الفصل الثاني

في صباح اليوم التالي نهضت من فراشي على صوت طرقات متتالية مزعجة صادرة بسبب قرع أحدهم على باب غرفتي بقوة نهضت بتكاسل لأرى أن الساعة لا تزال الرابعة فجراً !

قلت بصوت ناعس لكن مرتفع :" قادم "

ما إن وضعت قدماي على الأرض حتى شعرت برغبة عارمة بتجاهل ذلك الشخص الذي كان يطرق الباب منذ قليل والعودة للنوم ولكن هل يوجد حقاً شخص عاقل يوقظ أحدهم بهذه الطريقة !؟

سمعت صوت مألوف وهو يتحدث :" ألن تفتح هذا الباب اللعين أم ماذا ؟ "

شهقت بشيء من الرعب لأتحرك بسرعة من مكاني وقد تناسيت تماماً رغبتي بإكمال النوم لأفتح الباب وأنحني بهدوء لجدي الذي رمقني بشيء من الحدة وهو يتحدث :" وأخيراً أجبتني كدت أن أوقظ جميع من في المنزل لأجلك ! "

تمتمت بداخلي :" ولماذا توقظني أنا وتقتحم غرفتي بهذه الطريقة ؟"

كان ينظر لي بكل كبرياء قبل أن يتحدث مجدداً وهو يجلس على المقعد الخاص بمكتب الدراسة :" إذهب واستحم ومن ثم تعال لمكتبي وارتدي ثياب تليق بأبناء أسرتنا "

قطبت حاجباي بهدوء لأجيبه بإرتياب :" ولماذا ؟"

نهض بقوة ليتحدث من بين أسنانه :" أنظر لنفسك جيداً ، أي فتى بمثل عمرك يعاني مثلك ولاسيما من طبقتنا الإجتماعية ؟! أنت قطعاً لن أسمح لك بفعل ما تشاء بنفسك "

لا أخفي أنني شعرت بالإنزعاج الشديد لتدخله بأموري ولاسيما أن عيناه باردتين كالثلج ولا يبدوا عليه القلق بشأني أبداً ، أعني لا أحد يعلم ماذا يفعلون بي عند غضبهم ومن ثم يتساءلون عن السبب الذي جعلني منعزل عن الآخرين و سريع التأثر ، تحدثت بتردد كبير :" ماذا تنوي أن تفعل إذاً ؟"

أجابني بنفاذ صبر :" لن تخرج من المشفى إن لم يصل وزنك للخامسة والستين ، بحق الإله لا يوجد شخص بمثل عمرك وزنه لا يتعدى السادسة والخمسون "

شعرت بتلك اللحظة وكأن شخصاً ما أنتزع روحي مني ! تراجعت للخلف بكل هدوء لأتحدث بشيء من الخوف :" لا ، لن أذهب "

تقدم بإتجاهي وهو يستند على عكازته الخشبية والتي كانت تمتلك رأس حديدية على شكل كرة ، وما إن كاد يقترب مني حتى رفع تلك العصا وضربني بها بإستخدام الكرة الحديدية على كتفي ليتحدث بشراسة :" لا تعارض أوامري أتفهم ؟ أمامك ساعة فقط لترتدي ثيابك وتأخذ معك ما تحتاجه ! وإلا سأجعل إبناي يتفاهمان معك "

غادر بعدها الغرفة ليتركني جالس على أرضيتها بينما أشعر بألم فظيع بكتفي حتى أنني غير قادر على تحريكها ، بتلك اللحظة تمنيت ومن كل قلبي أن يموت هو وابناه وكل هذه الأسرة وأنا معهم .

بعد عشرة دقائق تقريباً نهضت بصعوبة وأنا أمسك بكتفي المصاب لأستحم بمياه باردة كالجليد وما إن إنتهيت حتى وقفت أمام المرآة لأنظر لكتفي المُزرق بسبب تلك الضربة تنهدت بهدوء وغادرت المنزل بأكمله حتى لا يراني أحد ، أدرك تماماً أنهم سيجبرونني على الذهاب للمشفى وإن قاموا بكسر قدماي ويداي !

ولكنني أفضل الذهاب للمدرسة أولاً وإن كان ذلك يعني غضبهم ، ليس وكأن حياتي المدرسية أفضل فأنا سيء للغاية بالإنخراط مع الآخرين ، بل فقط بارع بجمع الأعداء من حولي وأكبر أعدائي هو شاب بفصلي إسمه هو آريان شخص متكبر ومغرور كما أنه غني للغاية كأسرتنا لذا يتنافس معي بكل شيء ودائما ما يفشل بالحصول على المركز الأول بالرياضة لاسيما ركوب الخيل و القتال بالسيف وهاتان الرياضتين هما الأهم بعالم النبلاء وإن كان زمن الفارس النبيل قد إنقرض منذ زمن بعيد وتفشى تطور هائل بالعالم إلا أن النبلاء والأغنياء لازالوا يحبون التباهي بهذه الرياضات .

