بارت 12
العبوس كان يحتل ملامح وجهه بينما ينهي شرب كأس الحليب الموضوع أمامه ، هو أصبح لديه نظام غذائي فظيع منذ أن كشفه آل بمنتصف الأسبوع السابق !
و الآن هو مُطالب بتناول وجبات الطعام الثلاثة بالموعد الصحيح أو سيقلب رفيقه الشقة فوق رأسه ، تنهد بتعب بينما يقف ليُنهي ارتداء ثيابه و ينطلق مُتذمراً من كل ما يحصل معه ، لازال إستخدامه لصغيرته أمراً محظوراً و خاصة أنه عندما أراد مُعاندة رفيقه يثبت له أنه بخير أصيب بدوار اضطر بسببه للوقوف جانباً ! و قطعاً منذ ذاك اليوم مفتاح صغيرته لم يره حتى ! .
غادر المنزل يسير بشيء من الهدوء بسبب برودة الأجواء خاصة بهذا الوقت المُبكر من النهار ، اليوم هو أول يوم للامتحانات النهائية لهذا الفصل ، و أخيراً سيكون لديه عطلة ما من الجامعة و الاستيقاظ مُبكراً , شعر بيد ما تُمسك به لإيقافه بينما كان بالكاد قد غادر العمارة التي يعيش بها , عبوسه إزداد أكثر عندما أتاه صوت رفيقه الوحيد :" لماذا غادرت مُبكراً اليوم ؟ هل تناولت طعامك حقاً يا أخي ؟ "
أجابه بتذمر و كأنه كان بإنتظار أن يحدثه آل بأي حرف :" أجل فعلت ! ثم أهذا فقط ما يهمك ؟ ماذا عن نفسيتي الفظيعة !؟ آل أتفهم عدم رغبتك بتعريضي للخطر إن قدت أنا السيارة لكن ماذا سيحدث بالعالم إن أنت قدتها ؟ لماذا قد نستيقظ مبكراً جداً فقط للوصول للجامعة ؟ هذا مريع و يستنزف كل طاقتي قبل الوصول حتى ! و اليوم هو ..."
ضربة خفيفة وجهت لرأسه جعلته يصمت بينما ينطق آلفين بملل :" تحرك و حسب ليو و توقف عن هذا التذمر يا أخي , ماذا لو أُصبت بالدوار و أنت تقود ؟! و كنت بمفردك ؟ الأمر قد ينتهي بكارثة ! و أنا لا أريد إستخدام صغيرتك لذا فقط تقبل الواقع "
تمتم بعدة عبارات غير مسموعة بينما يسير فحسب بوجه مُتجهم إلا أنه سرعان ما أبعده و عاد للحديث مع آل بمواضيع مختلفة و ربما أهمها هو تجاهله لإتصال والده عليه بحجة أنه لا يريد سماع التُراهات منه , و قطعاً إستنكر آلفين هذا التصرف و ليو تجاهل الأمر فحسب , هو حقاً لا يريد أن يستمع لوالده و كلماته المسمومة تلك !
بعد ساعة تقريباً كانت عيناه العسلية تحدق بالأسئلة بهدوء بينما يده مُنهمكة بتسجيل الإجابات ، هو ركز بالكامل بما أمامه ، بينما على خلافه تماماً كان ليو يجلس مُحدقاً بورقة الأسئلة بملل شديد ، هو تمكن من معرفة كل الإجابات تقريباً و يرى أن انتهائه بسرعة من حلها سيجعله يجلس بلا أي عمل حتى يخرج رفيقه من امتحانه !
لذا فقط كان يخط الكلمات ببطء شديد بينما يفكر بأنه حقاً درس أكثر مما ينبغي ، مع ذلك كان مُتحمساً و بشدة لرؤية النظرة التي ستظهر على وجه والده و ابن عمه الغبي عندما يرون أنه تفوق ، هو و حتى لو لم يجبره آلفين كان ينوي فعلها ، السهر للصباح تقريباً فقط ليرى تلك النظرة !.
*
عيناه خلال ذاك الأسبوع لم تفارق توأمه و لو لثانية واحدة ، الآن كلاهما بالمطبخ بحيث كان الأصغر يتحرك لإنهاء إعداد الفطور بسرعة بينما الأكبر كان يراقبه بنظرات حائرة حزينة ، تقريباً عاد كلاهما لذات الروتين لكن بشرخ كبير بينهما ، حائط لا يدرك كلاهما متى تم بنائه و لماذا ؟!
استيقظ من شروده عندما وضع شقيقه الطعام أمامه ليجلس هو الآخر بصمت ، أخفض هنري رأسه بشيء من اليأس فأين هي ابتسامته ؟!
كيف له أن يشعر بالراحة و هو يفشل بإعادة البسمة لوجه شقيقه ؟ تلك التي كانت شمسه بهذه الحياة ! ملجأه من برودة الأيام و قسوتها ، أيفقدها بكل هذه السهولة و بلا قتال حتى ؟
تنفس بعمق ليبدأ بتناول الطعام بينما يأخذ بين كل برهة نظرة لهاري الذي كان يتناول طعامه بشرود ، هو بات يُمضي وقته ما بين الشرود أو الغضب منه !
صوت رنين الهاتف قطع تلك الأجواء الصامتة ، حركة الأكبر توترت لاسيما عند شعوره بنظرة هاري التي تمركزت نحوه كذئب مُفترس ، نظرة جديدة هو ما إعتادها حقاً منه و لكن ماذا يمكنه أن يفعل حقاً بظل ظروف كالمُحيطة به ؟!
لذا هو وجد نفسه ينهض عن كرسيه بسرعة مُتجنباً النظر له بينما ينطق بخفة :" سأعود بعد دقائق انتظرني "
و هاري أسند ظهره للخلف مُغمضاً عيناه ، الانتحار كان خياره الأول الخاطئ لتحقيق حلمه إذاً ما خياره الآخر ؟! لن يتمكن هنري من ضمان حلمه له و هو بذاته قلق من المُستقبل !
ليس أحمقاً لئلا يُدرك قلق شقيقه من القادم ، و بذات الوقت ماذا عليه أن يفعل ؟! إن لم يكن موته الحل إذاً ماذا ؟ يدرك أنه و أولاً على هنري أن لا يعامله كطفل بعد الآن ، عليه أن يتركه ليكبر و ينضج سريعاً ليقف بجواره كشقيق ، عليهما القتال معاً ليصبح تحقيق حلمه الصغير ذاك واقع ، لكن كيف ؟
هنري فقط ازدادت مُعاملته له حذراً و بشدة ، بات يخفي المزيد و المزيد من آلامه عنه ! و هذا يزيد من شعوره بالعجز ، هذا يؤلمه بقوة أليس توأمه ؟ اذا ما فائدة كذب هنري عليه و نبضات قلبه تتسابق كاشفة الحقيقة ؟
لماذا توأمه لا يدرك بأنه يتألم مثله !؟ هو يشعر بألم هنري عن بُعد ، يختنق كثيراً دون أن تكون هناك مشكلة تواجهه ألا يعني هذا أنها مشاعر الأكبر ؟ تتسارع نبضات قلبه مع أنه يجلس مع رفاقه يبتسم و يلعب إذاً أوليس قلب شقيقه هو من يستغيث به ؟!
كيف له أن يمد يده لإغاثته ؟! لماذا شقيق مذهل و لطيف كهنري يحصل على أخ فاشل تماماً ؟ ما ذنب توأمه للارتباط به ؟
مسح دمعة فرت من عيناه سريعاً فهو لا يريد العودة للبكاء مُطلقاً ! يريد حلاً ما لا دموع فارغة .
حدق بتوأمه الذي كان يسير بخطوات سريعة تقريباً نحوه ، هو كان يخفض رأسه بينما ينطق بهدوء و شيء من التوسل :" هاري ، علي التغيب اليوم عن المدرسة ، هي مهمة اعتيادية لا تقلق أرجوك ، أنا سأعود سريعا لذا على الأغلب ... "
قاطعه توأمه بنظرة هادئة :" سأنتظرك هنا "
اتسعت عيناه قليلاً قبل أن يهتف بشيء من الاعتراض سريعاً :" لكن أليس من الأفضل لك التوجه للمدرسة ؟ أظن يمكنك تمضية الوقت مع أصدقائك بدلاً من بقائك وحدك "
دقات قلبه تسارعت و ذبلت ملامحه حقاً ، لا يفضل السماح له بالبقاء و لا يمكنه أن يخبره بأنني لا أرغب بالعودة لأرى منظراً يقودني للجنون مجدداً ، هو أراد أن يُردف عندما مد هاري أصبعه الخنصر بينما ينطق بخفة :" هنري عدني يا أخي بأنك لن تلوث يداك مهما كان الثمن "
حدق بمن أمامه بنظرات مُترددة خائفة قبل أن يبادله الوعد و هو يجيب بضعف :" أعدك لن أفعل لذا أنت فقط إعتني بنفسك و إنتظرني حسناً ؟ "
ابتلع رمقه بضيق شديد فهو خائف على تركه و بشدة لذا نطق بينما يستعد للمغادرة :" سأتصل بك بين كل فترة و أُخرى ، أجب بسرعة و اعتني بنفسك لأجلي "
كرر عبارته تلك طالباً منه العناية بنفسه قبل أن يخرج و هو يهمس لنفسه بأنه سيعود بأقرب وقت ممكن للبقاء معه .
