13.2. نوايا آكيرا

2.

تردّد صدى صوت آكيرا في الغرفة السرية لمعبد ناكانو:

— ماذا لو رفض السنجو الهدنة واكتشفوا أنّ كيوبي لم يعد في حوزتنا؟

تأمل هيدياكي الخريطة الكبيرة المفروشة على الأرض.

— سننتقل إلى الخطة البديلة ونقاتلهم، ولكن إن أخذنا بعين الاعتبار وضعهم المالي، وحقيقة أنهم يعتقدون حقًا أنّ معنا كيوبي، فإنّ فرص رفضهم ضئيلة.

تساءل الزعيم وهو غير مقتنع تمامًا:

— وماذا سنكسب في المقابل؟ أرى أنهم سيستفيدون، وإلّا فلن يقبلوا، أليس كذلك؟

وقعت أعين القادة على الخبير الاستراتيجي، باحثين عن تفسير لهذه الفكرة غير المعتادة. أجاب تاجيما:

— سنكسب الوقت. لا أخفيكم سرًا إن قلت لكم أن أعدادنا تتناقص بشكل كبير بسبب المعارك المتقاربة، لكن هذا ليس كل شيء. جنودنا منهكون. أولًا، نحن بحاجة إلى تجديد صفوفنا وتقويتها. ولاحقًا، سنمضي قدمًا لغزو الجنوب. إن لم يتدخّل السنجو، وهذا هو الهدف من الهدنة، سنكون قادرين على السيطرة على هذه المنطقة في وقت أقل وبأضرار أقل مما لو كنا في حرب.

حك آكيرا ذقنه وهو يحدق في الخريطة.

— همم... ولكن سيكون من السذاجة الاعتقاد بأنّ السنجو سيظلون هادئين في تلك الأثناء. علينا أن نستعد لهذا الاحتمال.

وافق هيدياكي على ذلك:

— فعلًا. يمكننا الاعتماد على كاتانا لمراقبة تحركاتهم، حيث أنّ طيوره منتشرة في ربوع نطاقهم.

أومأ القائد برأسه بابتسامة ماكرة.

— أعترف أنها فكرة عبقرية منك. إن أتت هذه الاستراتيجية بثمارها، سأزوجك ابنتي.

اتسعت عينا هيدياكي في غير تصديق. قرصت هاناكو ساعدها وهي جالسة جنب الزعيم.

— مصاهرتك شرف لي يا آكيرا-ساما، لكنني أخشى ألّا أكون على مستوى توقعات هاناكو. سيكون من الحكمة سماع رأيها.

— أتجرؤ على رفض مكافأة زعيمك يا هيدياكي؟

عمّت همسات في الغرفة.

— كلا، ليس هذا ما قصدته...

قاطعته هاناكو بصوت رقيق:

— لا تقلق بشأن ذلك يا هيدياكي. أوتو-ساما يعرف كم أنا معجبةٌ بك، ولهذا فكّر في تزويجنا. بالطبع أنا موافقة!

تجولت عينا الإستراتيجي من هاناكو التي ابتسمت له، إلى كاتانا الذي بدت عليه الدهشة، إلى آكيرا الذي ضحك بصوت عالٍ، ثم حطّت على تاجيما الذي دلّ عبوسه على استيائه. قال وهو يحني رأسه في تواضع وامتنان:

— يسعدني ذلك.

3.

شقت هاناكو طريقها إلى المنزل، بين بيوت الأوتشيها الخشبية، تحت ضوء القمر. مرّت بشجرة محاطة باليراعات فإذا بيد تضغط على فمها وتطوّق خصرها لتجذبها بسرعة إلى فجوة بين جدارين. مررت أصابعها تحت اليوكاتا وسحبت خنجرها من غمده المعلق على فخذها، ولكن بمجرد أن شمّت رائحة النعناع الخفيفة المنبعثة من الشخص الواقف خلفها، أنزلت سلاحها.

— هذا أنا، هيدياكي.

التفتت إليه، لكن حلكة الظلام لم تسمح لها برؤية وجهه. قالت ساخرة:

— آسفة، ولكننا لم نتزوّج بعد.

— ارتدي هذه، يجب أن أريك شيئًا.

أخذت العباءة التي أعطاها بتردد ولبستها، حارصة على وضع القلنسوة على رأسها.

بمجرد أن غادر ثنائي الشينوبي منطقة عشيرة أوتشيها ووجدا نفسيهما في الغابة الكثيفة، كسرت هاناكو الصمت:

— إلى أين نحن ذاهبون؟

أزال هيدياكي قلنسوته، وفعل الشارينغان ونظر حوله. لم يتبعهم أحد.

— الإقليم الغربي، ضواحي منطقة ياماناكا.

