25. حيرة
ديسمبر – ستٌ وعشرون عامًا قبل تأسيس قرية كونوها المخفية
أرض النار – حدود عشيرتي أوتشيها وسنجو
في غضون أسبوعين، تعلّمت نانامي بعض تقنيات الدفاع عن النفس. وبينما هي تتأمل وجهها في مرآة خزانة كاتانا، استطاعت أن تبصر بتغيّر في ملامحها، في عينيها. قوة. إرادة. إصرار. شعرت بأنها أقرب إلى هدفها، إلى الاستقلالية التي تطمح إليها.
ربطت أوبي اليوكاتا السوداء التي أعارها إياها صديقها ووضعت ملابسها الخاصة على الرف. لمست أناملها نتوءًا، فوقفت على أطراف قدميها ومرّرت يدها تحت الملابس المطوية.
— لوحة؟
أخرجت برفق الإطار الملفوف بقطعة قماش بيضاء. غير قادرة على مقاومة فضولها، كشفت الشقراء عن اللوحة التي بين يديها.
— إنها...
لوحة زيتية لامرأة شابة ذات ابتسامة مشرقة وشعر أشقر وعينين زرقاوين، في قارب، في يوم مشمس – عكس الجو الرمادي الذي ساد اليوم.
— أنا؟
ضحكت نانامي باستحياء وعضّت إبهامها وربّتت على خديها. لقد كبتت مشاعرها الناشئة تجاه كاتانا خوفًا من ألّا يبادلها بالمثل، لكن هذا الرسم – الذي رسمه بعناية – غمرها بالأمل. لوهلة، تخيّلت نفسها تحتضن الشاب وهي تضم اللوحة إلى صدرها، حين أخرجها صوت الأوتشيها المبتهج وراء باب الكوخ من حلمها:
— نانامي؟
لفّت السنجو اللوحة ثانية ووضعتها على الرف حيث وجدتها.
— نعم... مهلًا... انتظر... لم أنتهي بعد.
دسّت شعرها خلف أذنيها وأخذت نفسين عميقين ثمّ فتحت الباب.
— إذًا... نينجوتسو أم تايجوتسو أم كنجوتسو؟
— همم... أود أن أكمل تدريبي على السويتون.
— حسنًا، هيا بنا!
وقفت النينجا الطبية على سطح البحيرة، وأدّت بيديها أختام التنين والنمر والأرنب البري، وعلى الفور تشكّلت موجة ضخمة قبل أن تصطدم بشجرة على الشاطئ.
— سويتون: الموجة المائية الهائجة.
— مثير للإعجاب! كنت واثقًا أنّ تحكّمك الجيّد في التشاكرا سيسمح لك بتعلم النينجوتسو أسرع من التايجوتسو والكنجوتسو.
— أنت تبالغ... لست واثقة من أنّ هذه التقنية ستنفعني في مواجهة الأوتشيها!
رفع كاتانا حاجبه.
— ربما ليس للتغلب على خصمك، لكن يمكنك استخدامها بطرق أخرى... وسيلة إلهاء على سبيل المثال. كما أخبرتك سابقًا، لا يهم عدد التقنيات التي تتقنينها بل كيف تستخدمينها.
تنهّدت نانامي وجلست على ضفة البحيرة بجانب كاتانا.
— عندما أشرع في تعلّم تقنية جديدة، ينتابني شعور جيّد. أقول لنفسي إنني أقوى مما كنت عليه، وأكثر قدرة على حماية أخي... لكن بمجرد أن أتقنها، أدرك مدى طول الطريق، وأنها في النهاية قطرة ماء في هذه البحيرة الشاسعة. تغمرني الشكوك. أحيانًا أتساءل عمّا إذا كان الأمر يستحق عناء المجازفة حقًا... أن أرحل.
أمسك كاتانا بحجر في كفّه ورمى به في البحيرة.
