-الفصل الرابع عشر-
حالما وطئت أعلى التلّ، أشتق الأنفس بصعوبة بعد رحلة صعودٍ سريعة دونما توقف، ألفيتها تمرغ أصابعها في شعر جونغ إن تعذّر رؤيتي لوجهه فلقد بانت هيئتهما لي جانبياً
لا بد وأن تعلوه ملامح الاسترخاء، فأنا من ألِفتُ ملمس تلك الأنامل الغضّة وأنا الأدرى بمفعولها
كانت تُقيم فيّ مزيجاً من الّلذة ولهيبُ الرغبة اللاذع، في كل إنشٍ وطئته من جسدي وسارت عليه أناملها حلّ شتاءٌ صِرّ،لمَ لا بعد مضيّ السنيّ وأيّام الهجران؟
لم أنسى وجسدي لن ينسى واللّهيب الذي إعتادت أن تقيمه فيّ إذ تعيدُ أمجاده أناملها الأن، لا لسببٍ غير الغضب!..أناملها التي ارتحلت لموطئ أخر مُحرّم عليها أن تدوسه
لا يهمني بأي صفةٍ حضرا سويّاً إلى هنا، الأهمّ ما تفعله معه على تلّنا الذي شهد منّا ما لم يعلمه أحد...أول قُبلة...إعترافات الحُبّ الشجيّة...وذكرياتٍ مزيدة وافرة
من أعطاها الحقّ لتندس كل ذكرى جميلة بيننا بهذه البساطة، أولا تعني لها أي شيء! أشُكُّ في هذا
لكانت مارست وإيّاه طقوس رومانسيتهم المبتذلة في أيّ مكان إلّا هُنا...تلك الجاحدة!
سلبتني الذكرى من الحاضر وأعادتني إليه بقسوة ضحكات جونغ إن التي تسلّلت لمسامعي تزيد ناري المُتّقدة حطباً
ويلٌ لهما...نهايتهما على يدي اليوم
ألقيت ما جال في ذهني بلا إحتساب، لا غضبي ولا وضعيتهما تساعدني على التعقّل، صدح صوتي بهدوء يستُر الجلجلة في داخلي:
"جاريتي مع إبن الخال يا لحظي"
كما لو كانا يجلسان على قطع من الجمر ونبهتهما إليها، انتفضا بدهشة إلّا أن جونغ إن سريعاً أغلق فاهه الفاغر وتشدّق بابتسامة
"الملك بيكهيون بل يا لحظنا نحنُ!"
اسرّيت خُطاي نحوهما بتروّي لا لشيء سوى تمهيداً لما هو آتٍ وإشارةُ تحذير منّي، بيد أن رغبتي هي جرّهما كالشاة حتّى ينزفان
هي تفهم هدوئي وتعي نواياه، نظرة التوجّس في عينيها تخبرني بهذا...كما وتخبرني بخوفها، سأصيغ لخوفها مبرر أعدها بهذا، إذ أخلفت بوعودي لها سابقاً فإنّي لهذا الوعد لوافي
أزحتها من نظري كُليّا وركّزته على جونغ إن، صوتها الأن أخر ما أود سماعه
"دقيقتان، تشرح فيهما وجود جاريتي وضيف
المملكة إبن خالي يختليان ببعضهما على التلّ
الممنوع الصّعود إليه"
أجابني يتشدّق بأسنانه المرصوفة أود لو أحطمها
"نُزهة! لو علمت بأنك ستغضب على هذا
النحو لكُنّا دعوناك للمجيء معنا"
واحدة من طباع جونغ إن المبتذلة لا مبالاته المستفزة...يعلم مدى كرهي لهذه الصّفة وحذّرته من إستخدامها معي مراراً إلا أنه يُصرّ على إغضابي، فليتحمل إذن!
"الصعود إلى هُنا ممنوع، وأنت تعلم
مُسبقاً بهذا القانون، فهو أول ما وضعته مذ تسلمت العرش فبأي حقٍّ تخرق القانون؟"
وضع يديه على كتف هيز، ذلك اللعين يدأب على جعلي ألقيه من أعلى التلّ
"هيز الفاتنة تستحق أن أخرق القوانين من أجلها، مع أنّني لا أجد مبرراً لوضع هذا القانون الذي أنت تكسره بالفعل بتواجدك هُنا"
ضممت يداي خلف ظهري لأشُدّ قبضتاي بعيداً عن مرئاهما، فلقد نجح بإستفزازي بجدارة
"أنا الملك ما أضعه من قوانين يسري على الجميع إلّا عليّ! هذه الفاتنة -في نظرك- من المفترض أن تتواجد الأن في الحديقة تقضي عقابها الذي به أمرت"
ونجحتُ أخيراً في إسقاط إبتسامته، بادل نظراته بيني وبينها وأردف بإستفهام:
"أيُّ عقاب؟"
ارتبكت نظراتها...إذاً هي لم تخبره مما يعني أنّها لم تركض لحضنه تشكوني له..جيّد رُبما يشفع لها هذا عندي
"عقابي إنتهى بالأمس، لا يبدو عليك الخرف جلالتك، قرص الشّمس على وشك المغيب لا سلطة لك عليّ بعد الأن"
أردفت بتهكّم "لستُ خَرِفاً مخطئةٌ أنتِ، مادمتِ تقبعين ضمن حدود قصري ومملكتي إذن لي كل السلطة عليكِ، جربي العصيان وتحمّلي النتائج"
لمعت عيناها بغضب وتدخل الأخر يزيد الطّين بلّة
"عن أيّ عقابٍ تتحدثان! ثمّ هي جاريتي بيكهيون لا تنسَ هذا، ما دمتُ على أراضي المملكة فشأنها يعنيني وإلا أُخبِر الملكة عن أنّ ولدها البار يُبدي إهتماماً خاصاً بإحدى جواري القصر"
أمسكت تلابيب قميصه أفرغ غضبي فيه وأتنهد للمرة المئة حتى لا أتهور وأقترف ما لا يحمد عُقباه
"إيّاك أن تستخدم الأساليب الملتوية معي، كما قلت أنا ولدها البار، الطاعة لها ما هي إلا احتراماً وتقديراً لمقامها ومكانتها كوالدةٍ لي وملكة على هذه المملكة وإلا فشأن كل ما على هذه المملكة يعود لي أولاً وأخراً!
