الفصل الاول
اليوم العاشر من الشهر الرابع
.../04/10
كان الجو الصافي اليوم يدل على انتهاء العواصف أخيرا بعد كل المصائب التي وقعت في أرضهم منذ وقت، لكن أحدهم لم ينظر لذلك التغيير ولم يهتم بالتفكير في تغيير روتينه اليومي بالبداية.
كان سيا مشغولا بترتيب الصناديق في المتجر الذي يساعد به وانتقل سريعاً دون تضييع دقيقة أخرى للتنظيف، وقد كان عمله متفانياً.. نظر عبر النافذة للخارج، وقد فوجئ للجو القادم {منذ متى صارت هذه المنطقة حارة؟}
كان ذلك تساؤلاً دار بينه وبين نفسه باستغراب، ترك صناديقه واقترب من النافذة متأملا الجو، كان هناك ضباب كثيف يملأ المنطقة.. وبغض النظر عن الصباح الباكر فإن هذا النوع من الضباب الرطب يدل على أن اليوم سيكون بغاية الحرارة وهذا ما أثار حيرته، فلطالما بدت جزيرة ساني إين المكان المثالي للانتعاش، فجوها بارد على مدار العام رغم سطوع الشمس، إلا أنها كانت جزيرة صغيرة لا تكاد تملأ المياه جوانبها حتى تجد يابسة أخرى تضيق الخناق عليها، و الأجدر بالذكر أن هذا المكان أشبه بحفرة فهو منخفض نسبياً مقارنة بارتفاع أراضي السايوري.
ولكن لم يلبث أن توجه نظره لصاحب المتجر الذي وصل بتلك الثواني ليحدق بعمل الفتى ذي الثلاثة عشر ربيعاً، ابتسم الرجل نتيجة ما يراه و نطق برضى «كالعادة عملك لا تشوبه شائبة»
توقف الفتى ليبتسم بلطف ويرد بهدوء «شكراً لك»
مسح العرق الذي تصبب منه بروية بينما يحادثه الرجل «هي السادسة الآن، سأفتح المحل قريباً، هاك أجرك»
أخذها شاكراً و خرج من المحل دون تأخير هو يفكر ببعض الإرهاق {إن علي قصد أربع متاجر قبل استراحتي، إن لم أجمع المبلغ الذي علي لن أقدر على النوم}
كانت الشوارع في الصباح الباكر قليلة الحركة، لم تكن بها سيارات كثيرة نظراً لطبيعة السكان الكارهة للضوضاء، ركض وهو يتأمل السماء ببعض القلق الناتج عن نبض قلبه الغريب.
بهذا الوقت لم تكن الجزيرة بالمنظر الخلاب المعهود عنها، كما يفترض أن آثار الحرب لم تصل إلى هنا بعد.. لم تكن حتى بالمنظر الذي يشد العيون، وقد بدى أن هذا اليوم أغبر كئيب.
تابع الفتى ركضه حتى وصل إلى ما بدى كموقع بناء، أخذ ثواني ليجمع أنفاسه من ركضه السريع ثم اتجه ناحية إحدى الشاحنات المركونة هنا حيث اصطف الرجال حول شاحنة مفتوحة الأبواب، وحيث كانت وجهته حين تحدث رافعاً صوته «أنا هنا»
ابتسم أحد الرجال حين رأى الطفل هنا وقال كمن أخذته الشفقة «ألا يفترض أن تساعد الآخرين سيا.. لن تقدر على مثل هذه الأعمال»
قطب الفتى حاجبيه باستياء وقال مدافعاً «بل أقدر!»
{ليس و كأني أرغب بهذا، انتهت باقي الأعمال}
ابتسم الفتى بعدها مردفاً يحاول إقناعه «سأفعل أي شيء إن دفعتَ جيداً مقابله»
هم سيا لطالما كان المال، ولطالما سمع الاناس رنين القطع النقدية في آخر أحاديثه، لأن همه لن يتغير، هوسه بجمع الكنز يبدو بغاية الظرافة لفتى بعمره، فضحك الرجل بقلة حيلة رد «ألست تهوى المال، ماذا ستفعل بكل ما تجنيه؟»
إن سيا لم يضيع يوماً فرصة لكسب المال، و لم يتكاسل دقيقة عن ما قد يكسبه قيمة مادية حتى سار بين الناس وصفه بهوسه، ولم يتوقف عند هذا الحد، إذ أن الجميع يدرك تماماً كم يبخل في شراء شيء جديد لنفسه، وبالكاد يصرف على طعام لائق، وقد قال مراراً أن قطعة خبز وشربة ماء ستكفيه ليمر يومه، إلا أن أحداً لم يفهم سبب تعلقه العظيم بجمع النقود، مع هذا لا يمكن أن يُرى من هذا الصغير أحمر الشعر سوء أو أذية.
أغمض الفتى عينيه بسرور ونطق بلطف «علي استعادة كنزي، لذا علي جمع كنز من المال»
قد كان في وجه سيا سحر جذاب من النوع البريء، ساعدته معالمه الناعمة الغضة كثيراً، كأنه لم يتأثر بالحرب، وقد جرى بين الناس أيضاً تركيزهم الكثير على مظهره الذي لم يخربه الفراق أو الحروب والخوف، هو الفتى الذي يعمل منذ الرابعة صباحاً حتى منتصف الليل منذ أكثر من سنتين، هو الفتى الذي يحمل على ظهره أكياس الإسفلت، هو الفتى الناجي من العاصمة، هو أصغر ناجٍ و أهم ناجِ.. إنه سيا باختصار، أهم طفل في كامل البلاد.
وضع ماجناه اليوم مع بقية ما يملكه في صندوق معدني صلب اختاره بعناية، وقد تخطت الأوراق النقدية فيها مبلغاً طائلاً.. ابتسم بسرور حالما وجد أن الصندوق سيمتلئ قريباً إن أسرع بذلك و هذا يعني تحقيق هدفه سريعاً والانتقام من هذه الحرب مباشرة، تحقيق هدفه الأول بدى مرضياً للغاية فشقت ابتسامته وجنتيه المنتفختين.
..........................................................................
انتصف النهار، وحان وقت استراحة سيا.. عليه أن يرتاح ليستطيع استئناف عمله حين يكثر الناس، الجزيرة مغلقة والناس لا يقتنون أغراضهم من غيرها، لا سياح، ولكن عدد الهاربين من العدو في تزايد، وهذه الجزيرة تمتلأ بالأطفال الضحايا.
استلقى تحت إحدى الأشجار بالحديقة العامة، وأخيراً انتبه لتغير الطقس، اعتقدَ أنه سيغير مخططه لليوم لكنه لم يلبث وقد غير رأيه، فقد سطعت الشمس، ولم تعد الدنيا كئيبة متجاهلة الأحداث خارج الجزيرة.
سكن المحيط، وبدى كل شيئ هادئاً.. وأخيراً {هذا الجو.. سيغتنتم الناس الفرصة ويخرجون، يعني جمهور أكثر}
ابتسم برضى ووقف ينكت ثيابه وقد تراجع عن إراحة جسده، والواقع أنه لم يكن يعلم متى ينتهي من ما سيفعله تحديداً، لكنه حدث نفسه مجدداً عزمه «لا استراحة! العمل أكثر يعني استعادته أسرع!»
