وَصبٌ







































// تنويه؛ القصة تستوحي أحداثها وَمشاهدها مِن التاريخ
لكن تُحرف فيه كثيرًا بِغيةِ خدمة الحبكة.
- الفواصل مُتواجدة لِفصل المشاهد وَلكي تستريحوا مِن القراءةِ.


















































Jung Jaehyun as Julian Bedingfield
چانج جايهيون بِدور چوليان بدنجفيلد
























































—إن لاقت الآلهة حتفَ الخلودِ أو لم تفعل ليس مُهمًا
؛لِأننا لن نستعملهم باختلافِ على أي حال.

[ كابرابوليس، إيونيا ]
الرابع عشر مِن فبراير، 1843










































| عزيزتي لاڤيلا،
كيف هي أحوالكِ؟ أتمنى لو أطرح هذا السؤال شفهيًا لكِ، لكن قلمي وَكلماتي يملكون الأفضلية علي. قد تتسائلين الآن عَن هويتي، مع الأسف قلمي لا يملك الجواب إذ أنا كذلك أرغب بِمعرفةِ مَن هذا الذي يكتبُ إليك سرًا وَقد عهدتني مقدامًا لا يخشى هلاك ساحة الحرب.
ترين، ذاتي التي أعرفها أندثرت بعيدًا مُنذ اللحظة التي رأيتك بها، ظللت بعدها أتخبط بين رغبةِ مُحادثتكِ وَعجزِ الاقتراب منكِ، فما لي سِوى تمرد يداي وَالطريق الوعر للإيمان؛ إذ أراني أقطع كل السُبل مُتخطيًا مبادئي وَمُلقيًا حِمل مُعتقداتي للآلهة، أدعو أملًا بائسًا بِجعل عالمينا يتلاقيان..- |

تسائل داخله، لِما توقف سيل الكلمات؟
لطالما كانت رسائل الحُب منفذ لِمشاعره، يُحيكُ فيها قصصًا لا تناسبه وَيقصُ فيها جزءًا مِن ذاته، حتى إن لَم تكُن لاڤيلا الأرستقراطية عزيزته الخاصة.. حتى إن لَم يعهد ويلات الساحة، لا يهم حقًا فلطالما برع في التمردِ على قدره الخاص. لكنه غذى تِلك الرسائل قصصًا مُزيلًا قشرته الخارجية فأصبح هشًا لِلغاية، أصبح إيمانه عُرضة الكشف وَمُعتقداته لِلنهبِ؛ إن استمر بتوزيع فتات ذاته بِتلك الرسائل سيفقد هويته..

أيفرغ ذاته بِهذا الشكل المُريع؟
به رغبةً في إلقاء حمل الإيمان بِقوى تتخطاه..
إلا أنه ما عاد يؤمن بها؛ إذ أن إيمانه لا يتخطى مرمى بصره.
لربما أنتشله طرق الباب مِن عُمق قاع تفكيره، لكن لم يستعد كامل انتباهه إلا عِندما أصطدم صوت الدخيل جدران الغرفة.

- لورد چوليان، أتمنى أنك لم تنسى حفل الليلة.
أنبأ الدخيل جورست بِخضوعِ لِرتبة اللورد المُنكب على الأوراق أمامه، بِه فضول آدمي لِماهية الورق لكن يكبلُه الاحترام الذي يكنه لسيده.

- كيف لي؟
أجابه مُستعيدًا بقايا تركيزه ليرتب أولوياته وَيتدارك موقعه، ثُم التفت لِخادمه راسمًا طيف إبتسامة ودي، وقال: السيدة بدنجفيلد ستغضب كثيرًا إن فوت أحدى حفلات شهر تكريم القديس ڤالنتين، مَع أني أشك أنه مَن سيزوجني.

-شرفك، تعرف أن آلهة الحب تُفضل هذا الشهر مِن العام.
هذا الخادم إيمانه محكوم بإيمان هذا المنزل، رُغم أن اللورد چوليان يدركُ جيدًا جدًا أنه مثله، فقط إن أمتلك صوتًا للاعتراض.

- ماذا في الأمر؟ الآلهة قد هجرتنا على أي حال.
هو كذلك اعتراضه مُكبل بِهذا المنزل، لكن صوته يخرجُ مبحوحًا مِن الحينِ لِلآخر لِلخدم المُطيعين وَالموائد الأسرية. ربما لِهذا السبب لم يماطل جورست مُناقشته في مُعتقداته كما أمرته السيدة بدنجفيلد، بل تركه يتحدثُ عوضًا عنهما.

ضيق الوقت أملى عليه إنهاء الرسالة، لكن في ذلك خير -حسبما رأى- لإثارة فضول لاڤيلا يضمنُ به تطلعها لِرسائله، لِذلك طوى الرسالة وَوضعها بِظرفٍ مُصفر. فلتصدق بأن حُبها الخالص سينجيه مِن ويلات هلاك المعاصي، بأن إهداء فؤادها قادر على شفاء جرح الإيمان به.

- جورست، أرسل هذه إلى منزلِ جرامرسون مَع أحد الصبية، ولا داعي أن أؤكد عليك ضرورة عدم علم أحد مِن المنزلِ.

***

- أتمنى أن حضور الحفل لا يتعارض مَع جدولك المُزدحم سيد بدنجفيلد.

- مادام حضوري يرضي سيادتك سيدة بدنجفيلد فهو أهم مِن بقية مواعيدي.
ساير سخرية والدته بِذاتِ الرُقي الذي أنشأته عليه. مُتضجر داخليًا أجل، لكن يبرعُ في رسمِ إبتسامة تطلع لِلحدثِ بِحديقة قصر كابرابوليس -حتى وإن كان مشدوهًا فعلًا بجمالها الأخاذ.

