3.2. اللفافة
3.
جرّ كاتانا ونوبارا الجسدين الخاملين إلى غرفة منارة بضوء النهار المتسلل من نافذة كبيرة، ثم وضعوهما على حصير التاتامي. أزالا حبالهما وغطّياهما بالكوتاتسو.
نظرت نوبارا من النافذة إلى الحديقة المحاطة بغابة كثيفة تمتد حتى الشاطئ. إن هرب زوج الأوزوماكي من هنا، فسيكون من الصعب الإمساك بهما.
— هذا لا يفي بالغرض، علينا أن نجد غرفة أخرى يا كاتانا.
خرج الشاب إلى الحديقة وتفحص ما حوله. سحب ورقة من حقيبته ونشرها على العشب كاشفًا عن رسم تخطيطي.
— لا تقلقي، لديّ حل.
قام بسلسلة من الأختام اليدوية، ثم ضغط براحة يده على الرسم.
— دوتون: سجن الأعمدة الثمانية!
فُتِح فم نوبارا ولمعت عيناها وهي تتأمل ولادة ثماني أعمدة صخرية ضخمة من حولها، لتتمدد وتندمج مُشَكِّلةً جدارًا أحاط بالمنزل وحديقته.
— مذهل! لم أتخيل قط أنك قد بلغت هذا المستوى. أتساءل ما الذي تخبئه لهزيمتي!
انفجر كاتانا ضحكًا.
— لا تقلقي، لا نية لي في قتلك.
— هه! تتحدث كما لو أنك قادرٌ على ذلك! أنت لا تضاهيني في الكنجوتسو. ما الذي كان يدور في عقل العجوز أكيرا عندما أسماك كاتانا؟ جدّيًا...
تلاشت بهجة الشاب.
— ما أدراني، لمَ لا تسألينه؟
انتبه لعبوس ابنة عمه، فقرص خدّها.
— غيورة.
دفعت يده ووضعت كفيها على وجنتيها.
— هراء! لمَ قد أغار منك؟
— لأنّ النينجوتسو نقطة ضعفك... ربما؟
— أتسمي تلك نقطة ضعف؟ في ساحة المعركة، وحدهما التايجوتسو والكنجوتسو يصنعان الفارق، أما النينجوتسو فهو مضيعة للتشاكرا!
— انظروا إلى هذه المتعجرفة! وأنا من أردت تعليمك هذه التقنية التي استغرقت مني خمس سنوات طويلة لإتقانها ببراعة! حسنًا إذن، كما تشائين...
عاد كاتانا إلى المنزل وهو يصفّر كالعصفور. قلبت نوبارا شاربيها وركضت خلفه. في المدخل، أمسكت بكم سترته القطنية السوداء وقالت له بصوت لطيف متمسكن:
— لكن يجب على الشينوبي البارع أن يتقن النينجوتسو، أليس كذلك؟
— همم... ربما.
أفلت كاتانا من قبضتها ونزل إلى المطبخ، حيث كان الجو مظلمًا ورطبًا. لفتت نظره خزانة مدمجة بالحائط، ففتح بابها المنزلق وتفحص رفوفها: أوعية وأطباق مختلفة الأحجام، وصناديق من الخيزران تحوي فاكهة مجففة وقطع كعك، وزجاجات خزفية بألوان مختلفة مملوءة بزيوت نباتية وماء. رفع غطاء وعاء خشبي كبير، فانبثقت منه رائحة السرو ممزوجة بالبخار المتصاعد من الأرز بداخله.
توسّلت إليه نوبارا جامعةً بين يديها:
— هيا، أرني كيف فعلت ذلك! أريد أن أتعلم هذه التقنية أيضًا!
ظهرت ابتسامة على زاوية شفتي كاتانا. ناولها سلة من الخيزران، فأخذتها بتردد.
— ماذا تفعل؟
— سنبقيهما محبوسين طوال اليوم، أندعهما يتضوّران جوعًا؟
وضع داخل السلة وعاء الأرز، وعلب الفاكهة المجففة، وعيدان الطعام، وأطباقًا مع قارورة خزفية مملوءة بالماء.
— لو أنك بنيت لهما مرحاضًا في غرفة المعيشة بتقنيتك. هكذا لن يقاطعا حصّتنا التدريبية!
