Chapter 12
بمرور الأيام أُصبح شخصًا أخر ، شخص متفتح أكثر ربما ، فضولي أكثر ، و هادئ كذلك .. لكن هناك شئ لم يتغير ، و هو أنه مازال يهويني الليل ، و تهزمني الكوابيس إن غفوت دون قصد ، كنت مازلت أعاني من مشاهدتني للنجوم كل ليلة بمفردي .. ملازمًا وحدتي ..
رغم أن أمي أصبحت تصيح كل يوم أن أستمع لحديثها و أخذ دوائي و أهتم بنفسي الإ إنني كنت أتحداها و ينتهي بنا الأمر نتشاجر كالأطفال ، أبي كان يبتسم ، كنت أراه يكتم ضحكته حتى لا تنتقل توبيخات الوالِدة إليه! و رغم كل شئ و رغم إسلوب الإجبار الذي أخضع إليه كنت أحب تعاملهما .. أشعر أني طفل و أعيش طفولتي التي غادروها لأكبر بمفردي .. مر شهرين منذ ذلك اليوم ، الأيام تمر سريعاً حقاً ..
و الأحوال تتبدل .. ربما أنا كذلك بدأت أتغير لكن ..بداخلي أنا لم أرد هذا !
" فارس ، لم تتناول الغداء صحيح؟ "
رفعت عيني عن كراس الرسم خاصتي ، كنت أجلس هذه المرة بالصالة أحتضن الكراس بنظراتي و يدي تتحرك بكل تناغم لأرسم .. حتي وجدتها تقف أمامي و تحدق بي بغير رضا .. لكني أجبتها ببرود:
" اليوم طويل ، لا أريد الأن .. دعيني أرسم فقط دون إزعاج ."
كنت قاصداً أخر كلمة لأغيظها و لكن هي لم تفعل ، ثم تفاجئت بها قد رمت نفسها إلي جانبي تحدق بما أرسم ، فحدقت بها ببرود و قد توقفت عن الرسم !
" أنت بارع .. هل هذا هو نادر ؟ "
أبعدت عيني و إحتضنت الكراس بإحراج ، فابتسمت و امتدت يدها تمسح شعرى بحنان و تسألني:
" هل نادر بكل هذا القرب منك؟ .. دائماً أراك ترسمه لكني لم أستفسر منك ..دعني أرى الكراس؟ "
لم تتمهل أن تسمع ردي حيث كنت سأرفض ، لكنها سبقتني بسحب كراستي من يدي لتقتحم خصوصياتها ، تُقلب و ترى أن الكراس مليئة برسومات لنادر و أنا بوضعيات كثيرة ، لا أعلم لما أفعل ذلك ، لكن نادر كان شخصاً لطيفًا ، و صديقًا مخلصًا ، و أنا أحبه جداً فكنت أعبر عن كل موقف أردت فيه إخباره بأني أُفضِّلُه عن أي أحدٍ بأن أرسمه بكراسي ، دون أن يعلم أنه يقتحم جدراني و يفتتها !! كان هو عالمي !
توقفت هي علي رسمة ، كانت لكلينا ، ناظرَتَها بأعين ضيقة لا تفهم .. ثم نظرت لي :
" فارس ، لما لا ترسم وجهك؟ .. كل ما ترسمه هو نادر و أما أنت فترسم كل شئ عدا ملامحك ، لماذا؟!"
أحرجتني بهذا السؤال ، لهذا السبب لم أرد لها أن ترى رسمي! .. كنت كذلك ، أحياناً أرسم ذكرى أو إثنين نكون أنا و نادر معاً لكن ملامحي ، حين آتي لأرسمها أتوقف .. أصبح مشتتاً ، لا أذكر كيف هي مهما نظرت في المرآة ، ثم ينتهي بي المطاف بأن أتركها !
" لا أحب أن أرسمها ."
كذبت!! ، ثم شعرت بالندم لكن لم أتجرأ أن أصحح موقفي ، لا أريدها أن تعلم السبب !!
