7.3. نانامي

5.

جلست نانامي متكئة على يدها ترسم خطوطًا بقلمها عندما استوقفها وقع أقدام، فرفعت رأسها وحدّقت في الشاب الذي أمامها.

— نعم؟

— أنا... أودّ الاعتذار عن سلوكي هذا الصباح. لم أنو التقليل من احترامك.

رفعت الشقراء حاجبيها الكثيفين.

— لقد قلتَ ما تظنه، وأنا كذلك. واضح أنني أثير أعصابك، لا أفهم لما قد تعتذر عن هذا...

عضّ كاتانا على شفتيه.

— أنت محقّة. لم أيرقنِ موقفك، لكن هذا لا يبرر فظاظتي. لقد أردت مساعدتك، ليس إلّا.

ظهرت ابتسامة صغيرة على وجه الشابة.

— شكرًا لك... على قدومك لمساعدتي، لكن لم يكن من الصواب قتله. زد على ذلك أنك غريب، وهو ابن قائد سابق. كنت ستزيد الطين بلّة.

أومأ كاتانا برأسه.

— فهمت... لقد أنقذتِ حياتي، لكن أي شخص كان سيفعل الشيء نفسه... ربما ليس قتله، لا أعرف كيف تسير الأمور هنا، لكن ما فعله أمر لا يغتفر. إن كان أشفقت على أناس مثله، فإن سلوكهم سيسود. ابن قائد أو لا، يجب أن ينال عقابه ليكون عبرة لغيره.

أفلتت ضحكة ساخرة من شفاه النينجا الطبية. كوّرت ورقتها ورمت بها لتنضم إلى كومة الأوراق على الأرض.

— أعتذر إن كانت كلماتي قد أزعجتك.

— كلّا، بل أعجبتني صراحتك. اجلس!

اتسعت أعين كاتانا. كاذب مثله؟ الصدق حتمًا ليس من شيمه، لكن إن ظنّت به ذلك، فلن يغيّر موقفها. جلس على كرسي مقابلٍ لها أَمْعَنَ النظر في رسوماتها والنباتات المختلفة على الطاولة. وقع نظره على علبة الزجاجات، لا شك في أنّ سم ماكوتو وترياقه مخبأين فيها.

— شفقتك عليه... هل يعقل أنّك تكنين له مشاعرًا؟

كشّرت السنجو مشمئزة.

— آسف... هذا ليس من شأني. قال ماكوتو-سان شيئًا من هذا القبيل، لذا تملّكني الفضول.

ردّت بحزم:

— كلّا. أعتقد أنّ قتل الناس باستهتار أمر سخيف. لو قتلتكَ هذا الصباح لمجرّد أن أزعجتني، لما كنتَ هنا تتحدث إلي. الموت حل سهل. أريد أن يدرك جين خطئه ويعود إلى رشده. هذا كل ما في الأمر.

— وجهة نظرك مثيرة للاهتمام، لكنها مثالية... بل وساذجة. لا تنتظري من الآخرين أن يكونوا كما تريدين. لقد سافرت إلى جميع أنحاء العالم، والأمر دائمًا على هذا الحال. إن كنت ترجين أن يكون النّاس جيدين معك، فلن تحصدي سوى خيبة الأمل. أنتِ من عليها أن تتكيّف مع الواقع، عليك أن تتعلمي القتال.

— أنا على دراية بذلك. تقول أنّ أي أحد كان ليقوم بما فعلته، لكن هذا غير صحيح. بعض الناس يعتقدون أنني أستحق ذلك. ومنطقهم مبني على نفس الحجج التي قدمتها. فوفقًا لهم، أنا مخطئة ومتكبرة لأنني فسخت خطوبتي مع جين. ولذا يجب أن أكون عبرة لجميع النساء اللاتي يتجرأن على التصرف مثلي. لا أعلم كيف يفكّر الناس في المكان الذي أتيت منه... ولكن إذا تأقلمتُ مع المعتقدات التي أجدها خاطئة هنا، فسأخسر نفسي.

— أنت عنيدة. أتساءل عمّا إذا كنت تعترفين بأنك مخطئة أيضًا أم أنك تلومين الآخرين لا غير! التكيّف يعني إيجاد طريقة للتعامل مع المواقف التي تزعجك، بدلًا من رفض وجودها. الأمر يتعلّق بإيقاظ جانب من شخصيتك، لا بمحوها.

