- الفَصْلُ السّادِسَ عَشَرْ -

꧁ ℂ𝕒𝕝𝕝 𝕄𝕖 ℍ𝕚𝕤 ꧂

أشعر بالألم يستكينُ في عِظامي، أطرافي مُتنمّلة والرّجفة تحتلُني وتسير على جسدي فيختلّ جموده

آهاتٌ تنزلق من فمي دون رقابةٍ منّي، وكوابيسُ عديدة اجتاحت عقلي وأردته أسيراً للخيالات المظلمة التي فيه

كُلّما حاولتُ الاستيقاظ من كوابيسي المريرة نبّهني ألمي بالواقع الأمَرْ

كما لو أنّ الفِراش مائعاً من تحتي، وكأنني فيه أغوص أُرجّح أنه بسبب قطرات العرق التي تتسابق لتنساب على جلدي

حتّى فكُّ إلتحام جفناي كان كؤوداً وحينما فعلت شعرتُ بهِما مُثقلين يُقاوماني ليعودا مُغمضَين

"أين أنا"

كان أول ما طرأ تفكيري، خِفتُ أن الحياة عاودت تصُبُّ لعناتها عليّ وتطرحني أسيراً لدى الأعداء

أموت ولا أبقى تحت رحمةِ أوليڤر الآبِدِ وجيشه

قناديل الشموع تشوّه الظُّلمة الحالِكَة من حولي،
أستندت بمرفقاي لأرفع جِذعي ووخزني الألم يذكرني بجزعي وضعفي

مشاهدٌ من المعركة تتراءى لمخيلتي
الغبار الذي تعيثه الأحصنة، صيحات الجنود الذين يقاتلون بضراوة وجونميون الذي يتتبّع مساري ولا سبب مُحتمل سوى أنّه يتأهب لملاقاة النّيطل فداءً لروحي

إلى حين تقدمتُ للبحث عن أوليڤر وشتّتُ جونميون بعيداً عنّي وثُمّ...

فتك الألم بصدغي خلال محاولتي لتذكر أخر ما التقطه عقلي ولكن يستحيل عليّ أن أنسى

إنّه صوتها الذي لم ولن أنساه وما زال يرنّ في تجاويف أذناي...ولكم كرهته أنذاك!

صوتُها المُتشبّع بالكُره والحقد والتشفّي الذي لم يغفل عنهُ سَمَعي، صمتَتْ الأصوات مِن حولي وشُدّ له إنتباهي

كانت هي من أطاحت بسيفي وأسقطتني أرضاً وهذا يعيد لذاكرتي يوم تبارزنا على ربوع أعلى التلّ وكسبتها

حَسْبَ مقدار الألم الذي يتربّص بجسدي فإن مهاراتها تحسّنت للغاية منذُ ذلك اليوم وإلا ما استطاعت النّيل منّي، أضف إلى ذلك جروحي التي وطأت سفوح جسدي نتيجة التحامي بالقتال وجنود جيش العدو

انصبّت أفكاري حولها وحول ماهية وجودها في ذلك المكان وبذلك التوقيت تحديداً

منذ متى؟ منذ متى أمثالها من النساء يشاركن في حروبنا!

كيف استطاعت الولوج لصفوف الجيش والقتال معهم حتى وصلت إليّ؟

ما تزال كلماتها ينبثق صداها في كياني ولم تزد شكوكي إلّا بياناً وتأكيدا

تلك المشعوذة على علم بكل ما كان يدور في المملكة من مصائب وتقلُّبات، ليتها فقط تعلم بكرهي الشديد لها، الذي أخذ يستحوذ على قلبي ولا أستطيع كبح جماحه بعد الأن، بعد أن حاولتُ سالِفاً أن أختلقَ لها الأعذار لمُسامحتها

تعلم بأنّني أشُكُّ بخيانتها لي وللمملكة دون أي إعتبار لأي مشاعرَ إخلاص ولاء...أو حُب لمملكتها أو حتى...لي

وهي التي ما توانت يوماً خلال تواجدها في القصر بتذكيري به، وكيل التهائم لي بخيانتها وتضيحيتي بحبِّنا الذي كان متبادلاً في يومٍ من الأيام

أسئلة عديدة تنهش عقلي وترديه فريسة لأفكاري المتوحشة فتفتك به بلا رحمة

سابقاً كُنتُ أسعى بكل ما ملكتُ من قوّة وتمكّن حتى أُخرجها من تلك البُقعة التي توسَّدَتها في قلبي وعقلي بعد خيانتها لي، بعد أن كتَبتْ الموت مصيراً لمخلوقٍ قبل أن يُخلق

مخلوقٌ علّقتُ عليهِ آمالي ورفعتُ به سقفَ طموحاتي الهشّ، رأيتُ فيه حبلاً للنّجاة وروحاً نقيّة تدُبُّ الحياةَ في القصر قبل أن تدُبَّ فيه هو

أتصارع بين عقلانيتي وعواطفي التي خبّأتها بين طيّات روحي حتّى لا تفضحني وتبلُغ منّي ومن أفعالي أيُّ سيطرة

بين أنّها أجرَمَت وأستطاعت فعل هذا العمل المُشين وبلوغ هذا المستوى الدنيء من الأفعال فقط لكي تُصفّي ديناً وضعته هي بيننا

وبين أنْ تِلْك المرأة التي وحدي من رأيتُ ملامح الطّفولة تستكينُ بها قلباً وقالباً والتي موضعتُ مشاعري في هواها، لن تنجرف وراء عواطفها وتُقدِم على هذه الفِعلة حتّى ولو كان ذلك إنتقاماً منّي ومن خِذلاني لها

وللمُفاجأة لقد بتُّ أُدرك هذا مُتأخِراً...مُتأخراً جدّاً

إنّ هيز إمرأة حاقدة، وما زاد الوضع كرباً سوى أنْ حقدها ينبع من أطلالِ حُبٍّ مرير ولا أسوأ من إمرأة تحقد سوى تلك المرأة توقد نار حقدها بحطب عشقها الذي يحتطبه الإنتقام

لأن هذا تحديداً ما سأفعل، سأُذيقكِ الويل بمقدار الألم الذي أشعر

بمقدار الحُب الذي لكِ أكننت سأنتقم

بمقدار ما أُصبت من خذلان، ستتجرعين السُّم

وبمقدار ما أعثتِ من خرابٍ ودمارٍ لمملكتي سأعيث بداخلك الفوضى وأُذيقكِ العلقم حتّى التُّخمة

كيف؟ كيف غابت عنّي نبرة الحقد التي غلّفت تهديداتها لي سابقاً؟

أتحمّل مقداراً من الإثم واللّوم مهما بلغت درجته لإستخفافي بها وبجديّة وعيدِها الذي كان يتّقد بوضوح في عينيها كُلّما قابَلَت عيناي

وَ لا، لن أضع أعذاراً ولن أسوّغ المُبرّرات لجهلي وغشمي، الظّنُ الحَسَن بتلك المشعوذة كانَ خطأً

