39
الشمس كانت شبه حارقة ، و أزيز الحشرات بدى صوتها واضحاً كأنهم بمنتصف فصل الصيف
تنهيدة مُتذمرة صدرت من الشاب ذو الخُصلات الزرقاء الداكنة و هو يقف أمام المرآة بكل هدوء يحاول اختيار ثياب تلائم ربما مكانة أسرته؟
لكنه سرعان ما ابتسم بحنق :" بجدية ليو سوين لا ينقصك سوى القليل من التعقل ! منذ متى و أنت تهتم لشيء سخيف كهذا "
عبس من فوره و هو يتابع تذمره أمام المرآة :" ثم ألا يكفي التنمر ، لم أنم بالأمس جيداً و الآن علي الاستيقاظ مع طلوع الشمس لأجل الجامعة و الرحمة ! و فوق هذا ذلك العجوز يريد عمل سخيف ، هل أنا متفرغ له ؟ "
تنهد بذات الاستياء خاصته قبل أن يرتدي بلوزة بنصف كُم باللون الرمادي الفاتح و بنطال أزرق داكن ، صفف شعره بطريقة تقليدية غير رسمية ثم ارتدى ساعة ذات ماركة متوسطة مع حذاء رياضي ..
هو حدق بنفسه بالمرآة مُجدداً ثم ابتسم بغرور مصطنع ينطق :" و الآن أنظروا لكل هذه الوسامة ! "
و العبوس عاد يطغى على ملامحه كطفل سرقت دميته ما إن وصله صوت رفيق طفولته :" إن لم تسرع الآن سأذهب وحدي ليو "
شهقة صدرت منه بينما يحمل كتبه سريعاً و حاسوبه المتنقل معه ليهتف :" لا تكن متنمراً منذ الصباح ! فظيع تجيد إفساد مزاجي دوماً "
هو وصل لرفيقه ليردف رغم ذاك العبوس على ملامحه :" و صباح الخير لك سيد متنمر لا يجيد سوى التهديد دون إلقاء التحية حتى "
الاستنكار بدأ بالارتسام على ملامح آلفين قبل أن ينظر كلاهما لبرايان الذي ضحك بخفة و هو يقترب منهما:" فقط من سيصدق أنك ذات الشخص الذي قاد حفل إعادة دمج الشركتين عزيزي سوين ليو ؟ "
آلفين نطق مُتابعاً ربما عن عمه :" تماماً ، هم لا يعلمون حتى عن كونه طفل متذمر ! "
شهقة عادت للصدور منه لكنه رمش كما فعل كُل من والده و آلفين عندما ظهرت لورين من العدم ربما و هي تتحرك بشكل سريع حيث كانت تبحث عن نظاراتها الشمسية بالأرجاء !
هي كانت ترتدي فستان أسود يصل لما بعد ركبتيها بقليل مع حزام بلون الذهب ، أقراط ذهبية لامعة اندمجت مع تلك الخُصلات البُنية المتعرجة حيث قررت المعنية أن تتخذ من الخصلات المتعرجة تسريحة لها لليوم ثم تركته حراً دون ربط ..
و بعنقها ارتدت قلادة ذهبية اللون نقش عليها ورود ناعمة مع أسوار و حقيبة يد بذات اللون !
و بالنهاية وجدت ضالتها لتضع نظاراتها الشمسية بالحقيبة قبل أن تنظر لزوجها بوجه منزعج :" برايان هذه الشقة صغيرة ! اشتري منزلاً لنا بدلا من العيش هنا أنظر صغيري بات ينام على الأريكة "
رغم تذمرها هذا إلا أنها لم تنتظر حقاً أي رد بل سارت للخارج ببساطة بعد أن أردفت :" صحيح قد أتأخر اليوم لذا لا داعي لانتظاري على الغداء "
و كما المرة الأولى هي فقط غادرت الشقة بينما حدق الثلاثة ببعضهم البعض بنوع من الحيرة قبل أن ينطلق كل منهم إلى حيث عمله أو ربما لتناول الفطور خارجاً أولاً كون المسؤولة عن هذا أخلت مسؤوليتها لليوم ..
//////////////
صوت أنفاسه المُتتابعة كان الشيء الوحيد الذي يمكن أن يُسمع بالمكان هو بالكاد يمكنه الحفاظ على وعيه !
يشعر بأن حرارته مُرتفعة بل توشك على الغليان حتى و كيف لا مع كل تلك المياه الباردة التي أُلقيت عليه سابقاً ؟
نظر بتعب و خمول لجسده المُقيد بشكل مختلف هذه المرة، أول مرة تم تقيده لمقعد ما ثم تم ربطه بمنتصف الزنزانة و الآن جسده ملتصق بالحائط من خلفه و يداه مقيدة بأصفاد حديدية تثير القشعريرة بجسده المحموم أساساً ! ..
رغم ذلك هو كان ممتن لكون هذه الأصفاد تتيح له فرصة الجلوس و الاستناد للحائط ان تجاهل ألم يداه حقاً ، ابتسم بسخرية لازال قادراً على رسمها عندما شعر بطعم الدماء بجوفه
أجل هو يذكر أنهم عندما قاموا بتدفئة جسده كما أمر ذاك الوغد و منحه بعض الثياب أحضروه لهذه الزنزانة ثم بعد أن تم تقييده انهال أحدهم عليه بالركلات ، و المثير للسخرية أنه لا يذكره حتى ! ..
بصره ارتفع بِشكل هادئ للبوابة الصدئة عندما أصدرت صوت أزعجه للغاية بينما تقدم منه رجل ما ليجلس القرفصاء أمامه محرراً إحدى يدي الفتى
_ :" تناول هذا ! رقائق من الشوفان و بعض العصير ، أنظر يوجد طبق به سلطة أيضاً ، لو كنت مكانك لتناولت كل شيء فأنت ستحتاج للكثير من الطاقة لاحتمال القادم ! "
هو أنهى عبارته ليغادر بينما حدق هاري بالأطباق أمامه ، هي بالفعل تبدوا فاخرة لتقدم لسجين ، منحه طاقة للاستعداد إذاً ؟
بالطبع شخص كسامويل لن يكون كل ما فعله به للآن سوى تقديم التحية و جعله يعتاد بشكل تدريجي على الألم ، فكر بسخرية تامة حول مدى لطافته !
و بشكل غريب ربما هو بدأ بتناول الطعام و إتباع نصيحة ذلك الرجل ، هو يحتاجها حقاً ، لن يرغب بأن يهزم للألم أو الخوف مُطلقاً ...
و مع انهائه الطبق هو رمش عدة مرات عندما عثر على دواء خافض للحرارة ! و بشكل ما ضحكة صدرت من جوفه !
بطريقة لا يعرفها هو و إن كان خائفاً لما سيأتي يشعر بأنه مستعد تماماً له و لإغاظته ..
لذا ابتلع تلك الحبة أيضاً قبل أن يسند جسده للحائط و يحاول أن يغفوا قبل عودة عدوه ..
/////////
_ :" إذاً كافة الأخبار و حتى مواقع التواصل الإجتماعي لا تتحدث سوى عن محاولة اغتيالك عزيزي ليو و إنقاذ سامويل لك ! "
و المعني حدق بسيتو بنوع من الملل الحقيقي ، هو غير مُهتم حقاً بكل هذه الثرثرة ، أساساً صوره و اسمه و غيرها بات موضع للثرثرة منذ قرر العودة لأسرة سوين ...
حتى ماضيه و تلك القضية بمفله تم إعادة فتحها بالكامل ، كل شيء يخصه خرج للسطح بفضل الصحافة الفضولية و التي نشرت أيضاً الأماكن التي عمل بها قبل عودته للأسرة و كأنها تفضحه !
لكنه أطلق تنهيدة ما لينظر للأمام بنوع من الشرود :" سيتو ، هل ستغادر إنجلترا بعد جنازتي إن مت ؟ "
و المعني رفع أحد حاجبيه قبل أن ينطق بسخرية :" و ماذا سأفعل غير هذا ؟ لم يعد لدي سبب للبقاء هنا و لا حتى إن أصبحت الوريث لأسرة سوين ! سأتخلى عنهم ببساطة "
آمال ليو ببصره اتجاهه لينطق بهدوء :" لكن آلفين ليس هكذا ، هو قد يُجن و يتهور حينها و لن أتواجد لمنعه لذا .. "
_ :" لا تفعل ! لا علاقة لي بجنونك و إياه أكثر ليو ، ثم لا تقرر الموت مُنذ الآن "
ابتسم بخفة و هو يحدق بكتابه :" لم أقرر ذلك ، لكن لدي شعور سيء للغاية و لعلمك لم يخطئ شعوري و لو لمرة واحدة ! .. ببعض الأحيان آتسائل كيف يمكن للآخرين تقبلنا حقا ؟ "
سيتو قطب حاجبيه بعدم راحة لمجرى الحديث ككل بينما تابع ليو :" أنظر ماذا فعلت تلك اللعنة بآل فقط لأن ابنته أحبته و لأنه نوعاً ما انجذب لها ! هي أظهرت وجه فاسد بحجة الدفاع عن منزلها فقط .. "
_ :" ليو هل أنت واقع بالحب ؟! الآن بمنتصف هذه العاصفة !؟ "
شهقة صدرت منه و هو يهتف بعبوس :" من هو الواقع بماذا تماماً !؟ أنا لست كذلك قطعاً كما أنها مجرد طفلة متنمرة "
و المعني شهق فور استشعاره بما نطق به بالنهاية لتتسع عيناه الزرقاوتين بصدمة حقيقية !
فقط ما بال تلك الجملة ؟! لما هو ربط الأمر بها حقاً ؟ أهذا بسبب جملتها تلك ؟! هي عبثت بعقله بالكامل !
أو لا جملتها تلك فقط أيقظت به ما كان يحاول دفنه بعيداً للغاية ، لن يقحمها عالمه مهما حدث و يلوث عالمها بخاصته ، لا تزال طفلة بالفعل لذا المستقبل حتماً لايزال أمامها ..
و سيتو راقب تقلبات وجهه بنوع من الهدوء ، شيء من الحزن هو رآه بعينا قريبه تواً ..
نوعاً ما يمكنه توقع ما نوع الأفكار التي غرق بها لذا صمت هو الاخر لاسيما و أن المحاضرة بدأت بالفعل !
////////////
ابتسامة واسعة كانت مُرتسمة على شفتي لورين بينما ترتشف القليل من فنجان القهوة بالكافتيريا !
و أمامها مُباشرة جلست كاميليا و التي كانت ترتدي فستان ذو لون سُكري خلاب بينما سرحت شعرها ذو لون البُن بشكل رسمي ..
كِلتاهما تناولت الافطار معاً و الآن تجلسان لشرب القهوة مع بعض النصائح التي كانت لورين تقدمها للأخرى حول كيف يجب عليها الاستعداد للخوض بالعمل بعد كل هذا الانقطاع ! ..
و كاميليا كانت مُستمعة جيدة و الحماس يشع من مُقلتيها ذات لون العسل الصافي ، تلك الجلسة كانت شيء هي حقاً شعرت بالحنين له ..
الخروج من المنزل و تجاهل كل شيء روتيني و قضائه هكذا ، حيث لم ينتهي الأمر بعدها بمجرد رؤية عدة شركات رحبوا بها كونها من طرف لورين حقاً ..
و هي اختارت الشركة الأقرب لمنزلها بالنهاية للعمل بها ثم بدأت المتعة الحقيقية بالاتجاه للتسوق !
تقريباً جالت الاثنتان بالمركز التجاري كاملاً ! ، و لورين شجعت كاميليا على شراء كل ما وقعت عيناه عليها ربما من ثياب و اكسسوارات اضافة للحقائب و غيرها ..
