18.2. خلايا كاوري
2.
أطالت نانامي التحديق في النجوم، حتى فوجئت بنداء أمها، فأسقطت عيدان الطعام وأطبقت شفتيها.
— نعم؟ أهو مالح؟
— هل أصبت بالصمم؟
— آسفة... لم أسمعك. لقد شردت...
قلّبت الأم شفتيها وقالت بصوت هادئ:
— طبعًا! أتعتقدين أنّ الليالي التي تضيّعينها في المذاكرة ستفيدك... هلّا نظرت في المرآة؟ ما خطب حاجبيكِ؟ إنهما يبدوان كالقنافذ.
كتم أكيناري ضحكة ساخرة.
— على أي حال... اهتمي بمظهرك أكثر، ضعي بعض مستحضرات التجميل، ارتدي ملابس أنيقة، لا يليق بابنتي أن تبدو مثل جورب قديم. وخمني ماذا! وجدت الزوج المثالي لكِ، لن تجدي أفضل منه أبدًا! لقد ابتسمت لنا الحياة أخيرًا يا عزيزتي.
نظر الأب والابنة بفضول إلى السيدة ذات الشفتين القرمزيتين الممدودتين في ابتسامة عريضة. سألها دون أن يقطع وجبته:
— من هو؟
شبّكت آيامي أصابعها تحت ذقنها وقالت مسرورة:
— زوجة بوتسوما تحتضر، ووالدته تبحث له عن زوجة، لذا اقترحت عليها نانامي طبعًا.
— ماذا؟ كاوري تحتضر؟
قفزت الطبيبة من مكانها، مستعدة لمغادرة الطاولة، لكن والدتها أمسكت بساعدها وأجبرتها على التراجع.
— لم أُنهِ حديثي بعد! إيّاكِ أن تعالجيها، أتسمعين؟ دعيها تموت! هذه فرصتك للزواج من رجل جدير بهذا الاسم. لمرة واحدة في حياتك، كُفِّي عن وضع سعادة الآخرين قبل سعادتكِ واتخذي خيارًا راشدًا!
أطلقت نانامي قهقهة. مساعدة الآخرين تملأها بهجة وطمأنينة، والتخلي عنها مرادف للهلاك.
— أتدركين ما تقولينه؟ من واجبي أن أعالجها!
— ماذا قلت؟ إنها مريضة وستموت! هذا ليس من شأنكِ، لا يسعك فعل شيء لها على أي حال، لقد عولجت أمها من قبل أفضل أطباء الأوزوماكي ولم تنجو. لِمَ تظنين أنّ هاوية مثلك تضيّع وقتها في تضميد إصابات تافهة لجنودٍ منحرفين يمكنها أن تعالجها؟ عودي إلى أرض الواقع واغتنمي الفرصة لجذب انتباه بوتسوما!
تجهّمت نانامي. عندما أخبرتها فويومي هذا الصباح أنها ذاهبة لزيارة صديقتها المريضة، لم تتوقّع أن تكون حالتها خطيرة إلى هذا الحد. عليها أن تراها على الفور وتشخّص حالتها وتبدأ العلاج. الزواج من بوتسوما، يا لها من مزحة! مِزَاج ذاك الرجل العصبي هو بالضبط ما لا تريده في زوجها المستقبلي.
— أأنا مخطئة يا عزيزي؟
— أمّك محقة يا نانامي. هذه هي الحياة، أناس يولدون وآخرون يموتون. لا مكان للضعفاء في هذا العالم. دعيها تذهب بسلام بدلًا من إطالة معاناتها.
عضّت الشقراء على شفتيها. من هو ليقرر ما إذا كانت تستحق الحياة أم لا؟ إن كانت ستتعافى أم لا؟
— إنها بحاجة لمساعدتي. ثمّ إنّ ابنها يبلغ من العمر عامين فقط... كيف تتوقعون مني أن أجلس مكتوفة اليدين؟ لا، ويجب أن أفرح لمعاناتها لأنني أستطيع أن أستفيد منها!
ردّت الأم بحدة:
— إن كنتِ تشعرين بالأسى على ابنها وتريدين حقًا مساعدته، تزوجي بوتسوما! مشكلتكِ ليست معاناة الآخرين يا نانامي، مشكلتك نحن! أنت تفعلين فقط ما يدور في ذهنك لإزعاجنا. لقد ناقشنا موضوع الزواج، ظننتك قد عقلتِ، ولكن... مع من أتحدث؟
«المشكلة أنك تحاولين أن تعيشي حياتي مكاني.»