لم تجادلني هذه المرة ، بل ربتت علي شعرى و نهضت تقول بلطف :
" حين تريد أن تأكل أخبرني ."
أومأت دون النظر إليها حتى غادرت ، ثم أخذت هاتفي من جانبي حين شعرت بإهتزازه لأجده نادر ، ابتسمت بخفة و أنا أرد :
" مرحباً يا ...! "
" نادر ما بك؟ .. هل تبكي؟ "
أتاه صوته يطلب بخوف رغم محاولاته أن يضبط نبرة صوته حتى لا يُرهب صديقه :
" فارس أيمكنك إعطاء الهاتف لأحد الكبار ، أرجوك هذا ضروري! "
أراد سؤاله عن السبب لكنه لم يستطع ، ترك ما بيده و ذهب ليبحث عن عمه أمجد ، لكنه لم يجده ، بالإضافة لعدم وجود عمه ماجد الذي يبدو أنه ذهب مع أمجد ، بينما جده و جدته في أحد المراكز الطبية يُجرون بعض الفحوصات للإطمئنان علي صحتهما .. ولا يوجد بالمنزل الا ...
تحركت قدميه رغماً عنه ، رغم التردد ليفتح غرفة مكتبه ، فتجمعت النظرات عليه ليخفض رأسه ، كان والده يجتمع مع موظفينه هنا لكن قلقه على صديقه جعله يفعل أي شئ .
" أبي؟ ..."
حدق به سالم بحيرة ثم ابتسم :
" تعال صغيري.."
ثم نظر للخمسة معه :
" أسف للمقاطعة ."
" لا بأس سيدي."
ردوا ببساطة ، تزامناً مع وقوفه على بُعد مسافة من والده يناوله الهاتف فأخذه سالم مستغرباً حين وجد أنه نادر :
" نادر .."
استمع إلي نادر ثم توسعت عينيه بشئ من القلق ليقول بهدوء:
" لا بأس ، لا تخف أنا قادم ، إبقى بجانبه ، لن أتأخر عليك ..حاضر! "
أغلق معه لينظر لمن معه و خاصةً ماهر ليخاطبهم :
" أنا أعتذر لكن هناك مشكلة حدثت لأحد أصدقاء العائلة و عليّ الذهاب ."
.
.
فتح الباب ليقول بخفوت :
" أنه .."
لم يطلب سالم سماعه بل هرع للداخل و فارس يمسك بيد رفيقه ثم احتضنه يربت علي ظهره ليقول نادر بصوت مخنوق :
" لقد إنهار أمامي!! و لم أستطع فعل شئ!! .. أنا أخ سئ! "
لم يستطع فارس أن يفكر فيما يقوله ليخفف عن صديقه لكنه نطق بعفوية حين اتضح له أن ساهر فقد وعيه :
" أنت أخ جيد .. تخاف علي ساهر ، أنت .. أنت .."
" نادر ؟ تعال "
ذهبا كليهما للداخل فوجدا ساهر يجلس علي السرير بملامح شاحبة و هو يستمع لتوبيخ سالم :
" أنت مهمل! .. تترك نفسك حتى تنهار؟! لقد أخفت أخيك.."
تقدم نادر بسرعة ليعانق شقيقه بخوف فبادله برفق و ابتسامة شاحبة ليردف سالم :
" لا بأس يا نادر ، ساهر فقد وعيه من كثرة ضغط العمل و عدم تناول وجباته بانتظام ، لقد أخبرني أنه لا يفعل.. لكن من الآن سأرسل لكم شخصاً ليساعدكما .."
" لا داعي يا عم سالم أنا.."
نظرة سالم الغاضبة أخرسته و خاصةً حين قال بصرامة :
" لا تعترض .. أنظر لنفسك؟! تحتاج لمشفى لكنك ترفض الذهاب لهذا أنا أحاول أن أضبط تصرفاتك! .."
عبس ساهر و قد ناظره فارس بغرابة و نادر بابتسامة ليكمل عنه :
" أجل أخبره يا عمي ! يجهد نفسه بالجامعة و البيت و الطعام و كل شئ يحشر أنفه فيه! .."
