- الْفَصلُ الحَاديٰ والعُشرونْ -

𝗖𝗔𝗟𝗟 𝗠𝗘 𝗛𝗜𝗦
♔نادِني مِلكَه♔

.
.
.
.
.
.
♕♕♕♕♕♕♕♕

تعالَى ضجيجُ المُهنئين من حَولنا، بين تصفيقٍ وهُتافاتٍ حَمَلَت الأماني للمَلِك، والرّفاه والسعادة في حياتِنا الزّوجية المُقبِلة، وأُخرى كانت مختَلفة...

تلك، كانت من جونغ إن وباقي الرِّفاق القُدامى الذين جَمَعتني وإيّاهم العديدَ من المُغامرات، وأيّام الطّيش الصِّبياني قبل أن نَكبُر ويلتفت كُلّاً مِنّا لمسؤولياته، فجميعهم كانوا من طبقة النُخبة وآن الأوان ليحمِلوا عاتِق مكانَتِهم النّبيلة على أعناقِهم بدلاً من أبائِهم

فيما أنا أصبحتُ الملك، شيءٌ ما كان ليتوقعه بيكهيون الشّاب آنذاك ولا حتّى أصدقائه، بل إنّه حَمَل شعوراً بالإرتياح لكونه الأصغر ولن يضطر لتولّي مسؤوليّةَ شعبٍ بأكمله، ومساحةً شاسِعةً من الأراضي...إيڤانيس

ولكن، للقدر تدابيرُ أُخرى كما هوَ الحال دوماً..

"جلالتُك، احتفظ بمجهودك لاحِقاً!"

بُغية الإغاظة والتّهكُم نَبَس بها أحد الأصدقاء رِفقة جونغ إن والبقيّة مُغلِّفاً إيّاها بصيغة الإحتِرام الزّائِف، بعد أن طالت قُبلَتُنا وصدرت حمحمة حَرِجة من الأب الذي ما يزال يقف بجوارنا

ابتعدتُ عنها مُتنفِّساً بهدوء حتّى لا تَلْحظ مدى تأثير هذه القُبلة عليّ، عكسها هي التي استطاعت بعدَ بُرهة تنظيم تنفُّسِها والنّظر لعيناي بجُرأةٍ وتحدي كما لو أنّهُ لم يحدُث شيء

فيما ما تزالُ يداي تكوِّب وجهها مسحتُ بإبهامي على شفاهِها في تصرُّفٍ عفوي، ثُمّ التفتُ نحو الجميع مُمسِكاً بيدِها نسيرُ في ممر الكاتدرائية الذي يتوسط مقاعِد الحضور على الجانبين وأودى بِنا إلى المذبح، لنتَّجِهّ خارِجاً نحو القصر، حيثُ الإحتفال الكبير الذي أُعِدّ ولم يكن لي في إعداده يَدْ

الجميع سعيد، حتّى والدتي...لم تَكبَح ابتسامتها التي قابَلَت عيناي حينما أبْصَرَتها أثناء خروجي من الكاتدرائية، ظنّاً منها بأنني بالفعل واقعٌ في الحُب كما أخبرتُها وأسلَفت،

مهما أبْدَت من العِناد والرّفض علِمتُ بأنّها ستَلين، حينما تراني سعيداً مع الإمرأة التي أخترت...قليلاً لو تعلم

المّسرحيّة التي ألّفت وأُحَرِّك مُجرياتها تسيرُ حَسَب تخطيطي ...وهذا الأهم

أفتَرَقت يدانا التي أرتَبَطت لمُدّة غريبة على كلينا غير مُعتادة، في قاعة الإحتفال، حيثُ هيَ معَ عائلتها تُرافِقها المَلِكة لتُعريفها على شُركائنا وأصدقاء القصْر من اللوردات، الدوق وبعض الكونتيسّات فتندمج في وَسَطِنا بسهولة واعتياد

فهي وإن كانت إحدى الأرستقراطيين في مُجتمعنا، هُنالك بعض الإختلافات والبروتوكولات المُخصصة فقط للعائلة المالِكة، والأن وقد أصبَحَت مِنها لن تتدَّخِر أُمي أيَّ لحظة لتقنينها وتعليمِها إيّاها

أما أنا فقط سِرتُ نحوَ الرِّفاق القْدامى، وتحديداً الفاسِق جونغ إن~

"اوتش! كرّرها وسأُخبِرُ عمَّتي الحبيبة، وهذا تهديد"

وَكَزتُهُ بكوعي مرّة أُخرى مُبتَسِماً أحمِل على وَجهي أَمَارات التّحدي، للمُخادِع أمامي، لم تكن وَكزةً بتلك القوّة حتّى!

"بجديّة بيكهيون لمَ تكْرَهُني؟ أَوَلَستُ قريبُك المُفضّل؟" رَفْرَف بعينيه مُدّعيّاً الّلُطف

رفعتُ حاجبي مُستَفْهِماً بادّعاء أنا الأخر
"أوَتَقصِد قريبي -الوحيد-؟ ولا لستَ المُفَضَّلْ"

ملّس خُصيلاتِه قائِلاً بنبرةً غاوِية، ليست بغريبة من  جونغ إن الّلعوب
"كاذب، تَملِك العَديد من الأقارب الفتيات"

قلبتُ حدقتاي تعقيباً على سخافة ما أردف به الأحمق
"هل تعُد نَفسَك ضِمن الأقارب الفتيات" مُشدّدًا على "فتيات"

"بتصرفاتك هذه" مُشيراً لنبرته وإيماءات يده
"ستجعل الأمر أسهل وأكثرَ واقعيّة"

غصّ بمشروبه الذي كان قد احتسى رشفةً منه فيما أتحدث

"هاي! إسأل فتيات نيس عن أمجاد الرّجل الواقِف أمامك أيُّها الغيور"

هززتُ كتِفاي مُحتسياً من مشروبي
"لن أفْعل، بالكاد أستطيع التملّص من حقيقة أنّك قريبي، لذا سأستمر بتجاهلك وادّعاء أنني لا أعرفك"

تشدّقَ بسُخرية "هه إذن لمَ تُحادِثني الأن؟"

وضعتُ كأسي على الطّاوِلة المُحاذية مُستهِلّاً الحديث
"شكراً لتذكيري"

وكزتهُ بشِدّة هذه المرّة مُتغاضيّاً عن صيحته المُزيفة وهممتُ بمغادرته لولا أن نبس بخُبث:

