الفصل الثاني
هل من المعقول أن يملك طفلٌ لا يتجاوز الحادية عشر من عمره شعرًا أزرقًا؟ جواب يونمي هو: لا.
هل من المعقول أن والدها ووالدتها سيتركانها لتذهب عند أحد الأنهار بمفردها وتعود بعد المغيب؟ جواب يونمي هو: لا.
هل من المعقول أن تتحدث القطط؟ جواب يونمي هو: لا.
هل من المعقول أن يتغير لون عيني أحدٍ من البني للذهبي بلحظات ثم يعود لما كان عليه؟ جواب يونمي هو: لا.
هل من المعقول أن يتمكن شخصٌ من تحريك الوسادات وتحريك الآخرين دون أي تواصل ملموس؟ جواب يونمي هو: لا.
لكن هل حدثت كل هذه الأشياء؟ جواب يونمي هو: أجل.
لقد استيقظت يونمي بالفعل، وكادت تقع من السرير صدمةً عندما رأت صاحب الشعر الأزرق نائمًا بجانبها، لكنها تمالكت أعصابها وحاولت جاهدةً أن تتذكر كل ما حصل وتوصلت لبعض الاستنتاجات.
الاستنتاج الأول هو: يونجون ليس إنسانًا عاديًا.
لقد عرفت ذلك بالطبع منذ البارحة عندما حرك الوسائد دون لمسهم، يونمي تعرف أنه ليس مشعوذًا بل جنيًا، لكنها لا تعرف من يكون الجن تحديدًا.
الاستنتاج الثاني هو: كلاهما كانا صديقين وقت الطفولة، ويبدو أنهما كانا يحبان بعضهما حبًا طفوليًا.
هذا إن كان الحلم الذي راودها إعادةً لذكرياتها التي فقدتها بشكل أو بآخر، مما يوصلها للاستنتاج التالي.
الاستنتاج الثالث هو: لقد فقدت يونمي ذاكرتها نوعًا ما.
على الرغم من أنها تستطيع تذكر الأحداث التي جرت بحياتها عندما كانت بالعاشرة من عمرها، إلا أنها لا تستطيع تذكر وجود يونجون بحياتها على الإطلاق، قد تكون قد ذكرت أمره لوالديها فأخذاها لطبيب نفسي ليخلصها من هذا (الصديق الوهمي) لكنها لا تتذكر هذا الفتى بتاتًا، ولهذا فقد استبعدت هذا الاحتمال.
الاستنتاج الرابع: بسبب فقدانها لذاكرتها نست يونمي يونجون، مما جعله يختفي، ولهذا فلم يظهر إلا عندما قالت اسمه في الشركة بالأمس.
لكن لمَ قالت اسمه؟ ولمَ لم تتذكر أنها قد قالت اسمه؟ فعندما عرف يونجون عن نفسه لها أثناء تناولها للبيتزا لم يخطر ببالها أنها قد سمعت الاسم قبلًا أو أنه يبدو مألوفًا.
الاستنتاج الخامس:إن كان يونجون جنيًا، فهذا يعني أنه قد استطاع الدخول لمنزلها إما عن طريق التحول لحيوانٍ ما ليتسلق ويقفز عبر النافذة، أو أنه من أنواع الجن التي تستطيع اختراق الجدران.
فكرة اختراق الجدران تثير القشعريرة، لكن هل يستطيع ذلك النوع من الجن أن يظهروا كالبشر؟
كانت تفكر بهذه الاستنتاجات بينما تحضر لنفسها بعض الطعام لتأكله، كما أنها حضرت أكثر مما تأكل عادةً ليشاركها يونجون الطعام، فمما يبدو أنه لن يغادر اليوم.