سكت نادر حين تلقى كف علي رأسه جعله يتأوه بألم و هو ينظر لأخاه بغيظ لينظر ساهر لسالم بتوتر :
" لا تستمع إليه عمي ساهر .. هو ثرثار ! .."
" أنت غبي؟! من الثرثار؟..."
قاطعهما قهقة سالم الخافتة فنظرا نحوه و ابتسما ليبادلهما و قد امتدت يده تفرك رأس نادر قائلاً بحنان:
" أنتما مثل فارس عندي ، لم أرزق بأطفال غير فارس ، لأن كنا لدينا مشكلة بإنجاب الأطفال لهذا إكتفينا بفارس و لهذا أنتم كذلك أبنائي ."
ثم نهض ليقول بمرح :
" و الأن إعتبروني كأبيكم كامل ، هيا يا فارس لنطبخ و نأكل معاً ."
توسعت عين فارس بدهشة بينما ابتسم ساهر بخفة و هو يدفع بنادر لينهض :
" أنت مثل أبي تماماً لهذا الشقة شقتك ، و خذ هذا الأحمق ليساعدك ."
لم تمحى ابتسامة سالم و هو يجذب يد إبنه ليغادر و خلفهما نادر و الأكبر ينطق مخاطباً فارس :
" بما أنك لم تأكل سأجعلك تجرب طبخ والدك يا عزيزي ! "
بالفعل كان فارس متفاجئاً من والده ، كان سريع و هو يطبخ ، كان ماهرًا حقًا، بينما كان نادر يساعده بإحضار المكونات و هو يستخدمها بينما فارس كان يشاهد دون أن يلمس شيئاً حتي نطق سالم براحة و هو يضع الطعام ليستوى علي النيران :
" انتهيت و تبقى أن ينضج الطعام .. "
ثم نظر لنادر و ربت على شعره يثني عليه :
".. كنت جيدًا يا نادر ."
ابتسم نادر بخفة و هو ينظر لفارس قائلاً بمزاح :
" فارس بكى من البصل ."
" أعلم."
هل إتفقا عليه الآن ؟ .. فكر فارس و هو يبعد وجهه عنهما بعبوس ، فقهقه سالم يخاطب نادر :
" لا تغيظه يا ولد! "
نهص فارس من مقعده يسير من جانبهما لحيث غرفة ساهر متجاهلاً نظراتهما المستغربة ، و هناك جلس إلي جانبه فابتسم ساهر و قال :
" فارس إن كنت مرهق فتسطح جانبي و نم ."
لكنه هز رأسه نافياً ثم همس :
" أنا مستاء! "
عقد ساهر جبينه :
" لماذا؟.."
لم يجد ما يجيبه به ، فنهض يتجه نحو الشرفة ، كانت الساعة قد تجاوزت للثالثة عصراً ، الشمس كانت ساطعة رغم كثرة الغيوم المتناثرة حولها ، هناك لفحة هواء ضربت وجهه بلطف فرمش بخفة و هو يحدق بالشارع ، يرى الناس يسيرون بكل مكان ، كان يوجد ضوضاء خفيفة لكنه كان شارداً لدرجة لم يشعر بها ، حتى أيقظه من شروده يد نادر فنظر له بصمت ليبادله الأخر ابتسامة هادئة يقول :
" هل هناك ما يحتل قلبك؟ .. أنا موجود لأسمعك ."
دائماً ما كان يسمعه ، لكنه لم يستطع سماعه و لا مرة من قبل ، نادر حِصنِه لكنه كان كالمشرد دون مأوى ، دائماً ما إحتاج الدعم منه لكنه لم يعطيه لأحد ! .. أو الكلمة التي تصفه أنه لم يستطع أن يمنحه لأحد ! .. لإفتقاده لذلك الأمر ، كان لا يستطيع ان يمنح أحد شعور طفيف مما يحتاجه ، كان يعجز عن ذلك !