اقشعرّت الكونويتشي. العودة إلى ذلك المكان آخر شيء قد تريده. كما لو أنه استشعر ذعرها، شبك هيدياكي أصابعهما.

— لا تبدو سعيدًا. سنتزوج، أليس هذا ما أردته؟

سحب الشاب يده، ولم يستغرق الأمر من هاناكو أكثر من ذلك لتلاحظ انزعاجه.

— كنتِ واثقة من إجابتك عندما رفضت عرضي، كلّ ما كان عليكِ فعله هو أن تكوني صادقة مع الزعيم. أنا لا أراك مكافأة أو شيئًا من هذا القبيل. إن كنتِ لا ترغبين في، فبطبيعة الحال لن أكون سعيدًا بزواجي منكِ.

— يومها، كنت مستاءة من كل ما حدث... ولكن عندما عدنا، فكرت مليًا في الأمر. أحدهم رآني وأنا أقبلك في المستوصف وأخبر والدي. أردت أن أخبرك بأنني غيرت رأيي، ولكن بسبب ما فعلته، تحتّم عليّ أن أخبر أوتو-ساما عن مشاعري تجاهك. لم أتوقع أنه سيذكر الأمر في الاجتماع، آسفة بشأن ذلك...

ساد الصمت مرة أخرى، قاطعته أصوات البوم في بعض الأحيان حتى خُيِّل لهاناكو أنها سمعت صدى أكاذيبها في الغابة.

— فهمت... أنا مندهش قليلًا أنك غيّرت رأيك سريعًا.

— ألديك مخططات أخرى؟

— ماذا تقصدين؟

— أتساءل عمّا إذا... بدأت في مواعدة امرأة أخرى. لا أرى سببًا لأن يزعجك الأمر غير ذلك.

أطلق هيدياكي ضحكة ساخرة ممزوجة بنبرة استياء. ردّ بصوت ملؤه العتاب:

— لقد قضيت شبابي وأنا أحلم بتلك اللحظة، كنت أخجل من النظر في عينيك ناهيك عن الاعتراف بمشاعري. وعندما تمكنت من ذلك أخيرًا، طلبتُ منكِ أن تأخذي وقتكِ في التفكير في الأمر، لكن رفضك كان قاطعًا. لم أستطع حتى أن أنسى ملمس شفتيك... ومع ذلك، قبلتني ثانية دون أن تتساءلي إن كنتُ أريد ذلك. كم من السنوات سأستغرق لأُحبَّ أخرى؟ بغض النظر عن مدى رغبتي في نسيانك، فلن يكون تفكيري فيكِ إنصافًا في حقّها، ألا تعتقدين ذلك؟

تساءلت هاناكو في ذاتها: ما الذي يثبت أنه صادق؟ إن كان يحبني لتلك الدرجة، فلمَ كل هذا الاستياء؟ أود أن يكون أوتو-ساما مخطئًا بشأنه، لكن...

وقفت في طريقه ولفّت ذراعيها حول رقبته ووضعت رأسها على صدره. ليس عليه أن يقول المزيد، فهي تعرفه كفاية لتفهم طبعه المرتاب وتعرف بالضبط ما يحتاجه لكي يثق بها. قالت بهدوء:

— أنا آسفة يا هيدياكي. كنت صادقة معك، لكنني لم أستطع إخبارك بالحقيقة كاملة... ظننت أنني فعلت الصواب واخترت الأنسب لكلينا، لكنني لا أستطيع التوقف عن التفكير فيك أيضًا. أنت وحدك من تجعلني أشعر بالأمان والطمأنينة. سأكون كاذبة لو قلتُ إنني لست معجبة بك.

أغمضت عينيها وابتسمت عند لامس ذراعيه ظهرها. من رحم الدفء الذي أحاط بها، ولد ألم في جوف صدرها. إلى أي مدى كانت تلك الكلمات صادقة؟ ربما هذا ما جعلها تبدو مقنعة، ومن خوفها من أن تصدّقها، ذكّرت هاناكو نفسها بأنّ كل ذلك محض تمثيل. قناعٌ من الضعف.

— لم أتخيّل قط أنّ ذلك ممكن بعدما حلّ بي، ولكن كلّما فكرت في الأمر أكثر، كلما زادت رغبتي في أن أكون معك، في أن أؤسس عائلة معك. يؤلمني فؤادي عندما أستوعب أنّ كل ذلك مجرد حلم وأنّني لن أتمكن أبدًا من...

انفجرت الكونويتشي باكية، تاركة جملتها معلّقة في الهواء. مسح هيدياكي خدّيها بإبهاميه، ثمّ وضع قبلة على جبينها. سألها:

— هل تقبلين الزواج مني؟

وضعت يديها على كتفيه وأجابت دون تردد:

— أجل.