خطأٌ منّي أنّني رأيتُ الجيّد منها وتغافلت عن روحها السّوداء التي بدأتُ أستشعر أطياف هالتها التي أحاطتها كُلّما تصادفت دروبنا وأُجبِرنا على الُّلقى بطريقةٍ أو بأخرى، بدأتُ أستشعرها الأن بعد فوات الأوان

خطأٌ منّي أنني استهنت بحنكتها وشرورها ظنّاً منّي أنّها جمرةُ غضب جارِف ستنطفئ وتخبو قريباً

لم تنطفئ تلك الجمرة، بل زادت حرارتها وأحرقتني بلا هوادة

لستُ أدري ما علاقتها بأُوليڤر ومملكته ولا كيف استطاعت التواجد في تلك المعركة والوصول إليّ، وحيثيّات مُشاركتها الغادرة بوضع مملكتنا في هذا الدّرك من الجحيم

لكنّني على أتمّ اليقين بأن لها يداً في ذلك ومن يدري لرُبّما هي من أوقدت شعلة هذه النّار التي استعرت
وأحرقت مملكتنا عن بكرة أبيها

وإيّاها على ساحة الإنتقام لنا موعد مهما طال الزمن أو قصُر، سنلتقي وستدفع الثّمنَ كاملاً بلا تقسيط

وعدٌ منّي أو أنّني سأضع حدّاً لحياتي وأنا أُناظر عينيها وأخبرها باستحالة غفراني لها ونسياني لأفعالها قبل أنْ تفعل هي، تلك الخائنة!



"إذن؟ لقد شككتَ بقدراتي وقوّتي لأنّني إمرأة وتالياً لم يستطع النّيل من ملك إيڤانيس ومعبود شعبها سواي!" نبست بها بسخرية بحتة لم يجهلها مسمعه

فهزّ رأسه بنفيّ مُطلق "لم يكُن شكّاً ولا تقليلاً منكِ، الأمرُ فقط أنني قلقتُ عليكِ ولم أرغب بتعريضكِ لهذه المخاطرة التّي بالكاد ينجو منها رجالاً متمرسي حروب"

زفرت بهدوء وكأنّما يستعصي عليها تمرير ما أردف به من أعذار واهية بنظرها وأكمل بدوره "هيّا لا حيلة لي بعتابكِ الأن، لدينا إحتفال أوَنسيتي؟"

طرقت بأصابعها بخفّة على الطاولة التي تفصل بينهما وأجابت بسهو "لا، أنتَ لا تعلم كم أتحرّق شوقاً للاحتفال بخضوع مملكة إيڤانيس ولكن أنتَ من لا يجب أن ينسى بأن مخططاتنا لهذه المملكة لم تنتهي بعد، لذا لا تتعجّل فالاحتفال آتِ في موعده!"

قهقه باستمتاع موقفاً طرقَ أصابعها بموضَعة يدها بين يديه "حبيبتي هيز، سيتم تنفيذ جميع مخططاتنا حسبما اتفقنا، مصالحكِ من صالحي ونحنُ واحد، لا تنسي هذا أبداً"

لمعت عيناها ببريقٍ حاد "جيّد إذن، لا أظُنّك بحاجتي لأعلمك بماهية الخطوة التالية صحيح؟"

هز رأسه بموافقة وسحبها معه لمأدبة الاحتفال...




متموضعٌ في هذا السّرير اللعين منذُ أسبوع، تمرُّ بي والدتي للاطمئنان علي يوميّاً عدّة مرات وتضجرني بسؤالها، لذات العبارات عن استهتاري واستسخائي روحي دونما تقديرٍ أو مُراعاة لمشاعرها كأم،

‎والسؤال المستمر عن مدى شعوري بالألم وحالة جسدي
‎بجروحه التي تتفتّق فيه، فأجيبها بذات الرّد "بخير" لكن عبثاً أحاول أن أهدئ من رَوعِها ولحوحها

بحق يسوع ذاهبٌ للحرب أنا فأي مراعاة قد تطرأ على عقلي تفوق رغبتي الخالصة بالمحافظة على شرف المملكة وحمايته من أن يُلحق بهِ أيُّ مرادفٍ للخسارة والهَوان؟

أُقدّر أمومتها التي تدفعها للضّغط عليّ، لكنّها باتت تُفرغها فيّ حتّى فاضت وهذا حتماً أخر ما ينقصني

من جهة أُمّي ومن جهةٍ أُخرى جونميون الذي يتهرّب من مُلاقاتي وكبير مستشاريّ جونغسو الذي بدوره يتهرّب من الإجابة عن أسئلتي فيما يخص عواقب المعركة مع جيش مملكة سينثيا مرددين ذات العُذر

"إذا ما تحسنت صحتُّك ستجتمع بمجلس العرش جميعاً ونناقش العواقب معاً، لا تُرهق نفسك الآن"

وهذا ما أنبأني بأن الأخبار لن تسرُّني ولا عجب في ذلك، كان من الجنون ملاقاة جيش أوليڤر ونحن بهذا الضعف معنوياً مادياً ولا حلفاء لنا فيما عدا نيس

بالطبع فهي مملكة خالي بعد كل شيء، وللحقيقة لقد شككت لوهله بإحتماليّة انقلابه علينا وفضّ ما بيننا من علاقات واتفاقيات حتّى وإن كانت ملكةُ هذه المملكة أخته من لحمه ودمه

نحنُ في وضعٍ لا نُحسد عليه، لا مجال للثّقة بأيٍّ كان
أنام وأستيقظ في الصباح التالي متفقداً عنُقي وصدري وهل أنا حقاً في سريري أم أقبع في إحدى أركان الجحيم...بدون مبالغة!

طُرِق باب جناحي وعدّلت جسدي لأسند ظهري على السّرير آمِراً الطّارق بالدّخول، وما كان سوى إيلينا

حدث شرخٌ كبير بعلاقتنا فوق الشرخ الذي بالأصل كان موجود

أنا وبكل صدقٍ مع نفسي لم أُحببها يوماً..

هي جميلة، ذات رُقيّ ملكيّ وأنوثة طاغية ولكنّها ليست لي، نحنُ معاً ولكن قلوبنا لم يُكتب لها التلاق يوماً، أو لأكون دقيقاً هكذا الأمر بالنسبة لي

هي تُحبّني وهذا ما لا يخفى عليّ، وبادٍ بكل وضوح في مُحيّاها وكذلك عيناها

آسفٌ لها للغاية لأنني لم أكن موجوداً لأرمم صدعها الذي سببتهُ أنا بشكلٍ غير مباشر بعد خسارتها للطّفل ذلك أنني شُغِلت بترميمي لصدعي ولملمة حزني وخسارتي... للطّفل ولها

للوحيدة التي ملكَت قلبي يوماً ولم يعرف لهُ غيرها صاحِب أو مالِك

شغِلتُ بمحو حزني الذي كان عظيماً والفقيد الذي كان أعظم

خسرتُ حُبّي لها، حبّي الذي كان أخر ما تبقى من بيكهيون القديم، من كانت أكبر مسؤولياته أن يلتقي بها سرّاً ويحظى معها بأطولِ وقتٍ ممتع على انفراد وإن كان يومها محظوظاً فسيحصل على قبلة موطنها وجنَته فيما ينظر لعيناها دونما مقاطعة أو إزعاج

