Chapter 5
من سيفهم ضجيج قلبي و ملامحي ساكنة!
..
اللوحة التي قام برسمها كانت عبارة عن طفلة بالخامسة ، بعدساتٍ زمردية و شفاهٍ كرزية اللون تتسع بابتسامة شقية ، و شعرها الطويل الذي كان جزء منه مبعثر علي وجهها كان يميزها كملامح أبيها تماماً و الذي تبسم و هو يرى طفلته مرسومة بهذا الشكل المبهج ، ليحول نظره لفارس الذي تلطخت ملابسه بالألوان ، حتى وجهه و شعره نالا نصيباً ، لكنه كان يبتسم برضى ، شيء جعل عامر يفكر في الأمر ، النبذة الفنية تتسع في أطفال التوحد لكن لأول مرة ربما كان يشاهد طفل التوحد بهذا التميز و الفن .. كان مختلفاً ، يجعل من إختلافه شيئاً مميزاً .. الآن بات يعلم أنه يسعد حين يرسم و كأنه يعبر عما يكنه من مشاعر داخله ، فرح أو حزن ، لربما هذه طريقته بالتعبير عن نفسه ؟
بحركة غير إرادية بعثر عامر شعر فارس الذي جفل لفعلته لكنه كبح رغبته بالابتعاد حين دخل عمه ماجد يقترب من عامر ليقول :
" أريدك بأمرٍ ما ."
لم ينبث فارس بكلمة و الاثنان يغادران غرفته ، حين خلت الغرفة من كلاهما رفع فارس نظره لتلك اللوحة و كأنه كان يتخيل تلك الطفلة بابتسامتها الشقية ، ابتسامته التي ظهرت لثواني معدودة إختفت ، لما لم يملك والداً يفاجئه بعيد مولده كما هذه الطفلة؟! .. أليس لديه الحق بذلك؟
رفع كفيه يحدق بالألوان الزاهية التي طبعت علي يده ، هذه ليست حياته ، ليست أفكاره ولا أراءه! .. ليس ما يريده .. ذلك الشعور الذي يلازمه دائماً يقتله ..
تحركت تلك اليد تمسح علي خصلاته و قد جاوره بمقعده و الفتى لم يبالي و هو يهمس للأكبر دون وضع حدود بينهما :
" هل أنا أنتمي لهذه الحياة؟ "
كان سؤالاً غريباً لكن عامر إستصاغه جيداً ليبتسم و هو يلعب بشعر فارس الذي لم يهتم و لا زال يحدق بيديه:
" بلى .. لكن بشكل مختلف .."
" قاطعه دون فهم :
" كيف؟! "
و بحركه لطيفه أمسك بذقنه ليتبادلا النظرات :
" أنت مميز ، عليك فهم ذلك .. طفل نادر خلق لقدر مختلف .. أعلم أن أحياناً الظروف تؤذِي و لكن أعلم جيداً أن الشخص يريد من يعطيه الدعم ليكمل مسيرته .."
قاطعه بشئ من الحزن و قد عاد ليحدق بالرسمة :
" لكن الدعم لم أره من أي شخص من أهلي .. هل أنا السئ ولا أفهمهم؟! "
رآه يبكي بصمت بعد كلماته ، و كأن هناك من كسره من الداخل ، كشخص لم يرى دعماً ولا إحتوائاً بحياته ، كشخص مختلف مثله لم يشاركه أحد إهتماماته!
" نحتاج لأن نكون عون و دعم لأنفسنا قبل أن نرى الأخرين يقدمون لنا ذلك .. لنفسك عليكَ حق ."
مسح فارس دموعه و قال بحشرجة :
" أنا أحبهم ، لكن أنزعج منهم أحياناً .. لكن أحياناً أخرى أري نظرات المسؤولية فقط ما يحملوها تجاهي و هي تزعجني ."
مسح علي شعره مجدداً و همس بهدوء :
" أحياناً لا نرى ما يحمله الأخرين تجاهنا .. تعلم ؟ .. لو أنك أعطيت نفسك فرصة لمعرفتهم ستعلم أن نظرتك كانت خاطئة ."
فكر فارس قليلاً ثم نطق بيأس :
" لكن أنا أخاف ."
" مما تخاف؟ "
" من أن لا أستطيع فعل ذلك ."
صمت عامر يفكر بحديث الفتى الذي فرك عينيه و نظر نحوه يقول شيء غير متوقعاً :
" عم عامر هل أنا مريض؟ "
نظر إليه عامر بصمت ، يحاول إدراك ما يرمي إليه الفتي ، ماذا إن أخبره أنه مريض بالفعل؟
" لست سوى جاهل لظروف حياتك ، يمكنك معرفة ذلك فقط ."
