23.2. السنجوتسو
في سكون الليل، جلست نانامي في مكتبها في المستوصف تكتب كتابًا. قد استشارها اثنان من الشينوبي العائدين من مهمة بشأن إصابات بسيطة، فتمنّت ألّا يزعجها آخرون في هذا الوقت. إن قرّرت المغادرة، فعليها على الأقل أن تترك مصدرًا للمعرفة تشارك فيه خبرتها مع تلميذاتها. هذا المساء، عزّز موقف والدتها رغبتها في هجر العشيرة، فعلى الرغم من الساعات التي أمضتها في إعداد الحلوى التي طلبتها آيامي، بعناية ودقة، اكتفت والدتها بتقديم الساكي لمضيفيها.
غمست النينجا الطبية ريشتها في المحبرة بيدها المخدرة واستندت على كرسيها. تسرب وهج أبيض خافت من نوافذ الغرفة. النهار يبزغ. وقعت عيناها الزرقاوان على العلبة الخشبية أمامها، ودون تردد، تناولت دايفوكو آخر، واستمتعت بقوامه الذائب وطعمه الحلو على لسانها.
«شروق الشمس أكثر روعة»، عادت كلمات كاتانا إلى ذهنها. أغلقت علبتها ووضعت الكتاب على أحد الرفوف، ثم ارتدت معطفها وغادرت المستوصف. في الخارج، غطّى الندى أوراق الشجر الصفراء والبنية والخضراء والحمراء، وكذا خيوط العناكب المنسوجة في الشجيرات العارية. سرت قشعريرة في جسدها كلّما شعرت بالنسيم، ولكن حركتها السريعة أشعرتها ببعض الدفء.
عند وصولها إلى كوخ كاتانا، تردّدت نانامي في طرق الباب، واكتفت بوضع علبة الكعك على مقعد تحت النافذة. تأمّلت صعود النجم الذهبي خلف الغابة.
— نانامي؟
شهقت الشقراء وأدارت وجهها نحو الصوت العميق الناعس الذي ناداها. وقف كاتانا عند المدخل وهو يتثاءب.
— جئتُ لرؤية شروق الشمس!
دعاها بمرح للجلوس بجانبه على المقعد. فتحت العلبة وحثّته – بإيماءة من رأسها – على تناول الكعك الذي بدا مثل التلال المغطاة بالثلج. أخذ كاتانا قطعة وابتسم شاكرًا، كما لو أنّ كلماتهما ستعكّر صفو اللحظة.
عندما أشرقت الشمس أخيرًا وأضاءت أشعتها الأولى العشب الرطب، انقطع الصمت بأغاني الديك والطيور. ألقى الأوتشيها نظرة جانبية على رفيقته التي عكست قزحية عينها السماوية المنظر الطبيعي الذي فتنها.
— إنه رائع حقًا!
— نعم، شكرًا لك على الدايفوكو. إنها لذيذة. أترغبين في تناول الفطور معي؟
ابتسمت نانامي بخجل وهزت كتفيها.
— لِمَ لا!
تبعته إلى داخل الكوخ، المضاء بخفوت بالفوانيس والضوء المتسلل من النوافذ. تأمّلته وهو يخلط البيض الطازج ومكعبات الخضار في وعاء من الخزف. سكب ملعقة من زيت فول الصويا في مقلاة فوق الإيروري، قبل أن يسكب الخليط فوقها. فركت رينا – القطة – ساق الشاب وهي تموء، ريثما ملأ ثلاثة أطباق بالأرز الأبيض المتبل بالبازلاء والجزر والزيتون.
رغم قرقرة معدتها، دفء المنزل والروائح الشهية غمرت السنجو سعادةً. لطالما ظنّت أنه من الخسارة أن منعتها والدتها من تعليم أخيها الطبخ قائلة: إنه صبي، لا شأن له بالمطبخ! هل سبق أن رأيت والدك يعبث فيه؟ مكانه في ساحة المعركة، إنه لخطئكِ أنه لا يجيد القتال. أنت تريدينه أن يقوم بالأعمال المنزلية نيابةً عنك، أليس كذلك؟
تناول ثنائي النينجا الفطور في الحديقة خلف الكوخ، حول مائدة مستديرة تظللها أوراق الصفصاف. قالت بمرح:
— حدّثني قليلًا عن نفسك، فأنا من يتحدث دائمًا!
