"Chapter 2"
المجروح من عائلته لا يشفى أبداً!!
.
في عتمة الليل و القمر الملازم للسماء المرصعة بالنجوم ، توسعت ابتسامة لامعة من كثرة شغفها ، بأناملٍ رقيقة تحركت بكل خِفتها علي لوحةٍ بيضاء تصبغ جزء منها بألوانٍ زاهية ، لم يكن يشعر بخفة حركته و هو يرسم بكل شغف ، عتمة الليل تعيد له ذكريات ود لو يرسمها بكل ما فيها من جمال و ذكريات طبعت فيها! حتي لو قليلة!
تكونت اللوحة من رجلٌ و إمرأة يشبهْنَهُ بملامحه و يتوسطهما طفلاً يبتسم مظهراً غمازتيه ممسكاً بين يديه كرة قدم .. كانت تلك ذكرى لطيفة جمعت بينهما في طفولته قبل أن يفترقوا !
توقفت يده للحظات و عيناه تتابع الرسمة و قد اختفت ابتسامته و هو يتذكر أنها مجرد ذكرى قد نساها والديه فلما لا ينسى كذلك؟ .. ثم تحركت أنامله مرة أخري جاعلة من اللوحة المبهجة لوحةٍ كئيبة بعد أن جعلها مطفأة بعدما رسم نفسه يبكي علي تلك الذكرى و قد تركاه وحيداً ، بعد ساعات لم يشعر بها و هو يرسم ضربت الشمس وجهه ، فشعر بالانزعاج يغمره لينهض متهجاً ناحية النافذة يغلقها ثم يتحرك ليرمي بنفسه علي السرير كي ينام ، لكنه ظل يحدق بالسقف متذكراً والديه و منزعج منهما كثيراً ، لما تركاه و سافرا دونه؟ .. ألم يرقُّ قلبهما أو يشعرا بالندم لتركه؟
" فارس؟ ..أنت مستيقظ؟ "
طرق الباب بخفة ليدخل بعدها لؤي دون أن ينتظر رداً من فارس الذي إلتفت نحوه يحدق به بنظرات مبهمة ، فتحرك الأكبر بابتسامة هادئة مقترباً من الفتى و هو يسترسل :
" أريدك أن تذهب معي .."
حل الصمت و فارس يفكر حتي سأل ببرود :
" إلي أين يا لؤي؟ "
لم تُمحى ابتسامته و هو ينحني نحوه مبعثراً شعره و متجاهلاً ما رسمه :
" لصديقٍ لي ، لكني لا أود الذهاب وحدي لذا رافقني ، مجرد ساعتين و سنعود كما أنه لا يوجد دراسة اليوم ."
لم يشعر أن هذا سئ فأجاب بخفوت :
" سأغير ملابسي و أذهب معك ."
توسعت ابتسامة لؤي ، بينما تحرك فارس نحو الحمام ليجهز نفسه في حين عاد لؤي لينظر للوحة و تختفي ابتسامته حين فهم معناها .
بعد نصف ساعة نزل السلالم بملامح متجهمة و اتجه نحو لؤي الذي كان جالساً مع جده يتحدث معه دون أن يسمعهما أحد حتي توقفا حين رؤيته متجهاً نحوهما ، هالات سوداء تكونت تحت عينيه ، ملامح متجهمة و شعور مزعج يشعر به .
نهض لؤي و إتجه ناحية فارس ليأخذ معصمه بيده ، يشعر بأنامله الباردة أطرافها ، فيبتسم لجده ابتسامة ذات معني لم يهتم بها فارس الذي لم ينظر لهما أصلاً ، بل ظل ساكناً حتي تحرك لؤي ساحباً إياه معه تحت نظرات الجد القلقة .
استقلَّا سيارة أمجد متجهاً لؤي بها نحو ذلك المكان .
أما بمنزل ساهر كان نادر يستلقي بالسرير علي ظهره ممسكاً بهاتفه يتصفح الانترنت بعبوس ، منذ استيقظ لم يجد شقيقه موجود و لكن هذا لم يهمه بعكس اهتمامه بالطعام الذي لم يجده بالثلاجة الفارغة ليُفضِّل الانشغال ببرامج التواصل الاجتماعي لعلُّه ينسى جوعِه .