"ما كان ذاك؟ في الكاتدرائية...أوحسِبتَ لوهله بأنها إحدى جلساتِنا الليلية القديمة حيث نتبادل الأحاديث ونُلقي الدُّعابات المُغرِضة التي تفتقر للأدب عن الفتيات؟"

ضحِك ملئ صوته، كما لو أنه ليس ذات الشّخص الذي تباكى ألَماً قبلَ قليل

"أوووه هل أحرجتُ قريبيَ القصير؟" بنبرٍ لطيف مموِّجاً الأحرف التي تلْفِظُها شفتاه يُحادِثني كطفلٍ في الخامِسة فيما يُمسِّد وجنتي

مرّرتُ حدقتاي على وجهه ويده المُتسمّرة على وجنتي قائلاً بذات نَبْرِه اللطيف

"سيُريك القصير ماذا سيفعل إن لم تتوقف عن تصرُّفاتِك الهوجاء هذه"

أفلتَ ضِحكةً أُخرى مُستخفّاً بما أردفت، مُبدِلاً الكأس في يده بدلاً من وجنتي

"وشيءٌ أخر" تمهلتُ قبل أن أُكمِل مُدرِكاً بأن لا جدوى تُذكر من تحذيري له، بيد أنني أصرّيتُ على أن أفعل
"لا تنعتني بالقصير مرّةً أخرى"

  رسَم الجديّة على مُحيّاه قائلاً بحدّة أثارت استغرابي "حسناً" قبلَ أن يُتبِعها بـ" أيُّها القصير"

تهيّأت ضحكته للانبلاج مرّةً أُخرى قبل أن يَعدِمها ويضع تِلك التّعابير العَبَثيّة التي حِفِظتُها أنا عنه دوناً عن الجميع، غمْزَة ونِصف ابتسامة وعينان تجولان للأسفل والأعلى ببُطئ

مُمعِناً نَظَرَهُ على القادِمِ من خلْفي، ورُغم عدم التفاتي لكنني استطعتُ تخمين المقصود من فَحوى حديثِه

"الفاتِنة أتَت، يا لحظّي لقد أصبَحنا عائِلةً واحِدَة!"

-هيز-

"جونغ إن" صاحت باسمه والدتي بهدوء فسُمعَته الشّائبة معروفةٌ لدى الجميع، مُسببةً توتّره لتصحيح ما قال، فيما يتقدم لاحتضانها

"لقد قصدتُك أنتِ يا فاتنةَ كُلّ الأزمان، الّلعنة كيف تُصبحين أجمل مع تقدُّمكِ في السّن"

"جونغ إن" هذه المرّه كانت الصيحة باسمه من قِبَلي أنا، قاصِداً جَعْلَهُ يقوّم لهجته التي يُحدّث بها والدتي، بعد أن لعَن في حضرتها

عقَدَ ذراعاه قائلاً بانزعاجٍ بائِن يُنافي روح الفُكاهة التي تتلبّسهُ دائماً

"إلهي! أعلم بأن إسمي مثيرٌ للغاية لكن توقفوا عن مناداتي، الأمرُ يصبح مِزعجاً"

قهقهت والدتي تضرِبُ كتفه بمُزاح ليُعاود الإبتسام سريعاً ويُشدّد من احتضانها جانبيّاً بذراعه

"الأمير جونغ إن! لقد تغيّرت...أصبحتَ أوسم" ضحِكت بخفوت على تعابيره الرّاضية بالمديح الذي تلقّاه

تسرّب صوتها الذي التَحَف النّعومة، نبرٌ أفتقدهُ صوتُها المُشبّع بالبرود والتحامُل منذُ مُدّةٍ طويلة، إلى أُذُناي

"الفاتِنة تمتَدِحُني، هذا فوزي الكبير لهذه الليلة"

ضيَّقَت والِدَتي عيناها على كلاهُما، قائِلةً باستغرابٍ واضِح

"أتَعْرِفانِ بعضيكُما؟"

لَحَظْتُها تحاول التفوّه بردّ بيدَ أنّ شِفاهَها تنطبق باستسلام في كُل مرّة، قبل أن أُقرِّرَ أنا التّدخل ليس من أجلها بل لأجل ألّا يُرفع السِّتار عن مسرحيتي التي تحتل هي فيها الدّور الرّئيسي

"لقد -"

"حبيبة بيكهيون الأولى والوحيدة!" اتّسعت عينيها باندهاش ما تعنّت مُحاولةَ إخفاءِه، فيما يُكمل جونغ إن الحديث بحماسة بلهاء غير مَحسوبة، عكسَ رغبتي تماماً

"ما زلتُ أذكرُ المرّات العديدة التي تخلّف فيها عن الحضور لمرافقتنا، مما دَفَعني للَّحاقِ به في محاولةٍ منّي لكشفِ لُغزِ تغيُّرِه المُفاجئ خاصةً وأنّهُ قائد فيلَق العربَدة- أقصد...قائد مجموعة الرِفاق والمسؤول عن تحديد الوجهات التي سنتوجّه إليها والمغامرة التي سنخوض"

مُتجاهِلاً وِشايته المقصودة بي وعَثْرَته المُتعمدة في الكلام التي ادّعى تصحيحها من فورِه، ترقّبتُ ما هو مُقبِلٌ على فضحه أكثر، أمام والِدَتي

تابع الحديث مُستمتعاً بالأعين المُهتمّة والمشدودة نحوه

"قبل أن يَستشعر الوغد تلَصُّصي عليه، ويحتجِزني في إحدى ممرات الطُّرق التي أظْلَمها الّليل وأخلاها من البشر، وهناك هدّدتُهُ بأنني لن أعْتِقه وسأخبر والدَهُ بسلوكه المشبوه إن لم يُصارحني بالحقيقة وفَعَل...بعد تردُّدٍ كبير"

ضحك مستمتعاً "ربّاه! ما زلتُ أذكر عيناه العاشِقة فيما يتحدُّثُ عنها وابتسامته التي فَضَحَت لأيِّ حدٍّ غارِقٌ هُوَ"

ذلك الفاسِق! سأُقطّعهُ أشِلّاء!

لَمَعت عينا والِدتي بشيءٍ ما استطعتُ تفسيره، وعمداً تحاشيتُ نظراتها هي المتفاجِئة والجَفِلة التي أشعرتني بالعارْ والخَجَل...

العارْ لأنني أحببتُها مسلوباً للعقل ذات يوم، وهي لا تستحق، بتاتاً...لم أرَ حقيقتها البَشِعَة آنذاك..عُمِيتُ عنها كُليّاً!