— لقد فكّرت مليًا فيما قلته واتخذت قراري... لا أريد الزواج من رجلٍ من أجل ماله ومكانته. أريد أن أكون مع شخص يناسبني، يحبني لما أنا عليه، دون الحاجة لأن أضع مساحيق التجميل وأرتدي أغلى الثياب... شخص يحترمني... يحترم عقلي، ويفهمني ويدعمني وينظر في نفس الاتجاه الذي أنظر فيه. لا أريد أن أفرض نفسي على أحد، ولا أن أطارد أحدًا، أو أغوي أحدًا بمظاهر خدّاعة. أريد أن أعطي ما أرغب في الحصول عليه ولا... لا أريد أن أكون في نفس وضع كاوري، قيمتي تحدّدها نوعية النسل الذي أنجبه، ولن يتبقى أي اعتبارٍ لي إن خانتني صحّتي في يوم من الأيام.
ربّتت آيامي على خد ابنتها وهزّت رأسها.
— أنت تحلمين كثيرًا، هذا لأنّك لا تنامين ليلًا. افتحي عينيك وواجهي الواقع، العالم لا يسير على هذا النحو. أنت تعقّدين حياتك بهذه التفاهات. لا توجد علاقة دون مصالح متبادلة!
وكما هو الحال بعد كلّ عشاءٍ ينتهي بخلاف، غسلت نانامي الأطباق مكتئبة. وهذا المساء، تذكّرت شابة التقت بها في أرض الدّوامات، كانت في نفس وضعها، فهربت من عشيرتها.
«أتساءل ماذا حلّ بهاناكو...»
وضع أكيناري أمامها كومة من الأطباق، فأخرجها من أفكارها. حطّت نظراتها الزرقاء على أخيها الصغير. أحد الأسباب التي جعلتها تتجادل مع والديها... دون جدوى. كاتانا على حق، عليها أن تتحدّث مع أخيها كشخص بالغ وأن تتوقّف عن الاستهانة به. لكن الهروب... هل ستكون قادرة على إقناعه بالرحيل معها إذا ما قرّرت يومًا أن تغادر هذا المنزل؟ هل ستكون قادرة على حمايته حينها؟ مع حالة كاوري، ليس الأمر كما لو أنّها قادرة على الهرب...
«يجب أن أكلّم فويومي...»
بمجرد أن أنهت عملها، سارت نانامي نحو غرفتها. صوت ارتطام من غرفة والديها أوقفها. صاحت والدتها من وراء الباب:
— أنا التي جعلتك رجلًا. أتعتقد أنّك أب؟ لا رأي لك في هذا البيت. فتاة صغيرة تفرض رأيها عليك!
عبر دايسكي العتبة بثبات. التقت عيناه الزرقاوان الباردتان بعيني ابنته فارتجفت. لن يتوقف هذا الأمر أبدًا... أمها مصمّمة على الضغط عليها بشتى الأساليب الملتوية. قال لها دون أن يتوانى:
— أحضري لي بعض الشاي.
أومأت برأسها وامتثلت لأمره. عادت نانامي إلى والدها الجالس على الإنغاوا وهي تحمل صينية عليها طقم شاي. سكبت له فنجانًا وشاهدته وهو يرتشف منه، وعيناه على شجرة القيقب وسط الحديقة.
— على العشاء... هل كنت تتحدثين عن شخص على وجه الخصوص؟ أهناك رجل ترغبين في الزواج منه؟
— كلا، لا يوجد شخص معيّن.
أخذ دايسكي رشفة أخرى.
— والآخر؟ جين... أما زال يزعجك؟
كذبت بصوت مرتبك:
— لا... بتاتًا.
قال وهو يشرب ما تبقى من كوبه:
— حسنًا.
3.
عندما وصلت نانامي إلى المستوصف، وجدت فويومي منغمسة في كتابٍ، مسندةً ذقنها على مرفقها، وزجاج نظّارتها يعكس ضوء فانوسها.
— فويومي-تشان!
رفعت المرأة ذات الشعر الفضي رأسها وعدّلت نظّارتها.
— سنباي؟ ما الذي أتى بكِ إلى هنا في هذا الوقت من اللّيل؟
جلست نانامي بجانب زميلتها وأوضحت أنّها سمعت الأخبار عن حالة كاوري. قالت فويومي مندهشة:
— تحتضر؟ إنها لا تزال واقفة على قدميها!
أطلقت نانامي تنهيدة غاضبة.
— أفزعتني أمّي... ادّعت أنها تعاني من نفس مرض والدتها وأنّه مرض لا شفاء منه.
ابتلعت فويومي ريقها.