تجاهل سؤال نادر و حدق بالسماء على غير عادة! ، فضيق نادر جبينه بحيرة ثم نظر لأخيه مستغرباً ، بالخلف ناظره سالم بصمت حتى قاطعه هاتفه يرن ، فرد يستمع للطرف الأخر حتى تجهم وجهه ليقود بهدوء :
" أنا قادم ."
لامس بإصبعيه بين عينيه بضجر ثم نظر للأخوين قائلاً :
" الغداء جاهز يا أولاد ، تناولاه أنتما ، أنا مضطر للمغادرة .... هيا يا فارس."
تبادلا الشقيقان النظرات ليقول ساهر بقلق :
" هل هناك شئ سئ؟ .. "
" لا شئ ، لكن هناك أمرًا عليَّ رؤيته .."
نظر نادر لصاحبه ثم لسالم ليقول بترجي:
" إذاً لتدع فارس معنا ، على الأقل يأكل معنا! ."
ابتسم سالم بخفة و هز رأسه رافضاً :
" المرة القادمة سأفعل ، كما أن لديه واجبات و المدرسة بالغد ."
.
.
عدل من بدلته يرفع رأسه بهيبة و هو يسير لمكتبه بخطوات ثابتة و الجميع يحيونه باحترام ، خلفه كان فارس يسير يحدق بالمكان بإنبهار ، رغم مكوثه مع أعمامه كل ذلك الوقت الإ أنه لم يحظى بفرصة دخول الشركة و لو لمرة واحدة فقط!
فجأة اصطدم جسده بشخص أطول منه بجسد عريض فشهق بخفة و هو يتراجع خطوتين للخلف دون أن ينظر لوجه الشخص الذي ابتسم بخفة يسأله بلطف ممزوجًا ببعض الغرابة :
" هل أنت قريب السيد سالم يا فتى؟"
أومأ فارس بتردد ، ثم تحرك من أمامه يسير الي حيث إختفى والده لكنه توقف حين وجد أبواب أخرى أمامه فعبس ، لا يستطيع التفكير فتحرك نحو أحد الأبوب ، ناظره بحيرة قبل أن يضغط الزر ليفتح الباب فوجده المصعد ، عبس .. لم يستخدم مصعد من قبل الا مع لؤي! .. لكنه أرغم نفسه علي الدخول ، ليُغلق الباب خلفه ، نظر للأرقام يفكر أي طابق يصعد؟ ..
" و كيف لم تنتبهوا للأمر حتى الآن؟!"
صرخ سالم بغضب فأخفض الجميع رؤوسهم بخيبة ، ليتنفس سالم بغضب و هو يرمى بنفسه علي المقعد الجلدي ، منزعجاً .. لا أحد يرى عمله علي أكمل وجه .. أموال سُرِقَت و نُهِبَت من حساب الشركة دون أن ينتبه أحد!!
نظر لهم بحدة :
" من اليوم ميزانية الشركة تكون عندي ، كل أوراق العمل خلال دقائق تكون أمامي لأراجعها ..."
أومأوا بصمت ليردف :
" و أبلغوا السيد أمجد أن يهتم بأمر السيد مايكل و شقيقه ، فلست متفرغ لهما الآن ."
أومأ أحدهم دون أن يتحدثوا ، فناظرهم بغضب قبل أن يصرخ :
" أمحتاجون لدعوة؟! .. إذهبوا لتروا أعمالكم؟!!"
رحلوا سريعا لكنه نطق بأمر :
" هيثم انتظر .."
توقف أحدهم ، كان بعكس الأخرين كان شاب على مشارف الثلاثين ، نظر لسالم و ابتسم باحترام ليتنهد المعنى و أجاب :
" أريد منك أن تتحق من أمرٍ ما ، أعرف أنك تستطيع فعلها .."
" ما هو سيدي ؟! "
تنهد سالم و هو مشغول البال :
" أنها تلك القضية بشأن لؤي .. أريد منك التحقيق بها سراً دون أن يعلم أي أحد حتى أمجد نفسه ."