— حصتنا التدريبية؟
— لا تظنن أنني سأتركك تفلت دون أن تعلمني تلك التقنية!
التقط كاتانا السلة وعاد إلى الغرفة التي ترك فيها الزوجين، فتبعته نوبارا عابسة. عانق زوج الأوزوماكي بعضهما البعض وسيقانهما تحت البطانية. وضع الجاسوس الطعام على طاولة الكوتاتسو، وما أن رأت شيزوكا زوج التوموي في عينيه، حتى دفنت رأسها في رقبة زوجها. مع أنّ الرعب بادٍ على ملامح هذا الأخير، إلّا أنه بذل قُصَارَى جهده لإخفائها وطمأنة زوجته بالتربيت على ظهرها.
ابتسم الأوتشيها وهو يحك مؤخرة عنقه.
— إن... أردتما أن تذهبا للحمام، فأخبراني رجاءً. يمكنكما مناداتي بـ كاتانا. سأترككما على راحتكما الآن يا كازوشي-سان وشيزوكا-سان!
انحنى بأدب ثم انقلب على عقبيه.
همست شيزوكا:
— قليل الأدب!
— آه، يمكنك مناداتي بذلك!
بصق كازوشي بصوت تملؤه الكراهيَة:
— وقح!
— هذا يناسبني أيضًا!
ما أن عبر العتبة، حتى أطلق تنهيدة وهو يتمتم لنفسه: اللعنة، ما كان ينقصني سوى أن يهينني الأوزوماكي...
وبمجرد أن لمس الباب، انزلق عليه جدار صخري سدّه بإحكام. جذبت نوبارا سترته ثانية، وعيناها الشبيهتان بأعين القط تحدقان فيه بتوسل.
— حسنًا، حسنًا، لنعد إلى الحديقة!
نطّت المقاتلة من الفرح كالطفلة.
— أجل!
لكن قبل أن يخرجا، أوقفهما وقع أقدام هاناكو وهيدياكي وهما ينزلان الدرج.
حملت هاناكو آلة شاميسن على كتفها وارتدت كيمونو أرجواني مع أوبي أصفر حول خصرها. وغطى وشاح أبيض شعرها المستعار الأحمر المشدود بدبابيس ذهبية. أخفى طلاء أبيض حليبي هالاتها السوداء وملامح وجهها. أما جفونها – المرسومة بالكحل – فصارت تشبه جفون شيزوكا. وبدت شفتاها – الملوّنة بالأحمر الفاقع – أصغر من فم هاناكو الممتلئ.
لم يشبه هيدياكي نفسه هو الآخر، حيث ارتدى هاكاما داكن وفوقه هاوري أزرق يظهر على كتفيه رمز الدوامة القرمزية لعشيرة أوزوماكي. مكان شعره الفحمي القصير والمتموج بطبيعته، بدا الجزء الأمامي من رأسه محلوقًا، في حين صُفّف باقي شعره المستعار الأحمر على شكل ذيل حصان ملفوف ومربوط أعلى رأسه. صبغ بشرته باللون الأبيض مع رسم حلزوني على وجنتيه، ورسم عينيه وحاجبيه بالأسود.
— تجنبا قتالهما حتى لو استفزاكما. أنا أعتمد عليكما.
أومأ كاتانا ونوبارا برأسهما.
وأضافت هاناكو:
— سينتظرنا كايتو-سان في الميناء عند الفجر. سنبذل قُصَارَى جهدنا لاستعادة اللفافة في أقرب وقت ممكن.
أعطى كاتانا لفيفتين لهاناكو وأخريين لهيدياكي.
— خريطة الطريق الأكثر أمانا. الغابة كثيفة ويمكن أن تضيعا بسهولة. هاناكو ني-تشان قطعت معي هذا الطريق في السابق، لذا وضعت علامات استخدمناها في المرة الأولى كي تتعرف عليها بسهولة.
أومأت وهي تقرأ الخريطة:
— أجل، بالطبع.
— الخريطة الأخرى تخصّكِ في الأصل، لقد أضفتُ عليها بعض التفاصيل حول مدخل مختلف للمعبد تمكنت من اكتشافه بفضل الطيور.
قال هيدياكي وهو يربت على كتف كاتانا:
— ممتاز، اعتني بنوبارا!