آه اليوم هو يوم ميلادها، كم كانت متحمسة لمشاهدة الأفلام الحزينة لتبكي بينما تأكل المثلجـ- لحظة... عندما وصلت لمنزلها بالأمس رمت كيس المثلجات على يونجون، ولم تدخل مثلجاتها بالمبرد «مثلجاتي...» همست بحزن عندما تذكرت أنها تركت مثلجاتها بالخارج ونامت دون أن تدخلها، لكن كيف نامت؟
يونمي لا تتذكر أنها خرجت من غرفة المعيشة وذهبت للحمام أو الغرفة، ربما تكون قد غفت وحملها يونجون للغرفة، لكنها لا تتذكر أنها استلقت على الأريكة... «ذلك الوضيع!» صرخت عندما تذكرت تلك القبلة وركضت لغرفتها مسرعة، فتحت الباب بكل ما أوتيت من قوة ثم حملت إحدى الوسائد وبدأت تضرب الشاب بها بتكرار «استيقظ يا قليلَ الأدب وعديمَ الذوق!»
لحسن الحظ أن يونجون قد استيقظ وأمسك بالوسادة ليرميها جانبًا «ماذا؟» سأل بانزعاج.
«ماذا؟!» استنكرت «لم تكتف بأن تدخل لمنزلي، بل سرقت قبلتي الأولى وتسببت بإفساد مثلجاتي أيضًا!»
نهض يونجون من مكانه وخرج من الغرفة قاصدًا الحمام ولحقته قبل أن يُغلق الباب بوجهها بينما هي تزداد غضبًا بكل دقيقةٍ تمر.
لم يُطل يونجون وخرج من الحمام بسرعة لتستقبله يونمي الغاضبة، لكنه تحدث قبل أن تُكمل زجيرها «أولًا: دخولي لمنزلك يُعد خطأك لأنك أنتِ من ترك النافذة مفتوحة.» سار ناحية المطبخ وفتح باب البراد مشيرًا لعلبة المثلجات «ثانيًا: مثلجاتك لم تفسد، وضعتها بالبراد بينما كنتِ تأكلين البيتزا، لكنك لم تلاحظي ذلك لأنك كنت تفترسينها.» كادت يونمي تعلق لولا أن يونجون أكمل حديثه «وثالثًا: تلك لم تكن قبلتكِ الأولى.» قال مبتسمًا بسخرية.
«ما الذي تعنيه بأنها لم تكن قبلتي الأولى؟» سألت يونمي متناسيةً كونها غاضبةً بشأن المثلجات «لم أحظَ بأي حبيب طوال الإحدى والعشرين سنة من حياتي.»
«لقد حظيتِ بقبلتك الأولى عندما كنتِ بالعاشرة من عمرك وعندما كنتُ بالحادية عشر من عمري عند ضفة النهر الذي رأيتِه بحلمك.» ابتسم لها «وحظيتِ بقبلتك الثانية بآخر يوم لك كفتاة بالعشرين من عمرها، وكلتا القبلتين كانتا من الشخص ذاته: أنا.» قرب وجهه من وجهها وابتسم لها بعفوية «كل عام وأنت بخير، مبارك لك سنتك الحادية والعشرين.» قال ثم طبع قبلة سريعة على شفتها قبل أن تضربه على رأسه بعنف.
«توقف عن تقبيلي هكذا!» صرخت به غاضبة.
«حسنًا أنا أعتذر عن ذلك، لكن عليكِ أن تقدري اشتياقي لك!» كتّف ذراعيه وعبس «مرت إحدى عشر سنة منذ تركتني، أنتِ من أخل بالوعد كما تعلمين.»
ضغطت بإصبعيها على جانب رأسها لتحاول التماسك، ثم زفرت «أولًا: عليك أن تشرح لي كل شيء لأنني لست متأكدة من فهمي لما تتحدث عنه. وثانيًا: الآن هو وقت الإفطار، لذا إن أردتَ أن تأكل فأنا أقترح أن تكون مهذبًا.»
قلّب يونجون عينيه دون أن تراه يونمي ثم لحقها لغرفة المعيشة وجلس يقابلها عن الطاولة «هل تريد عصير الليمون؟»
- سأموت إن شربته، لذا لا شكرًا.
- لماذا؟ هل لديك حساسية تجاه عصير الليمون؟
- يمكنكِ قول هذا، جميع الجن والجنيات يموتون إن شربوا عصير الليمون أو تناولوا شيئًا حامضًا.