نظر له بهدوء ليسأله بحيرة :
" لكن إعذرني سيدي علي السؤال ، لماذا تريد فتحها مجدداً ؟ .. أعني هي حادث عرضي و السائق مات .. كما لم يصاب أحد فيها ! "
" المقصود من الحادثة أن يُقتل فارس و ليس لؤي ."
توسعت عين هيثم بدهشة :
" إبنك؟ .."
أومأ سالم بهدوء ثم ضيق عيناه بغرابة و هو يبحث عن الفتى ليشهق بخفة ناطقاً و قد نهض بقلق :
" يا إلهي! لقد نسيت وجوده! "
" من ؟! "
نظر سالم للشاب :
" فارس ، نسيت أنه كان خلفي .. لتبحث عنه يا هيثم ! "
أومأ هيثم و كاد يذهب لكن سالم نطق :
" انتظرني سآتي معك ."
بتلك اللحظات كان يجلس بأحد زوايا المصعد منطوياً علي نفسه ، كان المصعد قد تعطل حيث كان السبب بذلك حين ظل يضغط علي الأزرار حتى توقف به فجأة!
اضطر أن يجلس ينتظر أن يأتي أحد ، لكنه كان مستاءًا فوالده نساه تماماً .. مرت ساعة و نصف و لم يأتي أحد! .. لما الجميع ينسون وجوده دائمًا ؟! .. ألهذا الحد هو نكرة؟!
لكن المحزن في الأمر أنه تم نسيانه من قبل والده ، ها هو مرة أخرى ينسى وجوده! .. و كأنه لم يكن له وجود !
دائماً ما لم يكن له وجود بينهم ، كان مجرد ورقة يرمونها فيما بينهم! .. و يعودون إليها حين إحتياجهم لها ، لكنهم لم يكونوا يحتاجونه بالفعل .. كان لا هدف لديه ولا حتى أمل! .. كل شئ كان ...
نظر لهاتفه ، كانت تضئ خلفيته الداخلية بصورة لوالديه معاً ، نظر إليهما نظرات استياء ، لما كلما يريد التقرب منهما يبعداه؟!
ارتفع رنين هاتفه ، كان والده لكنه لم يرد ، ظل يحدق بالشاشة بصمت قبل أن تتحول ملامحه للضيق ثم رمي هاتفه بقوة فضُرب بحائط المصعد ثم سقط مكسوراً لكنه عاود الرنين مجدداً ، كانت نغمته عالية رغم أنه كان يكتم نغمة هاتفه دائماً إلا أنه نسى فعلها هذه المرة، فوضع يده علي أذنيه ، ليس له طاقة لأن ينهض ، أغمض عينيه تاركاً هاتفه المحطم يرن مصدراً صوتاُ مزعجاُ لأذنيه!
بعد دقائق من توقف الرنين كان هناك ضوضاء بالخارج ، لحظات حتى فُتح باب المصعد فاختلس النظر ليجد اشخاص لا يعرفهم فعاد لإغماض عينيه و إخفائهما تحت كفيه ! ..
لكن سالم أسكتهم بنظرة حادة و هو يتجه نحوه ثم جلس أمامه و بعثر شعره بابتسامة:
" أسف ، لقد كنت غاضبًا لدرجة نسيت أنك كنت خلفى .. أتسا.."
قاطعه بخفوت:
" أنت كنت دائماً هكذا ، أنا دائماً كنتُ منسياً ."
ناظره سالم و قد اختفت ابتسامته ، ثم تنهد بعمق ، يعلم أنه أخطأ لكن فارس لا يسامحه على أي خطأ و إن كان بسيطاً .. لذلك نطق و هو يمسك بكف يده :
" أعتذر يا فارس ، سأتركك على راحتك إن لم ترد مسامحتي لكن أيمكنك المجئ معي؟ "
أومأ فارس فابتسم والده و هو ينهض و يسحبه معه حتى يستوي واقفاً إلي جانبه لكنه تراجع بخوف خلف ظهره حين رآهم يرمقونه ليهمس بتوتر :
" أبعدهم! "
نظر سالم لهم فعاد الجميع الي أعمالهم ليبتسم هيثم و قبل أن يغادر قال :
" لقد طلبت بيتزا سيدي لكليكما .. سأستلمها ثم أعود."