عقدت نوبارا ذراعيها ورفعت ذقنها.
— ماذا تعني بذلك؟ يعتني بي؟ أنا كبيرة، يمكنني الاعتناء بنفسي!
مشط هيدياكي شعر أخته بلطف.
— بالطبع! أنا أعتمد عليكِ، لا تقسي على كاتانا-كن!
وضع كاتانا يده على الجدار الذي صنعه، ففُتِح نفق أمام نظرات القائد الفضولية.
— نراكما لاحقًا!
عبر الثنائي الممر وسلكا الطريق نحو الغابة. صرخ كاكاتا:
— استمتعا بوقتكما!
ضربته نوبارا على صدره بمرفقها، فانفجر ضاحكًا وأغلق الممر في الحائط بإشارة من يده.
— هل هما يتواعدان حقًا؟
— لن أخبرك بما رأيته حتى تعلّمني تقنيتك!
— ما رأيتِه! إذن ذلك صحيح! دعيني أخمن... هل رأيتهما يتبادلان القبل؟
غمس الجاسوس عينيه في عيني رفيقته وأغلق جفنيه مشكِّلًا قبلة بفمه.
— يا زهرتي!* شفتاكِ تقودانني للجنون!
توقف قلب نوبارا عن الخفقان لوهلة، وغمرت الحرارة خدّيها، فأشاحت بنظرها بعيدًا.
— هراء! ما كان أخي ليقول شيئًا كهذا أبدًا!
ضحك كاتانا.
— حسنًا، حسنًا... مبدأ تقنيتي بسيط. سأشرحه لك، ثم أعطيك مثالًا توضيحيًا بإغلاق المخرج الآخر من غرفة المعيشة.
أنارت وجه نوبارا ابتسامةٌ عند سماع هذه الكلمات. جلست على العشب تنصت إلى زميلها.
— لو أنني استخدمتُ الدوتون فقط، لاستهلكتُ كل ما لدي من تشاكرا لبناء هذا الجدار الضخم. ما فعلته يشبه تقنية الاستدعاء؛ استدعيت ترابًا حقيقيًا ممزوجًا بالتشاكرا خاصتي، التي حولتها إلى دوتون. ثم استخدمت مخيلتي لإعطائها الشكل الذي أردته. هذا يشبه إلى حد ما الغنجوتسو وتقنية التحول.
— فهمت... لقد بنيتَ الكوخ بنفس الطريقة، لهذا السبب لم يختف.
— بالضبط! الآن أخبريني بما رأيتِ!
— لكن تقنيتك لا تعمل مع الكاتون!
— ألم تكوني تتدربين على إتقان السويتون مع هيدياكي نيي-تشان قبل أن أغادر؟
— بلى، أتعتقد أنه يمكنني استخدامها مع السويتون؟
— بالطبع! النينجا الذين يستخدمون هذا العنصر يستفيدون من وجود الماء في ساحة القتال ليحافظوا على التشاكرا خاصتهم. إن كان بإمكانك استدعاء الماء الذي مزجته بالتشاكرا الخاصة بك، فسوف تستغلين هذه الخاصية حتى في مكان يخلو من المياه.
قفزت نوبارا على كاتانا وعانقته بقوة.
— أعطيتني فكرة رائعة أيها الأحمق!
تمتم وهو يعتدل في جلسته:
— هل لي بهدية؟
— هيهي... كذبتُ عليك، لم أرَ شيئًا!
وضع الشاب ذو الشعر الداكن يده على وجهه وترك نفسه يسقط على العشب. انفجرت نوبارا ضاحكة من خيبة أمله. ثم وقفت وأسدلت قوسها وجعبتها على ظهرها.
— رصدتُ الكثير من الأرانب في الغابة هذا الصباح، ما رأيك في حفلة شواء؟ إنه عرض خاص لا أقدمه كل يوم!
— لن أدعك تغادرين هذا المكان! ليس هناك ما يضمن أنهما لن يتمكنا من اختراق جدراني بسلاسلهما تلك!
أصرّت وهي تقفز في مكانها:
— هيا يا كاتانا! افتح، افتح يا سمسم! لا تكن سخيفًا، ليسا بتلك القوة! أعلم أنك ترغب في ذلك أيضًا!