— أليست المجازفة هي البقاء هنا؟
— لا أعلم... أخشى اتّخاذ قرارٍ خاطئ. وفقًا لأحدث تقسيم، أكيناري سيكون جزءً من فرقة الفخاخ. ممّا يعني أنّه لن ينزل إلى ساحة المعركة. هذا مطمئن.
— فهمت، لكن لاحقًا... وماذا عن كيوبي؟
نظرت الشقراء إلى السماء متأمّلة. بلّلت قطرات الغيث وجنتيها المتورّدتين. لقد بعثت لها فويومي برسالة تحدّثها عن أخبارها في أرض الدوّامات. تقول فيها أنّ كاوري تشعر بتحسّن وأنّها تتدرّب على السنجوتسو، التقنيات التي ستمكّنها من السيطرة على كيوبي. خفّف هذا من قلقها. ودون أن تدرك ذلك، أفسح قلقها المجال لمشاعر جديدة.
وقف كاتانا وعرض عليها يده.
— إن أردتِ ذلك، يمكنني أن آتي معك...
حدّقت نانامي في الشاب وأخذت يده وهي ترتجف.
— لندخل، ستبدأ الأمطار في الهطول قريبًا.
جلس ثنائي النينجا حول الإيروري، وفي أيدي كلاهما كوب يتصاعد منه البخار. تسارعت نبضات قلب كاتانا وانفرجت شفتاه عدّة مراتٍ ليفصح عمّا في خاطره، ولكنه ارتشف جرعاتٍ من الشاي بدلًا من ذلك. نطق أخيرًا بصوت متردّدٍ لا يشبهه:
— إذن... ما رأيكِ؟
أجابته دون أن ترفع عينيها عن النار:
— بخصوص ماذا؟
ابتلع الأوتشيها ريقه.
— بشأن اقتراحي... أن أرافقك في رحلتك. يمكنني أن أصبح مرشدك أو حارسك الشخصي.
أجبرت الشقراء نفسها على الابتسام.
— شكرًا جزيلًا لك، هذا من لطفك، لكني لا أريد أن أزعجك أكثر... ولا أريد أن أسبّب لك المتاعب، ثمّ إنّ...
— أنتِ لا تزعجينني! أنا أستمتع بقضاء الوقت معك. لقد كذ... أنا لستُ...
— الأوتشيها يريدون رأسك وأنا من السنجو، قضاء الوقت معك ممتع، لكن... لن ينجح الأمر.
— ... ضعيفًا كما تظنين!
— ليس هذا ما أظنه... الأمر وما فيه أنّ... الأوتشيها أقوياء للغاية وعديمو الرحمة.
تلقّى كاتانا هذه الكلمات مثل خنجر في جوف صدره. ليست المرة الأولى التي يسمع فيها مثل هذه الكلمات عن عشيرته، لكنها حتمًا الأكثر إيلامًا. لم يعرف في أيّ بحرٍ هو يسبح، ولا فكرة لديه عن رد فعل نانامي، لكنه أيقن بأنّه لا يستطيع الاستمرار في الكذب. قلّة نزاهته أصبحت تخنقه.
— نانامي، أنا...
«أوتشيها»
— يجب أن أعترف لكِ بشيء! أرجوكِ، اسمعيني حتى النهاية.
أجهشت الشقراء بالبكاء وركضت نحو الباب، وتبعها كاتانا حائرًا. سألها وهو يمسك بيديها:
— ما خطبك؟
— لا شيء! عليّ الذهاب، تأخّر الوقت، وأمي ستوبّخني.
عندما فتحت نانامي الباب، ضربها تيار هوائي بارد. في الخارج، تحت المطر المنهمر والبرق والرعود، هزّت الرياح العنيفة الأشجار العارية في كل الاتجاهات.
— انتظري على الأقل حتى تهدأ العاصفة.
أومأت برأسها وتحرّكت نحو النافذة وهي تلعن سوء الأحوال الجوية التي منعتها من الهروب ممّا لم تستعد بعد لمواجهته.
— لقد رأيتُ اللوحة.
