الفصل الثاني
قبل ثلاث سنوات ....
المكان في السايوري
هي السايوري.. بلاد مخفية، دولة مقامة منذ الأزل.. كنز الدنيا ومقدسة لدى غيرها من البلدان ..
عاش شعب السايوري بها منذ قرون، لم يتغير أثناءها موقعه إذ لم يهدد أمنهم بسبب خفائهم عن المجتمع، يعود الأمر لأسطورة قديمة عن المؤسسين، من العجيب كيف حافظ شخص واحد على سلام بلاده بفكرة بسيطة، ومن المثير للاستغراب كيف لم يطبق فكرته أحد من قبل ؟
إلا أن حمايته لشعبه لم تكن مبنية على حظ، ولا على اقتراح، فقط كان عبقرياً.. وأن يكون الشخص بالعبقرية الكافية ليحمي أحفاده ونسله لأكثر من ألف سنة؟ فإن هذا كان كافياً ليستحق الإعجاب والاحترام.
تتناجى أصوات ضحك الأطفال وتتعالى بكل بقاع الأرض، فقد اتخذ هؤلاء الناس من الحرية سنة، وسمح لأطفالهم بأن يصولوا ويجولوا دون هوادة، من الممتع أن تعيش بمكان لا تلقي فيه بالاً لهموم دنياك، مع أنه احتضن في أراضيه أناسا كثيرين، وعقليات مختلفة، وديانات مختلفة تفرعت بعد موت المؤسس الأول.
إلا أن أحدا لم يتطاول في حياته على غيره، ولسنوات لم ير أحدهم أن هناك داعيا لتكبيل حياة الآخرين، وقد اتسموا بقناعة فريدة من نوعها، جعلت السرور يستوطن ثنايا البيوت والشوارع.
و بالذات.. العاصمة نايسلف، حيث تراصت تلك البيوت الصغيرة بتوازي، بغير حاجة لناطحات السحاب تخرب بساطة و تناسق محيطهم، رغم أن السايوري بالثراء الكافي لتكون أيقونة تتصدر بلدان العالم
تحيد الكاميرا التي تصور المدينة من بعيد عن منظر السطوح المتشابهة المزينة بالنباتات الصغيرة، متراصة كانت و ذات أسلوب واحد مريح ثم تقدمت لتدخل الأزقة حيث يختبئ الصبيان وهم بخضم أهم ألعابهم ..
ولا يلبث الإطار مكانه لثوان حتى يتحرك المشهد ببطء وروية من جديد ملتقطا صورا عديدة للفتيات اللواتي اجتمعن في الحديقة وافترشن الأعشاب الخضراء النضرة متحدثات بدردشات ليس لها نهاية.. بثياب إحداهن وخياطة الثانية واحتراق حلوى الثالثة بالأمس.. فإذا فرغن من هذه المسائل انتقلن لأحاديث أخرى لا تخلو من الضحك تصاحبها فرحة الدهشة لكل خبر جديد
ثم يمتد المنظر.. و يضيق ليركز على ظهر صبيين صغيرين شأنهما شأن العديد حولهما يركضون في براءة تجاه تجمع صغير قرب الأشجار السدرة الكثيفة، قهقهاتهم جعلت الجو العليل منيرا أكثر مما هو، بدى كما لو أن الصورة مجسدة بلوحة زاهية بالانشراح، ظهر أولئك الفتية كثمار حلوة متناثرة على العشب حالما وصلوا ناحية تجمعهم ليتخذ كل مجلسه بالطريقة التي تريحه، كلهم رغبة لمشاهدة عرض ألعاب الخفة.. أو لنقل ألعاب أريم الخاصة.
تميز أريم بطفرته الجينية منذ ولد.. عينه اليمنى زرقاء باردة تزينت بشامة صغيرة عند طرفها والعين الأخرى خضراء نقية، يكمل على مظهره الأنيق شعره الأسود الطويل المربوط، كان يمسك بين يديه مجموعة أوراق لعب يقلب الواحدة تلو الأخرى فيظهرها للجميع بينما يتحدث بابتسامة واثقة «هل سأستطيع إخفائها جميعها ؟»
ضحكت الفتيات بمرح وسعادة بينما يتحدث أحد الصبيان بتحد واضح «وإن سقطت سنضحك عليك جميعا أيها المخادع»
ابتسم أريم بخفة وباعد بين الأوراق ليريهم إياها ثانية لكنه لم يكد يجمعها ثانية حتى اختفت بين يديه! ابتسم الأخير بخفة و لوح لهم ضاحكاً مظهراً كفيه الفارغين تماماً و هو لا يرتدي ثياباً بأكمام طويلة ليخفيها بها، فازدهرت نظرات الإعجاب بأعين الجميع وهتف أغلبهم بمرح.