لا تتمادى وتستغلّ صلة القرابة بيننا حتّى تتصرف على هواك، أدوس على كل هذا الهراء في سبيل تنفيذ رغبتي أتفهم؟"
احتدّت عيناه وإذ به يوجه قبضتيه نحو قميصي ليفعل المثل
"لقد ازددت طغياناً وغروراً عن ذي قبل، حذاري من الاعتياد على لا مبالاتي وإبتسامتي الواسعة التي تقشع الغطاء عن أسناني، أفترسك بها، أنا لستُ حيوانك الأليف يا بيكهيون"
أبديت سخريتي الجليّة تجاه ما قال، فلحسن الحظ صلاحياتي تتعداه وفارق العمر يقف إلى جانبي كذلك ولو كانت سنةً يتيمة
أبعدت قبضتاي عن مستوى صدره وتكتّفت بهدوء
"ستغادر الأن عودةً للقصر بدون نقاش وبصفتي الملك أنا آمرك بهذا"
شددت على أخر كلماتي متعمّداً تذكيره بمكانتي كي لا يظنّني أشاوره أو حتّى أعطيه فرصة للرفض أو التفكير
نفخ شدقيه يتمتم وسأجزم أنه يشتمني...لا أهتم
المهم عندي أن يغادر
"اللعنة عليك أيّها القصير"
انسحب على عجل وإذ بها تتبعه، أسرعت أمسكها من معصمها
"إلى أين؟"
أجابت بعدم إهتمام "لمَ أبقى؟"
وتحت أنظار كاي المترقبة "لأنني آمركِ"
عاد يصيح بصوته "لا شأن لك بها، ستغادر معي"
صبري بدأ ينفذ بسبب هذا الدّبق، هو لا يعرفها سوى منذ أيّام قليلة لما هذا التعلّق الغير مُبرر؟
نهرته ولم أزحزح عيناي عنها فجفلت "جونغ إن! نفّذ ما أُمِرت وكفاك إعتراضاً"
وقبل أن يحتدّ النقاش تدخلت "جونغ إن من فضلك، فلترحل سألحقك سريعاً، لن أتأخر.."
لا ألقاب بينهما... رائع يا لهذا التقدُّم!
إتّجه للأسفل يُلف جذعه كل حين صوبنا حتى أختفى من مرمى نظرنا، أما نحنُ فكان موعدنا على مائدة النظرات أجود عليها بتحديقاتي وتصب هي في الأقداح من سُلال خمر عينيها تنظر لي بحقدٍ بائن
"أغاضبةٌ أنتِ لإفسادي لحظاتكما الشاعريّة؟" أخيراً نطقتُ بتهكُّم
تنهدت هي وبهدوء قشعت صمتها "بحق الرّب لا تُفسّر الأمور على أهوائك، عن أي لحظاتٍ تتحدث؟"
"لا تُنكري، رأيتُ ما كُنتِ تفعلين بشعره وهو مُرتاحٌ هانئ، ضحكاته تتردى في الأرجاء" اتّسعت عيناها بدهشة ثُم أطلقت ضحكة عالية حتّى انحنت تستند على ركبتيها
اعتدلت بقوامها "إلهي أتلعب دور الغيور الآن؟ كم خيالك خصب!"
عرفت أنّها ستفسّر الأمر على هذا النّحو لذلك ندمت على تسرّعي وتصريحي الذي أطلقت قبل قليل، وبحثت في زوايا عقلي عن حُجّة أُداري بها فعلتي الخرقاء
وضعت كفّاي في جيوبي وبعدم إهتمام "ليست غيرة، فقط إستغربت سُرعتك بالتّنقل بين الرجال بهذه السرعة.."
صمت أدرس مُحيّاها الذي اكفهرّ وأكملتُ باستمتاع وقد حقّقت مُبتغاي من هذه الحُجة ألا وهو إبعاد تهمة الغيرة عنّي بأي طريقة
"أو كُنتُ حملاً ثقيلاً عليكِ فما صدقتِ حتّى افترقنا لتتزوجي؟ والأن تلُفّين حبائلك حول ابن خالي...بتُّ أشُكّ بولائك لي خلال فترة علاق.."
لم تنتظر حتّى أُكمِل راحة يدها كانت أسرع، إذ هوت بها تضعها على وجنتي بحرارة
"إيّاك أيُّها القذر أن تُشكّك يوماً ولو للحظة بصدق مشاعري ونواياي نحوك! أخلصت لك كما لم أُخلص للرّب في صلواتي، سامرت اللّيالي أُناجي عودتك أكثر مما أسدلت جفوني...عُهرك وخيانتك لا تُلقيها على عاتقي فلا طاقة لي بهما ولا احتمال"
صمّيت أذاني عن ما أسلفت، وسلّمت الدّفة لغضبي الذي استعر ولقد حاولت إخماده مُسبقاً لكنّه غالبني وطفا على سحنتي يُعريها عن برودها
شددت على عضديها أُقرّبها نحوي وهمستُ بغضب
"مُخلصة؟ وتختلين به على التلّ الذي منعتُ الصّعود إليه بسببك، بسببنا وبسبب كل ما كان بيننا وشهده كل شبر على هذا التلّ! أوليس لكل هذا قيمة عندك؟ كيف لكِ أن تدنّسيها بهذه البساطة"
اقتربت وما عادت تفصلنا سوى الأنفاس، احمرّت عيناها وصكّت أسنانها
"لا تتدّعي الطُّهْر وأنتَ كُلُّكَ أرجاس، إن أنا دنّستُ قطرةً مما كان بيننا فأنت جفّفت كل ما كان بل ونسفته كأنه ما كان"
ابتلعت ريقها وأفلتت رجفة جسدها التي كابرت لإخفائها
"الكتاب الذي أهديتني إيّاه ما كان يفعل بين يدين إيلينا أيُّها المُخلص؟ ولا تُنكِر! أول حرف من إسمينا رأيته على الصّفحة الأولى..."
نظرة التشفّي تُثبت أنها فسرت صمتي على نحوٍ خاطئ وما التفسير الوحيد إلا الصدمة التي ألجمتني عن الحديث، بعد أن نست الكتاب في ليون إحتفظت به في...تبّاً!
قبل زواجي من إيلينا قد وضعته في إحدى أدراج سريري حتّى أرُدُّه لها بالوقت والطريق المناسبين، لا بُدّ أن إيلينا عثرت عليه بالصدفة
"كيف عرفتي أنّه مع إيلينا؟"
"كانت تحمله بالأمس، يوم أهنتني وظلمتني..كما فعلت عديد المرّات"
"صدقي أو لا أنا لم أُعطِها إيّاه، كان إهمالك وعدم تقديرك له ما جعلك تنسينه في قصر ليون"
"إهمالي وعدم تقديري الذي يجعلني أحمله معي في كل مكان؟ أعد صياغة المفاهيم بمنظورٍ صحيح أيُّها الرجعيّ"
ثم توالت شهقاتها تباعاً دون توقف تُخفيها بمداراتها لوجهها بعيداً عن ناظري، النار التي تشتعل في خدّي تزيدها حرارة قطرات مآقيها التي تذرفها بسببي...مُجدّداً...
اعترف، لقد بالغت هذه المرّة لكنني لا أُلام!