كما أنني أحصل دائماً على المركز الأول بمادة الرياضيات على عكسه فهو سيء بها ، وما يغيظه أكثر هو تجاهلي الدائم لكلامه ، بالرغم من أنني أفعل ذلك من أجل تجنب حصول أي مشكلة !

بكل حال وصلت للمدرسة وكالعادة اتجهت لمقعدي في المقدمة فأنا حقا أكره الجلوس بالخلف و عند النافذة حتى لا يتشتت ذهني أثناء الدراسة ، تنفست الصعداء وقد إسترخيت بمقعدي أكثر بينما يتقدم آريان مني بكل كبرياء وغرور يحمله وحقد شديد يخرج من عيناه العسليتان ، ليتحدث بكل إزعاج :" أنت ! أخبرني فقط ما فائدة وجودك بهذه الحياة ؟"

كالعادة تجاهلته وأشحت بوجهي لجهة أخرى .

~آريان ~

غضبت من تجاهله لي لذا صرخت بقوة وأنا أمسك بكتفه بقوة شديدة وكأنني أرغب بتحطيمه:" هي أنت أترغب حقا بالموت لهذه الدرجة ؟ "

أجابني ببرود شديد :" إفعل ما يحلو لك "

ثم أشاح بوجهه عني بينما يده تبعد يدي التي تضغط على كتفه بقوة ، شعرت بغيظ شديد لأبتعد عنه وأنا أفكر بطريقة مؤلمة للإنتقام منه !

~كلارنس ~

إنه مزعج للغاية لقد تسبب بزيادة الألم الموجود بكتفي ، وضعت رأسي على مقعدي حتى أتفادى نظرات الطلاب والتي كانت مستاءة مني بسبب برودة تصرفاتي .

دقائق قليلة مرت قبل أن يدخل الأستاذ المسؤول عن فصلنا ومعه شاب يمتلك شعر أشقر وعينان زرقاوتين كالسماء بيوم صافي ، عرف عن نفسه بكل مرح وقبل ان يتحدث الأستاذ بأي كلمة :" إسمي هو كين كنت أدرس دراسة منزلية بسبب بعض الظروف العائلية، أتمنى أن نصبح أصدقاء جميعاً "

لا أعلم لماذا حدقت به وقد شعرت بالاستغراب منه ، أعني شخص درس بالمنزل لماذا يمتلك مثل هذه الشخصية اللطيفة والإجتماعية ؟

أجفلت عندما رأيته يجلس بجانبي وقد مد يده لمصافحتي ليتحدث بمرح :" يسعدني الجلوس بجانبك ، لنكن صديقان جيدان "

مددت يدي له بكل توتر وقلق :" اسمي هو كلارنس " ومن ثم أشحت بوجهي عنه .

~ كين ~

شعرت بقليل من الإستغراب عندما أشاح بوجهه عني بهذه الطريقة ، بكل حال أبعدت نظري عنه لأنظر للفصل بأكمله وللطلاب .

أوقفت نظري عند آريان ليبتسم لي بتكبر و خبث كعادته،  لذا أعدت نظري للأستاذ ولم تمضي عدة دقائق حتى صدح صوت المدير يطلب من كلارنس الغريب أن يحضر حقيبته ويغادر بسبب تواجد أسرته ، ومن كان سيصدق أن أحد النبلاء ومن أسرة ثرية كأسرته يمتلك تلك الشخصية الضعيفة !

فهو تنهد بكل قلق ومن ثم بدا من الواضح على وجهه أنه منزعج ويحاول التهرب من نظراتنا نحوه فمازلنا بالحصة الأولى و من الغريب قدوم أحدهم لإصطحابه بهذا الوقت المبكر إلا إذا حدث أمر سيء .

~ كلارنس ~

علمت أن حياتي قد إنتهت فهم الآن حقاً يشتعلون غضباً ولاسيما أنهم لم يصبروا حتى إنتهاء اليوم الدراسي .