اختار موقعاً جيداً بالحديقة العامة.. موقعاً حيث يمكن أن يتجمع الأشخاص، لم يكن ذلك صعباً للغاية فغابات جزيرة ساني إين مبهرة وكثيفة، لكن من الخسارة فعلاً أنه لا يمكن فعل شيء يمنع تدميرهم لها.
حضر أوراقه و لوحته مع أقلامه ثم استند إلى جذع الشجرة الضخم الذي يضله، مراقباً تساقط بعض من أوراقه حوله وفوق رأسه، ربما سيأتي الخريف باكراً هذا العام، بالفعل بعض أوراق الأشجار احمرت كشعره المجعد تماماً، كان كل هذا حوله مدعاةً للإلهام والراحة النفسية التي تسبق إبداعه فابتسم قائلاً بمرح طفولي «هلا نبدء الرسم ؟»
اللوحة المثالية ستكون بانتظاره، هو قادر على تحريك فرشاته وأقلامه بطريقة سحرية.. هو ونور هذا الشمس قادران على الاندماج حالما يركز في شغفه وهوايته، وقد كان يبدو بغاية سعادته فكان كتحفة في ذلك الجو رغم ثيابه القديمة الرثة، فقد أعطى شعره الأحمر الفاتح بشرته بياضاً متناسقاً، وطفرته الجينية التي منحته عينين متفاوتتين في الدرجات قد زينت ملامحه في لوحة بهية من صنع الخالق، إحدى تلك العينين خضراء نقية حية تبث سروراً في النفس كسرور الفلاح بعشبه الأخضر اليانع، والثانية اكتسبت لوناً أزرقاً حمل حزناً عميقاً.
عليه أن يملك زبائنه الخاصين مهما كلف الأمر فسينتشر الباعة المتجولون في الساحة بهذه الحديقة قريباً، مستغلين الزحام الذي يسبق تسوق موسم الخريف الشامل، وحين سيأتون سينتشرون كمستعمرة نمل، ستنعكس أشعة الشمس الدائفة عليهم، ونور المحيط البرتقالي سيكمل المشهد و يعطيها لمسة لذيذة، أصواتهم الأجشة تتعالى بينما ينادون بلهجة عامية شعبية بحتة على بضائعهم وستكتظ الحديقة برائحة البهارات والتوابل والأطعمة الجاهزة وحتى الأعشاب العلاجية.
وأين سيا من كل هذا؟ كيف سيمكنه العمل وسط هذا وهو هادئ للغاية على هذا النوع من الأمور.. لكن ليس بيده حيلة لأن المكان صغير، لا يمكنه مغادرة الجزيرة في الوقت الحالي وإلا فلن يعرف مكان رفيقه أبداً !
وبذكر رفيقه، كم مر من الوقت من آخر مرة رآه فيها؟ وبدأ اشتياقه يزداد لحد خانق لكنه حرك رأسه نافياً نافضاً الأوراق من عليه ومبعداً عنه الأفكار الحزينة.. فقد جاء أول زبونين تقليدين، امرأة مع ابنتها.
لطالما ضيع سيا وقت استراحته برسم الناس في الحديقة، ليتقاضى أجراً على تلك اللوحات.. وقد كان موهوباً بالفطرة.. كان سريعاً ولعله كان من أفضل الرسامين الموجودين في كامل أرضهم، وقد انتشر وقتها بينهم أنه لا يوجد تحد لا يقدر عليه سيا.
«تشبهني فعلاً! أمي كأنها صورة !»
كان ذلك تعليق إحدى الفتيات المعجبين بلوحته.. وتهافتت عليه الإطراءات بعدها والتحديات تصعب حين يعطونه وقتاً قصيراً جداً لإتمام اللوحة بألوانها وتظليلها ولمعانها. لكنه كان قادراً على نسخ جميع الناس بأدق تفاصيلهم في فترة تقل عن أربعين دقيقة وبجودة رسم ممتازة !
«أنت بالفعل بارع.»
«لا أصدق هذا يا صغير، كيف فعلتها ؟»
«أشبه بسحر!»
لوحة أخرى بيعت، ورغم أن معصمه بدأ يؤلمه إلا أن عليه المواصلة، مواصلة الشغل في الوقت الحالي أهم من حياته حتى اندمج بعمله مع إحدى رسومه وانفصل عما حوله للحظات بسيطة كعادته تماماً، إذ أن عالم الرسم عالم موازي يهرب إليه سيا دائماً، يمكنه أن يعيش به لزمن متجاهلاً كل شيء حوله، وقد بالغ بهذا لدرجة أنه يمكنه أن ينسى كيف يتنفس أثناء انشغاله بالتدقيق برسم ما.
وعلى الفور مر بذهنه خاطر، خاطر عابر لتلك المرة التي لم يسمح له رفيقه فيها بدخول الغرفة للبحث عن أمه، لم ير وجهها للمرة الأخيرة فاجتاحته رغبة برسمها ثانية، وفي هذه المرة كان الخاطر عبارة عن كلمتين بسيطتين سرعان ما طواهما بخياله {الجويش فعلوها!}
تاه تماماً في تلك الثواني حتى شعر باقتراب شخص منه ليلامس ظهره، خلفه مباشرة كان ! وفي لحظة فقط، همس ذلك الشخص بأذنه «ما الذي تفعله؟»
انتفض سيا بقوة في مكانه ثانية وبخوف شديد حين تسلل الهمس لمسمعه، ذلك الشخص كان قريباً منه بشدة و لم يشعر باقترابه حتى ! إلا أنه استطاع في جزء من الثانية الموالية تمييزه فالتمعت عيناه بشوق والتفت له سريعاً صارخاً «أريم!»
ابتسم من دُعي بذلك الاسم، وقد كان فتى بعمره ذا شعر أسود فحمي ناعم طويل، يملك ذات العينين المميزتين لسيا و كأنها نسخة طبق الأصل، وقف سيا بسعادة عارمة من مكانه ليندفع معانقاً اياه بقوة واشتياق ! ضحك الفتى بخفة عليه وقال ساخراً «أستفعل هذا كل مرة ؟ أأنت أحد أطفالي؟»
رفع سيا نظره له وقد بدت عليه سعادة مختلفة بابتسامته تلك حين رد «مر وقت طويل.. اشتقت لك!»
ابتسم الأطول بينهما بخفة وربت على رأسه برفق لطالما تميزت به يده الدافئة. استطاع رؤية الأوراق أرضاً فسأل «مالذي تفعله؟»
عاد سيا للخلف بخطوتين، ورد عليه بينما شرع بجمع أوراقه على عجل «لاشيء، أتدرب على الرسم قليلاً، فقد انساه.»
ضحك بنهاية كلامه بهدوء وخفة، إذ أنه ليس الوقت المناسب للرسم، ولا الجو المحيط بهما يمكن أن يلهم أحداً للرسم فكتف أريم يديه لصدره قد وقع نظره على الأوراق بالفعل ولاحظ ما خطه فعلق في هدوء «كالعادة، رسمك من مستوى آخر تماماً، ترسم الكثير من الأشخاص.»