إن مثل هذه الألعاب تدخل القلوب بسرعة، وأريم يعد أكثر ساحر مبهر في العاصمة، غير أن لا أحد يعلم من أين تعلم هذا الفتى مثل هذه الخدع، لكن لا أحد يمانع رؤية عروص ممتعة لشخص محترف صباح أيام الخريف، اقترب المعني ممن تحداه قبل قليل مادا يده فحطت على رأسه برفق حتى يربت عليه بخفة لكنه ما إن سحب يده حتى كانت مجموعة الأوراق في يده ثانية فلم يجد الفتى ما يقوله، و اكتست ملامحه الاستسلام لبراعته.
لكن أريم انحنى مخاطبا الأطفال بلطف «وهكذا ننتهي اليوم، أراكم غداً»
لطالما قدم أريم عروضا من هذا النوع للجميع دون مقابل، وقف كل من كان يجلس على العشب ليتحدثوا بينهم عن متعة تلك المشاهد لكن أحد منهم وقف ليقفز على أريم ويضمه بمرح صارخاً «أخي رائع!»
ابتسم ذو الشعر الأسود بخفة بينما بادل المعني العناق .. ذلك الفتى ذي الشعر الأحمر الملتوي والذي شاركه نفس لون الأعين المميز ، أخذ سيا يتحدث بإعجاب و يعيد على مسامعه في حماس «لم تخطئ لمرة واحدة و لم تتردد ! نوع هذه الخدع مثالي! إنه رائع! مثالي !»
أخذ سيا يعدد الخدع التي قام بها صديقه وهو يدور حوله مزهوا، حتى قفز بمرح ثانية و لف يديه حول عنقه من خلفه، كان الوقت قد تجاوز الظهر بربع ساعة، فلميكن هناك ما يمنعه عن الاستراحة لدقائق إضافية مادام بإمكانه أنهاء أشغاله في الوقت الصحيح فأمسك أريم يد سيا وتحدث بابتسامة هادئة كملامحه «سترى الروعة الآن.. تمسك جيداً»
أجفل سيا محدقا به، هل سمع ما قاله بشكل صحيح؟ لكنه لم يملك الوقت ليعترض و لا الإمكانية حتى شعر برفيقه يجذبه ويركض فعرف ما يخطط فعله به وإذا به يصرخ بفزع صراخ يرى الأشباح «لا أريم توقف! دعني!»
ركض المخاطب غير مبال به، هو لم يعطه يوما حسابا، ليس هناك ما يمنع الاستمتاع فعلا، قد كان يجر رفيقه خلفه بقوة راكضا بسرعة خيالية بالنسبة لطفلة وصولا لإحدى منحدرات المدينة، و بالذات منحدر بني على ارتفاعه درج لا تبدو نهايته، قفز أريم فوق درابزين الدرج العالي لينزلق عليه بحرية فيما يصرخ سيا بفزع على ظهره وتمسك به بقوة خائفا «توقف! حالا!»
لكن أريم لم يستمع له كما جرت العادة، قد ازدادت ابتسامته وسعا وهو يشعر بالرياح الحرة تضربه بينما ينزلق على ذلك القضيب المعدني الطويل دون معرقلات، لم ينتظر نهايته فقد قفز فجأة من عليه إلى أكشاك الطعام المعدنية المصطفة بأسفل المنحدر في الساحة العامة، لكن الأمر لم ينتهي كما يتمنى سيا، لم يتوقف صديقه عن الركض تحت أشعة الشمس الجميلة وهو يبتسم بخفة مستمتعا بصراخ الأصغر، مطرباً سمعه بفزعه اللطيف، لأن أي طفل بعمره سيخاف من هذا المتهور الذي يثق ثقة تامة بجسده الرشيق ..
لا يميز الحديقة سوى الأشجار القديمة للسياوري .. تلك العملاقة الشامخة مصطفة على حوافها بكثرة متقاربة كأنها الأسوار، كأنها عوامد هذه البلاد، وأفرعها الغليظة سهلت عملية القفز عليها له فعلاً لكن سيا تمسك بعنق أريم بقوة وخوف أكثر حين زاد سرعته.. فهو ورغم عدد المرات التي يفعلها له أريم فجأة لا يستطيع الاعتياد على هذه السرعة ولا يمكنه التركيز على شيء بها.
ومن الجدير بالذكر أن قدرته البدنية التي تخطت الحدود البشرية لازالت محط إعجاب أهل المدينة، لا أحد يمل من مراقبته لهذه المهارة، فقد وقف الجميع يحدقون به يقفز من غصن إلى غصن في مشهد خيالي.
بما في ذلك رجلان في الثلاثينيات أحدهما ابتسم بسرور لما يراه و الثاني قطب حاجبيه بانزعاج شديد.
قد وصل أريم إلى خط نهايته حالما رأى بوابة الحديقة المعدنية المكونة من قضيبين أملسين عاليين، أمسك أعلى القضيب بيده اليمنى ليتدلى هو وصديقه للأسفل فقبضت ذراعه اليسرى على صديقه أقوى، بينما أغمض سيا عينيه بفزع لأن أصعب مرحلة قادمة، وهي الدورة الكاملة التي يقوم بها أريم على ذلك القضيب العالي.