— ماذا؟
— اللوحة التي رسمتها.
— نانامي، أنا...
— أعرف ما ستخبرني به، لكنني لست مستعدة لسماعه.
— أما زلتِ متردّدة في الرحيل بسبب ولائك لعشيرتك؟
— ربما. أنا... لا أعرف ما أريده بالضبط.
— وماذا عن أخيك؟ ماذا عن أحلامك؟ أين ذهبت عزيمتك وطموحاتك؟ إنها حياتك التي تقدّرينها، هل ستهدرينها في حربٍ لا تؤمنين بها؟
تنهّدت نانامي بعمق.
— لديّ صديقةٌ تتدرّب على السيطرة على كيوبي. قواها تعرّض حياتها للخطر. لديها طفل، هاشيراما... لكن ذلك لم يمنعها من التضحية بنفسها. لطالما اعتقدت أنّ هذا الصراع عقيم، لكن ما الذي فعلتُه لتغيير الأمور؟ لا تروقني هذه الحرب... لذا أودّ المساهمة في وضع حدٍّ لها. علينا أن نوقف الأوتشيها قبل أن يغزوا أرض النار.
ابتلع كاتانا ريقه بصعوبة.
— إذًا...أنت أيضًا تعتقدين أنّ الأوتشيها هم الأشرار في هذه القصة.
— لن يختلف عاقلان في ذلك. الأوتشيها ينوون استخدام كيوبي لغزو أرض النار وربما السيطرة على العالم بأسره. أنا واثقة أنّ الكثير منهم مجرد ضحايا مثل أكيناري، لكن من أجل مصلحة الجميع، يجب أن يُختم كيوبي ثانيةً وألّا يقع في أيديهم. أكره الاعتراف بهذا، لكن مواجهتهم هي السبيل الوحيد لإيقافهم، ولا يمكنني الجلوس مكتوفة اليدين أو الفرار معك في حين أنّ صديقاتي وتلميذاتي يقدّمن أفضل ما لديهن.
جلس كاتانا جانبها أمام النافذة وردّ ببرود:
— فهمت...
آلمه كبرياءه. أنّبه ضميره. عاتبته نفسه. أين ذهب ولاءه؟ أيعقل أنه فكّر جديًا في الرحيل معها وترك كل ما عانى من أجله في مهب الريح؟ أهو مستعد حقًا للتخلي عن أخته وعشيرته من أجل امرأة بالكاد يعرفها؟ في لحظة غضبٍ، أدرك كاتانا ذنبه، بذرة الخيانة التي تركها تنمو بداخله.
سألته ببراءة لم يعد يطيقها:
— ما الذي تفكّر فيه؟
مرّت الدقائق مثل الساعات، لم يُسمع فيها غير صفير الرياح.
— أفكّر في أختي... لقد حدّثتها عنكِ وحذّرتني من الوقوع في حبكِ. آه، كم كانت محقّة!
كبتت نانامي غضبًا لا يحق لها. هل خسرته بعد أن أفصحت عمّا يؤرّقها؟ هل بقي محلٌ لحيرتها من كل هذا؟
— ولِمَ ذلك؟
ضحك كاتانا بسخرية.
— لأنكِ من عشيرة سنجو المرموقة طبعًا! لا يمكنني الاقتران بك حتى في أروع أحلامي.
انتفضت الشقراء تحاول عبثًا تبرير قرارٍ كلّفها أكثر ممّا توقّعت:
— أنا لا أفكّر بهذه الطريقة. لا يهمني نسب الشخص بقدر أخلاقه...
— حتى لو كان من الأوتشيها؟
ابيضّت شفتا نانامي وحدّقت في مضيفها بحيرة. انفجر هذا الأخير ضحكًا، ثمّ قال:
— أنا أمزح... لكنها تبدو قصة مثيرة، حب في ساحة المعركة بين عدوين لدودين!
— هذا مستحيل.