فكر أنها تستحقُ فعلًا لقب زهرة إيونيا؛ فالخضرة تتخطى حدود الحديقة مُلتحمةً مَع وعورة سطح الهضبة، فيما أزهار القمعية الأرجوانية تتشابكُ مع الدلفي الوردي بِطولِ العواميد الكورنثية جاعلةً المرور مِن بين العواميد صعبًا لِطبيعة الأزهار السامة. بعد المرور مِن البوابةِ تظهرُ أزهار أقل خطورةً بِطولِ ممرات السير، على كل جانب شجيرات زهور مُنسقة حسب اللون وصولًا لِساحةِ تنتصفها نافورة بِثلاثِ درجات.
رُبما قصر كابرابولس هو آية صدق التاريخ بِسكن الآلهة الأرض سابقًا.

مع ذلك يعكرُ قُدسيته الجموع الآدمية فيما يتراقصون في ثنائيات على لحنٍ هادئٍ مِن الآلات الوترية، ويتسامرُ بقيتهم بِجوانبِ الساحة. وجوههم المألوفة أبطأت مِن خطاه ليدرس مُحيطه مِن الورى، بعضهم لاقاه بالدروس التي تلقاها خارج منزله وَالبعض الآخر شهد لهوهم بِغرف كواليس مسرح كابرابوليس.

نبهه التفات والدته إلى تأخره في مجاراتها، فتقدم إليها بِخطى مُتعجلة تجاه القصر مرورًا بِبوابته الزُجاجية، حيثُ تقبعُ داخله أجواء تختلفُ عن ساحته الأمامية. فيما الحديقة تمتلكُ جمالًا تراثيًا، القصر يملكُ لمسةً حضاريةً.
لم تكن هذه زيارته الأولى، قد جاء هنا سابقًا حينما كان صبيًا. يذكرُ مظهر القصر قبل مروره بِعمليات التجديد وَإدخال مظاهر الفن الحديثة، وَقد جاء كذلك بِالمواسمِ السابقة ليشهد البزخ الذي لا يعرفه عامة الشعب.

- عزيزة القدر
انحنت والدته احترامًا لِلمدعوة بِعزيزةِ القدر، صاحبة الأمر المُطاع بِارجاء إيونيا وَحاكمة قصر كابرابوليس حتى عودة الآلهة. فانحنى هو الآخر حتى ربتت بِمروحة يدها على كتفيهما ليستقيما.

كان في وجهها أمارات ترف متواضع يوازن بين كونها حاكمةً وَكاهنة المعبد الأخيرة مُنذ اختفاء الآلهة. أراد الناس تصديق أن الحُكم يُورث لِلاقرب مِن معبدِ كابرابوليس إيمانًا بِعودةِ آلهتهم الحبيبة، وَأنهم مدوا عمرها إلى الأبدية كي تحكم إيونيا؛ فآمنوا بِعزةِ قدرها.

- أرى أن اللورد چوليان يزدادُ وسامةً كُل موسم، أُرجح أن هذا هو سبب عدم مُجاراة الفتيات له.
كان على محياها إبتسامة هادئة لا تتناسب مع ما تفوهت بِه مِن ذم في طيات المدح -الذي ازعج چوليان جدًا بِالمناسبةٍ- لكن عزيزة القدر عهدته مُنذ لحظة ولادته كما عهدت النفس الأول لِهذا الجيل ولا تملك ضغينةً تجاه أحد لِتزعجه عن قصد. هي كوالدته تود إلقائه إلى الحياة الزوجية.

- شرفكِ، فتيات إيونيا جميعهن عظيمات، أنا الذي أتأخر حتى أجاريهن.
أبتسم مُفتخرًا برده حينما لمح الرضى على وجهها. بإمكانه الموت وحيدًا، لكن يُفضل أن يقوم بِذلك بِشكلٍ راقٍ.

- لديك أيها الشاب طريقتك مَع الناس، لن تناسبك سِوى التي تُسقِط براعةُ حديثك.
أنبأت رافعةً حاجبيها ليبتسم بِحرجِ مُخفضًا بصره إلى الأرض. أراد إخبارها أن فتيات إيونيا يُفضلن ذاك الذي يُجيد الغزل ويملكُ طريقته مَع الكلمات، لكنه يعرف ذلك مِن الرسائل التي يرسلها وَتتمسك بها الآنسات ذهابًا وَإيابًا.

- على أي حال، استمتعا بِالحفلةِ قدر المُستطاع.
قالت فقابلها چوليان وَوالدته بإيماءة لِتدبر راحلةً.

خففت مِن رسميةِ الجو، لكن شددت مِن حدته عِندما التفتت إليه والدته بِغير رضى قائلةً: أيرضيك أن تُعلق عزيزة القدر على عدم زواجك إلى الآن؟

حرك عينيه بإنزعاجِ، رُبما الوحيدة التي تُنسيه أحيانًا لباقة حديثه هي والدته.
يكرهُ كيف أن الحفلات تُقام بِهدف تزاوج الطبقة الأرستقراطية عجلةً في إيجاد رفيق الروح إذ أنها أسمى رسالة يعيشُ عليها سُكان إيونيا؛ حياته خامدةُ حتى يجد رفيقته وَبعدها -فقط بعدها- بإمكانه العمل لأهداف أدنى.

- لا تتجرأ في تجنبِ النظر إلي أيها الشاب.
نبهته بآدابه ليتنهد ويعيدُ تركيز حُدقتيه عليها، فاستردت: الآن ستذهب لِسؤال أحدى الآنسات لِلرقص، ثُم لِلتعارف. لَن أرضى عنك إن انتهت الليلة وَلم تُعطني أسمًا.

أومأ بِخضوعِ ثُم أنتظر لحظة قبل أن يُخفضَ رأسه مُستأذنًا ويخطو خطاه لمائدة الطعام؛ أمثل مكان لِتعارف النُبلاء. لكن غايته كانت الشُرب، وَخاب أمله عِندما تجرع الكأس وَلم يكُن لاذعًا كما توقع؛ فقد خففه المسئول عَن المشروبات نظرًا لِلأجواء المُبهجة. على ما يبدو أن الجميع يحظى بِوقتِ جيد عداه.