كانت أفضل النساء في عيني وفي روحي، والآن باتت مثلهم جميعاً عندي... بلا قيمة بل وأسوأ

آسفُ لأنني لم أسندها لأنني كنتُ متهالكاً من الأساس، ووزرَ الذّنب المُحمّل على عاتقي ما زادني سوى ضعفاً ولوماً لنفسي

خجلتُ أن أنظُرَ لعيناها بسبب الذّنب الذي حُمّلتُهُ دونَ قصدٍ أو عناءٍ منّي، بسبب استهتاري وعمى بصيرتي

ما زلتُ أكرهُ نفسي مذ ذلك اليوم لأنّي لم أكُن رجلاً كما وَجِب أن أكون، طُعِنتُ في رجولتي واستقبلتُ الطّعن دون أي محاولةٍ للتّصدي لأنني كُنتُ غافِلاً لا أكثر

ليس رجلاً من يرى ذبول إمرأتهِ ولا يهرع ليسقيها برعايته واهتمامه

لم تكُن إيلينا إمرأتي بالمعنى الحرفيّ إذ كانت تلك المكانة محجوزة لغيرها مُسبقاً، ولكنّها كانت كذلك أمام الجميع ووفق الأعراف والواقع رُغماً عنّي وعن شؤوني القلبيّة التي لا يعبأ بها أحد

إلّا أن إيلينا كانت منّي أقوى، إذ سارعت للوقوف بعد نكبتها سريعاً على عكسي تماماً، كيف لا وأنا المكلوم مرّتين، بدل الخسارة إثنتين

لا يُعيبني أن أعترف بهذا، لأنها كأمّ كانت بحاجة لهذه القوّة والصمود وإلّا فإنها ستهلك، خيرٌ لها ما فعلت

أسفي لإيلينا لا يندمل، فبعدما تمّت خيانتي وبعد غدر والدها لمملكتي ما عدتُ أطيق رؤيتها لا لسببٍ سوى أنّها ابنة المتصابي الدّاعر ذاك، رُغماً عني ولا ذنب لها

ما يُعزّيني أنني وقفتُ في صفّها في أيِّ شجارٍ خاضته معها وما وفّرتُ الفُرَص لأهانتها وإذلالها وهذا لا يُعدّ قنطاراً من المقدار

تقفُ إيلينا على مقرُبةٍ من سريري وشعورٌ بعدم الرّاحة يطوف الأجواء من حولنا

"أنت بخير؟" نبست بخفوت

"نعم" وبحسم رددت

"أما زلتَ تشعرُ بالألم؟"

"لا"

عمّ الصمت قليلاً وكنتُ على استعداد لتصريحها الآتي...لقد شعرت بهذا

"بيكهيون متى ستعود؟" برجاءٍ أردفت وكِلانا يُدرِك تماماً ما تقصد

ومع ذلك أنكرْت "ماذا تقصدين؟"

"أنتَ تعلم تماماً ماذا أقصد لا تتدّعي الجهل أرجوك، لقد تعبتُ من كلِّ هذا"

نقلتُ نظري الذي كان معلّقاً منذُ البداية على الطّاولة التي تحمل آنية الزّهور البديعة، نقلته نحوها وأجبت بهدوء

"إذاً إرحلي وعودي حيثُ والدكِ النّذل! الأمرُ بهذه السّهولة! وإلا فلا تبدأي بالتّذمر الذي لا تُتقِننّ غيرُه أيّتُها النّسوة، وأنا لستُ بمزاجٍ مناسبٍ لهذا"

قسوتُ عليها؟ فعلت ومجدداً أنا آسِف لكن هذا ما يجب حصوله، وجودها هنا في قصري لا معنى لوجوده حتّى وإن أحبّتني، لهذا عليّ أن أحُثّها على المغادرة

"أنت تعلم...لا أستطيع!"

صمتت وأردفت بعد بُرهة تجلس بمحاذاتي على طرف سريري

"أنا أحبُّك، ألم تُدرِك هذا بعد؟"

أُدركتهُ منذُ زمن، ولكنّك تضيعين مشاعركِ سُدىً مع الشخص الخطأ

"أنا كما أنا، لن أتغير وليس لدي ما أُعطيكِ إيّاه، تقبّلي هذا وإلا إقتراحي السّابق مازال متاحاً فلا تُرهقي نفسكِ وإيّاي"

إهتزّ بدنها إذاناً بقربُ نزول الدّموع

"أنتَ قاسٍ! أنتَ.."

والشُكر للعذارء وللشّخص الطّارق أيّاً من يكُن، لقد أنقذني منْ نوبةٍ منَ الكآبة والهُراء، حقّاً فعل

"أُدخل"

وقفت إيلينا سريعاً وكَفْكَفت ما ذُرِف من عينيها، هي طبعاً لن تُفسد صورتها المهيبة أمام أحد وحتّى أنا لا أرضى بهذا

كان كبير مُستشاريّ جونغسو

بإبتسامته الوقورة المُعتادة "صباحُ الخير، تبدو بصحّةٍ جيّدة جلالتك!"

بادلته الابتسامة ولا أعلم إن صحّ تسميتها بهذا الإسم ولكنني على الأقل حاولت

"هذا ما أخبرتكم بِه طوال الأسبوع، وطالما أنّك لاحظت هذا إذن لن أسمح لكم بالإعتراض وإبقائي لمدّة أطول أُقابل هذه الجُدران الصمّاء، نحنُ لدينا إجتماع في قاعة العرش لا تظُنّن أنني نسيت"

"معذرة، أنا سأغادر ولتتحدثوا على انفراد"
قاطعتنا إيلينا منصرفةً على عجل

أومئتُ لها وحالما أُغلِق خلفها الباب التفت نحوي جونغسو" أنا على تمام الثّقة بأنّك لم تنسى، وكُلنا ننتظر عودتك بفارغ الصبر"

تحمحم وأسقط إبتسامته ليُردف بجديّة "جئتُ لأُعطيكَ هذا"

ناولني مرسولاً ذهبيّ اللون ذو طابعٍ ملكيّ ملفوفاً بشريطٍ قاني اللون ويبدو أنّه فُتِح مُسبقاً ولا داعي لبذل التخمينات فلا أحد غيري يفعل سوى جونغسو والملكة الأُم، أنا من منحتهما هذا الحقّ وبإرادتي

يراودني شعورٌ بعدم الرّاحة...

"من مملكة سينثيا العظيمة"
قُبِض على قلبي وجونغسو كان يُراقب إنفعالاتي بدّقة

مرّت بُرهة من الزمن ختمتها بختمي لقراءة المرسول أعدتُه لحاله الأوّل ونظرتُ له نظرةً هو أدرى بمعناها لذلك سريعاً ما سألني

"هل ستقبلها؟ يجب أن أُعلِم جلالتك بأنني لستُ مُطمئناً لهذا ولا أؤيد لفحة التحدّي البارزة على وجهك"

بعزم أجبت "سأقبلُ الدّعوة، حالاً اجمع المستشارين في قاعة العرش ريثما أستعد، لقد سئمت من إخفائكم لما حدث بما فيه الكفاية ! الدعوة لم تأتِ من فراغ!"