مدت له كوب شاي عوضًا عن كأس الليمون ثم أمرته «اشرح كل شيء بالتفصيل لأن ما رأيتُه بحلمي ليس كافيًا على الإطلاق.»
«حسنًا لا أمانع...» قال يونجون «ماهي أسئلتك؟»
«كيف استطعت الدخول للشقة؟ من المستحيل أنك تسلقت ثلاثة طوابق وأنت تبدو هكذا.» أشارت له وهي ترفع كفها للأعلى والأسفل.
«أنا جني» قال ببساطة «ودخلت بهيئتي الحقيقية.»
«اشرح أكثر!» قالت بنفاذ صبر «هل أنت من الجن الذين يستطيعون التنقل عبر الجدران؟»
«لا، لستُ شبحًا.» أجابها وكأن الأمر من الطبيعيات «أنا من الجن، أولئك الذين يعيشون في الغابات ولديهم أجنحة.»
«مثل تينكر بيل التي مع بيتر بان؟» سألت بفضول.
«أجل مثلها.» قال ثم أكمل «كان حجمي صغيرًا عندما دخلت عبر النافذة، تلك تكون هيئتي الحقيقية، لا أحد من عالم البشر يستطيع رؤيتي عندما أكون عليها، لكنني تحولت لبشري عندما دخلت شقتك، طلبت البيتزا ودفعت ثمنها من نقودي ثم أغلقت الباب مجددًا، وبعدها عدتِ أنت وبدأتِ ترمينني بكل شيء تحط عيناك عليه.»
تحمحمت الفتاة «كانت عيناك زرقاء اللون بحلمي، لمَ لونها بني الآن؟»
«إنها جزء من تحولي لبشري، سيظن الجميع أنني قد صبغت شعري للأزرق ولن يشكوا بأي شيء.» قال بفخر «إنه تمويه رائع.»
- لن يشك أحد بك إن كانت عيناك زرقاء اللون أيضًا، سيعتقدون أنك ترتدي العدسات اللاصقة.
- حقًا؟
- أجل.
«حسنًا إذَا سأخفف تمويهي البشري قليلًا.» قال ثم أغمض عينيه وبدأت أجنحته الفضية الكبيرة تخرج ممزقةً ظهر القميص الذي كان يرتديه، ثم فتح عينيه لتظهر زرقتهما التي مر بها طيفُ فِضةٍ للحظة قبل أن تعود زرقاء تمامًا. تنهد يونجون بارتياح ثم سأل يونمي المدهوشة أمامه «هل يبدو منظري بشريًا إن تغاضيتِ عن أجنحتي؟»
تحمحمت الفتاة «أجل، أما الآن فلو سمحت قُل لي كُل شيء قد حدث منذ صغرنا وحتى الآن.»
هل توقعت يونمي أن يونجون سيحكي لها ما حدث خلال أكثر من إحدى عشرة سنة بينما يتناولان الإفطار؟ أجل. هل سيفعل يونجون ذلك؟ بالطبع، لكنه سيستغرق وقتًا أكثر من الوقت الذي سيأكلان به الإفطار.
«أنا جني، ومن الطبيعي في عالمنا أن لا نظهر لكم أنتم البشر، لكنني كنت آتي لعالمكم بالسر كثيرًا لألعب عند النهر ثم أعود للغابة بعد المغيب.» بدأ القصة «لكنك رأيتِني بأحد الأيام ولعبتِ معي، وصِرنا نلعب معًا كل يوم.»
كان الطفلان يلعبان معًا منذ كانت يونمي في الثامنة من عمرها، وقد نجح يونجون بإخفاء مكانه عن بقية الجن لسنة كاملة حتى اكتشف والده الأمر. خلال تلك السنة كان يونجون قد تقرب كثيرًا من يونمي وصار الاثنان يتشاركان أسرارهما بشكل دائم، وقد كانت تلك السنة بدايةً لحبهما الطفولي الذي كانت النجوم شاهدةً عليه وعلى وعودهما الأبدية بأنهما سيبقيان معًا طوال الحياة.