إن كانت تذكرني دوماً بحبها لي وإخلاصها المكنون لما بيننا..كان، إذاً عليها أن توصم أقوالها بالأفعال
رؤيتها وجونغ إن لا تساعد
في صراعٍ داخليّ بين أن أتقدم لأضمها عميقاً لأضلعي أربّتُ على شعرها وأُكفكف دموعها أو الذهاب فحسب، بين بيكهيون الذي أحبّ واعتادت أن تُحِبّ وبيكهيون الملك زوج ابنة المملكة الصديقة
تلوكني الأيّام بلا رحمة وتعرض ذات الخيارات مراراً وتكراراً ولعلّه ذاتُ الإختيار دوماً أتّخذه مُجبراً لا قنوع
مرةً عِندَ تخليّ عنها وعن سنين الوجْد التي أينعناها بصدق مشاعرنا، وأخرى عند زواجي من أُنثى أُخرى وقد أعلمتها مسبقاً أنّها تكفيني عن جنس حواء أجمعين وغيرها الكثير...
لذا لا ضير من التنازل هذه المره، كاعتذار غير مُباشر
اقتربت على مضض، التّردد يعرقل خُطاي، لأسبابٍ كثيرة
ودونما تفكير رحّلتُ يدي لكتفها الناشز، حالما لاح لي وجهها المستفهم المليء بالعبرات وإحمرار وجنتيها الذي زادها فتوّة، كامعتها سريعاً لصدري...إلى حيث كانت تنتمي
أوصالي ترتعد بغير حُسبان، جفّ حلقي واضطربت قامتي
هذا ما حذّرني منه تردّدي السالف..من هذا القُرب اللاذع بعد كل هذه السنين، أأستطيع أن أتحكم بنفسي؟ ألّا أتخلى عن كُلّ مسؤولياتي لأبقى بين ذراعيها الحنونين؟
أولم تكن تنتمي لي؟ كذلك أنا لها أكون وأنتمي
دفئ جسدها الذي يضغط على جسدي يُشعل شرارة الهوى التي أخمدت
تتنفس الهواء الذي بهِ تحيا وتلفح به عنقي فيتوقف جسدي عن العمل لترديني ميتاً وهي لا تدري
على هذه الحال بقينا لا أعلم كم المدّة، ومن براثن التيهان أخرجتني بذراعيها التي ارتفعت عن جانبيها تجيد بها إحكام عنقي لتسقطني في قفص الوله يحوطني بقضبان الرّسيس الدفين وحنين الماضي فهل من مخرج؟
غمست رأسها في زاوية عنقي وراحت تلسعني بدموعها وترفرف بأهدابها ضد جلدي والربّ وحده يعلم ما تأثير ذلك عليّ
شتّتتْ حواسي منّي وجَمَعتها في مُحيط سُلطانها فإذ بها تغدو لها عبدةً مأمورة تنصاع لها ولا سلطة لي عليها
"أَكْرَهُكٰ"
ꕥꕥꕥꕥꕥꕥꕥ
مسلوبة الطاقة والروح عُدت لمهجع الجاريات بعد انتهاء فترة عقابي الظّالِم وقبل الوصول عرض جونغ إن عليّ الذهاب في جولة للغابة وكتعبير عن امتناني لمساعدته لي واعتنائه بي فترة عقابي وافقت رغم الإنهاك الذي بسط نفوذه علي
وبدلاً من الذهاب للغابة اقترحتُ الذهاب للتلّ، بيد أنه قضى ما لا بأس به من الأيام هنا من طفولته إلّا أنه كان يجهل وجوده
إذا كان يمنع الصعود إليه حسبما صرّح، لمَ لم ألمح أي جنديٍّ فور وصولنا ليمنع الأخرين من كسر القانون؟ مرجحٌ أنه أصدر تعميماً إذن وأنا عنه غفلت كما أتغافل عن كل ما يمت لهذه المملكة المشؤومة بصلة
وكعادته...كان جونغ إن كثير الكلام والافتتان بالتلّ ولم تسنح لي الفرصة لأصُفّ الكلمات لشكره على مساعدتي
سحبني على حين غرّة للجلوس وهمّ بوضع رأسه في حِجري وقبل أن أعترض نهرني عقلي ب"ما المانع؟"
هذا لا يعني شيئاً على أيّة حال
وللحقّ كانت لمعة شعره المنبثقة من أشعة القرص البازغ في السماء على وشك المغيب مثيرة للنظر وللمس...
ترددت هنيهات خوفاً من أن يفسر ما سيبدر منّي على هواه وبشكل خاطئ إلّا أنني جازفت بأية حال
لم يُعلّق وبادر بالقول بعد برهة من الزّمن بحبور:
"أناملك ناعمة...لا تسحبي يدك"
كان يبدو وديعاً ومسالماً للغاية، عكس هيئته المُعتادة
على كُلٍّ...لكل واحدٍ منّا جوانب عديدة لا تظهر إلا في الوقت والمكان المناسبين مع أشخاصٍ لرُبّما غيرُ مناسبين...
هكذا كُنت، كانت هيز...
قامرت بكل ما لديّها وعرضت جميع بطاقاتها على طاولة حُبّه، رأى منّها ما لم يره أحد، كانت له الحبيبة المخلصة، العشيقة المفتونة المُضحيّة، شعرت بأنوثتها قد أخصبت بين يديه الحريصتين
كالطّفلة تتدّللُ باهتمامه وحُبّه الزّائفين وشيّدت بهما حصوناً تردع بها كائن ما كان أن يخترقها ويعبث بعرش قلبها الذي نصّبته ملكاً عليه
ما هدم هذه الحصون إلّا ملكها...ما قدر على ذلك سواه، وبعد...ما يزال يتوسط عرشه رُغم خيانته المريرة بأي شرع وبأي قانون يحق لهُ هذا؟
ولقد قطعت وعداً أن لا يرى جانبي الجديد غيره، كما ميّزته عن الأخرين سابقاً وأظهرت له ما أكننت بداخلي وخُفيَ عن الجميع
وعلى أعتاب نثر عبارات الشُكر لجونغ إن جفلت من صوته الذي تخلّل مسمعي وفي نبرة برودٌ وتهكُّم ظاهرين ما عبئت بهما ولا بالموضع الحميم الذي ضُبطنا به
تراشق العداء الغير مبرر مع جونغ إن مع محاولات الأخير العديدة لإستفزازه ولقد نجح، فالغضب قد غطّى سحنته التي التزمت الجمود قبل قليل
أمّا أنا فلقد تلحفّت الصّمت أتحرى فحوى الكلم الذي يتبادلانه وتوصلت إلى أنّه لم يكن جونغ إن من اعتنى بي، هذا ما بدى من دهشته وجهله التام بالأمر برُمّته
السؤال هُنا إن لم يكن هو فمن؟
ماري رُبّما؟
دهشة جونغ إن لا تقل عن دهشتي شيئاً إذ ارتبكت أنظاري تنُمُّ عن إرتباك أفكاري ولقد التقطها بيكهيون رُغم استمراره بتجاهلي وصرف نظره عنّي طوال الوقت
وهنا حان وقت تدخلي، بأي حقٍّ يرغم أنفه بشؤوني الخاصة؟ أنا في القصر جارية بالإسم فقط وهو الأدرى بهذا الأمر
إن انصعت لعقابه وأوامره فذلك حتّى لا أُفسد مخططي الذي ضحّيت بالكثير من أجله، لا شأن له بعلاقتي وجونغ إن ولا أرى لتدخله أي مبرر فلا هو يحبني ولا أمُتّ له بصلة بشهادته هو!