غادر جونغسو دون أن يُضيف حرفاً، وأنا قمت مُعافراً بقايا براثن الألم في جسدي لأرتدي بزّتي الملكيّة
إلهي وكأنما دهراً مرّ مذ لبستها أخرَ مرّة..

ظننت أنني لن ألبسها مجدداً...

مررت برُدهات القصر أُحث خطاي للإسراع وأُصلّي في داخلي ألّا تعترض والدتي طريقي فلا التوقيت ولا مِزاجي يسمحان بإعتراضاتها المُرْهِقة المُندسّة تحت غطاء الأُمومة

مجرّد التفكير بهذا الأمر زاد مزاجي حِدّةً وتعكير

دفعتُ باب قاعة العرش بهمجية ولم أُلقِ لتحية الحُرّاس الواقفين على عتبته بالاً مع ذلك لم تخفى عليّ ابتساماتهم المستبشرة بحضوري، لم أكُن أعلم بأنني محبوب!

خُطوة واحدة لداخل القاعة ولا حاجة لمزيدٍ من مثيلاتها ليقف الجميع بإنتظام ويبدون الإحترام والوقار لشخصي فينحنون حتى أصل لعرشي وعليه أتّخذ موضعي

لحظاتٌ وجيزة حاكيتها في نفسي، ورُغماً عنّي وجدتني أتضرع بالشّكر لمنحي الفرصة لأحيا مُجدّداً وأنعم بهذا المُلك

المُلك الذي كدتُ في لحظة ضعفٍ وشيكة أن أتخلّى عنه وأُسلّم أمره للمجهول، بئساً لي ولضعفي وانعدام مسؤوليتي!

كيف استطعت حتّى التفكير في هذا والتضحية بما ذهبت أرواح أسلافي فداءً له!

على مضض انهيت صراع نفسي وتنهدتُ بقلّة حيلة، وسريعاً وجّهتُ نظري لجونميون الذي يقف باستقامة مقابلاً لي وإلى جانبه جونغسو أما باقي مستشاري العرش وقفوا مرادفين ليساري ويُمناي

ودون مقدمات صدح صوتي يتردد في أرجاء القاعة
"بلا أيّة تنصّلات هذه المرة، كُلّ شيء وبالتّفصيل"

تحمحم جونميون قبل أن يرُدّ برسميّة
"جلالتك، كُنت معنا وفي طَليعة جيشنا لمحاربة جيش أوليڤر، شهِدتَ كل شي قبل أن ألفاك مغشياً عليك تبيّن لاحقاً أنه إثر جُرحٍ عميق كان على مقربةٍ من قلبك، في صدرك تماماً، حاربنا ببسالة كما أمرتنا وإن لم تأمر كما عهدتنا دوماً"

استلّ نفَسَه وبأسفٍ بائنٍ استطرد
"كُنتُ بين خيارين أحلاهما مُرّ، إما الإنسحاب من أرض المعركة والإسراع بأنتشالك من على الأرض حفاظاً على حياتك وإمّا الذّود عن مملكتنا حتّى أخر نفس واحد منّا"

ابتسمت وما كان في تلك الابتسامة من المتعة شيء، غضبٌ على نفسي وعليه وعلى الجميع يستعر في جوفي
"وأنت طبعاً فضّلت الانسحاب! من بحق الجحيم منحك هذه الصّلاحية؟ لا.أحد!"

نهضت من على كرسيّ العرش وسرت تجاهه لا يفصلنا إلا بضع خطوات؛ لأحصل على نظرة أقرب لعيناه فأخبره بمدى غضبي ونقمي عليه

رصصت على أسناني واشتدّت قبضتاي فيما علا نبْر صوتي "أنت تعلم ماذا يعني شرف المملكة شجاعتها وكرامتها بالنسبة لي ولأجدادي ومع ذلك ألقيت بهذا كلّه عرض الحائط وفعلت ما يحلو لك! ما ظننت أنّه صائب في نظرك وأنت حتّى لست بملك ولا حقّ لك بهذا مع أنني أشرتُ عليكم جميعاً قبل بدء المعركة أن لا خلاص منها إلا بالموت!"

وكأنما كنتُ أُطريه لا طأطأ رأسه ولا بدا عليه من التأنيب مقدار ذرّة بل على عكسي تماماً أجابني بهدوء
"لم أفعل...لن أُنكر كان هذا خياري الوحيد المتبقّي والذي عقدت العزم على اتخاذه رُغم معرفتي بكل ما نبست به منذ قليل جلالتك، إلّا أنّ الخيار كان لجيش أوليڤر ليس لنا"

دحجته بنظراتي ليُكمل واحتلّ في نفسي التّعجب

"لقد سمح لي أوليڤر بأخذك رُغم الفرصة السانحة تماماً لقتلك، وأنهى المعركة قائلاً..."

صمتْ علمت تماماً أن ما يليه لن يعجبني، لن يعجبني البتّة

لم أرى جونميون يوماً في حياتي متردداً بهذا الشكل

بغلظة أمرته "جونميون أكمل"

"لقد قال لا حاجة له بمملكتنا إذ ليس فيها ما يستحق عناء جيشه وتضييع وقته، وأنّ جيشاً كجيشنا لا يستحق أن ينال الشرّف بمحاربة جيش سينثيا، وكملكٍ رحيم سيعفو عنّا ويسمح لنا بالتراجع و..-"

"اخرجوا" أخرجتها دون أي تعبير يذكر

ما عبأت بشيء سوى أن لا يرى أحد منهم حالة الانكسار والهزيمة اللي ستنهشني بعد قليل

تحت نظراتهم المستفسرة انتأيت عنهم بظهري حتّى لا يروا تمكُّن العجز والبؤس على احتلال قسمات وجهي فيما واجهت الجدار المُزخرف مُقابلي

انتظرت حتّى انصرفوا جميعا في ثوانٍ معدودة
وصرخت ملئ جوفي

صرخت بمقدار شعوري بالمَهانة والذُّل
وبمقدار الخيبة والخذلان اللذان يطوقان هاجسي

لقد تعمّد أوليڤر فعل هذا، ليس رحمةً بنا ولا بضعف حال مملكتنا وجيشنا الذي لا أنكره ولكنّه أراد إذلالي
أراد أن يُحدث صدعاً في الثّقة التي أعتد بها في نفسي ولم يدري بأنه عمل على دّك أول مسمار في نعشها

أشعرُ باستحقارٍ كُليّ لذاتي، أنا لا أستحق هذا المُلك ولا هذا العرش المنتصب أمامي وبات صعباً رؤيته بسبب تلك الطّبقة المالحة التي تغطي مقلتاي وتأبى النزول

مواقف كهذه أتمنى لو أنني متُّ بدلاً من أخي أو أبي، وفي ذات الوقت أشكر القدر الذي سلبهما منّي لأنهما حتماً سيشعران بالعار لما صار عليه الحال بسببي
لن أحتمل نظرات اللوم والعتاب والخذلان التي سيرمقانني بها

أنا أوهن من هذا...