— جزء من شخصيتي؟

أومأ كاتانا برأسه. بات الأمر كما لو أنّه يتحدث إلى الطفل الذي كان عليه ذات مرة، لكن نانامي لم تكن هو ولم تعد طفلة. رفعت سبابتها إلى فمها ولمعت عيناها تحت الفانوس الذي أضاء أوراقها. فوجد نفسه يتوق إلى إجابة منها. إجابة تتحدى معتقداته. ولأنها لم تكن هو، أراد أن يعرف وجهة نظرها، تفسيرها. لكنها اكتفت بالتبسم قبل أن تلتقط قلمها مرة أخرى.

— ماذا ترسمين؟

— أخطط لإنشاء كتاب للأعشاب الطبية. سأرسم كل هذه النباتات وأدوّن خصائصها العلاجية والسامة جانبًا.

— فكرة جميلة.

— أجل... أريد تسجيل كل ما تعلّمته ليعود ذلك بالنفع على المبتدئات والأجيال القادمة.

أسند كاتانا رأسه على راحة يده يراقب الشقراء وهي ترسم. سايوري ستجد تفكيرها سخيفًا، فرئيسة الوحدة الطبية لعشيرة أوتشيها تفتخر بمعرفتها الواسعة التي لا يمكن لأي نينجا طبية أخرى أن تتفوق عليها فيها. وقد أكسبها ذلك أهمية عظمى في مجلس القادة والجيش على مر السنين. انفرادها بالمعرفة جعلها شخصًا لا يمكن الاستغناء عنه. إدراك كاتانا بأن مهاراتها تلك مجرد قطرة في محيط، بعد كل ما رآه إلى الآن، غمره بشعور السخرية منها.

— ألا تخشين أن يتفوق عليك الآخرون إن تعلّموا كل تقنياتك ومعارفك؟

— لو فكّر الجميع بهذه الطريقة، لما صرت ما أنا عليه الآن. عندما التحقت بالوحدة الطبية، لم ترغب الأكبر سنًا مني في تعليمي. ولكن خلال زيارة لأختي في أرض الدوامات، كنت محظوظة بمقابلة طبيب منحني الفرصة لتعلم الكثير مما أعرفه اليوم.

— لذلك تريدين أن تسيري على خطاه.

زمّت نانامي شفتيها ورفعت عينيها الزرقاء إلى السماء.

— نعم، لكنني لم أكن دائمًا هكذا. لأصدقك القول، عندما عدت كنت الوحيدة التي تتقن النينجوتسو الطبي. وقد خضنا حينها معركة ضد عشيرة أوتشيها، وانتصرنا فيها. انخفض معدل الوَفَيَات في صفوفنا، فسُرَّ الزعيم بذلك. كان جين أحد الجنود الذين عالجتهم. بعد ذلك، أخذ يبعث إلي برسائل غرامية وتطورت علاقتنا. كنا سنتزوج... شعرت بأنني فريدة من نوعي وأحببت ذلك.

— أعتقد أنك فريدة من نوعك. لقد أخبرتني فويومي سنسي بأنك الأكثر موهبة في الجيش.

— بطريقة ما، الكل فريد من نوعنه، فلا أحد يشبه الآخر. قصدت أنني كنت متكبّرة... ومختالة.

— أنتِ؟

— أجل، ولم أر ضررًا في ذلك... ليس قبل أن تندلع معركة أخرى. بدا الأوتشيها أكثر وحشية من المعتاد، لا يقهرون. تضاعف عدد الجرحى باستمرار وكان من المستحيل بالنسبة لي أن أعالجهم جميعًا باستخدام النينجوتسو الطبي... كنت أعالج أحد الجنود عندما وصلني بلاغ بأنّ والد جين قد أصيب. عندما ذهبت لرؤيته، كان الأوان قد فات. عاتبني جين ولامني على التضحية بحياة قائد من أجل حياة جندي. الحياة هي حياة، وحياة والده لم تساو أكثر من حياة أي شخص آخر. انفصلت عنه عندما أدركت مدى اختلاف وجهات نظرنا. كان غاضبًا جدًا، نعتني بشتى الأوصافٍ وبدأ بالافتراء عليّ.

— أعتقد أنك اتخذت القرار الصائب بتركه، بغضّ النظر عمّا يقوله الناس عنك. ليس عليكِ أن تشعري بالذنب حيال موت والده، أنتِ بارعة، ولكنكِ لستِ إله. ولو كان يحبك حقًا، لما فعل ما فعله هذا الصباح!