تعمدت تذكيره بإنتهاء سَرَيان مُدّة العقاب لألّا يتّخذ منها حجة، ومع إصرار جونغ إن هو تحاشى الإجابة عن ما يخص العقاب والأمور ضبابية بالكامل في ذهنه
ولا أظنني سأفسّر له الأمور لأنني لا أريد مزيداً من الشجار بينهما أكون أنا سببه كالسّوسة إذ تنخر الخشب وتُضعف نسيجه
لم أعد أُطيق أن أقف وإياه على نفس البقعة، لذلك فور مغادرة جونغ إن مُجبراً، تبعته وكلّي أمل أن لا يعترض طريقي ولوهلةٍ استبعدت الأمر فعلى ما يبدو هو ذاته لا يطيقني بالكامل وهذا ما يدُبّ الحزن في نفسي ويفاقمه
لكن هو بيكهيون الغير متوقع! استوقفني وكال لي سيلاً من نظرات الشّك والاستحقار المُبطن
مع إصرار جونغ إن لمرافقتي إيّاه إلا أنني اخترت البقاء ليس طاعةً له وإنما لرغبة دفينة ضعيفة في نفسي...أن أعيد لحظات الماضي التي إعتادت أن تتوسد مخيّلتي كل يوم
إشتقت تواجدنا معاً...إشتقت تلّنا ومَعْلَم حُبِّنا...إشتقته!
أؤنبني داخلياً على هذا، هو في النهاية لا يستحق أيًّا من المشاعر الصادقة التي له أُكن لكن ما باليد حيلة...هو الحُبّ الأول وحتْماً هو الحُبّ الأخير...
ثوانٍ معدودة حتّى بدأ يبُخ السّم في أُذناي ويوجه نحوي أصابع الاتهام وإنّي لبريئة إلّا في حق كبريائي فإني أعترف...لقد أجرمت
رشقني بإفتراضاتٍ من مخيّلته المريضة ودنّس بها برائتي وعفّتي ومهما كانت مثيرة للضحك في البداية إلّا أنه تفوّه بما لم أتوقعه يوماً وسدّد نحوي إهاناتٍ مباشرة وصريحة أذاقتني المُرّ والإهانة
ثمنها كان صفعة محمومة حطّت على وجنته أفرغتُ فيها لهيب أوداجي وقلبي اللذين أهلكاني ولولا وقع الكلام الذي لا زال يتردّد في أُذني لألحقت الصّفعة الأولى بغيرها أُخريات
لم أعبأ بنتائج فعلتي ألقيتها لأخر زاويةٍ من عقلي، وتأهبت ليسُدّ الصفعة بالمثل لكنه لم يفعل ليس تقليلاً من رجولته كما تعمّد أنه يجرح أنوثتي من قبل لكن كل شيءٍ جائز في ملّة بيون بيكهيون لا سيّما إن كان غاضباً
تعمّدت أن أفيض بمكنوناتي مهما بدت في غاية الضعف وألحقت بيَ الذُّل إلا أنني لا أقبل التشكيك بأصدق نواياي وأطهر ما حملت يوماً في داخلي من مشاعر
لهي مقدسّةٌ عندي ولن أسمح بتدنيسها لو بذرّات غُبار حتّى إن كان مفتعلها بيكهيون نفسه!
ولقد دافعت عن ذلك بضراوة ورددت له الإهانات أشدّ وأقوى
صدمتني حساسيته المُفرطة من جلبي لجونغ إن للتلّ، ظننته لا يعني له شيئاً بعد الأن، لكنّ حديثه أثبت العكس...ما كدت أفرح بحنينه لجزءٍ من ماضينا حتّى ألقى بتهمة الجحدان والنُكران عليّ وهو أهلٌ لها! وهكذا أيقظ شططي
لقد أثبت ذلك في مرّاتٍ عديدة أويتهمني الآن بعدم الإخلاص؟ بعد كل ما فعلت وكل الذنوب التي اقترفت لأجله! يا لبطشه!
لا زالت غصّة أليمة تتربع في جوف حلقي وأُكابر لكي لا أعتقها فلقد شَهِد من ضَعفي ما يكفي لنسف أي ذكرى لهيز القويّة ذات البأس التي اعتدت أن أكون فيما مضى
رؤية الكتاب تلك الليلة وقد استنتجت أنه كان بحوزة إيلينا كانت مؤلمة للغاية، زادتني فوق ألمي وبؤسي وبرودة أطرافي أرطالاً مضاعفة
كان أعزّ ما لدي، وأثمن عندي من أي دُرٍّ أو جواهر، أعتزّ به وأحمله معي في كل مكان، كيف لا وهو آخِر أثرٍ ملموس من ذكرى حُبِّنا العقيمة
هانت عليه كل ذكرياتنا سويّا لذا التفسير الوحيد هو أنّه أعطاها إيّاه رغبةً منه بالتخلّص من أي شيءٍ يتعلق بي...هكذا ظننت بالبداية
لولا المنطق الذي ضرب عقلي بتأنيب وقدّم تفسيراً مقبولاً "لعلّها وجدته في قصر مملكتها فلقد أضعتيه هُناك!"