لكن لأن والده لم يكن من محبي البشر، قام بأمره بأن يتوقف عن الذهاب للنهر، وكون يونجون صغيرًا، عنيدًا، ومحبًا للعب مع يونمي قد جعله يرفض ذلك ويتسلل من وراء والده والخادم ليأتي ويلعب مع يونمي كالعادة. مع الأسف الشديد لم يستطِع يونجون أن يستمر بذلك طويلًا قبل أن يكتشف الخادم أمره، لكنه تعاطف معه وسمح له بأن يذهب ليلعب معها شرط أن يرافقه لئلا يشك والده به، ولهذا فقد كان يصاحب هذا الخادم يونجون على هيئة قط كلما ذهب للعالم البشري.
بيوم ميلاد يونمي العاشر، شهدت النجوم على طلب يونمي البريء للزواج من يونجون، ويونجون بوجه محمر قد سألها إن كانت تعرف ما يفعله المتزوجون.
«بالتأكيد أعرف!» أجابته بسعادة «يعشيان معًا، ويذهبان للتنزه معًا، ثم ينجبان الأطفال ويكونون عائلة!»
احمر وجه يونجون قليلًا بعد ثم همس لها بجدية «هل تعرفين كيف يُنجبون الأطفال أصلًا؟»
«لا.. لكنني أعرف أن الأطفال يخرجون من بطن الأم!» أجابت ببراءة مجددًا، ويونجون كونه الأكبر، أخذ على عاتقه مسؤولية تعليم هذه الصغيرة الحقيقة كي لا تُحرج نفسها أكثر.
المشكلة هي أن يونجون لم يكن يعرف ما يحدث لإنجاب الأطفال أصلًا، لذا اقترب منها وأغمض عينيه ثم طبع قبلة سريعة على شفتيها وابتعد متصنعًا اللامبالاة على الرغم من إحراجه الشديد «يفعلون هذا لتحمل الأم.»
«هل أنا حاملٌ الآن إذًا؟» سألت الطفلة ورفعت طرف قميصها من الأسفل قليلًا لتلقي نظرة على معدتها «معدتي ليست منتفخة.»
«بالتأكيد ليست منتفخة! علينا أن نفعل ذلك الشيء كثيرًا كي تحصلي على الطفل!» أجابها بجدية.
«ما هو ذلك الشيء؟» سألت ببلاهة- عفوًا، ببراءة.
«أقصد.. أقصد القبلة.» قال بخجل. «لهذا عليكِ أن تعديني بأنك لن تقبلي أي أحدٍ غيري!»
«أعدك!» مدت له خنصرها دلالة على وعدها له، وهكذا شهدت النجوم على مصيرهما.
بعد بضعة أيام ذهب يونجون للغابة بسرعة متوترًا بشدة، فقد عرف بعض المعلومات الخطيرة التي قد تدمر علاقته مع يونمي «يوني!» ناداها بصوتٍ عالٍ بينما يجري لها.
«يوني لقد عرفت معلوماتٍ خطيرة!» قال لها متنفسًا بقوة «أنتِ بشرية، وأنا جني، نحن نعتبر من المخلوقات الخيالية والأسطورية، لذا إن نسيتِ اسمي فلن تتمكني من رؤيتي أبدًا!»
شهقت الفتاة خوفًا ثم قالت بحزم «إذًا لن أنساك ولن أنساه أبدًا!»
«ولن أنساك أنا أيضًا.» أضاف والعزيمة قد ملأت عينيه.
كان ذلك وعدهما، لن ينسى أحدهما الآخر وسيتزوجان عندما يكبران، كانا مجرد طفلين لا يعرفان أن الحياة بها ذئاب متنكرة بزي الخِراف الوديعة، وقد ترك ذلك يونجون بفؤادٍ مفطور عند ذلك النهر ينتظر يونمي التي لم تأتِ رفقة خادمه الذي رافقه بهيئة القط الأسود كالعادة، لم يكن الخادم يحب يونمي كثيرًا، لكنه لم يرد لسيده الصغير أن يحزن هكذا لعدم وجودها.