والخجل، لأنّ ذلك الأحمق أفسد سُمعتي وهيبتي أمام والدتي، وفَضَح حُبّي الذي أنكرتُهُ دوماً حينما كانت بهِ تُذكّرني وتواجهني، أمامها وبِلا حاجةٍ منّي للتأكيد أو الدّحض...شاهِدٌ عَيان على ذلك البيكهيون كان كافٍ

وذلك الشّاهد حدث أن يكون للأسف، جونغ إن

أزالت التوتّر والغَرَابة اللذان احتلّا الأجواء المحيطة بنا والدتي قائلة

"حان وقتُ الرّقص"

وكأنما استشعرت رفضيَ القادم، مُذكرّةً إياي
"هذا بروتوكولٌ أساسي، لا تستطيعان التملُّص"

تستطيعان؟ هل أبدت تعابيراً للرفض هيَ الأُخرى؟

أومئتُ بقلّة حيلة، فيما انسحبت والدتي ترافقها هيز نحو ساحة الرّقص مُستغلّاً أنا الفُرصة لتأديب الفاسِق

مُهسهِساً بحدّة "هذا بعضٌ من كُلٍّ آتٍ حينما ينتهي الحفْل، أيُّها الـ...أما استعطتَ إبقاء فمك الثرثار مُغلقاً؟"

الحقيقة أنّ ما أفشاه جونغ إن أسدى لي خدمةً كبيرة بإقناع والدتي بحقيقة علاقتنا، حتّى وإن وضعني هذا بموقفٍ حرِجٍ غريب أمامها

ما أثار حَنَقي هو مُغالاتُهُ وتساهله بمُداعبتها، هي زوجة الملك مُنذُ الأن فصاعِداً وأنا معنيٌّ بجميع تصرفاتها والنّفس الذي بِهِ تحيا إذا لزِمَ الأمر'

لكنني طبعاً لن أبوح بهذا لجونغ إن مُعلِّلاً ما تصرفت به نحوه منذ قليل وإلّا ذلك الثرثار سارع بإخبارها بأنني زوجٌ غيورٌ للغاية وذلك قطعاً ليس بصحيح!

سِرْتُ نحو ساحة الرّقص، يتناهى إلى سمَعي شتائم ووعيد جونغ إن المُغتاظ، فيما شعورٌ بالإنتصار بات يُغلّفني فلقد افسدتُ قميصه بالمشروب القاني كما جميع مُخططاته لاصطياد فريسته لهذه الليلة من جمْع الفتيات المتواجِدات

مِمّا كُنتُ غاضِباً تجاه جونغ إن تحديداً؟ لستُ أجزم لكنّ السّبب قطعاً لن يكون محادثته الودودة معها~

"فلتبدآ أنتُما أوّلاً ثُمَّ باقي الأزواج"

كانت هذه والِدتي، تُملي تعاليمها قبل أن تتراجع نحو العرّش لتجلس عليه، فيما تراقب باقي الأزواج يقفون بحُلَّتهم في ساحة الرّقص مُحمّلةٌ قلوبهم بالمشاعر التي ستُسيّر رقصتهم القادِمة

نقيض تِلك المشاعر حَمَلها الزّوجان وُقطب الإهتمام الرئيسي هذه الليلة...أنا وهي

كُنّا مختلفان عن الجميع، كما يجدُر بنا

فأنا الشّاب الوحيد بالتّاج على رأسه، وهي الفتاة الوحيدة بالفُستان الأبيض وكذا كان يجدُرُ بأن تختلف مشاعِرُنا عنهم أيضاً...

هُم الحُبّ، ونحنُ...النفور أو الكُره أيُّهما أدَقُّ وصفاً

أخذتُ بيدها الباردة، أستكينُ بها في كفّي الذي رفعتُهُ ليُحاذي كتفي والأُخرى تكفّلت هيَ بموضَعتها على كتِفيَ الأخر، كما فعَلت ذراعي التي احتلّت وِسطَها

تعالت موسيقا العازِفين مِن حولنا يستمع لها الواقِفين من حولنا في طرب، ويتراقص على أنغامها الرّاقصين في تناغمٍ وانسجامْ....

أما نحنُ...

لم نعبأ بها، كِلانا يدور في فضاءه الخاص بيد أن مركزه الرئيسي كان واحد

تسمّرت عيناها على صدري الذي يُحاذي مستوى إبصارها، مما أغضبني

أردتُها أن تنظُر إلى عيناي، بجُرأتها ووقاحتها المعهودة
ألّا تتصرف بخجل وتدّعي البراءة التي لا تمتُ لها بصلّة، أردتُ أن أبث لها بعيناي مشاعري، كُرهي غَضَبي، سَخَطي و...خَيبتي

خيبتي وانكساري جرّاء ما فعلت، جرّاء خيانتها وغدرها لي ولمملكتي

كانت هذا المشاعر لتكون أقلّ وطأةً وثِقل على أيسري إن ما فعلت هيَ

إذن ما المُشكلة بيكهيون؟ أغاضِبٌ أنا لما فعلته أو لأن من فعله هو..هي، هيز الفتاة التي أحببت...الوحيدة  

لكُنتُ قتلتُ الفاعل من فوري، لكن هيَ...هل سأجرؤ يوماً؟

تحت تأثير زوبعة الأحاسيس التي تملّكتني، شعرت بها تُطلق صوتاً متألماً، أثر ذراعي المُلتفّة حول وِسطها النحيل والتي أخذت بالشدّ

مُسببةً تحديقةً مليّة منها نحو عيناي، وقبل أن تُخفضها دفعتُ بوِسطِها نحوي مُبيداً كُلّ الإنشات الضئيلة التي كانت تفصلنا

تلك اللحظة...احتجزتُ عيناها في مَلَكوتيَ الخاص، مُتجاهلين جُلّ الأعين التي تُحدّق بنا بوَلَهٍ وحَسَد ظنّاً منهم بأننا ذائِبين في عالم عِشقنا لا نُعير اهتماماً لمن حولِنا

والحقيقة كانت مغايرةً تماماً، إذ لا حُب ولا وِد في ما نفعله

دَنَت نحوي، تترصَّدُها الأعين من حولنا، ظنّاً منهم بأن العَرُوسان لا يطيقان صبراً ليبدآ بالعبث، تُحاذي وجنتها إلى خاصّتي فيما تهمِس بأُذني بهدوء

"توقّف عن الضّغط"

سحبتُ جِذعها للخلف لتعود إلى كيفما كانت تقف، بيد أنني ضغطتُ أكثر على وِسْطها، هامساً في أُذنِها أفعَلُ المِثل

"ثقِ بي، هذا لا يُقارن بالألم القادِم"

عدِلتُ برأسي مُطالعاً سِحنتها التي جَفلت فجأةً، بابتسامة مُتشفيّة صريحة

وعلى حين غرّة تطاولت أناملها على خُصيلاتي تعبثُ بِها برويّة وتمعُّن قائلةً

"أرِني ما لديك"

ازداد وقعُ الموسيقا صخباً وازدادت معهُ حركة الرّاقصين وصيحاتُ الحضور من حولنا فآثرت عندئذٍ أن أضع حدّاً لرقصتنا هذه فيما أخذ الجميع بالتّصفيق.