اكتفى سيا بالابتسامة لمديحه ذاك فقد سمعه مراراً، حتى سأل أريم بهدوء مشيراً لنفسه بسبابته «وأنا.. متى سترسمني أنا؟»
ارتبك سيا للحظات وقد بان ارتباكه على ملامح وجهه، حتى أنه ضغط بغير قصد على الأوراق بين يديه أكثر، ثم رفع رأسه ونظر لرفيقه بطرف عينه ببعض القلق، لكنه آثر محو القلق عنه فانحنى وأخفى أوراقه بمحفظته الجلدية. من الصعب الحفاظ على ثباتك وبداخل كيانك عاصفة لا تهدئ ! ضحك فجأة مجيباً «آسف ليس بعد.»
بانت الخيبة على وجه أريم فأخفض عينيه قليلاً، لأن طلبه الوحيد الذي سبق وقدمه لإنسان ما كان أن يرسمه سيا.. ولأن هذا الأخير سيرسم كل من على سطح الكرة الأرضية قبل أن يصل إليه. يعرف الأصغر أن هذا النوع من الأفكار يجول بخاطره فاقترب منه بابتسامة وشد على يديه قائلاً ببسمة صافية «سأفعل، سأرسمك! لكن ليس بعد.»
ثم أضاف محاولاً تبرير عجزه بابتسامة أكثر شحوباً وهو ينظر ليديه «أنت صعب للغاية أريم، إن يدي تتوقفان حالما أرغب برسمك.. أتعرف لم؟»
«لماذا؟»
«لأنك جميل أريم، جميل بطريقة عدوانية صعبة في الرسم.. ولأن يداي ترتجفان حين الوصول لمستواك، دعني أتدرب أكثـ...»
قطع كلامه حالما شعر بذراع صديقه تلف حول عنقه في محاولة وهمية لخنقه بينما يتحدث الأكبر ببعض الانزعاج الذي قل ما يظهر على تعابيره الباردة «تتدرب وتتدرب، لا أحد يرسم مثلك! ثم الجمال للفتيات أفهمت؟! لا يمكنك خداعي.»
ضحك سيا بخفة وبدأ يضرب ذراعه بخفة محاولاً التحرر فابتعد عنه محاولاً التقاط نفسه، لكنه رفع رأسه مستنداً على ركبتيه وأضاف ضاحكاً بسرور واضح «أعدك، إني سأرسمك كما لن يفعل أحد يوماً»
شعر أريم بالرضى من ملامح رفيقه الواثقة فهدأ، شعر ببعض الفرح لسماعه ضحكه الصادق هذا، فقد تخطى أخيراً ما رأياه سابقاً.. إن رأى روح سيا ميتة ثانية كما كانت فسينهار هو الآخر.
لكن هذا الحدث قد انطوى، سيحرص على عدم تكرار خطأه ثانية، وسيحميه جيداً هذه المرة، لذلك سرعان ما ابتسم وقال مسترسلاً في ذكرياته عن الفترة التي افترقا بها «رأيت الكثير في المدة الماضية، أتعرف مثلاً كيف يصنع الكبريت؟»
اعتاد أريم على إخبار رفيقه بكل ما يشاهده خلال 'عمله' ، كان سيا مصغياً لحديثه بالطبع لكن عينيه زاغتا عن وجه رفيقه لتنزلا ببطء شديد حتى استقرتا على معصميه، اتسعت عيناه حالما رأى تلك القطعتين المعدنيتين الشبيهتين بالأصفاد في رسغيه، بالإضافة إلى جرحين كبيرين ممتدين أسفلهما كمن كان يحاول نزعها بقوة فزوى سيا حاجبيه ببعض الاستياء.
انتبه أريم لكون صديقه غير مركز معه، وقد عرف ما ينظر له فمد كفه ليغطي إحدى معصميه بكمه سريعاً فاستيقظ سيا من شروده مع صوت أريم المستاء «سيا..»
رفع أحمر الشعر يديه سريعاً وانسابت كلمات الاعتذار في عجل من بين شفتيه «آسف! لم.. أقصد..»
سيا من بين كل الناس يدرك كم يكره أريم رؤية أحد لتلك الأصفاد، ويمكنه أن يحزر أنه حطمها بعنف قبل مجيئه وهذا سبب تلك الجراح، لأن أريم لن يهتم سوى بكرامته، لن يهتم بجسده البتة.. كل ما عليه فعله هو تحطيم الأقفال التي تقيد حركته ليلتقي رفيقه بعد غياب أشهر.
والواقع أن سيا على علم تام بكل هذا، وإنه من المثير للاستياء فعلاً كون البشر لا زالوا يعاملون غيرهم بطريقة بربرية، قما كان منه إلا أن سأل بحزن طفيف «هل هربت ؟»
تنهد أريم بقلة حيلة من تعابير رفيقه، رأى أنه لابأس بالتحدث معه قليلاً ليخف قلقه الفائض هذا فجلس على أرض الحديقة المخضرة، صمت للحظات محدقا بالأشجار ثم رد بهدوء مغمضاً عينيه كمن يتحدث مجبراً «ذلك الرجل مع ابنته في هذه المدينة، يفترض أنني أنتظر انتهاءهما من الاستمتاع لأرافق الآنسة الصغيرة الغبية.»
ختم كلامه بانزعاج بينما ظل سيا صامتاً، صامتاً بطريقة تبين أنه يجمع أفكاره، لكن أيمكن لأفكاره أن تناسب شخصية أريم؟ كلا.. ذلك لن يحصل ابداً، إذن كيف سيرتاح خاطره وهو يعلم أن أريم يؤذي نفسه؟ باعد بين شفتيه لثوان حين قرر ما سيقوله، وكمن يشجع نفسه انتظر حتى نطق برجاء «أيمكنك أن تكون ألطف ؟»
كان ذلك أخف ما يمكنه قول دون أن يثير انزعاج أريم، فحتى إن لم يغضب منه صديقه فهو سيستاء بوضوح، لم يأخذ وقتاً ليفكر في ذلك السؤال أو جوابه حين رد بغير مبالاة «لا»
أطرق سيا رأسه محدقا بالأرض باستياء عميق، بينما أكمل أريم بصوت حازم «أنا لا أعتبر أحداً سيدي! لن أذل نفسي و لو على جثتي!»
لكن وجود تلك الجثة لن يكون مستحيلا إن واصل أريم عدوانيته فأغمض سيا عينيه ببعض الخوف متخيلاً ما سيشعر به لو تأذى أريم فعلاً، فالضمادات التي تغطي جسده ليست سوى نتيجة لعناده، لكن الأكبر بينهما ابتسم و أشار لنفسه قائلاً «تعلم سيا»
مد يده ليرفع رأس الفتى و أضاف بثبات «أبق رأسك عالياً! لا تسمح بخفضه حتى لو مت!»
«هذه العجرفة ستؤذيك، ما الذي ستستفيده من هذا؟!»
نطق سيا بانزعاج كبير من كلام رفيقه فضحك الأكبر ورد «لست نادماً! أستفيد أنني سعيد»
{أنت لا تفهم، هذا خطئي.. أنا جعلتك تعاني هكذا وواجب علي أن أقلق، إن قتلت نفسك بعنادك فلن أسامح نفسي أريم أنت لم تخلق لتكون عبداً بل أنا}
أبقى سيا كلامه لنفسه فرأس أريم أصلب من الصخر ولن يستمع له فقال مستسلماً «حسناً هل يؤلمك شيء؟ أو ترغب بأن أحضر لك شيئا تأكله؟»
حرك المعني رأسه نافياً، إذ أنه ليس بحاجة لتخريب تدريبه الاهم بتناول الطعام الآن.. وقال باهتمام «حدثني عنك، هل تأكل طعامك جيداً؟ هل وجدت مكاناً تبيت فيه؟ أنت لا تضغط على نفسك صحيح؟»
مد سيا يده لخاصة رفيقه فسحبه خلفه بينما يتحدث بملل «أنا بخير، مرتاح جداً أيضاً لكن أنت لست بخير»
و قبل أن يبدأ أريم اعتراضه كانا قد وصلا لكوخ بضواحي المدينة، حيث يقطن سيا مؤقتاً، يبدو أنه لم يكذب حين قال أنه مرتاح بكوخه فهو جيد ليعيش طفل به فشعر أريم ببعض الراحة، كانت أكبر مخاوفه ألا يتمكن سي من تدبر أمره بعد أن افترقا وبعد أن انفصل عن الزوجين.