*
غادر قاعة الإمتحان و أخيراً بعد أن كاد يموت من الملل حرفياً , هو أراد التحرك سريعاً للإنطلاق حيث سيلقى آلفين أمام البوابة ليتجها معاً لتناول الغداء و تمضية بعض الوقت حتى موعد العمل , إلا أنه توقف بينما يحدق بشيء من السخط بمن نطق بإبتسامة خافتة :" إذاً ليو كيف كان الإمتحان ؟ كنت تتثائب أغلب الوقت أهذا دليل على صعوبته أم العكس ؟ "
أجابه بشيء من السخرية :" و هل كنت تركز على ملامح وجهي أم على إجاباتك سيتو ؟ "
ضيق عيناه بشيء من الحدة وهو يجيبه :" ألا ترى أنك بت تمتلك لسان سليط ؟ "
آمال رأسه بكل بساطة وهو يجيب :" سيتو أليس من المريع أن لا تعلم من هو ابن عمك حقاً و نحن عشنا بذات المنزل لسنوات ؟! "
صمت قليلاً بينما يهمس بأذنه ببرود :" و ثق بي لا ترغب برؤية ما إكتسبته أيضاً بالفترة التي إبتعدنا بها ! لا تغتر لما حدث قبل سنوات فأنا لم أكن بوعي الكامل حينها لكن الآن الأمر مختلف "
أنهى عبارته ليغادر المكان بينما يأمل حقاً أن توقف هذه الكلمات من تركه خلفه عن إزعاجه الدائم , هو لم ينسى ما إضطر لتجرعه منه خلال تلك السنوات المُنصرمة مُطلقاً و هذا يؤلمه حقاً ! أن لا ينسى يعني أنه للآن متأثر بما حدث و هذا سيء بالنسبة له و بشدة .
تنهد بتعب شديد بينما يُسند جسده للحائط خلفه بإنتظار رفيقه و قد شردت عيناه بالسماء الزرقاء بينما ذاكرته أعادته لتلك الأيام الكئيبة , لا يدرك حقاً أكان السجن أفضل بالنسبة له منها أم أنها أرحم ؟!
يد ما وضعت على كتفه أخرجته من عالم الذكريات تلك , آلفين و الذي كان قد لمحه من بعيد أسرع بخطواته إليه ما إن شاهد نظراته تلك , لم يكن غاضباً لكنه رآى الألم بعيناه , لذا أراد إخراجه من أفكاره أياً كانت لإعادته للواقع !
و كعادته رسم ابتسامة خافتة على مُحياه ما إن وقعت أنظاره على رفيقه الذي نطق من فوره بإنزعاج و برود :" لا تنطق بحرف إن كنت ستخبرني أنك بخير ! "
تلك الإبتسامة إختفت ليحتل العبوس ملامحه وهو ينطق بتذمر :" إن أخبرتك أنني كنت أفكر بصغيرتي أتعيد لي المفتاح ؟! تخيل لو أنها هنا لما إضطررت للوقوف و التحديق بالسماء كالعجائز آل ! "
سار أمامه مُتجاهلاً إياه ليزداد عبوس الآخر و يتبعه وهو ينطق :" حسناً فهمت ! أنت فظيع أتحاول التنمر علي أيضاً ؟ بأي حال تذكرت القليل من الماضي هذا كل ما في الأمر ! "
توقف عن السير ليتأمل ملامحه بينما ينطق بشيء من القلق :" لماذا ؟ أحدث أمر ما أزعجك ؟ "
أومأ سلباً بخفة و كأنه كان مُستعد لمثل هذا السؤال :" لا شيئ معين , فقط ذكرى ما مرت بعقلي "
تنهد بضيق قبل أن يمسك بيده ليجبره على السير معه :" بدلاً من الوقوف هنا كعجوز يذكر أيام شبابه لنذهب لا تنسى أنه عليك تناول الطعام أم تظن أنني سأسمح لك بتجاهله ؟ "
عاد العبوس له سريعاً و هو يجيب :" هل سنعود لذات نقاش الصباح ؟! أكل ما يهمك هو حشوي بالطعام ؟ "
ابتسامة خافتة رُسمت على وجه الأول وهو يرى أن صديقه عاد للتصرف كطبيعته و لو قليلاً !.
*
فتح عيناه بخمول شديد عندما شعر بضوء ما يتسرب لداخل المكان الذي حُبس به لأيام , إلا أنه لم يكلف نفسه عناء النهوض أو محاولة الإعتدال بجلسته , و الواقع أنه ما كان قادراً على ذلك !
شفتيه كانتا مُتشققتين بالكامل , عيناه تجمعت تحتهما الهالات السوداء بينما وجهه شاحب بشدة , جسده يرتجف من البرد , هو لم يتحرك من الموقع الذي ألقاه شقيقه الأكبر به مُنذ الأسبوع المُنصرم , يديه تؤلمانه بشدة فهو لم يعالجهما حتى من تلك الحروق و مع ذلك كانت تقبضان بكل قوة يمتلكها على تلك الصور مُقرباً إياها لقلبه , و كأنها فقط ما تجعله يتشبث بهذه الحياة .
أصدر صوت أنين خافت عندما أوقفه الأكبر مُمسكاً إياه من شعره بينما ينطق بشيء من السخرية :" مازلت على قيد الحياة ! أحسنت عملاً فأنا مازلت بحاجة لك "
ألقى به لمن خلفه من الخدم وهو يردف :" أعيدوا هيئته لتبدوا كالبشر مُجدداً ! أريد بالغد أن يكون بخير و لا تهمني الطريقة "
أنهى عبارته ليغادر تاركاً شقيقه الأصغر يتأرجح ما بين وعيه و فقدانه بيد الخدم , لم يدرك حقاً ما يحدث حوله و لم يفهم أي حرف مما نطق به الأكبر و ربما هذا كان رحمة لقلبه الذي تألم فقط من طريقته بإلقائه إياه على الخدم و كأنه أقل قيمة من حشرة .
بالنهاية وعيه سُلب منه ليغرق بالظُلمة عله يجد بها القليل مما فقده بالحياة الواقعية من رحمة و دفء .
*
أسند ظهره للمقعد بينما يغمض عيناه الزرقاوتين الداكنتين بشيء من التعب و الإرهاق ، هو و منذ أسبوع و نصف يحاول الوصول لصغيره دون فائدة ، يرغب بمعرفة ما يدور بعقله حقاً و هذا البُعد لا يجدي نفعاً !
إدخال آلفين مُجدداً قد يقلقه و هو الآخر عليه التركيز على إمتحاناته و مستقبله ، تنهد بعمق فلا سبب حقاً يجعله يسافر مثلاً لرؤيتهما كما أن استدعائه لهما بالعطلة دون سبب واضح غير مُقنع .
ثوان فقط و فتح عينيه ليرى من دخل لمكتبه دون طرق على الباب حتى و صُدم عندما كانت زوجته أمامه تبدوا مُتحمسة لشيء ما و هي تنطق بسعادة :" لقد نجحت و بطريقة باهرة أيضاً ! تعلم أن ذاك الرئيس الأحمق أجبرني على قطع زيارة صغيراي ! لكنني تفوقت بالعمل الذي أوكله لي "
أمال برأسه بخفة بينما إستدارت هي حول مكتبه لتصل إليه و تجلس على طرفه مقابل له لتردف :" و فقط يفترض أن نقيم احتفال ضخم لذلك ! ما رأيك ؟ "
ابتسم باتساع شديد فالآن هو يمتلك السبب ليطلب منهما العودة لأجله ! و بذات الوقت سعيد حقاً برؤية زوجته بكل هذا الحماس ، هي حقاً لطالما خففت عنه الكثير بسبب هذه التصرفات العفوية التي تصدر منها ، لا يعلم حقاً ماذا كان ليحدث به لو أنها ما كانت بحياته !.
أخرج هاتفه فور مغادرتها ليرسل رسالة نصية لكل من آل و ليو قبل أن ينهض مُنطلقاً للإجتماع مع الإدارة و أصحاب الأسهم و المستثمرين و غيرهم عله يخفف حدة المشكلة التي تواجهه بينما بأعماقه يدعوا بأن لا يخذله صغيره حقاً .
*
ضم يديه بقوة و هو يطلع على تلك الرسالة التي وصلته تواً , ما علاقته هو بنجاحها و لماذا عليه السفر لأجل الإحتفال و الأهم من كل ذلك مقابلة والده بعد تجاهله له لمدة أسبوع و نصف ؟!
هو كان يسير ببطئ شديد أمام البوابة الرئيسية للجامعة مُنتظراً قدوم رفيقه , لم يتبقى إلا يومين و تنتهي الإمتحانات و أخيراً , هو كان قد خطط للكثير حقاً وتواً تم هدم كل تلك المُخططات برسالة نصية واحدة , لكن من جهة أُخرى هناك إيجابية واحدة فقط بشأن ذلك السفر .