وبإنكاره لمعرفته بالأمر أيّدت ذلك المنطق ومن باب الإنصاف بتُّ على مشارف تصديق الأمر خصوصاً أنه أنكره بإستماتة وبيكهيون نادراً ما يفعل ذلك
هو، إيلينا، التلّ، تزاحم الأفكار في عقلي وصراعي الحادّ مع نفسي كل هذا ألقى بي بين فكّي الجزع الذي هشّمني بأنيابه بلا رحمة ثم ألفيتني أشهق بضعف وعيناي تبكي مدرارا
أشحت بوجهي بعيداً أصون المتبقي من كبريائي وإذ به يدرني نحوه ويجتذبني تجاهه على حين غرّة
الآن يضمّني له بتردُّدٍ لمسته في ذراعيه اللتين تلُفّاني
اشتقت لقُربنا هذا، لدفئه الذي يغنيني عن شموس الدنيا وما فيها من حرارة
جزعت ولم أُبادله الحضن، إلا رأسي الذي وجد ضالته في زاوية كتفه وعنقه هُناك حيث مرتعي ومأمني حيث أفرغت ضعفي الذي زرعه فيني وبه أُمُدُّني بالقوّة
هوَ ولا غيرُه يَعنيني، بِهِ يتبدَّلُ حاليْ وهوَ كُلُّ حاليْ
رُغم الغمامة التي أحاطت ذهني وشتّتتهُ بقربه هذا، لا زالت نُتفة من التعقُّل تطرق وعيي، تُكمّم قلبي وتركله بعيداً عن مرمى السيطرة عليّ
"إنه يفعل هذا بدافع الشّفقة، أنسيتِ مرّات الوعيد التي قرنتها به؟ لا تضعفي ولا تنسي ثأرك"
وبهذا وُلِد من أمشاج كبريائي الذي يصارعني من مكانٍ ما فيّ، رغبةً مضادة، كُرهٌ مستبدّ ونفورٌ غريب
وضعتهم على أعتاب فمي وحاكهم لساني بمهارة
"أَكْرَهُكٰ"
لأنني أُحِبُّك، لأنك ما عدت كما كنت لما آل الحال بنا بسببك، لكل ما مررت به من أجلك والقائمة تطول!
نشز جسده ضد جسدي وفوراً دفعته بقوّة لا أعلم من أين ظهرت وأنا كُلّي هوان وأكاد لا أُساوي شيئاً أمام جُثّته القويّة
نظرت له بجفاء وقد جفّ الدمعُ على خداي ويبست أطرافي
"أترى هذه التمثيلية قد حلت لك وأضحيت تؤدي الدور أكثر مما يجب وبواقعيّة مبالغٌ بها؟
أيُّ دورٍ تلعب هذه المرّة؟ سابقاً الحبيب، مؤخراً الملك والآن؟"
فرّت التعابير من وجهه وما ضيّعتُ فرصةً لأوّجه نحوه سهاماً تُصيبه ولا تقتله
"إسمع بيكهيون، أنت أمرتني بأن أنسى الماضي وأمضي في طريقي وأنا سأفعل..
ما كان بيننا بغض النّظر عن المسمى وإن اختلفنا عليه ما عاد موجوداً...مات وأصبح من الماضي"
لمست خُصَلَهُ المترنحة على جبينه أرتبها له وفي عينيّ حنينٌ خفيّ لعادةٍ كُنت انتهجها
"أمّا أنت فلا زلت في الحاضر، حيٌّ تُرزق لذا...
سيكون هذا وداعنا الأخير لا أعلم إن كُتب لنا بعده الّلقاء
واجِبٌ عليّ إعلامك.. أنا إمرأةٌ حقود، أحببتك في عقلانيتي وأدمنتك في جنوني...فحذارِ من هذا الجنون سيقتُصّ لي منك وتذكر كلماتي هذه"
وقبل إعدام كل ما شعرت به نحوه، نفّذتُ رغبة قلبي الأخيرة...دنوتُ نحو وجنته أطبع عليه قُبْلة...ارتعد بسببها بدني
قبض على يدي التي لا زالت تحجز خصلاته وبنبر ما استطعت تحديده نبس
"لا آبه لتحذيراتك..مما أرى أنتِ لا زلتِ رهنَ حُبّي وبين قضبانه الجِلْبة ما تزالين مُحاصرة وعلى هذا الأساس تصرفي وابتعدي عن جونغ إن"
بنبرة خاوية أجبت:
"ما عاد شيءٌ كما كان فلا أنت بيكهيون الذي أحببت ولا أنا هيز...والتلُّ على هذا إذ يشهد، بأيّ حقّ تأمرني؟ أتمتهنُ الاحتكار أنت!"
دنى منّي وهمس "بعبارةٍ أدق...أمْتَهِنُ التَّمَلُّكْ"
رفع طرف شفتيه بثقة وأنا ما كان منّي إلّا أن نهرته بقهر
"أنا ما عُدتُ مِلكَك!"
وهكذا انصرفت ألحق بجونغإن، إن ما زال ينتظرني لنعود سويّاً للقصر، وبالفعل كان يمشى في نهاية التلّ جيئةً وذهاباً ولستُ مستعدة لإشباع فضوله وأسئلته العديدة التي سيلقيها عليّ بعد قليل بالتأكيد
صلّيت داخلياً، جونغ إن أرجوك لا تفعل لستُ بمزاجٍ مناسب لهذا اكبح فضولك اليوم فقط
عافرت التراب لأُعلمه بوصولي وفوراً أسرع خطاه نحوي وأمسكني من عضداي
"أنتِ بخير؟ لم يؤنبكِ صحيح؟!"
أومئت بهدوء وابتسمت له
"أنا بخير، أنت تعرفني سليطة الّلسان"
قهقه بخفّة وعبث بشعري
"لا أجرؤ حتى على الشّك بهذا"
حال وصولنا للقصر افترقنا عند الرُّدهة المؤدية لمهجع الجاريات، هو ذهب ليُمرّ بالملكة هيلانا وأنا تسلّلتُ أبحث عن كاث، بدءاً من غرفتها في مسكن الخدم ثم في الأجنحة حتى عثرتُ عليها في جناح بيكهيون الذي أصبح يتشاركه وزوجته الخسيسة
مرّت فترة وجيزة مذ استطعت رؤيتها والتحدث إليها، إشتقت لتواجدنا معاً في منزلنا ولروتيني اليوميّ لوالداي ولي....أتساءل متى يعود أحتاجه بشدّة وإن ما بحت لهُ بشيء فوجوده بجانبي يمُدُّني بالقوّة!
قد وعدت كاث بإخراجها من القصر قريباً واليوم سأوفِ
أُدرك حجم معاناتها والمشقة التي تتعرض لها هُنا، وأشعر بالذّنب لتوريطها معي لكنّني إحتجت وجودها سابقاً أما الآن سأُكمل ما بدأت لوحدي...هذا ما يجب
كانت منهمكة تنفض فراش السرير ولم تحسّ بولوجي للجناح، أم لعلّها مهارتي بالتّسلل؟
اصطنعت صوت ماري وأثخنت صوتي
"أيَّتُها الغبية أهكذا تُنفض الأسرّة؟"
جفلت واستدارت على عجل مُطأطأة الرّأس تبعثر الكلم:
"سيدتي لم يشكو جلالة الملك قط من كمالية عملي"
ابتسمت لسذاجتها، هكذا كاثرين كانت وما زالت طيّبة القلب بسيطة المُنى والأحلام مُثابرة في العمل وإن طغى عليها حُب الفُكاهة والضحك
عاندني الحظ بالحُب وقطع أواصره معي، لكنّه حتماً عوضني بصداقة فتاةٍ مثل كاث، هي ستدعمني وتقف إلى جانبي في أحلك الظروف وأنا لن أُقدّم لها مُقابلاً أدنى من هذا...أبداً
اقتربتُ منها ونقرت على كتفها فإذ بها تُطلّ بمحياها على مستوى نظري
تيهان تعابيرها أفشى لي عن دهشتها، برهة مرّت من الزّمن حتى قذفت كل وسائد السرير نحوي وترفق مع كل وسادة سُباباً قذراً وخالياً من الأدب ما اعتدت سماعه منها
غطّيت وجهي بيداي وهمست لها أُخفي ضحكي حتّى لا أزيد من حنقها
"هش أيتها المُندفعة! توقفي وإلا أتت ماري وأنّبتنا بحق"
لهثت بتعب وابتلعت ريقها، كانت تقذفني بالوسائد بملئ جهدها على ما يبدو!
