03: تحرّيات حُلم.

تجلس على الأرض بجانب المدفأة. كانوا بفصل الشّتاء، والعاصمة ترينتون في شهر يناير يكون قارِص البرودة. لم تستطع الذهاب اليوم للمدرسة بسبب حالتها لهذا اتصلت والدتها بالمعلمة لليوم التالي على التوالي كي تخبرها بالأمر. كان يوم الأربعاء، هي تحبُّ يوم الأربعاء بالمدرسة إذ حينها يخرج جميع الأطفال بنفس عمرها ليلعبوا معًا في ساحة المدرسة. كانت حزينة على حلمها وأصبحت حزينة أكثر بسبب تفويتها ليومها المفضّل.

أعطاها والدها كوبًا من الشوكولاتة السّاخنة وجلس بجانبها لتفعل والدتها المِثْل بينما تحمل هاتف النوكيا في يدها. رغم أنها تحفظه بالاسم، وتعرف أنه فقط كي تتصل مع أحد آخر دون فهم كيف يحدث هذا، إلا أنها لطالما أرادت تجربته منذ أن أحضره والداها للمنزل، لكن حجّة 'أنها لا زالت صغيرة' دائمًا ما كانت عائقًا في طريقها.

ابتسمت لها والدتها بينما تضغطُ على الأرقام كي تتصل على والدة كايل كي تتطمئن أنهم بخير مثلما وعدتها البارحة. رنَّ الهاتف بضعةُ ثوانٍ حتى أجاب الخط الآخر وتبدأ والدتها بالحديث.

«مرحبًا ماي، أنا ستيفاني. أجل، أجل. اتصل كي نطمئن عليكم أنتم وميليسا، وخصيصًا كايل وسوزان، صغيرتي لِيا راودها كابوس سيئ بشأنهما وأردت أن أطمئنها أنهما بخير.»

توقفت والدتها عن الحديث وبدأت تومئ بينما تبتسم وتنظر لها. لكنها توقفت ونظرت للجهة الأخرى.

«حقًا؟ لم أعلم هذا. بالتأكيد لا مشكلة نحنُ جيران. لا تقلقي سوف اتصل بكِ فورًا.» قالت والدتها وأغلقت الاتصال لتشرد بالأرض. «هل كل شيء بخير؟» سأل والدها لتفيق الأخرى من شرودها وتُجيب: «سوزان ليست معهم. قالت أنها خرجت في رحلة مع أصدقائها، لكن كان من المفترض أن تعود قبل يومان للمنزل، لهذا لم تذهب معهم. وهي لا تملك هاتف، طلبت مني تفقدها.»

شعور غريب اجتاح قلب لِيا لكنها لم تستطع تفسيره، معدتها بدأت تؤلمها، لكنها لم تأكل شيء سوى هذا المشروب الدّافئ. أو رُبَّما لهذا يؤلمها؟

لاحظت والدتها تعابير وجهها لهذا ابتسمت بخفة وأردفت: «لا تقلقي عزيزتي، كل شيء سيكون بخير. على الأرجح هي بالدّاخل تقفزُ على الحبل. تعلمين كم سوزان تحبُّ القفز على الحبل.» تذكّرت لِيا حينما طلبت أن تعلّمها ووافقت الأخرى. سوزان لطيفة، هي تحبُّ سوزان.

«سوف أتفقدها وأعود فورًا. ما رأيكِ أن ندعوها للغداء معنا، سيكون هذا جميلًا، أليس كذلك؟» سأل والدها وأومأت لِيا بحماس خفيف. بعثر والدها شعرها ووقف يرتدي حذائه ومعطفه ثُمَّ خرج من المنزل. وقفتا الفتاتان على الشرفة بينما ينظران للآخر وهو يعبرُ الشّارع.

طَرَقَ على الباب بضعة مرات لكن لم يجبُه أحد. عقدَ حاجباه ونظر خلفه وحرّك رأسه لليمين واليسار لزوجته. شدّت هي على كتف ابنتها التي تقف أمامها، أومأت لزوجها بخفة وهو تنهّد وبدأ يدور حول المنزل بحثًا عن أي مكان ليدخل منه.