ظل يونجون يذهب لذلك النهر كل يومٍ حتى فقد الأمل، هل نسته يونمي؟ كيف يمكنها أن تنساه هكذا بيوم واحد، لقد وعدته توًا أنها لن تنساه، فكيف تنساه هكذا؟ أم هل يعقل أن مكروهًا قد أصابها؟ أصابت تلك الفكرة يونجون بالرعب، فجرى لخادمه وتوسل له أن يذهب لبيتها بعالم البشر ويطمئن عليها.
لم يكن يونجون يستطيع التحول لأي شيء عدا هيئته البشرية بعد، وكونه لا يزال صغيرًا يعني أنه لا يستطيع البقاء على هيئته كبشري إلا لبضعة ساعات، وهو لا يعلم مكان يونمي لذلك فهو لا يستطيع أن يخاطر بحياته ويذهب لعالم البشر، لذا فقد انتظر خادمه عند النهر جزِعًا قلقًا من كون يونمي قد أصيبت بمكروه، وعودة خادمه من عالم البشر بنظرة خائبة على وجهه لم تبشره بالخير أيضًا.
«ماذا حدث؟ هل يونمي بخير؟» سأل خادمه بسرعة متلهفًا لسماع جواب يهدئ قلبه.
أومأ القط «إنها بخير.»
هذا فقط؟ تلك النظرة على وجه القط لا تعني أنها بخير «إن كانت بخير فلِم يبدو وجهك محبطًا هكذا؟»
«لم تتعرف صديقتك علي.» أجابه القط.
«ما الذي تعنيه؟» سأل مرتبكًا «كيف لم تتعرف عليك؟»
«أعني أنها قد نسيتني سيدي الصغير، وأعتقد أنها قد نسيتك أيضًا.» تنهد القط «لكنني لا أعرف سبب هذا النسيان المفاجئ.»
شهدت النجوم على لعب الطفلين، شهدت على وعودهما، شهدت على حبهما، وشهدت على تحطم قلب أحدهما.
مرت السنوات ولم تطأ قدم يونجون أرض البشر مجددًا، لقد خسر ما يدفعه للذهاب لعالمهم، ولم يجد أي سبب آخر للدخول له ثانيةً.
عندما صار يونجون بالثامنة عشر من عمره عاود الذهاب لعالم البشر. كان أحد قوانين عالم الجن ينص على أن من يبلغ الثامنة عشر من عمره يستطيع الذهاب لعالم البشر بأي هيئة يريد، سواءَ كانت هيئته الحقيقية، أو هيئته كبشري، أو حتى هيئته كأسد، كل ذلك كان مسموحًا لهم فور بلوغهم الثامنة عشر، وكان ذلك كالدافع ليونجون ليذهب ويرى الفتاة التي لم تغادر عقله منذ سبع سنوات.
خرج من عالمهم بهيئته كجني أزرق الشعر والعينين، لا يتجاوز طوله ثمانية سنتيمترات، ويملك أجنحة فضية شبه شفافة تمر أشعة الشمس من خلالها، وصار يجوب الأرجاء باحثًا عن المكان الذي وصفه له خادمه. كان يدعو بقلبه أن عائلة يونمي لم تغير مكان سكنها، وقد كان دعاؤه مستجابًا ورأى يونمي ذات السبعة عشر عامٍ تضحك مع صديقاتها بغرفتها.
لم تكن نافذة غرفتها مفتوحة، فاضطر يونجون للبحث عن نافذة مفتوحة في ذلك البيت، وعندما كاد أن يتحول لبشري مجددًا ليقرع الباب ويطلب رؤيتها فُتحت إحدى النوافذ وطار للداخل مسرعًا ثم بدأ يبحث عن غرفتها التي -لحسن الحظ- كان بابها مفتوحًا بعض الشيء.
دخل للداخل وجلس على الطاولة التي تقابل سريرها الذي كانت تجلس عليه، وكم كانت جميلة للغاية. لم تتغير قط، لا تزال يونمي التي كانت تلعب معه، شعرها الكستنائي قد صار أطول بكثير عن السابق، لكن عيناها لا تزال تحمل اللطف والبراءة بداخلهما.