إلتف لرفيقه فور سماعه لصوته بينما ينطق :" إذاً كيف كان إمتحانك أيها العابس ؟ "
إزدادت ملامحه عبوساً وهو يريه شاشة هاتفه التي مازالت تعرض أحرف تلك الرسالة لينطق رفيقه بهدوء :" لقد وصلتني واحدة مثلها بالفعل ليو ! لذا أظن أنه علينا البحث عن هدية ما لوالدتك "
رمش عدة مرات قبل أن يتوقف بمكانه و هو يهتف بعبوس :" لن أقدم أي هدية لأي أحد آل ! هذا فظيع ! إن فعلت هذا ستتشبث بي بقوة "
منع نفسه بالكاد من الضحك ليمسك بيده و يحثه على السير بينما ينطق :" أولاً ستتناول الطعام الخاص بك و من ثم سنجد هدية ما لأجلها و فقط لا بأس بأن تفعل ذلك صحيح ؟! "
إزداد عبوسه وهو يجيبه :" ألم يكن الأمر ليصبح أسهل لو أن صغيرتي معي ؟! "
بعثر آلفين خُصلات شعره بهدوء فهو عاد لموضوع صغيرته مُجدداً و مع ذلك أجابه بإبتسامة عابثة :" لكن ليو أتظن أن خالتي تعلم بأنك أصبت بفقر بالدم ؟ "
رمش عدة مرات قبل أن يشهق بقوة وهو ينطق :" لن أذهب ! هذه جريمة بحق نفسي , و فقط لتعلم أنك لن تنجوا أيضاً فهي ستخشى أن تصاب أيضاً ! "
تبدلت إبتسامته تلك وهو يفكر بمدى صحة كلام ليو , هي فقط ستكون مستعدة لحشوهما كلاهما بالطعام و الفيتامينات , لكن بأي حال لو أنها تعلم حقاً بالأمر لكانت هنا من أول ليلة تمارس طقوسها بالعناية بهما و بليو خاصة بما أنه من سيبقى تحت ناظريها طوال الوقت لذا على الأغلب لم يخبرها زوجها بما حدث .
إتجه كلاهما بعدها لتناول الغداء ثم بدأت رحلتهم بالبحث عن هدية ما مُناسبة , ليو أراد التخلص حقاً من كل هذا بأسرع وقت ممكن لذا رغب بشراء أول شيء تقع عيناه عليه إلا يد آلفين التي إمتدت تعيد ما حمله لمكانه حالت دون ذلك ليهتف بإنزعاج :" ماذا تريد آل ؟! هي هديتي أنا ! "
أجابه رفيقه بِعتاب :" أيمكنك حقاً البحث بجدية ؟! "
كتف يديه لصدره :" أعتذر لكنني لست معتاداً على إيجاد الهدايا لأحد خاصة النساء "
تنهد بشيء من التعب وهو ينطق بهدوء :" إستمع لي ليو , أيمكننا أن لا نكرر ذات النقاش بكل مرة ؟! "
عض على شفتيه بضيق :" إذاً كُف عن محاولاتك هذه لجعلي أتقرب منهما آلفين , تعلم أن الأمر مُستحيل "
أجابه بسرعة :" بل صعب لكنه ليس مُستحيلاً لذا أيمكنك فقط المحاولة ؟! "
أشاح بوجهه عنه بخفة ليسير بإتجاه إحدى المحلات الخاصة بالمجوهرات ليتبعه آل بهدوء , كلاهما غير مُعتاد حقاً على هذا , لذا لا يمتلك أي منهما فكرة عما يجدر شراءه و مع ذلك آل كان يثق بأنها حقاً لا تستحق أي هدية بل الأفضل ربما و هو ما كان مُصمماً على إيجاده و على خلافه كان ليو يبحث بينما ملامحه شاردة , هو لا يمكنه النظر إليها لعدة ثوان فكيف بوقوفه أمامها لتقديم شيء ما كالهدية لها ؟!
تنفس بعمق شديد عله يفرغ شيء مما يشعر به بينما وجه نظرة سريعة لإحدى أطقم المجوهرات الفضية , هو يذكر أنها لطالما أحبت اللون الفضي , فضلته دائماً على الذهب الملوكي بحجة أنه يبدوا أكثر رقة و لطفاً , لم يفهم قط مبدأها ذاك يوماً فبالعادة من هم بمثل موقعها أو ربما ما كانت عليه بالماضي يفضلن التباهي بالذهب الامع لكنها لم تكن كذلك قط !
تفكيره ذاك جعله يخفض رأسه و يشد على يده بقوة , ذلك الماضي و تلك المكانة التي نُزعت فقط ...
أفكاره توقفت تماماً عندما صدر صوت من رفيقه يتحدث مع شخص آخر ليرفع رأسه و يجد أنجيلا تقف أمامهما , وهو ابتسم بسرعة دافناً أفكاره تلك لحيث تنتمي للقاع بينما نطق بمرح :" فتاة ! أنجيلا أيمكنك تقديم يد العون لنا ؟! "
آمالت برأسها بشيء من الحيرة و قد نظر آل لرفيقه بإستنكار ليردف هو بمرح :" تعلمين أمي أنهت إطلاق مجموعة جديدة من التصاميم وهناك إحتفال سيقام لذلك ، لذا نريد هدية ما ملائمة أيمكنك المُساعدة ؟ "
هي نقلت بصرها بينه و بين آلفين الذي كان ينظر لها بهدوء مُفكرة بهل لآل علاقة بأسرة ليو أيضاً ؟! و ذات الفضول الذي يقبع بأعماقها ربما جعلها تجد نفسها تنطق بالموافقة !
هي ربما أرادت رؤية آلفين الذي رأته مع ليو بذلك اليوم ؟! و معرفة المزيد عن ذلك الفتى الذي يكرهه والدها لذا تقديم يد العون قد تجعلها تصل لما ترغب به ؟!
هي حدقت حولها قليلاُ بينما تنطق بشيء من الهدوء :" قلت أنها أطلقت مجموعة جديدة أي هي مُصممة أزياء و هذا ما يجعل شراء ثوب ما لها أمر صعب بما أنها ستمتلك نظرة ثاقبة لذا لنبتعد عن هذا الخيار و نرى المجوهرات أو أدوات التجميل الفاخرة و ربما بعض العطور ؟ "
سار ليو خلفها بهدوء بينما ينطق بلا مٌبالاة مُصطنعة ربما :" هي تُفضل المجوهرات الفضية "
أطرقت ببصرها قليلاً قبل أن تنطق بخفة :" الفضية !؟ فهمت يمكننا البحث عن طقم مناسب أو .. "
قطب حاجبيه بينما ينطق :" لا أظن هناك حاجة لطقم ما حقاً , سأشتري لها قلادة مع سوار ذهبي ثم أطليهم بالفضة هذا فحسب "
أومأت له إيجاباً و بدأت رحلة البحث عما يريده , لم يقتصر الأمر على ذلك المتجر الذي كانوا به و إنما تجول ثلاثتهم بالمُجمع التجاري بأكمله لاسيما عندما قرر آل نوع الهدية التي يريدها أيضاً و بالنهاية كانوا يجلسون بمقهى ما بذات المُجمع و أمام كل منهم كوب من العصير , نطق ليو بهدوء وهو يتأمل تلك العُلبة المُغلفة أمامه :" شكراً للمساعدة آنجيلا "
أجابته بابتسامة خافتة :" لا مشكلة لقد إستمتعت حقاً بالتسوق ! "
أومأ لها إيجاباً قبل أن ينهض آلفين من مكانه وهو ينطق :" سأعود حالاً "
قطب ليو حاجبيه وهو يهتف :" ماذا أتريد شراء شيء آخر ؟! فظيع "
لم يجبه آل الذي إبتعد عن المكان بالفعل ليتنهد ليو وهو يعود للعبث بكأس العصير خاصته بينما ينطق بتذمر :" أظن أن ما أحضره كان أكثر من كافياً "
هي حدقت بآلفين حتى غاب عن ناظريها ثم نظرت لليو العابس , الكثير من الأسئلة رغبت بتوجيهها له لكن لسبب ما شعرت بأنها عاجزة عن السؤال , تعلم أنه ربما إن سألت ليو عن آلفين سينظر لها بذات نظرته لذلك الفتى قريبه , قطبت حاجبيها حينها لتنطق بهدوء :" بمناسبة قريبك ذاك ألا ترى أنه بدأ يتمادى بما يفعله ؟! "
شهق بسرعة وهو يلتفت حوله قبل أن يجيبها بسرعة :" لا تتحدثي عنه ! ماذا لو عاد آل ؟ ثم ليس وكأنه قادر على إيذائي "
تنفست بعمق و هي تنطق :" فقط لتعلم هو بدأ يخبر رفاقه و من يسأله عنك و عن لماذا يحاول التقرب منك بأنك قريبه الذي تم حرمانه من الإرث بسبب أمر سيء قام به , لكنه يشفق عليك و يرغب بأن يساعدك بتجاوز الماضي ! "
ابتسامة ساخرة رُسمت على شفتيه دون أن يعلق فهو ما عاد يدهش من أفعاله و أقواله , إعتاد بالكامل على تلك المسرحيات التي يُطلقها لذا لم يهتم حقاً و بالرغم من أن أنجيلا رأت عدم إهتمامه إلا أنها أردفت :" ما قاله سيجعل البعض يفكر حقاً بالبحث عن ماضيك بالكامل "
أراد أن يُجيبها أن يخبرها أنه لا يهتم حقاً , ليفعل كل منهم ما يرغب به إلا أن عودة آل جعلته ينهض لينطق :" حسناً إذاً نعتذر على مقاطعة تسوقك مع صديقاتك , و آسف فأحدهم يمنعني من القيادة لذا لا يمكنني إيصالك "
نظر آلفين له والذي أخرج يده من جيبه وهو يحدق بملل :" و غلطة من هي هذه ؟ تعلم أن تتناول طعامك لئلا تمرض أيها الطفل "
عبس و هو يحمل أمتعته بينما ينطق :" آل فظيع ! لست طفلا و أنا بخير "
ابتسامة ساخرة رسمت على وجهه دون أن يجادله أكثر و إنما إلتف لأنجيلا لينطق بهدوء :" سأوقف لك سيارة أجرة لئلا تتأخري أكثر "
أنهى عبارته و تحرك فهم حقاً تأخروا بالتسوق و تقريباً حان موعد إتجاه كل منهما لعمله , إلا أنه ما إن صعدت آنجيلا لسيارة الأجرة حتى أخذ ليو بيد آل و سحبه برفقته , الأخير نطق بهدوء :" إلى أين تريد الذهاب ؟ علينا التوجه للعمل ليو "
ابتسم المعني بخفة وهو يجيبه :" تعال معي لحيث عملي آل لعدة دقائق فقط أرجوك "
أراد أن يعترض حقاً لتجنب التأخر لكن عينا رفيقه المُترجية جعلته يسير معه بهدوء , نطق ليو أولاً لتحطيم الصمت :" أتعلم آل الإيجابية الوحيدة التي أراها من هذه الرحلة هي العطلة من العمل حتى ! يمكنني النوم دون أن يزعجني أحد "
نظر إليه من طرف عينه بينما ينطق بشيء من السخرية :" أخي أعتذر لتحطيم هذا لكن خالتي ستوقظنا لتناول الإفطار مُبكراً معهما "
شهق بخفة و كأنه نسي ذلك تماماً و مع ذلك إتسعت إبتسامته أكثر خاصة مع بدأ تساقط الأمطار هو فتح يداه بينما رفع وجهه للسماء مُغمضاً عيناه كالأطفال تقريباً بينما يفكر بأن الإيجابية الحقيقية لكل هذا هو أنه سيقضي عطلته برفقة آل دون أي قيد !