أشعُرُ بالخَجَل...الحَرَجُ يتلبَّسُني بالكامل، مُذ فصلنا تلك القُبلة التي دامت طويلاً لقُبلةٍ كان من المُفترض ألّا تتجاوز هُنيهاتٍ بسيطة كجُزءٍ من طقوس الزِّفاف لا أكثر

بيد أنّها أخَذت مُنحنىً مُختلفاً تماماً مُدجّجاً بالمشاعر المُتضاربة منهُ ومنّي

والأسوأ أنّ هذا حدث بينما تتلقفْهُ عشراتُ الأعيُن أحدُها أعيُن عائلتي الذين حتماً ما عهِدوا هيز كالتي يرونَها الأن، والرَّبُ وحده يعلم بماذا جالَت مُخيّلاتهم فيما ابنتهم تتبادل القُبل بشغفٍ محموم سيُساء فِهمَه بلا شكّ، فهو ليسَ بشغفْ ولا حُب، بل وعيدٌ صِرف...

هيز التي توشحّت بالسواد حِداداً على موت رغبتها الخاصّة فيما تُجبر على الزواج مرّتان لا مرّة، وفي كُل واحدة أنّبها قلبُها وحذّرها من الخروج من طاعته، ووصمت نفسها بالعار لخيانتها لوعدها مع من مَلَك قلبها آنذاك، وفي النهاية خانَهَا هوَ!

"لا ريب والداي وييشينغ سيُصابون بالصّدمة"
تهكّمتُ داخليّاً

لا بأس طالما سيشعرون بالرّاحة لظنّهم بأن ابنتهم أخيراً وجدت الاستقرار العاطفي والسّعادة، لكنّهم كثيراً ما يجهلون...!

جولتي مع الملكة أثناء مُقابلتنا لمعارف العائلة وأصدقاء القصر ما عَنَتْ سوى شيئاً واحِد...الأيام القادِمة ستكون مُملّة كاللعنة!

شخصيّاً، بالكاد أذكر أجدادي لوالداي، عمّة مِن هُنا وخالٌ من هناك والبقيّة...لا أملك أدنى فكرة!

فلمَ بحق الرّب سآبه للعنة القصر ومن يمُتُّ لهُ بصلة طالما أجهل من يَقْرِبونني بشكلٍ مُباشِر؟

باستثناء "العمّة" مارلين وكم أشعُر بالسّخافة لمُناداتها بهذه الصّفة، والتعرّف عليها كشخصٍ غريب دون دِرايةٍ منّي بأنّها قريبتي! وما يُثير حَنَقي هو أنني الوحيدة التي جَهلت الحقيقة في عائلتي حتّى ييشينغ يعلم!

مما دفعني للشّك حول ظروف عمّتي المعيشيّة السّابقة، أي قبلَ أن أولد، ووحدها من ستُخبرني، بيد أنّه من الأفضل الأن أن أُركّزَ على شؤوني الخاصة وأَدَعَ فضولي جانباً لبعض الوقت...

لكن رُبّما مررتُ بها لاحِقاً إن استطعت، فحتّى لو كُنت غاضبةً منها لإخفائها الأمر عنّي، لا أستطيع مُعاداتها أبداً، اشتقتُها! إذ كانت هي الأقربُ لي ومصدر ثقتي الأول الذي لم يخِب في أمسّ حاجتي وَلحَظات ضَعفي.

"فلنذهب لتُلقِ التّحية على ولي عهد نيس"

نَبَست بِها من تقِف إلى جانبي، وفوراً شُدّ انتباهي لـ"ولي عهد نيس" الأمير جونغ إن!

بشكلٍ ما استطاع أن يضعَ لنفسِهِ مكانةً في خانة الأشخاص القليلون جدّاً الذين أُفضّلهم...

تُبعثُ مِنهُ هالةً شديدة الحياة والوِدّ، قد لا يجمعنا الدّم أو المعرفة لكنني أجِدُ نفسي أشعُر بالإطمئنان والرّاحة معه والفضْلُ يعود لإنفتاحه على الأخرين وسهولة تقرّبه منهم كما فعل معي من قبل...

لم يَحتَج مجهوداً أو عناء لجعلي أبتسم وأتصرّف بعفويّة معه، ولن أنسى كيف آنَسَني في المرّات القليلة التي التقيتُهُ بها، لكنها كانت كبيرة التأثير على نفسي الوحيدة والبائسة آنذاك

وبلا سببٍ مُحدّد لم أرغب بإيضاح معرفتي المُسبقة به أمام الملكة، وكذلك توقعت أن يفعل هوَ بيد أن حطّم تكهُّني سريعاً فور ما رآني

"الفاتِنة أتَت، يا لحظّي لقد أصبَحنا عائِلةً واحِدَة!"

مُسبّباً بسمةً كبيرة أخذت مكانها على شِفاهي ولقد كانت صادقةً للغاية!