— أنت محق، لستُ بإله، هنالك حدود لما يمكنني فعله، كبريائي قد أعماني عن هدفي الأصلي. لم تكن نيتي أبدًا إبهار الناس، كل ما أردته هو إنقاذ الأرواح. إنقاذ إخوتي، حتى لو لم أستطع فعل ذلك. لهذا قرّرت نقل معرفتي للآخرين وتشجيعهم على تطويرها بأنفسهم...

— أنت مثيرة للإعجاب، سنسي، لكن رسمك سيء للغاية!

انفجرت الشقراء ضاحكة. لم يصدق كاتانا أنّ هذا التعليق السخيف سيضيء وجه هذه المرأة الجادة. حلّت التجاعيد الدقيقة في زوايا عينيها الزرقاوين محل نَظْرَة الغضب. وكشفت شفتيها عن أسنانها، في ابتسامة مشرقة. واستولت على فحمي الشعر رغبة مفاجئة في تقبيلها، فأشاح بوجهه.

— يمكنني أن أساعدك إن أردت. أنا رسّام.

— لا أريد أن أزعجك بهذا، أنت بحاجة إلى الراحة... هذا ليس كتابًا فنيًا، لا يهم جمال الرسم، بل تفاصيله. المهم أن تظل النباتات قابلة للتمييز.

— لا أمانع ذلك، على العكس، أنا أحب الرسم. ثمّ إنني أود أن أرد لكِ الجميل.

لمحت كومة أوراقها، لقد أهدرت كَمّيَّة لا بأس بها. توترها يمنعها من التركيز. ربما ليست فكرة سيئة أن تقبل مساعدة كاتانا. قالت وهي تسلمه بعض الأوراق وريشة:

— حسنًا... سأتولى إذن كتابة خصائصها.

التقط كاتانا نبتة وفحصها تحت الضوء: ساق طويل يحمل خُصْلَة من بتلات بنفسجية صغيرة.

— الأرقطيون! لم أكن أعلم أنها نبتة طبية.

— بلى. إنه يستخدم لعلاج التهابات الجلد الناتجة عن الجروح، كما أنه يساعد الجسم على التخلص من السموم.

— مثير للاهتمام!

— أجل. أترغب ببعض الشاي؟

— آه... نعم، لم لا؟

— حسنًا.

بمجرد أن غادرت نانامي إلى الغرفة المجاورة، سحب كاتانا الحقنة التي أخذها خُلْسَة من جيبه وأخذ يفتّش في العلبة ويقرأ الملصقات، ثم أمسك بالقارورة التي ظنّ أنها تحتوي على الترياق الذي يبحث عنه. فوق بعض الأرقام والرموز، قرأ ماكوتو – الترياق. ملأ الأوتشيها حقنته، حارصًا على ترك كَمّيَّة كبيرة حتى لا يثير الشكوك.

تسارعت دقات قلبه، حاول تفسير كل صوت أتٍ من الغرفة المجاورة. قرقرة الغلاية. أكواب توضع على صينية. ماء يسكب. ستعود الشقراء قريبًا. ضغط بيده على وشم على معصمه واستحضر لفافة فيها رسومات لأغراض محاطة بدوائر. عندما لامست راحة يده دائرة زجاجة صغيرة ظهرت أمامه. أسرع بإفراغ محتويات حقنته فيها ووضعها في جيب سرواله.

— كاتانا-سان! أتبحث عن شيء ما؟

سالت قطرة عرق على ظهره.

— آه، أجل... أين الحمام؟

— هناك!

أشارت بيدها بعد أن وضعت الصينية على المكتب.

ارتاح الأوتشيها واستغل لحظة الخصوصية هذه لإخفاء القارورة. عندما عاد إلى غرفة العلاج، قدمت له نانامي كوبًا من الشاي الأخضر وطبقًا من الدانغو.

شكرها مبتسمًا والتقط الريشة وغمسها في المحبرة ثمّ استأنف الرسم. أسندت نانامي رأسها على يديها، ووضعت أصابعها على خديها تتأمله وهو يتعامل مع هذه الأداة بسهولة وأناقة.

فوجئت بأنها انفتحت له بهذه السهولة. أثار هذا الغريب شعورًا غريبًا في داخلها باتت تكافح لتفهمه. هل كانت مرتاحة أم... في مِزَاج جيد؟ هل شعرت بأنها مفهومة؟ أو ربما... لم تخف من أن يسيء الحكم عليها. لم تعرف بالضبط، لكن ذلك لم يزعجها.