— على أي حال، مِمَّا تعاني؟
— لا أعلم بالضبط... لم تتحسّن منذ أن أصيبت بالبرد قبل بضعة أسابيع. إنّها تشكو من فقدان الشهية والصداع ونوبات الحمى وآلام العظام وضيق التنفس والسعال ونفث الدم. عند الفحص، لاحظت فقدانًا للوزن وصلابة في الرئة اليمنى وتضخّمًا للكبد مع وجود عقد قمت بأخذ خزعة منها. أكثر ما أدهشني هو أنّ الجرح انغلق من تلقاء نفسه وعلى الفور دون أن يترك ندبة قبل أن أستخدم النينجوتسو الطبي. كان الأمر مذهلًا!
— هل تعتقدين أنّ خلاياها تتجدد بسرعة وبشكل فوضوي؟
— أمر معقول. لقد أعارتني بعض الوثائق عن مرض والدتها لأنّها تعتقد أنّها تعاني من نفس العلّة. لا أعرف من أين علمت والدتك بذلك!
أطلقت نانامي ضحكةً خافتة.
— لوالدتي أعينٌ وآذان في كل مكان! وفقًا لها، زوجة الزعيم هي من أخبرتها، لكن هذه أمي، لن أتفاجأ إن كان لديها جواسيس في القصر.
قلّبت فويومي عينيها.
— أخبرتها أنه لا يمكننا اتّخاذ قرارٍ في الحال. أردت أن أتحدّث معك أولًا وألقي نظرة فاحصة. اكتفيتُ بأن أصف لها شاي الصفصاف لتخفيف آلامها ووعدتها بأن أراها غدًا معك.
— فعلتِ الصّواب، سأحتاج إلى قراءة تلك الوثائق أيضًا.
مرّرت فويومي الكتاب الذي أعطته لها كاوري إلى زميلتها. التفتت إلى الصفحة الأولى وحلّلتها بعينيها. أوضحت فويومي:
— تحدّث هذا الطبيب عن خلايا خالدة تتكاثر بسرعة وبشكل مفرط. وقد فشلت الأدوية التي اقترحها في إيقاف هذا التكاثر، وتوفّيت المريضة نتيجة اجتياح هذه الظاهرة لجسدها بالكامل. تتطوّر الأعراض كلّما تأثّر عضوٌ من أعضاء الجسم. وقد وصف خصائص هذه الخلايا. حقنتُ عينات الخزعة في فئران التجارب وفحصتها تحت المجهر. بدت الخلايا والأنسجة طبيعية، ولكن... خاصية التكاثر هذه جعلتني أفكّر في سرعة انغلاق الجرح.
نظرت نانامي إلى صديقتها وقالت بحزن:
— من المحتمل جدًا أن يكون نفس المرض.
أومأت الطبيبة ذات القزحية القرمزية برأسها.
— لا أريد الاعتراف بذلك، ولكن... أخشى أن تكون حالتها خارج نطاق اختصاصنا. إنّ أبحاث هذا الطبيب متقدّمة ومعرفته واسعة، لا أستطيع حتى فهم المعادلات التي استخدمها لقياس الجرعات، أشعر بأنني... جاهلة أمامه. إنه أمرٌ مهين.
شردت نانامي وكلمات والدتها المهينة تتردّد في رأسها. أعادت قراءة اسم الطبيب: كينيتشي أوزوماكي، ثم قفزت إلى الصفحة الأخيرة، حيث ظهرت قائمة تحت عنوان: آراء ومساهمات. تعرّفت على بعض الأشخاص المذكورين، الكيميائيين والفيزيائيين وعلماء الرياضيات وعلماء النبات والأحياء من الأوزوماكي الذين حظيت بشرف مقابلتهم وتتلمذت على أيديهم أثناء فترة تدريبها في الطب والنينجوتسو الطبي في أرض الدوّامات. ومع ذلك، أطالت النظر في اسم الطبيبتين الأخيرتين: أسوكا سنجو وسايوري أوتشيها؟ هي تعلم أنّ كاوري حفيدةٌ لزعيمٍ سابق لعشيرة أوزوماكي، فوالدتها وُلِدت من اتّحادٍ بين الأوزوماكي والسنجو. لكن هل كانوا يائسين جدًا لإنقاذ حياتها لدرجة أنهم لجأوا إلى طبيبة من الأوتشيها؟ أصابها ذلك بالقشعريرة، هل آيامي على حق؟ هل هناك ما يمكنها فعله من أجل كاوري؟
«كلّا، كلّا... لا يمكنني الاستسلام حتى أفعل كلّ ما بوسعي. بتنا نعرف المزيد عن هذا المرض الآن! بوسعنا العمل مع الأوزوماكي لعلاجه.»
— الأمثل هو أن نتواصل معه.
— أجل، سأتحدّث مع بوتسوما-ساما حول هذا الموضوع.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top