاط المواد أتفهم ؟ "

شد على يده بقوة و هو يومأ سلباً , لما عليه فعل ذلك ؟ لا يريد العودة حقاً و ليس بهذه الطريقة بحق الإله , كيف له العودة و السير بين الطلاب و كأن لا شيء حدث ؟! بالكاد كان يقنع نفسه بأنه لا يهتم بقصة معرفتهم أنه قاتل لإنها من الماضي لكن الآن ماذا ؟! هذا مؤلم لذا هو أجاب بعناد و شيء من القوة التي ظهرت بجسده فجأة :" لا , حقاً لن أذهب و لتعلم يمكنك تهديدي بما تريد ! أخرق الإتفاق الذي بيننا لا أهتم لكن لن أذهب "

تمكن من سماع شيء ما تم رميه بقوة و أدرك أنه حقاً أوصل والده لآخر مراحل الغضب لكن هو لم يتواجد معه , ما شاهد شيء مما عاناه بل هو بحق لم يعاني يوماً ما عاناه هو بكل حياته !

بالنهاية إرتخى جسده بالكامل يشعر بأن قلبه يوشك على التوقف تماماً و قد إتسعت عيناه عندما نطق والده بنبرة باردة بدت خيبة الأمل بها واضحة و بشدة :" شكراً لك ليو , تفضل تابع ما تقوم به أياً يكن بما أنه يُسعدك و أُقسم بالنهاية أنني إن مت ستكون السبب "

هو أنهى عبارته ليُغلق الخط بينما اتسعت عينا المعني بقوة شديدة , دموعه تجمدت بمقلتيه يجلس أرضاً واضعاً يده على فمه يُطلق من بين شفتيه عدة شهقات مُتتالية و كأن روحه توشك على المُغادرة !

لملمة شتات نفسه استغرقت منه عدة دقائق قبل أن يقف ناهضاً بوجه لا يشي ما يفكر به أو بما يشعر و ربما بعبارة أدق هو بدى وجهاً لشخص يشعر بأنه اكتفى من كل ما يحدث حوله ، و هو ما عبرت عنه خطواته البطيئة !

عندما وصل لمنزله هو توقف بالردهة يحدق بكل ما حوله بينما طغى على شعوره الفراغ و البرودة ، أخذ نفساً عميقاً يسير باتجاه غرفته التي ترك النوم بها مُذ مغادرة آل المنزل ، جلس على فراشه يغمض عيناه مُستعيداً بذاكرته أحداث اليوم بالكامل ، و ربما تعدت ذاكرته اليوم و عادت تجمع بين كل موقف مُشابه كان يقف به هو على منصة الإتهام دون ارتكابه ما أُتهم به !

ابتسامة مُتألمة ظهرت على وجهه بينما إحمرت عيناه مُفكراً بأن النتيجة لطالما كانت واحدة ، هو مذنب دائماً ، و كل ما عليه فعله هو تقديم ذاك الامتحان ثم العودة برأس لا يمكنه رفعه حتى بين الآخرين فسُمعة جديدة وقفت بصف ما يسبقها بالفعل ، و إن تصرف ببرود شديد لم يكن هذا ليعني أنه لن يحترق من الداخل .

بعثر شعره بحركة عشوائية إلا أنه شهق بفزع شديد يبعد يده عنه ما إن لمحت عيناه تلك الساعة الفخمة المُلتفة حول ذراعه ، هو أبقى يده معلقة بعيداً عن بقية جسده بينما الأخرى تحركت تُبعدها عن معصمه و دموعه تتجمع ، لسبب ما و إن كان يدرك أنه ليس بكاذب لكن يشعر بأنه فقد حقه بها ، لذا أبعدها أولاً ثم أسرع يبعد ربطة عنقه أيضاً و إن كانت أفكاره تتجه لمعرفة ما فكرت والدته به أيضاً !

هي لم تتصل به ، ما حاولت معرفة إن كان بخير أم لا إذاً هل موقفها مُشابه ؟! لا يلوم والده بحق فبالنهاية هو يبذل كل شيء لأجل إيصاله للقمة و هو فقط بكل مرة يجد نفسه يعيده لنقطة الصفر إذاً أليس من حقه الغضب ؟! و مع أنه يدرك هذا إذاً ما بال تلك الخيبة التي تقبض على أنفاسه و نبضاته ؟

أغمض عيناه يأخذ نفساً عميقاً قبل أن ينطق بنبرة خائرة القوى :" مؤلم "

بالنهاية هو نهض يعيد الهدايا للصناديق الخاصة بها بألم فاق سعادة استلامها منهما ، ثم أخرج بالنهاية تلك الميدالية يحدق بالكلمات التي حُفرت عليها ليضمها قليلاً و هو يهمس :" أنت مُخطأ آل ! لا أحد يفترض أن يسعد لوجودي على قيد الحياة ، أنا فقط وجدت لخيبة الأمل "

و لسبب ما هدية رفيقه هي الوحيدة التي لم يُبعدها
عنه بل أبقاها حبيسة يديه بينهما و بين قلبه علها تخفف جزء من الألم ، حتى بعد أخذه لإحدى الحبوب المنومة هو أبقاها قربه و كأنها قادرة على امتصاص الألم منه و ربما الحقيقة خلف عدم إعادتها لعُلبتها الأصلية هي ثقته بصاحبها و ردة فعله ، معرفته أنه لن يؤلمه بكلماته و إن خاب أمله ؟!