ابتسم الداكن بخفة وأرجح جسده للأمام والخلف بسرعة ثم أطلق العنان لنفسه ليقوم بتلك الاستدارة الكاملة .. واحدة تتبعها الأخرى حتى يشعر بالدوار و يفلت المعدن الذي يتمسك به ثم يسحب صديقه نحو صدره ممسكاً به جيداً أثناء نزولهما..
بعد كل هذا، أخيراً قد استقرا على الأرض بسلام فرفع أريم صوته بسرور فياض من الحرية التي شعر بها قبل قليل «وهكذا انتهينا !»
يهوى أريم حركاته المفتوحة، لأنه لا شرط عليها ولا قيد ولاوجهة محددة، يمكنه السباحة في الهواء ان اقتضى الأمر، تلك الحرية هي أمر مرغوب للغاية عنده، وهذا ما يثبت انتماء أريم لشعب الزهرة عشاق الحرية.
إلا أن هذا لا يجب أن ينطبق على الأصغر، فقد ارتجف سيا بشدة وتراجع للخلف بخطوات محاولاً الحفاظ على وقوفه إلا أنه سقط على الأرض مرتعشاً ورأسه يدور دون توقف فحاول باستماتة النظر إلى صديقه باستياء عله يوصل إليه انزعاجه وقال بارتعاش لم يستطع إيقافه «أ.. كرهك.. هذا مزعج.. لـ..لم أنا ؟»
ضحك أريم بخفة فجلس قربه وردَ «لأنه عليّ التدرب و أنت خفيف الوزن بشكل لا يصدق»
استلقى سيا على العشب الأخضر بتعب وإرهاق ونفسه لازال يرتعش.. بل جسده وأعضاءه كلها اختلطت بسبب ما يفعله أريم، وما كان من الأخير سوى أنه استلقى على الأرض قربه يحدق بالسماء الصافية، لقد منحت السايوري جوا جميلا منذ الأزل .. حتى مطرها جميل .. حتى غيومها جميلة الشكل.. حتى عواصفها جميلة الرائحة وخفيفة العبور.
سمع أريم صوت تصفيق و تصفير إعجاب من البعيد فرفع رأسه ليرى مجموعة من الشباب قادمين نحوه ..
وصل بضعة شباب إلى الصغيرين ليرحبا بهما وقد ابتدئا بالمتعب الذي عبثوا برأسه ساخرين «أهلا سيا، أنت كالعادة على الأرض ؟»
أشار سيا بتعب لصديقه فقال أحدهم ضاحكاً «أريم كف عن خلط ابن بلدي ..»
ضحك المعني بخفة.. و سيا يدرك تماما معنى ذلك، ذلك لأن أريم ليس واحداً منهم، هو أجنبي عنهم.
مد أحد الشباب يده ليعبث بشعره الأسود بقوة و هو يتحدث بمرح «ألازلت تتخذ المدينة ملعباً؟ كيف تفعل ذلك علمنا»
أبعده أريم عن رأسه بصعوبة بينما يقول ساخراً «أطلب من عمي تعليمك»
ابتعد الفتى فجأة باقتضاب و قد بان بعض الفزع على وجوههم بينما يتحدثون بارتباك «لا ..لا داعي»
لوحوا لهم للذهاب بعدها مباشرة، الجميع هنا يعرف بضعهم البعض .. الجميع يعرفون كل تفصيل صغير عن شخصيات بعضهم..
ألقي عليهما فجأة حبتا تفاح طازجتان بينما يتحدث صاحبها بصوت رزين هادئ «كفى مشاغبة أنتما الاثنان»
هو العجوز صاحب محلات الخضر بقرب منزل سيا فرحب به ذو الشعر الأحمر بخفة، إن هذه الواسعة النظيف هي السايوري.. بطرازها العتيق في المباني ومدارسها المزخرفة وعمرانها البسيط، بديكورها وطرقها الواسعة وأزقتها الضيقة، إن هذه هي السايوري ..مكان بهذه الوداعة.. بهذا اللطف وهذا النقاء.
انتابت أريم رغبة صغيرة بفكره فمد يده لصديقه قائلا في هدوء «هيا لازال هناك مكان علينا زيارته قبل أن تنفذ طاقتي»
ابتلع سيا رمقه ببعض القلق وتحدث باختناق «وإن رفضت ؟»
تلك الابتسامة الماكرة حطت على شفتي أريم وضيق عينيه لتشعا بخبث وهو يقول «هل لديك خيار أصلا ؟»
استسلم له سيا وتبعه بخضوع.. تخطى الطفلان أقاصي المدينة.. و توغلا بالغابة.. أبعد أريم الحشائش الطويلة من أمامه ليبدو هدفهما واضحا أمامهما.
فاقشعر بدن سيا فجأة .. لازال هذا الشعور محببا لقلبه فعلاً ولازالت تلك الرجفة التي ينبض لها قلبه تعجبه، إن الوطن أمر لا يمكن الأحساس به، لكن أن تتجسد كل معالم المواطنة في حجر، أن يتجسد كل غال وكل ما يعبر عن بلادك في رمز واحد، سيدفعك دائماً لتحبه.