- صححني إن كُنت مُخطئًا، اللورد چوليان بدنجفيلد؟
كان شابًا، وَأن يُحدثه شاب بِالحفلةِ أمر يستدعي الفضول. توقع على الأقل أن يعرف هويته، أن ينتقيه مِن الأوجه المُختلطة بِذاكرِته، لكن خصلاته الذهبية المُموجة ليست مألوفة، وَلا حتى فكه الحاد وَعينيه الواسعتين. يبدو له غريبًا حتى عَن نُبلاء كابرابوليس.

- اعذرني، لكن أعجز عَن تذكرك. ايمكنك مُساعدتي بِذلك؟
كُلما أطال النظر إليه كُلما زادت ثقته بأن ذاكرته لم تتخلى عنه، هو بِالفعلِ غريب لكن مُبارك بِوجهٍ نحتته الآلهة بِنفسِها إن صدقت القصص.

- في الحقيقةِ لم نتقابل قبلًا، لكني كُنت سيئًا كفايةً لأسمع بعض الفتيات يتحدثن عنك.
أنبأ يُخرجُ مِن جيب سترته الداخلي زُجاجة سوداء صغيرة، ثُم صب محتواها بِكأس چوليان تحت أنظاره المُستفهمة فابتسم واجاب فضوله: أنه الخمر الذي أتيت مِن أجله.

- أيسعني معرفة اسمك؟
كان ذلك أقل ما يُمكن سؤاله ليخمد ارتيابه.

- إروس.

همهم چوليان، ثُم جال بِبصره بعيدًا عَن إروس ذا الخصلات الذهبية- يُعاين المكان بحثًا عَن آنسة لا تُدير حوارًا أو رقصةً مع لورد، قلة يافعين لا يقفون مع أحد في الحقيقةِ، لكنهن صغار جدًا عليه.

- يدهشني حقيقة أنك تبحث عَن آنسة، أعني لديك عدد منهن ينتظر دعوتك لِلرقص بِالفعلِ.
علق إروس يرتشفُ مِن أحدى كؤوس الخمر المُخففة مُثبتًا عينيه بِتعجب على چوليان، يُدهشه بِالفعلِ إلا أن الأحاديث التي تدور حول چوليان تتبنى مواضيع مُتخبطة عَن كم أنه مثالي لكن يستحيلُ الرقص معه.

- على الأرجح تتحدثُ عَن الآنسات اليافعات، هذا ثاني موسم لهن إن لَم يكُن الأول. البقية مِن غير المتزوجات يبغضنني لِسببِ ما.

- وضح لي رجاءًا.

أعاد چوليان بصره إليه مُتنهدًا، يسيرُ بِسبابته على دائرة الكأس بِيده. لم يعلم كيف يُصيغ الأمر بِشكلٍ جيد، لكن نظرات إروس المُتطلعة جعلته يُجيب: حدث وَأن تملكني إعجاب لحظي فعلًا بِعدة آنسات، لكنه يندثرُ عِندما أُطيل الحوار مَع أحداهن، مُعتقداتنا تصطدمُ سِواءِ بِالطبقات، النظام، النُبلاء، العامة، الآلهة.. هناك دومًا ما يجعلهن يُفضلون تجنبي، ويجعلني أفكر بأننا لا نصلح.

- اتسمح لي بِسؤالك عَن مُعتقداتك بِالآلهة؟
ترك إروس كأسه على المائدة وَأمال رأسه بِفضول طفولي استنكره چوليان.

الحديث عَن الآلهة بِقصر كابرابوليس الذي كان مستوطنهم ومكان لِلتعبد سابقًا امر غير هين، التعبير عَن شيء سِوى الإيمان الخاضع لِعودتهم يضع عائلته على المحك. هو حذر مِمن يكشف لهم هذا السر الدفين، لكن ذا الخصلات الذهبية لا يبدو كمَن سيسعى لإسقاط بدنجفيلد، فطرح ليحتسب ويلات حديثه: مِن أي عائلة أنت؟

- سأخبرك إن تقابلنا مرةً أخرى.
هذا ليس كافيًا ليأتمنه، لكنه مُمتاز كي يقوم بِسحب ذاته مِن هذا الحوار.

تفقد چوليان مُحيطه مرة أخرى، سيطلب الرقص مَع أي فتاة فقط ليتجنب إروس. لِحسن حظه أن مُتمردة جرامرسون -الآنسة لاڤيلا- مُتفرغة مِن أجل رقصة، فاستأذن: سأخبرك صديقي إروس عَن ذلك المرة القادمة، الآن اعذرني، علي تحقيق هدفي الأسمى.

رفع چوليان طرف شفتيه مُبتسمًا لإروس قبل أن يشق طريقه نحو هدفه، الآنسة لاڤيلا. أثناء سيره تجاهها عدل مِن هندامِه وَتأكد مِن إرجاع شعره لِلوراء، على الأقل ليحاول الرقص معها لينال رضى والدته.
الآنسة اليافعة، لاحظته بِعينيها الثاقبة كالصقرِ رُغم أنه لم يكُن قد اقترب مِنها كفايةً، فرسم على محياه إبتسامة لم تتضاءل رُغم خلو وجهها مِن أمارات الترحيب، ظلت مُحافظة على تواصل عينهما في تحدي حتى امتثل أمامها بِذاتِ الابتسامة.

أخفض رأسه في انحناءة بسيطة يرحبُ بها، ثُم قال: لورد چوليان بدنجفيلد.

- لاڤيلا جرامرسون.

