~الفصل الخامس: أهذا هُوَ الموْت؟~


أنْ يكونَ المُسْتَقْبَلُ دمارًا شامِلًا للأرْضِ كانَ كمثَلِ قطْرةِ ماءٍ في بحْرٍ من التوقُّعات، هذا لا ينْفي أنَّهُ كانَ مُحْتَملًا، وأنا فقَطْ تظاهَرْتُ بتجاهُلِه، و على عكْسِ بقيَّةِ البشَرِ وضعْتُ حلمي على الأرْضِ مفْتونًا بكَوْنِهِ هناكَ متظاهِرًا بأنَّني أقْصَرُ و أكْسَلُ منْ بلوغِ سقْفِ التوقّعاتِ السّلبيَّةِ و الإيمانِ بها

غاباتُ 'الأمازون' تحْتَرِقُ مُنْذُ أيَّامٍ في حاضِري، الثّرواتُ الطبيعيَّةُ تنفَذُ و تُلوَّث، طبقةُ 'الأوزون' تفقدُ قيمَتَها يوْمًا بعْدَ يوْمٍ و تُثْقَبُ كأنَّها أسْمالٌ باليَةٌ تغطّي جسدَ شخْصٍ فقيرٍ مشرَّد، لكنَّ الفرْقَ يكْمُنُ في كوْنِ الأوزونْ تغطِّي جميعَ البشَر، الفقيرَةُ عقولهُمْ لا جُيوبُهُمْ، و المتشرّدة هنا هي الأرْض بما فيها من خيْرات

ماذا سينتج عن هذا؟

موت الطّبيعة شيئًا فشيئًا، موت الحيوانات، اقتلاع البشر للطُّرقاتِ و هدمهم للمنازِلِ بعْدَ أنْ انتبهوا بعد فواتِ الأوانِ و تذوُّقِهِمْ لطعْمِ الجُّوعِ أوَّلَ مرَّةٍ إلى مدى خطورَةِ ما ينجرُّ عنْ اغْتصابِهِمْ للطَّبيعةِ النقيَّةِ بعقولهم الوحشيَّةِ الطّامعة في المزيد دون اكتفاءْ، لأنَّ النِّهايَةَ فقطْ هي ما تصْنَعُ الإكتفاء!

سيزْرَعونَ و يغْرِسونَ ما يطْمعونَ في أنّهُ سيسدُّ أرماقَهُمْ في تلْكَ الأراضي و يسْقونها بالمياه المُلوَّثة فلا تثمر، أوْ تُثْمِرُ عابسَةً مريضَةً بعْد أن قرّرت أمُّها... الأرْض...التبرُّؤَ منَّا و جعلنا أعداءها، بينما كانتْ تعتبرُنا يوْمًا معمِّريها

الأوزونْ ستُثقَبُ أكْثَرَ و أكْثَرَ ناجِمةٌ عنْ ذلِكَ حرارةٌ حارِقَة، النّفطُ سينتهي و، كلّا! تدورُ الآنَ في أذْهانِكُمْ فكْرَةٌ خاطِئة، لنْ تُعوِّضَ الأحْصِنَةُ وسائلَ النَّقْلِ لأنَّها ستكونُ قدْ ماتَتْ

لكنْ سيعوّضُها البشَرُ أنْفُسُهُمْ، يقودونَهُمْ الأغْنى، أوْ ربَّما العكْسُ صحيحٌ، لأنَّ الثَّروات الطبيعيّة و الصّناعات و الأراضي هي التّي كانت تصْنعُ قيمةً عالية و سلْطَةً لأصحابِ الطّبقاتِ الرَّفيعة من المجتمع، و الفقر و الظُّلْمُ كانَ يُولِّدُ في الوضيعينَ غضبًا و حِقْدًا ينفّسونَ عنْهما لاحقًا في المدلَّلينَ المتبجِّحين، مُثْبتينَ أنَّ الحياة عادِلَة، و وحشيَّة؟ غيْرُ جديرَةٍ بالثِّقةِ، و أنا وثِقْتُ بِها و ربَّما أعاقبُ على ذلِكَ الآن

سَيُحْرَقُ البشَرُ الآثِمونَ بلا رحْمَةٍ ليَصيروا فحْمًا للطَّبْخِ أوْ طعامًا مطبوخًا على ذلك الفحْمِ بدلًا من سجْنِهِمْ خلْفَ القضْبانِ الحديديَّةِ التِّي لن تكونَ موْجودَةً من الأساس، و إثْمُهُمْ سيكونُ محاولةَ سرقةِ بعضِ الطّعامِ المتألّفِ منَ البشر أنْفُسِهِمْ

هذا بشع! مثيرٌ للْغثيان! لكِنْ كما يُقالُ دائِمًا 'لا نحْصُلُ على ما نرْغَبُ بِه'
المُسْتَقْبَلُ سيكونُ كابوسًا لما نرْغبُ بِه!