ما أمامهما كان تمثالين حجريين منقوشين بالجبل، كانا بارزين و كبيرين للغاية، مستترين بظل الجبل الذي يرسي حمله الثقيل عليهما، زينت تلك التماثيل بأحجار كريمة براقة وزخرفت باحترافية.. لكن ليس هذا ما هما لأجله.. قبض سيا على قلادته بقوة و ابتسم متقدماً للأمام.
هما ما إن اقتربا من تلك الأرض حتى أضاءت قلادة سيا.. أشعت بلون أبيض وهاج فابتسم أريم بخفة وقال «أحب النظر للسايوري»
هذا الحجر الجميل الباهض، هو رمز المؤسس.. الذي تركه المؤسس الأول وهو كنز السايوري الوحيد وقد سميت على أنه رمزها.. كثرة الإشاعات حوله ولا أحد يعرف مكانه إلا أبناء الوطن، والأسطورة تقول أن لا أحد ممن يضمر شراً للسايوري قادرٌ على إيجاده أو الاقتراب منه.
لم يكن الطفلان هما الوحيدين هناك فقد كثر الصبية بعمرهما، وكانوا في كل مكان من أرض الرمز.. ظهر الحماس على وجوه الصبية ليصرخوا «أريم ! سيا»
كان من المعتاد لهم أن يكونوا بهذا النشاط وعلى هذه الشاكلة من البراءة، اقتربوا منهما بحماس فلم يفهما كلمة واحدة من كلامهم السعيد إلا أن أريم يدرك ما عليه فعله تماماً ويفهم رغبتهم، رفع قلادته الخاصة واقترب من التمثال الثاني هنا، لم يكن بجمال الأول إلا أن له مكانة خاصة.
لمس أريم التمثال بيده ليشع الأكبر بلون أزرق مسود، جميل وسط عمقه.. هادئ وقوي تماماً كما يجب عليه أن يكون حجر الأروجيريا.
لا أحد يمكنه جعل التمثال الثاني يضيء غير أريم.. على عكس رمز السايوري فهو يجعل القلادات المشابهة له تشع إن رمز الأروجيريا يضيء بنفسه حين يلمسه مثيل له، لأن أريم الوحيد الذي يحمل دماء نقية من ذلك البلد، ابتسم الأطفال بحماس بينما يحدق الداكن برمز بلده بشرود.. اقترب سيا منه بهدوء ثم ابتسم متسائلاً «هل المؤسسان كانا صديقين مثلنا؟»
ضحك أريم بخفة وقال «لا أعرف.. لكن هذا الحجر باهض، ما دام هنا فيعني أن شعبينا معاً للموت، ثم أنت تذكر تلك الأغنية»
ضحك الجميع لينشد الأصغر سنا بصوت واحد «عروس الزهرة ستقدس دائما الموعودة ! عروسنا السايوري وحبيبتنا الزهرة !»
ابتسم أريم ليكمل سيا كلمات ذاك النشيد بهدوء «و جيش الضياع ينتظر.. والمؤسس سينتظر، والورثاء سيظهرون.. من السايوري والزهرة»
لقد توارث الأطفال هذه الأغنية حتى صارت تراثاً شعبياً، قاطع دردشاتهم المحببة صوت رجولي خشن «أريم!»
انتفض الفتى ما إن سمع اسمه كمن ضربه البرق، ظهر على وجهه الهادئ أمارات الخوف.
وقد عم الصمت فجأة بينما يقترب رجل ثلاثيني منهم ببرود، ابتلع أريم رمقه واتجه ناحية الرجل ليقف أمامه بهدوء بينما انحى الرجل ليه بغضب «أين كنت طوال اليوم؟!»
«كنت..»
لم يكمل كلامه حتى مد الرجل يده ليضعه على رأس الفتى و يقبض على بعض من خصلات شعره قائلا «أخبرتك ألف مرة ألا تغضبني، لم تنهي واجباتك بعد لكنك تلعب هنا ! إلى العمل حالا!»
همهم أريم بهدوء ولم يعترض بحرف ولم يحرك ساكناً.. كل ما خرج من جوفه كان «حاضر عمي»
احتدت أنظار الأطفال جميعاً بغضب فذهبوا قبل أن يراهم هذا الرجل المخيف، الذي شابه أريم بلون شعره الأسود الجميل ونفس طوله.
لكن سيا قبض على يده و قطب حاجبيه بانزعاج لم يخفه.. كأنه يرغب بالتهام الرجل بنظراته الغاضبة.
والمعني سرعان ما رآه فنطق بانزعاج معتاد عليه «وأنت ما خبطك تنظر لي هكذا؟!»
