19.1. بوتسوما
نوفمبر – ستٌ وعشرون عامًا قبل تأسيس قرية كونوها المخفية
أرض النار – نطاق عشيرة سنجو
1.
لم تتوقّع كاوري زيارة من حماتها في هذا الصباح الممطر. محتميتان تحت سقف غرفة الشاي على حافَة البركة التي تفصل جناح بوتسوما عن جناح أوياما – حيث تسبح الأسماك الذهبية والبط – احتست المرأتان الشاي الأخضر بأناقة خانت الصواعق الخاطفة التي أطلقتها أعينهما العسليّة على بعضهما البعض، كما ناقضت الألوان الزاهية لأزياء الكيمونو الراقية التي ترتديانها الجو الرمادي الكئيب.
كسرت زوجة الزعيم الصمت أولًا، وبعد مقدمة ضرورية ولا طائل منها، انتقلت إلى الموضوع الذي جاء بها إلى هنا: خبر مرض كاوري، الذي وصل إلى مسامعها عن طريق أفواه الخدم. ويا لحزنها لسماع ذلك!
— سمعتُ أنّ حالتك تزداد سوءًا يومًا بعد يوم، وأنّك... للأسف الشديد، تعانين من نفس المرض الذي عانت منه أمك المسكينة. أنت تعلمين حقّ المعرفة يا عزيزتي كاوري أنّ هذا سيمنعك من أداء واجباتك. أنتِ لستِ أي امرأة، أنتِ زوجة خليفة الزعيم، ولسببٍ وجيه.
وضعت السيّدة الشابة كأسها بيد مرتعشة. حفيدة سنجو نقي وأوزوماكي ذات قدرات هائلة، لقد تقرّر زواجها من بوتسوما في سن مبكرة. واجبها: أن تنجب ورثة أقوياء قادرين على تدمير الأوتشيها. على الرغم من أنّ والدها قد أصرّ على أن تتدرّب على الكنجوتسو والنينجوتسو، إلّا أنّ موهبتها لا تعنيهم أكثر من خصوبتها. لطالما شعرت بالقلق من عدم قدرتها على القتال إلى جانب الرجل الوحيد الذي عرفه قلبها وجسدها، وبعدما أنجبت هاشيراما، صار وجودها يتمحور حول هذا الطفل. بعد أن اعتادت كاوري على الموت، والدتها أولًا ثم والدها، لم يتبق لديها سوى خوف واحد: فقدان ابنها.
— إذا اتّضح أنّ الأمر صحيح، سينتهي الأمر بهاشيراما المسكين مريضًا مثلك. أعلم أنّ هذا قد يؤلمك، لكننا نساء ونفهم بعضنا البعض، أليس كذلك؟
— يوكا-دونو، ماذا تقصدين؟
— أنت تدركين أنه عاجلًا أم آجلًا سيتزوج بوتسوما من أخرى، وقد يصبح ابنها وريثًا له. أردتُ أن أخبرك بنفسي، فأنت تعرفين مدى حبي لكِ، وأفترض أنك تفهمين منطق الأمور.
أومأت كاوري برأسها وابتلعت ريقها. وبمجرد أن أنهت ما قدمت من أجله، استأذنت يوكا من زوجة ابنها لتعود إلى جناحها. جرّت الشابة قدميها وسط الأمطار، تاركةً فيضان الدموع الذي حجب رؤيتها يندمج مع قطرات الماء على خديها.
عندما عادت إلى غرفة المعيشة، وجدت ابنها وزوجها جالسين على الإنغاوا. صنع الأب شوريكن ورقي لابنه الذي استمتع برميه على لوح خشبي.
— هاشيراما-يو، تعال والعب في الداخل، وإلّا ستصاب بالبرد ولن تتمكن من اللعب مجدّدًا!
— كلّا! أنا أحب اللعب!
ضحك بوتسوما وربّت على مؤخرة رضيعه، ثمّ حمله بين ذراعيه وهزّ شعره الأسود الحريري.