— قلتُ: كلّا! ماذا لو واجهتك عصابة قطاع الطرق تلك.
— سيكون الأمر مثيرًا! أريد أن أقاتل، هذه المهمة مملة!
— كلا، ليست كذلك!
تركها تتنهد بغضب وعاد إلى المنزل. شددت نوبارا على قبضتيها وكشرت عن أسنانها.
— أنت ممل أكثر من أخي!
4.
وصل هيدياكي وهاناكو إلى نقطة تفتيش: ممر داخل جدار رخامي ضخم يحيط بنطاق عشيرة أوزوماكي. عند المدخل، وقف أربعة حراس يرتدون زيًا موحدًا، ويحمل كل منهم سيفين على ظهره.
— أليس ذاك كازوشي؟
تمتم هيدياكي لنفسه: هؤلاء الرجال يعرفونه... عليّ أن أتوخَّ الحذر. حيّاهم بحرارة مقلدًا صوت كازوشي:
— مرحبًا يا رفاق، كيف حالكم؟
— لم نرك منذ زمن يا صاح!
— آه، سافرنا كثيرًا مؤخرًا.
— سُعِدتُ بلقائكِ سيدتي.
أومأت هاناكو برأسها. سلّم هيدياكي الورقتين الملفوفتين إلى حارس آخر جالس على مكتب. فحص الوثائق ثمّ حدّق في هاناكو. تسارعت نبضات قلبها وأمسكت طرف وشاحها بين شفتيها في محاولة لإخفاء أي تعبير قد يظهر على وجهها. كتب الرجل بضع كلمات على ورقة، ثم لفّها وختمها بدوامة حمراء.
— يجب أن تلتقيا سايتاما-ساما أولًا. الأمر متروك له ليقرر ما إذا كان سيسمح لكما بالمرور أم لا.
عكف هيدياكي حاجبيه.
— لكن هذه دعوة رسمية من آشينا-ساما!
— لا تلمني يا كازوشي، لا دليل عندي أنها زوجتك!
ضحك القائد بخفة.
— إلامَ ترمي يا ناووكي؟ أنت لا تظن أنني أخون زوجتي، صحيح؟
— ما أدراني؟ هي لا تأتي معك عادةً!
تدخلت هاناكو بصوت هادئ:
— صحيح. لستُ مهتمة بالحفلات، لكن هذا المهرجان مختلف. أنا سعيدة من أعماق قلبي من أجل آشينا-ساما! لذا أودّ أن أعزف له أجمل ألحاني... فكما تعلم يا سيدي، أنني وزوجي ليس لدينا أطفال. لهذا المهرجان مكانة خاصة في قلبي!
هز ناووكي كتفيه.
— حسنًا، حسنًا... إن كنتِ زوجته، فلن تواجهي أي مشكلة. سيتأكد فقط من هويّتكِ.
تبادل هاناكو وهيدياكي نظرات قلقة.
— لا تؤأخذيني يا سيدتي. الوضع في الخارج لا يُطَمئِن. لا يمكننا السماح لأيٍ كان بالدخول.
قالت هاناكو وهي تضع يدها على فمها:
— بالطبع! تفانيك في عملك مثير للإعجاب، ناووكي-دونو!
ارتسمت ابتسامة على طرف شفتي الحارس، وسلم الرسالة التي كتبها إلى رجل آخر يقف أمامه. أمسك هيدياكي بيد زميلته وشبك أصابعهما.
— هيا بنا يا عزيزتي.
قادهما الحارس الثاني إلى غرفة صغيرة في نهاية الممر، حيث جلسا على وسائد. وبعد لحظات، ظهر عجوز يرتدي ملابس رسمية داكنة توحي برتبته العالية. تساءل الأوتشيها عن هويته، وجوابهما الوحيد: إن اكتشف أمرهما، فتلك نهاية اللعبة.
جلس العجوز – الذي لقّبه الحارس سايتاما – أمامهما، فانحنيا له باحترام.
— ارفعا رأسيكما رجاءً.
قرأ الأوزوماكي الرسالة في صمت، ثم وقف وأخرج ملفًا من أحد الرفوف خلفه – حيث وُضِعت وثائق ومخطوطات أخرى. تصفح المِلَفّ ثم توقف عند إحدى الصفحات ودون أن يرفع رأسه، قال:
— أوزوماكي شيزوكا-دونو، أهذه أنتِ؟
أجابت هاناكو بثقة:
— نعم سيدي.
