16.2. مشاعر هيدياكي

2.

اِتّكأ آكيرا على درابزين الجسر الصغير في حديقته يتأمّل البط الذي يسبح في البركة تحته، وإذا به يسمع قعقعة أحذية على الألواح الخشبية مما جعله يستدير. اقتربت ابنته منه وهي تحمل سلة من الفتات الذي رمته للطيور المائية.

قال ساخرًا:

— عليك أن تعتادي على الاستيقاظ باكرًا إن كنت تريدين إبهار سايوري. جمالك لا يكفي أمامها.

فتحت هاناكو فمها لتذكّره بأنها ظلّت مستيقظة طوال الليل تقوم بعمله، ولكنها توقعت أن يكون ردّه: «أنت بطيئة، يجب أن تتعلمي العمل بشكل أسرع»، فأجبرت نفسها على الابتسام.

دفع شعرها الداكن المصفّف على شكل ذيل حصان إلى الوراء، ونظر إليها من رأسها إلى أخمص قدميها. خلف الوردة الحمراء المرسومة على اليوكاتا الأسود خاصتها، هي تخفي بلا شك أحد أسلحتها السرية أو سمومها.

— هل تزيّنتِ من أجل هيدياكي؟

بدا سؤاله أشبه بأمرٍ من استفسار.

— نعم، أخطط لرؤيته بعد ظهر اليوم.

— هممم...

خيّم الصمت، وتبعه الشك. تكره هاناكو أن يعطيها والدها هذا النوع من الإجابات.

— أوتو-ساما، أرى أن دخلنا قد ازداد... أهذا راجع للمناطق التي احتللناها في العامين الماضيين؟

— وسيتضاعف عندما نحصل على الجنوب!

— لكن أخشى أنّ تلك الشائعات حول تحالف العشائر الغربية واحتمال انقلابهم علينا صحيحة.

ضحك آكيرا.

— وكأنهم قادرين على ذلك! ماذا تظنّين جيشنا فاعلًا؟ سنضعهم عند حدّهم ونجعلهم عبرة للآخرين!

ابتلعت هاناكو لعابها عندما عادت كلمات شينيا إلى ذهنها: تستخدمون قوتكم لحرمان الضعفاء من أراضيهم، وإذا احتجوا تستمتعون باستغلال أطفالهم واغتصاب نسائهم وحرقهم أحياء. ما هذا السلام الذي تتحدثين عنه؟ في الحقيقة، سيكون هذا العالم مكانًا أفضل بكثير من دونكم.

— كيف... نضعهم عند حدّهم؟

— ماذا تقصدين بـكيف؟ أحيانًا أتساءل إن كنتِ تملكين حبة فول سوداني في جمجمتك، هل أنتِ حقًا ابنتي؟ إن أعلنوا الحرب علينا، فسنحاربهم ونضع حدًا لذلك بالطبع! لا توجد طريقة أخرى لفرض النظام غير القوة. إنها اللغة الوحيدة التي يفهمها هؤلاء الناس.

— أجل، أعي ذلك.

— إذن توقفي عن طرح أسئلة تعرفين إجاباتها!

طردت هاناكو من ذهنها صورة القرية المحترقة التي أراها إياها هيدياكي. «ربما هو لا يعرف حتى عن ذلك... ربما مجموعة متطرفة من الجيش فعلت ذلك دون علمه.»

— فكّرت أنه... بما أنّ دخلنا يسمح بذلك... لماذا لا نخصّص للأمهات أجرًا أيضًا؟ إنهن  يعلّمن ويعتنين بجنودنا الذين يمثّلون قوة جيشنا، لذا...

حدق الزعيم في ابنته بريبة.

— من أين أتيتِ بهذا؟ هل اشتكين لك؟

— لا، ولكنني فكّرت مليًا في الأمر، لقد عشت دون راتب... وقد أجد نفسي في نفس وضعهن، لا أريد أن أكون عبئًا على هيدياكي. أوّد أن يكون لي دخل...

ضحك الأب وربّت على خد ابنته.

— لا تدخلي في الدور لدرجة أن تنسي مهمتك، أنتِ كونويتشي يا هاناكو ولستِ ربة بيت! طالما أنك تقومين بعملك على أكمل وجه، فلن أحرمك من راتبك، بل سأكافئك.

— لكنها ليست فكرة سيئة، صحيح؟ أعتقد أنها ستجعلك أكثر تقديرًا داخل العشيرة، ولن يكون لهيدياكي فرصة في أن يصبح زعيمًا أمام شعبيتك، ألا تعتقد ذلك؟

— لا! أغلقي هذا المِلَفّ، لدي مشاريع أخرى لإنفاق هذا المال. لا يمكنني إهداره على أشخاص غير فعالين.