«أقسم أنا يونمي أنني أريد أن أتزوج هذا الرجل وأنجب أطفاله! انظروا لوسامته!» حسنًا قد لا تكون بريئة تمامًا لكن يونجون لا يزال مغرمًا بها.
«أنتِ تقولين هذا لكنك لم تحظي بقبلتك الأولى بعد!» ضحكت إحدى صديقاتها لافتةً انتباه يونجون، على الأقل لم تخلف يونمي بهذا الوعد.
ظل يونجون يتأمل يونمي وهي تضحك وتمرح مع صديقاتها، ثم عاد للغابة مجددًا بعد أن خلدت الفتاة للنوم، لكنه ظل يذهب لمنزلها كل يوم ويلاحقها أينما خرجت ليكون ملاكها الحارس- أو جنيها الحارس لنكون أدق.
«لحظة!» قاطعته يونمي فجأة، كانا الآن يتناولان طعام الغداء لأن الوقت قد مر بسرعة أثناء قصّ يونجون لما جرى «كُنت تلاحقني؟!»
«أجل.» ابتسم لها «أنا سبب عدم حصولك على أي قبلة قبل الأمس، لأنني كنت أُبعد الفتية الذين يريدون ذلك عنك.»
«أنت السبب إذًا..» قالت بحقد ثم سألت بريبة «هل كنت تتجسس عليّ؟»
«إن كنتِ تقصدين أن ألاحقك وأرى مع من تكونين: أجل، كنت أفعل هذا. كنت سأدع الفتية ذوي النوايا الطيبة يقتربون منك، لكنني أستطيع قراءة الأفكار وجميعهم كانوا خسيسين لذلك أبعدتهم كلهم عنك.» أجابها بصدق «لكن إن كنتِ تسألين إن رأيتكِ عارية أم لا فالجواب هو: لا. كنت أخرج من الغرفة فورًا عندما تبدلين ملابسك، وكنتُ أغادر فور إطفائك للأنوار وأعود باليوم التالي أثناء تناولك للإفطار قبل ذهابك للمدرسة.»
«أوه..» همست يونمي محرجة «حسنًا أكمل حديثك.»
استمر يونجون بعمله كجنيها الحارس، ولم يتردد باللحاق بها لسيؤول، عالم الجنيات مختلف عن عالم البشر، ولهذا فقد كان يستطيع دخول أي غابة في سيؤول ليصل لمنزله دون أي مشقة. كان معها بكل خطوة تتخذها، وكان يحاول مساعدتها بكل ما أوتي من طاقة. كان يحتفل معها بيوم ميلادها عندما لا يوجد أحد معها، لكن نسيانها له وعدم مقدرتها على رؤيته لا يزالان يؤذيانه ويجرحان قلبه، وعندما عاد يومًا للبيت والحزن بادٍ على وجهه نادته والدته ليفرغ عمّا بداخله قليلًا.
أخبرها يونجون بكل شيء، منذ لقائهم الأول وحتى لحاقه لها لسيؤول لحراستها، ولم تُصدم والدته من مدى حب ابنها لتلك البشرية، لكنها تألمت لكون ابنها يتألم، ووعدته بأنها ستجد حلًا ما. كانت والدة يونجون من حكيمات عالم الجنيات، ولذا فلم يتردد يونجون بالثقة بها وترك الأمر بيدها. ظل يونجون يتقلب على سريره تلك الليلة، كان يستطيع الظهور ليونمي بهيئته البشرية ليساعدها على تذكره، لكن خوفه من كونها لا تتذكره أبدًا قد جعل قلبه قلقًا وجعله خائفًا من الإقدام على هذه الخطوة.
صباح اليوم التالي نهض يونجون بثقة وذهب لوالدته ليخبرها بأنه سيظهر على هيئة بشري ليونمي ويجعلها تتذكره، لكن والدته نهته عن ذلك.
«لماذا؟» سألها باستغراب «أعلم أنني سأحزن لأنها لا تتذكرني لكنني سأموت لو بقيت على هذه الحال أمي.»