آلفين نظر لرفيقه و ابتسم هو الآخر على مظهره , يحب كيف أن ليو و بالرغم من كل شيء كان قادراً على إبقاء جزء من روح الطفولة بأعماقه , يمكنه الضحك و الإبتسامة و التصرف بشيء من العفوية دائماً , ألا تعتبر هذه نقطة قوة له ؟
وصل كلاهما مُبللين تقريباً بالكامل للمحل و ما إن رآهما صاحبه حتى شهق بسرعة وهو ينطق بنرة حائرة :" أأنتما بخير ؟ ليو ألا تمتلك و صديقك مظلة أو شيء ما للإحتماء به ؟"
أجابه ليو بشيء من المرح بينما ينظر لآلفين الذي يحاول تجفيف شعره :" لا تقلق من فضلك و أعتذر على تلويث المكان سأنظفه حالاً "
أومأ له إيجاباً قبل أن يبتسم بهدوء و هو يخرج بعض المناشف لهما , قدمها إليهما ثم تحدث :" إذاً المحل بعهدتك ليو , أراك غداً "
إنحنى له المعني بخفة قبل أن يحدق برفيقه الذي يجفف شعره و يقف قرب المدفأة لينطلق نحو الطاولة ويقف خلفها , نظر آل له قبل أن يتحدث :" إذاً لماذا أحضرتني لهنا ؟ "
إنحنى ليو قليلاً ليخرج علبة كبير نوعاً ما و يمده بإتجاه رفيقه بينما يتحدث بشيء من الخجل الذي لا يعلم لماذا يشعر به :" هذه الثياب وصلت بالأمس فقط رأيت أنها ستكون ملائمة لك لذا تفضل "
حدق برفيقه بشيء من الصدمة أولاً فهو لا يذكر أن هناك مناسبة ما تستدعي هذا , أخذ منه ما بيده ليلقي نظرة سريعة حول ما يحتويه ثم نطق بشيء من الإستياء مُخفياً خلفه خجله :" ما مُناسبة هذا الآن ؟! و من ثم هي تبدوا بسعر مُرتفع كان من الأفضل لك أن توفر نقودك لأمر أكثر أهمية ليو "
حدق به بهدوء و لسبب ما هو توقع نتيجة كهذه لذا أجابه بنبرة شبه طفولية :" فقط لتعلم يا أخي لا أحتاج لأي مناسبة لأعطيك هدية ما , ثم لا شيء أكثر أهمية بالنسبة لي ! "
أنهى أحرفه إلى هنا رافضاً التعمق أكثر , هو أراد أن يشكره على إعتنائه الدائم به , الإعتذار على إقلاقه و غيرها فلم يجد طريقة أخرى تعبر عن ذلك حقاً و سواء علم رفيقه ما خلف هذه الهدية من معاني أم لا هو لا يهتم ! يريده أن يسعد فحسب .
الآخر أشاح بوجهه عنه قبل أن ينطق بنبرة خافتة :" شكراً لك ليو , الآن علي الذهاب للعمل "
أنهى عبارته ليغادر حقاً قبل أن يُتيح المجال لليو بالإجابة , الآخر ابتسم بخفة و بدأ بتنظيف أرضية المكان بشيء من الرضا .
*
الساعة كانت تشير للعاشرة و النصف تقريباً عندما عاد لمنزل عمه , هو ألقى التحية بهدوء ما إن رآهم مُجتمعين بغرفة الجلوس , تقدم للإنضمام لهم بهدوء فهو أيضاً يرغب بإعلام عمه عن سفره !
وضع ما بيده بالقرب من مكان مجلسه , لتنهض زوجة عمه تُعد له كوب من الشاي بينما تنطق بهدوء و لطف :" الجو بالخارج بارد حقاً ! لقد بدأت الأمطار بالهطول بغزارة أيضاً , و أنت تقريباً مُبتل بالكامل لذا يمكنك تجاهل عمك و الذهاب لتبديل ثيابك ستجد العشاء جاهزاً مع كوب من الشاي الدافئ "
أومأ لها إيجاباً بينما ينطق بهدوء :" شكراً لك "
راقبه عمه بهدوء و هو يصعد لغرفته بينما ينطق :" لماذا هو مُبتل هكذا ؟! ألم يقم ذاك الفتى بإيصاله ؟! هل تشاجرا ؟"
نظرت أنجيلا له بهدوء , أرادت أن تتحدث و تخبره بأنهما لم يفعلا إلا أن ذلك الإتصال الذي وردها جعلها تقطب حاجبيها بشيء من التوتر , تلك الفتاة حقاً لا تستسلم مُطلقاً , هي نهضت لتبتعد قليلاً قبل أن تُجيب :" إيزابيلا ! الوقت ليس ملائم حقاً للحديث ! دعينا نلتقي بمكان ما لاحقاً موافقة ؟ "
صمتت قليلاً تستمع إليها لتنطق :" حسناً إذاً قد آتي لمنزلك أو لمدرستك لاحقاً !"
أنهت عبارتها لتنهي تلك المكالمة بعدها ثم عادت للجلوس بمكانها , دقائق قليلة و إنضم آلفين لهم وضعت زوجة عمه الطعام أمامه ثم عادت لمقعدها , هم بالفعل تناولوا العشاء و ربما آل كان ليفضل الإعتذار على تناوله وحده هكذا إلا أنهم فقط لن يقبلوا بهذا , و ربما ما أراحه قليلاً هو إنشغالهم بالحديث مع بعضهم البعض .
بتلك اللحظة هو تسائل عن حال ليو الآن , لطالما خطر بعقله عما يفعله رفيقه و خاصة بأوقات كهذه ! هو هنا و يوجد من يُعد له طعامه و شراب دافئ لأجله لكن ليو لوحده و هو يدرك أنه بالكاد سيتناول العشاء لأجل وعده له فقط , ثم ماذا هل ينام فحسب ؟ أم أنه يحاول إيجاد ما يشغل وقته به ؟! أخفض بصره و هو يشعر بشيء من الذنب لهذا .
عدة دقائق مرت أنهى بها تناوله للطعام بسرعة و ما إن فعل حتى نطق عمه بابتسامة هادئة :" إذاً آلفين كيف هي حال إمتحناتك ؟ و عملك ؟ "
أجابه بإقتضاب كعادته :" كل شيء بخير , شكرا لسؤالك عمي "
أومئ له وهو ينطق :" جيد أثق أنك ستبلي بها جيداً , إذاً صغيري أأنت بخير ؟ لا يبدوا و كأن أحدهم أوصلك اليوم ! "
لم يعجبه إلى المكان الذي يؤول الحديث إليه لذا نطق بسرعة :" لا اليوم حدث أمر ما طارئ فحسب , عمي هناك أمر أريد إخبارك بشأنه "
نظر له بجد و إهتمام ليردف آلفين بهدوء :" عمي عندما تبدأ العطلة أنا سأسافر لزيارة أشخاص مهمين بالنسبة لي "
قطب تشارلز حاجبيه بسرعة و ضيق عيناه بينما يجيبه :" تسافر ؟! لكن إلى أين و من هم ؟ "
الرفض كان بادياً على ملامحه لكنه لم يكن شيء ليتقبله آلفين حقاً لذا أجاب بابتسامة خافتة :" إلى إيطاليا ,هم أسرة ليو و من إعتنوا بي "
أنهى عبارته و اختتم تلك المُحادثة لينهض و يستأذن للذهاب لغرفته و النوم .
*
مسح على شعر توأمه الذي كان نائماً بعمق بشيء من الهدوء و التعب , تلك الكوابيس لاتزال تطارد صغيره إلا أنه الآن بات يصحو ما إن يصدر أي صوت منه , هو خائف عليه حقاً , لا يرى أي تحسن بنفسيته مهما حاول أن يفعل بل يبقى شارداً وكأنه يفكر بأمر ما , و هو يشعر بأن تفكيره مُنصب حول ما قاله له الطبيب النفسي !
