Chpter 1


حين تضيق بك الاماكن ، تذكر أن ركن الله موجود لأجلك .

في صباح إحدى الايام الهادئة ، رفعتُ جفنايّ بشيءٍ من التعب بعد أن أرَّق نومي كابوس أخر من كوابيسي التي أصبحتُ أعتاد عليها و أنسى معظمها ، منذ متى؟ .. لم أعد أذكر لأنها أصبحت روتين حياتي الذي يجب الاعتياد عليه .. نهضتُ أتثاءب بقوة لأنظر لتلك الشمس التي أنارت جزء من غرفتي قد أُزيحت عنه الستائر السوداء قليلاً لأغمض عينايْ بضجر ، لست أحب الشمس ولست أحب قوة نورها ، ذلك يرهقني دائماً فأنا أكثر الأوقات أعيش في الظلام ، أحببته! بل أدمنته حتي ما عاد بإمكاني أنْ أجد نوري المسلوب !!

" فارس! فارس هيا إستيقظ لأجل المدرسة!"
بدأ صياح جدتي كما كل صباح دون أن تدخل غرفتي! فأجبتها بصوت عالي قليلاً :
" حاضر جدتي! "

نهضت بكسل ، و بدأت بروتيني المعتاد صلاة و إرتداء ملابس المدرسة ثم أنزل للأسفل ، أراهم الآن متجمعين حول تلك المائدة الطويلة التي تتسع لأفراد أسرتي التسعة ، عمي أمجد و زوجته مريم و إبنه الأكبر لؤي صاحب العشرون عاماً و جنَّة صاحبة الثامنة عشر التي بدأت دراستها الجامعية منذ أسبوع فقط ، و عمي الاصغر ماجد و زوجته و إبنه الاصغر الذي يصغرني بعام 'مراد' ، جدي و جدتي و أنا العاشر و ابي و أمي تكتمل الاسرة بإثنى عشر فرداً ، عائلة مكتظة!!

إبتسمت جدتي بخفة حين رأتني بينما تجاهل الباقي وجودي و هي تناديني إلي جانبها :
" تعال حفيدي إلي جانبي."

تحركت قدمايّ أنزل الدرج ، أشعر بالانزعاج منذ الصباح ! .. تقدمتُ منها و توسطتُ المقعد الذي يلتصق بمقعدها ، فربتت علي خصلاتي الحالكة و من ثم نظرت إلي عيناي الرمادية و هي تقدم لي أطباق الطعام بلطف :
" تناول إفطارك جيداً قبل أن تغادر صغيري فارس ."

رمقتها بهدوء كالمعتاد ، لا رد فعل ، لا حديث ، ولا أي شيء ، مما جعل مراد ينظر لي بسخرية :
" أخرس كعادتُك!! جدتي تحاول إخراجك من وحدتُك لكنك عنيد و أبله ."

لم أحدق فيه ، لست غاوي رؤية نظرات الأعين و ما خلفها من كلمات مكتومة أراها ، بل أمسكتُ بملعقتي و شرعت بتناول إفطاري ، فربتت يد جدتي علي رأسي و هي توجه حديثها لمراد :
" مراد تناول طعامك بصمت ، لأجل المدرسة ."

لم تناقشه لأجلي ، كعادتها! .. رغم لطفها الا أنها لم تدافع عني ولا مرة واحدة فقط! مرة واحدة تزيد من قوة ثقتي بنفسي التي لم أعد أراها ، لذلك أنا إعتدت أن أكون جبان!!

انتهيت ثم نهضت ، فخاطبني جدي قائلاً :
" فارس ، لم تتناول طعامك بشكل جيد .. "

" أنا شبعت ."

همست ، فخاطبني مجدداً مغيراً كلماته :
" حسناً ، سالم و أميمة كانا يريدان سماع صوتك و الاطمئنان عليك ."

لحظات من الصمت حتي أجبتهما :
" أنا لست متفرغ ."

فرد بحدة معترضاً علي مقولتي :
" هما والداك! "

لكن احتدَّ صوتي بخفوت منهياً الحديث :
" لا أعرفهم ."