«أعلم ذلك لكن حتى لو ظهرت لها كبشري فهي لن تراك.» قالت له بينما تحتسي شرابها، ثم أشارت له بالجلوس عندما رأت علامات الاستفهام على وجهه «عندما أخبرتني بالقصة البارحة، تذكرت أنني فقدت ترياقًا قبل إحدى عشرة سنة، بنفس الوقت الذي فقدت فيه تلك الفتاة. كان ذلك الترياق يعمل كمسكنٍ للآلام لنا نحن الجن، لكنه يعمل كمُفقد للذاكرة للبشر.»
أخرجت علبة صغيرة شفافة بها سائل فضي اللون بدا كالزئبق، وقد تعرف عليه يونجون فورًا كونه قد اضطر لاستخدامه بضع مرات سابقًا «بما أنه ترياق، فهذا يعني بأنه لا يوجد مضاد له، لكنني لحسن الحظ أعرف كيف نعالج البشر الذين يشربونه عن طريق الخطأ.» ارتشفت قليلًا من شرابها ثم أكملت «يونمي لن تستطيع رؤيتك حتى لو ظهرت لها بهيئة بشري، لذا عليك أن تجعلها تقول اسمك كي تستطيع رؤيتك، وبعد أن تتمكن من رؤيتك سيكون عليك أن تجعلها تتذكرك.»
«لمَ تعتقدين أنها قد شربت الترياق؟» سأل الشاب الذي لا يزال مستغربًا بعض الشيء.
«عندما شككت بالأمر أجبرت والدك على شرب ترياق الحقيقة، وقد اعترف بأنه أجبرها على شربه بعد أن عرف بأنك كنت لا تزال تقابلها.» صُدم الفتى، لكن والدته طمأنته «أنت تعرف أنني أكره التلاعب بالعقول على الرغم من أنه اختصاصي، لذا فوالدك معاقب الآن على طريقتي.»
عرف يونجون ما تعنيه والدته: والده الآن محبوس بعقله يواجه أسوأ مخاوفه. والدته طيبة، لكنها أيضًا مخيفة للغاية عندما تغضب أو يُثار استفزازها. نهض من مكانه وتوجه للباب بعد أن شكر والدته ووعدها بأنه سيقوم بفعل أي شيء ليستعيد يونمي، لكنها استوقفته قبل أن يخرج من الباب.
أعطته علبة صغيرة بها سائل أسود اللون «هذا الدواء سيساعد على إرجاع ذاكرتها.» ثم أعطته علبة أصغر بها سائل أحمر اللون «كُنت أعمل على هذا الترياق بالأمس، لذا لم أنم بعد.» وضعت العلبة بيده وأحكمت قبضته عليها «إن شربت يونمي هذا الدواء فستعرف كل ما كان سيحدث بينكما لو لم تشرب ذلك الترياق، ستعرف كيف كانت ستكون علاقتكما، كيف ستكون مشاعرها تجاهك، وستعرف كيف سيصبح حالها لو أنها كانت معك.»
ربتت الجنية الأم على كتف ابنها «بني لا يوجد أي قانون بعالمنا يمنعك من الزواج من بشرية، وسأساعدك بكل شيء إن تزوجتها وقررت أن تعيش معها بعالم البشر، لكن عليكَ أن تتأكد أولًا إن كانت هي ستوافق على هذا أم لا.»
ابتلع الشاب ريقه وأومأ ثم غادر عالم الجنيات ذاهبًا لعالم البشر، وبما أنه تأخر عن موعد خروجه الأساسي فقد ذهب مباشرةً نحو الشركة التي تعمل بها يونمي محلقًا ناحية مكتبها مفكرًا بخطة تجعلها تقول اسمه، لذا عندما نهضت لتسكب لنفسها كوب قهوة أسرع وطبع اسمه على شاشة الحاسوب، وعندما أتت الفتاة وقرأت الاسم المكتوب على الشاشة صُدم يونجون أنها قد قالت «يونجني» أيضًا.
