4.2. اعتراف
2.
فحص هيدياكي وكاتانا ونوبارا الجثث الملقاة على سطح القارب الواحدة تلو الأخرى. لم يبد أي من وجوههم مألوفًا، ولم يكن شعرهم أحمر اللون. لم تظهر عليهم أي علامات مميزة لعشيرة ما. ظلّت هويتهم لغزًا غامضًا.
قال هيدياكي وهو يتحسس رقبة أحدهم:
— هذا مَيْت أيضًا. حاولت تجنب أعضائهم الحيوية، ولكن...
أطلق تنهيدة وفرك عينيه.
— يسرنني أننا جميعًا سالمون على أي حال.
قالت نوبارا:
— سأرى ما إن تبقى ولو القليل من التشاكرا فيهم. قد يكون نبضهم أضعف بكثير من أن نشعر به.
أغلقت المقاتلة جفنيها وشكلت ختمًا بيديها. قال كاتانا وعيناه تحاولان رصد سفينة العدو في الضباب المتبدد:
— ابتعدنا كثيرًا عن مركبهم، كان علينا تفتيشه.
فأجابه القائد:
— من الخطر العودة إلى هناك. لم يتبق الكثير لنصل إلى أرض النار على أي حال. احتفظ بالتشاكرا خاصتك لدفن هذه الجثث.
هز كاتانا كتفيه.
— أمرك تايتشو... سأذهب لأغتسل، هذه الدماء تصيبني بالغثيان.
مرّ كاتانا بالقرب من هاناكو الجالسة بمحاذاة الصاري، صامتة ومتجمدة منذ أن أنقذها شينيا. نظر إليها هنيهة، ثم دخل المقصورة. في طريقه، خلع سيفه وحزامه وسترته قبل أن يدخل الحمام. لم تمنعه برودة الماء في الحوض الخشبي من غسل وجهه وصدره. عاد الجاسوس إلى غرفة النوم وهو يرتجف. في الضوء الخافت، رأى أغراضه ومتعلقات رفاقه ملقاة على الأرض. «لا! اللفافة!»
سارع ليتفقد الخزائن تحت الأسرّة، لكنه اصطدم بحاجز بشري. سمح له وميض من البرق أعقبه رعد أن يتبين ملامح نوبارا.
— أنتِ؟ لكن ماذا... هذه... لماذا؟
ألم حاد في صدره أوقف تنفسه. انكمش وجهه وسقط على ركبتيه، وانطوى على نفسه. انقبضت عضلات رقبته في حين كافح لالتقاط أنفاسه. تجاهلته المرأة الشابة وشقّت طريقها نحو المخرج. تشبث بقدمها، والدم المنهال من جرحه يرسم أودية على الأرضية الخشبية. داست على يده، فأطلق صرخة حادة، ثم غادرت.
3.
ضمّت هاناكو ساقيها إلى صدرها وهي تتلعثم بكلمات غير مفهومة: سوف يتبرأ أبي مني، لا محال. لن يكون متسامحًا هذه المرة. لقد أنقذني ذاك الياماناكا مرة أخرى... يا للعار! وهي تجلد نفسها، مرّ نينجا مقنّع آخر أمام عينيها وغطس في المحيط.
— نيي-سان! شعرت بتشاكرا غريبة وقوية على متن السفينة!
صاح هيدياكي:
— أين يا نوبارا؟
— أمام المقصورة، لكنه يتحرك... لا يمكنني تحديد موقعه بدقة.
— تحققي من المقصورة، سأبحث عنه هنا.
ركزت هاناكو التشاكرا في قدميها وقفزت من السفينة، «إنه هو! إن أمسكتُ به الآن، فسنعرف من وراء الهجوم!». فوق الأمواج، ركضت مطاردةً الشينوبي المقنع، حيث رصدت التشاكرا خاصته في الضباب بفضل الشارينغان.
عندما ضاقت المسافة بينهما، سحبت بعض الشوريكن من تحت حزامها ورمتها في اتجاهه. انغرزت شفراتها النجمية الحادة في ظهر عدوها ومزّقت الوشاح الذي غطى رأسه ووجهه، فتناثر شعره الأسود الحريري الطويل في مهب الريح في حين واصل الابتعاد. «امرأة؟ ليس بالضرورة...»
كما لو أنّ الأمواج ابتلعته، فقدت هاناكو أثر النينجا في رمشة عين، وإذا بتيارات مائية لولبية تتشكل تحت قدميها. «دوامات هنا؟ غير معقول! يجب أن أحذّر كايتو-سان!»