كان الأكبر ينتظره عند باب الكوخ حيث اتجه سيا راكضاً يحمل بين يديه علبة الإسعافات الأولية التي يشتري ما بها بشكل دوري لأجل أريم وحده، فجلس سريعاً خلفه وقال بلهجة لم تخلو من الأمر «الآن انزع قميصك لأرى عملي»
تتغير شخصية سيا بسرعة في غالب الأحيان، طبيعته أن يتفاعل مع كل المواضيع بما يناسبها، لأنه شخص صريح وبسيط.. سيصر حين يغضب وسيبكي إن حزن و سيرتجف إن شعر بالخوف، وسيأمر بحدة إن انزعج.. إنه واضح و صافٍ تماماً كعينيه الواضحتين، فتنهد أريم بانزعاج بينما يبعد قميصه وتمتم باستياء «أين اختفى أخي اللطيف ؟ لم تبنيت هذه الشخصية المزعجة؟»
ضحك ذو الشعر الأحمر البارد بخفة لكنه واصل بتهديد خلف ابتسامته «أسرع وأرني»
عليه أن يعيد تطهير جراحه وتضميدها من جديد.. وقد اعتاد ذلك فعلاً، لكن أريم يقود نفسه للموت، نزع قميصه مجبراً لتبدو آثار الجلد الجديدة التي جفت دماء بعضها وجروح كثيرة عميقة فاتسعت عينا سيا بخوف، هل كان يسير ويعمل هكذا؟ ابتلع رمقه وحبس ارتجافه وشعوره المؤلم بالذنب الذي يقطعه ثم تحدث بانزعاج «صدقاً أريم.. أرجوك توقف عن إغضابهم!»
أخرج المخاطب لسانه ساخراً منه ومتجاهلاً لكلامه، فصمت سيا لبرهة.. ثم تحدث بنبرة رجاء واضحة لم تخلو من الألم «عليك أن تحافظ على جسدك أريم.. ألن تفهم ؟»
إن أريم لم يخلق ليفهم كيف عليه الاعتناء بنفسه، هو ولد وعاش كي يمنح الآخرين أفضل طريقة للعيش على حسابه ولا يمكنه تغيير هذه الخصلة بنفسه، إلا أن سيا تابع بهدوء «لأنك لستَ ملكاً لنفسك»
انتفض أريم فجأة حالما سمع تلك الكلمات، وحدق برفيقه بدهشة و بعض القلق لكن سيا ابتسم واستطرد «لأنك ملكي أنا، وستعود لتكون ملكي وحدي قريباً»
تلك الرياح التي تعبث بخصلات شعر كليهما بسطت جواً بارداً، جو مهيباً، هادئاً وخاصاً، مناديةً اللحظات القاسية التي عاشها الاثنان.. و التي كان ثمنها قلبيهما.
بالنسبة لأريم فتعجبه قوته التي يواجه بها كل ما يحصل ولم ينوي التخلص منها يوماً. يستطيع شمها قادمة، نوبات القلق تلك التي هو مدين لها، إلى الصلوات التي تنجيه من كل مأزق وراء غيره بأعجوبة والعناية الإلهية التي حظي بها.
ابتلع أريم رمقه واحتدت عيناه فجأة قائلاً بانزعاج «ليس ثانية، أنت لن تفعل شيئاً»
و فجأة هدئت ملامح سيا.. توقفت يداه عن الحركة بعد أن كان شرع بتضميد جراح رفيقه، صلواته الخاصة تنجيه من إيذاء نفسه على عكس أريم، متشبثا بنفسه و هو يهدي دعاؤه للذين تعجبهم حياته وسط جحيمهم المستعر، نداء لنفسه ونداء لمأساة لا يتمناها لغيره، إلى القسوة التي لا يرتديها.
فابتسم بخفة و قال «لن أقدر على شيء حالياً»
دافناً ما تبقى بداخل نفسه، ثوان صامتة كقلب كليهما مرت.
لكن أريم سرعان ما ابتسم بعدها وقال «نعم هكذا، دعني أتولى أمر كل شيء، وأنت عليك أن ترتاح»
مهما فكر الأمر فهذا ليس عدلاً ! هل لأن والديه طلبا هذا من أريم يعد حياته افضل من حياة الباقين؟ لكن كل من في هذا البلد يعرفون، انه على سيا العيش لأجلهم، وعليه البقاء حياً لإنقاذهم ! أردف أريم في محاولة لتغيير الموضوع وتبديل الهالة التي أحاطتهما «خذني بجولة الآن، لا تفكر في الأمر كثيراً»
حرك أحمر الشعر رأسه إيجاباً واكتفى بذلك، سارع بعمله لينتهي بما أن الجو بينهما تبلد قليلاً. حمد الله مراراً وهو يطهر جراح رفيقه أنه لم يتأخر عنه أكثر وإلا لكانت التهبت وصعب علاجها كما حصل سابقاً !
.............................................................................
الثانية بعد الظهر..
رفع سيا حاجبه بحيرة محدقاً بما يفعله رفيقه أعلى الشجرة فسأل «ما الذي تفعله؟»
كان أريم بأعلى الشجرة يستعمل أحد أفرعها الصلبة ليتشبث به، لكن بالمقلوب ! يداه حرتان و جسده يتدلى لأسفل بفعل الجاذبية وشعره الطويل لم يختلف عنها، لكنه أجاب بهدوء «أصفي ذهني»
سيتحول أريم يوماً ما لخفاش بنظر صديقه، فظل يحدق به بملل حتى أفلت ذو الشعر الأسود تشبثه وسقط على الأرض وعلى كفيه تحديدا لكنه وازن يديه ليظل على وضعيته المقلوبة رأساً على عقب، مستعملا يديه للتوازن على الأرض ابتسم بلطف وضيق عينيه الملونتين متسائلاً بمرح «ما رأيك؟ لم أتمرن أنا منذ زمن مثلما لم ترسم أنت»
امتلك أريم على عكس سيا جسداً متناسقاً رشيقاً، وقدرة بالغة على التوازن ترجع لسنوات تدريبه الطويلة، وقد كان هذا بغاية البساطة عليه، لكن سيا نفخ خده بعبوس وهمس استياء «مزعج.. أنا غيور»
ضحك أريم بخفة ليقلب نفسه ويستقيم ككل البشر ثم نفض يديه وهو يتحدث مواسياً رفيقه «ستتعلم قريباً إن تابعت التدرب»
واقترب منه ليضع يده على رأسه عابثاً بشعره المجعد وقال «وتذكر أنك لست بحاجة لتعلم ما فوق طاقتك»
حرك يده لجانب وجه الأصغر بروية، و ما إن سحب كفه حتى سحب معها منديلا غريباً ملوناً ظهر من العدم فأجفل سيا قائلاً «ما هذا؟!»