- كنت أتساءل، إن كنتِ تسمحين لي بِرقصةِ؟
تخطى الحديث الذي يلي تبادل الأسماء كأنما يسألها أن ترفضَ عرضه، مَع ذلك ظل مُبتسمًا فوالدتها كانت بِالجوارِ تحدقُ بهم وَيخمنُ أن رضاها متوقف على هذه الرقصة كما حال والدته.

أومأت لاڤيلا بعد أن خطفت نظرة تجاه والدتها، وَوضعت كفها بِكف چوليان الذي امتد لها لِتسمح له بِقيادتها إلى ساحةِ الرقص.

ما يُميز هذه الحفلات بِنظرِ چوليان هو؛ أنهم يتدربون على خطوات للرقص بِالتناغمِ مَع المقطوعات المُتعارف عليها قبل المجئ إلى الحفل. حتى وَإن اقتحم ثنائي الساحة مُتأخرًا فهو -الثنائي- سيرقصون تناغمًا مَع الموسيقى بِات الخطوات التي يرقصها الجميع.
فبمجرد أن وصل لِلساحةِ ترك يد لاڤيلا وَوقف قبالتها، أومأ يُحييها ثُم شرع بِأولى خطواته يُجاري الثُنائيات حوله كما حال الآنسة.

- أظن أنك نسيت تعريف نفسك بِشكلٍ مُفصل چوليان.
أنبأت فيما تحركُ ذراعها في الاتجاه المُعاكس له حتى تستدير لِتترك له لحظة لاستيعاب إسقاطها لِصيغة الاحترام.

- ظننت أنها مُجرد شكليات آنستي، أتمنى أن تعذريني.
قال باسمًا بعد أن أمسك كفها وَأدارها في الاتجاه المُعاكس، لكنه لمح ارتفاع حاجبيها في دهشةٍ بسيطةٍ. يخمنُ أنها أحدى أساليبها في تنفير الشباب مِنها؛ إثبات أنها لا تكُن احترامًا لِأحد.

- ماذا تفعل في وقتِ فراغك؟
طرحت بعد أن هدأ إيقاع الموسيقى قليلًا وَوضعت كفيها على كتفيه، تتحركُ كما تحفظ؛ يمين، لِلأمام، الخلف الخلف، يمين، يسار، دوران.

چوليان أراد لعب حيلة جديدة؛ بدلًا مِن كسرِ رقمه القياسي في تنفيرِ الآنسات مِنه، ليرى كم ستأخذ لاڤيلا حتى تنفره. وَلهذا سيستعين بِالمعلومات التي يعرفها بِالفعلِ عنها كحبها لِلرياضة وَخاصةً الرماية.

مثل التفكير قليلًا قبل أن يجيبها أخيرًا: لِنقل أنني أُحب الركض.
وَابتسم حينما لمح لمعان عينيها، فقلب الحوار لِيترك لها مجالًا لِلحديثِ: ماذا عنكِ آنستي؟

- أحب مُمارسة الرماية.
أجابته بعد أن أزالت كفًا عَن كتفه وَدارت معه بِبطئ، تنظرُ بِحدةٍ إلى عينيه لِتراقب تفاصيل رد فعله.

فأومأ، وَقال: هذا مُثير لِلاهتمامِ.

- ألا تظن أنه غير لائق بِالنسبةِ لآنسة؟
شيئ في رده لم يكُن كافيًا لها، لا لوم عليها إذ أن مُمارسة الرياضة ليست رائجة بين آنسات الطبقة الأرستقراطية، وَدومًا ما تلاقي نفورًا مِن النُبلاء حينما يعرفون بِحبها لِلرماية.

- ذكركِ لِذلك يجعلني أوافقك في الحقيقةِ..
عقد حاجبيه مُفكرًا وَهز رأسه يوافقها، وَرأى أن شرارةَ خافتة خمدت بِعينيها، فرفع حاجبيه مُستردًا: ربما ليس آنسة، فالرماية تناسبُ مُحاربة؛ لِذلك أعتقد قائدة أفضل، ألا توافقيني الرأي آنستي؟

يذكر حينما سمع عَن مُتمردة جرامرسون قليلة الاحترام التي ذاع صيتها بين النُبلاء الموسم الماضي، يذكرُ كم تحدثوا عَن جمال عينيها المكحلة وَرموشها الطويلة مشدوهين بِجمالِها حتى شبهوها بِأفروديت، لكن سرعان ما أندثر تطلعهم لها عِندما ذكروا انحصار أنوثتها على وجهها.

- بلى.. أوافقك الرأي.

لكن بِشكلٍ ما، لم يأتي أحد بِذكرِ ابتسامتها الرقيقة وَكيف أن أقل بسمة تُقوِس عينيها. على الأرجح جميعهم لم يتعلموا كيفية جعل آنسة تبتسمُ.

***

- أعتقد أن تِلك الآنسة لا تبغضك..
تسللُ ذا الخصلات الذهبية مِن خلف چوليان مُفاجئًا إياه حينما قرر الرضى بكأس مِن الخمرِ المُخفف، فقلب چوليان عينيه بانزعاج قبل أن يومأَ وَيترك الشراب جانبًا.

- أطلبت مِنها مُرافقتك في نُزهةٍ؟
طرح بِفضولِ طفولي لازال چوليان يستنكره خاصةً بِهيئته الرجولية، لكنه هز رأسه نفيًا وَأقام مُلاحظة بِذهنه أن يفعل ذلك مِن أجل والدته على الأقل. فيما إروس أبدى عدم رضاه نافثًا الهواء، ثُم أسترد: ألا تنال تِلك الآنسة إعجابك؟

- أنها تفعل، في الحقيقةِ.
كان جواب چوليان فيه مِن الاكتفاءِ بِتطفلِ الآخر، لكنه عقد حاجبيه يتداركُ موقفه تجاه لاڤيلا -التي لم تُبدي نفورًا مِنه- وَتذكر، لحظتها فقط.. رسالته المُزيفة لها التي تُضعف احتمالات چوليان الحقيقي.
تنهدُ وَفرك خصلات شعره أسفل نظرات إروس ثُم وضح له: أظن أنها ستُفضل قائد حرس على لورد، وَأنا لست مؤهلًا لأصبح واحدًا.