"أأُلام على اندفاعي لبئس الصديقة أنتِ، توقفي عن إخافتي بهذا الشّكل بحقّك هيز!"
"ما المخيف بماري بهذا الشّكل! أنتِ تضخمين من شأنها"
كتّفت ذراعاي ورفعت رأسي
"مهاراتك بالتصويب سيئة، ثُمّ أنتِ الخاسرة، لستُ أنا من سيعيد ترتيب السرير"
نظرت حولها للوسائد الملقيّة على الأرض ثم نحو السرير زفرت واحمر وجهها غضباً
وفي فورة غضبها ومع شعرها الذي تبعثر وهيئتها الناقمة علي ما أستطعت إخفاء ضحكاتي
حدقت بي لبرهة ثم تزامناً مع اعتدال قامتي ووأد ضحكاتي، أردفت كاث بشرود
"مضت مُدّة منذ أن بدوتِ بهذا المرح والاستمتاع،
أنا سعيدة لأنّك ضحكتِ بسببي حتّى لو كُنتِ تهزئين بي"
مؤلمة هي الحقيقة وإن ما راقت لنا فلا بُدّ من أن نجزم بصحتها
مُحقّةٌ هي...أنا تغيرت وطبعاي تغيرت فإن كانت قبلاً حادّة بعض الشيء فإنها الأن أسوأ
الجمود يحوم حولي كطيفي، وأشباهي الأربعين أوّلهم البؤس وأيُّ مُفردٍ يرادفه يوفون باقي التِّعداد
مهينٌ أن يضعُفَ بأسي وتسقط قوّتي في قاع الهزَل والأدهى والأمرّ أن أراقب هذا بلا حيلة دونما حراك
وقتئذٍ الّلوم يخنق عاتقي وحدي ولا غيري مُلام
غيّرت مساق الحديث الذي سوف لن يعجبني، حمحمت وأضفت بجديّة:
"انتهي من السرير وودعي القصر مع أنني لا أظن أنّك له سوف تحنّين، ستغادرين الّليلة عائدةً للمنزل"
وسعت حدقتيها وهرعت تجاهي تشدنّي من يداي
"هيز أنتِ لا تمزحين، لا؟"
أظنها سعدت بالأمر لذا ابتسمت أؤكد لها بصمت بإيمائةٍ بسيطة
دارت بنا بخفّة وصدح صوتها
"ليس لديكِ فكرة عن مدى سعادتي! سأغادر القصر وداعاً لمارلين لساعات الاستيقاظ المُبكر، للعمل المُضني لإيلينا المتعجرفة و..صدقيني لدي قائمة طويلة بالأمور التي سأودعها بلا ذرّة من الاشتياق!"
ولكم تسعدني رؤيتها سعيدة بهذا الشكل، منذ أن دخلت منزلنا أحسست نحوها بشعور الأُخوّة الفطريّ مرّة أخرى، وبتُّ أحرص على الاهتمام بها ومساندتها بشتى الأمور
سأكون دوماً هناك من أجلها كما أنني موقنة بأنها ستفعل المثل نحوي
حثثتها على التّوقف بعد أن شعرت بالدوار وإدراكً منّي للوقت وقبل أن يقتحم الغرفة أحدهم شرعت أسرد عليها ما يتوجب فعله:
"ستغادرين غداً صباحاً، سأدع لكِ حريّة اختيار الكيفية إما بالطّرد أو الإستقالة والمرجح الخيار الأول في حالة رفض استقالتك، فقط خُذي حاجياتك ودعي المفارش والأمور الاخرى التي احضرناها بسرّية لي سأهتم أنا بها"
"لا تقلقِ أود الخروج من هنا بأية طريقة ولن أتوانى عن المحاولة، وبالنسبة لحاجياتي أنا لا أريدها فليحتفظوا بها، حُبًا بالله أود فقط المغادرة" وتظاهرت بالبكاء
دراميّة بعض الشيء، هكذا هي كاث!
"مهلاً ماذا عنكِ؟! لن أغادر لوحدي" تخصرت وتصنعت الحزم
تنهدت بنفاذ صبر إذ لا نيّة لي بإفشاء مخططاتي لها على الأقل في الوقت الحالي، اضطررت للكذب لإرضاء فضولها
"سأتبعكِ بعد بضعة أيام، لقد أتينا إلى هُنا سوياً ومغادرتنا سويّاً ستجلب لنا الشك"
"مُحِقّة، حسنٌ إذن... اتفقنا"
خرجت أتركها تنهي عملها وصادفت جونغ إن عند الباب...الّلعنة!
"أوه الفاتنة ماذا تفعل هنا؟"
الحقيقة هي الأنجع لتغطية الكذب، هذا مبدأ مضمون لذا أخبرته: "الخادمة في الداخل هي صديقتي وهي مريضة لذا مررت بها لأطمئن عليها"
موضع ذراعه على كتفي وأردف بعبث
"إلهي العزيز مما خُلقتِ أيّتُها الفاتنة؟ طيّبة القلب جميلة رقيقة وذكية، الجميع من حولك محظوظون بك!"
بإبتسامة حقيقيّة اجتاحت فمي لعبثه الذي أصبح محبّباً لي مؤخراً
"خُلِقت مثلك ومثل الأخرين من حولي من طين، ولا لستُ طيّبة القلب أما بالنسبة لباقي الصّفات لا أستطيع أن أنكر، بتواضعٍ شديد أنت على صواب فيما ذكرت سموّك"
غمزته بعبثٍ مماثل وفررت من ذراعه أتوجه لمهجع الجواري وصيحاته بإسمي تصل سمعي وأتجاهلها، لقد خارت قواي منذُ الأمس وعند مغيب الشّمس سأتوجه للغابة السوداء حيث كوخ مارلين لذا حريّ بي أن آخذ قِسطاً من الرّاحة.