لقد اختفى كُلّ ما حاربا من أجله يوماً فداءً لهذه المملكة بسبب ضعفي وغبائي!

الآن أشُك برجولتي وهذا أصعب ما قد يشعره الرجل يوماً
وما يقتلني بأنني لا أجد مبرراً لأدافع عن نفسي ضد التُّهم التي أوجهها لنفسي والتي سرعان ما سيتهمني بها المجلس والشعب ولا لوم ألقيه عليهم للومهم لي
معهم كامل الحق!

أشعر بكل ما فيّ يضيّق أنفاسي ويكتمها تدريجيًّا وجُدران هذه القاعة الرَحِبَة تُحاصرني من كل الجهات

حتّى روحي تشعر بالقرف منّي وتوّد لو تغادرني ولا أظُنّني سأمنعها، هذا أقل ما أقدر على فعله بحقي وحق الجميع من حولي

لم أُخلق من أجل هذا ولستُ بأهلٍ له...

أوليس من العدل أن أن أُقيم العدل الذي سيحُلّ بخلاص الجميع منّي ومن تَبِعات حُكمي الفاشل؟

لن يكون صعباً على أُمي صحيح؟ لقد فقدت أغلى وأثمن الرجل ما مقدار حسرتها على فقداني سيكون؟

أوَ تحصيه السّنين؟ أظُنُّها أيامٍ معدوداتٍ وستلحظ أن غيابي كان أجدر من بقائي حتّى تنسى أمري بالكامل

ولا أظُنّ شعبي سيعانون زيادةً على ما يعانونه حالياً بالفعل...

المُغريات كثيرة وتحُثّني على الرحيل...وليس أيُّ رحيل بل الرّحيل حيث الخلاص الأبدي...
حيثُ أبي وأخي

تُرى هل يعلمان سبب قدومي؟ سيستقبلانني؟ أم سينبُذانني هما الآخران كمل ستنبذني السماء؟

جيّدٌ أنني تجهّزتُ بكامل لباسي الملكي،
فلأُخرِج سيفي من غِمده ولأحصل على الإجابة.



أركُضُ بقدر استطاعتي وبقدر ما تقدران قدماي على عَدْوِه، فلأذهب إلى أي مكان لكن المُهم هو الفَرارُ من هُنا

باغتني جونغ إن بصراخه ولم أكُن بموضعٍ يسمح لي بالتّفكير بماذا أو لماذا يُجبرني على الرّحيل أو لماذا يطلب الملك...بيكهيون قطع عنقي

وبمقدار تردد صور الأماكن والأشياء التي أمُرُّ بها أثناء فراري تتدفّق الافكار لعلقي وأجدني لا أستطيع تصديق الأمر أو أخذه ضمن حدود العقلانيّة

لا فكرة لي عن سبب فراري خارج القصر ومع ذلك سابقتُ الأرض من تحتي حتّى وصلتُ لذلك الخرْقُ في الجدار ولذتُ أخيراً بالفرار

نبرة جونغ إن تلك لم أسمعها من قبل...
التحذير الذي غلّف صوته دبّ الخوف في قلبي وبكل صدقْ ظننت أنّني فقدت هذا الشعور منذُ زمنٍ

هل أنا خائفة من الملك تحديداً وما سيفعله بي؟ أم خائفة من بيكهيون ومن أن أرى الخذلان والكُره في عينيه؟

سابقاً رمقني بالبرود الإستخفاف والغضب وأنا التي ما رأيت فيهما يوماً مذ عرفته سوى الحب والحنان اللذان لم أشعر بهما مع أحدٍ مثله، مع ذلك اعتدت الأمر رُغم أنه آلمني...وبشدّة

لم آبه للموت يوماً ولكنني خفت أن ينظر لي بعين الكره وفي تلك اللحظة حتماً سيكون فيها موتي وإن بقيت أتنفس وأحيا كباقي البشر

سأموت إن رأيت كرهه موجهاً نحوي، لم اعتد هذا قبلاً ولا أريد أن أعتاد

أحببنا بعضنا، خذلني وتركني، أنتقم منه جبراً لقلبي وكبريائي المهدورين ولكن لا نكره بعضنا هذا لا يجب أن يحدث

بقي رسيساً من الأمل في داخلي أننا سنستطيع يوماً تخطي ما حدث بيننا مهما بلغت الصعوبات، أعني ما العشق إن خلا من العقبات التي توضع في سبيل سعادة العاشقين الأبديّة؟

لسنا بأفضل من روميو وجولييت قيس وليلى!

لكن منذ وطأت قدماي القصر دأب بيكهيون..الملك على زرع هواجس الشكّ في نفسي أنّه ما عاد يحبني ولن يفعل وإن فعل سابقاً فلقد كانت فورة هوى شبابيّ عابِر...

وهذا ما زادني تصميماً وإصراراً أن أؤذيه كما فعل، فلا يظننّي سأضعف يوماً أخر كما ضعفت أيّاماً سابقةً أُخَر بفعل حبّه الغاشم

مع ذلك ما فعلت وما اكتفيت

اتّكأت بيداي على ساقيّ وبدأت ألهث من التّعب والرهبة الداخلية التي عبّأت جوفي

كوخ مارلين كان وجهتي الوحيدة التي طرأت على عقلي الذي يعُجّ بالعديد من الأفكار والذكريات

وفي حالة كان حراس القصر يبحثون عنّي لم أفكر بالأمر مرتين، ركضت نحوه وصلّيت ألّا يتم الإمساك بي

لاح باب الكوخ ودخان المدفئة المنبعث من المدخنة أعلى سقف الكوخ أمام ناظري فتوقفتُ قليلاً أضبط نفسي وتنُفسي وأُعدّل خصلات شعري التي تبعثرت جرّاء ركضي والتفاتي في كل حين

لا أريد أن أسبب لها الفزع لقد استحملت من جنوني ومشاكلي حتى الأن ما يكفي

سأمكث عندها بعضاً من الوقت لأنظم أفكاري وأرتب مخططاتي ثم أرحل ليلاً، أنا بالفعل أخاطر بسلامتها بتواجدي هنا

طرقت الباب كما العاده طرقة وقبل أن أثنّيها فتحت مارلين الباب وبان على ملامحها الفزع والوَجَل

هل يا ترى تعلم سبب قدومي؟ يستحيل هذا

"مرحباً" بهدوء استغربته انا بنفسي أردفت

التفتت مارلين تنظر لداخل كوخها وخمّنت أنّها لديها زوّار أو رُبّما زّائر وهذا غير معتاد فهي منزوية عن الجميع هنا في الغابة السوداء ولا علاقات لها مع البشر على حد قولها وعلى حسب معرفتي

عادت تنظر إلي وأخيراً ردّت "هيز أهلاً ما سبب قدومك؟ بالعادة الزيارة يفصلها عن زيارتك الأخرى بعضاً من الوقت هل كل شيء بخير؟"

هي لا تبدو طبيعية هذه المرّة، منذ متى تستقبلني أمام باب الكوخ وتسأل عن سبب قدومي؟

"نعم بخير أنا فقط..."