ثم نهض تاركاً إياه غير مدرك ما أراد توصيله من كلماته ، ليبقي وحيداً يحدق بأدوات الرسم بصمت ، يشعر و كأنه تائه بفضاء كَوْنِيْ لا يستطيع أن يخرج منه بسهولة!
باليوم الثاني بالمدرسة حدثت مشاجرة كبيرة بين حاتم و نادر مما جعل فارس يتدخل .. الأمر بدأ حين كان نادر يجلس مع فارس ثم أخبره أنه ذاهب لدورة المياة قبل أن تنتهي الاستراحة ، و حين ذهب كان حاتم مترصد به ، فأوقفه هو و زميل له أخر يسمي حسن .. كلمات حاتم الساخرة جعلت نادر غاضباً لكنه حاول ألا يفعل شئ حتي يأخذ أخيه حقه لكن حاتم كان له رأي أخر و هو يدفعه من صدره ليسقط نادر علي الارض ، فغضب نادر و نهض دافعاً بجسد حاتم الذي تراجع دون أن يسقط ليفاجأ نادر بضربة جائت من حسن جعلته يسقط بقوة علي الارض ...
أما عند فارس فسمع ضوضاء بالخارج ، قرر أن يحاول الابتعاد عنها تماماً لكن دخول أحد الأولاد يصرخ :
" فارس ! حاتم يتشاجر مع نادر .."
لم يمهله أن يكمل و قد تناسى انزعاجه من الضوضاء ليركض نحو موقع صديقه ، تفاجأ من وجوده علي الأرض و حاتم فوقه بينما لا أحد يتدخل ، فلم يشعر بنفسه و هو يجذب حاتم عن صاحبه ليسقط معه أرضاً ليخاطب نادر بقلق و هو يحاول الابتعاد عن حاتم :
" نادر أنت بخير ؟ "
نهض نادر بألم ممسكاً بصدره و ينظر لفارس الذي دفع حاتم الذي أراد بدوره مشاجرته ليجفلوا جميعاً علي صوت معلمهم الغاضب :
" ما الذي يحدث هنا؟!."
تالياً قد توقف الأربعة أمام المدير الذي تجاهلهم لدقائق و هو يدون توقيعه علي عدة أظرف ، كان فارس يبتلع رمقه بقلق و هو يرى إسمه علي أحد تلك الأظرف ، فبحركة عفوية أمسك بيد رفيقه الذي نظر إليه بأسف ، فهو السبب .. أخرجه من تفكيره المدير حين نطق :
" تقدم يا فارس ، أخبرني ما حدث."
كان يعلم أن هذا الفتى لا يكذب فهو كذلك يعلم بحالته فقد أخبره أمجد عن ذلك ليتوخوا الحذر بالتعامل معه .. ترك فارس يد رفيقه و تقدم نحو المدير بشيء من التردد ، لم ينظر لعيناه و هو يهمس :
" هناك من أخبرني أن .. أن حاتم يتشاجر مع صديقي .. فذهبت إلي هناك.."
صمت و إلتفت برأسه لنادر فنطق حاتم كاذباً :
" أستاذ حامد لقد جائني نادر و حاول مشاجرتي و استفزني لهذا تشاجرت معه .."
" أنت كاذب! "
صاح نادر غاضباً مندهشاً ليكمل حسن عنه :
" بل هذا ما حدث يا نادر ، لقد رأيت ذلك بأُم عيني قبل أن أتدخل ."
كان نادر مصدوماً ، هو بوضع سيء ! .. نظر للمدير مبرراً بخوف :
" أستاذ لم .."
" حين تأتي أسرتكم سوف نتكلم ."
قال منهياً النقاش ، فنظر نادر لحاتم ليجده يبتسم برضى ليخاطبهم المدير ببرود بينما يناولهم الأظرف :
" علي فصلكم .. غداً يأتيني أولياء أموركم و إن تخلَّف أحدكم عن الأمر سيعاقب ."
بعثر نادر شعره ثم ضرب جبهته بغضب علي الطاولة ليشعر بيد فارس تخفف عنه و هو يهمس :
" أسف نادر ."
نظر إليه و ابتسم بتكلف مبعثراً شعره ليقول بهدوء مزيف:
" لا تقلق ،واثق أن أخي سيحل الأمر ."
أومأ فارس ثم نظر لحاتم الذي قال بسخرية :
" هون علي رفيقك أيها المجنون ، فلا يحتاج سوى مجنون ليهون عليه ."
غضب نادر من كلامه و نهض ليحاول ضربه لكن فارس أسرع بإمساك ذراعه يمنعه قائلاً :
" لا تفعل يا نادر ، أرجوك ."