— عرّفي بنفسك. كل المعلومات عنك وعن عائلتك مدرجة هنا، لذا لا تفكري في الكذب.
— لا نية لي في ذلك يا سيدي!
ضحكت هاناكو في نفسها: أهذا كل شيء؟ مخيّب للتوقعات!
— أنا أوزوماكي شيزوكا، الابنة الوحيدة لأوزوماكي إيتشيرو وأوزوماكي كازوها، وزوجة أوزوماكي كازوشي. عشت وترعرعت في عشيرتنا. كان والداي يديران مطعمًا للمأكولات البحرية، حيث عملت بصفة عازفة شاميسن. لكني أعيش حاليًا على الساحل الشرقي مع زوجي. بعد أن تزوجنا، قررنا أن نسافر لكسب لقمة العيش... وقد حصلنا على موافقة آشينا-ساما.
— همم... يبدو أنكِ لم تزوري والديك منذ مدة، متأكد من أنهما سيسعدان برؤيتك.
سخرت هاناكو في نفسها: يحاول خداعي، لكنه يلعب مع الشخص الخطأ... ما أعثر حظ العشائر التي لا تملك الشارينغان!
— سيدي، أعتقد أن هنالك خطأ ما. على الأرجح، لم يتم تحديث بيانات هذا المِلَفّ. فقد مات والداي... منذ سنوات.
حرك سايتاما شفتيه باستياء. «ليس سيئًا... لكن أي شخص يعرف شيزوكا سيعرف ذلك، لابد أنها اكتشفت الأمر. في هذه الحالة...»
— هذا يعني أنك ورثت المطعم... لا شك بأنك عيّنت شخصًا آخر لتولي أمره.
أخفضت هاناكو رأسها وهي تبتسم. تساءل هيدياكي في نفسه: لماذا يشك في هاناكو فقط؟ ثم وضع يده على ظهر رفيقته.
— شيزوكا، عزيزتي، أكل شيء على ما يرام؟
أجابت بصوت حزين:
— سيدي... أقدّر الجهد الذي تبذله لحماية عشيرتنا دون أن تنال الامتنان الذي تستحقه، ولكن البسطاء أمثالنا لا حاجة لهم بأن يكذبوا عليك!
رفعت رأسها وعيناها تدمعان.
— وعلى الرغم من أنّ حادثة حريق المطعم مسجلة بلا شك في ملفك...
أجهشت الشابة بالبكاء في وشاحها.
تدخل هيدياكي قلقًا:
— سيدي، أرجوك أوقف هذا الاستجواب! لا تزال تلك الذكرى تطارد زوجتي!
— لا داعي للقلق يا كازوشي. سايتاما-دونو يؤدي واجبه فحسب. عليهم التحقيق مع الجميع حتى يتمكنوا من القبض على أولئك المحتالين...
مسح هيدياكي دموع رفيقته بإبهامه مبتسمًا. «أحسنت يا هاناكو!»
— لا تقلقي بشأن ذلك يا عزيزتي.
— لا يهم... سأخبره بكل شيء حتى يطمئن قلبه. يَجِبُ ألاّ نتأخر عن المهرجان!
حدق سايتاما فيهما بارتياب. «تلك المرأة... تعلم أنني أشك في كونها أحد قطاع الطرق. إنها تحاول كبح شكوكي عن طريق التظاهر بالبراءة، لكنها وقعت في فخها! طبقًا لتقارير الضحايا، فإن تلك الكونويتشي استخدمت غنجوتسو قوي ضدهم، فانتهى بهم الأمر جميعًا بإعطائها ممتلكاتهم دون أدنى مقاومة. يبدو أن كازوشي لا يدرك ذلك، أهو تحت تأثير تقنيتها؟ أم... أنّه حليفها؟ معرفتها لكل هذه التفاصيل عن شيزوكا تنمي شكوكي!»
— كازوشي-دونو، أخبرني عن ذاك الحريق.
أدار هيدياكي وجهه نحو سايتاما، ثم نظر في عيني هاناكو ثانية. أومأت برأسها ووضعت يدها على يده. أخذ نفسًا عميقًا واسترجع ذكريات كازوشي التي رآها بالشارينغان.