حرك سيا رأسه للناحية الثانية وانزعاجه ازداد فحسب.. ليسمع فجأة صوت ضحك رجل آخر، أشقراً كان بشوش الوجه.. طويل القامة ومرتب الهيأة وهو الذي قال مداعباً «ديفران أنت تخيف الأطفال دائما، قلل حدتك»
أشار الرجل لسيا قائلاً «بل أنظر إلى ابنك الذي يحدق بي بطريقة سيئة!»
سرعان ما نهض سيا وبدء الركض مبتعداً بينما يتحدث والده بملل «سيا عد واعتذر من عمك»
ليس وكأنه سيستمع لوالده في هذه الحال فتنهد الأشقر وكتف يديه لصدره قائلاً «الرحمة ديف، أنت تعرف أن لا أحد يحبك بسبب هذا الوجه وتلك النبرة»
قابله الرجل بنظرات غير مبالية البتة فأعاد ببعض الجدية «وأيضاً.. ألا يمكنك أن تلين تصرفك مع أريم؟ أنت قاس معه جداً، الأطفال يحبونه»
رفع المستاء يديه ليحركهما في الهواء عالياً بقلة حيلة وبدء تذمره «أنا أصلا أخبرتك أني لا أجيد التربية ! هذا خطؤك وخطأ والديه فأنا لا أعرف كيف أربي طفلاً ! إن لم يعجبك ما أفعله خذه !»
وسرعان ما شقت تلك الابتسامة الواسعة البريئة وجه الأشقر ليقول بحماس و سعادة حاول كتمها «أنا فعلا لا أمانع، أحب لو تعيده لي ثانية! أيمكنني أخذه؟!»
شعر زاركس بالغضب يزداد بداخله حين رؤية رد الفعل ذاك ثم قال «لا البتة.. لا أتخلى عما يخصني أبدا!»
ظهرت الخيبة على ودجه الأشقر، لأنه يتمنى من أعماقه لو يعود أريم إليه كما كان.. فتحدث برجاء و استياء «كان الجميع يقول أنني أملك صغيرين توأمان لشبههما ببعض، لكنك سرقته مني»
لكنه صمت لوهلة متذكراً كيف كان الوضع حينما توفي شقيق ديف الأكبر وزوجته بحادث طائرة أثناء عودتهما للسايوري، وكيف أنقذ ذلك الطفل الصغير وحده، فتُرك لعمه لتربيته.
حيث رفض ديف في البداية رفضاً قاطعاً تربيته، لازال الأشقر يذكر حين كان بغرفة فارغة مع صديقه، والذي كان يصرخ مخرجاً انزعاجه وحزنه «أحمق هو و زوجته! بدون عقل.. غبي! لن أربي ابنه! لن أهتم بما خلفه من فوضى لن أنظف فضلاته!»
ابتسم الأشقر ببعض الحزن وقال ساخراً «من المضحك كيف تصرخ هكذا والدموع بعينيك»
«اخرس أرسلان!»
صرخ ديف بقوة وانزعاج عظيمين.. هو الآن يعيش وفاة شقيقه الأكبر فلم يكن بخير أبداً، ولم يكن مرتاحاً بل بغاية الحزن لكن شخصيته القاسية تفرض عليه ألا يبين حزنه.. فأخفى وجهه عن صديقه وارتجفت كتفاه باستياء.
ابتسم أرسلان بخفة وحدق بذلك الطفل الصغير الذي يحمله بين يديه، مد يده ليلمس وجنته الناعمة ويداعبه بخفة لكنه كان نائماً ساكناً.. شعر بالحزن لأجله لكنه نطق بهدوء «في جميع الأحوال لا يمكن أن يعيش معك بهذا السن، سأربيه مع ابني حتى تستطيع أخذه»
لا يمكن لطفل بعمر الشهر أن يعيش مع شخص عديم الخبرة بحياة العائلات كديف وصادف أن ابن أرسلان ولد مؤخراً، لن يضيق به بيته البتة بل سيسعد بضم ذلك الطفل الهادئ إلى عائلته مؤقتاً.
لكن تتمة هذه القصة بوقت آخر لأن ذا الشعر الأسود نطق ببعض الجدية مخرجاً الأشقر من ذكرياته فجأة «أرسلان.. هناك خطب ما بالحدود مؤخراً، شعرت بحركة غريبة أمس..»
نظر إليه المخاطب بحيرة ثم سأل بهدوء «أحصل شيء ؟»
«ليس بعد.. لست متأكداً .. سأقوم بجولة أخرى ..إلى ذلك الحين لا شيء أكيد، ربما أرسل أريم إليك لبعض الوقت»
بعض الشعور بالخطر تسرب إلى دواخل الأشقر فاحتدت عيناه و انغمس بأفكاره بقلق.. إن كان سيترك أريم فالوضع خطير.
....................................................................................