هي أخبرتها أن هذا لأجل العمل الجديد ثم منتجات التجميل ! .. و بالطبع هي لم تقصر بشراء الكثير لنفسها أيضاً رغم كونها مصممة أزياء و نادراً ما تقوم بشراء شيء ما من المحال التجارية!
لكن اليوم مختلف فهي هنا تتسوق رفقة صديقة ؟! بالنهاية جلست كلتاهما لتناول الطعام إذ كانت الساعة قد تجاوزت الرابعة مساءاً عند نهاية جولتهما تلك ..
و كخاتمة لذلك اليوم اتجهت كلتاهما لصالون ما لأجل العناية بأنفسهم و تجديد مظهرهن ..
و ربما كل ذلك ما كان سوى للهرب و لو ليوم واحد من الضغط الذي وضع على كاميليا لسنوات طويلة حقاً ..
إذ بدى للورين أن حياة الأولى كانت لا تزال متوقفة منذ دخول الصغيران للسجن لذا رغبت بتحريكها قليلاً و تحسين نفسيتها و ربما جعلها أكثر قوة ؟
///////////
مُقلتيه الزرقاوتين اهتزت بفعل تلك المشاعر التي سيطرت عليه !
لم يعد بإمكانه السيطرة حقاً على مشاعره التي بدأت بقرع طبول الخطر ..
هاتف هاري لازال مُغلقاً ، لمّ قد يغلق توأمه هاتفه ؟! بل مُنذ متى هو مُغلق أساساً ؟
لا يعلم لماذا عادت به ذاكرته لآخر مرة رآه بها ؟ يومها هو اتصل به و قلبه ينبض بخوف مُطالباً إياه بالقدوم ليراه ! ..
و قبل مغادرته بالكاد منع نفسه من منعه فما كل هذا الآن ؟
أيعقل أن أمراً سيئاً وقع منذ ذلك اليوم ؟ و لما تبدوا له الثلاث أيام الماضية كما لو أنها عبارة مئات من السنوات ؟
أغلق عيناه يأخذ عدة أنفاس بينما توقفت خطواته أمام شقة مارسيلينو و أخيراً ، عليه أن يهدأ ليفكر بمنطقية و ليس أن يتبع مشاعره فحسب !
ماذا قد يصيب توأمه بالنهاية ؟ .. لذا هو طرق على الباب عدة مرات و بشكل متتالي قبل أن يستخدم الجرس
لكن لم تكن هناك أي إجابة من الداخل كما كان يتمنى بل العكس ظهر أمام حارس العمارة الذي كان قد قابله سابقاً
_ :" لم يعد السيد مارسيلينو للمنزل منذ ثلاث أيام تقريباً ! "
جملته تلك دفعت المزيد من القلق للارتسام على ملامحه قبل أن ينطق بلهفة :" و هاري ؟ "
_ :" آه ، أنت لست هو ! نسيت أنه يمتلك توأم لكن هو أيضاً لم يعد منذ ذلك الوقت ! "
و قلبه نبض بعنف قبل أن يركض للخارج محاولاً تكرار الإتصال على شقيقه ، فقط لما كان عليه فعل هذا ؟!
أن يتجاهل حدسه بأن هنالك شيء خاطئ ؟! لما ترك صغيره لشخص آخر لن يمكنه العناية به مثله ؟
فقط ماذا أراد هو سوى حمايته ؟!
خطواته الراكضة لم تتوقف حقاً رغم الحرارة الشديدة حتى وصل للمطعم الذي يعمل به صغيره و أسرته الوحيدة ، كان يدعوا بكل صدق أن يجده هنا ..
أن تكون أفكاره مبالغ بها ، و هاري متواجد بالداخل يعمل كعادته بنشاط و ابتسامة ، أن يرى ابتسامته اللطيفة و السعيدة لرؤيته هنا بزيارته ..
فقط ليجده بالداخل !
و ربما أفكاره تلك كانت تجعله عاجز عن السير ، واقف بمكانه غارق ما بين الأمل و اليأس ، خائف من تحطم الأول فوق رأسه ليرافقه الثاني فقط .. !
لكن أياً كان الأمر عليه معرفته ليحاول البحث عن طريقة ما ، و بهذا هو خطى للداخل بينما عيناه تجول بالمكان باحثاً عن ضالته ..
هو وقف بالمنتصف مُراقباً العاملين بأعين لامعة ، حتى انتبه أحدهم له ليتقدم منه بخطوات هادئة ينطق بابتسامة :" إن كنت تبحث عن هاري فهو لم يعد يأتي للعمل منذ عدة أيام ! نظن أنه ترك العمل فحسب لاسيما و أنه بالآونة الأخيرة كان يبدوا منشغل بشيء آخر .. "
و شهقة لا إرادية صدرت منه بينما يستفسر بنبرة حاول السيطرة عليها قدر الإمكان :" منذ متى ؟ أعني متى كانت اخر مرة رأيته بها ؟ "
_ :" قبل ثلاث أيام ! "
ذات الرقم التعيس مُجدداً أي لا أحد رآه منذ آخر مرة كان معه ! ..
و الآن ماذا ؟! يشعر أن قدماه قد تخونه قوتهما بأي لحظة و يسقط أرضاً لكن لا هو عليه معرفة أين يقع عمل مارسيل اللعين أولاً ليتجه إليه ، أجل هو محقق لكن لأي مكان تحديداً ؟
بأي حال معرفة أين هو لن يكون صعب للغاية لذا ليبدأ به للعثور على توأمه !
///////////
_ :" صباح الخير هاري ! "
الهدوء بقي مُحيطاً بذاك المكان المعزول المُظلم ليتردد صدى كلمات سامويل به فقط ..
فالآخر كان مُستلقياً على الأرض بينما يشعر بكل ذرة بجسده تتحطم لآلاف القطع ، الدماء كانت منتشرة بجسده و قد جفت بالكامل و بعضها أحاط خصلاته الفضية مما حولها للون الكرز المتيبسة !!
بالكاد نجح بالاستناد على ذراعيه اللتين لم تكونا بحال أفضل من سائر جسده ليرفع نفسه مُحدقاً بسامويل بحقد ..
_ :" ماذا تريد الآن ؟ "
هو نطق بعبارته بصعوبة مُطلقة رغم الحدة التي وجهها له و هذا دفع الأكبر لينخفض قبل أن يساعده على الوقوف رغم اعتراض الآخر على أن يمسه حتى .. !
الألم كان مُتربعاً على ملامح وجهه و جسده رغم هذا وجد الطاقة ليقوم بمحاولة لركل الأكبر بكل ما بقي له من طاقة بل و إسقاطه أرضاً و السقوط فوقه ..
و ما إن حدث ما أراد هو ابتعد عن جسد سامويل بينما يسعل بقوة ، و الأكبر اتسعت عيناه بنوع من الصدمة فهو لم يتوقع بعد كل الجلد الذي تلقاه بالأمس على أنحاء جسده كاملاً أن يكون قادراً على المقاومة الآن..
هذا الفتى يستمر بإعجابه للحق ! ، لذا هو ضحك قبل أن يقف و يمسك الأصغر من خُصلاته بقوة تامة يجبره على الجلوس على ركبتيه أمامه بينما ينطق :" هاري ! وفر طاقتك يا صغيري لما سأخبرك به الآن ، أعدك هذه الحقيقة التي سأقولها لك ستؤلمك أكثر من كل ما فعلته بك للآن "
و الشاب ذو السادسة عشرة رمقه بنوع من العِدائية لينطق الأكبر مُجدداً :" لتعلم أولاً يا صغير أنني و أنت متصلان بالدم .. "
رغم كل ما هو به حالياً إلا أن الاستنكار لاح على مُقلتيه مُحدقاً به دون رد حقيقي ؟ ربما هو فقط أراد معرفة ما معنى كلماته ببساطة ؟
و سامويل حرر خصلاته أخيراً ليتابع بنبرة هادئة و جادة :" والدك يكون عمي ! بمعنى آخر نحن أبناء عمومة ، و أجل أعلم نحن لا نمتلك اسم الأسرة ذاته لكن .. "
أغلق عيناه بنوع من الهدوء :" أبي تشاجر مع جدي و طرد من الأسرة لذا هو أوجد اسم مختلف لأجله ... "
_ :" ما اللعنة التي تقولها ؟ ثم حتى و إن كنت كذلك ما شأني و أخي بهذا ! "
حرك كتفيه بلا اهتمام و هو يجيبه :" والدك آتى لي ذات يوم لاقتراض المال ! و أنا منحته له لكنه عجز عن سده فقام بمنحي حق التصرف بكما كما أرغب ! أعطاني معلومات عن كلاكما و كيف يمكنني جعلكما تحت إمرتي و هكذا تم الأمر ! أنتما أصبحتما مُلكي منذ ذلك اليوم "
عينا هاري اهتزت بقوة ، شهقة صدرت من أعمق نقطة بجوفه ، أقال والده ؟!
هل كان السبب بكل ما عاناه كلاهما هو والدهما ؟! لكن لهذه الدرجة حقاً ؟ لما ؟
أجل ، إعتقد دوماً أن والده لا يطيقهما بسبب شجاره المستمر مع أمهما لكن ، هو بدى له أب جيد مع ابنه من زوجته الثانية ..
إذاً أيصل به الأمر لبيعهما ؟ أن يتركهما هكذا تحت رحمة هذا المختل ؟ يحولهما لقاتلان و خارجان عن القانون ؟
و فوقها هل آتى هو عندما حاول الانتحار و صفع هنري لكونهما يقحمانه بمشاكلهما ؟ تلك المشاكل التي كان هو سببها منذ البداية، أفسد حياتهما بشكل كامل و بلا رحمة أو رأفة ..
دموعه وجدت طريقها إليه رغم كمية الحقد و الغل الذي ظهر بعيناه .. هذا لا يغتفر مهما كان السبب !
لا يمكن الصمت أو المسامحة على هذا أبداً و مهما حدث ، رغم ذلك فطاقته انتهت مع سماعه لخبر كهذا ..
وعيه بدأ يسحب منه و الرؤيا أمامه تشوشت ، فقط ماذا فعله و هنري ليستحقا والد كهذا ؟!
ما ذنبهما ليتجرعا كل هذا الألم ؟! ..
و أفكاره توقفت عند هذا الحد بالتزامن مع صوت ارتطام جسده بالأرضية مُعلناً اختفاء وعيه بكل بساطة و هربه من قسوة هذه الحياة ...
/////////
الحياة تسير بوتيرة مُتسارعة الأحداث ، تنقلب رأساً على عقب بثانية واحدة ..
تظن أن روتين حياتك المتكرر سيبقى مُلازماً لك للأبد لكنه قد يُهدم بثانية واحدة أو أقل فحسب !
تُعلمنا الحياة دوماً أن لا داعي للغرور الذي سيتحطم فوق رؤوسنا ذات يوم عنوة .. أن لا نثق بهدوء أيامنا ، و لا بالأمان المحيط بنا اليوم فلا أحد يضمن أنه سيتواجد غداً ..
و هكذا بدت الحياة بهذا اليوم الذي بدأ بشكل روتيني مُمل بالنسبة لآل و ليو و البقية ..
لكن بالنسبة لكاميليا بدايته كانت بداية جديدة لها ! هي كسرت اليوم كل القيود القديمة التي أحاطت نفسها بها ...
السعادة كانت تحيط بها من كل جانب ، رأت ابنها و بدى لها أن علاقتهما ستتحسن ؟!
و ها هي اليوم تعود لعمل جديد و مظهر مختلف عما كانت تظهر به دوماً .. !