هدّد التيار المائي بسحب الكونويتشي إلى قاع المحيط، فعضّت شفتها وركزت كل ما لديها من تشاكرا في ساقيها لتبقى على السطح.
صرخ هيدياكي من بعيد:
— هاناكو! أمسكي!
وقف القائد خارج الدوامة وألقى بطرف حبل كاغيناوا إلى زميلته، فغاص طرفه المعدني في الماء. أمسكت هاناكو الحبل بقوة واستخدمته كدعامة للخروج من الدوامة. سألها وهو يمسك بذراعها:
— ماذا حدث؟
— اختفى أو... اختفت فجأة.
— أتعتقدين أنها كونويتشي؟
— ربما، لستُ واثقة... شعره طويل وأسود وأملس، لكني لم أستطع أن أتبين ملامحه أو شكله بسبب الضباب.
***
جثت نوبارا أمام جسد كاتانا المرتجف. أخذت وجهه الشاحب بين يديها وربتت على خديه.
— كاتانا! هيا، استيقظ!
تلعثم وهو يحاول فتح عينيه:
— نوبارا؟
وضعته على سريره وغطت ساقيه، ثم فحصت الجرح الذي على الجانب الأيمن من جذعه. «يبدو أنه قد طُعن بواسطة تانتو أو أيغوتشي...»
ما أن فردت أطراف الجرح الفائض بالدم، قوّس كاتانا ظهره ألمًا ووضع كفّه على أصابعها. «سحقًا... إنه أعمق من أن أستطيع إصلاحه بخياطة بسيطة.»
سحبت نوبارا البطانية فوق جسد صديقها، ثم بحثت في أغراضها المتناثرة على الأرض. فتحت عُدّة إسعافات أولية وأخرجت ضمادات وعلبة تحتوي على كريات سوداء بحجم حبة البازلاء.
— نوبارا... اللفافة...
— اخرس! أيها الأحمق، لا أصدق أنك تركته يفلت!
وضعت كرية في فم صديقها الجريح وساعدته على ابتلاعها مع قليل من الماء. قالت وهي تلف الضمادة حول صدره:
— لا أملكُ سوى هذا المُسَكِّن. عليك الانتظار حتى نصل إلى الديار. ستعتني بك أوكا-ساما.
— خلتُه أنتِ... لم أتوخ الحذر.
— ماذا؟ تعني أنّ الشخص الذي هاجمك أخذ مظهري؟
أومأ كاتانا برأسه. نظرت إليه نوبارا مستغربة للحظة، ثم ركضت إلى الخارج حيث قابلت هاناكو وهيدياكي.
— نيي-سان! ذاك الدخيل أخذ اللفافة وطعن كاتانا. لا شكّ أنه شخص يعرفنا ويعرف ماهية مهمتنا. واثقة من ذلك!
— ماذا؟ كاتانا!
هرعت هاناكو للحاق بأخيها الأصغر. أزالت خصلات شعره المجعد عن جبينه الذي تساقطت عليه دموعها كالبرك. رفع كاتانا يده ومسح وجنتي أخته مبتسمًا لها.
— لا تبكي هكذا... كما لو أنني سأموت!
جلس هيدياكي ونوبارا على السرير المقابل والحزن وخيبة الأمل يغمران وجهيهما.
— العمة سايوري ستعتني بي. أليس كذلك يا نوبارا-تشان؟
— طبعًا. كُفَّ عن الكلام! ستزيد حالتك سوءًا...
4.
جلس هيدياكي عند مقدمة السفينة تحت المطر المنهمر، يحدق في الأفق، حيث ظهرت أولى خيوط الفجر البيضاء. مرت هاناكو بجانب كومة الجثث المدسوسة في تابوت خشبي ضخم وانضمت إلى رفيقها. خاطبته وهي تغطيه بمظلتها:
— قد تصاب بالبرد. لندخل!
— رؤية كاتانا على تلك الحال تجعلني أشعر بخيبة أمل أكبر... أفضل البقاء هنا.
جلست بجانبه ووضعت الواغاسا بينهما.
— أعرف كم هو صعب أن تتقبل فشل مهمتك عندما تكون قائدًا، لكن هذا ليس خطأك... لقد بذلت قُصَارَى جهدك. اتخذت الاحتياطات اللازمة، لكن هكذا هي الأمور... لا يمكنك التخطيط لكل شيء.
— لم أستطع حتى حماية رفاقي. كاتانا مصاب، وأنتِ... كدت تموتين أمام عيني دون أن يسعني فعل شيء!
