Chapter 25
اشتدت الرياح قوة ، و زادت قطرات المطر حتى صار يسمع ضربات زخراتها على النوافذ المغلقة .. تلك اللحظة عيناه لمست بتعبها الغيوم ، يفكر .. حتى نظر لكفه المغلق الذي يسنده بيده الأخرى .. ثم بدأت ابتسامته تزداد كلما رأى جزء من تلك الكرة الدائرية التي تشبه المجرات بلونها الزاهيّ اللطيف !
وضع يده ليبعثر بها خصلاته الأجنبية ، فرفع الاخر عينيه رغم تعبه و الاكبر ينطق :
" هل هي ..."
" أجل انها منه ."
رد فورًا و عيناه تعود لتحتضن تلك الكرة فتبسم أخاه الاكبر ليفاجأ بأخاه رخي جسده فاقترب منه بقلق :
" أنت بخير يا صغيري؟ "
فلتت ضحكة قصيرة منه و هو يهمس و يداه تمسك بيد أخيه بينما عينه تحدق بأخيه :
" أنا بخير ، لكني أحتاج لعناقًا ، إقترب مني يا أخي .."
تبسم ساهر و ساعده بالجلوس ليدفنه بين ذراعيه فتمسك به نادر بتعب قائلاً بخفوت :
" لقد كنت خائف .. شعرت .. شعرت بأنها نهايتي .. لكن طوال فترة نومي كنت أراهما لكني لم .. لم أستطع .."
بتر عبارته يتنفس باضطراب فأعاده ساهر ليرتاح و هو يقول بابتسامة :
" أنا أحسدك الان لأنك لازلت تراهما و لو بأحلامك .. نادر أبي و أمي لم يتركانا ، أعتقد ربما كلاهما يرى ما يحدث الان .. هما معنا رغم كل شئ ، فالانسان لا يموت ان كان ذكراه لازالت بقلوب أحباءه. "
مسح نادر دموعه و تنفس بقوة ليبتسم :
" أعلم يا أخي .. دائمًا أشعر بهما حولي .."
قاطعه الاكبر مازحًا و هو يقترب منه بقامته :
" هل أصبح يعمل الاشباح عندك براتب أم بدونه؟ ."
بادله نادر السخرية :
" غير لطيف يا أحمق .."
ثم تنهد و اختفت ابتسامته يهمس :
" ماذا شعرت حينما كدت .. تخسرني؟ "
سمع تنهيدة شقيقه الذي رفع يده ليضعها على شعر أخيه قائلاً بابتسامة تزين شفتيه بحزن و دفء :
" كدت أموت حين سمعت انك من أصبت بالحادث ."
لاحت على شفتيه ابتسامة هادئة ، حتى قال ساهر بعد تنهيدة أخرى متعبة :
" لكن لا تعلم ماذا حدث لفارس بغيابك ."
جفل نادر و هو يحدق بشقيقه بخوف لينظر له ساهر يعيده للسرير و الاخر يسأله بقلق:
" ماذا حدث لفارس؟ "
" لقد انهار بسبب دخولك الغيبوبة ، و كان يُحمل نفسه مسؤولية ما حدث لك .. مما جعل عامر يطلب من والديه أن يمنعاه من رؤيتك و أنت بالغيبوبة ، لقد كان هنا منذ عدة أيام .."
" و هل هو بخير ؟ .."
تنهد:
" لا أعلم ."
عقد جبينه بانزعاج :
" كيف لا تعلم حاله؟ ألست مقيمًا بالفيلا معهم؟ "
نظر له ساهر للحظة دون النطق و كأنه يفكر بردة فعل أخيه إن قال ما حدث لكنه فتح فمه بالنهاية ليقول ما صدم الاصغر :
" لقد عاد عم سالم بأسرته لمنزله القديم بالحي المجاور للمدينة ."
اتسعت عيناه و شهق بصدمة ، لتتوالى ذاكرته عن حديث فارس عن مدى كرهه لذلك المكان و أنه لن يحتمل ولا دقيقة واحدة من مكوثه فيه مجددًا ، لينظر نادر إلى ساهر بينما بدأت يده ترتعش و التعب يظهر عليه :
" فارس لن يحتمل المكوث هناك .. عليك أخذي إليه .."
قاطعه برفض :
" أنت مجنون؟ مازلت لم تتعافي بعد ! "
" لكن .. لكن فارس .."
زادت أنفاسه بهلع فأمسك به ساهر سريعًالينادي عليه بفزع و يده تدق جرس الانذار بجانب الكمود :
" نادر ! .. نادر لا بأس لا بأس ! .. نادر ! "
..