الخيار الثاني الذي عليه إتخاذه بدلاً من الإنتحار لتحقيق ذلك المستقبل و الحلم الذي يرنوا إليه , لكن ألا يدعوه هذا للقلق أكثر ؟! ماذا إن لم يجد حل آخر و عاد لتكرار ما فعله أولاً ؟! كيف يمكنه إقناعه بأي شيء بينما الحديث معه صعب للغاية ؟! هو إما هادئ بشدة أو غاضب بقوة .
أغمض عيناه بقوة بينما يحتضن شقيقه و قد قرر النوم بجواره الليلة , يريد أن تتوقف أفكاره عن التدافع هكذا لعقله لا يرغب بالشجار مع شقيقه , يريد إسعاده فقط فلماذا يفشل بهذا ؟! ماذا فعل بحياته ليحدث معه كل ذلك ؟ الجملة التي إعتاد هاري على إلقائها عليه بين فترة و أخرى منذ خروجه للمشفى تزيد من ألمه و حيرته , " أنت لا تفهمني هنري , هذا يجعل كل منا بعيداً عن الآخر بشدة "
ماذا يفترض به أن يفعل إذاً ؟! سأله عدة مرات حول ما يريده ! طلب منه أن يشرح له ما يرغب به و ما لا يفهمه بشأنه لكن الأصغر لم يكن يستجيب له .
الآن و قد بدأت العطلة سيحاول التقرب منه أكثر , ربما الخروج معاً و قضاء بعض الوقت الممتع قد يساعده على التحسن ؟!
هذه الفكرة كان آخر ما خطر بعقله قبل أن يغرق ببحر من الظلام .
*
الأيام التالية مرت بسرعة ليجد كُل من آلفين و ليو نفسيهما بالمطار بإنتظار طائرتهما للسفر , جلس كلاهما يحدقان بما حولهما و كلاهما يذكران أول يوم وصلا به لإنجلترا , الهواء كان خانقاً لهما , كل ما حولهما كان يذكرهما بما حدث من قبل لكن لاحقاً إعتدلت أوضاعهما قليلاً , بالرغم من كل شيء هُما لازال يمكنهما الوقوف و إثبات نفسيهما ربما للجميع !
بعثر ليو خُصلاته الزرقاء الداكنة مُتأملاً وجه أخاه الذي كان يحدق للأمام بشرود , لسبب ما يثق أن أفكاره لم تختلف كثيراً عما كان يدور بعقله هو قبل لحظات , أراد أن يخرجه منها لينطق بمرح :" أخي آل رأيت ذوقي يلائمك تماماً !"
نظر له بحاجب مرفوع سريعاً قبل أن يبتسم بهدوء وهو يجيبه :" يبدوا أن عملك أعطاك القليل من الخبرة الجيدة ! "
شهق من فوره بإعتراض مُحاولاً إثبات أنه كذلك منذ زمن لكنه من لم يلاحظ هذا قط , هو إختار لرفيقه بنطال جينز باللون الأزرق الداكن مع قميص أبيض و معطف أسود ثقيل يقيه برد الشتاء , أزرار المعطف و سحابه إتخذت من العسل لوناً لها و بالنهاية أضاف إليها وشاح بلون العسل أيضاً مُبرزاً بهذا مُقلتيه العسلية أكثر .
لا ينكر بالرغم من العبوس الذي كان يدعيه أنه حقاً سعيد بأن رفيقه إختار هذه الثياب لحضور الإحتفال بها ! وربما تفكيره بهذا جعله ينسى جزء كبير من تلك المشاعر التي رفضت التخلي عنه طوال الفترة الماضية التي يكون بها وحده , مُقابلته لهما شكلت له الكثير حقاً , تلك الثقة المُترنحة بأعماقه جعلته لا يعلم أهو حقاً يستحق كل هذا ؟!
*
ذاك المنزل الفخم بحدائقه الواسعة كان يشهد على حركة مُتسارعة بين أسواره , بالرغم من أن التزيين قد تم إعداده منذ الأمس إلا أن سيدة المنزل أرادت التأكد من أن كل شيء يسير على ما يرام , هذا الإحتفال و بالرغم من أنها كانت مُتحمسة له إلا أن مديرها من طلب منها القيام به ربما لأجل الصحافة ؟!
لكنها لم تكن لتمانع حقاً , زوجها يبدوا عليه الإرهاق الشديد , عودته للمنزل أصبحت مُتأخرة إذاً لا بأس بيوم ما للترفيه عنه به صحيح ؟! عبست قليلاً وهي تفكر بأنها ترغب حقاً برؤية صغيريها , لكنها تدرك أنها حتى لو طلبت من ليو القدوم هو كان ليعتذر بأي حجة !
توقفت خطواتها بالمطبخ حيث كان عدد من الطباخين المعروفين به يتحركون بسرعة و تناسق , ألقت التحية بإبتسامة لطيفة قبل أن تنضم لهم ترى القوائم للمرة الأخيرة , شهقت بشيء من الصدمة عندما سُحبت القائمة من بين يديها و قد تراجع الطاهي الذي كان يقف معها للخلف بشيء من الإحترام لتعبس بخفة وهي تتحدث :" أتنوي قتل زوجتك من الخوف ؟ "
ضحك بخفة و هو يجيبها :" لا أظن أن مثل هذه النسبة الضئيلة من الخوف قد تقتل أحدهم ! و الآن على نجمة الإحتفال ترك كل ما بيدها و الإتجاه للإستعداد , يمكنني تولي أمر البقية "
نظرت إليه بشيء من الرفض , هي ترغب بأن تجعله يرتاح تماماً اليوم لا أن تعطيه مهام أخرى و مع ذلك شيء ما بملامحه كان مُختلفاً , هو يبدوا مُستمتعاً حقاً ما يفعله و هي فقط تسائلت متى آخر مرة رأته هكذا ؟!
ابتسمت بخفة لتستدير و تترك الأمر له فبما أنه يرغب بهذا إذاً لا بأس , مع ذلك توقفت خطواتها عندما سمعته يوصي على بعض الأطباق الصحية , هي إستدارت مُجدداً تنطق بحذر :" أأنت مريض ؟ أتعاني من أي خطب ؟ أهناك شخص ما مريض بقائمة الضيوف ؟ "
ابتسم بتوتر فهو لم يعلم أنها ما تزال هنا حقاً , أمسك بيدها ليخرجها من المطبخ يقودها للغرفة بالأعلى لتجهز نفسها :" لورين عزيزتي أنا بخير الطعام ليس لي ! هُناك العديد من القادمين اليوم و نحن لا نعلم ظروف كل منهم هذا فقط "
أعطاها لمن يفترض بهم مُساعدتها بتصفيف شعرها ووضع بعض مساحيق التجميل وهو يردف :" من فضلكم لم يتبقى للإحتفال سوى القليل و هي لم تبدأ بالإٍستعداد حتى لذا لا تسمحوا لها بالخروج "
أنهى عبارته ليبتعد و هناك ابتسامة خافتة على ملامح وجهه , هو حقاً تأكد أنه إتخذ القرار الصحيح بعدم إخبارها عن صغيرهما فهذا كان ليجعلها تتجاهل كل شيء و تتأكد من الذهاب لحشوه بالطعام و كأن هذا هو كل ما يحتاجه ! .
توقف أمام بوابة القصر عندما لاحظ قدوم والدا زوجته , هو ابتسم لهما من فوره , مُمتن لهما على الكثير من الأمور , حياته ما كانت لتصبح هكذا من دونهما , ربما كان ليفقد أسرته بالكامل و نفسه لولا تواجدهما و زوجته , أخذهما لحيث إبنتهما بعد عدة أسئلة سريعة من طرفهما حول ليو و آلفين و أوضاع هذه الأسرة الصغيرة بأي حال .
تنفس بعمق لينهي تفقده لكل شيء ثم ينطلق ليستعد هو بنفسه و الأهم هو إرسال سائق لإحضار صغيراه من المطار .
*
تثائب بملل شديد بينما يحدق بالآخرين عدة دقائق , شعوره بالتوتر عاد إليه دُفعة واحدة ما إن وطأت أقدامه المطار , لماذا كان عليهم إستدعائهما لأجل حفل ؟! كلاهما لا يفضل مثل تلك الأجواء مُطلقاً !.
آلفين بقربه تنهد قليلاً و كأنه يبعد بعض من الأفكار التي تقف فوق قلبه تزيد من حمله , أراد الخروج تماماً مما يزعجه لذا سار بخطوات ثابتة إلى إحدى المحلات التي تقوم ببيع الهدايا ليتبعه ليو بحاجبين معقودين فماذا يريد شرائه أيضاً ؟
هو لم يعلق و لو بحرف واحد حتى طلب رفيقه تغليف عُلبة الشوكلاتة و تنسيقها ببعض الورود :" آل أأنت واقع بحب فتاة ما هنا ؟! "
رمقه آلفين بإستنكار تام فوراً قبل أن ينطق بسرعة و سخرية :" أخي هذه لك ! ستعطيها لوالدتك مُرفقة بهديتك !"