استعاد كاتانا جدّيته وقام من مكانه متجهًا إلى ركن الطبخ. علّق وعاءً من الأرز يغلي فوق الإيروري وأخذ يقطّع الخضار في صمت. حدّقت فيه نانامي في يأس. ما خطبه؟ كيف تخبره أنها ترغب في الرحيل معه بقدر ما يؤنّبها ضميرها بالبقاء؟ كيف تشرح له أنّها تخشى الوثوق به كما وثقت بجين؟ كيف تسلّم له قلبها وهي لا تعرفه حق المعرفة؟ منطقها يرفض كلّ هذا، وإن كان لعاطفتها رأي آخر.
— أأنت مستاء مني؟
— لا.
— تبدو محبطًا.
— أنا مستاء من نفسي.
— لماذا؟
— أنت تطرحين الكثير من الأسئلة.
— لأنك نادرًا ما تحدّثني عن نفسك. أنا لا أعرف شيئًا عنك! كيف تريدني أن أوافق على مرافقتك وأنا لا أعرفك كفاية لأثق فيك؟
معها حق. أيقن ذلك أخيرًا، رغم محاولاته في إسعادها، ما هو سوى نذير شؤم في حياتها. هاناكو على حق، إنه يعرّضها للخطر، وهذا يتنافى مع حبه لها. لا يجدر بها أن تثق فيه... لأنه عدوّها اللدود، وكما لم تتخل عن عشيرتها من أجله، فلن يتخلى عن عشيرته من أجلها. مشى كاتانا نحو نانامي بهدوء حاملًا سكينه، فتسارعت دقّات قلبها وابتلعت ريقها.
— أنتِ في بيتي... ولا سبيل لكِ للهرب في مثل هذا الطقس. أأنت خائفة مني؟ هل أبدو لك شخصًا عديم الرحمة؟
وقفت نانامي ببطء وسحبت السكين من يد كاتانا.
— ليس هذا ما قصدته... أنت غريب عني، ومع ذلك، أشعر أنه يمكنني الوثوق بك، لكن هذا لا يكفي... الأحاسيس وحدها لا تكفي.
ابتسم كاتانا بحزن.
— صحيح، أنتِ امرأة عاقلة. حسنًا، ماذا تريدين أن تعرفي عني؟
— ممّا أنت مستاء؟
تنهّد كاتانا وعاد إلى ركن الطبخ، فتبعته نانامي تنتظر بعنادٍ جوابه.
— لأنه ليس من المنطق أن أغرم بك، كما ليس من المنطق أن تثقي بي.
— للقلب أسبابٌ يجهلها المنطق.
— يؤسفني أن أقول هذا، لكن يستحسن ألّا نقابل بعضنا بعضًا ثانية. يبدو أنكِ مصمّمة على البقاء وأنا أحترم رأيك، ولكن إن قرّرت الرحيل يومًا، آمل أن يعود عليك ما علّمتك إياه من تقنيات بالنفع. أمّا أنا... فسأعود إلى حيث أنتمي. ستسرّ أختي بعودتي.
تمتمت نانامي وهي تتراجع ببطء نحو الباب:
— حسنًا، هذا هو الوداع إذن...
تمنّت أن يوقفها، أن يعرض عليها مرافقتها، أن يطلب منها البقاء كما يفعل دائمًا، لكنّه لم يقم بأي من ذلك. لم يرفع وجهه المغطى بشعره الداكن المموّج من وعائه، لم ينظر إليها وهي تجتاز العتبة لتجد نفسها تحت السماء الرمادية الخانقة. ضرب برقٌ ولم يتحرّك كاتانا، تشكّلت غصّة في حلقها. هل أحبّته حقًا أم أحبّت اهتمامه بها؟ هل أخطأت في حقّه؟ لماذا شعرت بذلك الكمّ من الكره في ذاته؟ لم تره هكذا منذ أن حاول قتل جين. أذاك هو وجهه الحقيقي؟ تراكمت أسئلة دون أجوبة في عقلها وهي تركض إلى بيتها قبل أن تهب عاصفة أخرى.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top