جمدت أطرافي وشُلّ لساني فورما رأيتُ والدي يقف بمحاذاة مارلين ويبدو عليه الغضب

بحق الجحيم ما الذي يفعله في كوخ مارلين !
بأي صفةٍ هو موجودٌ هُنا؟ هل يا ترى قاطعت شيئاً لهذا هو غاضب؟ لأنني اكشتفت ما حاول أن يخفيه ولقد نجح بالفعل لمدة لا أعلم زمنها!

إلهي أنا في دوامة من الأفكار المتلاطمة بدءاً من حياتي العاطفيّة والآن حياتي العائلية

أشعر بالسوء لأنني بتُّ أشِك حتى بوالدي! من أرى فيه الفضيلة متجسدة!

لا أريد أن أفترض الأسوأ ولكن افتراض النوايا الحسنة يعد حماقة واستغفالاً بحق نفسك، ولقد ثبُتَ لي صحة هذا في مواقف عدّة

أثق به كوالد وكزوج وأثق بحبه لأمي ولعائلتنا كما أثق بمارلين لكن...كل شيءٍ قابلٍ للحدوث وأُصلّي أن تخيب توقعاتي

"تعالي للداخل لا تقفي عندك هكذا"

أخبرني بهدوءٍ أعرفه جيداً، وأعرف ما يليه...نقاش حاد إن لم يتطوّر إلى شجار

نظرت لمارلين التي تنهدت بعمق ثم ولجتُ للداخل والحرارة المنبعثة من المدفئة وتملأ الكوخ بأكمله لسعت جلدي وأعلمتني بحاجتي للدفئ وبالصّقيع الذي كان يتلحّف به جسدي منذ فراري بهذا الفستان الرقيق

جلستُ مقابلاً له على الكرسي المهترئ الذي أحدث صريراً فور أن توسطتع، ولفضولي وانعدام صبري في هذه اللحظة سألته على الفور

"ماذا تفعل هنا؟ كيف تعرفان بعضكما؟"

"كنت قد ظننت بأنّك ناضجة لكنّك بالفعل تثبتين أنّك في الحقيقة مجرد طفلة متهوّرة مُبَعثرة الأفكار" بصرامة صفع سؤالي الموجه له بعرض الحائط ولا علم لي أهو ردٌّ على سؤالي أم تعميم منه بشأني وبشأن أفعالي الطفوليّة بالفعل التي قمت بها منذ قراري بالعمل في القصر

هو دعمني ولم يعارض ولا علم له بتلك الأفعال، يعلم جيّداً مدى نضجي الذي أظهرته منذ نشأتي إذاً لمَ هذا الكلام؟

نظرت لمارلين أتبيّن ردّة فعلها وأحاول معرفة فيما إذا قد قامت بوشايتي وكأنها فهمت الأمر فنفت برأسها تهزُّ يمنةً ويسرة

ببرود دافعتُ عن نفسي ودحضت ما ألصقه بي من أمرٍ مُشينٍ ومهين بالنسبة لي "ماذا تقصد؟ أنت لم تتحدث مسبقاً معي بهذا الأسلوب ومتأكدة لم يشكوني ويشكو أفعالي شخصٌ ما لك فما الذي حصل؟"

وقبل أن أنسى وتتغيّر دفّة الحديث لوجهةٍ أخرى أعدتُ سؤالي بحدّة
"ثم أنت لم تجبني يا أبي بعد، ماذا تفعل هنا وما صلتك بمارلين؟"

تأوه وأجاب "كفاكِ غباءً هيز، إنها أختي"

قالها بتهكّم مفضوح وما صمت ثانية حتى أكمل بذات النبرة "والدتك كانت ستكون هنا معي لولا أنّها مشتاقة لييشينغ ولم تستطع تركه وقد وصل بالأمس، تعرفين كم تصبح دراميّة حينما يتعلق الأمر بكما"

اليوم لم يبدأ بطريقة صحيحة وأيّاً مما يحدث معي منذ الصباح صحيح، دوّامة هي الوصف الأدق لكل ما مررت به حتّى الأن

كيف يعقل أنّها أخته! هي مشعوذة تمقت الناس ويرهبونها هذا ما هو معروفٌ هنا، وهو اللورد دانييل ويلسون من كبار طبقة النبلاء البرجوازية في المملكة إذن بحق المسيح ما الذي يحدث هنا؟

ثم ييشينغ قد عاد وحتماً علم بغيابي فماذا فعل حيال الأمر؟

الألم في رأسي لا يُطاق وأشعر برغبة قاتلة بالبكاء لكن ليس أمامهما حتماً لن أفعل إذن كيف السبيل للراحة؟

جنود القصر حالياً يجوبون المملكة بحثاً عنّي، الملك يريد قطع عنقي ولا أعلم السبب، تركت كاث خلفي والرّب أعلم بحالها الأن، وها قد فجعني والدي بوجود عمّة لي جهلت وجودها طوال سنواتي التسعة عشر

أتمنى الموت في هذه اللحظة بأي طريقة لعلّني أنعم بالراحة التي هاجرت أرضي منذ زمن

أريد الخلاص من الحيرة والأسئلة التي تشُدّ وتجذب عقلي بجميع الاتجاهات والغصّة المتكونة في قلبي وتضغط عليه في كل حين بألم

عيناي تشتعلان غضباً لستُ آبه من يجلس أمامي والدي أو أيّا كان، لقد شعرت بنوعٍ من الخذلان

لمَ كذب علي؟

هل أخفى الأمر عن ييشينغ أيضاً أم أنّ الأمر تمّ إخفاءه عنّي فقط؟

"كيف؟"
بغلّ وهمس نبست وحاولتُ تمالك أعصابي قدر الإمكان قبل أن أقلب الكوخ رأساً على عقب
وأول المتضررين ستكون مارلين "عمتي" ويا لسخرية الأمر!

لقد وثقت بها، شاركتها جميع أسراري التي لم أشاركها حتّى مع كاث، ما كان يضرّها لو أعلمتني بالأمر؟!

ما كان يرتسم على وجهه من غضب قبل قليل قد تلاشى وحلّ محله الحذر ونوعٌ من الندم..ربما؟

بالطّبع فهو الأن في موضع الإتهام بعد أن أتهمني بالطفوليّة والعابثة

يا لسرعة تغيّر المواقف والأشخاص الذين يوضعون فيها

بملل برّر "الظروف لم تسمح"

"لا تتعذر بهكذا عذر سخيف أبي! ظننتك أفضل وأصدق من هذا"
ختمت كلامي بابتسامة سخرية ألمتني حتّى استطعت صنعها، وجهي متشنج بالفعل ولا أدري أيّاً من المشاعر التي تعبث بداخلي حالياً يجب أن أرسم على وجهي

تنهد ومسح بيديه على وجهه "هذه الحقيقة...حدثت بعض الأمور سابقاً حتّمت علينا إخفاء الأمر وتعريضنا لهذا الموقف الصعب عليّ كما هو عليكِ!"