في أطراف السايوري الموجودة بين الجبال، بين الأشجار العملاقة المثبتة بالصخور، فتى بعمر العاشرة وقف بأعلى غصن للشجر و تبث بالأعلى، أخذ نظرة فاحصة وأمعن النظر حوله، وسرعان ما قفز من الشجرة لينزل أرضا و يقابل عمه «لا يوجد، ولا أثر واحد»
همهم أسود الشعر و وضع يده على ذقنه مفكراً فسأل أريم بهدوء «ألا يمكن أن تكون مخطئاً»
«شعوري لا يخطئ يا ولد»
علق الرجل بهدوء ثم قال «لا، لن نذهب بعد.. أرسلان يفكر بما علينا فعله.. اذهب وأنظر لما يحصل من أعلى برج المراقبة ثانية، ومر على المنطقة الرابعة كذلك فلا حراسة هناك»
تنهد أريم بتعب لكنه لبى قول عمه واتجه ليكمل العمل الموكل به، عمله بإيجاد خط سير للناس أو آثار شاحنات دخيلة بينما يفكر {متى سأنهي التسوق الآن.. تأخرت بالفعل وسيعاقبني}
.................................................................................
على بعد ملايين من السايوري ..
أكبر بلد في القارة، متواضع ذو هيبة، كانت تلك البلاد العجيبة الأروجيريا، لا أهلها من الأثرياء .. ولا من العباقرة ولا بلادهم بذاك التطور إلا أنها بذاك الكبر و مواردهم بتلك الضخامة.. وعددهم بتلك الكثرة التي لا تتخيل، وبالعاصمة تماما كانت تلك الفتاة.
كانت تجلس بملل في صفها بالمرحلة الثانوية، يوم روتيني آخر، إنه من المزعج فعلا أنتكرر نفس الفعل لمدة اربعة عشر سنة بحياتك، فجأة سيفقد كل شيء لونه ومعناه، لهذا كانت تحدق بالنافذة في ملل عميق غير مهتمة بالشرح الذي يدور داخل صفه، إن هذه لعنة، طبعا .. ماذا سيكون غيرها! إنه نوع من أنواع التعذيب متابعة مثل هذا الروتين البائس.. إلا أنها سمعت فجأة أستاذ التاريخ يقول أمرا جميلا حطم جدارها اللامبالي «لم برأيكم تختبئ السايوري ؟»
اه.. السايوري؟ أليس مقدسة الشعوب المتحالفة ؟ لهذا الاسم رنين جميل.. إثر سماعه قد ازدادت نبضات قلبها بشكل غريب، أحد الطلاب قال ساخرا من سؤال معلمه «لكننا جميعا نعرف مكانها»
«هل ستشي بمكانها لأحد؟»
«طبعاً لا!»
محادثة بسيطة جرت بين الأستاذ وتلميذه وجوابه المتململ جعل الأستاذ يضحك لأن الأمر بدا كما لو أنه سأل عن إجابة واحد إضافة لواحد.
همهمت الفتاة مفكرة ثم سألت بهدوء مقاطعة إياهما «لم فقط ثلاث شعوب تعرف مكان السايوري ؟»
ابتسم الأستاذ بخفة، هذه الداكنة يمكنها أحياناً اظهار إعجابها على ما يبدو، و رغم جلستها غير المتكلفة إلا أنه أجابها قائلاً «لم لا تبحثين عن هذا بنفسك كاميليا ألا تحبين هذه المواضيع»
ضحكت الفتاة بخفة ناظرة إليه بصمت بسيط سرعان ما أردفت بعده في ثقة «لا داعي لهذا، فإني أحفظ الأمر عن ظهر قلب.. قصدت أن تلك الشعوب المختارة.. لم تختر بعناية البتة»
ختمت كلامها ببرود اعتاده زملاؤها، نعم كيف توقع المعلم انها مهتمة بالسؤال؟ إنها ترغب بالانتقاد، ترغب بأن تبين الأخطاء كعادتها تماما فقال أحد زملائها ضاحكاً «ليس للجميع حاستك السادسة كامي»
احتدت عينا الفتاة بانزعاج، حكاية الحاسة السادسة ستبقى مرافقة لاسمها لبقية حياتها على ما يبدو، لازالت تلعن اللحظة التي جعلتهم يتشبثون بها هكذا، بينما ضحك البقية بخفة فقال آخر مكملاً مستمتعاً كمن يسرد قصة خيالية «يومها لولم تصري على أن هناك كارثة ستقع كانت المصابيح ستسقط على رأسي! حاستك السادسة خارقة!»
جلست المخاطبة مكانها بانزعاج وكتفت يديها لصدرها هاتفة ببرود «هراء»
إلا أنهم محقون بشأن هذا، كل ما في الأمر أنها الوحيدة التي لا تصدق، فيوم قلقت من أمر ما ظلت تطلب من أحد زملائها بضرورة أن يغير مكانه، وبالصدفة قد سقطت الإنارة فوق المقعد تماماً حالما وقف منه، من يومها جرت الشائعات ساخنة على الألسن تتحدث كلها عن حاستها السادسة.
لكن بذكر الموضوع الذي لا يعجبها، بذكر الشعوب المختارة... هناك عدة آراء تضاربت على أصول الرموز.