لا يعلم لمَ يفعل هذا بناءً على كابوس لطفلة ذات خيالٍ جامح، لكن يريد فعل أي شيء كي يريح بال صغيرته.

جرّب جميع نوافذ المنزل، كلّها مغلقة ما عدا واحدة. دخل المنزل ليستقبله الظّلام في أنحائه. مشى قليلًا حتى فتح نافذة تطلُّ على الشّرفة ورفع إبهامه لفتاتاه كي يعلم أنه دخل المنزل ليبتسما.

«سوزان! سوزان هل أنتِ هنا؟» بدأ ينادي عليها لكن لا أحد يُجيب. بحث في جميع أنحاء الطّابق الأرضيّ لكن لا شيء. أراد الخروج من المنزل لكن لم يستطع إبعاد إحساسه أن هناك شيئًا خاطِئًا، وأنه يجب تفقّد الطّابق الثّاني الذي لم يدخله قط طيلة صداقته مع جيرانه التي دامت لخمسة سنوات.

وضع قدمه على أوّل الدرج وتنفّس بعمق. بدأ يصعد للأعلى، لكن مع كل درجة هناك رائحة كريهة تزداد. حينما دخل المنزل كانت خفيفة ووجد بيتزا عَفِنة على المنضدة لهذا ظنَّ أن الرّائحة منها. لكن كانت هذه الرّائحة قوية لا يمكن لبيتزا أن تفعلها.

أغلق أنفه بيداه وبدأ بتفقد الغُرف حتى وصل لواحد بابها كان مُغلقًا. الرّائحة كانت تفوح بشدّة من خلف الباب، ولوهلة تذكّر حلم ابنته وشعر بقلبه ينقبض. لا يمكن لهذا أن يكون صحيحًا، على الأرجح أنه يوجد الكثير من الطعام العَفِن بالدّاخل.

وضع كُمَّه على أنفه وبقبضة بها رجفة خفيفة فتح الباب لتهبَّ رائحة كريهة أقوى ممّا سبق لدرجة أنه كان على وشكِ التقيّؤ. دفعَ الباب بأكمله وابتعد للخلف بينما يتنفّس من فمه وفتح النافذة التي خلفه على آخرها وأخرج رأسه منها كي يتنفّس هواءً نقيًّا.

وبطبيعة عمله، ظنَّ أنه بحاجة للكثير من مواد التنظيف كي يُزيل هذه الرّائحة المُقرفة من المنزل. لكن لحسن حظِّ جاره أنه لديه جار يعمل في شركة جيدة للمنظفات، ويعلم أنه سوف يفعل أي شيء للمساعدة بإزالتها. فهي لوحدها وصمة عارٍ على ذاته النظيفة ومكان عمله.

التفتَ مرة أخرى ومشى عدة خطوات بينما ينظر للأرض، اللون البني في الغرفة حوله كثير مع القليل من الأخضر بسبب الأثاث، لكن حينما رفع رأسه توقّف في مكانه متجمدًا. مظهر الجثة المُعلّقة من السّقف، لونها أزرق كريه، جسدها خالٍ من الحياة.

تراجع للخلف وتعثّر عدّة خطوات، قلبه ينبضُ بسرعة هائلة ويداه ترتجفان. عقله في سباقٍ من الأفكار، يفكّر بجاره، سوزان الميتة، أحلام ابنته، زوجته، نفسه التي لا يعلم ماذا سيحدث بها بعد رؤية هذا المنظر الشّنيع.

حملَ نفسه على الوقوف لكنه تعثّر مرّة أخرى. بلعَ ريقه ومسح دموعه، هل يبكي؟ متى بدأ بالبكاء حتّى؟
حاول مرّة أخرى وبخطواتٍ قليلة مشى نحو الدّرج ونزله كما لو أنه طفل بدأ يتعلّم المشي الآن.

لا يعلم كيف وصل باب المنزل وحاول فتحه، هو مغلق وعلى دراية بهذا لكن عقله ليس معه. تذكّر النافذة وخرج منها. يمشي بلا هدف حتى وصل على المنطقة أمام منزل جاره. أراد العبور لكن قدماه لم تعودا تحملاه لهذا سقط أرضًا.