ابتسامة واسعة ارتسمت على لورين فور رؤيتها للدهشة التي خيمت على ملامح المتواجدين بمنزلها ! ..
الساعة كانت تُشير للسادسة مساءاً و النصف ، زوجها و ابنها رفقة آلفين كانوا بالمنزل و على ما يبدوا كان هنالك شجار حول ما يجب ان يطلبوه للعشاء بعد ساعة او اثنتين كونهم فقدوا الأمل بعودتها مُبكراً اليوم ..
لكن فور دخولها و كاميليا الصمت فقط حلق على الثلاثة معاً !
أولاً ربما لأجل مئات الأكياس التي تعود فقط للورين كون الثانية بقيت خاصتها بالسيارة و أي منهم لا يود حتى معرفة كم ساعة قضتها كلتاهما بالتجول هنا و هناك ..
و الثاني هو وجود كاميليا بهذا المنزل و إن كانوا يدركون أيضاً أن لورين رغبت بأن تجعل الأم تعرف أين ينام ابنها و يقضي وقته حتى تأتي بحال رغبت بذلك ..
و الأهم ربما هو مظهر كلتاهما ، و حسناً كونهم مُعتادين على تبديل لورين المُستمر بمظهرها فالتركيز وقع على كاميليا ذاتها !!
حيث كما يبدوا لهم هي بدت إمرأة مختلفة حقاً ! خُصلاتها التي كانت بلون البُن و الطويلة باتت تصل لنهاية عنقها بالكاد بشكل تدريجي لطيف بينما بات لونها هو الأشقر الباهت و الذي تلائم بشكل جذاب مع عيناهت ذات لون العسل الصافي ..
ارتدت طقم غير رسمي لتنورة باللون الأسود تصل لأسفل ركبتيها بقليل و بلوزة ذات فتحة عند الأكتاف باللون الأحمر الداكن و الذي رفضت هي أولاً إرتدائه لكن لورين كان لها رأي آخر !
مع حذاء أسود ذو كعب عالي و إكسسوارات بمجوهرات سوداء و حمراء مع حقيبة ذات لون أسود و أحمر داكن ..
برايان ابتسم بشكل طفيف ، بطريقة ما هو حقاً فخور بلورين و بشدة ! هذه المرأة بالنسبة له كمن يضفي الحياة على كل ما تمسه !!
بينما كان ليو أول من خرج من صدمته تلك ليقف و يصفر بمرح قبل أن ينطق :" مذهل ! خالتي كاميليا يبدوا أن عملية إفسادك تمت بنجاح ! مسكين حقا العم جين "
هو ضحك ما إن ارتفع حاجب والدته باستنكار كامل و التي كانت قد تركت خُصلاتها بذات الطول لكنها قامت بصبغ بعض خُصلاته باللون العسلي الذي تلائم مع لون البُن به ، بينما مُقلتيها الخضراوتين حدقت بابنها بنوع من التحذير لينطق بمرح :" لكن سيداتي أُنظرا لهذا لكل هذا الجمال ! سأصبح عجوزاً قبل أن يظهر على كلاكما أي من علامات الكبر "
_ :" علامات الكبر !! "
ضحكة صدرت من برايان و هو يرى زوجته تحدق بابنها بنوع من الحِدة ..
أما كاميليا فهي ضحكت بشكل هادئ قبل أن تنظر لابنها بينما تنطق بنوع من التردد :" ما رأيك أهو مناسب ؟ "
آلفين و الذي انتبه لكونه لم يعلق بأي شيء للآن نطق بهدوء يتوقف عن التحديق بها بشكل فاضح يرسم ابتسامة دافئة على شفتيه :" أجل ، يُلائمك و بِشدة "
و رغم بساطة كلماته تلك إلا أن السعادة أحاطت نبضات قلبها حتى بحيث ما استطاعت أن تمنع ابتسامة سعيدة من الظهور على شفتيها .. هي أمسكت خصلاتها كطفلة صغيرة لوهلة شاعرة وكأنها ملكت العالم أجمع ، لم يكن يمكن أن ينتهي اليوم دون أن تجعلها لورين تأخذ جولة بمنزلها لتريها حياة ابنها ، قضت أغلب الوقت بغرفة آلفين تراقبها لتحفظ ذوقه عن ظهر قلبه في محاولة لتعويض ما فات، أن تدرك أي نوع من الشبان صار فتاها الصغير ؟ ماذا يحب ؟ ماذا يكره ؟ أرادت معرفة كل شيء عنه مهما بدا تافهاً وهو رغم شعوره بالاحراج لوجودها بغرفته لأول مرة ما جعل ذلك يظهر ولو بشكل عرضي تاركاً لها المساحة لتعرف ما تريد ، أن كان هو غير قادر على البوح فترك الأمر لغريزتها كام أفضل لكليهما أو له على الأقل !
ومع نهاية تلك الرحلة هي وقفت بالخارج بعد توديع الجميع برفقة لورين، رسمت ابتسامة ممتنة تنظر ناحيتها
" لورين ، لا أعرف كيف يمكنني أن اشكرك انتٍ واسرتك ، أسرتنا كانت لتضيع دونك ، عنايتكم بالفين
وحدها شيء لا يمكنني مجازاتكم عليه ، وفوق ذلك تساعدينني باسترجاعه ،وها انتِ تقدمين لي خدمة أخرى لا أقوى على ردها، انا حقاً محظوظة بوجودك لورين، انتِ امرأة عظيمة ، انا حقاً ساظل مدينة لك بقية حياتي "
لورين ابتسمت لها تمسك بيديها
" لا تقولي ذلك كاميليا، كل ما قمت به ليس دين أو أي شيء ، لطالما اعتنيتي بليو في صغره فهل هذا دين علي الآن ؟ ثم آلفين صغيري أيضاً لا يختلف عن ليو بشيء، أما بخصوص إرجاع آلفين لك فانا أم مثلك ، ليو لم يسمح لي بالاقتراب لوقت طويل لذا نحن خير من يفهم بعضنا "
اردفت بعد أن اخفضت يديها برفقة يدي كامليا
" أما بخصوص التسوق اليوم فطبيعي خروج الصديقات معاً أم أنني لست كذلك ؟"
ضحكت كامليا برقة تشد على يد رفيقتها "نحن كذلك ، ولاننا كذلك زوريني انتِ ايضاً حين تملكين الوقت ، لنخرج معاً مستقبلاً "
اومأت لها موافقة
" أجل سنفعل، أما حالياً انا متشوقة لمعرفة ما سيحكم به سيادة القاضي على مظهرك اليوم ، حطمي رأسه لو لم يمتدحه كما يجب "
ومع نهاية كلامهما سمعتا صوت الباب يفتح ومعه أقبل آلفين لويو ناحيتهما ، ليو هتف بعبوس متمتماً
" امي ، لا تجعليها تتوحش عليه إلا يكفي ابي كضحية "
رفعت حاجبها تلتفت ناحيته بنصف التفاته عابسه
" حقاً سيد سوين؟ هل لديك أي شكوى على والدتك ؟ "
آلفين رقع لرفيقه بدل أن يقتل أمامه " يقصد ضحية جمالكما خالتي ، تعرفين خانه التعبير "
ليو همس يجملته الشهيرة أما لورين فقد اقبلت نحوهما تجر إذن ليو موجهه ابتسامة لالفين
" ساتظاهر اني صدقت لأجلك آلفين لأنك ابن جيد سيوصل والدته للمنزل "
هو ضحك يرفع يديه باستسلام
" علم خالتي ، كنت انوي فعلها بأي حال لذا لا خسارة هنا "
رغبت كامليا لو تعود للمنزل سيراً وحسب طالما هو سيرافقها لكنه بالطبع كان طلباً غير معقول باحتساب المسافة بين المنزلين فتخلت عن رغبتها لتكتفي بركوب السيارة برفقته بعد أن استعارها آلفين ليوصلها .
قضت الطريق بين استراق نظرات خفية حيناً وتحديق صريح احياناً أخرى تسأله أسئلة صغيرة بين حين وآخر وتقص عليه مواضيع أخرى محاولة اشراكه بامورهم ولم تجد غير مواضيع أسرتها فلا هي يمكنها أخباره عن أجداده ولا عن عمه ولا عن أي أحد آخر فلا أحد منهم استحق أن يدخل إلى اذني صغيرها حتى !
///////////
كان قلبه ينبض بعنف شديد ، فقد قدرته على تميز السبب المحرك لقلبه في الوقت الراهن أهو الركض السريع نحو المكان الأخير في عقله ، مبنى قد يتواجد فيه من ائتمنه على صغيره بكل غباء أم هو بسبب الاحتمالات الشنيعة في عقله كلها تنتهي بشكل بشع أما بخسارة صغيره أو رؤيته مضرج بالدماء بسبب قرار اتخذه هو ظناً انه الأفضل .
وصل أمام المبنى يلهث بشكل جلي، ملامحه الشاحبه بدت لمجرم مقبل لتسليم نفسه للعدالة بعد قتله العديد من الأبرياء ، من كان ليدرك أن جريمته النكراء هي وضع شقيقه التؤام بعيداً عن عينيه ؟ يمقت نفسه لأنه انتظر لوقت طويل قبل القدوم والبحث ، كل لحظة كانت تعني احتمالية أكبر للأذى وهي ما قاده لأقصى درجات الهلع .
أمام مبنى الشرطة ، واقف يراقب البناية بعناية لكنه تجاهل الرهبة في قلبه ليسرع للداخل ، أراد التصرف كشخص خفي متجاهلاً الشرطيين الحارسين للباب إلا أن حظه قرر أن لا يتساهل معه ولا حتى بشيء بسيط كهذا ، استوقفه الشرطي يحدق باستنكار كلي يمد سلاحه امامه
" ماذا تظن نفسك فاعلاً أيها الصبي الأحمق ؟ هذا مركز للشرطة وليس مدينة العاب !"
هنري أراد أن ينفجر بوجهه وحسب ، يلقي عليه أفكاره المتمثلة أن فشلهم بامساك أمثال سامويل والوقوف هنا كتمثال أحمق عديم النفع هو السبب الرئيسي لوقوفه هنا بدل التوجه لمدينة العاب ملعونة لكنه كبح نفسه بآخر لحظة ، يدرك رغم انفجاره الدائم أن الغضب لن يأتي بحل لأي شي ولو كان تافهاً ، زفر الهواء ليعدل انحناء ظهره البسيط ، تذكر تقنيات شقيقه كما سماها رغم أنها لأي كائن طبيعي كانت مجرد تعامل بشري اجتماعي ، حاول اختيار ألفاظ ونبرة مناسبة ، أظهر بعض العجز رغم كرهه للأمر يوجه الكلام لمن استوقفه دوناً عن غيره
" حضرة الشرطي أدرك تماماً ما هذا المكان بالطبع ، انا بالسادسة عشر بالفعل ، لكن انا هنا لمقابلة السيد مارسلينو، هو محقق احم...أقصد مذهل وقد أخبرني أن اتي لرؤيته لو احتجت لأي شيء لكنه غائب عن المنزل منذ فترة ولهذا جئت إليه "
الشرطي راقب هنري بهدوء مزيلاً ملامحه الأولى ، تبين أنه مجرد فتى معجب بالمحقق الأشهر لديهم ، بدا ذلك تصرفاً طفولياً له لكنه تفهمه أكثر من فكرة اقتحامه للمركز بدون فائدة ، التفهم وحده لم يكن كافياً في مجابهه قوانين دولة تمنع مقابلة شخص مثله وحسب خصوصاً لقاصر مجهول الهوية
" فهمت ، أحد معجبيه اذاً "
تلك الجملة مثلت تحدياً عنيفاً لصبره ، معجب ؟ بأكثر شخص يبغضه؟ أراد السخرية بشدة لكن تمتم بينه وبين نفسه كتعويذة سحرية هامساً
" لأجل هاري ، لأجل هاري ، تنفس ، أهدا "
والشرطي ضيق عينيه يراقبه
" قلت شيئاً؟"
هنري صر على أسنانه ، عض على شفتيه لثواني ومع مرورها رسم أكثر ابتسامة كاذبة يملكها محاولاً إظهار بعض التودد
" لم أقل شيئاً ، لكن انا حقاً بحاجة لمساعدته ، فقط أخبره أن هنري يريد مقابلته "
تردد الشرطي بالقبول ولأول مرة منذ بداية بحثه شعر ان الحظ ابتسم له حين تململ الشرطي الثاني
" إذهب وتفقده وحسب ودعنا ننتهي، أن وافق فدعه يدخل أن لم يفعل لنجعله يغادر "
تردد ، فكر لبرهه ثم زفر الهواء متضايقاً
" ياللازعاج"
غادر تاركاً هنري خلفه ، الانتظار كان يقتله بسرعة جنونية، كان الوضع الراهن يشعره وكأنه يشوى على نار هادئة لا هو يرحم وينتهي من عذابه ولا هو يعيش بسلام .