- لا أعتقد أن تفضيلها ذاك وقف حائلًا بينها وَبينك أثناء الرقص.
حسنا، كيف يشرح له أنه يرسلُ رسائل حُب لِلآنسات لهوًا وَحدث أن كانت جرامرسون احداهن؟ تِلك الآنسة بِمجرد علمها بتطلعِ مُحارب لها ستتجنب أي نبيلِ مُترف.

- لا تفكر كثيرًا، أراهن أنك ستقع على أعقابك لها.
غمز له إروس وَربت على كتفه مُبتسمًا، ثُم ارتشف مِن أحدى الكؤوس أمامه. ما يزعج چوليان ليس ذلك تحديدًا، أو لربما ذلك كذلك.. ماذا إن اعُجب بها فعلًا لكنها ستُملي عليه عمى مُعتقداتها؟

- وَماذا إن كانت تؤمنُ بِالآلهة؟
لعن نفسه داخليًا مرةً لِذلة لسانه، وَمرةً أخرى حينما تضاءلت إبتسامة إروس. لكن الابتسامة عادت لِمحياه بِتلقائية.

- ألا تؤمن أنت بهم؟

- ليس تمامًا..
نبس مُتشككًا مِن قرارِ إخباره، لكن إروس الغريب لا يبدو كمَن سيلقي أصابع الاتهام إليه.. بل أقرب لِشخصِ سيحاول جاهدًا تصحيح مُعتقداته، أو يشاركه الرأي على الأقل. فاسترد: أود لو أؤمن بهم كي ألقي بِعبىء القدر على شيء غير قرارتي..

- نحنُ المسئولون عَن حياتنا چوليان.
أنبأ إروس، امارات التفهم على وجهه، لكن به شفقة لا تُرضي كبرياء چوليان. ثُم أسترد: القدر ما هو إلا ما نريده أن يكون، انه القرار الذي نأخذه كل يوم. وَالآلهة لا تتعارض مع قرار تغيير قدرك، لا يمكنك لومهم على وزرك.

- رُبما أنتَ محقُ..
إلا أن چوليان لم يقتنع، بل فضل عدم مُناقشته بعد كي لا يُلقي عليه المزيد مِن الحِكمِ. سيسأل لاڤيلا فعلًا لِمرافقته بِنزهةِ إرضاءًا لِوالدته وَلِذاته التي كونت إعجابًا طفيفًا بها.

- مِن جهتك، فاود لك أن تثق بِمشاعرك تجاهها،
اعدك أنك لن ترى غيرها.

***

- سيدة جرامرسون، سيد جرامرسون
انحنى چوليان احترامًا بِرفقةِ والدته لِوالدي الآنسة لاڤيلا -بِالطبع لم ينسى الانحناء لها مُبتسمًا-

النزهة واجبة بعد تبادل الأسماء وَالرقص بِالحفلِ، تُعطي في عادات وَتقاليد إيونيا فُرصة أكبر لِلتعارفِ. البعض يُطيلُ مِنها حتى يستقر على قرار بِشأن الزواج، وَالبعض الاخر يتزوج بعد أول نزهة.

بِمناسبةِ اليوم، كان التوتر قد تملك مِن فؤاد چوليان جاعلًا قلبه يتقافزُ بارجاء صدره في شكلٍ همجي لم يعتاد عليه، لكنه ارجع ذلك الأمر لِفكرةِ الرسالة التي أرسلها.
ماذا إن خسر فرصته فعلًا مع لاڤيلا لأن حضرته يُحب اللهو بِقلوبِ الفتيات؟ اقام عهدًا على نفسه بِتحريم ذلك التصرف إن باركته الآلهة اليوم، وَالأيام القادمة له مع لاڤيلا إن لم يتصادما.

لكن الشك غلف قلبه عِندما رأي أنها لم تكُن مُتطلعة كالبارحةِ، بها نفور غريب وَغير مُفسر تجاهه.. فزعم سؤالها عَن الخطب عِندما يبتعدان سويًا عَن عائلاتهما، وابتعدا بِمقدارِ جيد بِالفعلِ.. لكن الكلمات ذابت على لسانه عِندما استرق النظر إليها.

ألست رومانسي بائس چوليان؟

- أعتقد أننا لا نصلح لِبعض.
كان ذلك أول ما تفوهت به، بِجمودٍ تام، دون النظر إليه.
أرفعت الرسالة مِن آمالها بِتشابكِ قدرها مع مُحارب؟

كان قد تأخر كثيرًا عندما عاد لِمنزله وَطلب مِن جورست عدم إرسال الظرف، وَالذي جاوبه بأنه تأكد أن الصبي أوصلها لِمنزلِ جرامرسون بِالفعلِ. فكان أمله مُتعلق بأن تؤجل قراءتها حتى ينالَ هو إعجابها.

- أهناك شخص آخر؟
طرح يود تأكيد شكوكه، إذ أن هناك جرح.. بالغ الكبر.. بِموضع قلبه، كأنه ينزفُ كثيرًا مِن ذاتِه، مِن صوتِه وَمِن كلماتِه..

- أجل، جندي، مُحارب، أو حتى قائد.
أنبأت بِثباتِ تتحاشى النظر إليه، لا يلمح في عينيها ذنبًا ولا حتى احتسابًا لِلإعجابِ الطفيف الذي دام ليلة، بل بُغض جامد يوعكُ صدره. استردت به قائلةً: لن يوصلني اليأس بأن أرضى بِنبيلِ يحترمُ رغباتي في حين أن هناك رفيق يشاركني بها.