وهذا جعل أحداً من صفها يعلق في هدوء معيداً إياهم للموضوع الذي طرحه المعلم «لكنها الآن لم تعد ثلاث شعوب، بل ست بلدان مختلفة، لِم نحن فقط من لازلنا نحمل نفس الاسم القديم ولم نتغير ؟»
إن هذا الصف بالفعل يثير إعجاب الأساتذة بثقافته غير المحدودة، حين يكون لكل منهم روح متحررة وشخصية منبسطة، حين يكون لكل منهم فضول لتعلم المزيد سيبني جواً رائعاً داخله يسمح بتناول جميع المواضيع فنطق ثان بعد تفكير «لا أعتقد أن في هذا شيئاًمن الحاجة، ثم إني قد سمعت أسطورة تقضي بأن السايوري تنبأت بانقسام القارات أهو صحيح معلمي؟»
«لوكان لديهم شخص بحاسة كاميليا ممكن؟»
سخرت فتاة منها بذلك الكلام فنظرت إليها بحدة جعلتها تجفل مكانها خوفاً، فابتسم الأستاذ رغم خروجهم عن الدرس ورد ضاحكاً «التاريخ ليس دقيقا لكن منطقياً علماؤهم لا يمكن أن يكونوا بتلك الدقة ليعرفوا تاريخ الانقسام تماماً، إلا أنها ستكون صدفة ممتازة بالنسبة لهم»
دق جرس الحصة في هذه الأثناء فابتسم المعلم و بدأ بجمع أغراضه بينما يتحدث «تأكدوا فقط من البحث عن المؤسسين.. ستكون الأسطورة ممتعة للمدرسة»
وقفت إحدى الفتيات بآخر الفصل وصرخت بحماس وإعجاب مرهف «تقصد بطلي !»
«حسنا هو بطل للجميع»
كان ذلك هو تعليق الأستاذ الضاحك بينما يهم بالمغادرة إلا أن كاميليا كتفت يديها لصدرها معلقة بتململ «لا أصدق بوجود المؤسس أصلاً»
يفترض أن كاميليا هي الفتاة الوحيدة في شعبها التي لا تصدق قصص المؤسسين، القصص التي تمد الأمل وتعزز الروابط بين الشعوب جميعاً.
وقفت من مكانها لتعيد شعرها الأسود الطويل خلفها وتخرج قلادة الرمز خاصتها من تحت ثيابها.. قلادة الزهرة التي توجد على عنق كل انسان فوق أرض الأروجيريا الواسعة.. تماماً يوجد فوق الخمسين مليون رمز أروجيريا بهذه الأرض.
ربما الأمر يبدو غير مميز، وربما يبدو تكراراً مملاً إلا أن تلك القلادات مميزة بألوان أصحابها تماماً، و تعيش معهم وتفنى بفناهم.. هي الشيء الوحيد الذي يشعرون بامتلاكه ووفائه فعلاً.. لأن الرمز لا يمكن أن يحمله غير صاحبه أبداً.
في هذا العالم لكل بلد رمز.. لكن شعب رمز.. بعض الشعوب امتلكت رمزاً على شكل وشم، و غيرهم امتلكوا أقراطا مميزة، وغيرهم الكثير، إلا أن ست بلدان بالإضافة للسايوري يملكون قلائداً متماثلة من ناحية الصنع.
لكن كل ذلك لا يهم، فالمؤسسون هم من جاؤوا بفكرة القلائد، وكاميليا لا تصدق بوجودهم لكنها من ناحية أخرى ابتسمت بخفة وهمست «السايوري إذن، ليس سيئاً»
وضعت يدها على صدرها وهي تشعر بنبض قلبها السريع، يحصل هذا بكل مرة يتحدثون عن السايوري.. والواضع أنها تحبها فعلاً، لا مانع من هذا.
خرجت من المدرسة مباشرة، فوجدت ذلك الشاب ذي السبعة عشر ربيعاً بانتظارها عند الباب، ككل شباب العصر كان حسن الثياب ذا شعر أسود طويل وعينين رصاصيتين.
سار بجانبها فبدى فرق الطول بينهما ظاهراً ثم تساءل بابتسامة «أين ستذهبين اليوم ؟»
«للسوق جاد»
تحدث الفتاة بملل فتبعها الشاب بابتسامة..
في السوق حيث كان ذلك الشاب يحمل ما تسوقته كاميليا بيديه و يحمل محفظتها على كتفه، ظلت ذات الشعر الأسود تحدق بمجموعة من المجوهرات أمامها بحيرة شديدة فبدء البائع يحاول إقناعها «لن تجدي فضة بهذا الثمن والشكل في أي مكان، ولن تجدي مثل هذه المجوهرات»
بالنسبة لكاميليا فهي هنا لتختار هدية من أجل شخص مهم ولا يمكنها أن تكون أفضل من هذه الجواهر الجميلة، هي بالمسؤولية الكافية لتؤتمن على مبلغ كبير تشتري به ما ترغب به ووالداها على علم تام بالهدية فسمحوا لها بصرف ما تشاء لأنها عقلانية.