عاد الشرطي بعد وقت قصير ومع ذات الملامح اللامبالية أعطاه الجواب كتقرير مدرسي رتيب
" لم يأتي منذ ثلاث أيام ، ولا يعرفون أن كان سيفعل عما قريب ، غادر الآن "
الرقم ذاته ، مصدر رعبه الأكبر ، الثلاث أيام الماضية
...أراد بشدة معرفة ماذا حل بها ؟ كيف يعقل أن يختفي اثنان وحسب لثلاث أيام دون اكتراث فعلي من أي أحد ؟عض على اظفره يقضمه ، الشرطي أراد الحديث معه من جديد يطلب منه الرحيل لكنه قبيل فعل ذلك أجفل حين تبخرت كل ذرات التهذيب المصطنع من هنري راكلاً علبة النفايات القرية بسخط
"سحقاً لك "
التفت مغادراً بخطوات سريعة غير مدرك لذاك الرجل بالأعلى ، يراقبه من النافذة مع حاجبين مقوسين ، ملامحه حملت الحزن رفيقاً لها
" اعتذر هنري لكن لا يمكنني توريطك ، سيكون عليك الصبر قليلاً ، ساعيده سالماً اعدك"
/////////
لم تكن درجة الحرارة أفضل من اليوم السابق حقاً ! بل ربما كانت أعلى حتى و رغم أنه يوم الأحد و الذي يعتبر عطلة رسمية بالبلاد إلا أن ليو رفقة والده و جده كانوا باجتماع ما ..
بعض الضيوف القادمين من فرنسا لعقد اجتماع و شراكة مهمة معهم واجهتهم بعض المشاكل و كشركة مُضيفة كان على أسرة سوين حل ما يواجههم و انتهى ذاك الاجتماع بالاتفاق على كون ليو من سيرافقهم !
سيتو بالفعل اتخذ اليوم اجازة له أو هكذا رغب لولا أن ليو وكله بمهمة أُخرى و هي الذهاب و التنازل عن القضية ضد جيكوب و أمه ..
و حرفياً هو لم يفهم السبب ، لماذا قد يتنازل بعد كل ما بذله من جهد ؟؟ لكنه بأي حال اتجه لينهي ذلك عله يعود للمنزل و يقضي يومه بالنوم فقط !
جدياً منذ فتح صفحة جديدة مع ابن عمه حلقت الراحة بعيداً ! فقط لينتهي كل هذا و سيذهب هو لسويسرا أساساً لذا لا يُهم ...
أما آلفين فهو قرر الاتجاه لرؤية هنري و البقية ، ثم و مع رؤيته لقلق الأصغر حول مكان توأمه قرر مساعدته للبحث عنه ؟ أو إيجاد أي دليل حول المكان الذي به هاري ! كان هنري يبدو كمن يفقد عقله مع كل ثانية تمر ، كل جسده أبدى توتر لا مثيل له يهز قدميه بسرعه ، يقضم اضفر ابهامه يشتم كلما فشل بإيجاد أي شيء دون نتيجة تذكر
إيرنيست أخفض بصره بنوع من الهدوء مُفكراً إن كان لشقيقه يد باختفاء هاري لكن هو يعلم أنه لا عمل له مع الأصغر ..
إذ كان دوماً يتجاهل وجود هاري و يهتم بهنري و لو أنه أسره مثلاً لإعادة جذب الأكبر ألم يكن ليرسل له رسالة يخبره بها أن توأمه بات بين يديه ؟؟
هذا كان يجعله يشعر بنوع من الراحة و إن لم تكن مطلقة فشقيقه لا يؤتمن جانبه حرفياً ، و رغم هذا هو وضع بباله أنه سيعود إليه .. لسامويل بحال لم يظهر هاري حتى الغد لذا قرر قضاء اليوم رفقة آلكس بالحديث و فعل ما يحبه الاصغر ضمن حدود الغرفة الصغيرة بالفندق ...
لورين بقيت بالنهاية بالمنزل وحدها بيوم العطلة فقررت الخروج و الاستجمام وحدها و كم كانت تجتاج هي الأخرى لوقت تجلس به بمفردها دون تلك الابتسامة التي تستمر بإظهارها دون إزاحتها و لو لعدة دقائق ...
تلك الابتسامة التي تخفي حجم الخوف المتربع بقلبها ، و التي تمنع دموعها من الانهمار بالكاد بكل مرة ..
عليها أن تصبر فحسب قد لا تكون النهاية سيئة ، لكن و إن كانت سيئة ماذا قد يجب عليها أن تفعل ؟
بالطبع لا شيء ، لا يوجد ما يمكن فعله سوى الصبر كالآن ...
جين كان يجلس بمنزله كالعادة بينما يُطالع إحدى الصحف بابتسامة بينما زوجته و ابنته كانتا بالمطبخ تقومان بإعداد وجبة الغداء !
حيث قررت الصغرى مُساعدة أمها كونها قد بدأت بالعمل مؤخراً بينما هي متفوقة بدروسها أساساً على العكس ما يتوقعه من يرى شخصيتها المُتمردة ..
هي طالما تمتعت بقوة بشخصيتها و ازدادت تمرداً مع ما فعلته أسرتها بشقيقها الأكبر ! أحبت حقاً كيف تمكن ليو من إذلالهم بالحفل ..
اجل كانت و لا تزال تشعر بالغيرة منه لكن الآن ترى أنه يعتني بشقيقها أيضاً و ليس العكس فحسب ، يهتم به كما يفعل الآخر و تعلقت حقاً بمدى وفاء كُل منهما للآخر ...
أما بمنزل أسرة تشارلز فالأوضاع كانت مُنقلبة للغاية ، نزاع صامت أحاط جُدران هذا المنزل الذي كان يُعتبر يوماً ما رُكن آمن .. !
كيف أمكن هدم منزل مُحب هكذا بُني لسنوات طويلة بعدة لحظات بسيطة ؟ بخطة لاتزال سيدة المنزل ترى أنها ما أخطأت بها ؟
كانت و ما زالت ترى أنها من ظُلم هنا ، حطم منزلها بسبب إحضار زوجها لآلفين منذ البداية .. مُتناسية ربما أن ابنتها و المعني بجامعة واحدة ، مُتجاهلة أنها لم تكن تميل لجايكوب ذاك و لا بدرجة واحدة حتى لو هي ما قابلت آل يوماً !!
و هذا اليوم ما كان ببدايته سوى يوم صيفي آخر ، ذو روتين متكرر هادئ ، مُسالم ..
لكنه ما رغب بالانتهاء إلا بإشعال عاصفة .. كان ليو خارجاً من ذاك الاجتماع مستاءاً ، مشاعره سيئة منذ فترة وهو لا يجد وقت حتى للتفاهم مع عقله على سلبيته المتنمرة معه، هو حتى لم يمتلك وقتاً للنقاش مع آلفين على ما جرى بمنزل أسرته ولا أن يتفقد الصغار بعد وضعهم بذلك الفندق ، يدرك أن شقيقه يتولى الأمور كما يجب لكن ومجدداً أراد التواجد حولهم ، فتح ربطة العنق الزرقاء ينزعها بضيق تام يرميها بالخلف ، كان الوقت متأخراً بالفعل نتيجة تأخره لإكمال بعض الملفات في الشركة ، والده غادر قبله عائداً للمنزل رفقة البقية أما هو فقد اختار أخذ جولة بصغيرته علها تخفف حدة الاختناق المجهول المصدر .
هُناك على الطريق السريع كانت السيارات تتحرك بمسارها المُعتاد و بسرعات متفاوتة .. تزداد السرعة وتقل حسب الفكرة المصاحبة لها مع تقلبات مالكها
و بين تلك السيارات القليلة على الطريق الواسع كانت تلك السيارة السوداء تسير بالمنتصف ، صوت عجلات مسحت أرض الشارع بقوة جعلت عيناه تتسع فوراً يراقب مصدرها كرد فعل تلقائي لأي شخص لكن ذلك لم يده فقد تحول ذلك الاتساع لشحوب رهيب حين تدهورت إحدى الشاحنات أمامه بشكل غير مسبوق
شهقة صدرت من صاحبها ، رغم رعبه استجاب بشكل سريع محاولاً تجنب الاصطدام بتلك الشاحنة القادمة نحوه بسرعة مخيفة يحرك المقود بشكل هستيري نحو اليمين سيارته اتجهت لذات الاتجاه على ذات سرعته السابقة بالنهاية كلاهما كان يسير بطريق سريع !
لكن تلك الحركة رغم سرعتها غفلت عن جزء مهم تمثل بكون الجهه اليمنى ما حوت غير جسر حديدي صغير يقوده مباشرة نحو أعماق المحيط !
ارتطمت السيارة بالجسر الشائك و محطمة اياه مع زجاج النافذة الامامية ، ليو كان داخلها جمده الرعب هذه المرة وما رافقها من قلة الحيلة ، تنفس توقف لبرهه يحاول استيعاب ما حدث ، ثم وبدون أي تأخير إضافي انقلبت السيرة بمن فيها إلى البحر بالأسفل تحت أنظار باقي السيارات
الظلام كان مخيماً على الطريق رغم تكفل القمر بانارته بأقصى ما لديه ، السيارات حولهم توقفت كرد فعل وقائي خشية حصول اي شيء أخر واصحابها نزلوا من هناك يراقبون تلك السيارة الغارقة يطلبون فريق الإنقاذ بأقصى سرعة ممكنه .
أما خلال ذلك كله فقد كان الشاب في الأسفل يحاول باستماتة فتح حزام الأمان دون نتيجة، علق نتيجة تحطمه خلال السقوط ومع نفاذ الأوكسجين منه فتح فمه عنوة ليبتلع الماء دون رادع، شريط حياته مر أمامه مخبراً اياه أن النهاية حلت ، سيرحل دون تحقيق شيء حقاً تاركاً والديه ورفيقه وكل من اكترث لامره ، أراد الاعتذار منهم وان كان آخر شيء سيفعله، لم يرد أن تكون النهاية هكذا ، لم يتمنى أن يتركهم خلفه لمن لا يرحم مع الم فقدانه لكنه وحسب لم يملك خياراً ، كان عاجزاً عن فعل أي شيء لاجلهم ، ككل مرة .