ما المميّز فيه؟ هو بعيدٌ كل البعد عن الرجل المثالي في عينيها. فلسفته تختلف عن فلسفتها، حتى لا نقول تعارضها. هي تلعن العنف، وهو يبرره. هي تؤمن بالفطرة الطيبة للبشر، وهو متشائم إلى أبعد حد. لماذا إذن؟ لماذا تمنت ألّا يبزغ الفجر؟ هل اعتذاره عزّز أملها في البشر وقوى إيمانها؟ أم أنّ كونه غريبًا هو ما أثار فضولها؟

— أخبرني عن أسفارك... حدّثني عن العالم خارج هذه البقعة!

نظر كاتانا إلى ملامحها. لا بد أنها في مثل عمره أو ربما أكبر بقليل، لكنها عكست حماسًا طفوليًا. ظنّ أنها ساذجة ولكنها ناضجة بشكل غريب. ما الذي باستطاعته أن يخبرها به عن رحلاته التي لم تكن سوى تجسس وخداع؟

— السنة الماضية، سافرت إلى أرض البرق. كانت تجرِبة فريدة...

— ما المميّز فيها؟

— البلاد هناك... وكأنها عالم آخر. لديهم بعض الأشياء المثيرة للاهتمام. على سبيل المثال، لا يستخدمون فوانيس كهذه أو مصابيح زيتية... لديهم نوع مختلف من المصابيح تكفي لإضاءة أحيائهم ومنازلهم في الليل كما لو كان النهار.

— عجيب! وكيف هم الناس هناك؟

— الناس...

راودته صورة أفراد عشيرة وهم يغادرون منازلهم بعد أن طردهم جيش الأوتشيها. لجأت زوجة الدايميو الراحل لأرض البرق إليهم للتخلص من عشيرة متهمة بقتل زوجها والتمرد. تميّزت عشيرة تشينويكي، مثل عشيرة أوتشيها، بقوة بصرية. «وحده الشارينغان يستطيع التعامل مع تقنياتهم الملعونة»، هذا ما قالته الحاكمة.

طرد الأوتشيها هذه الذكرى غير السارة. «لقد جنوا على أنفسهم بتماديهم على الحاكم، غباء منهم!»، هذا ما قاله لنفسه آنذاك لإسكات صوت الشفقة الذي همس له بكلمات رفض سماعها. ولكن لسبب ما، وجد صعوبة في فعل ذلك الليلة. لذا حاول التفكير في جوانب أخرى من هذا البلد الشاسع.

— الناس هناك أقوياء البنية، رجالًا ونساءً. إنهم أطول قامة منّا وأجسادهم أكثر عضلية، وبشرتهم داكنة. كما أنهم ثرثارون وطيبو المعشر، وفخورون جدًا ببلدهم. تختلف تخصصات الطهي لديهم من منطقة إلى أخرى، لكنهم لا يأكلون الأرز. لديهم حبوب أخرى يصنعون منها حَلْوَيَات أيضًا. كانت إقامتي قصيرة، لكنني استمتعت كثيرًا. الطبيعة هناك جميلة والجو هادئ.

— أود حقًا أن أكتشف هذا البلد. أتساءل كيف هي العقليات هناك. كانت رحلتي إلى أرض الدوامات ثرية، لكنها تجربتي الوحيدة.

— لقد زرت أرض الدوامات أيضًا. لديهم حس عالٍ بالفن، أبيع لوحاتي بسهولة.

— حقًا؟ لقد أعجبني أسلوب حياتهم. لم أتخيل من قبل كيف هو شعور أن تعيش دون أن تكون في حالة تأهب دائم أو حداد! منذ أن عدت... لم أعد أرى الأمور من نفس المنظور. أعتقد أننا معتادون على الحرب هنا، ومحبوسون في حلقة مفرغة، لدرجة أننا لا نستطيع تخيل حياة سالمة. يقول المحاربون أنهم يقاتلون من أجل السلام، لكن المجازر تغذي الضغائن والحروب ليس إلّا... أتمنى لو تتوقف هذه الحروب عن تدمير بلادنا.