- بإمكاني مُشاركتك تِلك الرغبات، استطيع التدرب لِأصبح قائد حرس الحدود، وَأنتِ قائدة الرماة.. بإمكاننا أن نصبح أعظم عناصر الجيش، ألا يبدو ذلك جيدًا كفاية بِالنسبةِ لكِ آنستي؟
تِلك التضحيات الجلية التي اتخذها لفظيًا دون احتساب، كان رُغم استنكاره لها مُستعدًا لِاتخاذِها فعلًا، يجهلُ لِما.. لكنه مُستعد لإتخاذ قرارت مصيرية فقط ليخمد ذلك الألم بِقلبِه، مُستعد لِمسح ذاته إن بقت هي بِالجوارِ..

- لكني لا أود ربط قدري بك أنتَ.

- لما..؟

تنهدت بإنزعاجِ، ثُم نظرت له لِأول مرة اليوم، تُريه كم أن حُدقتيها خاوية تجاهه، وَقالت: لأني أبغضك چوليان.

- حتى إن كُنت أنا مَن أرسل لكِ الرسالة؟
رأى مرور الدهشة بِعينيها، ذات الدهشة أستحوذت عليه؛ كلاهما لم يتوقع أن يُدلي بِذاك الاعتراف.
بإمكانه إنقاذ الموقف، إخبارها أنها كانت تستحوذُ على تفكيره مُنذ الموسم الماضي، أنه لا يملك فرصة أمامها إن لم يبهرها هكذا، بإمكانه إخبارها أنه كان يائسًا وَمتهورًا لِذلك كذب لِينال إعجابها، لكنه لن يكذب مُجددًا وَسيفي بِتلك الرسالة، العهد الي اتخذه صباحًا وَحتى الوعد بِمشاركتها رغباتها.

- لا..
بدت تائهة، لا تجد ما تبرر به رفضها له، لكن ذلك الرفض القاطع مُقرر داخلها وَلارجعة فيه حسبما يرى..
نفثت زفيرًا مُهتاجًا كاهتياج البُغض بِصدرِها، وَقالت بِحدة: لا استطيع حُبك چوليان.

بِشكلٍ ما تذكر مسرح كابرابوليس؛ حيثُ قصص الحُب المأساوية تبتذلُ مشهدًا لِانفصال الاحبة، لربما لأنه يمثلُ ذلك الدور بِنفسه، بِكيانِه وَمشاعره دون قصة، فقط ألم الانفصال فيما يرى محبوبته تتركه وحيدًا وَتخطو راحلةً عَن مرمى حُدقتيه.

ألم تصدق بأن حُبها الخالص سينجيه مِن ويلات هلاك المعاصي؟ ألم تصدق بأن إهداء فؤادها قادر على شفاء جرح الإيمان بِه؟
لِما لم تكُن كلماته كفايةً حينما استعان بها..؟ وَلِما خمد تطلعها إليه فجأة؟..
بل لِما هو جريحُ حُب وُلِد البارحة؟

- إنك تنزف..

اخفض بصره يتفقدُ ذاته، كان ينزفُ فعلًا لِدرجةِ تلطخ قميصه وَسترته.. وَلم يقوى حتى على رفع يديه ليتفقدُ مصدر الدماء. لم يستطع حقًا أن يهتم لأن ألمه المُتعاظم مُجرد مِن التواجد بِهذا البُعد، ليس ألمًا جسمانيًا كي يعالجُه.

رفع بصره لِلذي نبهه مُستنجدًا..
كان إروس ذا الخصلات الذهبية، بِحلةٍ مُختلفة لم يدركها چوليان، لكنه أدرك النور الذي يحيط به وَالهالة المُنبعثة مِنه.

- أصبتك بِعمقِ.
كان آسفًا دون أن يصيغَ الاعتذار.
اعترافه يطرحُ ألف سؤال بِذهنِ چوليان
أولهم، لِما يحملُ قوسًا؟

- ما الذي تقصده؟
خرج صوته أقوى مِما ظن، رُغم ألمه وَرغم جرحه..
كان صوته بِخيرِ بِشكلٍ يريبه.

- أنا إله الحُب چوليان، وَذاك الجرح بِقلبِك مِن فعلِ أحدى سهامي.
سيستمر الوَصب مادام حُبك غير مُجاب.

- إذًا اجعله يتوقف.
لم يملك طاقةً كافيةً ليقرر تصديق ما يسمع،
هو فقط أراد ذلك النزيف.. ذلك الألم، أن يتوقف.

- إخراج السهم مِنك يعني نزيف جسدك كذلك..

- إذًا اجعل حُبي مُجابًا..
كان بِصوتِه يأس.
الألم غير مُحتمل لكنه مكتوم بين أضلعِه، لا يستطيع حتى بكاءه.

- لاڤيلا مُصابة كذلك، لكن بِسهمِ كره مِن رصاص..
رأيتها تنزفُ بُغضًا شديدًا لك.
أنبأ إروس بِشفقةٍ تجاه حال الآخر، وَأمام البُغض الآدمي الذي يشتعل داخل چوليان، وجد أن عليه إخباره أن الأمر خارجٌ عنه، فقال: أنتاروس، أخي، هو مَن أصابها عقابًا لك لِعدم إيمانك.

- ظننت أنكم لا تتعارضون مَع أقدارنا.
تولد الغصب داخله كشعلةِ لهب مُتقدة بِغية الاحتراق، يملكُ حق لوم أحد غير ذاته، أن ينسبَ إليه أخيرًا مجرى المُحدثات، لكن بِحساب لعنة إلهية.

- توقفنا مُنذ فترةٍ طويلةٍ بِالفعلِ؛ لكنك أثرت غضبه.

- ماذا الآن؟
يلحقُ أبولو بِمحبوبته دافني حتى تستنجدَ بِوالدِها ليُخلصها مِن هيام الإله بها، فيحولها لِشجرةٍ. تِلك القصة قاسية على قلبه الآدمي، وَمصير لا يستحقه كلاهما.