~~~~~~~~~~~~~~
الشمس خرجت على استحياء في ذلك اليوم من الأسبوع ، رغم سيادة الصيف إلا أن الغيوم لم تتحرج من احتلال السماء تخفي كثيرا من الخيوط الذهبية خلفها حتى بدا الصباح وكأنه أحد أيام الشتاء
الصباح بذلك المنزل بدا هادئاً ككل يوم ، الليل مر عليهم سريعاً بعد يوم منهك طويل انتهى بعد عناء .
والدة ليو كانت تعد المائدة استعداداً للفطور والده جلس أمام التلفاز وان كان عقله مندمجاً مع الجريدة بين يديه ، آلفين استيقظ متاخراً بعد أن تكاسل من النهوض ، خرج من غرفته يمسح عينيه بذراعه محاولاً فتحهما بشكل كامل ، النعاس ما يزال يتملكه رغم هذا كان يشعر بوجود خطب ما ، المكان اهدء من اللازم وهذا جعله يسأل بعد إلقاء التحية
" ليو ما يزال نائماً؟"
وضعت لورين طبق البيض على الطاولة ، رفعت رأسها تنظر ناحيته بابتسامة صغيرة
" أظنه كذلك ، لم ادخل لغرفته خشية ايقاظه لكن الصمت غالباً دليل على هذا "
اومأ لها متجهاً ناحيه الموقد يشعله لصنع كوب من القهوة لنفسه ، التقط الكوب يجهزه لصنع قهوته بينما خالته تعمل كنحلة نشيطة ، بعد إعداد قهوته صنع آلفين كوبين محتسباً شقيقه معه واستئذن بعد أن انتهى من اعداده
" خالتي سأذهب لايقاظه "
اومأت وهي تحظر آخر صحن لتضعه ، أعلن التلفاز عن موجز الأنباء ، يتراسه أكثر عنوان انتشر كالهشيم في النار منذ الصباح الباكر ، نبأ جعل الجميع يجمد كتماثيل محنطة لا تذكر حتى كيف تتنفس ، الكوبين وقعا من يده ترافقاً مع الصحن المكسور أمام لورين ، عيناها استقرت على التلفاز تقرأ ذلك الخبر بقلبها المرعوب ودموعها المكتومة داخل محجريها ، يدها لم تتغير وضعيتها، غير مدركة أن الصحن وقع من يديها إلى حطام ، آلفين لم يلتفت حتى ، ترك اذنيه تستمع وحدها عسى أن يكون ما يسمعه كذبة من خياله، وهم اختلقته اذناه، لم يرد أن ترى عيناه الأمر أما الأكبر بينهم ، اخفض الجريدة بعد برهه، يحدق بالخبر أمامه بالعاً ريقه بصعوبة، يستمعون للخبر الصادر من المذيع بدون تعليق معلناً تعرض وريث أسرة سوين لحادث سير على الطريق السريع ليلة الأمس ، حادث اودى به وسط البحر بمفرده .... كانوا عاجزين عن الحراك ينتظرون سماع التتمة ، الجزء الاهم من كل هذا ، التراهات التي تلت ذلك الحوار ما كانت تعنيهم بشيء حتى وصل للجزء المهم
( تم نقله للمشفى بعد أن وجدته فرق الإنقاذ وهو بالمشفى المركزي بالمدينة ووضعه مجهول !)
كان التحرك صعباً عليهم جميعاً ، لم يملك أي منهم القوة اطلاقاً ، بدا وكان كيفية التحرك مثلت لهم سؤالاً فلسفياً عصي على الفهم والتطبيق ، لورين جثت على ركبتيها يدها على فمها ، تجبر نفسها على التماسك دون نتيجة تذكر ، برايان تجمد للحظات بوجه يخلو من أي تعبير غير الخواء، بدا له أن قلبه تولى مسألة التعبير عنه بنبضاته المجنونة ، كان يصرخ بصمت والم نازفاً مرة جديدة مترجماً ذلك بشحوب صامت ، بدا وكان الجميع يتظاهر بالصمم.
الفين كان يواجه مشكله وجوديه ، لا يقوى على الحراك، الاستيعاب لديه بطيء ، كاسطوانه معطوبة تعيد شيء واحد لا غير ، كان يتوسل لجسده أن يتحرك ، لديه رغبات كثيرة أولها التحرك لليو لكن لا استجابة ، الجواب المنشود من جسده حل بعد وقت قصير بدا اشبه بروبوت نسي صاحبه تزيته يتحرك بركاكة وبطئ قاتل ، ورغم استجماع شجاعته عنوة أن صح تسميتها كذلك تم ايقاف تدفقها قبل أن تأخذ مجراها الطبيعي ، رؤية الوضع كان كفيلاً لجعله يدرك حجم الصدمة وان كان تخيلها قوية بالفعل إلا أن رد الفعل الغير منطقي عكس صدمة نفسية شديدة لدرجة غياب رد الفعل المتوقع ( الركض للمشفى دون تأخير ) !
هذا دفعه لأخذ دفة القيادة كرئيس لهذه الأسرة المكلومة ، نهض من موقعه يلتفت ناحيتهما ، لورين استقامت تنوي مرافقة ألفين إلا أن برايان كان له رأي آخر ، هتف بهما بصرامة اجفلتهما
" توقفا فوراً "
استجاب جسدهما دون عقلهما، كانا مغيبين عن الواقع وهذا زاد من رغبة برايان بتنفيذ ما يريده
" لن يذهب أي أحد لأي مكان "
لورين بدت ضائعة تجيبه بغير فهم
" ماذا تقول؟"
ألفين لم يلتفت حتى لكنه لم يتحرك ايضاً أما برايان فقد تابع بصرامة أكبر
" اجلسا هنا ، دون جدال !"
لم تستوعب لورين الأمر ، بقيت تنظر ناحيته كطفلة تطلب تفسيراً من والدها بعد منعها من اللعب بغير وجه حق ، نظراتها ووضع الآخر زادت من حزمه
" اجلسا، لن يذهب أحد للمشفى ، بوضع كهذا ....نحن سنتبعه للعناية المركزة لا غير ! لذا اجلسا حالاً "
" لكن "
نطقت بها لتتلقى نهراً قاطعاً
" دون لكن ...."
وهي على غير المتوقع منها استجابت له ، لم تملك قوتها المعهودة ، عنادها كسره صغيرها عنوة، لم تشعر انها تلك المرأة القوية ذاتها ، تبحث عنها بعد أن ضاعت بين الحطام أما الآخر فقد كان لا يتفاعل وحسب ، لم يجادل لكنه لم ينصاع ، كان برايان يدرك عناده ورغبته ، هو بحد ذاته لديه ذاته إذ أن المعني بهذا هو ابنه الوحيد اساساً !
لم ينتظر استجابة بعد كل ذلك الوقت ، توجه نحو باب المنزل يغلقه بالمفتاح وحسب ، التفت ناحية الفين وكم ألمه منظره ، يشعر أنه لا يمكنه الانهيار حتى وسط كل هذا الدمار ، يعتب على ابنه على تركه بوضع كهذا ، أم مكسورة القلب واخ منهار نفسيا ً حتى فقد القدرة على التعامل مع أي شيء واب يدعو أن طالما الموت حق إذا لياخذه بدل عن وحيده ، هو مستعد لدفع كل عمره له .
سحبه من يده نحو الاريكة ، شعر بمقاومة ضعيفة من الاخر ، نابعة من قلبه المسافر مع الآخر يخبره أن عليه ان يكون قربه لكن لجسده وعقله رأي آخر ، خائف أن يرى أسوء كوابيسه أمامه كواقع لا مهرب منه لهذا جبن ، تبع كلام عمه تحت وطأة الانهيار ، هو واقف أمامهم لكن وعيه وقلبه غائبين، جلس الثلاثة بصمت يتابعون الأخبار كأي غريب آخر وان لم يكن أي منهم يستمع ، كانوا يحاولون التماسك وحسب لكن كل المحاولات كانت تسخر منهم بدل أن تعطيهم المرجو !
~~~~~~~~
بالمنزل الآخر لم يكن الوضع مختلفاً ، كان من عرف الخبر بوقت مبكر بينهم هي اصغرهم سناً ، من أعلنت عن قلقها عليه قبل وقت قصير وحسب وها هو ذا ينتهي به الأمر بحادث مرعب اجفلها حين راتها، شحبت بشدة وارتجفت يداها، نادت على الجميع بصوت ارعب قلوبهم معها
" ابي ، امي ، تعاليا بسرعة !"
صوتها اصابهما بهلع تام خشية حدوث شيء لها ، اقبلا بوقت واحد تاركين كل ما كان يشغلهما جين بيده ربطه عنقه بعد أن تجاهل ارتدائها وكاميليا الملعقة الفضية لم تبارح يدها ، كانت كاميليا من بدأ بطرح مخاوفه عليها تطمئن عليها
" ما الأمر ايزا ؟! "
وهي التفت بعيون محمرة تشير للتلفاز
" انظرا للاخبار، ليو الأحمق ....ذلك الغبي اصيب بحادث سير "
جملتها وقعت كصاعقة عليهما جعلت كميليا تشهق بشحوب، التفتت تحدق بجين وقد ملئت الدموع عينيها، هو لم يستطع التفوه بأي حرف ، صغيره ...كان بحادث ، على يد ذات الشخص ، صر على أسنانه بقوة ، كان يفقد ثباته النفسي بالتدريج ، يرغب بتقطيع سامويل بعد الاطمئنان على ليو ، حاول تمتلك نفسه يتنفس بثقل ، رمى ربطة العنق يخبرهما
" بدلا ثيابكما، سنذهب للمشفى فوراً !"
ركضت كاميليا دون أي تأخير وفعلت ابنتها المثل ، جين استغل غيابهم يخرج ما كتمه عنوة، تقدم من الاريكة يسند جسده بحافتها يضغط عليها مخرجاً بعضاً مما يكتم أنفاسه ، أغمض عينيه يتنفس بعمق ، يدرك أنه لا يحق له الانهيار ، الكثيرون غيره أحق به منه ، عليه أن يكون مصدر الدعم حالياً لا العكس ، رفيقه برايان ، زوجته ، ابنه الوحيد ، زوجته وحتى ابنته جميعهم كانوا بحاجة لمن يواسيهم ، هو لا يحق له هذا ، عليه أن يكون الداعم لهم ولو بأقل مقدار ولم يكمل أفكاره بعد إلا أنها قوطعت من قبل الاثنتين المنهارتين قربه تستعجلانه للخروج .
~~~~~~
هنري كان ما يزال يقوم بمحاولات يائسة للبحث دون نتيجه، سهر وهالات سوداء وافكار لا رحم ظلت تتراقص فوق رأسه ، لم يقطعها سوى شهقة من أصغر المتواجدين اجفلته رفقة ارنيست جعلتهما يحدقان به بحيرة ممزوجة بتوجس قلق
" ما الأمر الكسندر؟"
أقبل ارنيست يدنو منه يتفقده بأقصى ما امتلكه من هدوء وجواب الأخير تمثل ملئها الخوف يشير للتلفاز
" أليس ليو سوين هو صديق آلفين ؟ انظرا"
ومع جملته اتجهت الأنظار إلى التلفاز ومعها شحوب وصمت تام، آدركا ما حدث وتنوعت معه الأفكار وردود الفعل ، هنري لم يكن بوضع يسمح له بالقلق على أحد حقاً وهو يتخيل مصيراً مشابهاً لهاري لكنه وجد نفسه رغم بؤس الوضع ينهض ناوياً التوجه للمشفى بأي حال لتقديم دعم أن أستطيع تقديم أي شيء ، يدرك أن لحظات كهذه لا ينفع فيها أي شيء حقاً مهما كان نابعاً من مشاعر صادقة .