ابتسم أريم وكمن يعرض مهارته نفض المنديل الفارغ ثم وضعه على كفه وأغلق قبضته.. و حين فتحها صار داخل ذلك المنديل قلادة جميلة الشكل فقال بابتسامة «هذه هدية لك»
تلألأت عينا سيا المختلفتان في دهشة ليتحدث بإعجاب دفين باقٍ من روحه الطفولية البريئة «ثانية! كيف أخرجتها ؟!»
ابتسم أريم بخفة وامتنع عن إجابته كالعادة بينما يضع تلك القلادة بين يديه. سيا يرى هذه الخدع من صديقه منذ ولد ولازالت تدهشه في كل مرة! إلا أن وقته القصير سينتهي قريباً.
لكن هل لابأس فعلا ببقائه معه الآن؟ من المهم أن يسمح لسيا بعيش حياة لطيفة تزخر بحب الناس من حوله، إن واصل البقاء معه لفترات طويلة ربما ستسوء معاملتهم له.. لكن ما الجدوى من التفكير بكل هذا الآن؟
أحياناً تخطر للمرء أشياء غريبة، يخطر لك أن أحدهم ينظر لك بشكل مريب، لكن من أين يحص هؤلاء القوم على أخبارهم؟ إن الناس يكونون ودودين بالبداية، وخاصة هؤلاء الأجانب.. فبعد فتح الحدود واندلاع الحرب فإن الأجانب غزوا الجزر الجميلة في السايوري غير عالمين بخطأهم الفادح!
لذلك بدأ أريم يشعر بذلك القلق من إحساسه بأن الناس يتحدثون عنه وراء ظهره، و بدى له أنهم ينظرون إليه ــ على نحو ماــ بصورة متلفة كما لو أنهم سمعوا شيئاً، إشاعة ما، أهم الجويش؟ كأن أحداً يعرفه قد ذكر اسمه في هذا المكان، سيكون أريم في ورطة إن حصل هذا.. لكنه متأكد أنه لم يشعر بنظرات مألوفة تراقبه حتى اللحظة!
لكن لا معنى لإقلاق نفسه بهذا، فأمعن نظره، تأمل وجهه مُشبعاً شوقه لفترة بينما يقلب سيا القلادة بين كفيه مقدراً ثمنها حتى قاطعه أسود الشعر بحديثه المختنق الذي يصدر منه مخفياً استياء عميقاً، ومكرهاً أنبس «علي الذهاب»
كالعادة لا يمكنه أن يظل معه لوقت طويل، انقلبت تعابير سيا البهجة لأخرى بغاية الحزن، لا يمكنه أن ينعم بدفئ تواجد رفيقه الوحيد معه ليوم واحد حتى.. لفترات بسيطة، كان الأمر مؤلماً حد اللعنة، يشعر بقلبه ينقبض وينبض وصدره ينكمش، حتى أنه لا ينسى كيف يلتقط أنفاسه بعدها، ورغم ألم ذلك، فكلاهما يعتصران بذات القهر، إلا أن سيا ارتجف بخفة، ثم عض على شفته السفلى مجبراً وبحزن ابتسم ثم رد في هدوء «لابأس.. سـ.. أراك قريباً»
ختم كلامه باقترابه من رفيقه وضمه بقوة مودعاً إياه، كاتماً غيظه وحزنه العميق علة ذلك الاحتضان يوصل كل ما يتمناه لرفيقه، لأنه لم يكن من العادل أبداً أن يبتعدا عن بعض، فهمس أريم بخفة وهو يعانقه بقوة «لا تقلق.. سأكون بخير، اعتني بنفسك»
تركه وابتعد عنه ملوحاً، حتى صار يركض بسرعة ليصل في الوقت المحدد.
أما ملامح سيا فقد هدأت، لم تعتد مثل هذا الهدوء سوى بعد رحيل دائبها فوقف ساكناً سامحاً للرياح بالعبث بثيابه الرهيفة وشعره الناعم بينما يفكر بنفسه..
{علينا أن نودع بعضنا باستمرار، أن نتبادل الوداع كل حين.. بكثير من الصمت، بكثير من الحنو، بكثير من النظرات الطويلة نحو ظهر الشخص و نحو الأبواب. أن نألف الوداعات كما نألف أسرة نومنا، كل من يخرج و يغلق الباب خلفه قد لا يعود، كل من يلوح لنا و يدير ظهره قد لا يعود، كل من يذهب للمخبز في الصباح الباكر مبتهجاً بيوم جديد قد لا يعود لقهوته التي ستفيض على النار، أو المطبخ.. في عمق الليل.. فقط ليشرب، قد لا يعود أبدا إلى أحلامه! ووحده الصنبور سيظل يقطر!.. كل من ينظر لي بحنو وينام بعد أن يقول كالعسل «تصبح على خير» قد لا يستيقظ أبداً! كثيرون خرجوا مبتسمين و لم يعودوا في المساء.. ولا في أي مساء}
أخذ نفساً عميقاً والقلق يسوده، لم يكن من الممكن عدم الشعور بالقلق، كان عليه أن يفكر كثيراً، والواقع أنه أخذ يتذكر.. السايوري الخضراء، أشعة الشمس الصافية، والدته اللطيفة هانا التي تمسك يده وتمنعه من الاندفاع بتهور، ديفران القاسي وأريم الذي لطالما كان مطيعاً له بطريقة فظيعة.
كان يقول لها {هو قاسي! وهذه ليست حياة يمكنه عيشها!}
تخفض أمه بصرها وتنظر إليه، تلتقي عيناهما في لحظة، فتضحك بخفة على ملامح وجهه الطفولية ثم تقول في بهجة ونعومة «أريم سيكون بخير»
حين العودة لتلك الأمسيات الروتينية من تذمر سيا الذي لا ينقطع، فإن الحياة التي كان يعيشها أريم كانت رائعة.. كانت مثالية، لكنها انقضت ولا يمكن الرجوع إليها، أمه بخير الآن، ولن تتعب ثانية.