في المُقابِلِ و حسَبَ معْلوماتي المُتَواضِعة في الجيولوجيا أوّلُ عصْرٍ جليديٍّ بدأَ مُنْذُ مليونيْ سنَةٍ و نصف تقْريبًا، فلِمَ قدْ يوجَدُ آليُّونَ في تلْكَ الفتْرة؟ و لو وُجِدوا فأيْنَ همْ الآن؟ لمَ لا يحْموننا بدلًا من إهْدارِ حيواتِ الجنودِ و الشرطيّين؟

                                    *

                                    *

                                    *

اقترَبَ مِنِّي السَّبْعُ آليِّينَ بِخُطواتِهِمْ المُتَثاقِلَة...أهذا بسببِ هندستِهِمْ الميكانيكيّةِ أم أنَّها مُجرَّدُ استْراتيجيَّةٍ تافِهَةٍ مُعْتَمَدَةٍ بغْيةَ إخافَتِي؟

رفعوا أيْديهِمْ و قرَّبوها منِّي، أسيقْتُلونَني عن طريقِ صفْعي حتَّى الموْت؟

رفَعْتُ حاجِبي الأيْمَنَ عالِيًا و ضحِكْتُ اسْتِسْلامًا إلى تِلْكَ الفِكْرَةِ، لكنْ فجأةً ظهرَتْ فجواتٌ مِنْ كفوفِهِمْ لتسْقُطَ مِنْها سلاسِلٌ فضيَّةُ اللَّوْنِ مربوطَةٌ أطْرافُها بساعاتٍ مشابِهَةٍ لخاصَّةِ الأطبَّاءِ النفسيِّين التّي يستعملونها في التّنويمِ المغناطيسيِّ

أسيجعلونني أغُطُّ في سباتٍ شتويٍّ متماشٍ مع الصّقيعِ تمامًا مثْل الحيواناتِ و على عكْسِهِمْ بما أنَّني لا محالةَ سأموتُ جوعا و عطشا و خلال فترة قصيرة؟

بدأوا يحرِّكونَ السَّاعات، تأرْجَحَتْ يمينا و يسارًا على نغماتِ قلْبي الذّي صار يقْرَعُ صدْري بصخَبٍ أسْتطيعُ سماعَهُ بوُضوح

صارَ مِنَ الصَّعْبِ عليَّ التنفُّس، أردتُ اسْتِعادَةَ بصري لكنَّهُمْ بدوا كمغناطيسٍ جذبني نحوهُ و شدَّ ذهني إليْهِ و الأخيرُ انصاعَ و خضَعَ كأنَّهُ القطبُ المضادُّ فتجاذبا رغْمًا عنْ أنْفي

أفْرَجَتْ شفتاي عنْ صرْخَةٍ عالية، تجاهَلْتُ حبالي الصَّوْتيَّةَ التِّي أزعَمُ أنَّها تمزَّقتْ و نظَرْتُ إلى الأسْفَلِ لأرى يدَ أحَدِهِمْ...محْشورَةٌ بِداخِلِ جانِبِ صدْري الأيْسر تعتصِرُ قلْبي بِلا أدْنى رأْفة، مسبِّبةً بصْقي للدِّماءِ التِّي تجمَّعَتْ بداخِلِ ثغْري

دواخِلي تتصارعُ فانقسمت إلى ما تقبلُ النِّهايةَ و ما ترْفضُها، و أنا تمنَّيْتُ اقْتِلاعَ عيْنيَّ على ذرْفِ الدُّموعِ فلمْ أعْملْ لعقْدٍ كامِلٍ دونَ نيْلِ قسْطٍ مِنَ الرَّاحَة كي ينتهي الأمر بتحوُّلي إلى طفْلٍ باكٍ

برودَةٌ شديدةٌ تسرّبتْ من محيطي إلى داخِلِ عقْلي، صوْتُ صفيرٍ يصمُّ الآذان تفنّن في تعْذيب أذنيَّ

أهذا هوَ الموْتُ؟

~يتبع~

إذن هل جين فعليًّا يموت؟🤔🤔
رأيكم في الدراسات عن المستقبل؟ هل تعتقدون أنها ستتحقّق فعليًّا؟
أيّ نقد؟؟

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top