ارنيست جلس قرب ألكسندر يراقب بينهم الأكبر يغادر ، شعر ألكسندر بالحيرة من ملامح من معه ، دنى منه يمسك بيده يراقب ملامحه بابتسامة أثارت الخوف في نفسه
" ما الأمر عمي ؟"
احمرت عيناه يخبره انه يفهم بالفعل ما يجري ،الأكبر بعثر شعره يطمانه
" سأعود لأجلك اعدك، لكن الآن علينا فعل شيء لذاك الوحش المسمى أخي ، اعدك أن أكون حذراً ، سنطيح به ونعيش معاً "
ألكسندر حرك رأسه نافياً مع دموع على خديه، لا كلام لديه لقوله ولا مجال للنقاش بالنسبه له إلا أن الأكبر اردف يحاول احتوائه بين ذراعيه
" الكسندر، لدي مسؤلية تجاهه، لا يمكنني الصمت على أفعاله أكثر ، هو لن يتركنا وشاننا ايضاً ، لا انوي الموت..."
أجاب ألكسندر مع غصة في حلقه تنزل دموعه على خديه
" ليو أيضا لم يرغب بترك آلفين ، هناك أمور أكبر منك وحسب عمي ، أن ذهبت قد لا تعود ...أريدك معي ، لا أريد أن أكون وحدي "
ألكسندر شد على عناقه بقوة أكبر
"لست وحدك ، آلفين وهنري معك وانا لن اتركك"
ألكسندر زادت شهقاته يتمسك بقميص عمه
" كلكم ستذهبون، آلفين لن يسكت على ما جرى ، وهاري على ما يبدو ليس بوضع أفضل ، انتم جميعاً تنون الرحيل لأجل التخلص منه حتى لو عنى موتكم، أن كنتم تريدون هذا خذوني معكم اذاً ، أليس هو والدي ؟ لدي مسؤلية قتله ايضاً "
وعند هذا الحد ارنيست شهق يبعده يمسح خديه باصبعه مع ملامح مستاءة
" إياك وقول ذلك مجدداً ألكسندر ، هذا الوغد لا يعنيك بشيء ، انت فقط طفل بحق الله ، لا مسؤلية لك على أي من أفعال التعيسة ، أقسم لك لن نموت ، سنعود إليك ، انا ايضا أريد التواجد قربك ولن اتنازل عن هذا ، ثق بنا وحسب ، لقد وجدناك مرة وسنفعل دوماً "
أراد الرفض ، وجهه اغتسل كلياً بدموعه لكن نظرات عمه الجمته عن الحديث ، اومأ على مضض ومع الحصول على موافقته منحه عناق آخر يؤكد له أنه سيعود ثم انطلق مغادراً تاركاً الأصغر ينكمش على نفسه مع دموعه
~~~~~~
تجمع الجميع بالمشفى يسالون عن ليو ، الصحافة ومن معها أسرة آلفين ، هنري المتخفي تحت القلنسوة ، بل حتى تشارلز كان متواجداً يراقب من بعيد رفقة ابنته لكن السؤال المطروح من قبل الجميع هو أين أسرة ليو حقاً ؟!
جين ما انفك يتصل بهم دون رد ، خشي ان مكروهاً اصابهم وهذا قاده للجنون، أراد الذهاب وتفقد منزلهم لكن قبيل هذا هو رأى الطبيب يقبل نحوهم ، يخبرهم عن حالة المريض ، اللهفة بعيونهم وصلت له ومن حسن الحظ حمل لهم ما تمنوا، نهاية جملتهم جعلت دموع الراحة للبعض وزفرات الارتياح لاخرين تخرج من عيونهم و افواههم لكن عاد السؤال الأصلي على يد الطبيب هذه المرة
" من أسرة المريض ؟"
لم يعرفوا الجواب ، إرادوا أخباره انهم من يريد أن يحصل على واحد ، هاتف جين اهتز ومعه أسرع جين يوجه بصره ناحيته ولم يخب أمله ، كان من انتظره
" برايان، أين أنتم ؟!"
صوته منهك ، شاخ خلال ساعة وحسب كما لم يفعل قط ، أراد من جين أن يكون من ينقذه
"كيف هو ؟"
جين فهم الأمر ، ادرك وضعهم جيداً وسبب غيابهم ، اجابه بأقصى سرعة تمكن منها ليهدا من روعهم
" هو بخير ، زال الخطر ، لديه إصابات ولم يستيقظ بعد لكن حياته في أمان "
ازدادت سرعة تنفس برايان تحت أنظار زوجته المرتجفة ومع عبارة الحمد لله هي سمحت لدموعها بالنزول، دفنت وجهها بين يديها وبدأت بالبكاء ، صغيرها بخير ، هو لم يغادرها ويرحل، لا بأس بالبكاء الآن ، الفين ارتجف جسده أحاط بجسده مخفضاً رأسه ، نهض بدون تعليق هذه المرة ، يريد رؤيته ، يريد أن يصدق انهم لا يكذبون ، سيتشجع، سيراه وهو مصاب بالمشفى ، لا بأس بأن يراه بشكل مخيف كهذا لكن هو حي ، سيتمسك بالقشة الممدودة فقط .
نهض برايان يخبرهما بهدوء أن يتبعاه وهما فقط فعلا ما طلبه دون أي كلمات إضافية ، بل هذه المرة امتزجت مع لهفة ، وكانهما كانا مقيدين باصفاد لا تنكسر وها قد حان وقت الحرية ، ركضا كطفلين يتسابقان للخارج ، أحدهم قد يأخذ لعبتهما المنسية منهما ، كنزهما بعيد المنال وعليهما الإسراع ولم يدم الانتظار طويلاً .
صاروا أمام المشفى بغمضة عين ، توجها للداخل تاركين الفين ، رفض التوجه معهم ، أراد أن يشجن شجاعته اولاً جسده بالكاد يقاوم السقوط ، ماذا لو انتكس؟ ماذا لو كان ليس بخير ؟ اسيعود لهم حقاً ؟
جين وكامليا استقبلا الاثنين ، كاميليا عانقتها بقوة والاخرى بادلتها تطالبها بكتف ، جين استقبل براين يرافقه بنظرات مساندة نحو تلك الغرفة ، ايزا كانت تجلس على أحد مقاعد الانتظار تكتم دموعها عنوة ، المنظر كسر قلبها أكثر وزاد من شتمها لليو
" ساعاقبك على ما سببته للجميع أيها الطفل حين تستيقظ ! "
أدرك المتواجدون بالفعل غياب آلفين ، برايان اخبرهم انه بحاجة لبعض الوقت ليتجرأ فاحترما ذلك رغم رغبتهما بالركض إليه واحتوائه بين اذرعهما ، ايزا وقفت على بعد مسافة تراقب شقيقها بقلب مفطور، دموعها سألت لأجل ذلك الانكسار ، هذا ما عناه له ليو ، كان له كل شيء حرفياً ، آلفين لن يكون آلفين دونه كما ليو لن يكون ليو دون شقيقها ، وعند نقطة أخرى بعيدة وقفت انجيلا ، كانت تبكي بالفعل منذ قدومه ، هو لم يدرك كم كان وضعه مثيراً لشفقة كل من اكترث لامره ، بدا وكانه جثة متحركة لا تنبض بأي حياة ، ارادت الاقتراب منه ، مواساته ، قلبها اعتصر لاجله كما لو كان اسفنجه تم تجفيفها عنوة لكنها لم تستطع الاقتراب ، كل الكلام تبخر من عقلها حين رأته لانها ادركت أن العلاج الوحيد له على يد النائم على سريره ، كان هناك شخص واحد وحسب لم يحترم وحدته تلك ، كان أكثر من أدرك مشاعره لأنه امتلك مثلها بوضع أسوء منه بمراحل ، وقف خلفه واضعاً يده على ظهره ، دفعه بخفة لكنه كان كورقة بمهب الريح ، اندفع جسده للإمام وبالكاد اتزن، التفت ببطئ يحدق بمن خلفه ولم يكن سوى هنري
" استظل هنا كجماد لعين آلفين ؟ هو هناك بالداخل ، يمكنك رؤيته ومساندته، انظر لو كان هاري هنا لدست على نفسي للتواجد قربه ، تخيل حجم الوحدة بقلبه أن استيقظ دون وجودك، اذهب فلست من يحتاج الدعم بل هو ، كن معه مهما كان ، هذا واجبنا كاخوة كبار لعينين عديمي الفائدة، لا يحق لك التذمر والانكسار ، قم بواجبك مهما كانت النهاية "
كان صوته خافتاً ، عيناه دامعتان يتذكر مأساته ويستشعر مأساة الآخر ، كل كلمة قالها شعر بها قبل أن تصل إلى آلفين ، كانت له قبل أن تكون للاكبر، لكنها وصلت لكليهما ، آلفين تقدم نحو الأمام يتخطى الباب ، ترتجف يداه كلما فعل لكنه يستمر، خطوة بعد أخرى كطفل يتعلم السير ، يستمر رغم خوفه من السقوط لأنه لم يملك حق التوقف ، كان هناك من ينتظر وصول الطفل ، أن يحتفل باكماله خطواته ، يمسك يده ويبتسم له ، شقيقه هناك بحاجة لمن يوبخه، يخبره أنه اقلقهم وأنهم هنا لأجله ، وصل بعد وقت بدا طويلاً للجميع إلا له ، الأنظار اتجهت ناحيته ، أمه فور رؤيته اقسمت أن قلبها انفجر من شدة الألم ، ملامح صغيرها كما لم ترها يوماً ، هي رغبت برؤية سامويل امامها، سترديه قتيلاً بيديها هاتين على ما فعله بصغيريها، كاد يقتل الأول وقتل الآخر نفسياً لأجله
ايزابيلا كانت قد لحقت به بالفعل فور دخوله ، تتبعه كظله بصمت تدعمه بالتواجد وحسب ، بدا لها كمحارب في جبهه، وهي فرقة الدعم الخاصة به ، تنتظر أوامره للتحرك، والده راقب صغيريه من مكانه ، لا شيء ليفعله له سوى الإيمان به ، جعله يعلم أنهم هنا لأجله، هو يبلي حسناً بالتماسك لأجل رفيقه وها قد حان وقت المواجهه مع أكثر ما يرعبه.
بداخل الغرفة كانت لورين هناك مع عينيها المحمرتين تمسك بيد صغيرها كما لو كان طفلاً حديث الولادة ، تفكر بينها وبين نفسها كيف مر الوقت وصار شاباً أمامها ؟ بل كيف ما يزال يحتفظ بهذه النظرات البريئة رغم أنه أطول منها الآن ؟ وضعت يدها المهتزة على خده ، تشبع عينيه منه ،تمسح على شعره وبالنهاية ختمتها بطبع قبله على جبهته تهمس له كمن تهدهد لطفلها في مهده
"قر عيني باستيقاظك بني، اشتقت لسماعك تذمرك كما لو كنت غائباً عني منذ سنوات ، أرجوك لا تتأخر فقلبي لم يعد يقوى على هذا "
تراجعت للخلف تفسح المجال لزوجها ، اقترب منه ببطئ ، يمسك بيده ضاغطاً عليها ، حدق بملامح حتى دمعت عيناه ، تماسك بآخر لحظة يطبع قبلة على رأسه
" عد سريعاً ، لقد شاغبت أكثر من اللازم وانا ووالدتك أكبر من تحمل مشاغباتك"
تراجع مكتفياً بهذا ، لا يريد الانهيار ، هو عمود الأسرة وعليه ان لا يبكي، توجها للخارج حين علما أن آلفين حظر ، اشارا له للدخول يعطيانه وقت مستقطع معه ، لم يحب آلفين يوما الحديث عن مشاعره امامهم، ركنه الأمن كان ليو وحسب لذا ابتعدوا عن هناك يعطونه المجال رغم رغبتهم بالبقاء ، احترموا قرب الأخوين وحاجتهما قبل رغباتهما هما .