كبح نادر غضبه لأجل فارس بينما رفع حاتم حاجبه بتهكم :
" هه! جبان! "
تنفس نادر بقوة يحاول منع نفسه عن حاتم بينما ظل فارس متشبثاً بذراع نادر حتى هدأ .
بعد فترة وجيزة فرك فارس عينه الناعسة و هو يحاول مقاومة النعاس لأجل حصة الرياضيات ، كان كلمة "مجنون" تدور بعقله ، كلمات حاتم جعلته مستاء ، نظر لنادر يريد إخباره عن أن هذه الكلمة ألمته لكن رؤيته لنادر بعالم أخر بملامح مستاءة جعلته يتمحور حول نفسه و يحاول إخفاء مشاعره أكتر كي لا يستاء صديقه كذلك .. يكفي ما هو فيه .
..
غادرا المدرسة منفصلان عن بعضهما ، حين أوصل السائق فارس لمنزل جده مع مراد ، خرج من السيارة شارداً ، مر عليهم بصمت دون أن ينظر إليهم نظرة واحدة فقط بينما رمى مراد نفسه علي الأريكة بجوار جده ، كان قد لاحظ الجميع تكدر وجه فارس و شروده، فناداه عمه قبل أن يصعد لغرفته فهو يعلم إن فعل فلن يفتح لأحد :
" فارس؟ .."
صوته جعله يتعثر حين خرج من شروده بشكل مفاجئ فكاد يسقط علي درجات السلم لكنه وازن نفسه ثم التفت إليهم بصمت ، ضيق أمجد عينيه و هو يعتدل بجلسته ، شيء ما خاطئ اليوم .
كان الجميع جالس بمكانه ، لم ينظر فارس لأحد و هو يتقدم ليقف أمام عمه الذي سأله بحيرة :
" ما بك ..؟ "
قاطعه فتحه لحقيبته ليُخرج ظرفاً مناولاً إياه لعمه الذي أخذه منعقداً جبينه بشدة ، فتحه بحيرة و قرأ ما بداخله ، فرفع نظراته مخاطباً الفتى بحدة مستنكراً :
" ما هذا يا فارس؟! "
انقبض قلب فارس و تراجع خطوة للخلف مبعداً نظراته عن عمه الذي كان غاضباً لينطق مراد بلا مبالاه :
" لقد تشاجر مع فتي اسمه حاتم هو و نادر و فتى أخر لا أعرف من يكون ."
نظر أمجد بحدة لفارس :
" فسر لي ما حدث ؟ .. "
لم ينطق فارس ، فهو لا يجد ما يخبره به ، هو أصلاً لا يعلم ماذا حدث ، فجأة وجد نفسه يعاقب معهم ، فهمس و هو يلتفت هارباً :
" سأذهب لأنام .."
" فارس! .."
صاح أمجد بغضب لتجاهله ، فسد فارس أذنيه من صوته و قد وقف مكانه بينما لم يهتم الأخر و هو يكمل :
" كم مرة أخبرتك لا تتجاهلني حين أحدثك؟ "
كان لا يحب أن يتجاهله أحداً مما جعل صوته مرتفعاً ، ذلك جعل فارس مثبتاً كفيه علي أذنه معطياً ظهره لهم جميعاً فلسوء حظه الجميع ليسوا موجودين و لكن تجاهله للمرة الثانية جعل أمجد غاضباً أكثر ظناً أنه يتجاهله عن عمد ، فنهض يجذبه من كتفه ، فصرخ فارس بجزع:
" إبتعد عني .."
رفع أمجد يده ليصفعه لكن يد ماجد حالت دون ذلك و هو يبعد أخيه بهدوء مستنكراً غضب أخيه :
" هل لك أن تهدأ يا أمجد لنعرف الحوار كاملاً؟ "
ثم تركه يتقدم ليعانق فارس مهدئاً فأخذ أمجد يتنفس الصعداء محاولاً إدراك الامر ، يعرف أن هذا لا يستدعي للغضب لكنه لم يشعر بنفسه و هو يغضب عليه .. نظر إليه و قد إعتلاه الندم حين رأه بحضن ماجد يبكي بصمت ، كان يوماً ثقيلاً عليه ، فتقدم أمجد إليه هامساً بندم محاولاً الامساك بيده:
" فارس أنا أسف ."
" لا تلمسني! "
صرخ فارس باشمئزاز يتراجع بخوف منه لكنه لم يكمل خطواته حتى سقط أرضاً فتقدمت جنَّة قبلهم لترفعه بقلق ، فتمسك فيها بقلق لتخاطبه بصوت حنون :
" لا تخف ، لا أحد سيقترب منك أو يؤذيك .."
جذبته من يده و هي تبتسم بلطف :
" تعال سنذهب لغرفتي لنتحدث سوياً ."