— في تلك الليلة... بتنا أنا وزوجتي في بيت أهلها بعد أن أدينا عرضًا في حفلة رأس السنة القمرية. كان الجو حارًا بشكل غريب وشممنا رائحة دُخَان، فغادرنا غرفتنا لنرى ما الذي يحدث. وجدنا المنزل يحترق وكان حماي وحماتي فاقدين للوعي. كانت النيران تلتهم الدرج والمطعم في الطابق الأرضي. لذا لففناهما في الفوتون وألقينا بهما من النافذة. قفزت أنا أولًا، ثم مددت ذراعي إلى زوجتي الحامل... ولكن حين حاولت شيزوكا القفز، انفجر شيء ما تحت قدميها وقذف بها إلى الأعلى... لم أستطع الإمساك بها... فسقطت.
وضع هيدياكي يديه المرتعشتين على وجهه وأطلق تنهيدة يائسة.
— كل هذا خطئي! ليتني... ليتني حملتها بين ذراعيّ قبل أن أقفز!
— يا للأسف، لابد أنك تشعر بالذنب بسبب إجهاضها...
قاطعته هاناكو:
— كلا! أنا لم أجهض. كان قد تبقى شهر على الأكثر قبل موعد ولادتي، ولكنني دخلت في المخاض بعد هذه الحادثة مباشرة. قال الأطباء أنّ رئتيّ متضررتين وأنّ نبضات قلب الجنين بطيئة للغاية. وأوضحوا أنه لا أنا ولا الجنين سننجو بولادة طبيعية. لذا أخضعوني لعملية قيصرية. بقي ابني على قيد الحياة مدة ثلاثة أيام فقط، وعانيت من آثار الحريق لعدة أشهر.
أغلق سايتاما المِلَفّ وحدّق في المرأة الشابة التي سرت رعشتها على ثوب الكيمونو خاصتها. «كل هذه التفاصيل، مروية بمثل هذه العاطفة، لا يمكن أن يعرفها شخص لم يعش الحادثة... هذه المرأة ممثلة بارعة. أنا بالتأكيد لست تحت تأثير الغنجوتسو خاصتها... لكنني لا أملك دليلًا ضدها!»
— آسف لسماع ذلك... لكن هناك إجراء أخير يجب أن أتخذه.
سأل هيدياكي وحلقه جاف:
— إجراء أخير؟ تقصد سؤالًا آخر؟
— لا... ذكرت زوجتك أنها خضعت لعملية لإخراج طفلها. سأستدعي طبيبًا لفحصها والتأكد من أنها أوزوماكي شيزوكا.
سال العرق البارد على عمود هيدياكي الفقري. ملأ رئتيه بالهواء وعضّ على أسنانه. «كيف فاتني هذا التفصيل؟ ظننت أنني خطّطت لكل شيء... إن قام الطبيب بفحص هاناكو، فسينتهي أمرنا. علي استخدام الغنجوتسو، لكن على من؟ سايتاما أم الطبيب؟ ما من خِيار آخر...» أخفض رأسه وأغمض عينيه.
— ليس ضروريًا.
رن صوت هاناكو في أذنيه. «ليس من الضروري استخدام الغنجوتسو؟ ألديك خُطَّة أخرى يا هاناكو؟»
— أخشى أننا تأخرنا، لذا، سايتاما-دونو، أرجوك اسمح لي...
سقط وشاح هاناكو أمام نظرات صديقها المذهولة. خلعت أكمام الكيمونو الواحد تلو الآخر، كاشفةً عن نصف جسدها العلوي الذي لم يبق عليه سوى حمالة الصدر.
— ... بأن أعطيك الدليل الذي تبحث عنه!
صرّ هيدياكي على أسنانه وشدد قبضتيه. غطّت بقع من الجلد الأبيض المجعّد المنقط بخطوط وردية ذراعي وكتفي زميلته. وامتدت نَدَبَة مستقيمة من سرتها إلى أسفل بطنها.
سادت الحَيْرَة ملامح سايتاما. «مستحيل... هل كان حدسي خاطئًا؟» طهّر حلقه وتحدث مرة أخرى برزانة:
— لا داعي لاستدعاء الطبيب، يمكنكما الانصراف.
المعجم
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top