وما زاد الأمر سوء هو نظرات الطلاب والأستاذ الحائرة والفضولية ، أخفضت رأسي وأكملت السير للخارج وما إن وصلت لمكتب المدير حتى كاد خالي الأكبر أن ينقض علي متناسياً المدرسة والإعلان وكل شيء آخر إلا أنه بالنهاية إكتفى بصفعة قوية أجبرت وجهي على الإلتفاف لجهة أخرى وقد شعرت بوجنتي التي تلقت الصفعة بأنها تحولت لقطعة مشتعلة من الجمر وبالرغم من ذلك فقد أظهرت ملامحي الغير مبالية بينما المدير يتحدث بعتاب لي :" ما كان عليك جعل أسرتك تقلق عليك لهذه الدرجة ! إن لم تكن بخير فعليك لا تأتي للمدرسة ، يجدر بك الإهتمام بصحتك أولاً  "

أفرجت عن إبتسامة ساخرة لأبتعد عن المكان برمته وأتجه للسيارة متجاهلاً الجميع بالداخل ، بالنهاية والآن لا يمكنهم فعل شيء لي بما اننا متجهون للمشفى إلا إن قرروا أخذي للمنزل أولا لتحطيم عظامي بالكامل .

~ كين ~

بالرغم من أنها كانت المرة الأولى التي ألتحق بها للمدرسة فعلياً فأنا شعرت بالملل الشديد جراء حديث ذلك الأستاذ ، إلا أنه وما إن إنتهت تلك الحصة حتى تقدم مجموعة من الطلاب نحوي وبدأ كل واحد منهم بطرح أسئلة مختلفة ك :" هل أحببت المدرسة ؟" ،:" هل هذه أول لك بالمدرسة ؟" ، :" هل أنت مريض بالقلب ؟ " .

والكثير غيرها للحقيقة لقد إنزعجت منهم إلا أنني رسمت إبتسامة واسعة على ثغري لأجيب بمرح :" وكيف سأرد عليكم جميعا وأنا نسيت كل الأسئلة ؟"

ضحكوا جميعاً لأشاركهم الضحك ولكن فجأة تقدم آريان مني ليتحدث بإبتسامته الخبيثة :" كين لا تعقد الكثير من الصداقات هنا ، عامل الجميع بسطحية وأختر لنفسك صديق واحد سواي "

قالها بصيغة آمرة ليغادر بعد أن أخفضت رأسي ونطقت بهمس :" أمرك "

بقي الجميع يتهامس بشأن ما حدث إلا أن نطقت بمرح كالعادة :" لا تهتموا بما حدث قبل قليل فصديقي آريان شخص متحفظ ويفضل أن يكون أصدقائه ملكه هو "

نطقت إحدى الفتيات بإستياء شديد :" تعني أناني صحيح ؟"

إبتسمت لها لأجيب :" إنه صديق طفولتي لا يمكنني حقاً التخلي عنه بسهولة ، أنتم تفهمون ذلك صحيح ؟"

أومأت بابتسامة حالمة لتجيب :" إذا سأكون انا صديقتك الوحيدة من بعده !"

ضحكت بخفة عندما تنافسوا للحصول على صداقتي ولكن لفت إنتباهي أحدهم والذي تحدث :" على الأقل لن نقلق ممن تجلس بجانبه "

شعرت بالإستغراب من كلامه لأجيبه بشيء من الدهشة الممزوجة بالفضول  :" ولماذا ؟"

أجابني بملل :" لإنه شخص بارد ولا يجيد معاملة الآخرين ، هو حتى لا يحاول الإبتسام "

نظرت له بكل هدوء وأنا أوافقه على كلامه فهو حقاً شخص غريب ومختلف عن البقية كما أن شخصيته إنطوائية ولا تلائم شخص من أسرة مرموقة !

~ كلارنس ~

ها أنا ذا بالمشفى وذاك الطبيب البغيظ يقوم بوضع المغذي لي ، بعد أن قام بعلاج كتفي المصاب وما إن انتهى حتى تركني بمفردي بالجناح الخاص بالمشفى لأنام بعدها فجدي أمرهم بوضع مادة مخدرة بجسدي ما إن أستفيق وهذا بحد ذاته يعتبر عقاب لي .

~ كين ~

في الحصة قبل الأخيرة كنا بالملعب المغلق ومهمتنا هي القفز عن العوائق وأنا كنت أفكر بمدى سخافتي عندما قلت أن آريان ذاك صديق طفولتي !

أراهن أنه غضب بسبب هذه الحجة الواهية وإعتبرها إهانة !

تنفست بعمق محاولاً طرد كل تلك الأفكار من عقلي لأستعد للقفز وقد تجاهلت نظرات الجميع نحوي .

أمسكت بتلك العصا الطويلة وبدأت بالركض بسرعة وبأقل من ثانية لمحت آريان ينظر لي وإبتسامة ماكرة على وجهه وبطريقة ما هذا شتت إنتباهي بالكامل مما أدى إلى سقوطي والأسوء هو رأسي الذي إصطدم بالعامود وتفجرت الدماء منه ، تجمع الآخرين حولي بسرعة وقد إتصلوا بالإسعاف ليأخذوني للمشفى من سوء الحظ .