وفي محاولة يائسة له كان يحاول تشجيع ذاته على المتابعة رغم مداهمة حرارة مفاجئة لعينيه {لابأس .. سينتهي هذا قريباً}
شعر سيا فجأة بأشخاص يحدقون به فاستدار للخلف سريعاً، وإذا بثلاث صغار قادمين نحوه على عجل، وبسيدة تسير خلفهم بهدوء! لقد نسي أمرها كليا، الخالة رافي تعشق التدخل بغير شؤونها، مسح عينيه مسرعاً وابتسم مرحباً بها عبر حديثه اللطيف «أهلاً سيدة رافي،كيف حالكم؟»
ابتسمت السيدة محدقةً بطفلها وطفلتها اللذان يضمان سيا بسرور ومرح بينما يتحدث أكبرهم باسماً «أهلاً سيا، تعمل كالعادة؟»
أجابه المعني بإيماءة بسيطة، من المدهش كم أن لسيا أثراً طيباً في نفوس القوم حوله، و قد أحبه أطفال الجزيرة الجدد كثيراً. لكن السيدة ليست راضية على كل شيء سبق وشاهدته هنا فقطبت حاجبيها وقالت باستياء لا يخلو من توبيخ معهود في نبرة الأمهات «ألازلت تتسكع رفقة ذلك العبد؟»
اختفى لمعان عيني سيا فجأة محدقاً بها ما إن تسللت كلماتها لمسمعه، وهي واصلت بقلق «ستجلب لنفسك المشاكل بصداقة عبد مثير للمتاعب، هو لا يستمع لأسياده.. وسمعت أنه يسرق من بيتهم أيضاً سيا»
أنصت الفتى أمامه لكلام أمه ووافقها حيث استطرد قائلاً «لم لازلت تدعه بقربك؟ لا أعتقد أنك بحاجة لصديق مثله»
قد تكلم فيما يبدو وكأنها نصيحة قلقة من مقرب، فإن كان سيا بحاجة لأصدقاء فعدد المرشحين لهذا كثير جداً، وإن كان يرغب بأسرة أو يرغب بالمزاح فالحصول على هذا بنظرهم سهل جدا لفتى وديع مثله، لكن الأمر مختلف! أغلق سيا شفتيه بقوة عما ينم عن تفكير، أو بالأحرى كبت لكلمات لا يرغب بالإنباس بها، ثم بدى أنه يحاول تجميع نفسه، حتى تحدث ببرود «هو ليس صديقي»
انطلق ذلك الاعتراف بحدة من بين شفتيه مؤكداً، فابتسمت السيدة بخفة ورضى ثم ردت بما أرادته بحضورها «هذا ما اعتقدته، يمكنك المجيء لتناول الفطور عندي صغيري»
ظل سيا صامتاً.. وبرود عميق على محياه، ودعه الفتى ذو اسم جايرون بابتسامة وذهب هو وشقيقاه الصغيران، بينما ضل سيا يحدق بأثرهم بهدوء مدرك أنها هي وابنها لا يبحثان عن إساءة وأنهما قلقان عليه فقط.
الحقيقه انه لا يبالي، هو ليس بحاجة لقلقهما، يعرف أن تلك المرأة تعتني به وحسب. لكنه لم يكذب حين قال أن أريم ليس صديقه، هو لا يعده صديقا حتى !
واصل السير باتجاه أغراضه بنية جمعها، بينما ظهرت ابتسامة خفيفة على شفتيه متذكراً احتضانه لأريم اليوم.. هذا كاف له حتى الأشهر القادمة. وبما أنه بخير فسيتمكن من النوم أخيراً! استطاع إخماد قلقه عليه أخيراً.
شعر بالجو يظلم و قد تظللت الحديقة، رفع رأسه للسماء و ظل محدقا بتعكرها المفاجئ.. انقلاب الجو السريع هذا ليس جديداً عليه.. لا بل هو يعرفه تماماً، وتلك الغيوم السوداء تتجمع في الأفق.. ثم رائحة الدماء التي وصلته من بعيد مع نفحة البارود الخفيفة التي لا يمكن لغيره تمييزها !
صورة حجرين لامعين لمعا بعقله، فبدى كما لو أنه غاب عن الدنيا، وبدأت ذاكرته تستعرض له صور الرموز، صوت قطرات الماء تعالى، انعكاس وجوههم على مياه البحيرة الصافية كأنها المرآة الأنقى، ضحكات الأطفال.. الحجر وهو يضيء.. يضيء.. يضيء ثم يختفي و بطريقة سحرية لن تصدقها مالم ترها !
وكأن شيئا ما ينادي، يرتفع صوته كصدى عقيم بداخل نفسه، كضربات قلب شيء غير حي، فقط تشعر بالانقباض.. ثم تسمعه يتهادى برتابة كمن يناجي، مرة بعد الأخرى.. لا يكاد ينتهي حتى يعاد من جديدة، دورة لا تتوقف كدورة الشمس والقمر، هذا اللحن الصامت بالفعل مؤلم!
ولوهلة أنار جبين سيا بخطوط تبدو كزخرفة مشعة بلون أزرق سماوي.. ثم لم يكد يعود لوعيه وتركيزه حتى اختفى البريق!
لكنه وعلى الرغم من الخوف الذي يشعر به أحكم الإغلاق على قلبه الخائف المهتز، وابتسم بقلق هامساً «أحب فيَّ هذا»
بهدوء سار مبتعداً عن الحديقة العامة.. هو يحب بنفسه أنه لازال وعلى الرغم من الحوادث الكثيرة يستنكر عتمته كأنما النور فيه أصل! لن يسمح لسواد غيمتين بإرباكه ثانية.
ومن الجدير بالذكر أنه ليس الوحيد الذي ينظر لتلك السماء، فقد احتدت عينا ذي الشعر الأسود الطويل من الناحية الأخرى للبلدة وهو يحدق بمصدر الغيوم السوداء، سمع صوتاً رجوليا فظاً يأمره بقسوة «احمل أغراضها وتحرك بسرعة !»
همهم أريم دون اهتمام إلا أنه ينفذ وبصره معلق على السماء، فبدأ عقله يحيك الخطة القادمة متنبئاً بما سيحصل ومفكراً فقط بسيا..
«قد نلتقي ذات يوم بين طيات كتاب، و قد يجمعنا بيت شعر، و قد تراودنا نفس الفكرة عندما يسمع أحدنا اسم الآخر، و قد أدعو الله ذات ليلة فتمطر سماؤك صباحاً
قد نلتقي في أماكن أخرى أقل منطقية و أكثر اتساعا، هناك حيث لا الواقع عائق و لا العاطفة كارثة و لا المستحيل مستحيل.. هناك لن يكون غيرنا نحن و ستكون الحقيقة .. هناك نكون كلانا حرين، لكن الآن.. لا بأس بابتعادك.. عليّ حمايتك!»
.............................................................................
كان جالسا بطاولة ليست طاولته وبمنزل لا يشعر فيه بالانتماء البتة على الرغم من محبته لتلك الأسرة الصغيرة، كان شارداً في أمر ما يعرف تماما حصوله. وبينما السيدة تطعم طفلتها الصغيرة التي جعلت المكان كله في حال فوضى.. و جايرون يساعد شقيقه الأصغر على شرب عصير، ووالدهم صامت باسم، بلغت أفكاره حدها وامتلئ بها دماغه فتوقف عن تناول ما أمامه فجأة وظل شارداً حتى همس «خالة رافي، لو أخبرتك أن تهربي من المدينة.. هل ستصدقينني؟»
حدقت السيدة به باستغراب وزوجها حائر في حديث الصغير حتى أضاف «سيهاجمون هذه المدينة أيضاً، عليكما الهرب»
ضحكت السيدة بخفة وقالت بلطف بينما تسمح وجه ابنتها المستدير «أنت فعلاً خائف سيا.. لا تدع أمرهم يشغلك هكذا»
ابتسم زوجها وأضاف «فقط الخوف منهم سيجعلنا نهرب من كل بيت سيا لا تفكر بهم، الحراس منتشرون على الحدود كيف سيدخلون؟»
ليس و كأنها أول مرة لا يصدقه فيها أحد، حتى لو أصر على حديثه فهذان الاثنان لن يفهماه البتة فأطرق برأسه بينما تتحدث الطفلة بمرح «لا تخف أخي! ابتسم!»