♕♕♕♕♕♕♕♕
مع انقشاع النّهار وبسط اللّيل سطوته على الإرجاء ارتديت عباءتي والتوجه لكوخ مارلين هو غايتي
بعد غفوتي في المهجع بدّلت ثيابي والتقيت كاث في الغرفة القديمة التي كانت تجمعنا قبل أن أُضم لحاشية الجواري
جمعنا الحاجيات التي أدخلناها للقصر خِلسةً عند قدومنا والأن بمغادرة كاث وانتقالي لمهجع الجواري ما عاد لها حاجة، يجب علينا التخلص منها وإلّا إن ما رآها أحد وقعنا في ورطةٍ عويصة تودي بأعناقنا للبتر
ما أحضرناه معنا من أغطية وسائد وغيرها..لا يمكن للخادمة البسيطة أن تملكه، جميعها من الحرير تُكلّف أكياساً من المال ولا يسهل الحصول عليها فهي لا يتم إبتياعها من السوق ببساطة، بل يتم طلبها وحياكتها خصيصاً
نوعاً ما ينهشني الذّنب لإخفائي العديد من الأسرار عن كاثرين، لهو نفاقٌ محض منّي أن أدعوها بصديقتي وشقيقتي ثم أُخفي عنها ما يعنيني لكنّني أعدها في قرارة نفسي أن أبوح لها بكل شيء...في الوقت المناسب
أمرتها بوضع الحاجيات في سلال الغسيل ثم تلاقيني في الغرفة التي يتم وضع الماديّات المختلفة فيها، تلك الماديّات التي يتخلص منها طاقم خدم القصر كل فترة لإنتهاء فترة استخدامها وكأنها عفا عليها الزّمن فيستبدلونها بأخرى جديدة أفضل ، إذا صح التعبير إنّها أشبه بالمخزن
المخزن الذي به الثّقب المنقذ، ما يسمح لي بالولوج خارج القصر خفية عن أعين الجميع، سأتخلص من الحاجيات بطريقي لكوخ مارلين
رأت كاثرين الفتحة في الجدار وقصصت عليها طريقة عثوري عليه وكيف استطاعت أختها الهرب منه وطبعاً تفاجئت وصمدت فاغرة الفاه ل...لا أعلم كم المدة فلقد خرجت بعد أن تلوت عليها تعليماتي وأنا الآن في طريقي لمارلين
فكرت بإلقاء الحاجيات أو وضعها على إحدى أبواب العائلات المحتاجة لكن هذا يعني أن أحيد عن طريق الغابة السوداء أي وقتاً أطول أستغرقه حتى أعود للقصر لذا حزمت أمري وقررت إعطائها لمارلين، ستحتاجها بالطّبع ولا أظن أن تردّها لي
كانت الغابة السوداء ولا زالت تثير الذعر فيني فليكن الله بعون مارلين كيف استطاعت الصمود هنا؟
لكن وبشكلٍ غريب أجدها أكثر ألفة من العيش في ربوع المملكة كلما ولجت لأعماقها أكثر، أشعر بأن في قرارها بقعة مخفية تستطيع أن تنافس التلّ بجماله
طرقاتٌ خفيفة على باب كوخها ولم أُفصح عن إسمي خلالها فلا أحد يزورها عداي! لذا أظنّه غريباً أن تسأل عن هوية الطّارق في كل مرةٍ آتي إليها
"أنا هيز"
بوسع شدقيها رحبت فيّ بوِد
" الجميلة هيز مضت مدّة لم نلتقِ... لقد افتقدتك"
بادلتها الحضن "افتقدتك أيضاً والآن فلندخل تجمّدت برداً" عكفت شفتاي بتذمرٍ طفوليٍّ زائف
جلسنا أمام مدفأة الحطب وزادتها مارلين حطباً فثارت نارها حرارة
"أحضرت هذه الحاجيات الموجودة في السّلال خذي ما تحتاجين منها وتصرفي بالباقي"
ابتسمت "غريب لم تزوريني يوماً إلّا عاريةَ اليدين"
أمسكتُ شحمة أذني وهذه عادة أفعلها عند الخجل،
لقد غفلت عن هذا الأمر!
ربّما تظنني أنضر لها بعين المحتاج ذو منفعة ولا أضع لها أي قدرٍ آخر وهذا ليسَ صحيحاً البتّة!
قهقهت باستمتاع "لم كل هذا الإحمرار كنت أمزح، أنا لستُ بحاجة ولا أنتظر منكِ شيئاً، زيارتك للعجوز الوحيدة أمامك تكفيها"
"عذراً لقد أنجرفت بهمومي وتناسيتُ لباقتي"
نظرت لي بعينيها الواسعتين "لا بأس بالفعل...إذاً ما سبب قدومك هذه المرّة؟"
"إنّها حامل...إيلينا"
ازادادت عيناها إتّساعاً ولمع طيفٌ من الحنو فيهما فشعرت بنيّتها للتربيت عليّ لذا تداركت الأمر بسرعة
-لا أريد شفقةً من أحد!-
"توقعت هذا لا داعِ للتفاجؤ، ولقد أتيت لأتشاور معكِ بخطوتي التالية وطبعاً لأطمئن عليكِ" صنعت ابتسامة صفراء لأعلمها بأنني بخير متماشيةً مع الأمر
"مؤكدٌ لديكِ فكرة بخصوص هذا الشأن صحيح؟"
منذُ الوهلة التي وطأت فيها قدماي أرض القصر، بل وحتّى منذ علمت بنبأ زواجهما وضعت أمر الحمل بالحسبان
انكبّيت أسرد على مسامعها بأذانٍ وذهنٍ مصغيين ما جال في خلدي
"هيز! أنتِ تجازفين وتتعدّين الحدود بالفعل"
ما توقعت ردّة فعلٍ أطرى من هذه، في الواقع لقد توقعت الأسوأ...