شهقت زوجته بخفّة على منظره لهذا ضغطت لمرة أخيرة على كتف ابنتها وبسرعة قالت: «إبقي هنا.» وهرعت فورًا لزوجها ذو الوجه الشّاحب.

بدأ يخبرها عمّا رأى بصوتٍ يكاد يكون غير مسموع، يهمس أن لِيا محقّة، وأنه كان الأمر مرعبًا، وأنه يجب أن نتصل بالشرطة، وكيف سوف يخبروا عائلة سوزان بالأمر.

أما بالنسبة للِيا الصغيرة فهي لم تعلم ماذا ستفعل، إلّا أنها على دراية بكون حلمها قد تحقق.

مرّت ساعة لكن الأمر حدث بسرعة. جاءت الإسعاف والشّرطة. تقفُ عائلة ماركيز على الشّرفة بينما ينظروا لمنزل جارهم الذي مليء بأشخاص غريبين يحاولون إزالة جثة سوزان.

حينما خرجوا بجثتها نظرت لها لِيا بكثُب بينما شعور غريب يراودها. «أمّي، متى سوف تستيقظ سوزان من غيبوبتها؟» سألت والدتها ببراءة ليزداد بكاء الأخرى مما جعل حيرة لِيا الصغيرة تزداد.

«آنجيلا أخبرتني أنها لو توقفت عن التنفس فسوف يُغمى عليها، هل هذا ما حدث مع سوزان؟ ولمَ هي مُغطاة بشيء أبيض؟ هل هي نائمة؟» أمسكت والدتها بيدها بينما تمسح دموعها بالأخرى وأجابتها: «لِيا عزيزتي، سوزان ليس مُغمًى عليها، لقد...رحلت، ولن تعود مجددًا.»

عُقدة صغيرة تكوّنت عند حاجباها، كايل رحل لكنه سوف يعود، هذا ما أخبرتها والدتها بها؛ أن العائلة بأكملها سوف تعود.

«لم أفهم. إلى أين رحلت؟ ولمَ لن تعود مجددًا؟» بلَعَتْ والدتها ريقها وكم أرادت ألّا تجيبها، لكنها تعلم بأهمية هذه المرحلة عند الأطفال، وأنه يجب أن نجيبهم بطريقة أخف مما هي الحقيقة.

«لقد رحلت إلى السّماء، لمكانٍ أفضل من هنا. أما لمَ لن تعود فهذا لأنها ماتت. هذا يُسمّى الموت، وحينما يأتي لأشخاص فهو يأخذهم لأماكن أفضل من هنا، وهم يحبّون هذه الأماكن لدرجة أنهم لا يودون العودة إلى هنا.»

الموت...

أعادت لِيا تكرار الكلمة في رأسها. سوزان ماتت وهي في مكان أفضل. لكن هي تحبّها وتريد أن تلعب معها مرّة أخرى. كايل أيضًا يحبُّ شقيقته، ماذا سيحدث له بدونها؟

«أمّي.» همست لِيا الصّغيرة لتأتيها همهمة والدتها المُتعبة. «لمَ رحلت؟ هل أنا السّبب لأن سوزان...ماتت؟» سألت ببطء لتنظر لها والدتها. تقلّب نظرها بين عيناها غير عالمة بما تجيب لأنها بحد ذاتها لا تعلم ما الحقيقة.

بالتأكيد صغيرتها ليست السبب الذي جعل الفتاة الشّابة تنتحر. لكن هل حدث هذا بسبب حلم ابنتها بالأمر؟ ولمَ ابنتها قد تحلم بهذا الشّيء من الأساس.

أرادت والدتها أن تجيبها لكن نداء زوجها لها لفت انتباهها، ونظرت لحيث سيارة عائلة والز بينما تركنُ سيارتها أمام منزلها وبعجلة يخرج منها أفراد العائلة المكوّنة من الوالدان وفتاة أخرى.