وبعد مدة من الزمن :

غابت الشمس تماماً وأحتل الظلام المكان نهضت بسرعة لأتجه لدورة المياه الموجودة وقد أبعدت الشاش عن رأسي لأجد أن الإصابة قد إختفت تماماً !

وهذا الأمر أجبرني على التسلل خارج الغرفة بعد أن أرتديت ثيابي الخاصة ولكن ولسوء حظي مجدداً وجدت طبيبي الخاص أمامي مما أجبرني على الركض حتى أتجه للطابق العلوي ودخلت الى إحدى الغرف بسرعة ، تنفست بعمق شديد ومن ثم بدأت بتأمل المكان إنها ليست غرفة عادية قطعا ، بل جناح كامل توجهت نحو السرير الطبي وقد صدمت برؤية ذاك الفتى الغريب من المدرسة وهو فتح عيناه ليظهر أنه دهش مثلي تماما .

~ كلارنس ~

بقيت أحدق به بدهشة شديدة فما الذي أحضره لهنا فهو ذات الطالب الجديد المنتقل !

تحدث هو ويبدوا انه استيقظ من دهشته :" مرحبا ، هل أنت بخير ؟"

كالعادة أخفضت بصري عنه لأجيبه بهدوء شديد :" أهلا ، أجل بخير مجرد نقص بالفيتامينات والحديد "

عبس قليلاً وهو يتقدم ليقرصني على وجنتي بخفة بينما يتحدث :" فقط ! هل أنت مجنون ؟ عليك العناية بنفسك أكثر "

نظرت له بإستغراب شديد فلماذا قد يهمه أمري حتى ؟

إلا أنه تحدث ببرود فجأة:" أنا أصبت برأسي والآن أريد الهرب "

أجبته بهدوء :" وماذا عن نصيحتك بالعناية بالنفس ؟"

أشاح بوجهه عني هذه المرة ليجيب :" لا تقارن نفسك بي فنحن مختلفان تماما ! "

إبتسمت بشيء من الحزن وأنا أدرك تماما أنني مختلف عنهم جميعا لذا لم أتحدث بعدها .

~ كين ~

شعرت بأنني جرحت مشاعره بطريقة ما بالرغم من أنني لم أقصد ذلك أبداً لذا تحدثت بسرعة وبتوتر شديد :" آسف لم أقصد الإساءة أبداً "

لم يجب إلا أنه أومأ إيجاباً بهدوء لأردف أنا :" بكل حال علي الرحيل ،أتمنى لك شفاء عاجلاً "

كاد أن يجيبني لولا صوت الباب الذي فُتح فجأة أنا إختبئت بالشرفة الموجودة وقد بدأت أراقب ذلك الطبيب الذي تحدث بكل إزعاج :" أنت مستيقظ إذاً ؟ جدك ما كان عليك إغضابه عليك فهو طلب مني أن أعطيك دواء تأثيره أكبر من المخدر قد تنام لعدة أيام من جرعة واحدة ناهيك عن تلك الكوابيس التي ستلاحقك خلالها ستكون بغيبوبة تقريبا "

شعرت بدهشة شديدة من كلامه بينما نظرت لكلارنس الذي لم ينظر إليه حتى بل إكتفى بالتحديق أمامه بكل شرود ، بينما ذاك الطبيب أخرج علبة صغيرة تحتوي على سائل ما وإبرة متوسطة الحجم ليملئها من ذلك السائل ثم أخذ ذراع الفتى اليمنى بقوة وغرسها بها بقسوة لدرجة أن دمائه سالت بشيء من الغزارة .

بينما الأخير أغمص عيناه بألم وقد أصدر شهقة خافتة لا تكاد تُسمع ، شعرت بالغضب عندما رأيت جسده ينهار للخلف ليستلقي بعشوائية بينما ذاك الطبيب المتوحش غادر الغرفة دون الاهتمام بوضعيته .

لذا تقدمت بهدوء لتعديل وضعيته قبل ان تتحول عيناي الزرقاوتين للأحمر القاني وأنا أراقب قطرات الدماء التي تجمعت بيده إثر تلك الحقنة مما دفعني للخروج من شرفة ذاك المشفى وتوجه بسرعة لمنزل سيدي للحصول على دماء منه .

~~~~|~~~

نهاية الفصل الثالث

قراءة ممتعة لكم جميعا أتمنى منكم إن أعجبتكم ان تصوتوا وتتركوا تعليقاتكم الجميلة للتشجيع ..

بحفظ الله ورعايته

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top