— هاشيراما قوي مثل والده!
— أجل!
وضعه أمام طاولة منخفضة حيث بعثرت أوراق وأقلام ملونة. ضغط هاشيراما على الورقة بقلمه ورسم خصلات من العشب. سألت كاوري وهي تقبِّل خدّه الممتلئ:
— ما هذا؟
— حديقتنا!
أغلق بوتسوما باب الفناء المنزلق وجذب زوجته من يدها وحثها على اللحاق به إلى غرفتهما. أحضرت كاوري مِنْشَفَة وجلست على حافة سرير الفوتون وهي تمسح شعرها البني المموج. قال وهو يجلس بجانبها:
— نمتِ مبكرًا بالأمس، ماذا قالت لكِ فويومي؟
ارتجفت كاوري. ماذا سيكون رد فعل زوجها إذا علم أنها تعاني من مرض ليس وراثيًا فحسب، بل عضال ومميت؟ ولكن هل هي مذنبة؟ هل اختارت أيًا من هذا؟ وهل عليها أن تحزن على رجل لا يريدها إن أصبحت غير قادرة على إنجاب أطفال أقوياء مثله؟
— قالت أنّ هناك أورام في كبدي ورئتي... وأنّها لا تستطيع أن تحدّد طبيعتها حتى تفحص خلاياها وتختبر العلاج على فئران التجارِب. هذا سيستغرق بضعة أيام أو بضعة أسابيع.
صرّ بوتسوما على أسنانه وقال منفعلًا:
— لكنك تعانين، لا يمكنك انتظار كل هذا الوقت! إن كانت هذه الأشياء السبب وراء مرضكِ، فلِمَ لا تستأصلها؟ أليست معتادة على عمليات البتر؟
انتابتها نوبة سعال، فوضعت الأم الشابة منديلها على فمها. عادت إلى ذهنها المعلومات التي قرأتها عن مرض والدتها: ليست الانتكاسات بعد الاستئصال متكررة فحسب، بل النسيج المتشكّل حديثًا يعدّ أكثر خطورة. وإن بقيت هذه الكلمات غامضة في رأسها، فقد أدركت أنها لا تبشِّر بالخير. طمأنته بصوت هادئ:
— لا تقلق يا عزيزي. إنّها تعي ما تفعله، لقد وصفت لي علاجًا للألم والحمى. سأزورها اليوم لأخذ أدوية السعال والقيء. هذا سيريحني ريثما تفهم مرضي وتجد علاجًا له.
— كلّا! أنتِ مريضة، وستزداد حالتك سوءًا إن خرجت في هذا الجو. سأرسل إحدى الخادمات لإحضارها.
داعبت كاوري خد زوجها مرحة.
— لِمَ أنت منزعجٌ هكذا؟ الهواء النقي سيشعرني بتحسّن. لقد تعبت من القعود في هذه الغرفة.
أطلق بوتسوما تنهيدة ومسد على شعر شريكته الرطب.
— مثلما تشائين، لكن خذي معك مظلّة.
2.
محتميةً بواغاسا حمراء، ورأسها ورقبتها مغطيان بوشاح الفوكيناغاشي، شقّت كاوري طريقها على أزقة قرية السنجو المرصوفة بالحصى، متجنبة أن تدهس حلزونًا أو تغوص قدمها في بركة ماء. عندما وصلت إلى البناء الخشبي الذي يمثل المستوصف، علّقت مِظلّتها عند المدخل وسارت بخطوات واثقة رغم الخوف الذي يغلِّف أحشاءها. على بعد خطوة من باب غرفة الفحص، رفعت قبضتها لتطرقه، لكن صوت نانامي وفويومي أوقفاها.
زمجرت الشقراء:
— إنها قاسية القلب! ولا تستسلم أبدًا. هذا الصباح، طلبت مني أن أزور كاوري وألفت نظر بوتسوما-ساما. ما كان ينقصني سوى أن تأمرني أن أسمّمها بدلًا من علاجها.