فتح عيناه بوهن ليظل محدقاً بسقف غرفته ، لحظات تحولت لدقائق لا يستوعب فيها مكانه ، و أين هو الان ؟ أو ماذا يفعل هنا؟
شعوره بعدم قدرته على النهوض من السرير كانت تلازمه منذ جاء لهذا المنزل و ها هي تزيد من قوة مكوثه ، يشعر بثقل روحه التي تثقل جسده ، لا يحبذ هذا الشعور لكنه إعتاده ، المدرسة بدأت فبدأ يرتادها بصعوبة بالغة .. زادت ساعات سهره أكثر و بالكاد يستطيع النوم ساعة واحدة قبل ذهابه للمدرسة مع والده بالسيارة فضلاً عن أنه ما عاد يستطيع تعويض فقدان النوم نهارًا ، زادت أفكاره الصاخبة كلما بقى وحيدًا ، حتى الدراسة .. يذهب ليبقي وحيدًا دون طيف نادر حوله .. يحتضن حقيبته حين يقترب منه أحد ، أصبح يخاف عن ذي قبل و يتخيل الجميع يعطونه الكره فقط! مما جعل الامر يزداد عن حده ليقرر حاتم مشاجرته بما أنه لوحده !
لمس الكدمة جانب فمه متذكرًا يوم أمس ، منذ ثلاث أيام فقط استطاع العودة للدراسة الا و أنه ما عاد لمنزله سليمًا ، مشاجرة حاتم له أمس و التنمر عليه جعلاه محرجًا من نفسه كثيرًا .. لقد أصبح مكشوفًا بين زملائه الذي ضحكوا أمس عليه و هم يرون حاتم يوقعه أرضًا و يجلس فوقه يحاول وضع له أحمر شفاه ليهينه و انتهي به الامر بكدمة و نزيف هائل من فمه بالكاد توقف !!
أغمض عينيه بارهاق ، ما لبث أن شعر بالاختناق ، يود لو يكون أمامه الان ليخبره عن كل ما يحدث معه! كم هو يتألم بدونه .. مجرد جبان يحتاج لأن ...
" فارس ألن تذهب للمدرسة؟ "
أغمض عينيه حين سمع صوت والدته و هي تدلف لغرفته ، لم يرد و لم يهتم بوجودها بينما تقدمت منه بابتسامة لطيفة اختفت حين رأت ذبول ملامحه و تلك الكدمة التي ظهرت أكثر بجانب فمه جعلتها تقترب منه لتلمسها فأشاح وجهه بعيدًا بألم بينما تنطق بقلق :
" فارس ، هل تعرضت للتنمر في المدرسة؟ "
لم تتلقى استجابته لتجلس إلى جانبه تحاول رؤيتها لكنه رفض مغطيًا وجهه بلحافه فحاولت سحبه ليصرخ بها بغضب عنيف دون أن ينتبه لكلماته :
" تبًا لك أخرجي لا أريدك ! "
تلقائيًا سحبت يدها لتحدق به بصدمة بينما لم يتحرك من مكانه للحظات يرتجف أسفل الغطاء قبل أن تسمع صوته المهتز المكتوم :
" أمي أنا أسف .. أسف .. أرجوكِ دعيني وحدي! "
تنهدت في حيرة و قلق و هي تعود لتحاول نزع الغطاء عنه بينما تقول بنبرة حنونة :
" صغيري أنا والدتك .. كما لن أُؤذيك .. ألا يمكنك إعطائي الأمان و لو لمرة واحدة؟ "
ظل على وضعه دون أن يتحرك ، فتنهدت بآسى و هي تنظر له لتسمع صوت الباب يُفتح و سالم يدلف إلى الغرفة في هدوء ، نظر لابنه الذي يغطي جسده كاملاً ثم نظر لأميمة متسائلاً :
" ماذا يحدث؟ سمعت شجاركما .. فارس أنه وقت المدرسة ."
فأتاه صوته مهتزًا :
" دعني وحدي ."
عقد جببنه بغرابة فنظر لأميمة التي هزت رأسها نفيًا تشير إليه أن يتركه بهذا الوقت لكنه تجاهلها و هو يتقدم منه لتنهره :
" سالم!! .."
لكنه لم يهتم لها و هو يسحب الغطاء عن وجه فارس يطلب منه النهوض ، ففعل فارس بامتعاض و هو يتحاشى نظراتهما المصوبة نحوه .. لمس سالم جانب فمه فتألم فارس و أبعد وجهه عنه ليخاطبه سالم :
" من فعل ذلك بك ؟ "
لم يرد فتضايق منه ثم مد يده يمسك بفك الاصغر قائلاً بتنهيدة مغتاظة :
" أرني أسنانك هل تأذت؟ "
" لا "
قالها يبعد نفسه عن أبيه الذي نظر له لا يعجبه حاله ، ليكرر سؤاله :
" من فعل ذلك؟ "
لكنه أجابه ببرود :
" لا أحد ."