أنفقتُ بعض الإطراءات على مظهره والتي كانت حقيقيّة تماماً هي الأخرى دون تزييف ، وبعد أن ظننت بأن هذا الّلقاء مرّ بسلالة دون أيّة مواقف غريبة تستدعي التبرير الكذب أو الحَرَج، فاجأني جونغ إن بمعرفته بعلاقتنا سابِقاً فحتّى هو لم يخبرني بأنه أطلَع شخصاً أخر 
-عداي وإيّاه- عليها

شيءٌ ما أثار في نفسي الحنين والتّوق، مشاعرٌ أعلم تمام العِلم بأنه لا يجدُر بي أن أكتنزها في داخلي ولذلك درأتُها بعيداً قدر المُستطاع حتّى لا تُسيطر عليّ

مُجرّد التفكير، بتلك الليالي الحميمة، بذلك البيكهيون وهيز تلك جَعَلني أتجرّع عَلْقم الحسرة وَجَلب العديد من الـ "لو"

هل حقّاً أحبّني لهذا الحدّ؟ أعني...ما كان لِزاماً عليه أن يُخبره بأنني حبيبته، كان بإمكانه إخباره بأي مُبرر، وعيناه...أعلمُ تماماً ما قصده جونغ إن، كيف لا وأنا التي سرحتُ مرّاتٍ عديدة في فضائِها المُزرقّ فيما تُناظرني بحُبٍّ صريح، رأيت نفسي فيها ونَصَبَها عليّ كما لو أنني الوحيدة في هذا العالم من تستحق انتباهه

هذا سؤالٌ طرحتُهُ مرّاتٍ عِدّة على نفسي، ورُغم كثرة الدلائل التي أكدّت الـ"نعم!" وجَزَمَتْ بها، يبقى الأثر الملموس هو الأهم...

"حُبُّ صَبْوةٍ زائل" هذا ما أسماه هو وهذا ما أثبته لاحِقاً

أصمتُّ جميع هذه الأفكار التي وعدتُ نفسي بنسيانِها وعدم التّطرُقِ لها أبداً، أنا وهو لن نعود كما كُنّا...مُطلقاً

ورُغم نفيي المُسبق الذي صرخت به تعابيرُ وجهي ورأسي الذي نفى سريعاً، أصرّت الملكة على أن نتقدم نحو ساحة الرّقص، علِمتُ بهذا البروتوكول مُسبقاً لكن لم يكُن ضروريّاً الأن! في خضم ثوران مشاعري التي سيطرت على وعيي بعد ما باح به جونغ إن

احتجتُ لحظاتٍ لأستجمع شَتاتي مرّة أخرى كي لا أسمح له برؤية تأثير وقْع الأمر على نفسي وإستغلاله لصالحه، وبعد جُهدٍ جهيد نجحتُ بالتماسُك مُجدّداً لكنّه موضَع ذراعه نحو وِسْطي في قُربٍ حميميٍ مُهلِك ما إعتِدناه

فيما التزم فاهه الصّمت، عيناه حاكت الكثير، رأيتُ فيهما الغضب والمُقت ومشاعِرَ أُخرى تكفّلت ذراعه المُحيطة بإخباري إيّاها إلى حدّ الألَم...

لم أعُد أُحبّه...أنا واثقة! سأقتلع قلبي وأدوسه إن سمحتُ لهُ بالإستيلاء على سَطوَة قلبي مُجدّداً!

لكن لمَ؟ لمَ لا أجرؤ على التحديق بهِ مطوّلاً كما هو يفعل، لما لا أزدريه بنظراتي وهو مُخطئٌ بقَدري إن لم يكُن أكثر! لَم أستمرُ بالهرب من مُحيط عيناه؟ ليس وكأن صدرَه البارِز من قميصِه الحالِك الذي يواجهني يستحقُ النظر!

فلأكُن هيز، على طبيعتي، سأُحدّق بعيناه وأجول بتفاصيل وجهه كمُحتلِّ أرضٍ غاصِب كما يفعل هو، وكما تطاولت ذراعه على جسدي ستتطاول يدي بجُرأةٍ وحُريّةٍ سافِرة

وإن تحدّاني سأزيد التحدّي جُرعة وليَظفر الأقوى!

أرِني ما لديك بيكهيون!



"جلالتُك"

أخيراً صدح صوت صاحِب الخطوات التي كانت تَتَبَّعُني مُذ اتجهتُ نحوَ شُرفة القصر بعيداً عن الجميع، عن صخَب الأجواء، وعنها....

لم أكُن قلِقاً فالقصر مؤمَّنٌ كقلعةٍ حصينة، وجميع من فيه معارِف وصِلات مُقرّبة لعائِلتِنا فلا أحدَ دخيل

انحصرت توقُعاتي على واحِدٍ وحيد، فلقد ترصَّدتني عيناه الغاضِبة مُذ مراسم الكاتدرائية، وصوته الذي وإن ما ألِفتَهُ طويلاً إلّا أنّ أذناي ميّزتُ نبرته وحَفِظتها

"ييشينغ"

ابتسمت في ثقة لصحّة تكهُناتي التي دوماً ما أصابت ودون أن ألتفت، أبقيتُ تركيزي نحوَ حديقة القصر فيما أحُثّ القابِعَ خلفي على التقدّم نحوي

"أما مَلِلْتَ من التسلُّل؟ تقدّم لنتحدث"

وَقَفَ إلى جانِبي مُتنهِداً قبلَ أن يسترسل التحدّث

"لَن أُطيل...لِمَ تزوّجتها؟"

بينغو مرّةً أُخرى، لقد أعددتُ الرّد المُناسب مُسبقاً

"أُحِبُّها!"

استفشى عدم التصديق في وجهه والذي ما حاول إخفاءه، فلقد كان كـ "لن تنطلي هذه الكذبة عليّ" لكنّه اعتنق الصّمت

منَ الجيّد أنّه يُبقي الحدود بيننا قائِمة وإلّا، لن أتردّد لحظة بتفريغ ضغوطات اليوم على وجه شقيق زوجتي العزيزة ثُمّ سيجب على التعامُل مع الإشاعات الجديدة التي ستُطلق

"أخبرني ييشينغ، ألم تكُن مرتَحلاً هُنا وهناك قبل ثلاثة سنين تحديداً؟"

"نعم، أظُنُّني أخبرتُك مُسبقاً بهذا في سينثيا"

همهمتُ مؤكدّاً بلا اكتراث "فعلت" ثم جعلتُ ابتسم في سُخرية "شينغي"

شَحَب وجهه في حرج
"أخبَرَتْك هيَ!"