يحاول وضعي وإيّاه بنفس الكفّة بيد أنّ المتضرر الوحيد هنا هو أنا! عبثاً يحاول مع ذلك سأعطيه الفرصة للتبرير لأن منطقي يُرغمني على هذا، لم أكن يوماً من المتسرعين في اتّخاذ القرارات أو الأحكام ولن أكون

كما أنه أبي وأنا أحبه، لم ولن أكرهه على ما فعل لكنّني سأغضب ولربّما سأقاطعه أيضاً هو ووالدتي وييشينغ إن كان متورطاً بالأمر لمدة لا أعلم زمنها

حدّقت به بجمود وبادلت نظراتي مع مارلين التي ما زالت تقف وتشدّ على شالها الصوفيّ وتتحاشى نظراتي

" لقد بلغت الثامنة عشرة منذ مدة بالفعل ألا تظن بأنني بالسّن المناسب لإخباري؟ أنا لستُ طفلة أنا فردٌ من هذه العائلة أم ستختم توليفة الأسرار هذه وتخبرني أيضاً أنني لستُ من لحمكم ودمكم؟"

ما قلته أخِراً كان تهكّماً رغم ذلك خفت أن يؤكد الأمر، هذا ما ينقص ليكتمل هذا اليوم شؤماً

نهرني والدي "هيز أنتِ تبالغين! توقفي عن هذا حالاً"

بلا مبالاة هززت رأسي "محق أعني ما المهم بشأن معرفتي بوجود عمّة لي لم أرها طيلة حياتي وحينما تعرفت عليها ما عرفت عنها سوى أنها مشعوذة منبوذة؟ أعتذر على مبالغتي والدي العزيز"

لعن والدي باستياء وحينما فرغت من صبّ جام سخطي عليه وجهت حديثي للواقفة بجانبه أمامي وبقدر استطاعتي حرصت على جعلها تشعر بمقدار خيبتي التي لي سببتها

"لقد وثقتُ بكِ! أنتِ لن تقتربي منّي مجدداً أعدكِ بهذا أيّتها العمّة"

"أعطني فرصة هيز لا تتسرعي بالحكم س.."
ربما في وقتٍ أخر مارلين لكن ليس اليوم، أنا ناقمة على الجميع

ولقد انتهيت من هذا الهراء، استقمت وعزمت على مغادرة الكوخ ولا أظنني أملك مكاناً أخر أئوي إليه سوى قصر عائلتي، لكنني لا أضمن أن لا أجد حراس القصر قد سبقوني إلى هناك بالفعل، فبيكهيون يعلم بهويتي مسبقاً
ومع ذلك سأجازف بالذهاب

ضممت ذراعاي بعضاً إلى بعض لأتأهب لموجة البرد التي ستضرب أطرافي بعد قليل فور خروجي من الكوخ

وسط صيحاتهم بإسمي خرجت وصفقت الباب خلفي بقوّة

أنا مُنهكة، مُشتّتة جسديًّا فكريّاً ومعنويّاً وأمنيتي الوحيدة هي الموت بكل صدق...

لا أجد أيّ سبب يحثّني على العيش، لقد انطفأت طلاوة الدُنيّا وحلاوتها في عيناي وبات يُغشّيها الرّماد فقط

أشعر بالشّفقة على نفسي وأشمئز منها

أكره أن يتم استغفالي كما وأكره أن تتم معاملتي كما لو أنني بلهاءٌ ما، وما زاد الطّين بِلّة أن من فعل هذا هم أقرب الناس إلي...عائلتي

لشدّة غضبي لم ألحظ إذا ما يملكان الشقيقان العزيزان ملامح متشابهة، لا أظن ذلك وإلّا كيف غاب عنّي ملاحظة هذا

الأن علمت كيف استطاعت مارلين معرفة ظروف زواجي فور أن لجأت لها لقتل ريتشارد

لقد استغفلتني واللعنة! كان تعلم من أنا وجميع تفاصيل حياتي استدرجتني للوثوق بها وللتقرّب منّي والأسوأ أنني افتُتنتُ بها صدّقتها وسمحت لها بكل سرور!

لكن لماذا؟ هي لم تشِ بي لعائلتي إذن لمَ؟

لولا وجود والدي بالداخل لحظيت وإيّاها بجلسة استجوابٍ طويلة لن تفلت منّا إحداها سوى بالموت

كشف الحقائق وإبعاد الإبهام عن الأمور هو الأهم، لقد اكتفيت من كذبات الجميع التي يلقونها على مسامعي وأضحت تشعرني بالحماقة

مترددة بالذهاب لقصر عائلتي، إن رأيت أمي وييشينغ لا أعلم كم سألبث قبل أن أجُرّهما لطاولة الجدال فيقلب ييشينغ الطاولة عليّ ويجادلني بشأن ذهابي للقصر

حتماً هو غاضب الآن، وأبسط ما أفعله الأن هو تخفيف وطأة غضبه بتوجيه غضبي أنا الأخرى نحوه

زفرت بيأس وقلت حيلة وحركت قدماي بغية التوجه للقصر لولا أن جذب سمعي صوت صرير باب الكوخ يُفتح ثُم يغلق وصوت تلاه

"جيّدٌ أنني لحقت بكِ، سنذهب معاً"

أيظن أنه يستطيع محادثي كما لو أن شيئاً لم بحدث بهذه السرعة! مُخطئٌ أنت يا والدي

"أترى تلك المشعوذة نظرت لكرتها السحرية وأخبرتك عن وجهتي؟"

أقترب منّي ووضع كفاه على كتفاي وقبل أن أنشز بعيداً عنه قال بهدوء "يكفي حقّاً هيز! لم تعد المشعوذة بعد الأن، بالنسبة لك هي عمتك لذا أظهري بعض الإحترام وإن استعصى عليكِ الأمر لا أطلب منك تقبّل الأمر بهذه السّرعة لكن على الأقل لا تقسِ عليها...رجاءً"

شيءٌ ما في نبرته تلك ومضمون حديثه جعلني أشعر بالشّفقة نحوها ولستُ أعلمُ لمَ، لا يجب أن أشعر على هذا النحو هي كاذبة خدعتني والقسوة منّي تجاهها هي أقل ما تستحق لكن نظرات والدي الغامضة كذلك
زادت من شكوكي يقيناً

جعدت ملامحي ودفعت بيداه بخفّة بعيداً عنّي
"لا تتحدث معي لستُ أُسام.."

قاطعني بتعب "بالله عليكِ متى أصبحتِ ثرثارة بهذا الشكل! يكفي الأن فلنؤجل حديثنا فيما بعد"

شددت على أسناني وتنهدت للمرة التي أجهل عددها هذا اليوم لكنني أجزم أنها تخطت المئة

وما بين كبريائي الذي تبعثرت أشلائه منذ زمن وبين حاجتي للمئوى الفوري رجحت كافة الحاجة وسرت معه  للقصر ولقد حرصت على أن تفصلنا خطواتٍ ليست بقليلة.