— هيدياكي... نحن شينوبي، أي أننا مستعدون للهلاك في مهمة. لست مسؤولًا عن حياتي، يمكنني الدفاع عن نفسي، وسأتحمل المسؤولية إن لم أفعل.
— أعلم هذا، لكن بالنسبة لي... لا معنى لما أفعله إن أنتِ رحلتِ.
كبتت هاناكو ضحكة صغيرة.
— أنت تبالغ! كنت مرهقًا وبعد كل ما حدث، لابد أن أفكارك مشوشة.
— لست أدري... عندما كنتِ على وشك الموت، هذا ما خطر ببالي.
— آسفة... نحن فريق، يفترض بي أن أساعدك، لكن كل ما فعلته أن كنتُ عبئًا عليك، وجعلتك تقلق بشأني.
— لستِ كذلك! لم أقصد هذا، أعني... أقلق عليك، نعم... لكن، هذا لأنني... أنا أحبكِ!
خرجت الكلمات من فمه كما لو أنه فكّر بصوت عالٍ وأعقبها صمت مهيب قطعه تارةً تلاطُم الأمواج وهزيم الرعد تارةً أخرى. لم يجرؤ أي من الأوتشيها على النظر إلى الآخر. بدت عيونهما الداكنة مصممة على التحديق في البحر الهائج.
— أعلم أنّ الوقت ليس مناسبًا. تخيّلتُ إخباركِ بذلك في ظروف أحسن، لكن...
— هيدياكي...
— وأعلم أنكِ لا تفكرين في الزواج، ولكن... إن وافقت على الزواج مني، فسأكون أسعد رجل في العالم وسأفعل كل ما بوسعي لأجعلك سعيدة أيضًا.
عندما شعر هيدياكي بنظرات المرأة التي عشقها تقع عليه، أدار وجهه نحوها باستحياء. لكن عيني هاناكو عكست الاعتراض الذي لم يرد سماعه. قال بنبرة لطيفة كما لو أنه يؤجل تلك اللحظة البائسة:
— ليس عليك أن تجيبيني فورًا. أرجوك، خذي الوقت الكافي للتفكير في الأمر.
هزّت هاناكو رأسها، فتشكلت غصة في حلق الشاب، لكنه حاول الحفاظ على رباطة جأشه.
— أنا أحبك كثيرًا، لكن لا يمكنني الزواج منك. لن أجعلك سعيدًا. نظن أنّ الأشياء التي نريدها ستجلب لنا السعادة، ولكن أحيانًا، تكون هذه الأشياء مصدر تعاستنا. لا أريد أن تتوقف سعادتك على وجودي من عدمه. أنت أكثر حكمة مني لتدرك معنى ذلك.
«ما الذي يجعلها تعتقد ذلك؟ أيعقل أنها...؟»
— هل للأمر عَلاقة بما قالته لكِ تلك الطبيبة؟ صدقيني، لن يحزنني ألّا ننجب أطفالًا طالمَا نحن معًا... سأتفهم الوضع إن كنتِ تحبين شخصًا آخر أو إن كنتِ لا تحبينني. أريد فقط أن أعرف لماذا...
أخذت نفسًا عميقًا وأغمضت عينيها. هكذا هو دائمًا، يرغب في معرفة كل شيء بأدق التفاصيل، ولن يتركها في حال سبيلها حتى تخبره بالحقيقة.
— خلال مهمة التجسس التي كُلِّفتُ بها في عشيرة ياماناكا، عرف أحدهم أنني من الأوتشيها بمجرد الشعور بالتشاكرا خاصتي. قاتلته، لكنه تمكن من القبض علي باللجوء إلى نفس التقنية التي استخدمها شينيا.
— شينتنشين نو جوتسو؟
— نعم، وليس هذا فقط. فقد لجأ إلى تقنية أخرى لقراءة ذكرياتي عن طريق نقل وعيه إلى دماغي. لحسن الحظ، حميت نفسي بالغنجوتسو. حاصرته داخل وعيي حتى استنجد بصديقه، لذا لم يخاطر باستخدامها مرة أخرى...
— لذا قام بتعذيبك...
— اغتصبني.
دفنت هاناكو وجهها في راحتي يديها. لف هيدياكي ذراعيه حول كتفيها وعانقها بقوة.
— أنا آسف حقًا بشأن ذلك.
— كان ذلك مقرفًا، عفنًا، مثيرًا للاشمئزاز... لا، بل أسوأ من التعذيب! كنت سأخبره عن أسرار عشيرتنا فقط ليتوقف. كنت خائفة... والحل الوحيد الذي وجدته أمامي كان الموت.