استحضرت الحقد الكامن فيّ، الكره المتوقد منذ زمنٍ كالأزل وبجفاء همست أشد الحروف التي تتداعى خارج فاهي
"لقد أقسمت أن أقطع نسله عن بكرة أبيه لستُ من يُلقي الكلم عبثاً من فراغ لمجرد لحظة غضب تمرّ"
ضغطت على يدي "لا ذنب للطّفل في هذا ولا ذنب لها! هي مجبورة على هذه الزيجة كما هو، لكانت ستكون زوجة جونغهيون أخيه لولا فاجعة موته أيطاوعك قلبكِ أن تحرميها أبداً من الأمومة؟"
بإصرارٍ أكملت "أُحيطكِ علماً بأنني لن أساندكِ في هذا إن فعلتِ"
تدفق الغضب بآصرتي "أنتِ لا تعرفينهاً ولا دراية لكِ بألاعيبها الدّنيئة معي هي تستحق هذا! كفاكم دفاعاً عنها!" صرخت بقهر
لربما ما فعلته معي لا يستحق أن يُجزى بهذه الطّريقة لكنها من بدأت
إن كان هذا مستواها في الّلعب فلتعلم إذن أنني أقسو ولا أرحم...أدوسها دون شفقة حتّى تتعلم أن لا تعبث معي
هي في خانة لا تسمح لي بالتسامح -زوجته- ما يصيبها يصيبه والعكس صحيح، ويقع تأثيره عليهما وأنا إذ أنوي أن أنسف رَغَدَ عيشهم من جميع النواحي
لا هناءَ لهُ إلّا وإيّاي، ولا يَمْلِك عدايْ، أنا ودوني أيُّ شيءٍ يفنى
"مهما فَعَلت لا يحق لكِ عقابها بهذه الطّريقة الأمرُ يتعدى حقدك على بيكهيون وخارج مسألة الحرب التي تشُنّينها عليه"
"لا تحاولي مارلين، سأنفّذ ما في ذهني ولم يوقفني أحد حتّى أنتِ"
بلعت الغصّة في حلقي إثر توافد الذّكريات في عقلي
"أنتِ لم ولن تفهمي ما مررتُ به طوال الثلاث سنين السالفة، كانت صعبة بحقّ...ما زلتُ يافعة على أن أحمل هذا الكمّ من الحقد والكره بيد أن لا شيء مما حولي يساعد حتّى بيكهيون يزيدني إصراراً على فعل هذا ولقد أعطيته من الفرص ما يكفيني لأدينه عند الرّب إن اتّهمني بالّظُلم"
زفرت بعمق وأمسكت وجنتاي
"هيز عزيزتي أنتِ تُعرّضين..."
أعلم ما ستقول ولن تثنيني عن قراري أبداً لذا قاطعتها بعدم اهتمام
"كتابُ التّعاويذ...أعطني إيّاه"
ارتعشت كفوفها التي تحاوط وجنتاي
"مهلك يا طفلة ما حاجتكِ به! إلى ماذا تخططين وإلى أي مدىً ستصلين بثأرك هذا؟!"
بقلة حيلة وإحساسٌ بالجزع دبّ فيّ همستُ وقد خارا كتفاي بإنكسار
"أنتِ لا تفهمين"
"بل أفهمكِ ولهذا ساعدتكِ منذُ البداية!"
"إذاً فلتكملِ معروفك وأعطني الكتاب، أعدكِ سوف لن أستخدمه لأي نوايا سيئة ثقِ بي كما وثقتُ بكِ...رجاءً!"
نظرتُ لها بعيونٍ دامعة وما تعمّدتُ إظهارها لتشعر بالشّفقة وتقتنع بل كانت دموعاً حقيقيّة فاضت من القلب المكلوم لولا أن احتلّني اليأس وأرداني لهُ أسيرة
انصرفت من مقابلي نحو طاولتها التي ينيرها قنديل الشّمع
ناولتني الكتاب بحرص "هذا عربونُ ثقتي بكِ، كوني على قدر هذه الثّقة ليدي هيز ويلسون"
تعمّدت تذكيري بلقبي لأشعر بالمسؤولية والشّرف تجاه هذا العربون كليدي متحضّرة من نسب سلالةٍ عريقة تعي قيم الإخلاص والأمانة
لا أظُنُّها تعرفني بعد...ليست الألقاب ولا الوعود ما تُقيّم سلوكي إنّي على مبادئي التي وضعت لن أحيد وما كانت خيانةُ الثّقة يوماً منها ولن تكون
أخر ما توقعته هذا اليوم بل وأخر ما أريده أن أحظى بشجارٍ مع مارلين ولقد حصل
ظننتها ستقف إلى صفّي بجميع الأحوال لمَ لا تفهمني؟ قالت أنّها تفعل لكنّ الكلام أسهل من الأفعال
وهذا السّبب بالضبط ما يمنعني من إخبار كاثرين بالأمر
لن أثق بأي أحدٍ مرةً أُخرى وهذا وعدٌ أقطعه على نفسي بيني وبين نفسي والرّبُ عليه يشهد
غطّيت الكتاب بقماش عباءتي وخرجتُ من الكوخ أضع قلنسوة العباءة على رأسي
فركت ذراعاي أمُدُّهما بالدفئ بسبب أسواط البرّد التي لسعت جسدي طوال الطريق
وأخيراً وصلتُ القصر بعد مدّة لاحت كأنها دهراً ولحسن الحظ لم أصادف جونغ إن فلا مزاج لي بعد نقاشي المحموم مع مارلين
صعدت برفقتي كتاب التّعاويذ نحو جناح بيكهيون ثم عدت للمهجع بأسرع ما يمكن واندسّيتُ تحتَ أغطية سريري طلباً للنوم بعد هذا اليوم الشّاق، على ثغري ابتسامة متوعدة لقادم الأيّام.
☽☽☽☽☽☽☽☽☽
أستيقظت بفعل هزٍّ عنيف لكتفاي وكان المهجع خالياً من الجميع عداي وجونغ إن الذي ينهرني بصوته
لحسن الحظ لستُ من ذوي النوم الثّقيل اعتدلت بجذعي وقبل أن استفهمه عن سبب وجوده في المهجع وإيقاظي بهذا الشّكل ألقى بالسّبب دون سؤال
"هيز اركضي بأسرع ما تستطيعين بعيداً عن القصر عن المملكة بأكملها...الملك يطلب نحر عُنُقِك"
................
هلااا واللللههه زمان عنكم! أعرف طولت وأضرب نفسي بالجزمة اهو😔 بس مرت فترة اختبارات وانشغلت بكثير أمور
-رحبوا بالغلاف الجديد من تصميمي😬 ضفت عليه نيني🤤
-الحين اسمعوني زييينن، الفصل الجاي بنبدأ حِقبة جديدة من الرّواية لذلك أستعدووواا للعواصف التي بتجي خلاص عدينا فترة الحرب الباردة والهدوء، وإذا ملاحظين أسهبت الحديث عن مشاعر الشخصيات عشان ما تبقى الأمور مبهمة عندكم بالذات هيز أغلب التشابتر كان على لسانها بس هالشي بيتغير الأيّام الجايّة🔥
-تأكدوا بتنصدموا من كثير أحداث وبتنكشف كثير أسرار عشان كذا ركزوا بهذا التشابتر مزبوططط🤭
-وأخيراً بما أننا بندخل حِقبة جديدة أتمنى تعطوني أي نقد أو ملاحظات على الرواية عشان انتبه لها بالحِقبة الجاية واحطها بعين الإعتبار لا تجاملوني بلززز💙
-أعرف وقفت التشابتر عند لحظة الحماس بس ترا هذا أطول فصل بالرواية يعني سامحوني وكذا
كتاب التعاويذ صورته بالنوت 2 اللي نزلتها قبل هذا التشابتر للي حابه تشوف يعني
خلاص سولفت كثير...إلى أن نلتقي إن شاء الله💙
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top