ثواني تلتها الدقائق حتي مر ساعتين و هو يتضور جوعاً ، هو حتي لا يعرف كيف يطبخ لنفسه ، لكنه قفز بجِد يستعد لأن يطبخ و يعتمد على نفسه و لو قليلاً، فتحرك نحو الثلاجة لعله يجد ما يطبخه لكن تعكر وجهه حين رآها فارغة تماماً فزمجر غاضباً :
" تباً لك يا ساهر ، أنا أكاد أموت هنا و أنت تتسكع بالخارج؟!! "
فأتاه صوته حاقداً و هو يدلف من الباب و يغلقه خلفه بقدمه نظراً لما يحمل من أكياس بين يديه :
" أتسكع لأجل أن أمليء معدتك الفارغة دوماً ، لا تكاد تأكل حتي تشعر بالجوع يا أبله! "
تحولت ملامح نادر لابتسامة بلهاء و هو يقترب من شقيقه بلهفة فظن الأكبر أن الأصغر سيساعده لكن خاب ظنه حين تركه و أخذ كيس الإندومي من بين جميع الاغراض ليهرع للمطبخ ، فصرخ ساهر غاضباً :
" أيها المزعج الأكول!! تعال ساعدني أيها الوقح! "
لكن لا حياة لمن تنادي بالنسبة لنادر فكان عالمه أن يأكل وترك شقيقه المسكين يحاول ألا يُسقط شيء منه و يُفسد.
امتلأ فمه بالمعكرونة الجاهزة و هو يمسك الطبق بين يديه ليقول بصعوبة :
" يكفي أنك .. تركتني .. دون طعام لساعتين!"
إلتفت إليه ساهر باستياء :
" اخرس يا وغد ، هل أنا أربي طفلاً؟! .. للأن لا تستطيع قلْيْ بيضة! و عمرك خمسةً عشر عاماً!"
عبس المعني و رد بتجهم :
" وماذا في الامر ؟ انت لست متزوج و أنا كإبن لك ، لا تنسى أن أبي و أمي تركاني بحضانتك أيها الأحمق ."
تنهد ساهر بقلة حيلة و همهم متمتماً :
" تركا لي طفلاً غبياً .. حين أتزوج سأرميك و أربي أطفالي أنا ."
منهياً تمتمته بابتسامة خبيثة سرعان ما اختفت و هو ينتظر رد فعل شقيقه الذي سيعبر عن انزعاجه و سرعان ما أتاه الرد بغيرة و غضب مبالغ فيه :
" حاول فقط و سأستغل منصبي كعم لهم و أضربهم ."
ثم ترك ما بيده و التفت يغادر لتتعالي قهقهات ساهر وهو يخاطبه بصوت مسموع :
" إذاً سأرفع عليك قضية باستغلال منصبك كعم لأطفالي ! "
ليتفاجأ بوسادة تضرب وجهه و الأصغر يصرخ من الداخل :
" تباً لمعرفتك أيها الغبي! "
أكمل ساهر ضحكاته و هو يحتضن الوسادة حتي اختفت و لازمته ذكرى لطيفة حين كان بالسابعة عشر ووالداه يعانقانه لنجاحه بالثانوية ، فلم يشعر الا بدمعةً تفِر من عينه فمسحها سريعاً حين خرج نادر يترجاه :
" أخي أرجوك جهز الطعام لأني جائع."
فلتت ابتسامة فاقدة للحيلة مع شقيقه ، ليتحرك نحو الطبخ ليحَضِّر لشقيقه ما يريده .
****
وصل لؤي لعمارة سكنية مكونة كسائر العمائر من سبع طوابق ، تحرك لؤي ناحية العمارة و بيده ابن عمه الذي كان منزعجاً من نور الشمس و يشعر بالنعاس يستولي علي تفكيره لكنه لم يعترض أو يتكلم مع لؤي بأي شيء .
ركبا المصعد ليضغط لؤي زر الطابق الخامس ، لكن ما ان تحرك المصعد بكلاهما حتي تمسك فارس بملابس لؤي بقوة و هو يهمس بقلق :
" سيسقط بنا يا لؤي! "
لم يتمالك نفسه و ضحك و هو يوقفه باستقامة و يخاطبه :
" ليس كذلك يا أبله ، أنه مجرد مصعد ."
فأجابه بخوف :
" لكني خائف ، هذا مزعج لن أركبه مرة أخرى!"
هدأه لؤي مبتسماً :
" لا بأس ، حين ننتهي سننزل علي أقدامنا إن كنت تخاف منه ."
أومأ فارس و عيناه تتعلق بأرقام الطوابق 3 ثم 4 ، ثواني حتي توقف المصعد و رن جرسِه منبهاً إياهما علي الوصول للطابق الخامس حتي خرج كلاهما ، فنطق فارس بانزعاج :
" كان أمر سيء لن أركبه مجدداً ..."
سكت للحظات لتنفرد ملامح وجهه قليلاً و يتمتم بشئ من التردد :
" لكنه لن يمنعني من التجربة مرة أخرى! ربما؟"
ابتسم الأكبر بسخرية و لكنه لم يجادل الفتى الذي صمت وهو يراه يتحرك نحو شقة بباب خشبي بُنِّي اللون ، طرقه عدة مرات حتي أتاه صوت رجولي من الداخل :
" قادم ."