إتسعت عيناه بصدمة شديدة بينما ينطق بسرعة :" لن يحدث ! هذا مُستحيل , لن أفعلها مهما حدث "
أنهى عبارته ليسير مُسرعاً خارج المحل بينما تبعه آل بلا مُبالاة تقريباً بكلامه فهو بالنهاية سيعطيه إياها , ما إن سار كلاهما للخارج حتى أقبل رجل كبير بعض الشيء بإتجاههما ليرحب بهما و يعرض حمل أمتعتهما عنهما إلا أن ليو تذمر من فوره :" عمي ألا ترى أن كلانا شابين !؟ ثم لم نحضر الكثير من الأمتعة كان يمكنك الإنتظار فقط بالسيارة حتى ظهورنا بدلاً من إتعاب نفسك "
أراد الإعتراض لولا أن آلفين أكد على كلام رفيقه بابتسامة هادئة لذا لم يجد الآخر بُداً من التراجع و الجلوس خلف المقود حتى صعود كل من آل و ليو للداخل , الطريق ما كان طويلاً حقاً بل بدى أقصر لهما من المُعتاد , كلاهما يعلم أن الدخول وقت بدء الإحتفال أو خلاله يعني الكثير من المجهود النفسي لهما لذا توقفا أمام البوابة يستعدان نفسياً ربما قبل دخولهما و ما إن كادا يصلا للقاعة الرئيسية بالمنزل ألقى آلفين ما إِشتراه على رفيقه مع نظرة مُهددة لئلا يتذمر أو يعترض .
و بالرغم من تلك النظرة شهق ليو بقوة ليسبقه آلفين للداخل واضعاً إياه تحت أمر إجباري , هو شتمه بأعماقه ثم سار بسرعة ليكون بجواره , لم يرفع رأسه ليرى أي أحد من المدعوين أو يكلف نفسه أن
يلقي التحية عليهم و لو من باب المُجاملة التي عليه أن يتقنها ليكون يوماً ما وريثاً لكل هذا !
توقفت خطواته عندما توقف آلفين حيث تقدم والده إليهما بابتسامة هادئة لينطق بسرور :" أهلاً بكما صغيراي ! أتمنى أن لا تكون رحلتكما مُتعبة ."
أجابه ليو من فوره بعبوس و تجهم بينما يشيح بوجهه عنه :" بل هي كذلك ! "
نظر والده له بهدوء قبل أن يتنهد بتعب بينما أجاب آلفين :" لا تقلق عمي هي لم تكن حقاً مُتعبة و أحدهم قضى وقته نائماً لذا عليه أن يصمت . "
شهق ليو من فوره ليضحك الأكبر من فوره بينما يتحدث بخفة :" تعاليا معي لنذهب حيث لورين , لن أجبركما على حضور الحفل حقاً "
نظر له كلاهما بشيء من الدهشة , هذه ليست من عاداته قطعاً هو لطالما رغب بأن يقضيا وقت أكبر مع رجال الأعمال علهما يكونا بعض الروابط التي تفيدهم بالمستقبل , لكن و حالياً مهما كان الأمر ربما عليهم إغتنام تلك الفرصة حقاً !
صعد كلاهما للغرفة بالأعلى حيث الجناح الأكبر بالمنزل , طرق الباب بهدوء قبل أن يتراجع مُعطياً المجال لكل من الصغيران للدخول , هو أراد أن يفاجئها بقدومهما و هذا حقاً ما حدث فما إن تقدم كلاهما قليلاً حتى وصله صوت شهقتها المصدومة !
هي نهضت من مكانها تُبعد من كانت تضع اللمسات الأخيرة على خُصلات شعرها البُنية لتأخذهما بعناق قوي و طويل تحدثت خلاله :" صغيراي , حقاً سعيدة و بشدة بتواجدكما هنا ! لا تعلمان كم تمنيت أن أراكما , إشتقت لكما بشدة , شكراً حقاً لكما "
شعر ليو بعدم الإرتياح بينما يمد إحدى ذراعيه حول ظهرها قليلاً عله يتخلص من هذا العناق سريعاً بينما رفض لسانه أن ينطق و لو بحرف , أما آل فقد إحتضنها بهدوء وهو يجيب بابتسامة هادئة :" و نحن أيضاً خالتي , مُبارك على نجاحك "
إبتعدت عنهما بإشارة من زوجها بينما بدأت تنظر لهما بتمعن شديد , عيناها الخضراوتين عكستا الكثير من السعادة و الإشتياق إتجاههما .
ليو و الذي شعر بأنفاسه تضيق أكثر مد يده بسرعة مُعطياً إياها ما أحضره لها و ما أضافه آلفين لها لينطق وهو ينظر لجهة أخرى :" هذه لك , مبارك نجاحك ! "
صوته كان خافتاً بالكاد يظهر لكن هذا كان أكثر مما توقعته أمه منه , هي كانت لتكتفي برؤيته فقط لذا وجدت نفسها تحتضنه مُجدداً و بقوة شديدة وهو شهق بشيء من الصدمة و حاول التراجع للخلف بهدوء و هي تركته بخفة ما إن شعرت بذلك لتتحدث بابتسامة :" شكراً لك صغيري "
أومأ إيجاباً و تراجع من فوره للوقوف خلف آلفين بطريقة لا إرادية , رفع آل أحد حاجبيه يبتسم مُرغماً على الطفل خلفه ليتقدم هو يمد له ما أحضره لها بينما يتحدث بهدوء :" مُبارك خالتي لك نجاحك كالعادة "
ابتسمت بسعادة شديدة بينما تحضنه هو الآخر بسرعة و خفة قبل أن تنطق :" لا تعلمان حقاً مدى سعادتي بتواجدكما هُنا "
عبست قليلاً قبل أن تردف :" لو علمت بقدومكم لما أقمت هذا الإحتفال ! كان يمكننا الإحتفال نحن الأربعة فقط ! "
ضحك زوجها قليلاً لينطق بهدوء :" يمكنك التعويض لاحقاً عن هذا عزيزتي , و الآن قلت أنني لن أجبركما بحضورها لكن فقط أريد تواجدكما بالأسفل حتى حضور لورين الحفل ثم يمكنكما أن تأخذا قسط من الراحة حتى نجتمع لتناول العشاء معاً "
أومأ كلاهما له بينما نطق ليو بهدوء هامساً لآلفين فقط :" و أنا من ظننت أنه أصيب بخلل ما ! "
نظر آلفين له قبل أن يجيب :" فقط تحرك على الأقل القليل منها أفضل من حضورها بالكامل "
تنفس ليو بعمق بينما حدق آلفين بجهة أُخرى , بالرغم من أنه من يحرض ليو على التحرك إلا أنه لا يشعر بالراحة , هو يفضل أن لا يظهر بمثل هذه الإحتفالات , هي لا تعنيه فمهما كان لطف من أمامه هو مازال غريباً عن هذه الأُسرة بالكامل , يرغب فقط بإدخال ليو لمكانه الصحيح بينهم لكن كواقع ما هي مكانته هنا ؟!
و الآخر سار بخطوات مُنزعجة , لا رغبة له برؤية تلك النظرات تجاهه , الكثيرون يرون أن والده أخطأ حقاً عندما قبله و أعاده إليه , هو فقط يكره الإختلاط و التمثيل , يمكنه معرفة ما خلف إبتسامتهم المُجاملة من أعينهم و هو حقاً مهما كانت براعته بالتمثيل غير قادر على مُجاملة من يكرهه !.
لذا ألقيا التحية على جدي ليو من طرف والدته قبل أن ينعزلا عن الجميع بالشرفة , ليو لم يتوقف عن إلقاء بعض التعليقات المضحكة حول الضيوف بينما كان آل يسايره أحياناً و بأخرى يوبخه ليتجه و يقف مع والده قليلاً و حينها يبدأ رفيقه بالتذمر كالعادة ! .
دقائق فقط و توقف الضجيج بالقاعة ليلتفت كلاهما للداخل تحديداً لذلك الدرج اللولبي حيث كانت تسير بخطوات هادئة و ربما أكثر ما لفت إنتباه كلاهما هو ما زينت به نفسها!
خُصلات شعرها ذات اللون البُني صُففت للأعلى بينما توسطه مشبك شعر فضي زاد من جمال تسريحة شعرها , هي تركت خُصلتين على كِلا الجانبين تنسدلان بُحرية و من خلفهما ظهر الحلق الذي تزين به أذنيها حيث كان مكون من عدة خيوط فضية لامعة متفاوتة الطول مُتصلة من الأعلى بجوهرة بيضاء بينما ينتهي كل خيط منها بكرة فضية صغيرة أضفت شيء من البرائة و النعومة لهيئتها .
عُنقها زينته بقلادة من الذهب المطلي بالفضة ليناسب ذوقها , يتوسطه جوهرة بيضاء دائرية الشكل يمكن أن يتم فتحها لتحتفظ بصورة ما بها , بينما وضعت بيدها اليُسرى سوار بذات اللون تتوسطه عدة حلقات بيضاء لامعة , عيناها الخضراوتين كانتا تبرقان بسعادة بينما ابتسامتها مُتسعة !
هي لم تندم و لو لثانية أنها فتحت هدايا صغيراها قبل الظهور بالحفل , بل إنها فور رؤيتها لهم قررت إستبدال ما إختارته سابقاً لتضع ما أُهدي لها منذ لحظات , و حقاً كانت فخورة بذلك , فخورة بصغيريها وبتواجدهما و بكل شيء تقريباً .
نظر كل من آل و ليو لبعضهما البعض لثوان قبل أن تظهر ابتسامة هادئة على وجه الأول و أخرى خجولة نوعاً ما على وجه الثاني !
و بإنضمامها للحفل تحرك كلاهما لحيث غرفتهما الخاصة بالأعلى علهما يحظيان بقسط من الراحة قبل نهاية الحفل , فبأي حال هما بالكاد أنهيا إمتحناتهما و تلا ذلك سفرهما لذا كلاهما لازال بحاجة لشيء من الراحة .