ابتسم سالم بينما يغادر هيثم ، ثم نظر خلفه يقول :
" أستظل ممسكاً بالبدلة؟ .. الجميع غادر و لم يتبقى سوى نحن ."
" أريد الذهاب للمنزل ."
همس و هو يبتعد عن والده الذي كان دائماً ما يستغرب ردة فعله حين يرى الناس ، لكن ما يستغربه هو كيف يكون في المدرسة؟ .. كما أنه يعلم أنه أحياناً يذهب سيراً للمدرسة ، فلما هو يخاف تواجد الناس هذه المرة؟
تجاهل طلبه ثم أمسك بيده و غادر إلي مكتبه ، هناك جلسا بجانب بعضهما على الأريكة ، فارس تجنب نظرات والده الذي نطق متجاهلاً تصرف الفتى :
" أخبرني لما خفت من وجودهم رغم أني أعلم جيداً أنك ترتاد مدرسة شعبية و كما أني أعلم أنك أحياناً تسير للمدرسة دون سائق .. ما سبب خوفك إذاً ؟"
رفع قدميه عن الأرض و ضمهما لصدره و أجاب متحاشياً النظر لوالده :
" نادر يكون معي بالمدرسة .. و أتجنب ملامسة الناس حين أسير .. "
ثم نظر نحوه :
" أنا أخاف الغرباء ."
تنهد سالم ثم ربت على رأسه ليسأله فارس بخفوت :
" أبي .. ما سبب مغادرتكما دوني؟.."
ناظره سالم بهدوء رغم تفاجئه من السؤال لكنه فضل التجاهل ، فعاد فارس ليسأل مجدداً ، فدائماً ما كانت تشغله الإجابة كيف ستكون؟! :
" لما لم تأخذاني معكما؟ .."
حدق فيه سالم بصمت قد أزعج فارس ليقاطعهما هيثم حين دخل يقول بمرح :
" Pizza Mr. Salem "
فتجاهل سالم سؤال ابنه مجدداً و ادعى الفرح و هو ينهض يستلم من هيثم البيتزا ليهمس له قبل أن يأخذها :
" حاول إخباري بشئ أفعله أمام إبني، بسرعة ."
أومأ المعنى ليأخذ سالم العلبتين و يلتفت لفارس الذي يحدق بالسقف دون أي تفاعل ، ليقول هيثم :
" سيدي عليك رؤية الأوراق ."
انتبه سالم بالفعل أن مكتبه إمتلأ بالملفات فتنهد بضجر فعليه رؤيتهم جميعاً فأومأ ليغادر الاخر يستغرب طلبه السابق .
جلس بجانب ابنه و فتح العلبة يخاطب الفتى :
" بنى ، عليك تناول شيئًا ; فأنت لم تذق الطعام منذ الأمس ."
" لما تتجاهلني؟ .. أعلم أنك همست لذاك الرجل بما قاله ."
قال و هو يبعد وجهه أكثر ، فلم يتكلم سالم ، كان يعلم أنه مستاء منه لكنه فضل الصمت لعله يكون أفضل من البوح بشئ فسمع فارس يهمس بتعب :
" أريد العودة للمنزل ."
فتنهد المعني :
" بعد أن تتناول شيئاً .."
لكن الاصغر قاطعه بضيق :
" لا أريد شيئاً منك ! "
تنهد سالم بيأس ، ثم نظر له و اقترح :
" إن أكلت ، سوف أخبرك السبب ."
نظر إليه فارس ثم مد يده ليأخذ من البيتزا يتناولها بصمت فابتسم سالم و ربت علي رأسه بحب ثم شاركه الطعام.
*
*
*
يتبع...
ليس هناك أسئلة لم اراجع البارت
استمتعوا
و لا تنسو التقييم
و كلمة لطيفة و نقد
او ريفيو صغير علي البارتات المنزلة
و دا اكتر فصل طويل كتبته 😂💜
باي
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top