و غادرت ، تاركاً شعور الخيبة ملازماً لي ، كيف لهما تركي فجأة منذ أربع سنوات و يتصلا الآن ليسمعا صوتي؟! .. سأدعهما بسفرِهما و حياتِهما خارج البلاد دون أن أجعلهما يروني أو يعرفا عن أخباري أبداً!! .. هم قرروا و هذا قراري النهائي .

وصلت لبوابة المدرسة و أنا أفكر في كل شئ لدرجة لم أشعر بانزعاجي للصباح كما إعتدت و للأسف نسيت الكاب الذي اعتدت أن أضعه علي رأسي لحمايتي من الشمس .. هه! أنا كائن ليلي أحمق!!

" فارس!! "
تسمرت برجفة سرت بجسدي و أنا أواجِه صاحب الخمسة عشرة عاماً بصدمة بسبب صياحه ، هدأت من تنفسي حين إقترب مني بقلق معتذراً :
" فارس أنا أسف ، لم أقصد إخافتك! "

فخاطبته بهدوء :
" نادر ، لا تفعل ذلك مجدداً ."

فابتسم و اقترب ليعانقني بقوة ، عناق لم أشمئز منه ، و أردف ضاحكاً :
" هكذا هو صديقي الأحمق اللطيف!!!"

ابتسمت بقوة ، أنا أحب هذا الفتي كثيراً ، أنه أروع صديق!!

" كيف تعانق هذا المجنون يا نادر؟! ستصيبك عدوى جنونِه ! "
صاح ولداً أمامنا و قد تجمع عدة أولاد و بنات مستمتعين جميعاً من رؤيتهم لي و أنا أغضب و أتجنبهم ، فلم أنظر لأعينهم أو وجوههم و فضَّلت النظر للأرض بقلق قبل أن أهمس لنادر الذي بالتأكيد انزعج منهم :
" نادر ، لندخل فالشمس تزعجني."

لبَّى لي طلبي و أمسك بيدي لنغادر سوياً إلي الفصل ، نادر معي قبل أن يفترق عني والداي ، استطاع اخراجي من حزني بسبب وجوده معي ، هو صديق طفولتي ، لم ينزعج أبداً من تصرفاتي الغريبة!! .. يعيش مع شقيقه الاكبر لأن والداه متوفيان بحادث سيارة ، هو مثلي لكن الفرق أن والداه متوفيان أما أنا فوالدايْ مغادران بارادتهما .

" فارس فارس! ما رأيك أن تذهب معي اليوم لنجلس سوياً مع أخي ساهر ، هو لديه أجازة طوال اليوم لنستغل عطلته بالجلوس معه! "

رفعت عينايْ للشخص الوحيد الذي يمكنني رؤية لون عينيه العسلية الصافية كشعره الاشقر ، هو من أصول أجنبية فوالدته كانت من أميريكا لكنه هو و شقيقه لم يعيشا بالخارج فقد تربيا هنا قبل موت والدهما .

أومأت برأسي كإجابة ، فتوسعت إبتسامته بسعادة و هو يجاورني بالجلوس بمقعدنا المشترك قبل أن يدخل المعلم و يبدأ الشرح .

حين انتهت ساعات الدراسة أمسك نادر بيدي و سحبني معه قبل أن أستطيع إخبار جدي بذهابي ، بعد نصف ساعة من الركض استطعنا الوصول لشقته بإحدي المباني المعمارية ، فضلنا الصعود بالسلالم للطابق الخامس بدلاً من المصعد لأني أخاف البقاء فيه ولو مع نادر!

ابتلعت ريقي بتوتر ، شقيقه مخيف قليلاً لكني أحب الجلوس معه رُغم ذلك!! أمري غريب أعلم!!

ثلاث طرقات عنيفة لنجد أن الباب قد فُتح بقسوة و الأخر يصرخ بغضب :
" نادر أيها ال..."

صمت حين رآني ، ثم تبدلت ملامحه فوراً و هو يقترب مني بابتسامة متجاهلاً أخاه :
" فارس! منذ متي أنت هنا؟ "

" جئت للتوْ ."
همست و أنا أخفض عيني دون النظر لملامحه التي تشبه ملامح نادر ، كأنهما نسختان لكن بحجم و عمر مختلف!