لذا لا عائق أمامها وأمام هذه الجواهر، ليست أول مرة تشتري فيها شيئاً ثميناً إلا أن قلبها انقبض بقوة فضيقت عينيها بانزعاج.. شكلها جميل ومتقن ويفترض أنها ثمينة لكن الرجل خفضهم.
شعر الفتى بالحيرة فهي عادة تتخذ القرارات بسرعة شديدة ولكنها الآن تحدق بما أمامها وكأنه معادلة صعبة الحل فسأل «إنها ملائمة كامي، ما الذي يحيرك ؟»
ضيقت الفتاة عينيها أكثر وهمست بانزعاج بعد وضع يدها على صدرها «لا أعرف.. أنا، لا أشعر أن علي شراءها»
ما إن سمع السائل جوابها حتى أخذ كفيه لكتفيها و جعلها تبتعد قائلاً كأن الأمر بديهي «إذن لنستمع لقلبك و نذهب»
حتى الوقت الحالي الفتاة وافقت بينما جاد يدفعها، هناك أمر ما.. ماهي إلا ثوان حتى مرت بجانبها امرأة غاضبة مع رجل يبدو زوجها فصرخت قبل أن تصل المكان «أبعت لي جواهراً مزيفة؟!»
لم يبدو زوجها مسروراً بذلك بينما ارتبك البائع بشدة لكنه نطق محاولا الحفاظ على هدوئه «سلعتنا حقيقية سيدتي، وخضعت للتفتيش والمصادقة»
لكن يبدو أن شجاراً على وشك أن يحصل فابتعد الاثنان بهدوء.. حينها تحدث جاد بابتسامة «أخبرتك علينا أن نثق بما يقوله قلبك»
همهمت الفتاة بفهم، مجرد صدفة أخرى كما تقول وكما تقنع نفسها، لكن يبدو أن بحثهما سيطول أكثر فتنهدت بتعب، هي ليست أول مرة تتنبأ بحصول شيء كهذا وليست أول مرة تعمل فيها حاستها السادسة.
المتجر التالي الذي دخلته كان ذا طابع تاريخي، مملوء برفوف الكتب القديمة وعدة ملصقات في الجدران.. بضع من تلك الملصقات حملت اسم السايوري وشكل رمزها.
تمشت الفتاة بين الرفوف، مررت يدها على الخشب القديم الحامل لأطنان من الغبار، ألازال الناس يسيئون معاملة الكتب هكذا؟ أم عليها أن تلوم عدم شراء أحد لها؟ لو كان بيدها لأخذت كل كتاب على هذه الرفوف الجميلة لتتحسس صفحاته بهدوء في غرفتها بعيداً عن البشر، لكن بذكر هدوء غرفتها فقد بدءت تشعر ببعض الاختناق المعتاد الآن لكنها تجاهلته، سرعان ما وقع نظرها على كتاب قديم أحمر يحمل عنواناً ممتعاً على غلافه «أسطورة الافتراق»
كان ذلك العنوان حسب معرفتها يرمز لما حصل لما تفرق المؤسسون المزعومون.
إن القصة كانت منذ زمن بعيد، فقيل كان يامكان في قديم الزمان.. قرية تدعى السايوري
لم تكن تلك القرية في أي مكان، لقد انفصل المؤسسون عن إخوانهم، قبل أن يبدء تسجيل التاريخ كان لابد من افتراقهم..
نبض قلبها بقوة وألم طفيف، يبدو وكأن شيئاً اصطدم بقلبها، شعرت ببعض القلق فتخطت السطور لآخر ما في الصفحة!
وهنا بعد أن كانت تروس الزمن فقط التي تتحرك.. تحركت أخيراً عجلة القدر محررة نفسها من الغبار و الشباك.. محضرة أسوء أنواع العذاب لتختبر هذا العالم.
فجأة سقط الكتاب من يدي الفتاة وعلامات الصدمة على وجهها، اقترب الفتى منها بقلق بعد أن لاحظها لكن قلب كاميليا نبض بقوة وألم فقبضت على صدرها بقوة مما جعل الشاب يمتلئ بالقلق فصرخ «كاميليا!»
وقف قربها وأخرج من جيب محفظتها شيئاً أشبه ببخاخة صغيرة مدها لها قائلاً «أهي نوبة أخرى ؟!»
لكن الفتاة سرعان ما أبعدت يده عنها قائلة باستياء بدى كقلق شديد «لا .. ليست نوبة، هناك أمر»
سيحصل شيء ما بالسايوري، حتى إن تخطى هذا المعقول.. وحتى إن كانت حاستها السادسة بهذه القوة فالفتاة تشعر بأشياء غريبة عند النظر لأي شيء حولها، ومادامت شعرت بالألم من عبارات تخص السايوري فلتدع أن يكون تصورها خاطئاً وأن يخطئ قلبها.. هذه المرة.. دعت أن تكون الهبة التي حباها الله إياها مجرد صدفة لا تعمل في الحالات الجدية.
يتبع...
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top