همس باستحياء:

— أحبكِ.

عانقته ثانية وقد حلّ السرور محلّ دموعها.

— ما الذي تحبه فيّ؟

انسحب ذو الشعر الداكن من ذراعيها، وعلى الرغم من حلكة الظلام بحيث لا يمكن رؤية وجهه، إلّا أنّ أنفاسه الهادئة دلّت على سكونه. أمسك بيد حبيبته وقادها إلى الأمام.

— لا يمكنني سرد كل ما يعجبني فيكِ، لكن أظن أنّ عنادك هو أكثر ما أحبه.

— لست جادًا، صحيح؟

— بلى! أنا جاد. أنتِ تدافعين بشراسةٍ عمّا تؤمنين به، أنتِ امرأة ذات مبادئ، ولكنكِ متفهّمة ومتسامحة أيضًا. تروقني هذه الليونة فيك.

«ما مدى صحة ذلك؟»

— حسنًا، فاجأتني، ظننت أنّ طبعي هذا عيبٌ عليّ التخلّص منه... غالبًا ما يمدح الآخرون مظهري لا أكثر، لكن إن رأوا ندوبي، فسيغيرون رأيهم لا محال. غريب...

— هل هذا مهم؟

— ما المهم؟

— آراؤهم عنكِ.

«رأيك أنت، نعم...»

— كلّا، لا تهم.

سأل مترددًا:

— وما الذي يعجبكِ في؟

— برودة أعصابك، أنت لا تستسلم بسهولة لمشاعرك، وأنا أقدّرك على ذلك. أوّد كثيرًا لو أنني مثلك.

— فاجأتني. لا أرى في ذلك ميزة. أحيانًا يخنقني ذلك، أتمنى لو أستطيع البكاء أو التنفيس عن غضبي بالصراخ.

بعد ساعتين من المشي والكلام، وصل الأوتشيها إلى قرية محاطة بالجبال ويعبرها نهر. لمحوا أطفالًا في العاشرة من عمرهم تقريبًا، جلودهم ملتصقة بعظامهم، يحملون على ظهورهم أخشابًا – أكبر من حجمهم – نحو مبنى.

تفحّصت هاناكو المشهد من بعيد، جالسةً تحت شجرةٍ مع رفيقها. لم تضئ أيّ فوانيسَ المنازل المُدمَّرة – الملطّخة بالرّماد والدِّماء الجافّة – مع بزوغ الفجر. لا حياة هناك، باستثناء هؤلاء الفتية السمر وبضعة طيور ترفرف.

— لماذا نحن هنا؟

— تُستخدم هذه الأخشاب لصنع أثاثنا والسقوف التي تؤوينا. ذاك المبنى ورشة نجارة. كل صباح، يقطع هؤلاء الأطفال جذوع الأشجار ويأخذونها إلى هناك، حيث يعمل آخرون طوال اليوم، ويحرسهم عشرات من جنودنا.

شعرت هاناكو بالحرج. صوتٌ في رأسها صرخ عليها كي تغادر هذا المكان. بطرف عينيها، حلّلت ملامح ابن عمها. هادئة كالعادة.

— إذن فهم يعملون لصالح عشيرتنا.

— نعم، إنهم كذلك.

— أعتقد أنّ هذا هو الحال مع كل العشائر التي تطلب حماية جيشنا. لا يمكننا مساعدتهم مجانًا.

تسرّبت قهقهة من فم هيدياكي.

— هاناكو... جيشنا هو الذي دمّر هذه القرية.

دوّت هذه الكلمات كالرعد في أذني الشابة. تملّكها الغضب. أهذه هي خطة ابن عمها؟ أن يجعلها تظن أنّ والدها ليس زعيمًا كفؤًا؟ أنه عديم الرحمة؟ ردّت عليه رافعةً نبرة صوتها:

— ماذا تقصد؟ لما قد يأمر أوتو-ساما بشيء كهذا! من اقترف ذلك، فعله بمحض إرادته.

— الأمر عائدٌ إليكِ إن أردتِ تصديقي أم لا، لكن ما يحدث هنا ما هو سوى قطرة في المحيط. لقد أحضرتك إلى هنا بالتحديد لأنّ هذه هي القرية التي تحدّث عنها شينيا.

— شينيا؟ لقد حاول قتلي... أتعتقد حقًا أنه كان يقول الحقيقة؟

— لقد رأيتُ ذكرياته، كان صادقًا. يرسل الزعيم الكونويتشي لإثارة المشاكل بين العشائر الأضعف، وبمجرد أن يندلع الصراع، يتدخّل جيشنا لحلّه. وإن تمرّدت إحدى العشائر، يتم القضاء عليها. سياسة الزعيم تنص على عدم قتل الأطفال. تباع الفتيات في أحياء تانزاكو، ويُستغلّ الأولاد في الزراعة وصناعة الخشب والقماش.