قهقهتُ بإستمتاع نافيّاً
"ناه، كانت تمتدح أحدهم يُدعى -شينغي- مُغيظةً إيّاي وقتما كُنّا نتواعد، وحينما قابلتُك في سينثيا وأخبرتني باسمك ثُمّ بصلتك بِها استنتجتُ الأمر"

"تتواعدان؟"

لويتُ فمي ورفعتُ كتفاي فيما أتحدّث مصوّباً عيناي نحوه هذه المرّة

"السنين التي أرتحلتَ بِها، أمضيناها سويّاً...لا تنجرف بدور الشقيق الحامي فلدي وإياها ما يربطنا معاً أقوى من أيِّ شخصٍ أخر، وأعرِفُها أكثر من نفسها حتّى لذا لا داعي لريبتك وشكوكك"

ولقد كَذَبتْ، أنا لم أعُد أعرِفها أو بالأحرى ما عرفتها على حقيقتها أبداً

خلّل أنامله في شعره فيما يزفر بقوّة ثُمّ نبس بتيهان  وكأنه ما طفق يفهم شيئاً

"لمَ الأن؟ لم أضعتُما كُلّ هذه السّنين؟ أنت تزوجت وهي خُطِبت لأوليڤر فما الذي استجدّ فجأة؟"

وجدتُ نفسي أنا من يزفر هذه المرّة، مُدركاً صعوبة تقمّص الشخصيّة الجديدة...بيكهيون الذي يُحب هيز

هل هي جديدة حقّاً؟

ومن جُلّ الأكاذيب التي ما اكتفيت بإلقائها مُذ أُقيم هذا الزِّفاف، ألفيتُني أُجيبه بكذبةٍ أُخرى ولكن تخلّلها جَوهر الصّدق هذه المرّة..

"لقد أُلزِمَ عليّ بالإبتعاد بعد أن توفيّ شقيقي الذي كان من المُفترض أن يتزوج الأميرة إيلينا حَسْبَ ميثاقنا مع مملكتها ليون، لذا آل المطاف إلى أن أتزوجها أنا، والباقي أنت لا تجهله...خيانة والدها لمواثيقنا وعهودنا وما إلى ذلك، ثُمّ ارتأينا أن نُجدّد عهود حُبنّا سويّاً ونُكلّلها بالزّواج، عرفتُ هذا حالما رأيتُها وفوجِئتُ بوجودها في سينثيا"

رسمتُ نظرة العاشق الولهان بصعوبة مُختتماً حديثي ويبدو بأنني أصبتُ مرمى الإقناع في نفسه إذ أن وجهه المُتجهم ما عاد لهُ من أثر

"ليس المُهم إن اقتعنتُ أم لا.." شعرتُ بأنّه يوجه كلماته هذه لنفسه لا لي ومع ذلك قاطعته من فوري

"بالطّبع، لا تشُكّ بأنني سأعبا بإقتناعك لو للحظة" العاشق العنيد ليحظى بمعشوقته رُغم كُلّ المُعيقات، هذا كان مسعاي

ولكنّه ما ألقَ إهتماما لمحاولتي إغاظته وكأنما مضمون ما يصرّح به فاهه، أهم ولا يحتمل المقاطعة تحت أيّ ظرف ولو كان على حساب الإساءة له شخصيّاً

"ولكن احرص على أن تُحافظ على شقيقتي وتحميها، اجعلها تكُن سعيدة، وهذا ليسَ بالأمر الجَلَل صدّقني، هي أبسط مما تبدو..."

بل أعقَد وأخبَث مما تبدو!

تلكّأ ونظر لكفّيه المعقودان فيما يبتسم بوَهْن
"هذه تجربة زواجها الثّالثة أظُنُّكَ تعلم ولكن...لم تكن أيّاً مما سبقها سهـ...، لقد عانـ...،"

تنفّس بعُمق ثُمّ أكمل
"لا عليك، أظُنني علمتُ الأن لما صَبُرت وأبقت الأملَ فيها يانعاً رُغم المرار، لا شكّ وأنّها آمنت بوصولها لهذه النّهاية، حيثُ تتزوج ممّن تُحِب لا ممّن تُجبر عليه، لذا كُن على قدْر المسؤولية، اجعلها تدرك بأن الإنتظار كان يستحق!...أرجوك" 

ابتسمت في سُخريةٍ داخليّة وودٍّ مُزيّفٍ جليّ...

"سأحرِصُ على هذا...أعِدُك"

كان هذا وعدٌ لذاتي لا له، ألّا أحيدَ عن هَدفي الذي نصَبتُه مهما حصل، ولن يوقفني أحد...



انتهى الإحتفال وغادَرَ الجميع...

نسيرُ مُتشابِكي الأيدي مُتقمصينَ الدّور جيّداً، أمام ملأ القصر من خدمٍ وحُرّاس، الذين يُلقون بتهانيهم التي ما فَشِلت ببَيان صِدقهِا والمحبّة المُغلّفةِ فيها

انسَحَبَت والدتي نحو جناحها بعد أن قالت
"أتمنّى أنّك مُدرِكٌ لِما تفْعله" دون أن تُخاطب هيز

وصلنا رُدْهات القسم الشرّقي حيث يقبع جناحي الخاص الذي فيه سنمكث وستبدأ منه حياتنا الزّوجيّة المزعومة، وانحَجَبَت عنّا الأعين

في اللحظة الأخيرة بعْدَ أن قررتُ أن نتّخِذ جناحاً أخر، لألّأ تطأ قدماها أو يُخالِط أثرها جناحي؛ تراجعت ، مُدرِكاً بأنه بإبقائي لها في ذات الجناح الذي تشاركتُهُ مُسبقاً وإيلينا ستشعُر بالإهانة وسأُسّدِّدَ طعنةً لكبريائها الذي يُعدّ لها النَّفَسَ والمَحيا

تسير بجانبي بهدوء، ناصبةً رأسها للأعلى وتنفُثُ في حنق بعد أن ضيّقتُ خِناق يدي على كفّها الذي أُحاصره  مانِعاً إيّاها مِن إبعاده عنّي

"لا أحد بالجوار فلتترُك يدي!"

صمتّ ولم أرُدّ

ولِجنا للداخل وحينئذٍ تركتُ يدَها

أغلقتُ الباب، حيث خلفه لن يعلم أحد بما يحدث

لن يعلم أحد بهذا الزِّفاف والعلاقة المزيفة، كما لم يعلم أحد بما كان بيننا قديماً وما استجدّ

أنا هي والأيام فقط...الأيام التي ستُحدّد المُنتصر منّا في هذه الّلعبة الدّائرة بلا معالم توضّح نهايتها ولكنني سأحرص على أن تكون لصالحي

استدرتُ نحوها، ألفيتها تنظر لي بتوجسٍ ما صعُبُ قراءته أو رُبّما هي ما استطاعت إخفاءه

كيف لا؟ وهذه الليلة الموعودة! كانت قديماً وما زالت بيد أن الظروف المحيطة قد لاكتها وأعادت رسْمَ النّوايا في ثنايا مُنتظريها...بيكهيون وهيز، لا الملك ولا الليدي اللذان هما الأن

دنوتُ نحوها لاغياً أيّةً خطواتٍ فاصلةٍ بيننا وفارضاً القُرب الشديد منها

لقد بدأتُ أستشعرَ أنفاسها السّاخنة التي تصطدم بخاصتي دونَ خجل

عيناها...أخبرتني بالكثير وكذا حَرَصَت عيناي...