مضغ كاتانا ما في فمه مفكّرًا. ماذا يمكنه أن يخبرها؟ مهماته؟ مشاكله مع والده؟ لم يرد أن يكذب عليها. همس له صوت ما بأن يفتح قلبه لها. نظر في عينيها وسجل تلك اللحظة في ذاكرته. هل سيأتي يوم يتوقف فيه عن رؤية هاتين العينين الواسعتين كالسماء؟
— أنا... لقد ولدت في الشتاء. سأبلغ الثامنة عشرة عمّا قريب.
— أنت أكبر مني ببضعة أشهر، لم أكن أتوقع هذا!
— تبدين أكبر من عمرك... أعني أنك تبدين أكثر نضجًا وأنتِ بارعة في الطب، هذا يتطلّب سنواتٍ من الخبرة.
— أنا أتعلّم النينجوتسو الطبي منذ أربع سنوات، لكني التحقت بالوحدة الطبية عندما كنت دون العاشرة بقليل. يمكنك القول إنني استغرقت سنة لتعلّمه وسنتين أخريين لإتقانه.
— إذن هنالك أمل بأن أتعلّمه يومًا ما! قد لا أبدو كذلك، لكنني مثابر. لقد تغلّبت على العديد من الصعاب. أتعلمين... لقد وُلدت خديجًا ونجوت بمعجزة. أخبرتني أمي أنني لم أكن أكبر من ساعدها. خلال نشأتي، لطالما كنت أنحف وأضعف بنية من أقراني.
— أنا ممتنة أنّك نجوت، ما كنت لأقابلك لولا ذلك وما كنت لتنقذني. كنت خائفة من الرحيل، من المجهول، من خوض المغامرة، من عدم قدرتي على حماية أخي... لكنك في أيام معدودات أعدت لي الأمل. لقد علّمتني الكثير، أنا ممتنة لك.
ضاق حلق كاتانا وأصبحت رؤيته ضبابية. مدّت نانامي يدها ومسحت الدموع من على خديه. لم يستطع كبت موجة المشاعر التي غمرته، فأخذ يشهق وينتحب وهو يبتلع جرعات من الهواء. سألته بقلق:
— ما الخطب؟
استعاد الأوتشيها هدوءه وابتلع كوبًا من الماء.
— إنه... لا شيء. لقد تأثرت بما أخبرتني به للتو!
— أأنت واثق أنّ هذا كل ما في الأمر؟ يمكنك أن تخبرني بأي شيء.
«ماذا تريدني أن أخبركِ؟ حتى أنا لا أعرف ما أصابني، أنتِ تزعزعينني!»
— الأمر وما فيه أنّ... والدي أخبرني ذات مرّة أنه تمنّى موتي لأنّ لا حاجة له بابن ضعيف.
— آسفة بشأن ذلك، الأمر مؤلم عندما يصدر من والدينا... كلّما غضبت أمي، تقول لنا أشياء من هذا القبيل. لكني أريدك أن تعرف أنّ وجودك قيّم بالنسبة لي وبلا شك بالنسبة لأشخاصٍ آخرين.
— شكرًا لك... وجودك قيّم بالنسبة لي أيضًا. لا يزال قلبي ينبض بفضك، ولا زلت تمدينه بالأمل كل يوم.
قالت وهي تتثاءب:
— هذا كلام شاعري! سأدونه في مذكراتي.
— أوّد قضاء المزيد من الوقت معك، لكن من الواضح أنك متعبة. ارتاحي اليوم ودعينا نتدرّب غدًا!
أومأت نانامي برأسها مع تثاؤب آخر.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top