- لن أتعارض مع قدرك مُجددًا، سأتركك تكتبه بِنفسك، فانصت لي جيدًا لِتحل هذه المُعضلة.
اذهب لِقصر كابرابوليس، الحديقة الخلفية بها شجرة الحورية دافني، لكن الأشجار كلها مُتشابهة بِأمرٍ مِن أبولو حتى لا يقربها أحد، فقط المُصاب باحدى سهامي سيتمكن مِن رؤية خط لنزيف بُغض قاتم مِن الشجرةِ. حينما تجدها قُم بِقطف خمس ورقات واطحنهم جيدًا. مِن شأن هذا الدواء إبطال مفعول السهم.
تذكر، الدواء يكفي شخص واحد،
وإن قطفت المزيد مِن الأوراقِ ستثير غضب أبولو.

.
.
.

البحثُ بِحديقةِ عَن شجرةٍ بِعينها ليس صعبًا، إلا أن كان ألم الوصب يشتدُ داخله جاعلًا مِنه يهرولُ بين الشجيرات بحثًا عَن اثر جرح شجرة الحورية، كان إيجادها منفذه الوحيد لِلتخلصِ مِن ذلِ الشجى. فها هو يجلسُ ذات جلسته مِن البارحةِ، بدلًا مِن أن يعكف بِكتابةِ رسائله كان يطحنُ الأوراق بِعجلةٍ يائسةٍ.

أراد عقله التريث لِلتأملِ بِالأحداثِ؛ تذكرُ هيئة إروس اليوم، القوس الذهبي بِيده وَأجنحته البيضاء التي غفل عنها، أن الآلهة لم تلقى حتف الخلود بل هجرتهم، أنه اقتطف أوراق أسطورة دافني وَأبولو. أراد لحظة ليدرك أن بين يديه الآن شفاء لِلجرح المقيت بِقلبِه وَتخليص مِن حُب إلهي متين.

فطرح عقله ذاك السؤال؛ إن كان هذا الحُب مؤلمًا لِهذا الحد، ألا يجعل ذلك إجابته -الحُب- أجمل بِكثيرِ؟
ذلك الاشتهاء الادمي لِحُبٍ أرقى مِن المُنحسرِ على الورى، أليس دافعًا كفاية لِيتحمل الألم قليلًا بعد؟

.
.
.

ماذا الآن؟
يتسللُ إروس بِأمرٍ مِن والدته إلى غُرفةِ سايكِ، انعقدت به نية إصابتها بِسهمِ يوقعها في شباكِ وحش دميم حتى رأى وجهها الملائكي وَأصاب ذاته. لكن جوليان سُبِق وَأن أُصيب بِسهمِ، تختلفُ غايته مِن التسللِ لِغرفةِ محبوبته عَن إروس، فلاڤيلا تراه هو وحشٌ دميمُ.

يستطيع رؤية تلطخ فستانها بِالأسود القاتم، ينهمرُ مِنها بُغضًا كُلما اقترب مِنها لكنها خالدة لِلنوم لِترحمِه مِن صياغة ذلك الكره.
كان له تطييب الجُرح وَالتأكد مِن توقفِ سيل الكره مِنها، ثُم الانصراف.
أن يُعيدَ طلب النُزهة عليها كي تُتاح له فُرصة إعجابها..
لكن فؤاده الجريح لم يهدأ وَلن يتأنى، سيشد جسده مِن خلال الوقت في عجلةٍ كي يحصل عليها الآن، بِرضاها كالرجل النبيل الذي نشأ عليه.

فانصرف فعلًا، لكن بِوجهةٍ جديدةٍ
ليدعو آلهته مِن أجل تحقق مراده،
ليدعو إروس أن يُنبت بِقلبِ عزيزته حُبًا يُرضي حُبه.

لم يكُن يعرف سِوى مكان واحد لِلدعاءِ، دفعته الحاجة الماسة إلى تخطي تجهيز القرابين وَتخطى مُسرعًا الحديقة الأمامية، وَحتى هرول ركضًا مِن خلال القصر إلى الحديقة الخلفية مُجددًا وصولًا لِلمعبدِ. فصعد درجاته وَولج داخله غير آبه بِتماثيل الالهة وَغرف تعبدهم الخاصة.. لم يملك  طاقة لِيتبين أي التماثيل إروس لِذا وقف بِمنتصف المعبد، بين رموزهم الحجرية وَنادى.

- إروس!

عليه أن يعلم أفضل مِن أن يُغضب إلهًا اخر

- إروس!

قد نادى شعبه الالهة كثيرًا يستنجدون بهم في أشد لحظاتهم،
  لكن التماثيل الصامتة علمتهم ألا ينتظروا استجابةً

- إروس..

هنالك سبيل آخر لِرغباتنا، لكن لأي مدى ينوي المرء أن يقطع؟

- أنتَ أيها القاني، مُزعج لِلغايةِ.
ذاك الصوت الغليظ لا يعود لإروس، لكن ذاك الشاب- الإله كما يزعم- يشبهه كثيرًا، خاصةً في حدة ملامِح وجهه، لكنه يملكُ شعرًا مُسترسلًا بُني اللون، وَأجنحةً تُشبه الفراشات. يملكُ كذلك تعالٍ وَغلظة ظهرا جليًا في قسماتِه. وقال حينما طال صمت جوليان: يبدو أنني خيبت أملك.

- أين إروس؟

- توقعت تعظيمًا على الأقل لِشرفِ مُقابلتك لإله، لكني نسيت أنك جاحدَ.
انتبه جوليان لِلقوسِ بيده، مُشابه في نقشه وَشكله لِلذي لمحه مَع إروس، لكن يتباين في اللونِ إذ أن هذا رمادي.
لا شك أن الإله أمامه هو شقيق إروس، أنتاروس.