ابتسم سيا بخفة محدقاً بها وقلبه ينقبض بألم ! هذه الصغيرة البريئة لن تتحرك من مكانها مادام والداها لا يصدقانه، ابتعد عن طاولتهم بهدوء.. وقف عند باب غرفة الطعام وكرر برجاء واضح «رجاء..أهربوا سريعاً، أعني كلامي فعلاً»
خرج من منزلها مسرعاً بعد ذلك وسلك الطرقات الضيقة ليطرق على كل باب كوخ صغير فيها بقوة عدة مرات واستمر في الركض للبيت الموالي، وفعله ذاك أخذ استجابته فقد خرج من تلك الأكواخ المتداعية العديد من الأطفال، كل منهم له إخوة أصغر أو أكبر! جميعهم استجابوا لنداء سيا ببساطة! لكنه لم يضيع الوقت بالتوقف لأحد آخر!
وصل سيا إلى كوخه في النهاية وسارع بجمع أغراضه، لم يضيع ثانية واحدة واختار أهم ما يحتاجه ليضعه بجيوبه وحقيبة ظهره، ارتدى معطفه السميك وسارع لوسط المنزل! أبعد عنه السجادة المهترئة ليرفع قطعة من الأرضية الخشبية حيث هناك حفرة بداخلها ونزل ليتوسد الأتربة ويغلق على نفسه مختئباً! وظل كذلك لفترة.
كل ما رغب به أثناء اختياره لهذ الكوخ من أجل السكن هو منزل مبني فوق التراب وأرضيته خشبية يمكن اقتلاعها، ليصنع مخبأ صغيراً له!
ظل هناك صامتاً لا يصدر صوتاً، صامتاً بانتظار الكارثة.. هادئاً بانتظار العاصفة!
أغمض عينيه مفكراً باستياء {إن بدء ثانيةً.. أين سأذهب هذه المرة ؟ سأبتعد عن أريم أكثر..}
ولهو صابر مثالي.. ومتنبئ ممتاز.. فبعد انتظار أكثر من نصف ساعة من الزمن هو لم يمل، هو لم يسأم ولم يتحرك ولم يخرج! ليس بحاجة لفعل شيء آخر..
وقد ارتفع الصراخ فجأة!.. لم يكن قادراً على إقناعهم بأن أحداً قادماً، ليس وكأنه لم يحاول من قبل إلا أنه غير قادر على إنقاذ أحد! فمن سيستمع لطفل يقول أن عليهم إخلاء المدينة سريعاً بسبب حدس أو دخان ؟ سيوفر طاقته للهرب الآن. أغمض عينيه بقوة ومد يديه ليغطي أذنيه تماماً رغبة بمنع أصوات الصراخ من الوصول إليه.. رائحة الدخان ملأت المكان وصوت الشاحنات الدخيلة ملأت البلدة!..
لكن وسط انتظاره المرير فتح الباب فوقه وتسلل النور لتلك الحفرة فرفع سيا رأسه لأعلى بروية.. هناك حيث رأى أريم يقف ويتنفس بسرعة! يلهث بعد أن أتى بأقصى سرعته بعد أن استهلك رئتيه وهو قادم.. ابتلع الأكبر رمقه وابتسم قائلاً بهدوء «تعال، لنذهب»
همهم سيا إيجاباً بحزن عميق.. إن أريم يأتي للمرة الألف ناحيته، مد داكن الشعر يده ناحيته لينتشله من الحفرة ثم سحبه خلفه بسرعة راكضاً.. وهذا جعل سيا يتذكر، الوعد الذي قطعه له قبل سنة من الآن، العبارة التي لن تذهب من ذاكرته والتي ستقيد سيا بامتنانه لهذا الفتى العظيم.. فحين كان قد فقد كل شيء وجده يتحدث بدفئ.
{أنا هنا حين تخونك الشوارع و الطرق، حين تفقد القدرة على فهم الأشياء من حولك و تغدو بلا وجهة أو أصدقاء.. هاك كلي، و اتكئ}
ركض سيا خلف رفيقه مجتازاً البنايات المحترقة المحطمة، والأطفال من مخابئهم خرجوا حالما رأوا الاثنين حتى تبعوهما سريعاً راكضين جميعاً، متجاوزين من يصرخ على الأرض بخوف ومن تبكي على ولدها ومن يصرخ بألم لما يلاقيه
متجاهلين اللون القرمزي الكثيف الذي طليت به المدينة، وترنيمات القهر والألم التي ملأتها في لحظات بسيطة، لكنه لم يستطع ألا يتوقف حين رأى تلك المرأة بين الحطام.. تلك المرأة التي دفنت بين الأنقاض وظل جزء بسيط فقط منها واضحاً للعيان فهمس «سيدة.. رافي..»
حرك رأسه ببطء للجانب وهو متوقف بينما أريم يحدق به بقلق، هناك جثث الأطفال الثلاثة مكدسة فوق بعضها.. و أخوهم الأكبر جايرون يلف يديه حولهما عله يحميهما.. لكنهم الثلاثة ذهبوا ضحايا لما شوه أجسادهم.. لتلك الطلقات النارية الثقيلة التي ملأتهم بالثقوب!
ابتلع سيا رمقه بهوء وحدق به بلا تعابير معينة لأن دواخله اضطربت حالما رأى جثثهم وقد كان يتناول الطعام معهم منذ ساعة.... لكن أريم سرعان ما سحبه وعادا للركض، ثم سمعا صوت إطلاق النار، سمعا صوت الشاحنات تتحرك وأصوات الرجال يتحدثون بتلك اللغة المشؤومة.. فامتلئ بالحزن!
{و على سيبل الهلاك.. لقد سلبتم منا جميع سبل الهروب من لعنة الانشغال بكم.. متى تأتون ومتى تخرجون.. متى تضربون و متى تسامحون.. متى تغلقون الطرق ومتى تفتحونها.. أكاد أفقد الأمل.. أزهرني التبلد .. نحن نشبه الشجرة الخريفية عندما تسقط جميع أوراقها و تبدو عليها ملامح الاستسلام..}
باستسلام تحرك سيا وركض.. محاولاً استيعاب موت تلك العائلة اللطيفة، ومفكراً بذنبه العظيم وإنقاذه لنفسه الآن، فتحدث أريم وسط ركضه «لم يكن خطأك، لم يكن عليك رؤية هذا.. تابعوا الركض !»
ختم كلامه صارخاً مخاطباً الصغار الخائفين خلفه.. من يحتمون بظله، همهم سيا بهدوء وحزن عميق لكنه سرعان ما شعر بأحدهم خلفه! والحقيقة أن بعض الرجال ممن يتسببون بهذه المجزرة في الأرجاء استطاعوا رؤيتهم فأخرج البعض أسلحتهم للحاق بهم! وبغية حماية الجميع توقف أنضجهم، أريم أخرج خنجريه من جيبه ووقف خلف سيا مواجهاً إياهم ثم صرخ «اذهب مباشرة! سأحميك!»
ابتلع سيا رمقه ببعض الخوف إلا أنه لن يؤخر أريم بعد أن تكلف عناء الهرب لمساعدته فشد على قبضته بقوة وهرب راكضاً متفادياً الحرائق المزروعة بكل مكان وصرخ «لا تتوقفوا!»
مباشرة ناحية الغابة بأطراف القرية حيث هو قادر على الاختباء، ركض وركض.. حياته بالفعل تعتمد على ذلك!