أسندت رأسها إلى صدر صديقها وواصلت قصتها بنبرة خالية من المشاعر.
— سجنني وأمر شينيا بمعالجة حروقي وإطعامي لإبقائي على قيد الحياة. توسلت إلى شينيا أن يحضر لي سواري، كنت مصممة على قتل نفسي، لكن...
— بدلا من ذلك، ساعدك على الهرب. رأيت ذلك في ذكرياته. آسف حقًا أنك مررت بهذا. أنا لا أستنقص من ألمك، كل ما أريده هو... أنا آسف!
أومأت برأسها وانسحبت من بين ذراعيه. ابتلع ريقه، لقد حطّم هذا الاعتراف قلبه، ولكن ماذا بوسعه أن يفعل ليخفف عنها؟ مهما قال ومهما فعل، لن يستطع التظاهر بأنه يفهم معاناتها، لكن ذلك لا يغيّر مشاعره تجاهها.
— ليس عليك أن تعتذر، هذا ليس خطأك. هناك كونويتشي عانين ما هو أسوأ من هذا وها أنا ذي أشكو مرارًا وتكرارًا... أوتو-ساما محق، أنا عديمة القيمة، ضعيفة للغاية وجبانة!
أخذ يديها وشد قبضتيه.
— أنت مخطئة، ليس حجم معاناتك ما يحدد قيمتك! ثمّ إننا إن تزوجنا، فلن تكوني مضطرة للذهاب في مهمات تعرض حياتك للخطر، أو قتل أشخاص لا تريدين قتلهم. ستكونين قادرة على عيش حياتك كما تشائين، تقومين بالأشياء التي تحبينها، تقطفين الزهور وتصنعين الصابون والعطور... دون أن تشعري بالذنب حيال ذلك أو تخافي من رد فعل والدك!
— ولكن هذا لن يغير من الواقع شيئًا. ما تقوله أشبه بحلم، ولكنني أجد صعوبة في تخيله حقيقة.
— لمَ لا؟
— لقد تغيرتُ يا هيدياكي، تلك المهمة غيرتني، لم أعد أشعر بأي متعة في القيام بهذه الأشياء... حتى أنني أخشى أن أغمض عيني، ناهيك أن أحلم! لأنني في كل مرة أنام فيها، أرى نفس الكابوس... شعور يدي ذاك الرجل على جسدي يطاردني. مجرد التفكير في الزواج... فكرة أن يلمسني رجل بتلك الطريقة... تصيبني بالغثيان. إنه أمر لا يطاق. هنالك حدود لا يمكنك أن تتخطاها معي، هذا ليس عدلًا. سأشعر بالذنب إن لم أتمكن من مضاجعتك، ولكن الأمر يفوق طاقتي. أنت رجل رائع، لذا أفضل أن أكون صريحة معك. أتمنى أن تنساني وتحب امرأة يمكنها أن تسعدك.
— لن أجبركِ على فعل شيء لا تريدينه. أنا لا أريد امرأة أخرى، وإن كانت مثالية، أريدك فقط أنتِ!
تنهّدت هاناكو بعمق، ثم وضعت يديها على كتفي رفيقها ونظرت في عينيه المائلتين.
— حسنًا، لنفترض أننا تزوجنا... إلى متى ستتحمل الوضع؟ أنت مجرد إنسان، سينفد صبرك لا محال. ماذا ستفعل حينها؟ هل ستجبرني على جماعك؟ أم... أنك ستخونني مع امرأة أخرى كي لا تضطر لذلك؟
صاح هيدياكي غاضبًا:
— لن أفعل ذلك قطعًا!
— بالضبط! لأنك لا تريدني أن أحزن، صحيح؟ في تلك الحالة... ستشرب حتى الثمالة كما تفعل دائمًا عندما تفوق الأمور طاقتك ولا تعود قادرًا على تحمل عبء مشاعرك. أكره أن أراك على تلك الحال، لا أريد أن أكون السبب في ذلك!
صر هيدياكي على أسنانه، لطالما لعن نفسه لأنه ترك صورته الحقيرة تلك عالقة في ذاكرة هاناكو. يكره أن تذكره بها، لكن ما من شيء يمكنه فعله حيال الأمر. بغض النظر عن عدد المرات التي أخبرته فيها والدته، وهي توبخه، أنّ الشينوبي لا ينبغي أن يستسلم للمحرمات الثلاثة: النساء والكحول والمال، لم يحل ذلك المشكلة. هنالك أشياء لم يستطع أن يخبر بها أحدًا، لذا كان يشرب... لينسى، ليبعدها عن ذهنه، ليواصل التحمل. حاول إقناع نفسه أنه إن استطاع أن يفتح قلبه لهاناكو، فسيكون قادرًا على التغلب على كل شيء، بما في ذلك إدمانه. لكن هاناكو لا تريده وهذا يخنقه.