لحظات حتي انفتح الباب ليظهر رجل أكبر من لؤي بخمسة عشر عاماً أو أكثر ، يرتدي بيجامة منزلية خفيفة باللون الأسود ، ابتسم فور رؤيتهما و رحب بلؤي :
" مرحباً لؤي ، تعال تعال ، ادخلا ."
رد عليه لؤي بابتسامة و هو يدلف و خلفه فارس الذي بات ينظر لأرجاء الشقة بهدوء ، كانت بسيطة جداً نظيفة و جميلة رغم كل شئ .
" إجلسا هنا ، سوف أحضر شئ بارد لتشرباه ."
نطق يدلف للمطبخ ، فلم يجادل أحدهما و هما يجلسان بجانب بعضهما علي الاريكة في انتظاره ... حل الصمت لدقائق حتي خرج عامر معه كأسين من العصير ، وضعهما أمامهما ليجلس بعدها على الأريكة المقابلة لهما.
ابتسم لؤي و هو يخاطب الأكبر :
" دكتور عامر أين ميرال ؟ "
نظر له عامر و ابتسم :
" تلك المشاغبة ذهبت مع أمها لبيت جدها ."
بادله لؤي الابتسامة لينظر عامر لفارس الذي أبعد عيناه عنه فوراً حين إنتبه إلي نظراته الغريبة ، فقال عامر بهدوء :
" لا تتردد ، اعتبر نفسك بمنزلك يا فارس ."
لم يتجرأ علي رفع عينيه لكنه تفاجأ من معرفة الأخر لإسمه ، لكن فكر أنه : لربما لؤي من أخبره؟
" من الأدب النظر بعين من يحدثك ."
خاطبه مرة أخري حين لم يجد رد ، لكن ذلك جعل فارس يقلق أكثر بينما يحدق بتلك البطاقة التي تحمل إسم 'دكتور عامر عبد المجيد أخصائي طب النفس' و سرعان ما همس للؤي بخوف :
" لما جئت بي إلي هنا ؟! "
فنهض فجأة عامر مغيراً الموضوع :
" تعلم يا لؤي ؟ المشاغبة ميرال قامت بكسر تلك اللوحة التي اشتريتها من المعرض."
توسعت عين لؤي و هو يتجاوب مع الأخر :
" تمزح!! أنها تخصني يا عامر! كيف تتركها تكسرها؟! "
قل قلق فارس ظناً أن لؤي جاء لأجل لوحته و هو لم يكذب عليه و كل ذلك كان مجرد وهم إختلقه عقله .
ابتسم عامر بقلة حيلة و هو يدخل إحدى الغرف ليحضر اللوحة :
" أسف لذلك لكنك تعرف شقاوة صغيرتي و انت من صممت بإبقائها هنا حتي يوافق والدك عليها ."
عبس لؤي من ثم نظر لفارس الذي بادله ببلاهة حيث شعر بالهدوء يغمره للحظات حتي نهض لؤي من جانبه و إقترب بانزعاج من عامر ليأخذ منه لوحة متوسطة الحجم مشقوقة من منتصفها ليقول باستياء :
" لا تغضب حين أضرب تلك الغبية .. إعتني بفارس إلي أن أحاول إصلاحها و أتي ."
فزع فارس فنهض يهتف :
" إلي أين ؟..."
فقاطعه لؤي بضيق :
" إبقي مكانك ، حتي أصلحها فهي خاصة بمشروعي الجامعي ."
لم يجادل فارس بل جلس رغم انزعاجه و ندمه علي قبوله للمجئ مع لؤي .. لاحظه عامر فخاطب لؤي بجدية :
" هو لم يخطئ بحقك لهذه المعاملة يا لؤي ."
توقف لؤي حين إنتبه أنه تكلم مع فارس بعصبية مفرطة ليس مذنباً فيها ، فخاطبه قبل أن يخرج :
" أعتذر ، لم أقصد ، لكني مستاء لأن هذه اللوحة مهمة لي ."
هز الفتي رأسه بنفى دون أن يتحدث ، ثم ناظره و هو يخرج من منزل الطبيب عامر الذي خاطبه مضيقاً عيناه بلطف :
" إذاً ما رأيك أن نمرح سوياً؟ .."
ناظره الفتي بخجل دون فهم ، فأستأنف موضحاً :
" بما أن زوجتي ليست هنا هي و طفلتي و ليس لدي عمل فأنا متفرغ ، لذلك يمكنني تعليمك شئ تريده كنشاط مثلاً ."