أغمض عيناه عله يغفو لتهرب عدة قطرات مالحة من عيناه مُفكراً بأنه لا يريد أن يخيب أمل آل به أيضاً كوالداه !
------

و بمكان آخر إستلقى بفراشه بينما مُقلتيه العسلية تحدق بالساعة الموضوعة بجواره , أخبره ليو بأنه تأخر بالعمل بما أن هنالك بضاعة جديدة تم إستلامها , و هو بالفعل يدرك كيف يكون الأمر شاقاً عندما يحدث هذا إذاً لما هنالك شعور قوي بأعماقه يُطالبه بأن ينهض و يتجه إليه للإطمئنان عليه ؟!

الساعة كانت قد تجاوزت مُنتصف الليل بالفعل و هو عاجز عن النوم تماماً ، كان يجلس على حافة النافذة يتأمل تلك الرسالة التي قرأها مئات المرات بحثاً و لو عن حرف واحد يدل على أن رفيق طفولته و أخاه ليس بخير كما يُلح قلبه عليه .

-" أنا بخير أيها المُتنمر تعلم ما معنى إحضار شُحنة جديدة صحيح ؟ لم أرى تلك المُكالمات لأنني كنت أعمل بالمخزن و الهاتف بالأعلى ، و الآن سأذهب للنوم مُباشرة و لا أسمح لك بالاعتراض بما أنك من أفسد نومي العزيز صباحاً ! أراك غداً سيد مُتنمر آل "

تنفس بعمق يغلق الرسالة ليسند رأسه للخلف ، ليس من عادتهما عدم الالتقاء قبل العودة للمنزل و لو على الأقل يراه بعد انتهاء الدوام الجامعي ، هو حتى أراد سؤال أنجيلا عنه لولا أن المعنية تأخرت بالعودة للمنزل !

بأعماقه كره مضي الوقت بكل هذا البُطء ، يريد أن تبدأ أشعة الشمس بالظهور ليكون أول من يغادر منزله ، قلب خُصلات شعره الداكنة للخلف ، هو أكثر من يعلم أنه بكل مرة يسقط بها رفيقه بمشكلة كبيرة يفضل إتخاذ عُزلة عن الجميع لذا لا يروقه هذا .

ثوان فقط و نهض من موقعه ليتجه لفراشه عله ينام فتنتهي هذه الليلة بشكل أسرع ، إلا أنه شهق بصدمة ما إن بدأ هاتفه بالرنين و تزايدت نبضاته فور وقوع عيناه على ذاك الإسم الذي سلبه مقدرته على النوم بجدارة !

و بسرعة أجاب على تلك المُكالمة و حاجبيه مقطوبين بقلق شديد :" ليو ؟ "

صوت الآخر حمل الكثير حقاً من الخمول و التعب مع شي من الانكسار و هو ينطق :" برأيك أين يُمكن إخفاء جُثة لعين ما لئلا تكتشفها الشرطة ؟ "

لوهلة تجمدت أطرافه بالكامل و هو يهتف سريعاً بحدة ما خلت من الخوف :" جثة من ؟ ليو أأنت واعٍ حتى ؟ "

عبس المعني قليلاً قبل أن يجيبه بذات النبرة :" أجل واعٍ لكنني تعبت منهم لذا هذا أفضل ، لطالما قُلت لنفسي قتل مغفل مثله و الحصول على جريمة قتل متعمد له فخر من نوع ما ! "

صمت قليلاً ليُردف :" إذاً ؟ فكرت بإطعامه و من معه للكلاب لكن لا أظنها ستقبل بهم كطعام حتى ! "

النبرة الوحيدة التي خرجت من جوفه كانت مُرتبكة و متردد بينما يحاول التماسك :" عن من تتحدث ؟!ماذا فعلت أيها المجنون ؟! "

لم يأته رد من الآخر ليُردف بصوت مُضطرب ولكن به شيء من الجدية والقوة  بعد أن ضيق عينيه و الشعور بالخوف والألم الشديد  على رفيقه يرافقه و قد عزم على مساعدته على الخروج من ذلك مهما كانت الوسيلة :"  أين أنت ؟! أخبرني فوراً أنا قادم "

ليو ضيق عيناه الزرقاوتين بينما يُجيب بنوع من الاستياء :" بالمنزل ! و لما قد تأتي فقط أخبرني ؟ "

و قطعاً تلك الكلمات لم تكن لتنفع فآل كان بالفعل قد بدل ثيابه و يستعد للخروج بينما ينطق بجدية :" قادم حالاً أبقى بمكانك ليو ! "

هو لم يسمع رد من الآخر لذا نطق مُجدداً :" ليو أتفهم ؟ لا تقم بأي عمل أحمق آخر مفهوم ؟ "

أتاه الرد هذه المرة سريعاً من رفيقه :" لن أفعل "

بعدها هو أغلق الخط و آلفين أسرع بخطواته بكل رعب ، من هو الذي قد يتورط شقيقه بقتله ؟ و لماذا قد يفقد كل شيء فقط لأجل إنهاء حياته ؟!

هو عض على شفتيه يلعن ذاته التي قاومت شعوره بالذهاب و رؤيته منذ نهاية عمله أو حتى بعد خروجه من الجامعة ! و مع هذا هو يدرك أنه لن يسمح لشقيقه بالسقوط مهما حدث ! لن يفعل و إن أخذ على عاتقه تحمل العقوبة و الجريمة !

~ نهاية الفصل ~
ارجو ان يعجبكم 😍😍😍
الفصل من كتابة  Coldsnow5

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top