احتسى كاتانا رشفة من الشاي. «إن التخلي عن نقاء دمائنا يعني التخلي عن هدفنا الأسمى. فالنصر ليس هدفًا في حد ذاته، بل هو وسيلة للسلام. السلام الذي لا ينبغي لأحد سوانا تحقيقه بفضل سُموّنا! فالبشر ليسوا سواسية، تمامًا مثل اختلاف الكلاب والقطط وباقي الحيوانات. نحن وحدنا قادرون على فرض النظام في هذا العالم الفوضوي. لا ينبغي للبشرية أن يقودها بشر أدنى منّا، وإلّا غرقت في مستنقع الفوضى، وإن كانت متسترة بالسلام. سلام مصطنع لا يدوم.»، هكذا أجاب والده عندما تساءل كاتانا عن جدوى الحرب إن كان الهدف هو السلام. لم ير أكيرا أن السلام يمكن تحقيقه دون القضاء على السنجو. ففي رأيه – مثل الأوتشيها – السنجو ينحدرون من سلالة سامية. ولكن على عكس الأوتشيها، الذين حافظوا على نقائهم، فقد انفتح السنجو على البشر الآخرين من سلالة أدنى منهم وبذلك دنسوا نقاء دمائهم.

بدت الإبادة مستحيلة بالنسبة للشاب، خاصة وأنهم فقدوا كيوبي. يرى تاجيما، أخوه البكر، أنّ خلق الفارق في القوة وغزو مختلف أراضي بلد النار خيارات أكثر قابلية للتحقيق. تحت سيطرة الأوتشيها، لن يكون أمام السنجو خِيار سوى الخضوع. ومهما اختلفت رؤاهم، فإنّ الطريق إلى السلام دائمًا متعرج وحفيف بالتضحيات.

— أنت محقة، الحروب تولد الضغائن. إنها حلقة مفرغة. لكن كيف يمكن تحقيق السلام برأيك؟

— أنا لا أفقه في السياسة... لكن إن استمرّينا في القتال من أجل السلام، فلست متيقِّنة من أنني سوف أحيا أرى ذلك اليوم. لماذا لا يتفق الناس على التوقف عن قتل بعضهم البعض ويعيشوا فحسب؟ لدينا جميعًا الكثير لنخسره مقابل ما سوف نكسبه لو حاولنا التعايش.

— حتى لو، بمعجزة ما، توقف الأوتشيها والسنجو عن القتال... ستستمر المشاكل بين العشائر الصغرى. ستلجأ بعضها إلى الأوتشيها، والأخرى إلى السنجو، وتشن الحرب من جديد. أعتقد أنّ سلطة واحدة مهيمنة وحدها قادرة على وضع حد لهذا الأمر. عشيرتك تريد أن تجسّد هذه السلطة، وأعتقد أنّ الأمر نفسه ينطبق على عشيرة أوتشيها، نظرًا لامتلاكها سلاح دمار شامل. لهذا يستمرون في القتال.

— أفهم ذلك... وهذا يخيفني جدًا. لم يتبق لي سوى أخ وحيد، عمره ثماني سنوات وهو على وشك الانضمام إلى الجيش. إنه يتدرب منذ أكثر من عام، لكنني أعلم أنه ليس جاهزًا للقتال، مع أنّه يحاول إثبات عكس ذلك. يقول والدي أنه خطئي لأنني أفرط العناية به... أعلم أنه سيموت يومًا ما لا محال. لهذا أريد أن أعيش هذه اللحظات معه.

امتلأت عينا نانامي بالدموع فغمر شعور بالألم والذنب كاتانا.

— أنا آسف.

هزت الشقراء رأسها وربتت على خديها بكم ثوبها.

— لقد أشعرني الحديث معك بتحسن.

منحها الأوتشيها ابتسامة رقيقة.

— أنتِ تذكرينني بأختي. إنها أكبر مني بسنتين، لكنها تتصرف كما لو كانت أمي. ذلك يضايقني... لا أريدها أن تقلق عليّ طوال الوقت أو تتدخل في كل ما يخصني. لكنني أتفهمها...

تنهدت قائلةً:

— لا بد أنّ أخي يشعر بنفس الشيء. لكنه عنيد! إنه مجرد طفل.

— لماذا تقللين من شأنه؟ لو شرحت له الأمور وأخبرته بمشاعرك تجاهه، أنا واثق من أنه سيتفهم. في النهاية، هذه حياته، لا يمكنك فرض آرائك عليه. يجب أن تعطيه مساحة كافية لينضج.

اشتكت بصوت خافت:

— أوه، توقف عن التحدث مثل والدي!

— والدك يتحدث هكذا؟ يا له من حكيم! ليت أبي قال لي الشيء نفسه...

كتمت نانامي ضحكة صغيرة وارتشفت الشاي.