احتد صوت سالم :
" فارس! .."
انكمش على نفسه بخوف ليهمس :
" دعني قليلاً .. "
"انهض لتجهز نفسك ، أنا سأتي معك ."
قالها ينهض من جانبه فشهق فارس منصدمًا من قراره بينما نطقت أميمة مستنكرة الامر و هي تراه يخرج هاتفه من جيبه:
" أليس لديك اجتماع اليوم ؟ "
" سوف يتم تأجيل الاجتماع لوقت لاحق ، الاهم معرفة من تجرأ و فعل ذلك ؟ "
فأتاه صوته المهتز رافضًا :
" أنا .. أنا لا أريد الذهاب .."
لكن سالم إلتفت إليه يصرخ به بغضب:
" ألم أخبرك أن تنهض؟ .. لا تتجرأ و تعاندني!"
من نفضته الذعرة جعلته ينكمش على نفسه بخوف ، ثم ما إن أنهى أبيه لكلامه حتى غادر السرير بتعثر ليجهز نفسه ، فنظرت أميمة لسالم مستنكرة غضبه لتنهره :
" سالم لما قسوت عليه؟ هل ترى حالته؟ "
نظر إليها باعتراض :
" و هل رأيتي حالته؟ .. هو أجبن من أن يدافع عن نفسه! .. هو أصلاً لا يسير على طلب عامر له ، هو يستمع لحديث عامر ثم يرمي به بأقرب حاوية قمامة ، حتى أدويته لا يأخذها .. هو لا يتفاعل مع العلاج أبدًا يا أميمة لأنه و ببساطة لا يهتم لكلام أحد لذلك كان عليْ التصرف معه ببعض القسوة لربما هذا يصلح حاله قليلاً .."
تنهدت و هي تسبقه للخارج :
" لم تكن القسوة طريقة مناسبة ابدًا للتعامل مع الابناء ، و خاصةً لو كانوا مثل فارس .. أكثر حساسية من الواقع."
اختفت عن ناظره فتنهد بقوة و هو يقول قبل مغادرته :
" صغيري أنا لا أفعل ذلك الا لمصلحتك ."
ثم خرج من الغرفة ..
.
.
" هل تعرض لك حاتم يا فارس؟ "
هذا كان سؤال المدير المباشر و الاثنان يقفان أمامه بينما سالم يجلس دون النظر لأحدهما ، ينتظر إجابة إبنه الذي كان قد نطق اسمه بصعوبة ، و ها هو يصمت مجددًا ، دون أن ينطق ، فنظر المدير لحاتم يسأله:
" هل تعرضت له بالأذى يا حاتم؟ "
ابتسم حاتم مدعيًا البراءة :
" و ما سبب تعرضي له أستاذ؟ .. أنا أصلاً لم أره الا الآن ."
" هل هذا صحيح يا فارس ؟ لقد أخبرني أحد الأولاد بما حدث."
موجهًا سؤاله إليه للتأكيد لكنه لم يتلقي إجابة من فارس فتولي سالم المهمة و هو يحدق بابنه :
" هل سننتظر طويلاً يا فارس؟ "
ابتلع فارس رمقه بقلق ليجيب بخفوت :
" أجل أنه حاتم ."
" أنت كاذب ، أستاذ لم أفعل له شئ! "
هتف حاتم بقلق و هو يحدق بالمدير الذي تنهد ليقول :
" أريد معرفة ..."
جفل حين رأى فارس يمسك رأسه بينما يترنح بوقفته و قبل أن يحدث شئ كان قد رأي سالم يسنده قبل أن يقع و هو يخاطبه بشئ من الهدوء المشبع بالقلق :
" أستاذ حامد أريد بعض الماء رجاءً ."
" هل هو بخير ؟ "
سأل و هو يسكب الماء من زجاجته للكأس ثم إلتفت يتقدم منهما بقلق تحت نظرات حاتم الذي يحدق و قد إعتراه القلق و الغرابة و هو يرى فارس بحضن والده لا يعي على شئ .
صفعات خفيفة على خده و هو يحاول إرجاعه لوعيه :
" فارس ، بني هل تسمعني؟ .. فارس ..؟ "
ناوله حامد الكأس يسأله بقلق و الأخر يأخذه ليضع القليل علي يده و ينثرها على وجه الاصغر :
" ماذا حدث له ؟ "
أجابه و هو يعيد رش بضع قطرات الماء على وجهه ليستيقظ :
" حالته النفسية تزداد سوءًا منذ حادث نادر .. كما أنه لا ينام أصلاً ولا يأكل جيدًا ."
همهم المدير بتفهم لينظر لحاتم قائلاً :
" اذهب لمناداة طبيب العيادة ، بسرعة ."