التحضيرت لعشاء اليوم تسير على قدم وساق
نحن نحرص على أن نستقبل ضيوفنا بأبهى الطُرق وأفخمها حُلّة

لا لشيءٍ سوى للمحافظة على سمعة كرم مملكتنا وغِنى خيراتها وإلّا فالضيوف ليسوا بتلك القيمة أصلاً

وكذلك أنا، لقد أعددت نفسي جيّداً لكن للحق فالسبب الرئيسي كان قدوم هؤلاء الضيوف الغير أعزاء إطلاقاً

مرت مُدة ليست بالقليلة منذ أخر مرّة جمعت بيننا
إن قلت اشتقت سأكون لا شيء سوى كاذبة كبيرة

أنا وبكل صراحة مع نفسي أمقت كل لحظة من تلك الفترة في حياتي وأعمل جاهدة على نسيانها ونسيان من فيها بعد سداد ديني عليهم

لم أنسى...

والأن بعد مرور هذه الفترة وتبدّل الأحوال لا أشعر إلّا بالرضا الداخلي وبالقوّة!

القوّة التي بها استرددت كبريائي وبأسي المفقودين بفعل فاعلٍ غاشم مرّغت بقوّته ورجولته أرض المعركة وعلى مرأى جيشه وجنوده

أنا أبتسم الآن كما لم أفعل منذ فترةٍ طويلة،
الانتقام شيءٌ عظيمٌ بالفعل، كالنبيذ كُلّما عُمِّر زمناً كُلّما ازداد لذّة

لكنّ الأمر لم ينتهي بعد...

القليل فقط وسأضع نقطة النهاية لإنتقام هيز من معشوقها المُتخاذل جلالة الملك بيكهيون، ومن يعلم لربّما تكون هذه النقطة نهايةً لحياته أيضاً؟

صففتُ شعري وارتديت فستاني المتفحّم وبالكحل رسمتُ منابت أهدابي، ثم بعض المسحوق القاني لتلوين شفاهي

بالعادة الوصيفات هُنّ من يساعدنني على تجهيز طلّتي لكنني حرصتُ اليوم على أن أتجهّز بنفسي تقديراً لذاتي التي صابرت حتّى هذا اليوم لتشهد على انتصارها هذا

كما حاربت لوحدي سأجهز نفسي لوحدي من أجل أستقبال الضيوف

وضعت التاج المتواضع الذي يلح علي أوليڤر لإرتدائه واستكملت زينتي

لستُ الملكة بعد ولست من أميرات القصر لذا لا أرى أي جدوى من ارتدائه لكن أوليڤر يُصرّ، ولم أجادله

هو بسيط المظهر لكنّه مثالي، مصقولٌ بالذهب الأبيض وزادته تلك الأحجار الصغيرة من الياقوت والمرمر التي تتشكل حسب خطوطٍ منظمة جمالاً وروعة

جُبت القصر أتأكد من التجهيزات، أوليڤر يثق بي من هذه الناحية بل إنه يدع كامل الأمر لي حتّى ريثما ينتهي من اجتماعه مع مستشاريه

المائدة جاهزة، مُعدّة بألذ الأطباق من الحلويات والمأكولات وشتّى أنواع الفاكهة التي أنا على تمام المعرفة بأن إيڤانيس لا تُنبت أرضها الجرداء مثلها حالياً

فلنطعم عزيزنا بيكهيون جيّداً اليوم..!

الخدم والحُراس يقفون بصفوف منتظمة كُلٌّ حسب موقعه
جيد، وها قد ظهر أوليڤر أخيراً من باب قاعة الطعام الذي توّاً انقشع

ابتسم لي فور رؤيتي وأقترب يضمّني بلطف
"هيز رائحتك جميلة"

بادلته الاحتضان وربّت على ظهره بخفّة
"كذلك أنت، تبدو وسيماً اليوم بالمناسبة"

انتأى عنّي وحطّ بيداه على عضداي وزادت ابتسامته
"سأتغاضى عن تصريحك المُبطن بأنني لستُ وسيماً في العادة"

تأوهت بقلّة حيلة "أوه أوليڤر لا تتصرف كالفتيات أنت تعلم ماذا أقصد"

قهقه باستمتاع وشدّ على عضداي
"همم أعلم، المعذرة منكِ آنستي لم أكن على علمٍ بمزاجك الغير مرحب بأي طريقة للمزاح"

نفيتُ برأسي سريعاً وبادلته الابتسام
"الذنبُ ذنبي، أحاول جاهدة لتغيير عادة تقلّب المزاج هذه لذا اعذرني"

وبدلاً من أن يرُد عاود احتضاني ومسح على شعري الذي كنت قد رفعته مسبقاً وكذلك أنا فعلت معه المثل

صدح صوت الحارس القادم من الخارج
"المعذرة جلالتك، لقد وصلوا الضيوف من مملكة إيڤانيس"

تشنّج جسدي وزادت نبضات قلبي حتّى باتت تؤلمني

لم يكن حصول هذا التأثر بالحسبان، مُطلقاً

أفكار عدّة راودتني ومناوشاتٌ بين عقلي وعقلي، هذه المرة لا مجال للقلب أبداً

حسمت الأمر وتوجّهت مع أوليڤر لنستقبل الضيوف أمام بوابة القصر الخشبيّة العملاقة ومع كل خطوّة تزداد سرعة نبضاتي حِدّة

لحسن الحظ لم يلحظ أوليڤر أيًّا من هذا

وقفنا بمواجهة الباب، ضمني أوليڤر نحوه ووضع يده حول خصري ثم سريعاً وقف كما يجب لملك مثل هذه المملكة العظيمة أن يفعل، رافعاً ذقنه ورأسه عالياً وملامح الهدوء بانت على محياه

سريعاً فعلت المثل، حاولت التهدئة من روع قلبي وارتجاف جسدي وتأهبتُ للمواجهة

لقد انتظرت هذه اللحظة منذ مدّة إذن ما الذي يحصل الآن؟! تماسكِ هيز!!!

هذه اللحظة المصيرية المُنتظرة، هُنا حيث يبدأ الفصل الجديد من قصتنا التي لم تكتمل بعد

الفصل الذي لا يمحي الحب بل يضع الراء وسطاً ويُزّينه بحروف الإنتقام المُنتظر

منذ هذه اللحظة ابتداءً بفتح الباب على مصراعيه و...
ظهوره أخيراً~





يحق لكم السب والستم والتبليك😔
أكثر من شهرين أظن صح؟

توقعت لو غبت محد بيفتقد الرواية بس تفاجئت بكثير من المتابعات اللطيفات الوفيات اللي استمروا يسألوني عنها وللصراحة سابقاً كنت مفكرة اوقفها مع انشغالي بس بسببكم اوعدكم بالاستمرار، شكراً لكنّ جداً🌸

أتمنى تركزون بهذا الفصل وتفهمون الحوارات الداخلية للشخصيات عشان تفهمون الرواية وسير أحداثها أكثر

الأحداث رح تزداد حماس وحرارة وارجع اقولكم فيه صدمات كثيرة بتتلقونها اولها ظهرت اليوم انه مارلين عمّة هيز، وبالنسبة للأشياء المبهمة فهذا هو المطلوب عشان تتوضح لكم بالفصول القادمة

لا ضمانات، لكن بحاول قدر إستطاعتي التحديث بشكل أسرع هذه المرّة وعد، دُمتُم بود💙

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top