— ولكن...

— كلّا ولا تناقشيني! أمرتك أن تكوني عقلانية وأن تتوقفي عن التفكير بقلبك. إن دفعت لهم راتبًا، فلن ترغب أي امرأة في أن تصبح ممرضة أو كونويتشي. هذه طريقة فاشلة في إدارة العشيرة يا هاناكو.

— بلى، إنهن...

قاطعها صوت أجش:

— آكيرا-ساما!

أدارت هاناكو رأسها نحو الرجل الذي نادى والدها، لم يكن سوى البستاني، ممسكًا بطفل هزيل من ياقته.

— لقد وجدت هذا الجرذ في مخزون الطعام، لقد سرق كيسًا من الأرز، لكنني أمسكت به في الوقت المناسب.

صاح الزعيم في وجهها مشيرًا بإصبعه إلى الجاني:

— أهذه هي التربية التي تريدينني أن أكافئهن عليها؟

تجنبت هاناكو نظرات والدها الساخرة ونظرت إلى الطفل المرتجف. لا بد أنّ عمره أقل من سبع سنوات، فلم يسبق لها أن رأته يتدرّب. لم يبد وجهه، بعينيه الغائرتين وخدوده الهزيلة، مألوفًا.

— ألقوا به في السجن. سيُعدم صباح الغد. واستدعوا والديه.

— أمرك سيدي!

خفق قلب الكونويتشي بشدة والبستاني يمشي مبتعدًا وهو يجر وراءه الصبي المتوسِّل. ليست هذه المرة الأولى التي يقرر فيها والدها إعدام لص، لكن ذلك نادر الحدوث. لم ترد أي عقوبات أخرى غير الإعدام في دستور آكيرا، لكن السرقة جنحة غير اعتيادية. ويكاد الزعيم يجزم أنّ معدل الجرائم في عشيرته ضئيل بفضل قوانينه الصارمة. لم يكن لدى هاناكو اعتراض على ذلك، لكن من الواضح أنّ هذا الطفل ما كان ليخاطر بحياته لو لم يكن يتضور جوعًا أساسًا. هذا الظلم سحق أحشاءها.

— أوتو-ساما...

قاطعها الأب بإشارة من يده.

— أعرف ما ستقولينه، وجوابي هو: لا! لن أتركه يفلت بفعلته. قلتها من قبل وسأعيدها حتى تترسخ في ذهنك: لا يمكنك إدارة عشيرة بالشفقة، ستحل هناك فوضى عارمة.

— لكن انظر إليه! لم يكن ليفعلها لو لم يكن مضطرًا لذلك.

— الشينوبي يتصرف في الخفاء، وإن قُبِض عليه، فعليه أن يتحمل المسؤولية! القانون هو القانون، الحياة لا ترحم وأنا كذلك. سأجعله درسًا للآباء غير المسؤولين.

توسلت إليه وعيناها تدمعان:

— أوتو-ساما! على الأقل خفف عقابه أو اجعله يعمل عندك. سيتعلم من خطئه، وقد يصبح جنديًا ممتازًا أو خادمك المخلص. ألم تفعل ذلك مع آرايا بدلًا من إعدامه؟

— ليسا سيان. آرايا حالة خاصة، إنه موهوب!

— كيف يمكنك أن تجزم أنه لن يكون ذا نفعٍ إن لم تعطه فرصة؟

أطلق الزعيم تنهيدة غاضبة.

— أصبحتِ وقحةً بشكل لا يطاق!

أدار لها ظهره مستعدًا للمغادرة.

— اذهبي لابن عمك واستخدمي عينيك الناعمتين للحصول على معلومات منه بدلًا من إزعاجي بها.

3.

سجن عشيرة أوتشيها مبنى تحت الأرض في قصر الزعيم. نزلت إليه هاناكو وتجولت في الممرات المظلمة حاملة فانوسًا في يدها.

معظم الزنزانات – خاصةً تلك التي تخص الأسرى والأوتشيها المحكوم عليهم بالإعدام – فارغة. تنص قوانين آكيرا على إعدام الأوائل بعد استخراج المعلومات منهم باستخدام الشارينغان، والأواخر مرة في الشهر، في نفس اليوم، في الساحة، وهو مكان للاجتماع في وَسَط الحي حيث يلقي الزعيم خطابات عامة لتحفيز المقاتلين أو للإعلان عن قوانين جديدة.

إحدى استثناءات هذه القاعدة: آرايا وأكاري – محظية آكيرا، وهي كونويتشي من عشيرة ياماناكا حاولت اغتيال زعيم الأوتشيها. كادت هاناكو أن تقسم بسخرية وسخط أنّ والدها قد وقع ضحية سحر تلك الشقراء ذات العيون الزمردية، فلم تجد سببًا آخر لرفضه إعدامها. لكن الزعيم أعطاها مبررًا اشمأزت منه: «أنا أنتقم من عرقهم القذر لتدنيسك يا زهرتي!»