— فقط أخبريني لماذا... لماذا تعتقدين أن كلّ ما أريده هو مضاجعتك؟ أحببتك منذ أن كنا صغارًا، مشاعري تجاهك لم تتوقّف أبدًا عند هذا الحد. بوسعنا أن نفعل الكثير معًا. هناك الكثير من الأشياء التي أود أن أفعلها معك!
ضغطت هاناكو بشفتيها على شفتي هيدياكي فأجبرته على الصمت. اتسعت عيناه من هول الإحساس المرهف للقبلة، وحلت نشوة لحظية محل غضبه وخيبة أمله. تلعثم وهو يضع سبابته على فمه:
— هانا...
تجنبت نظراته الهائمة. رُسمت ابتسامة بلهاء على وجهه. برفقٍ احتضن خدّها ورفع ذقنها. أمال رأسه وقبّل شفتيها مرة أخرى. وضع يده الأخرى حول خصرها وضمها إليه. لوهلة من الدهر، ترك نفسه ينجرف بعيدًا بتلك القبلة التي أشعلت نارًا في جسده. لكن سرعان ما أعادته أصابع هاناكو على فمه إلى الواقع.
— آسف... كان ذلك مفاجئًا.
دسّت هاناكو خصلات شعرها خلف أذنيها. خفق قلب هيدياكي بشدة ولم يسعه إلّا أن يجدها فاتنة تحت نور الفجر وانعكاس لون الواغاسا الحمراء على وجنتيها.
هل تمكن من إقناعها؟ أكانت بحاجة لمعرفة نواياه؟ لا يهم... لقد قبلته! لم يحلم بذلك، بل شعر بها حقًا! ربما تراه مختلفًا. ربما أرادت أن تواجه مخاوفها وتمنحه هو، الذي لطالما أحبها، فرصة. أيًا كان السبب، فهو مستعد لأن يعشقها وينتظرها لبقية حياته. سألها بابتسامة خجولة:
— هل... هذا يعني أنك موافقة؟
امتلأت عينا الجاسوسة بالدموع.
— لا... هذا يعني أنك ستجد صعوبة كبيرة في كبح جماحك.
ضربته كلماتها كالخنجر في ظهره. انهارت آماله. صرّ على أسنانه وأحنى رأسه خجلًا. كيف أمكنه أن يظن أنه مختلف؟ مثير للشفقة. لا يستطيع إنكار ذلك، هو يريدها، يرغب فيها، لكن هذا ليس كل شيء! ودّ لو أراها ما تعني له حقًا، لكنه أكدّ لها للتو ما حاول عبثًا إنكاره. تمتم باستحياء:
— آسف...
— لستُ مستاءة منك يا هيدياكي، أنا من عليها أن تعتذر.
— كلا... كنتِ صريحة معي. ما كان عليّ أن أصرّ، تلك أنانية مني، أنا آسف بحق.
— لستَ أنانيًا البتّة، لطالما كنت طيّبًا معي، وعلى الرغم من أنك تعلم أنني قد أكون عاقرًا... ومع كل هذه الندوب على جسدي... إلا أنك أردت الزواج مني. يؤسفني أنه لا أستطيع منحنا فرصة، لكن هذا أفضل لكلانا، لا أريد تركك معلّقًا معي.
تنهّد وهو يقف.
— هذا يكفي يا هاناكو. كُفّي عن التقليل من شأنكِ، هذا يثير أعصابي.
توقف المطر وتسللت أشعة الشمس بين الغيوم. أغلقت هاناكو الواغاسا ونهضت بدورها. اتكأ هيدياكي على حاجز السفينة يتأمل ظهور القارة في الأفق.
— أوشكنا على الوصول.
— لم ننم طوال الليل. لنأخذ قسطًا من الراحة.
التفت نحوها وأعطاها ابتسامة صغيرة، رغم الحزن البادي على عينيه المائلتين.
عاد الثنائي إلى غرفتيهما في المقصورة. نامت نوبارا في نفس سرير كاتانا وهي ممسكة بيده. نظر هيدياكي إليهما بلطف، ثم دفن رأسه في وسادته. في السرير المقابل له، التفت هاناكو حول نفسها تجهش بالبكاء.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top