لم يجادلها و قد هدأ قليلاً ، إختفى الاثنان عن الأنظار ليتنهد ماجد براحة :
" حمداً لله ، جنَّة إحتوت الموقف ."
إلتفت لأخيه الاكبر ليخاطبه مستاء :
" و أنت أمجد ، لا تخرج غضبك عليه ، الشركة شيء و فارس شيء أخر ، لا تُدمج الاثنان! .. أنظر ماذا حدث ! .. كاد يعود لتلك الأيام الذي تصيبه فيها حالة نفسية حادة ، يبدو أن أمراً كبيراً حدث بالمدرسة ، كان عليك جعله يفهم ما تود أنت أن تعرفه ."
أرجع أمجد خصلاته للخلف بانزعاج من نفسه ، لقد أخطأ بسبب عصبيته المفرطة .
تنهد ماجد و نظر لمراد باستنكار :
" و أنت يا غبي !.. "
تفاجأ مراد من والده الذي أكمل مستاءً منه :
" حين شاهدت إبن عمك يتشاجر لما لم تقف معه أو حتى تعلم ماذا حدث معه ؟ "
فصاح مراد مندهشاً :
" أقسم لم أره أبداً! .. صديق لي أخبرني قبل أن نرحل ."
ناظره والده بشك فعبس مراد ، تنهد ماجد و تركهم ليذهب حيث غرفة جنَّة .
كانت لحظتها تبعثر شعر فارس و هي تريه علبة جديدة من الألوان كانت قد إشترتها له خصيصاً و لم تستطع الأيام الماضية إعطائها له لأنها كانت مشغولة جداً بدراستها و الجامعة .
" هيا إبتسم يا فارس."
قالت بمرح و هي تمسك خده فنظر إليها ثم للعلبة و ابتسم هامساً :
" شكراً يا جنَّة ."
ضحكت بعذوبة لتتركه و هي تتخطى الفوضي بغرفتها لتصل لأحد كراسات الرسم ثم إلتفتت تخاطبه لتندهش منه و هي تراه يرتب الغرفة بصمت ، فابتسمت لعادته الغريبة في ترتيب غرفته ، فهو ليس كالفتيان الفوضويين الذين بعمره .
طرق الباب ثم دلف ماجد بابتسامة نادهاً :
" فارس ؟ .."
نظر له فارس للحظة بصمت ثم تجاهله يكمل ترتيب الغرفة فدخل ماجد ينظر لجنة قائلاً :
" يبدو مستاء صحيح؟ "
ضمت شفتيها بأسى و أومأت فتنهد ماجد و هو يخاطب فارس :
" عمك أمجد لم يقصد صفعك .. "
بتر كلماته حين عبر فارس من جانبه بألوانه و هو يجيب بجفاء :
" لا أريد منكم شيء ."
ثم أغلق خلفه باب الغرفة مما جعل جنَّة و ماجد يجفلان علي ردة فعله !!
تنهدت جنة قائلة لعمها :
" دعه عمي ماجد ، هو مستاء الآن منكم ، حين يهدأ سيعود لطبيعته ."
جلس ساهر ممسكاً بذلك الظرف و هو يقرأ ما بداخله بهدوء ، نادر كان يجلس بجانبه علي طرف السرير ، لا يتكلم ، ينتظر أن يوبخه شقيقه ..
تنهد ساهر باستياء لكنه ابتسم و هو يمسح علي خصلات أخاه يسأله :
" لا تتضايق .. أخبرني أولاً ماذا حدث؟ و من بدأ الشجار ؟ "
عقد نادر جبينه ، قلبه يغلي من الغضب ، كان ساهر يعلم ذلك .. تصرفات الفتية في المدرسة تثير استيائه !
*
*
*
يتبع..
و فصل لطيف خفيف علي ذاكرتكم تخللته مشاهدة شجار لكيف كذلك 😂👌
و الآن ما رأيكم بالبارت؟
أعرف أني تأخرت لكن لتسامحوني 🙁
كما ما قلته بالبارت السابق لا تغضبوا او تستاءوا منه، لقد قلت ذلك لتوضيح الأمر و لست مستااءة من أحد، كما يا حلوين التفاعل سئ، فهل هذا من الرواية لأنها سيئة؟ 🙂
لن اتفق معكم كما كل مرة، و لن أقول متابعة و دعم و ذاك الكلام، بل سأقول من يرى بالفعل أن روايتي جيدة و أسلوبي في السرد تحسن يخبرني بذلك و يضع تقييمه
اه حلو موضوع التقييم، قيموا البارت 😂
سأفعل ذلك كل بارت
و علقوا احب تعليقاتكم جداً!!!
هل بدأت تتضح أحداث الرواية؟
و ... الي اللقاء
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top