أومأ حاتم بارتباك و هو يذهب بسرعة ليفعل بينما عاد المدير لفارس الذي لا يستجب أبدًا لما يفعله سالم الذي أصاب الخوف قلبه و هو يرفعه أكثر يناديه بخوف :
" فارس لما لا تستيقظ؟ يا إلهي ! "
ربت المدير على كتفه :
" إهدأ .."
بتر حديثه حين دلف شاب بالثلاثين يتجه نحوهم مع حاتم ، ثم قرفص أمام فارس ليستشعر نبض رسغه ثم نظر لسالم متسائلاً :
" كيف هي عاداته بالمنزل ؟ "
" بصراحة يتجنبنا تمامًا ، يرفض الطعام كثيرًا و يرفض أن يغادر غرفته ، كما أنه لديه ... أنه مصاب بمتلازمة النيكتوفيليا التي بسببها لا ينام الليل ، كما أنه هذه الايام لا نراه يعوض فقدان نومه بالنهار ابدًا ."
تنهد الطبيب و هو يضيف بعض الكحول في يده ليضعه على أنفه بينما يجيبه و الفتي ينتفض يسعل بقوة و اشمئزاز :
" عاداته سيئة ، لم يتغير أبدًا منذ جاء للمدرسة .. السيد أمجد دائمًا كان ينبهني عليه إن أصابه مكروه ."
مسح سالم على خصلاته الداكنة التي ازدادت طولاً عن ذي قبل يستمع إلى الطبيب بإنصات و الاصغر يتمسك بوهن ببدلته قبل أن يفاجأ بحاتم ينطق بندم :
" أنا .. أنا أسف حقاً ، كنت أغار منه .. أنا من كنت أتنمر عليه ، يمكنك معاقبتي كما يحلو لك ، أنا أعتذر بشدة ."
نظر له سالم و تنهد بقوة ليقول و هو يسند فارس :
" بما أنك عرفت خطأك و إعتذرت فلا بأس ، انسى ما حدث لكن إياك و الاقتراب منه مجددًا."
أومأ حاتم قبل أن يغادر لفصله ليخاطب سالم المدير :
" إسمح لي بأخذه للمنزل ."
" تفضل ."
.
.
حركات عيناه و هي تراقب تحرك عقارب الساعة كان اقل ما يقال عنها ملل .. الوقت يمر ببطء جدًا عليه ، أخيه غادر لعمله يتركه وحيدًا ، ليس معه هاتفه حتى يتصل علي فارس ، فقد صادره أخيه منه حتى يُشفى !
دخلت إحدى الممرضات لتغير له محلوله فخاطبها :
" اذا سمحتي.. هل .. هل يمكنني التحدث مع شقيقي للمجئ؟ "
تبسمت بوجهه لتومئ له ، معطية إياه هاتفها ليشكرها و يكتب الرقم الذي تفاجأ به مسجلاً ليتصل عليه ، لحظات حتى أجاب على الهاتف قائلاً ببعض القلق :
" أنسة روفيدا ؟ هل أخي بخير؟ "
ضاقت عين نادر بغيظ :
" روفيدا؟! .. هل كنت تلتصق بالفتيات و أنا ميت؟! "
تبسمت المعنية بينما ارتفعت ضحكات ساهر على غيرة شقيقه ليرد من بين ضحكاته :
" ذكرني إن كنت قد تزوجتك ؟ غيرتك تفضحك يا عزيزي ، ليس كل فتاة أعرفها يجب أن تتلصص هكذا علي .. ألن تدعني أتزوج لأجل خاطر عيونك؟ "
تذمر :
" أحمق! لا تتكلم هكذا! أنت أخي لذلك يجب عليْ نصحك و ابعاد الأذى عنك! "
" قل هذا الكلام لغيري يا مفسد لحظات سعادتي .. نسيت ما فعلته بالمسكينة سلمى؟ "
صرخ بغضب مستنكرًا :
" مسكينة؟! لقد كانت تخدعك و بالنهاية لقد صارت ضمن عصابة و ..."
" أجل عصابة! هذا الكلام من أين جئت به؟ .. ألا تعلم أنها قابلتني بعد ما فعلتماه انت و فارس و طلبت الانفصال؟ "
شهق نادر ، ماذا فعلت؟!
" أعطي الهاتف لروفيدا ."
زفر انفاسه بضيق يفكر بما قاله شقيقه و هو يناول الهاتف لروفيدا ، ماذا تفكر بفعلتها تلك؟ .. لقد رآها بعينه مع شخص غريب !!
نظر حوله ليجد أنه وحده ، أراد رؤية فارس حقًا ، هل قال أحدًا لفارس أنه استيقظ أم لا ؟
*
*
*
يتبع..
بسرعة كدا نزلت بارت في وسط زحمة الفرح 😂🤝
تقييم
توقع
الرأي
المشهد الذي عجبكم
باي
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top