*
تنفس بعمق شديد وهو يتأمل المرآة التي يقف أمامها منذ عدة ساعات تقريباً , هو أراد تجهيز كلماته جيداً فأخيراً توصل لحل آخر سوى الإنتحار لإنقاذ شقيقه ربما ؟!
لكن يدرك أن هنري لن يقبل بهذا بسهولة مُطلقاً , يعلم أنه سيجادله ربما لذا هو حاول تخيل عدة مناقشات بينهما , أراد أن يتوقع كل ردات فعل شقيقه ليتمكن من الرد بشكل مناسب , هو لا يعجبه الحال الذي وصل كلاهما إليه , يريد أن يبتسم من جديد ليرى إبتسامة توأمه أيضاً .
لكن لكل شيء ثمن صحيح ؟! لن تأتي هذه الابتسامة دون تعب مطلقاً لذا على كلاهما أن يقبل بالتضحية مهما حدث , أخذ نظرة أخيرة لنفسه فور سماعه لصوت الباب يفتح تلاه دخول توأمه للغرفة بسرعة , هي أصبحت عادة لهنري منذ ذلك اليوم المشؤوم , إن لم يرى شقيقه بالمطبخ أو بغرفة الجلوس يركض للغرفة لتفقده !
نظر الأصغر له حيث كان يأخذ نفساً عميقاً و كأنه كان بحرب ما لينطق بهدوء :" هل أنت بخير ؟! سأحضر لك كوب من الماء "
سار ليغادر للمطبخ قبل أن ينطق دون أن يتوقف ليستمع للرد :" ثم وعدتك أنني لن أفعلها صحيح ثق بي فأنا أثق بك "
تلك الجملة هو ما قصد بها سوى تذكيره بذلك الوعد , لقد أجبر هنري على أن يعده بأن لا يقتل أي شخص مهما كان الثمن و بالمقابل هو جدياً لن يعود لفكرة الإنتحار مُجدداً مهما حدث .
سار هنري خلف توأمه لينطق بصوت خافت :" أنا بخير ! "
أردف بعدها بصوت منخفض لم يصل لتوأمه :" و لا يمكنني نسيان ذلك المنظر ! الأمر ليس بهذه السهولة هاري "
بالنهاية أراد أن يبتسم بخفة و يعبث بشعره كعادته إلا أن هاري نظر له بعينان جادة بينما ينطق :" أخي هناك أمر ما أريد مناقشته معك "
حدق هنري به وهو يومأ إيجاباً بينما يحاول أن يعلم ما يدور بعقل الأصغر من أفكار , إلا أن هذا لم يكن سهلاً حقاً لذا وجد نفسه يذهب و يجلس على إحدى الآرائك بإنتظار شقيقه ليأتي خلفه و يتحدث و أثناء ذلك هو لمح محفظة توأمه الخاصة ليمسك بها و يتفقدها ,
عبس قليلاً عندما رآى أنها فارغة تقريباً ليعيد وضع مبلغ كبير نوعاً ما بها , هو لطالما فعل هذا كما أنه كثيراً ما أخبر شقيقه بأن يخبره عندما ينهي ما لديه من مال , إلا أن الأصغر لم يكن يطلب منه إلا نادراً و دائماً ما يخبره أن المال الذي يعطيه إياه يكفيه لأشهر !
بالنهاية هو أعادها لمكانها بجوار هاتفه ليطل شقيقه برأسه و بيده كوب المياه الباردة ليقف أمامه بهدوء بينما ثبت بصره على أخاه محاولاً أن لا يتردد بطلبه لما يريده منه الآن , و الأكبر لم يشعر بالراحة حقاً لما هو قادم , و مع ذلك يبذل ما بوسعه للهدوء و معرفة رغبة شقيقه عله يتمكن من تحقيقها له !
*
الإحتفال إنتهى و أخيراً لتجتمع الأسرة المكونة من أربع أفراد على مائدة العشاء , ليو أراد تجاهل كل ما وضع أمامه و تقريب طبق البيتزا له لولا أن كُل من والده و آل أبعداه عنه لينطق هو من فوره :" أهذا إتفاق ما ؟! أنتما متنمران ! "
رفعت والدته بصرها لترى ما يجري بينما وضع والده طبق من الطعام الصحي الذي طلبه و هو ينطق بحزم :" أنت ستتناول هذه ! "
شهق بإعتراض من فوره و هو يهتف بعناد :" لا أريد ! لم أعد جائعاً "
أسند ظهره للخلف مُقطباً حاجبيه بينما يكتف يديه لصدره , هو ليس مُستعداً لأخذ الأوامر منه كما أنه لا يرغب حقاً بأن يظهر له أي نوع من الإهتمام !
آلفين ترك طبقه هو الآخر و إلتفت إليه بنظرة باردة بينما ينطق :" تناول طعامك أيها الطفل حالاً ! "
أشاح بوجهه عنه أيضاً بسرعة , لا يحق له الوقوف بصف والده مهما حدث , أراد آلفين أن يتحدث مُجدداً لولا نهوض لورين من مقعدها لتنطق بقلق :" لماذا تفرض طعاماً صحياً على صغيري أهو بخير ؟!"
و لسبب ما تلاقت أعين آلفين مع والد ليو و كلاهما رسم ذات الإبتسامة على شفتيه , من سيجبر هذا الطفل على تناول الطعام حقاً سوى والدته ؟!
و ليو شهق برعب فور رؤيته لتلك الابتسامة و مع ذلك قبل أن ينطق بأي حرف نطق والده بإستياء :" أعتذر على إخفاء الأمر عزيزتي لكن ليو أُصيب بفقر بالدم نتيجة لسوء تغذيته لذا ... "
شهقت هي برعب شديد تبعد كُلاً من زوجها والفين عن ليو لتقف أمامه تتأمله بالكامل بينما تنطق :" أأنت بخير ؟ أتشعر بالألم ؟! لماذا لم تخبرني ؟ كنت لآتي فوراً , آسفة حقاً لو أنني أم جيدة لكنت تمكنت من القدوم بكل فترة لصنع الطعام لك و تخزينه !"
هو أخذ نظرة سريعة لحيث يجلس آل و الذي كان يتناول طعامه بينما هناك ابتسامة خافتة على شفتيه و لم يحاول حتى النظر لوالده أو طلب المساعدة منه , لذا هو أشاح بوجهه عن أمه بينما ينطق محاولاً إبعادها عنه قليلاً :" أنا بخير , الأمر ليس بسبب أي شخص فقط لا شهية لي بتناول الطعام "
جلست إلى جواره تمسح على خُصل شعره بينما هو شعر بأن قلبه يدق بعنف , بالنهاية أبعد يدها بخفة لتنطق هي بلطف بالرغم من نظرتها الحزينة :" إذاً صغيري تناول هذا الطبق ثم أعدك سأضع لك من كل الأطباق الأخرى ! "
إتسعت عيناه برعب شديد , هي حقاً لا تمزح و قد تجبره على تناول أضعاف ما يمكنه تحمله , لذا نطق بسرعة :" أنا لست بحاجة لهذا ! سأنهي هذا الطبق فحسب و أنهض "
عبست بينما تنهض من جواره و اتجهت لآلفين تتفقده قبل أن تنطق بحزم :" لا ! كلاكما عليكما تناول مقدار جيد من الطعام "
نظر آلفين لها من فوره بينما نطق زوجها :" عزيزتي ما شأن آلفين بالأمر ؟! "
أجابته بسرعة :" ماذا تعني ؟! قد لا يكون مُعتاد على الطعام بمنزل عمه لذا يخجل من تناوله ! ماذا سيحدث لو مرض هو الآخر ؟! لذا سأتأكد وهو هنا أن يتناول الطعام جيداً "
و هنا ابتسامة ساخرة ظهرت على وجه ليو بينما يتأمل وجه رفيقه الذي رُسمت الصدمة على محياه بالكامل ! و بالفعل هي جلست بينهما لتسكب لهما الطعام ما إن يُنهيا الطبق الخاص بهما .
بعد فترة من الوقت نهضت من مكانها لتحضر بعض الحلويات التي أعدتها وكل من آل و ليو على وشك الإختناق حرفياً , نهض رب تلك الأسرة أولاً لينطق بنبرة هادئة لكن حازمة :" ليو أريدك بالمكتب بعد أن تنتهي ! "
قطب حاجبيه من فوره وهو يتأمل والده برفض , فماذا قد يحدث سوى شجار ما آخر ؟ و من ثم ألم تكن آخر مكالمة بينهما هي عندما وبخه بشأن أكاذيب إبن عمه ؟! أيرغب بتوبيخه مُجدداً ؟ أم ماذا ؟!