وقف آلفين أمام الباب دون ان يسمح له بأي تأخير إضافي ، خطى نحو السرير بتثاقل بصره كان على الأرض ، لم يرفعه ليرى ليو بعد ، لا يزال الخوف يتملكه لكنه وصل بالفعل للمكان ، ما عاد يمكنه تجنب الأمر ، كانت يد ليو أمامه ، ملامح آلفين هائمة ، هاربة للامكان ، مع إمساك يده شعر بدفئها ، ومعه بدأت الغدد الدمعية بالعمل ، رفع رأسه ينظر ناحيته يراقب ملامحه المسالمة وعند هذه النقطة انهارت دفاعاته النفسية كلياً ليجثى أرضاً يمسك كفه بكلتا يديه ، دموعه انهمرت مع شهقات متسارعة، الغصة.في حلقه جعلت ابتلاع ريقه صعباً وضع رأسه على السرير يخفي وجهه فيه مبللاً اياه بدموعه ، تنفسه صار سريعاً ،كان يتمنى رؤيته يفتح عينيه ويتذمر ، لا بأس بأن يسخر من بكائه كطفل، بل فكرة أن يكرهه حتى بدت شديدة القبول عنده أي شيء إلا أن يرحل هكذا ، لم يكلف نفسه عناء مسح دموعه لم يكن أحد هنا ليفعلها له بأي حال ، كان الشخص المسؤل عن مسحها بالعادة نائما بسلام تحيطه أجهزة طبية ليتمكن من التنفس رغم ذلك هو كان ممتناً ، هناك أمل ، هو لا يزال يتنفس ، كان ذلك كافياً للوقت الراهن .
~~~~~~~~
هنري بقي بالخارج ، كان يمسك بهاتفه بيده يحدق به شارداً ، يخشى أن يكون بموقف مشابه، قلبه على تؤامه كالنار المتقدة، لا يهدأ له بال ولا يشعر برغبة بفعل أي شيء حتى يسمع صوته ، صوت الهاتف جعله يخرج من أفكاره لوقت قصير ينظر ناحيته ، الرقم كان من رقم عمومي ، ضيق عينيه يجيب ومع ردع ترقرقت عيناه ونهض هاتفاً بلهفة لا مثيل لها
" أخي ، أين أنت ؟!"
~~~~~~~
ذلك الصندوق المعدني حوى على هدفه، هاتف يمكنه من التواصل على من يعتمد عليهم ، كان يتالم، ثيابه اخفت الإصابات لكن جسده لم يتمكن من مجاراة هذا التخفي الفاشل ، قدمه المطعونة بالسكين كانت تقتله الماً ، هو لم ينتزعها بعد من مكانها كي لا ينزف حتر الموت لكنه شعر انه سيموت الماً قبلها ، تنفسه تصاعدت وتيرته مع كل خطوة ، ملابسه السوداء اخفت ما أسفلها من دماء ، ابتسم بسخرية متذكراً كلام سامويل ، أخذه لغرفة فارهه مانحاً اياه ثياباً وطعاماً فاخراً بشكل مريب ، أقبل إليه بابتسامته المثيرة للغثيان يعرض عليه عرضاً مغرياً كما يدعي، أن يزيف موته ويبقى معه بالمقابل سيترك هنري وشانه !
العرض كان مغرياً بالفعل لكن ....هو عرضه على الشخص الخطأ ، هذا ما فكر به هاري ، هو من تذوق مرارة الركن جانباً مراراً، تضحيات شقيقه المعذبة لوجدانه ما زادته إلا تعاسة وتمرداً ، هو تجرعها وفهمها ، لا يهم كيف يزيفه ومتى ، هنري سيجن جنونه ويأتي لسامويل بنفسه ، النتيجة واحدة بأي حال ، والاسوء أنه سيفقد تؤامه دون مقابل حتى ، أ
كان العرض مثيراً للضحك بالنسبه له فكان الرفض جوابه وكنتيجة حتمية لفقدان سامويل لصبره أخرج سكين من جيبه متقدماً من الأصغر ليهوي بها على فخذه الأيسر ، كتم هاري المه صاراً على أسنانه ، تنفس بقوة وعمق يحاول تمالك نفسه إلا أن صوت سامويل جعله يضطر لتوجيه تركيزه على شيء آخر ومن غيره سامويل ؟
أعطاه العرض الثاني بعد قبض ثمنه، سيتركه حراً ، أن مات من الطعنه فهو مصيره ، أن نجى فلهما لقاء آخر !
كان هناك عند الهاتف ، أراد الاتصال بمارسيل ، يدرك أنه كان يموت رعباً لأجله كل يوم وفعل ، صوت الأكبر وصله يسأله بحذر تام
" من معي ؟"
وصوته المتعب خرج بالكاد يجيبه
" هذا انا مارس "
ومع تلك الجملة جسد مارسيلنو تحرك ينهض بسرعه من مكانه ، اجاب على جملته تلك على عجل يسحب أغراضه سريعاً
" أخبرني أين أنت هاري ؟! هل أنت بخير ؟"
اجابه هاري بعد أن أخذ نفساً عميقاً ، يغمض عينيه بسبب شعوره بالتعب
" أجل ، لا تقلق ، لقد أطلق المختل سراحي مع بعض الشروط لكن المهم لا تأتي ، ساتصل بهنري، واجعله يأخذني للمشفى ، هو يحاول الوصول إليك ، المهم ارسل دورية للمشفى بأي حجة بينما اتصل بهنري، يمكنك جعله يتنكر كممرض لاعطيه المعلومات إما حاليا سأذهب لاني أكاد أفقد وعيي، احتاج للحديث مع هنري "
مارسيل اراد الرفض لكن لم يكن الوقت يسمح
" حسنا أسرع ، ساحظر الترتيبات بينما تفعل "
قلبه كان هلعاً على تلميذه لكنه بحكم المهنة يعرف أن خطة هاري هي الصحيحة ، ليس وقت الاندفاع وراء العاطفة ، خرج من مكتبه ركضاً يطلب استدعاء رجاله يعلمهم بالخطة للانطلاق أما هاري فقد قرر الاتصال بمن افتقد دفئه، يعرف أنه سيرتعب لكنه عقاب جيد مقابل رفضه لذاك العرض ، فكرة أن تؤامه كان يمكن أن يقبله بكل غباء تغضبه لذا ارعابه قليلاً ثمن زهيد
" أخي "
ومع هذه الجملة جاءه صوت هنري المفزوع ، ضحك رغم ارهاقه يتخيل ملامحه تلك ، اجابه بانهاك
" احتاج من يقلني للمشفى، ايمكنك؟"
وهنري بالطرف الآخر بدأ بالركض بالفعل رغم عدم إدراكه إلى أين !يبقى على اتصال مع صغيره يطلب منه العنوان ولم يتاخر الاخير بمنحه له قبل ان ينقطع الخط بسبب انتهاء مدة المكالمه.
ركض هنري بدون توقف حتى وصل للشارع العام ودون اي انتظار اضافي استقل سياره اجرة نحو الموقع ، جسده بدا في حاله تأهب اثار توتر السائق معه ، حثه عده مرات على الاسراع ولم يستغرق الامر اكثر من ربع ساعة للوصول من حسن حظه ، كان قد طلب الاسعاف معه لذا كل ما كان عليه هو انتظار وصولهم ريثما يبقى رفقه شقيقه ، نزل بدون انتظار راكضاً نحو المكان حيث يرقد شقيقه ، صوته المرتعب وصل لمسامعه شقيقه جاعلاً اياه يفتح عينيه بصعوبة يحاول الحفاظ على وعيه ، ابتسم لمن جثى يمسك كتفيه مع رغبه جلية بالبكاء ، عيناه المحمره تقاوم لاجل شقيقه المرهق ، كان صوته بعيداً فلم يستوعب هاري اي شيء سوى انه جاء الى هنا لاجله ، دفن راسه بصدره منهكاً. يطالب بالامان ، كانت فترك عصيبه ومؤلمه وهو يطلب الان اجازة ولن يجد مكاناً افضل لقضائها من يدي شقيقه الدافئه وكتفه القوي ليحمل راسه الثقيل ، اغمض عينيه تاركاً الامر لهنري ، الاخير كان منهاراً يمسك بشقيقه بين يديه دموعه كانت تنزل عنوة دون صوت يقبض على شقيقه بين يديه يلعن سامويل ويتوعده بانتقام لا طاقه له باحتماله ، الاسعاف وصلت واخذت الاثنين لذات المشغى ، كان بذات وضع الفين اسرع مما تصور وكم كان شعوراً لا يطاق !
~~~~~~~~~~
مر وقت لا باس به وهو برفقة شقيقه عمه تشارلز غادر تاركاً ابنته هناك حيث رفضت الاخيرة المغادره قبل ايجاد فرصه للحديث مع الفين ، البقيه كانوا بالخارج يجلسون بانتظار استيقاظه يحاولون مواساة بعضهم وتشجيعها للصمود ، صوت باب غرفه ليو فتح ببطئ، ملامح الفين كان صريحه للغايه مع عيونه المحمره لكنه لم يكترث ، كان لديه عمل عليه انجازه ، جين لم يستطع الصمت رغم ان ملامح الفين لم تشي بما يقلق
" الى اين ؟"
الجميع كان ينتظر دون تعليق يفسحون له المجال للاجابه ، اجاب بهدوء يطمانهم
" صديق لدي اصيب ، يحتاج بالغاً ليكفله لانه قاصر ، اتصل بي تواً هو بالمشفى ايضاً "
بدا صادقاً جداً لهم ، لم يتمكن احد من التعليق سوى والدته حين شعرت بضروره قول هذا
"لا تتاخر"
اوما لها مغادراً او هذا ما عزم عليه حتى ظهرت الشرطة ، توقف مكانه يحدق بذلك الشاب امامه برفقة رجاله ينوي طرح الاسئلة ، اراد تجاهله والمضي بطريقه لكن المحقق كان له راي اخر ، استوقفه يطلب منه التريث لاعطاء اقواله ثم يمكنه الذهاب ، شعر فجاءه بحنق لا يوصف ، توقف مكانه اراد تهدئة نفسه لكن المحقق كان اكثر عناداً من التفهم جعل ذلك الفين يكور يديه ضارباً الحائط بجانبه بقوة تحت انظار الجميع ، شهقت والدته ولورين معاً ،شقيقته كانت على وشك الشجار مع المحقق تخبره انه وغد لا يفقه شيئاً في كيفيه معامله اسر الضحايا الا ان يد جين سحبتها للخلف ينوي هو تولي الامر ، اراد الحديث لكن الفين عاد ادراجه يقف امام المحقق بتعالي وسخرية يفرغ بعض حنقه فيها
" استجواب ؟ لاجل ماذا ؟ اوه صحيح لايجاد الفاعل ثم حين تجده سياتي شخص رفيع المستوى يخبرك هذا الشخص لا يجب العبث به ولا توجد ادله "
اردف كاتماً غضبه رغم صدمة الجميع من انفجاره هذا ، لم يعطي اي احد مجالاً للرد
" وبعدها تعلم ما سيحدث؟ تجد بريئاً ما لتلقي به في السجن ليتعفن او تغلق القضية وتقول كانت حادث غير مقصود لنتوصل لتسويه ، اللعنة عليكم وعلى قوانينكم لا تطبق الا على الابرياء اتعرف ربما الافضل لو تستقيلون وحسب ، على الاقل يتساوى البريء والمجرم بدل ان يدفع البريء الثمن والمجرم يستمتع بحياته وكان شيء لم يكن "
المحقق حاول ان يتولى تهدئة الوضع ، كل من بالخلف بدا يحاول التدخل ، كان جين من اقترب يحاول التفاهم مع المحقق وبرايان اقترب يهدا الفين
" ال ، اعلم ما تمر به لكن لا تزد حجم المشكلة"
هتف دون شعور منه يبعد يد عمه
" اذا اسكته واللعنة ، حاولت الرحيل وهو استوقفني "
جين اشار له بتفهم
" اذهب وحسب بني ، ساتولى الامر"
غادر يضرب الارض بقوة، حانق، غاضب ، يرغب باي شيء يبرد قلبه لكن لا نتيجه ، ملامحه كانت تزداد حده مع كل خطوه يخطوها ومعها افكاره السوداء تكبر بدون توقف ، وصل بعد بعض الوقت لحيث اشار له هنري ، اقترب من الاصغر الجالس على الكرسي قرب سرير تؤامه ، اخبروه انه محظوظ والاصابه كانت سطحيه لولا هذا لكانت سببت اعاقه دائميه له
بقي قرب شقيقه يمسك بيده بصره منكسر للارض ، فشل بكل شيء كعادته ، لم يكن يوماً شخصاً قوياً حقاً لكنه حاول ، بذل كل ما لديه لكنه بكل مره يصل للقاع المظلم ، يرتطم بقوه ليتكسر ولم يتعلم بعد ، هو حقاً طفل كما قال الفين
" تعبت ، انا استسلم حقاً "
الفين ظهر خلفه يضع يده على كتفه ، اكتفى برؤيته بشكل جانبي قبل ان يعيد بصره لمكانه ، ظهره منحني وملامحه منهكه
" لم يحن الوقت بعد هنري ، لن اجبرك لكن... اتريد ان نسترد حقنا؟"
هنري صر على اسنانه ، هتف بكل ذره كراهية امتلكها يوماً يقبض على يد شقيقه
" لو رايت سامويل امامي ، اقسم ساجعل منه عبرة لمن اعتبر، لكن ... "
تحولت تلك النبرة لاخرى غزاها الالم والضياع
"لكن ... لا افهم، كلما حاولت فعلها عاد لي هاري مضرجاً بالدماء، انا لا افهم كيف ينتهي بي الامر بنفس النقطة والخطا؟ ما الذي افعله بشكل خاطئ لكي اعود دوما لذات المكان ، اكثر مكان اكرهه !"