— وصفه بالحكيم مبالغة في حقه. لديه نظرته الخاصة للأمور بالطبع... إنه قائد، وسمعته وما يمكن أن يقدمه للعشيرة يعنيان له الكثير. لكنّه يفضل رؤية أبنائه يموتون في ساحة المعركة على أن يعدّ جبانًا أو أبًا حنونًا.

— فهمت... لا أظنه يملك الخِيار. إن أرسل الآباء الآخرون أبناءهم للقتال، فلا يمكنه أن يستثنيكم من ذلك.

— فعلًا، ولكن يمكنه استخدام منصبه في المجلس للتأثير على قرارات الزعيم، مثل رفع الحد الأدنى للتجنيد... على الأقل. يقول أنّه لا يمكننا التضحية بالعدد، لكن معظم الجنود صغار السن وعديمي الخبرة... ويقول إنهم سيتعلمون في ساحة المعركة، ولكن في الحقيقة، الكثير منهم يلقون حتفهم.

— وأنت تنقذين الكثير منهم، على ما أظن.

— هذا لا ينفي أنهم يموتون. يعتقد والدي أن العلاج يطيل معاناة الجنود لبضعة أيام أو بضعة أسابيع فحسب، تعصّبه يمنعه من رؤية ما يمكننا إحرازه من تقدّم. يقول إنه يفضّل الموت بفخر في ساحة المعركة على أن يتلقى العلاج... أردت أن أثبت له أنه مخطئ.

— ونجحتِ، أنا دليل حي على ذلك! حسنًا... لستُ جنديًا، لكن مع ذلك... كنت على وشك الموت وأنت عالجتني. والنتيجة: ما زلت حيًّا أرزق. هذا ليس بالأمر الهيّن سنسي!

ضحكت نانامي بهدوء

— بصراحة، السنوات القليلة الأولى التي قضيتها في علاج الجنود ما انفكت تؤكّد لي ما أخبرني به والدي وتحبط من عزيمتي. كنا نضطر في كثير من الأحيان إلى بتر أحد الأطراف، وأحيانًا تصاب الجروح بالعدوى. من الصعب علاج التهابات العظام والعضلات، فينتهي الأمر بموت الجرحى بسبب المضاعفات أو الانتحار... كان ذلك فظيعًا. ما زلت أسمع صراخهم من شدة الألم في رأسي.

وضع كاتانا ريشته بعد أن أنهى رسمًا آخر. انتصب شعر جلده من صوت نانامي الحزين. أراد أن يفرح لأن السنجو يعانون من نفس مصير الأوتشيها، لكنه شعر بالبغض لمجرد التفكير في ذلك. وقد أزعجه هذا التناقض. ليس الوقت مناسبًا للاستسلام. «الدموع والابتسامات أسلحة. استخدمها بحكمة واحذر منها»، هذا ما علّمه إياه أكيرا.

نظر إلى السلة حيث لم يتبق سوى حبات توت حمراء وأرجوانية. سأل وهو يلفها بين أصابعه:

— توت العليق؟

— كلّا، إنها غير صالحة للأكل، إنها سامة. يجب تجفيفها وطحنها إلى مسحوق قبل استخدامها.

— لكنها تبدو لذيذة!

— نعم، إنها كذلك. شكرًا جزيلًا يا كاتانا-سان. سأتمكن من تصنيفها وكتابة خصائصها الآن. لا بد أنك متعب، خذ قسطًا من الراحة.

— لا أريد إزعاجك، لكنني استمتعت بالحديث معك.

— لقد استمتعت بذلك أيضًا. لكنك مريض وتحتاج إلى الراحة.

— سأنصرف إذن...

قبل مغادرته القاعة، ألقى نَظْرَة أخيرة على نانامي.

— طابت ليلتك.

عاد كاتانا إلى السرير وانكمش على نفسه. أدخل يده في جيبه وتحسّس التوت السام الذي أخذه دون علم النينجا الطبية. ترياق الشعور الذي يدغدغ معدته ويرسل قشعريرة في عموده الفقري. بغض النظر عما يمليه عليه قلبه، وبغض النظر عن القناع الذي يرتديه، ولاؤه لعشيرة أوتشيها لا غير. لا ينبغي له أن ينسى هذا. ولكي يثبت ذلك لنفسه، صمّم على تسميم جيش السنجو. ربما... يومًا ما... ربما، لو حقّقت عشيرته السلام في هذا العالم، ستكون نانامي سعيدة يومها.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top