- إذًا أيها الفاني، ما الذي أتى بك إلى معبد في حين أنك لا تؤمن بالآلهة؟
أرى أنك جئت في عجلةِ مِن أمرك، أجئت بِطلبِ؟

- ذات السهم الذي أصابني، أود لو يُصيب عزيزتي.
أنبأ جوليان مُحافظًا على تواصل أعينهما بِشكلٍ يزعجُ أنتاروس، به ضغينة تجاهه إذ يُنسَب له الألم المقيت لِلحُب في حينِ أن كان يُمكن له ملذاته، فاسترد: لكنك لست إله الحُب لِتساعدني.

- وَما أدراك أيها الفاني؟ ألا تعرف أني إله الحُب المُتبادل؟
بدى على وجه أنتاروس الاستنكار خاصةً حينما صمت جوليان، فرفع حاجبيه مُدركًا لقلةِ علم الورى وَقال: ذاك الكره لم يكُن سِوى سهم سرقته مِن جُعبةِ أخي، وَمُرادك في الحقيقةِ عند إله الحُب المُتبادل، الذي يشفق على الورى المُتعلقين بِطرفِ واحد.

- إن كنت إله الحُب المُتبادل، لِما تأكدت بأن حُبي سيظل مُعلقًا؟
إن كان يُشفق كما زَعِم.

- لأنك أحتجت لِعقابِ كي تؤمنَ.

- بل أحتجت أن تتواجدوا بِالمعابدِ وَأن تلبوا دعواتنا، لكنكم فقط هجرتمونا.

- الإيمان أيها الفاني مُجرد، لا يجب أن تراني كي تؤمن بِوجودي. أنها عبادة يقيمها القلب وَيدفع جسدك لِممارستها، لا يتدخل بها العقل لِأنها مُسلمة عصيبة له لِيفهمها، تراه ينسى السؤال فيما يبحثُ عَن الإجابةِ فيعلق بِالتيه.
وَنحن لم نهجركم، بل تركنا مصيركم لِكم؛ فأنتم البشر تبحثون عَن مُختصر السُبل لِرغباتكم، تعبدوننا بِدافعِ المنفعة لِنحقق رغباتكم وَحينما نفعل، تُلقون حِمل العواقب علينا وَليس أنفسكم.
احتجتم أن تشقوا كي تصلوا لِرغباتكم بِأنفسكم.
لم تحتاجوا لِلإيمان كي تنجوا، بل احتجتم أن تنجوا كي تؤمنوا.

- وَهل عانيت كفايةً كي أؤمن؟

- مجيئك اليوم يؤكد عكس ذلك.

- تمت -



.
.
.













السلام عليكم 💝
لو حد قرأ لاني متوقعة بنسبة كبير ان القصة دي بتفلب 😂✌🏻

القصة دي تجسيم لما يكون معاد تسليم واجبك بكرة وانت شغال لغاية الصبح فيه 🤡✌🏻
ولما تبني عالم خيالي في فصل واحد وتحاول تراعي انك متنجرفش في وصف العالم وتنسى الحبكة فالاحداث بتكون:

عارفة ان في حاجات كتير قد -اكيد- تكون غير مفهومة.
وعايزاكم تعرفوا ان وسط العك دة كله، اكتر حاجة مضايقاني نفسيًا اني عطيت الدور لجايهيون باسم انجليزي لاني مش متخيلة حد غيره 🤡😭

ويمكن اكتر حاجة فريش فيهم هي النهاية، الي في الحقيقة بتعبر عن رفض مساعدة انتاروس لچوليان وانه لازم ينال اعجاب لاڤيلا بنفسه.

الالهام لجو القصة كان مسلسل bridgerton وسعيهم للزواج في المواسم، وَالجو الانجليزي بصفة عامة خاصةً الطبقة الارستقراطية
فيما الآلهة بتبنى الآلهة الإغريقية خاصةً إذ أن إروس هو كيوبيد بس كيوبيد في الاساطير الرومانية.
ولان مينفعش اخلط بين انجلترا بعد الثورة الصناعية واساطير الاغريق بدون ما انقد نفسي بقسوة، اخترعت دولة جديدة بعالم تاني كأني مش هنتقد نفسي بردو🤡👏🏻

بعد 'ماذا الان' قصة مُصغرة من اساطير متعلقة بإروس وعقدت زي مقارنة خفيفة بين حالة چوليان وَإروس.
أنتاروس فعلًا إله الحُب المتبادل، لكن ملهوش قصص مع إروس على الإطلاق. وَإروس له سهمين: ذهبي للحب، رصاص للكره
وبعد زواجه مِن سايكِ اتقى الله وبطل يلعب بمشاعر الناس زي ما عمل مع ابولو ودافني 🤡

الدافع وَالمُلهم الأول اني اضع مجهود في اني اكتب القصة دي؛ هو القلم الفانتازي السادس عشر بحساب الخيال
ولان اساسًا امبارح كان مفروض اخر يوم للمشاركة، استعجلت القصة دي بشكل فوق الفظيع خاصةً ان في مواضع كتير كان ممكن يتحكى فيها باستفاضة، ونقلت مابين مشاهد كتير في وقت قليل ودة ادى لعدم رضاي الكامل عنها. لكني مكنتش هكتبها بأي شكل تاني، مكنتش هحب حتى اخوض معاناة اكتبها على فصلين

لكن إذا احد قرأ،
فأتمنى أنه يعطيني رأيه الصريح 💝

كذلك إذا في أشياء غير موضحة، هكون سعيدة اني اشرحها 💞

للعلم أن دة مش اخر ذكر لإيونيا أو چوليان أو حتى لاڤيلا، لان حقيقي عجبوني لدرجة اني بوظفهم فيما بعد 💞

وَشكرًا 💖

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top