ابتسم رادفاً و هو يجذبني للداخل :
" تعال إذاً ."

دخلنا ليسير نادر نحو غرفته بينما أنا نزعتُ حقيبتي عن ظهري و جلست علي الأريكة ، منزلهما جميل و مرتب!

ابتسمت حين مُدت يده بتفاحة حمراء قد ناولها إليّ فأخذتها و أنا أخاطبه :
" ساهر ، هل لك أن تتصل بجدي كي .."

و لم أكمل إذْ أنَّ هاتفي قد اهتز بجيبي فأخرجته و همستُ و أنا أحدق بشاشته المكسورة :
" عمي أمجد يرن ، أظنهم قلقوا لتأخري ."

فسحبه ساهر و رد بدلاً عني و هو يبتعد عن مرمى نظري ، حينها جاء نادر قائلاً :
" قم لتصلي أولاً ثم نجلس مع أخي ساهر ليشرح لنا ما نريده ."

أومأ فارس و قد ابتسم و هو ينهض بينما توجه نادر ناحية ساهر الذي لا يزال يتكلم عبر هاتف فارس ، ثم احتد صوته قليلاً :
" سيد أمجد ، أتشك أني سأغير أفكاره مثلاً؟! .. أنه ما زال صغيراً عما تفعلوه به ، عليه أن يخرج و يصاحب و يفعل ما يريده ما دام صحيحاً ."

سكت للحظات ثم تنهد قائلاً بضيق :
" أنا لن أناقشك ، و فارس سيجلس عندي لبعض الوقت ثم سأوصله للمنزل بنفسي ."

أنهي كلامه ثم أغلق المكالمة بضجر ليسأله نادر بقلق :
" ساهر ، أحدث شئ؟ "

زفر ساهر بضجر يرد :
" أنه يريد معاقبته علي مجيئه دون إخبارهم أولاً ، هؤلاء غريبوا الأطوار أكثر من فارس نفسه! فقط لو يعود عمي سالم! "

" أتمني ألا يعودا و يبقيا هناك ، لا أريدهما."

نظرا لفارس الذي تحولت ملامحه للغضب ، توجه ناحية الأريكة ليجلس عليها بعبوس فابتسم ساهر و تقدم منه ليجلس إلي جانبه قائلاً :
" أعرف أنك غاضب ، لكن لا تتمنى عدم عودتهما ، هما والداك .. أنهما جوهرة حياتك إن ضاعت لن تجد نوراً يقودك مجدداً ، فهمتني؟"

إحتقن وجهه قبل أن يرفع كف يده يمسح عينيه التي إمتلأت بدموعه قبل أن يبكي و هو يجيبه بصوت مختنق :
" لكنهما تركاني .. لم أفعل لهم شيئاً ليعاقباني بهذه القسوة! .. "

إحتضنه ساهر مربتاً علي ظهره و هو يهدئه قائلاً :
" أعلم أنك حزين لذلك لكن والداك كانا مضطران للسفر و أنت كنت طفلاً لا يُسمح له بالسفر لأجل حالتك الصحية وقتها."

فرد مُصِرَّاً :
" ليس سبب كافي لأسامحهما عليه ."

تنهد ساهر و رفع نظره لنادر الذي هز كتفيه بجهل ، فخاطب ساهر فارس قائلاً :
" فارس ، لا بأس انسى الأمر .. هيا إغسل وجهك و تعال لنأكل سوياً ."

ابتعد فارس قليلاً و نهض ليفعل ما طلبه منه ساهر الذي تحرك ناحية المطبخ ساحباً نادر معه متجاهلاً تذمره .

تجمع ثلاثتهم علي طاولة الطعام المستديرة ليبدأ جو من الدفء الذي لم يشعر به فارس وسط أسرته .

رفع نادر رأسه ناحية شقيقه و فمه ممتلئ بالطعام :
" أخي أريد دراجة."

توقف ساهر عن الأكل و هو يعقد حاجبيه في انزعاج :
" قلت لك حين أستلم راتبي ، كما أنك لا تستطيع أن تقودها ."

لكن نادر دافع عن نفسه :
" بل أستطيع يا ساهر ، أرجوك لتشتريها لي."