أخضع آكيرا أكاري لغنجوتسو قوي وختمت سايوري رحمها لتجعلها عقيمة، وبذلك أصبحت دمية بلا روح، تنفذ أوامر سيدّها دون أن يرف لها جفن، صامتة، لا يكاد يلاحظ أحد وجودها في القصر.

حدّق الصبي الملتف على الأرض في الشابة بعينيه السوداوين الكبيرتين. قالت بارتباك:

— مرحبًا. اسمي هاناكو، ما اسمك؟

عبس الطفل وأبى أن يجيب.

— لقد أحضرت لك شيئًا...

سحبت الكونويتشي قطعة أونيغيري من سلتها وقدمتها للسجين. نظر إلى يدها الممدودة بين القضبان، لكنه لم يأخذ كرة الأرز.

— ألا تريدها؟

أجابتها قرقرة بطنه.

— أود أن أساعدك على الخروج من هنا، لكني أحتاج إلى تعاونك.

قفز الأوتشيها الصغير على قدميه وأمسك بالأونيغيري الذي التهمه في أقل من دقيقة.

— إن كنت تريدين مساعدتي، أطعمي أخي وأختي. أعلم أنني سأموت إن غادرت هذا المكان!

اقشعرّت هاناكو. أمسكت بيد الطفل النحيفة مانعة إياه من العودة إلى زاويته.

— أين والداك؟

— هل ستذهبين لرؤية هانا وسورا إن أخبرتك بذلك؟

— أهذه أسماء أختك وأخيك؟

أومأ الفتى برأسه.

— بالطبع سأفعل. سأعطيهم بعض الأونيغيري أيضًا.

— خرجت أمي في مهمة، لكنها لم تعد بعد. لم يتبق لدينا أرز في المنزل. اعتقدت أنكم لن تلاحظوا إن أخذت كيسًا واحدًا فقط... هنالك الكثير!

تشوشت رؤية هاناكو فرمشت مقاومةً الدموع التي كادت أن تغمر وجهها.

— ماذا عن والدك؟

أجاب وهو يهز كتفيه:

— لقد مات!

ناولته الشابة ما تبقى من طعامٍ في سلتها وراقبته وهو يأكل ببعض التحفّظ، كما لو أنه يخشى ألّا يبقى منه شيء.

— ما اسمك؟

— أساهي.

— سأساعدك يا أساهي، أعدك بذلك!

عندما عادت هاناكو إلى الأعلى، وجدت الزعيم منحنيًا على ورقة في مكتبه، وقد أبلغته كونويتشي بتقرير عن مهمتها للتو ثمّ غادرت.

— زيارة سريعة...

— لقد... ذهبت لرؤية الطفل في السجن.

— هممم... اللص.

جمعت المرأة الشابة يديها وقالت متوسلةً:

— أوتو-ساما... هذا الطفل يتيم. أمه كونويتشي، لكنها لم تعد من مهمتها بعد. إنها على الأرجح... ميتة مثل والده. أعلم أنك لست ظالمًا. لذا أرجوك، أعد النظر في قرار إعدامه، لا فائدة من ذلك!

رفع آكيرا نظره من الورقة وحدّق في ابنته بانزعاج.

— إن كنت قد انتهيت من مسرحيتك، فاغربي عن وجهي!

— لو كنت قد خصصت أجرًا للأمهات، لما اضطرت هذه المرأة إلى المخاطرة بحياتها لإطعام أطفالها! أنت تظن نفسك على صواب، ولكن هذه الحادثة ستلحق ضررًا بسمعتك تمامًا كما حدث عندما رفعت الضرائب. لن يحكم الناس عليك من نواياك، بل سيقولون أنّك غير عادل!

— لا يهمني كلام الناس! أنا الزعيم وأعي ما يجب فعله لمصلحة عشيرتي.

— هؤلاء الناس هم عشيرتك! تجاهلك لهم سوف يخل بوحدتنا، ويزعزع ثقتهم بك، ويضعفنا أمام أعدائنا.

— يا للوقاحة! أتحاولين أن تريني كيف أؤدي عملي يا هاناكو؟ هل تخالين نفسك أذكى مني؟ هه؟

— كلّا، أنا... ليست تلك نيتي. ليس هذا ما قصدته. أرجوك سامحني يا أوتو-ساما... ما أريد قوله هو...

— اخرسي! لا أريد أن أرى وجهك مرة أخرى اليوم، لقد خيبت ظني فيك... يا حسرتي على تربيتي التي راحت سدًى! 

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top