صاحت فويومي:
— يا للعار! لم أتوقّع أن يصدر ذلك من والدتك، فهي تبدو لبقة وأنيقة.
أخفضت كاوري ذراعها وأدارت ظهرها إلى الباب، متردّدة في العودة.
— لست متفاجئة، لطالما حلمت بأن أتزوّج من قائد في الجيش، والآن قد رفعت سقف توقعاتها. إنها تطمح لعقد قراني بخليفة الزعيم!
أجابت فويومي بملل:
— حسنًا... أنا لن أمانع إن عرض عليّ أحد القادة الزواج. لقد سئمت من اضطراري للادّخار لشراء كيمونو جميل، وعلاوة على ذلك عليّ الاعتناء بوالديّ... ولكنني لا أرفع سقف آمالي، أعتقد أنّ لديك حظوظ أكثر مني في لفت الأنظار ولقاء الاستحسان، فلا أحد يظن أنك غريبة الأطوار أو يشكك في انتمائك لجنس البشر.
تنهدت نانامي.
— هل أنا محظوظة حقًا؟ لديّ انطباع بأنني إذا تزوّجت شخصًا من أجل ماله وتزوجني هو لجمالي، فسوف يعاملني كما لو كنت حلية أو عاهرة اشتراها وسأعامله مثل حافظة نقودي. لا أريد ذلك، هذا أشبه بعلاقة والداي. سيختلف الأمر إن كان ينفق عليّ لإسعادي، ولكن إن كان ذلك نابعًا من حسن خلقه فيجب أن يكون خلقه هو المعيار الذي أبني عليه اختياري، فرُبّ زوجٍ فقير يُؤْثِر على نفسه، ولا غنيٍّ بخيل!
— آه، أنتِ على حق! لا معنى لأمواله إن كان سيء الطباع والمعشر.
— يسعدني أن توافقيني الرأي، تقول أمّي إنني ساذجة، وأنه عليّ أن أضع كبريائي جانبًا وأستغلّ جمالي لتحقيق مرادي، أي مرادها، زوجٌ ثري وذو سلطة. تقول أنّه لا معنى للشرف والعفّة إلّا إذا صدّق الناس أنني شريفة، يمكنني التظاهر بذلك دون تقييد نفسي. وأنّ ما أشعر به تجاه نفسي لا يسمن ولا يغني من جوع، فالرجال أنانيون وغير قادرين على منح الحب، ومهما فعلت... فهُم لن يهتموا سوى بما بين ساقيّ. لذا يجب أن أتوقّف عن إعطائه أهمية كبيرة وأن أستفيد ممّا يمكنني كسبه من ذلك.
— أمك تتحدّث بناءً على تجربتها الخاصة، وإن تبنّيت وجهة نظرها وسلّمت بها، فستعانين. لطالما ظلمني أناسٌ بسبب مظهري... ولو أنني عمّمت حقدي آنذاك على الجميع لما استطعت يومًا أن أصبح نينجا طبية تنفعهم، ولظلّيتُ أعاني في صمت.
— معك حق، البشر أشكال وألوان، رجالًا كانوا أم نساء. أحيانًا أتمنى أن أعيش تحت سقفٍ مختلف عنها، ربما حينها ستتحسّن علاقتنا وتقل مشاكلنا. على أي حال... يجب أن أتوقّف عن الثرثرة عنها. لنعد إلى العمل.
— يمكننا أيضًا استخدام شاي بذور الخشخاش في حال اشتدت الآلام ولم يعد شاي الصفصاف يسكّنها.
— سأسجّل ذلك.
ابتلعت السمراء ريقها وطرقت باب غرفة العلاج. فتحت فويومي بنظرة ملل سرعان ما استبدلت بدهشة عند رؤية صديقتها. قالت نانامي مبتهجة:
— آه، كاوري، مرحبًا! كنا سنزورك بعد ظهر اليوم. نحن ننتظر شيون لتحلّ مكاننا.