«خطر ببالي لوهلة أنكِ تذكرتِني، لكن ردة فعلك عندما رأيتِني بشقتك بالأمس أزالت ذلك من عقلي تمامًا.» ضحك يونجون «لكنني سعيدٌ لأنكِ تتحدثين معي الآن حتى لو خسرت إحدى عشرة سنة معك.»
شعرت يونمي أنها بعالم آخر، لكنها عادت للواقع بعد أن سمعت ضحكة يونجون فابتسمت له قليلًا ثم سألت «ألا يزال الدواء معك؟»
أومأ يونجون وأخرج من حقيبته علبة الدواء الأسود التي قد تضخم حجمها لتُصبح بطول الإصبع البشري «لم أعطِك إياه لأنني اعتقدت أنك ستتذكرين كل شيء بسبب الحلم، أما الآن فالخيار يعود لك إن أردتِ شربه أم لا.»
أمسكت بالعلبة السوداء وفتحتها «إنها ذكرياتي، وأريد استعادتها.» أنهت كلامها ثم شربت الدواء كله دفعةً واحدةً على الرغم من لونه المخيف، لكن مفعوله قد بدأ بسرعة فائقة حيث أن يونمي قد وضعت يدها على رأسها متألمة فور أن ابتلعته.
«هل أنت بخير؟» سألها يونجون بقلق لكنه لم يتلقَّ إلا أنينًا من الفتاة فوضع كفه على خدها كي يجذب انتباهها «انظري لعيني.»
رفع رأسها لتنظر بعينيها الدامعتين لعينيه بعد أن تحول لونهما للفضي منقذًا الفتاة من الألم الذي اجتاحها، استمر ينظر لعينيها مركزًا على إبعاد الألم عن حبيبته، بينما كانت هي تائهة بلون عينيه «هل أنت بخير الآن؟» سألها فأومأت له بشرود «هل... تتذكرين شيئًا؟»
«أتذكر كل شيء...» همست له «يونجِني.»
كان يونجون يشعر أنه سيقوم بشيء غبي، لكن كل ما فعله هو أنه جر يونمي إلى صدره واحتضنها بشدة مبتسمًا «حمدًا لله.» أبعدها عنه قليلًا وسألها «هل تتذكرين ما حدث وجعلك تنسينني؟»
«تسلل والدك لغرفتي وأرغمني على شرب الترياق بعد أن عُدت من آخر لقاء لنا عند النهر ثم غادر.» أجابته بهدوء ثم دفنت رأسها بصدره مجددًا «لولا ذلك الترياق لما افترقنا...»
استمرا على هذه الحال بضعة دقائق في هدوء ثم تحدث يونجون «اليوم يوم ميلادك، سأذهب وأحضر كعكة لك لنحتفل.» نهض الشاب وأخذ معطفه الذي كان قد وضعه على الأريكة بالأمس، أعاد جناحيه لداخل جسده لكنه لم يغير لون عينيه، ثم ارتدى ذلك المعطف ليغطي التمزقات بظهر قميصه.
«لحظة!» استوقفته يونمي «ماذا عن الدواء الآخر؟»
«لا داعي لأن تشربيه.» ابتسم لها «يكفيني أنك تتذكرينني الآن، وسأكون سعيدًا لو أعطيتني فرصة، لكن هذا لا يعني أنك مضطرة لشربه.»
خرج يونجون مغلقًا الباب وراءه بينما يونمي قد أدخلت يدها بحقيبته لتخرج علبة الدواء الأحمر الصغيرة والتي كانت بنصف حجم إصبعها. نظرت لها وأمالتها للجانب لترى السائل الأحمر يتحرك بها وبدأت تفكر.. هل تشربه وتجازف بمعرفة إن كانت ستمسي واقعة بحب يونجون أم كارهةً أياه؟ فقد لا يكون نتاج علاقتهما -إن حدثت- جيدًا، لكنه أيضًا قد يكون رائعًا للغاية ويجعلها تشعر بالسعادة تجتاحها لمجرد النظر لذي الشعر الأزرق. فهل تشربه، أم تتركه؟
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top