لكن كل أفكاره تبخرت تماماً ما إن شاهد والدته تعود و بيدها عدة أطباق من الحلويات لينهض من فوره قاصداً أن يتبع والده , لن يهتم إن تشاجر معه ربما الآن الأهم بالنسبة له هو الهرب ؟
آل حدق برفيقه بإستنكار شديد مما دفع ليو يتقدم لوالده و هو يتحدث بنبرة مُنزعجة :" ألا يمكنك إعطاء أمر ما لآل ليهرب ؟! "
هو إلتف من فوره لصغيره أولاً قبل أن ينظر لآلفين الذي يجلس بمكانه ذاته يبتسم بتوتر لزوجته مما دفعه ليتنهد بتعب و يعود بأدراجه حيث زوجته و آل , هو أحاطها بذراعه بينما ينطق بمزاح :" عزيزتي ألا تظنين أنك تحاولين جعلهما ينفجران من الطعام ؟! "
رفعت أحد حاجبيها من فورها تنظر لزوجها بينما تجيبه :" أهذا هو ثمن قلقي عليهما ؟! ألا يكفي أنهما بمكان بعيد عني و لا يمكنني معرفة ما يؤلمهما ؟ "
ليو وقف بجوار آل الذي نهض هو الآخر يراقبان ما يحدث بشيء من الهدوء بينما نطق مُحدثها :" كما تعلمين جعلهما يتناولان أكثر مما ينبغي يساوي بضرره عدم تناول الطعام ! ثم أنتي منذ قدومهما أهملتني تماماً كان يمكنك أن تنتظري عودتي و ليو لنتناول الحلوى معاً "
ابتسمت حينها برضى و هي تجيب :" أنت محق , ستكون أكثر لذة إن كنا معاً صحيح ؟ "
هي نظرت لصغيريها الذين حدقا ببعضهما البعض أولاً قبل أن يرسم آلفين ابتسامة متوترة و بشدة بينما ليو حدق بها بصدمة و شيء من الرعب , والده ضحك بخفة على ردة فعليهما و قبل أن يدرك أي منهم ما يحدث كانت صدر ضوء سريع تلاه صوت نقر على مفتاح ما ثم الصوت الذي يعلن أن هذا الموقف تم تخليده كصورة !
حدق الثلاثة ببعضهم البعض بشيء من الدهشة قبل أن تنطلق لورين لحيث الخادم الذي إلتقط الصورة وهي تنطق بسعادة ما إن رآتها :" مذهلة ! حقاً اللحظات العفوية هي الأجمل , و الآن أريد أن تطبعها لي بحجم القلادة التي أرتديها موافق ؟ "
أومأ لها الخادم بإحترام قبل أن ينسحب من المكان بالكامل لينطق زوجها بعتاب :" على الأقل كان يمكنك إخبارنا بنيتك هذه ! "
أومأت سلباً بينما تنطق بسعادة حقيقية :" لا ! لم تكن لتظهر ملامحكم العفوية حينها , أنا أردت صورة مميزة حقاً لهذه القلادة بما أنها شيء ثمين كصاحبها , ولذا قررت وضع صورة تجمع بها كنوزي الثلاث معاً "
صوتها لم يكن سعيداً فحسب بل إحتوى على الكثير حقاً من الحنان تماماً كما كانت عيناها تفيضان به , هذا جعل ليو يشيح بوجهه بخجل وهو يهمس :" سأسبقك للأعلى "
آلفين ابتسم بشيء من الهدوء و السعادة و هو يرى أنهم بخير جميعاً معاً , لا شجار و لا أي شيء يعكر صفو هدوئهم و حقاً كم تمنى لو يمكنه أن يحافظ على هذا الدفء الذي ينبعث من تواجدهم .
بالنهاية هو الآخر إعتذر بحجة رغبته بالنوم بما أن الوقت تأخر , لذا إتجه لغرفته من فوره يستلقي على فراشه بسرعة
و من جهة أخرى صعد والد ليو لمكتبه حيث صغيره , يعلم بأنه ربما الحديث معه هي أكثر معركة صعبة عليه أن يخوضها , قد يكون السبب بكل ما يحدث الآن من علاقة متوترة بينهم لكن حقاً يرغب هذه المرة بأن يوصل له ما يريده فهو السبب بإحضاره إياه من إنجلترا إلى هنا !
فتح باب المكتب ليدخل حيث كان ليو يحدق من النافذة بينما نظراته شاردة , تحمحم معلناً عن تواجده ليستدير من فوره مواجهاً إياه بشيء من العبوس و الإستياء الذي يتخذهما دائماً وسيلة دفاع مُسبقة عندما يكون معه .
سار ليصل لمقعده بينما أشار لليو بالجلوس مقابله إلا أنه فقط وقف مقابل المكتب رافضاً الجلوس , تنهد الأكبر بتعب فهذه بداية مذهلة لفتح نقاش ودي صحيح ؟
مع ذلك هو نطق بصوت حاول جعله دافء عله يصل لإبنه :" ليو أيمكنك إخباري حقاً عما يُزعجك ؟ "
قطب المعني حاجبيه من فوره بينما وهو ينطق بشيء من التهجم :" ماذا تعني ؟! "
آمال برأسه قليلاً قبل أن ينهض و يتجه للنافذة وهو يتحدث بجد :" أنت لا تهمل تناولك للطعام إلا إن كنت بحالة نفسية سيئة صحيح ؟ "
إتسعت عيناه و قد فهم أخيراً ما يريده منه , كلاهما ربما عادت بهما الذاكرة لعرض ذات الذكريات , و بالنسبة للأكبر هي كانت من الذكريات التي لا رغبة له بالتعرض لها مُجدداً , وجه صغيره الشاحب بقوة , شفتيه المُتشققتين و جسده الهزيل الذي فقد كل نشاطه و صحته , لم يحرمه أي أحد من الطعام لكنه حرم نفسه بنفسه حتى إنهارت صحته تماماً و وصل لتلك المرحلة !
الآن لا يريد أن يرى ليو ينحدر ليصل لذات المرحلة , إن كان هناك أمر ما يزعجه ليخبره إياه أو يطلع آلفين عليه أو والدته لا يهتم حقاً , ليو أشاح بوجهه عنه سريعاً وهو يجيب بخفة :" أنا بخير , لست منزعجاً من أي شيء فلا تقلق "
أردف بشيء من التوتر الذي حقاً لا يعلم سببه :" كل ما في الأمر أنني أنسى تناول الطعام عندما أكون بمفردي لكن منذ أن مرضت و آل يتصل بي لتذكيري به لذا لا داعي للقلق ! و الآن أهناك أمر آخر تريده مني ؟ "
الرسالة وصلته بالكامل , صغيره لم ينسى تناوله و إنما لم يكن ليتناوله وحده , لكن بما أنه كُشف و إنتهى الأمر لن يقلق صديقه عليه لئلا يجعله يتخلى عن أسرته و عمه , و الآن وقد علم هو المشكلة ماذا يمكنه أن يقدم له من دعم و لو كان معنوياً ؟
ليو إلتف و هو ينطق :" إذاً سأغادر "
ناداه بصوت هادئ بينما يتحدث :" أنا لم أنتهي بعد , أخبرني كيف هي الجامعة ؟! "
أجابه بسرعة و بلا تفكير ربما :" دع إبن أخاك يخبرك عنها , هو مصدر مذهل للمعلومات "
تنفس بعمق شديد بينما يعود للجلوس لمكتبه و ينطق :" ليو أنا لا أهتم حقاً بذلك ! لا يهمني ما يقوله و لا كيف تتصرف معه , أريد فقط أن أعلم أنك تجتهد بدراستك ! و أنك تبذل ما بوسعك لتكون لنفسك مستقبل جيد يُغنيك عن الحاجة للآخرين , أتفهم ذلك ؟ لا يعنيني ما ينقله سيتو لي سوى عن دراستك ! قد أصبح أكثر سعادة إن علمت أنك بدأت تختلط بالآخرين لكن حالياً سيكفي بالنسبة لي أن أعلم أنك جاد بشأن المستقبل ! ثم أظن أن عملك بمكان ما هي خطوة جيدة لتتعرف على طبيعة العمل و مع الوقت سيصبح لديك علاقات أوسع لن أطلب المزيد حالياً "
هو تجمد بمكانه عاجزاً عن الرد , للمرة الآولى ربما لا يمكنه التذمر من تلك الكلمات بل تسائل بأعماقه لما هو لا يمكنه التحدث هكذا دائما ؟ ألم تكن معظم المشاكل لتُحل حينها ؟!
أعاد بصره لوالده عندما نطق :" يمكنك الذهاب إن لم يكن هناك أمر آخر "
هو رمش عدة مرات قبل أن ينطق بإستنكار و إرتباك:" أأنت جاد ؟ هذا فقط ؟! ألن نتشاجر ؟ هذا سيفسد السجل الخاص بنا ! "
وهو فقط إنتبه لما قاله بصوت مرتفع ليضع يديه على فمه بينما ضحك الأكبر بقوة ليسير بإتجاهه مُبعثراً خُصلات شعره بينما يجيب :" إذاً اليوم ليكن بداية لسجل جديد ما رأيك ؟ "
هو شهق بسرعة ليغادر لغرفته , حقاً ما يبعده عن والدته و بشدة هو عدم قدرته على رد لطفها , و الآن هذا ! بعثر شعره محاولاً إطفاء نيران الخجل التي إشتعلت بداخله فهو حقاً تصرف كطفل صغير تواً , لذا وجد نفسه يغادر مُتجهاً لغرفته و آل لإزعاجه عله ينسى كل ما حدث الليلة بينما يفكر بأنه عليه جدياً الهرب قبل موعد عودتهما المقرر .
و بالمكتب دخلت لورين إليه فور خروج صغيرها لتنطق بسعادة :" فخورة بك حقاً ! كان عليك فعل ذلك منذ زمن ! "
رفع أحد حاجبيه يحدق بها بشيء من الإستنكار لتنصتها عليهما إلا أنه سرعان ما أبعد ذلك عن وجهه ليبتسم بهدوء فهي قلقة دائماً بشأن تلك العلاقة المتوتر بين الأب و ابنه .
~ نهاية الفصل ~
الفصل من Coldsnow5
ارجو ان يعجبكم ❤
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top