تجرّأتْ أناملي تسيرُ بتروٍ على دربِ بشرتها فتُعبّده بقشعريرةٍ نالت نصيباً منها ومنّي أنا الأخر، لا أُمهِلُها فُسحةً لتنظيم خَطْبِها، مُمَرّرِاً إبهامي على عُنقها المرمري والذي زادَهُ بياض فُستانها لمَعَاناً ووهجاً

كجوهرةٍ أو لؤلؤٍ دُرّي يعصى على الرّائي أن عنهُ ينتأي مذهولاً ببريقه الفتّان للعَيان، هَبَطْتُ بشِفاهي ألثُمُهُ وعجباً...لمَ طفِقتُ ألهَثُ فجأةً وأتعرقلُ بأنفاسي، لا أنفكُّ أجولُ بُقُبُلاتي فلا أرتوي بل أتعطّشُ للمزيد!

ما كانت هذه الخطّة وما كانَ هذا التّرتيب!

أتلاعبُ بها وأُضايقُ خلوتها وحُرمة جسدها بأناملي العابثة فقط...هذا فقط ما من مزيد، هذه الأنفاس المُتبعثرة والدّقات المتزايدة أخلّت بالإتفاق المُبرم مع نفسي!

وفي فورة زَوَغان المشاعر هذه غضِبتْ، حفَرتُ لها حُفرةً فوَقَعَت فيها ووقعتُ معها بلا إرادةٍ منّي وبلا أي مُحاولةٍ منها لإسقاطي!

هذه عدوَّة! خبيثة! ما نَفَعَتكَ بيكهيون بقدر ما ضرَّتك! ابتعد!

دفعتُها من فوري حاجباً عيناي عن مرآها، وأسرعتُ أحُثُّ الخُطى نحو الخارج هرباً منها أو من نفسي التي ضَعُفَت في حضرتها، لستُ أعلم...

جاهدت أجمعُ شَتات أنفاسي نابساً بهدوءٍ سخِرَت منهُ النّيران التي توقّدت في خوالجي

"أخلعي فستانك"

وعيتُ للخطأ الفادح فيما نبست والذي شاب مضمونه، سوء النوايا الغير مقصودة

"...واستعدي نحنُ ذاهبان للحكيم جوزيف"

أغلقتُ الباب من خلفي بهدوء حتّى لا تبوح لها أيّاً من ردود أفعالي بالخراب الذي سبّبته في داخلي ورحلتُ عنها....مؤقتاً.



لم يفعلها..

ردّدتُها كثيراً فيما حبستُ أنفاسي وجَلاً..

أنامله الباردة دبّت في نفسي الهَذَيان، وصراعٌ أليم تمخّض في نَجْواي...إلامَ ترمي بيكهيون؟

بين قاب الابتعاد وقاب الانصياع ضِعتُ أنا وخابَت إرادتي، أنفاسُهُ حارِقة وقُبُلاتُهُ مُهلِكة فكيف لي بالنجاة؟

هو يشمئز منّي ويكرهني قطعاً لن يفعلها، سيُسهّل الأمر كثيراً عليّ، أنا المغلوب أمرها فلمَ لا يبتعد!

ووهلة أن قررتُ دفعه أبتعدْ، بخفّة كما أقترب...

وفوراً حين خرج أنّبتُ نفسي كثيراً، إن سهّلتُ إقترابه منّي مرّة، لن يستعصي عليه التمكّن منّي كُليّاً، سنخوض طريقاً طويلاً مجهولٌ مداهُ وكم قد يطول ولا لن أضعف في أوّل فرسخٍ أقطعه

أردف "أخلعي فستانك"

لحظة سمعته جالت بي في مُحيط سوء النوايا أفكاري وأطلقت لنفسها العنان، فحديثه الآن، وما قاله سابقاً في الكاتدرائية ثُم أقترابه منّي، هذه الأحداث كانت تربة خَصْبة لهذه الأفكار

لُيكمل مُتِمّاً حديثه وموضّحاً مقصِده، وسامحاً لي بالتّنفس براحة كأنني حُرِمت الهواء أبَداً طويلاً

بعد أن غادر، خلعتُ الأبيض على عجل ولبستُ نقيضه باللون والبَهْرجة، فستاناً أسوداً بسيط، بتحريضٍ من نفسي التّي نجّمت حال قادِم أيّامي التي يُعد هذا اليوم أولاها، وهذا اللون الأنسب للإنسجام مَعَها

عاد بعد مُدّةٍ ليست بطويلة، تزامُناً مع تعريّة شعري من دبابيس الزّينة التي حَبَست خُصيلاتي مُنذ الصّباح

اقترب بهدوءٍ سافر دبّ الرّيبة في نفسي، على ماذا تنوي الّليلة بيكهيون؟ أنا لكَ بالمِرصاد!

مَوْضعَ كفّيه على جوانب الكُرسيّ الذي اتوسده المُقابل للمرآة، ومع إبعادي لأخر دبّوس إعتبرها بيكهيون شارة البداية ليبدأ تعدّيه على حدود جسدي دون حقّ، مُجدّداً للمرة الثانية هذه الّليلة..!

جمع شعري بين كفّيه وطأطأ رأسه مُشتمّا إيّاه حتّى لاح شبح ابتسامةٍ على مُحيّاه، هامساً بصوتٍ ما يُحدّثني أنا المعنيّة بالأمر بقدْر ما يُحدّث نفسه

"السّوسنة! زيتُ السّوسنة..."

ما تفاجأتُ إذْ مازَ الرّائحة؛ فهو الوحيد الذي يعلم بارتباطي العاطفي الوثيق مع زهور السّوسنة السوداء،

ولكنّ التّساؤل طرَق وعيي، هل أكثرتُ من زيتِها اليوم؟ أرائحتها نفّاثة لهذه الدرجة؟

"قِفي"

وقَفَت تساؤلاتي قبل أن أقِفَ أنا، مُسايرةً إيّاه لإشباعِ فضولي بمعرفة نواياه لا مُنصاعة...