«إبقي هنا.» أخبرتها والدتها مرّة أخرى. وأرادت أن تبقيها كي تسمع إجابتها لكنها رحلت قبل أن تستطيع فعل هذا. تريد أن تعلم إن كانت هي السبب بكون سوزان قد ماتت أم لا.

رأت صديقها كايل يخرجُ من السيارة بينما يبكي لوحده. أرادت الذّهاب لمساواته لكن والدتها أمرتها بالبقاءِ هنا. توترت ولم تعلم ماذا تفعل، هي لا تحبُّ رؤية صديقها يبكي وتريد الذهاب كي تخبره أن سوزان ماتت وهي بمكان أفضل، لكنها بنفس الوقت لا تريد أن تعصي أوامر والدتها.

«كايل أهم.» همست لنفسها بينما تخطو بقدماها الصغيرتان الدرج. قفزت على الأرض من آخر واحدة وركضت نحوه، حينما رآها ركض نحوه بدوره وعانقها بقوّة بينما يبكي.

لم تعلم لِيا ماذا تفعل. لكنها تذكرت حينما كانت تبكي بدورها، ووالدتها تمسحُ على رأسها وتهمس أشياء مثل: 'لا بأس' و'كل شيء سيكون بخير.' لهذا بدأت بفعل هذا أيضًا لصديقها.

«شقيقتي ماتت، لقد رحلت ولن أراها مجددًا.» قال بِبُكاء وشعرت لِيا بالحزن. «لمَ رحلت؟» بقي يردد ولم تجبه. تفكّر أنها لو أخبرته أنها هي السبب فسوف يغضب منها. لكن لو كذبت عليه فسوف يبقى حزينًا.

سألت والدتها نفس الشيء ولم تجبها أيضًا. هل يُعقل أنها لم تجبها كي لا تجرح مشاعرها، وأنها فعلًا من جعلت سوزان ترحل؟
شعرت لِيا بالحزن لهذا. فكّرت أنها صديقة سيّئة لكايل الذي يحبُّ شقيقته. كيف سوف تبقى صديقة معه وهي السبب برحيل سوزان اللطيفة؟

لِيا فتاة سيّئة. فكّرَتْ.
أنا أجعل الأشخاص يرحلون ويموتون. فكّرَتْ.
رُبَّما يجب أن ابتعد عن كايل كي لا أجعله يرحل ويموت أيضًا. فكّرَتْ.

لقد فكّرَتْ كثيرًا وكثيرًا. لكن كل أفكارها كانت سلبية جعلتها حزينة أكثر.

حينما عادوا للمنزل أرادت لِيا النوم مع والداها. لكن والدتها أخبرتها أن أباها ليس بحالةٍ جيدة ويريد البقاء لوحده هذه الليلة، لهذا طلبت منها أن تنام بغرفتها.

«لكن أمّي ماذا لو حلمتُ بكابوسٍ آخر؟» سألت لِيا بصوتٍ خافت ومعترض على كلام والدتها. الأخرى لم تقل شيء وبقيت تنظر لها بتشويش، أصبح أمر الكوابيس هذه شيء يُثير حيرتها ولا تعلم ماذا سوف تفعل.

تقدمت نحو ابنتها ووضعتها بالسرير مع توينكي وقالت: «ناديني وسوف آتي لعندكِ. أما الآن يجبُ أن أذهب لأرى والدكِ. تصبحين بخير.» قبّلت جبهتها وأطفأت النور قبل أن تخرج من الغرفة وتغلق الباب بشكل جزئي خلفها.

حاولت لِيا البقاء مستيقظة خوفًا من أن تأتيها كوابيس. لكن بعد نصف ساعة طغى النُعاس عليها لتغفو دون أن تعلم.

---

نبدأ ونقول كل عام وأنتم بخير يعيال، ينعاد علينا وعليك بالصحة والسلامة يا رب 🫶🫂

هالفصل عيدية مخصوص لحبيبئلبي وقارئي من زمان -بعرفش كيف اخلي الفصل كله إهداء لك لكن نكتب اسمك هنا-
alturaify

أحبك جدًا، ويا رب تكون العيدية لطيفة مع باقي الهدايا! 🫶

إنجوي يعيال.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top