وأريم وفر لهم الحماية كما يجب أن يكون فقد اعترض طريق كل من صوب سلاحه نحو الصغير، بكل شجاعة وقف أمام من يحمل البندقية والمسدس، صغر حجمه ورشاقته ساعداه في أن يكون بنقاطهم العمياء دائماً ومنعهم من التصويب، وأعطاه الأفضلية في الهجوم!.. لم يهب صوت الإطلاق ولا الموت وهو يمنحهم الوقت للهرب!
{إن أريم ليس صديقي..}
بهذا فكر من يركض ويتجنب الأشجار في الغابة،
{إن أريم ليس صديقاً لي ..}
كلمات تلك السيدة التي عاش جاراً لها لأشهر لم تتركه، ونظرة العالم نحو صديقه العبد غير المطيع، صديقه الذي يملك دماء أغلى من دماء الكثيرين، صديقه التي تجري فيه دماء نقية من الأروجيريا، من المحرم التفكير بأن المتوحشين من أمثالهم يمكن أن يستعبدوا.
استقر على الأرض تحت جذور شجرة عملاقة، وحاول جاهداً سحب أنفاسه السريعة.. وانتظر لفترة.. دقائق ودقائق، حتى ظهر أريم بالقرب منه فابتسم سيا براحة، بينما الصغار المختبؤون خرجوا من مخابئهم كذلك ليكملوا السير خارجاً واثقين ألا أحد قادر على اتباع أريم.
.. افترقوا بعد وداعات حارة ليأخذ كل ذويه وأقرب الناس له وينطلقوا مبتعدين ممتنين.
إلا سيا..
{ليس صديقي، كيف أجرؤ على تسميته بمثل هذه العلاقة السطحية و هو عميق ؟ إن أريم بطلي، هو كل عائلتي.. هو أكثر من أخي، لطالما كان أريم نوري الوحيد}
ابتسم براحة حالماً لم يرى عليه سوى بضع خدوش و جرح نازف على وجهه فقال «أنت متهور كالعادة»
ضحك المعني بخفة وهو يساعده على الخروج من مكان اختبائه ثم أردف متفحصاً إياه «وأنت بخير.. هذا ما يهم»
مد سيا يده لجانب وجه رفيقه ببطء يمسح ما تجمع من دم على خده وقال «يمكنني أن أحزر أنك هربت.. رجاء كن بخير»
حرك أريم رأسه إيجاباً وأبعد يد أخيه برفق ليضع بها حقيبة صغيرة ثم قال بجدية «واصل المسير شمالاً من هنا، لا أحد من الجنود يحيط هذه الطريق.. وضعت لك هنا خريطة اتبعها للمدينة التالية هل فهمت؟ لا تغير الطريق مهما حصل»
حرك سيا رأسه إيجاباً، فهو سيثق بأريم حتماً.. الذي ينقبض قلبه بألم، فلو كان حراً كما كان لاستطاع إيصاله بأمان.. أما الآن فقلبه ينهش بقلق.. لكن سيا ليس طفلاً غير قادر على الاعتناء بنفسه فسيوكله بهذه المهمة!
بالنسبة لذي الشعر الأحمر فهو يدرك أن جميع عبيد سيده مقيدون بصاعق، حالما يبحث عن أحدهم ولا يجده سيصعق.. وإن حاول أحدهم التخلص منه فسيصعق كذلك.. لا أمل لأريم بالهروب الآن!
لكن أريم نزع من عنقه قلادة مميزة مزينة بحجر صغير بديع الشكل، أعطاها له وجعله يمسك به بكفيه بقوة وهو يوصيه بثبات «خذ الرموز، عليك إعادة رمزي لي أتفهم؟ أنت الوريث فاهرب وابقى آمنا مهما حصل»
ابتلع المعني رمقه وعاد للخلف خطوة، تحدث بابتسامة واثقة «لا تخف.. سأكون بخير، إلى اللقاء»
إلى اللقاء.. من أصعب الكلمات التي تفصل بين هذين الاثنين أخذ سيا طريقه وذهب تاركا أريم يحدق بأثره بحزن عميق.. وغضب كبير يشتعل بداخله جعل عينيه تشعان بلونين مرعبين!.. متعطشاً لدمهم أخرج خنجره الثالث ليضعه بفمه والاثنان بيديه وعاد للبلدة!
لا يوجد من هو قادر على تجنب رصاصهم مثله لذا لن يغادر قبل نحر عنق اثنين أو ثلاثة ويبدد غضبه قليلاً، لكنه لا يمكنه التمادي في ذلك كثيراً..
.............................................................................
وبمكان آخر.. ببلد آخر مختلف عن بلدهما.. جلست تلك الفتاة على المكتب بصفها بهدوء مريب، أعادت خصل شعرها الطويلة المسودة خلف أذنها وهي تفكر.. وضعت ساقاً على الأخرى وفي ذلك الصف عدة أشخاص لا يقلون عن السبعة بانتظار بداية كلامها.. وهي سرعان ما افترت عن ابتسامة ماكرة.
في عينيها الفحميتين اختزنت مكراً كبيراً وحقداً لا متناهياً أشع منهما، أخذت نفسا عميقاً ثم تحدثت بمكر «لم لا نجعلهم والقرود سواء بنظر الناس ؟ لم لا نجعل كوابيسهم حقيقة ؟»
بدأت الابتسامات تشق طريقها لجميع الجالسين فبدأ الشبان بالاعتدال بينما أكملت المجنونة بابتسامة «لم لا نفعل ما لا يقدر البالغون عليه ؟ لم لا نستدعي الشيطان إلى هنا ؟»
ضحكت الفتيات بخفة بينما رفعت هي صوتها مخاطبة إياهم «عروس الزهرة ستقدس دائما الموعودة! عروسنا السايوري وكل ما فيها شريف!»
وهنا تم الاتفاق على ما سيحرك العالم للناحية الأخرى!
..............................................................................
في الحقيبة وجد ذلك الطفل الكثير من القطع النقدية وخريطة إلى جانب معدات صغيرة هو بحاجة لها، ابتسم بخفة رغم حزنه لمعرفته أن صديقه قام بسرقتها لأجله. رفع رأسه للسماء كأنه يناديه..
التقت عيناهما المتشابهتان ببعض في تلك السماء بنفس اللحظة، فقد أخرج أريم خنجره من عنق رجل آخر استطاع مباغتته بنجاح، مسح الدم الذي تجمع على وجهه منادياً نصف روحه البعيد عنه الآن..
لكن الرجل الآخر الذي استطاع مباغتته في مكان معزول لازال حياً مصاباً بطريقة لا تسمح له بالحركة فتقدم الصغير الملقب بالوحش نحوه بثبات ليسأل بغضب «هل ستتحدث أو لا؟ كم هم؟ وأين هو؟»
بدى الرجل حانقا أنه قد تمت هزيمته من قبل طفل صغير لكنه يعرف من الطفل الذي أمامه لذلك نطق بكلمات بلغة غريبة لم تكن مفهومة فوجه له أريم لكمة أخرة أكثر قوة ليتحدث بحقد «أتتجرأ وتتحدث بهذه اللغة أمامي، أخبرني حالاً أين هم؟!»
وكل هذا بدء في مثل هذا التاريخ، قبل ثلاث سنوات.. كل ما يحصل من مجازر وترويع في البلد بدء قبل ثلاث سنوات.. والحياة التي أجبر أريم وسيا على عيشها، بدأت قبل ثلاث سنوات.
يتبع...
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top