تنهد ساهر بضجر ليوافق علي مضض ، تلك اللحظة إنتبه علي خمول فارس و هو يتناول طعامه بكسل ، فخاطبه بلطف :
" فارس ، هل نمت جيداً الأيام الماضية ؟"

رفع فارس عيناه الشبه مفتوحة و نفي بدون كذب قائلاً :
" كنت أتابع الليل ، كان جميلاً فلم أستطع النوم ."

عقدا الشقيقان جبينهما باستياء ، لينطق الأكبر قائلاً :
" هذا خطر عليك .. عليك أن تحاول النوم أثناء الليل لأنه مفيد لصحتك كثيراً ."

لم يتأثر فارس بكلامه حتي حل الصمت ، فكلاهما يعرفان إصرار فارس علي السهر ، فالفترة التي مر بها بالماضي كانت كفيلة بشقلبة حياته رأساً علي عقب .

حين انتهوا ، ساعدهما فارس بتنظيف المنزل و جليّ الأطباق ، لم يعترض ساهر بل أراد إشغاله عن النوم ليظبط مواعيد نومه .

بعد ساعة من الآن أصبح فارس واقفاً أمام عمه أمجد المنزعج من ساهر لأنه أخَّر فارس الذي كان بدوره محتمياً بقرب ساهر و هو يقاوم النعاس بإستماتة!

رمقه أمجد باستياء ليأمره بحدة :
" فارس إذهب للنوم ."

لم يجادل فارس و هو يتحرك ناحية الدرج ، صعد بكسل حتي وصل لغرفته ليخاطب أمجد ساهر بهدوء :
" تعرف أنه مريض فلما تركته للتاسعة مساءاً؟!"

فأجابه ساهر الذي لم يكن يحب تصرفات هذه العائلة و سلوكها :
" حاولت جعله يؤخر نومه كي يستطيع النوم بالليل لا أن تتركوه مستيقظاً وحيداً ، كما أنكم تتركوه يهمل حياته دون حتي أن تمدوا له يد المساعدة ."

أمجد دافع عن نفسه :
" لقد تولينا أمر طبيب نفسي لكنه رفض بذاته أن يكمل معه ، ماذا عسانا أن نفعل؟! "

لم يجادل ساهر ، بل التفت مستأذناً يغادر تحت نظرات أمجد و لؤي الذي كان حاضراً منذ فترة ليتنهد بقلة حيلة و يلتفت ليذهب نحو غرفة فارس ، لكن و قبل حتي أن يتحرك كلاهما سمعا صراخ فارس الجزع فالتفت أمجد و تحرك مسرعاً ناحية غرفة الأصغر و إبنه قد تبعه بقلق !!

فتح أمجد الغرفة ليجد فارس يجلس علي سريره بوجه متعرق ، كان شكله يوحي بأنه قد استيقظ للتو!

" فارس أنت بخير ؟ "

سأل أمجد و هو يجلس الي جانبه فنظر له الصبي بيأس :
" لقد كان أبي و أمي في الحلم ، لقد أخبراني أنهما لا يريداني! "

زفر أمجد بضيق و هو يبعثر شعر إبن أخيه :
" و هل لك أن تجزع من حلم؟ .. خذ مهدئ إن لم تستطع النوم ."

أومأ فارس بعقل مشغول و هو ينظر ناحية لؤي الذي أعطاه ابتسامة بسيطة ، فتجاهل ذلك و هو يستلقي بتعب فتركاه و غادرا تاركين نور غرفته مضاءاً لكنه عبس و تحرك ليظلم الغرفة تماماً ليستلقي بعدها بشئ من الراحة علي قلبه .

*
*
*
يتبع...

حسناً،  هناك غموض كبداية،  لما تصرفات فارس هكذا؟

لما أسرته تحيطه بكل هذا الحذر؟

و لما لا يشعر بقربهم بأي دفء؟

هناك الكثير من الأسئلة لن يجيبكم بارت واحد عليها 😂❤️ لذا انتظروا الباقي

سيكون التنزيل كل ثلاث أيام او اسبوع علي حسب تفرغي.

ما رأيكم بالرواية كبداية، سرد و قصة؟!

الي اللقاء 💜✨

.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top