الفين سحب كرسياً يجلس بجانبه ، ابقى عيناه على هاري اما حديثه فهو لتؤامه المنكسر قربه
" هنري ، لقد تعلمت الامر بالطريقه الصعبه ، ساخبرك بما فهمته ، انا وانت تقدمنا تاركينهم خلفنا ، نرى الرصاص امامنا وبدل محاوله تجنبه كنا نحاول الاصابه به بدلهما، صدقاً لم اكن لاقبل بهذا ، هما كرد فعل حاولا التقدم امامنا لحمايتنا وانتهى بنا نتنافس من سيصاب اولاً؟ رغم ان الافضل والاسلم كان التقدم كصف واحد، ربما لاختلفت النتيجة، على الاقل ما كنا تجرعنا مرارة الوحده ، هنري ساخبرك بشيء تعرفه لكنك لا تدركه ابداً "
كان هنري يستمع بصمت ، توصل لاستنتاج كهذا لكنه بقي يرفضه وحين تقبله كان الوقت متاخراً ، الفين نطقها مشددة ، مكثفه وقصيرة
" انت شقيق هاري التؤام "
هنري رفع بصره يحدق بالفين بحاجبين مقطبين
" شكراً للمعلومة المذهلة"
ابتسم الفين يردف مبعثراً شعره
" دعني اصيغها بشكل اخر اذاً ، شكل لم تفهمه، انت لست والد هاري، لست الوصي عليه ، لست حارسه الشخصي ، انت شقيقه ، كلاكما صغير، كلاكما بحاجه لحمايه ، كلاكما ضعيفان ، انتما يجب ان تقفا معاً ، لا يجب ان تكون انت بالامام بل بجانبه ، لا فرق بينك وبين ، بضع دقائق او بضع اشهر او اي يكن ، هما ليسا تحت وصايتنا للاسف "
اردف بعد ان ابتسم لرؤية عيني هنري المتسعة ، فهم قصده ، لم يجد ما يقوله فتابع الفين
"كنا انانيين، نحن الان بوضع فرضناه عليهما لوقت طويل ، لكنهما تمردا عليه ، رفضا الانصياع ، اردنا لهما الافضل لكنهما فعلا المثل ، يخافان علينا كما نفعل ، لم نملك حق تقييدهما حتى لو كان لاجلهما ، هما كبيران كفايه بقدرنا ، لا نملك حق تقرير مصيرهما"
وضع يده على كتفه ، يميل براسه
"رغم اني افهمك جداً ، لكن حقاً لا نملك سوى الاذعان ، هما كبيران ولهما حرية القرار ، ونحن من واجبنا تقبل قرارهما ونتائجه، ننصح حين يجب نعاون حين يجب وهكذا ، لا خيار اخر، لقد تمكنا من فرض رايهما بالطريقه الصعبه لاننا رفضنا القبول ولم نجني سوى الندم ، افتح عقلك وقلبك هنري، هاري ليس طفلاً بل هو شقيقك وسندك ، وسينهض لاجلك ، حين يفعل تاكد ان تتحدث معه كما يجب "
كان هنري يخفض راسه يذرف الدموع على خديه بصمت ، حاول كبحها لكنه فشل فشلاً ذريعاً ، كان يشعر بانه ظلم شقيقه لاجل رغباته، جعله يعيش رعب خسارته اياه لوقت طويل يجلس متفرج في الصفوف الأمامية مع عجز تام ، أدرك الآن كيف اوصله للانتحار، المشاعر المزروعة في شقيقه نتيجة تصرفاته وإيصال فكرة ان هنري مستعد للموت في سبيله كانت بحد ذاته تعذبه دون رحمة !
بالوقت ذاته تقبل ذلك كان مؤلماً ، فكرة أن هاري كبر ولم يعد الطفل الواقف خلفه دوماً، عليه رؤيه شقيقه في خطر لكنه يدرك الان ان شقيقه عاش بهذا الالم طويلاً بسببه ، لقد كان اكثر من دمر سلامه !
الفين بقي صامتاً لفترة ثم قطع الصمت بعبارة جعلت هنري يرفع راسه بعد مسح خديه بكمه بأستنكار، تمكن من كسر لحظة التأثر بكل براعة نتيجة تلك العبارة
"هنري ، كنت اتفلسف وما الى ذلك لكن الا ترغب بانتقام صغير؟ الا يجب ان نجعله يدرك ان هاري وليو لديهما ظهر قوي ؟ بينما يستيقظان... الا تشعر بالملل من الانتظار؟"
هنري قطب حاجبيه ، عيناه المحمره بدات تخبو ، ضيق عينيه يدير الكرسي نحو الفين يعطيه اذان صاغيه يعرف تلك النبرة في صوت آلفين ونبرته المريبة مألوفة لديه ، استعملها بكل مرة كان لديه مخطط ما يريد تنفيذه ، تحمس يفكر بانتقامه، الجد ظهر عليه
"قل ما عندك "
مد له الهاتف ، قرا الرساله لتتسع حدقتاه ، اعاد رفع راسه لالفين بذات الملامح
"ثم؟ هل من افكار"
اقترب من اذن هنري يهمس له بشيء ، الاخير استمع له يومئ يخبره انه يتبع كلماته ، اجفلهما تلك اليد ، تحركت فجأءه تمسك بيد هنري جاعلة انتباهه نحو هاري ، لهفة لمعت بعينيه حين راى زرقاوتيه.
هاري زم شفتيه وعبوس ظهر على وجهه مع صوت منهك خافت
" بعد كل تلك الفلسفة الفين انت تعيدنا لنقطه الصفر وليس البدايه حتى ، الا يكفي اني غفرت لك جعل تؤامي يبكي !"
شعر هنري باحراج اما الفين ابتسم له يبعثر شعره يدنو منه
"حمدا لله على سلامتك ايها المشاكس الصغير، لا تقلق لم نعد للصفر لو كنت اعلم انك مستيقظ لاخبرتك بالخطة، رغم ان هنري لن يكون له دور قريب، هو سيبقى معك وانا اؤدي الباقي "
هاري راقب ملامحه يرفع حاجبه مستنكراً
" ساشي بك لليو حين يستيقظ !"
ضحك الفين بهدوء ، لم يخفى على التؤام ذلك التعب والحزن في عينيه لكنه امتزج فجاءه مع حدة وجد ، كان جاداً ولم يتأخر عن تنفيذ ما براسه
~~~~~~~~~~
حل الليل واسدل ستاره على المدينة، الناس اتجهت لمنازلها تاخذ قسطاً من الراحه بعد كل الكد المضني خلال اليوم ، كان وقت الليل هو المثالي للنشاطات المشبوهه لتتم بعيداً عن الاعين المتلصصة .
تلك البناية المهجوره امتلكت ساحة واسعه ترابيه امامها وقف فيها بذلك الظلام رجل بملابس سوداء يضع سيجارة في فمه ، خلفه وقف سبعه رجال بذات الثياب مع مسدسات في خصرهم ، مقابلاً لهم وقف سامويل بمعطف اسود طويل وثياب بذات اللون وخلفه عشر رجال ، كانت صفقة مهمه للغايه وشرطهم كان قدومه بنفسه فلم يرفض اذ لم يكن الامر غير معتاد ، كان سامويل يصافح الرجل مع تحيات رسميه بينهما ملئها التوجس والنفاق الا ان الشكليات ما غابت عنها ، لم يكن هناك كاميرات مراقبه قريبه فكان مكاناً مثالياً لاتمام صفقة بيع الاعضاء مع رجل من دوله اخرى
على بعد مسافه عدة بنايات وقف هناك على السطح ثيابه سوداء بالكامل يداه كانت مغطاة بكفوف سوداء هي الاخرى، شعره غطته القلنسوة وقطعه قماش غطت فمه ورقبته بذات اللون ، لم يظهر منه سوى لون العسل ، غطته طبقه ضبابية تعكس تلوث روح صاحبها
" سامويل ، اقسم بمعزة ليو ... لن تخرج سالماً اليوم "
نبرته كانت لتثير قشعريرة أي أحد يسمعها، كان قد تعذر بهنري للبقاء بعيدا مدعياً انه مضطر لعدم التواجد قرب ليو !
بلحظات كهذه امتن لايام تشرده بشدة، ايام كان فيها يحاول الانخراط بعصابات الشوارع وبفضلهم تعلم ما يكفي عن التصويب والاسلحه وحتى القنص ، يذكر الشاب الذي علمه وقتها مخبراً اياه ان اشياء كهذه ضروريه لاي شخص يملك ماضي مظلم ، يمكنها فتح افاق امامه طالما هو بالفعل غارق بالظلام ، الفين من ذلك الوقت كان الياس يتملكه كفايه لكي يحاول فعلاً الغرق اكثر ،ياس من ان يتم قبوله فبحث عن مكان اخر يتقبله دون احكام مسبقه فلم يجد غير المجرمين ، كان ذلك حتى قدوم ليو لينتشله ، لا يعلم اين كان سيكون لولاه كل تلك الافكار كانت بعقله ريثما يجهز نفسه ، ياخذ مكانه والقناص بيده استقر وضع عينه على العدسه ، راى راس سامويل في مراى بصره
يتبع
ارجو ان يعجبكم
الفصل مشترك مع Coldsnow5
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top