«الناس ليسوا سواسية، فهنالك أولئك الذين يولِّدون الأفكار، وهم فوق الجميع، لأنّ البقية وُجِدوا فقط لتنفيذ الأوامر. إنّ تبعية هؤلاء شرٌ لا بد منه. هكذا هي الطبيعة: السلطة العليا التي تجسّدها عشيرتنا وحدها قادرة على توليد المثل العليا. إنّ التخلي عن هذا الحق هو التخلي عن واجبنا. وبعبارة أخرى: الغرق في الفوضى.»، تذكّرت هاناكو هذا الخطاب القديم لوالدها بحثًا عن مبرّراتٍ لما قاله هيدياكي، ولكن مرة أخرى وقعت في غموض الكلمات.

— أهذا ما أردتَ إخباري به عندما كنا في أرض الدوّامات؟

— أجل. أفكّر في الأمر منذ أن أخبرتني عن مهمتك... أعني، أنتِ لم تسترجعي اللفافة آنذاك لأنك اعتقدت أنّ إبادة السنجو فكرة سيئة. أخبرتني أنّ لديك مشكلة مع التضحية بالأبرياء... لكن هذا ما يحدث حقًا.

— قلت أنّ لديكَ هدف.

— أجل...

تسارعت نبضات قلب هاناكو. هل هذا تأكيد لشكوك والدها؟ لكن إن كان هيدياكي خائنًا، فلمَ قد يطلعها عن خططه؟

— أتريد أن تصبح زعيمًا للعشيرة؟

اتّسعت عينا هيدياكي في دهشة من هذا الاستنتاج.

— كلّا، تاجيما هو الزعيم المستقبلي. لطالما فكّرنا في عواقب هذه السياسة في المدى البعيد. في ذكريات شينيا، رأيتُ زعماء عشيرتي نارا وأكيميتشي في نطاق الياماناكا. يبدو أنهم قد شكّلوا تحالفًا. بمرور الوقت، ستتحد العشائر التي نعتبرها ضعيفة لهزيمة عدوها المشترك: الأوتشيها. يعتقد والدك أنه يضعفهم، لكنه في الواقع يغذي أحقادهم ليس إلّا. لا يمكنه تدميرهم كلّيًا، لأنّ عشيرتنا تستمّد غنائمها منهم. وإن انقلبوا جميعًا ضدنا مستقبلًا، فستقضي علينا المجاعة قبل أن يتمكنوا من هزيمتنا. لا أريد أن أتخيّل ما سيحدث إن تحالفوا مع السنجو...

— فهمت... لكن ما الحل؟ حلّ الضرر ولا يمكننا محو ما حدث.

— لسوء الحظ... لهذا اقترحت هدنة مع السنجو، لا يمكننا أن نهدر مواردنا أكثر. أمّا بالنسبة للعشائر الأخرى، فسنمضي على التحالفات التي يربح فيها الطرفان. بمجرد أن يقنع تاجيما أعضاء المجلس، سيكون الانقلاب قرارًا لا رجعة فيه.

شعرت هاناكو بالخجل. لطالما علمت أنّ هيدياكي يريد الأفضل لعشيرتهم، لكنها صدّقت ذريعة مبتذلة مثل الانتقام لتبرير أفعاله وهذا أشعرها بالاستياء تجاه نفسها. أسوأ ما في الأمر أنّ حدس والدها لم يكن مخطئًا، لكنه لم يدرك بعد أنّ ابنه الأكبر يفكّر في التمرد هو الآخر.

— أشكرك على ثقتك بي يا هيدياكي. إنها تعني لي الكثير.

ابتسم الشاب، واستطاعت هاناكو أخيرًا أن ترى عينيه السوداوين تلمعان، عاكسة أشعة شمس الصباح الباكر. داعب خدّها بحنان.

— ما زال في جعبتي الكثير لأخبركِ به، لكن علينا العودة الآن.

قالت وهي تتثاءب:

— هيا بنا، أشعر بالنعاس.

مدّ هيدياكي يده إلى حبيبته فأخذتها وشبكت أصابعهما. انطلق الاثنان عبر الغابة باتجاه نطاق عشيرتهما.

— أتريدين أن أحملك على ظهري؟ كي تتمكني من النوم.

ضحكت هاناكو بمرح.

— إن بدأت في تدليلي من الآن، فستضطر إلى فعل المزيد لإرضائي عندما نتزوج!

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top