همهم الفتى دون أن يتحدث في حين لمس عامر ذقنه يفكر بينما يسأله :
" أتحب أي هواية تريدنا أن نقوم بها؟"
فهمس الفتى بصوت مبحوح :
" الرسم .. أهوى الرسم ."
ابتسم عامر بوسع ثم جذبه من مرفقه ليقول بلهفة :
" إذاً سأعطيك كراس الرسم الخاصة بميرال لكي أري شغفك ."
لم يجادل فارس و أطاعه ، بعد دقائق جلسا سوياً علي طاولة مستديرة بالمطبخ و قد ترك عامر أمام فارس كُلاً من كراس الرسم و الألوان ليقول كلمة واحدة و ثغره يتزين بابتسامة :
" لتبدع! "
رغم إستغرابه و خجله مما يحدث الا أن تلك الكلمة بكل هذا الشغف لرؤيته جعله يبتسم ابتسامة نابعة من قلبه ، فأمسك بالقلم ليندمج بعدها بالرسم و الذي ساعده بذلك أكثر ضوء الغرفة الخفيف الذي بالكاد ينير .
لاحظ عامر خفة يده و إندماجه ، نظرات عينيه التي لم تغادر الورقة ثم الرسمة التي كانت عبارة عن فتى بعمره فعقد جبينه متسائلاً :
" مَن رسمت؟ "
" نادر ، رفيقي.."
أجاب بهمس و قد تزين ثغره بابتسامة دافئة لاحظها عامر الذي استفسر :
" و لما هو الوحيد من جاء ببالك لترسمه بكل هذا الشغف ؟ "
حل الصمت و قد توقف فارس عن الرسم .. عيناه لم تتزحزح عن وجه صديقه المرسوم ثم رد بدفء :
" أخرجني من وحدتي .. رغم وحدته ."
ضيق عامر عينيه:
" كيف؟ ."
فأغمض فارس عينيه بتعب يهمس :
" كُلاً منا لديه جانب مظلم ، كلنا نحتاج شخصاً لينير ذلك الجانب ، هو كان ملجئي و نوري .. كلما نجتمع تختفي وحدتي و ظلمتي .."
فتح عيناه يحدق بالرسمة و تعتلي نظرة الألم بعينه :
" .. أمسك بيدي حين كنت أتألم ."
ابتسم عامر و أسند وجهه بكف يده:
" تبدو علاقتكما لطيفة ."
لم يرد فارس علي كلامه بل ظل يحدق بالرسم و ذكريات ذلك اليوم تعاد مراراً و تكراراً ، رغم صغره يومها لكنه كان يدرك ذلك اليوم ..
"فارس أنا أناديك! "
جفل فارس ليرفع نظره نحو وجه عامر الذي أردف :
" كنت أناديك ألم تسمعني؟"
أخفض فارس وجهه يهمس:
" أعتذر شردت للحظة ."
فابتسم عامر مبعثراً خصلات الأصغر:
" لا بأس .."
سكت للحظات مبعداً يده ليستأنف:
" صحيح ،كيف هما سالم و أميمة؟"
انعقد جبينه في انزعاج لينطق :
" لا أعلم ."
ضيق عامر عينيه و إدَّعي عدم الفهم :
" لماذا؟! ألا تحادثهم؟ ألست إبنهم ؟"
أغلق قبضته بغضب قد ظهر بنبرة صوته :
" لا ولا أريد أن أسمع صوتهم حتى ."
ثم نهض يلتفت مقرراً أن يغادر بمفرده لكن عامر أوقفه حين قال بهدوء :
" كلمات قد تجعلك نادماً لنهاية عمرك."
لا يعرف كيف لهذه الكلمات البسيطة أن تجعل دقة عنيفة تجتاح مشاعره ، مما جعله يلتفت ليحدق مباشرةً بعين عامر ، كلماته جعلته في خوف لا يعلم سببه؟ لكنه سرعان ما أخفض عيناه يتنفس بثقل ليقول عامر بابتسامة و هو ينهض حين سمع صوت جرس المنزل يرتفع رنينه :
" لا بأس .. لقد عاد لؤي."
" تلك اللحظة غمرني الشوق لسماع صوت أحدهما لكني لن أفعل ، فأنا لم أنسى ذلك الشعور الذي غمرني حين غادرا .. حين تركاني مخذولاً وحيداً ."
*
*
*
يتبع...
حسناً تأخرت 😅😅😅 اعتذر
المهم اخبروني، كيف الرواية للآن؟
أي شئ شد انتباهكم؟
طبعا هناك امر لم يظهر بعد لكنه سيظهر في البارت الجديد.
رأيكم بالشخصيات
فارس
عامر
امجد
ماجد
ساهر و نادر بالطبع
الجميع! اي شخصية حبتهوها 🤭😋❤️✨
و يلا باااااي اراكم ببارت جديد
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top