ابتسمت الأم الشابة وخلعت وشاحها، فالإيروري يدفئ الغرفة على الرغم من شدّة البرد في الخارج. بعد تحية ودردشة قصيرة لا طائل منها، شرعت الشقراء في تقييم مريضتها الجالسة بملابسها الداخلية على سرير الفحص: لون جلدها وأغشيتها المخاطية، وتناسق حركاتها وقوة عضلاتها وحساسية أعصابها وتواتر تنفسها. ثم جسّت كل جزء من جسدها بحثًا عن الأورام والآلام، وأخيرًا فحصت نبضات قلبها ورئتيها. سألت كاوري:
— هل هناك أورام أخرى؟
— كلّا، باستثناء تلك التي اكتشفتها فويومي، كل شيء طبيعي.
ابتسمت السمراء مرتاحة وهي ترتدي الكيمونو الخاص بها، وساعدتها الطبيبة في ربط حزام الأوبي الذهبي الكبير ذو المظهر المرموق. دعتها نانامي للانضمام إليهما في المكتب حيث وجدت وثائق وكتب ومخطوطات.
— هل توصّلتما إلى نتيجة؟
تبادلت الطبيبتان النظرات، وأومأت فويومي برأسها.
— لم يُظهر الفحص المجهري أي شيء غير طبيعي، ولكن بعد إجراء تشريح على أحد فئران التجارب التي لقّحتها بخلاياك والتي ماتت دون تدخل مني، لاحظت أنّ الخلايا تنمو أسرع من المعتاد. سرعة تكاثر الخلايا تتجاوز بكثير تلك التي يسببها النينجوتسو الطبي.
— ماذا يعني هذا؟ هل سيقتلني؟
أخذت نانامي نفسًا ووضعت يدها على يد مريضها.
— ليس إن وجدنا طريقة للسّيطرة على هذه الظاهرة. بل يمكن أن تصبح ميزة. لجسمك القدرة على التجدد عندما يتم اختراقه، ولكن هذا التجدد الفوضوي يسبب ضررًا، ولهذا يجب السيطرة عليه. لقد أتيحت لطبيب والدتك الفرصة لدراسة خلاياها بشكل أعمق بمساعدة طبيبة من عشيرة الأوتشيها، على الأرجح بفضل الشارينغان، وهو أمر لا نقدر عليه... ولكن إن تحدّثنا معه فمن الممكن أن نجد حلًّا. نحن بحاجة إلى فهم الآلية التي تتكاثر بها خلاياك واستخدام مادة لتعديلها.
ظهر بصيص من الأمل في عيني كاوري، فاستأنفت نانامي كلامها:
— لقد درسنا أنا وفويومي الوثائق المتعلّقة بمرض والدتك وربطناها بنتائج التجربة وحالتك. وبهذا طرحنا فرضية: من المحتمل جدًا أن يكون مرضك ناتجًا عن إصابتك بالبرد والتي تسبّبت في التهاب في الشعب الهوائية. لذا من الضروري أن تتجنبي أي ضرر قد يتسبب في رد فعل مفرط، وإن كان عاطفيًا. سنصف لك نظامًا غذائيًا يحتوي على أطعمة تحسن من أعراضك. ويجب عليك أيضًا الإقلاع عن شرب الساكي لأنه يضر بالكبد.
— حسنًا، شكرًا جزيلًا لكما. سأطلب من زوجي أن يتواصل مع طبيب والدتي.
— هناك أيضًا أسوكا سنسي، وهي طبيبة سابقة من عشيرتنا ساعدت في علاج والدتك. نحن ننوي الحصول على رأيها أولًا.
— لدي ذكريات بعيدة عن هذه الطبيبة... أود القدوم معكما.
— سنقابلها اليوم. بمجرد أن...
انفتح الباب المنزلق ودوى صوت شابة ذات نبرة عالية مقاطعًا فويومي:
— أنا هنا!
— لا تلتزمين بالمواعيد أبدًا!
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top