سِرتُ خلفه بتمهُّلٍ أُخفي في طيّاته فضولي المُتّقد كي لا أُرضي غروره بيد أنّه ما بَرَح البقعة من الأرضية، التي وقف عليها لينظر نحوي مُستفهماً سبب بُطئي،

ما برحها حتّى جذب مِعصمي بشدّةٍ ما بثّت فيّ الألم لإنشغالي باستيعاب المُفاجأة التي ألجمتني فهذا كان خارج حدود توقعاتي

"دع يدي!" هسهستُ بحدّة حقيقيّة

احتكّ حذائي بالأرضيّة في محاولةٍ منّي لصدّ خطواته المتسارعة؛ باءت بالفشل مُقابل خطواته الحثيثة المُصمِّمة

"اخرسي" أردفها ولم يُعقّب بعدها

"لن أفعل فلتترك يدي حالاً!"

لكنّه ما أعطى اهتماماً لما نطقت أو أنّ ما يسعى إليه قد حازَ جُلّ اهتمامه

كبَح اعتراضاتي المُتدافعة للخروج من فمي تردُّدَ صوتهِ قبل هُنيهاتٍ ماضيةٍ "نحنُ ذاهبان للحكيم"

الحكيم! لقد قال بأنه سيأخذني للحكيم، كيف نسيت!

بالطّبع سيتجاهل تساؤلاتي التي قد أجابها مُسبقاً بالفعل، لكنّ هذا لا يُعطيه الحقّ بجرّي كالذبيحة وأنا لن أسمح بهذا!

جاريتُ خطواته المتسارعة لتتلاشى المسافة بيننا التي استطاع تعميقها بيننا حتّى مع احتجازه لمعصمي في كفِّه ثُمّ أخذتُ أسِدِّدَ قبضة يدي الحُرّة على كتِفِه، عضْده، ظهره، وكُلّ ما استطاعت أن تطاله قبضتي

فيما أنْهَره من بين أنفاسي التي تخرُج من فاهي بضجيج تعبيراً عن غضبي وجهدي الذي أبذله في المشي وفي لَكْمِه

"لقد.قُلتُ.توقّف"

استدار نحوي يبرُز الشرّر في عيناه

"كُفِّ عن المُقاومة"

أحاط خصري على حين غرّة، حامِلاً إياي فيما أوليّه ظهري، لم أتصوّر أبداً أن أُحمل بهذه الطّريقة المُهينة كما الأطفال ومِن مَن؟ من هذا المعتوه!

لحظاتٍ قليلة ما سنَحَت لي أن أُقاومه أو أُجادله حتّى، توقف بي عندَ إحدى الأبواب الخشبيّة التي تختلف في تصميمها وحجمها عن أبواب الأجنحة، أنبأتني بأن هذه قد تكون حُجرةً صغيرة...

دفعَ الباب بقدمه بقوّةٍ أجفلتني، وتساءلتُ...لمَ هذا الغضب الذي ظَهر فجأةً من العَدَم؟ لقد كان يُتقن دورَ اللامُبالي، فما الذي استجدّ؟

"أحضِرْ المحلول"

هكذا أمرَ الطّاعِن في السّن الواقِف أمامي، الذي غزا الشّيب خصلات شعره الطويل البائِن من تحت قلنسوته، ونفّذ أمره على عَجَل

أطلقني من بين ذراعاه اللتان مكَّنَتا إمساكي منذُ قليل، وأجلسني غصْباً على إحدى الكراسي المُحيطة بالطّاولة الخشبيّة المُتهالكة

عن أيِّ محلول يتحدث وما الغرَض منه؟ ما استطعتُ أن ألجُمَ أفكاري، لا بُدَّ أنّ غرَضَه متعلّقٌ بي هذا جليّ، وإلّا لما أحضرني إلى هُنا في مُنتصف الّليل بعد هذا اليوم الحافِل

وَضَع الحكيم أمامي أنبوباً بسائلٍ أُرجواني الّلون، استطاعت رائحته الكريهة أن تَنفُذَ لأنفي وغصّت مِنها أحشائي، إن كان الذي يدور بخُلدِ بيكهيون هو ذات الذي بهِ أفكّر، فهذاً مُستحيل...قطعاً لن يحدُث!

"اشربيه"
نَبَس ببرودٍ يُنافي الهَيَجان الذي تمخّض بهِ مِزاجُه مُنذُ قليل، ومؤكِّداً صِحَّة تفكيري

نظرتُ نحوَه بتحدّي وأردفتُ بحتميّة لا مجال للتراجع فيها

"لن أفعل"

انحنى بجذعه نحوي يضع يداً على مَسنَد كُرسيِّ والأُخرى على الطّاولة، ثُمَّ تشدّق بخُبثٍ صريح

"هممم...لرُبّما تنجح كاث العزيزة بإقناعك ها؟"

نَبَض قلبي بوجلٍ حين أتى بذكرها، مُذكّراً إياي بسبب قدومي إلى هُنا مُنذ البداية، لقد عُدتُ من أجلها ومن أجل سلامتها ولن أُجازف بهذا ولكن...

أنا لن أرضخ لهُ في كُلِّ مرّةٍ يُهددني بها فيُظنّ بأن هذا يسوّل له السيطرة عليّ...أبداً

نفيتُ برأسي دون أن أنبس، بَدَا الرّفض شفهيّاً صعباً للغاية، فهنالك إحتمالٌ واردٌ، كبير بأنه سيأخذ رفضي على محمل الجدّ فيؤذيها، وهذا سيؤذيني نفسيّاً بمقدارٍ أكبر منها؛ لن أحتمل أن تتأذى كاث بسببي

طغت القسوة في عينيه وازدادت زُرقتاه قتامة، فيما امتدّت يده نحو فكّي تقبض عليه بقسوةٍ اشرئبّت من تلك الطّاغية في عينيه،

وبيده الأخرى تناول الأنبوب ثُم فرّغ محتواه في فمي الذي خرج عن طوعي بإمساكه لفكّي...

حاولت الإفلات من جورِ ذراعه التي كبّلتني، نحو الباب الذي صدّه الحكيم تفادياً لهربي أو لنفاذ صوتي لستُ أعلم

حاولت إطلاق سراح صَرَخاتي المكبوتةِ على الأقل، أو أن أبصِقَ السّائل الذي أجهل مكوناته، والذي عاث بأمشاجي ووخَزَها أَلَماً ما استطعت حتّى أن أُعبّر عن مِقداره ولو حتّى تذَمُّراً، فلقد غطّى فمي بكفّه وأمال رأسي نحو الخلف يُجبرني على إبتلاعه

وسط رفضي الّلاذع، ومُقلتاي المُكتنزتان بالدّموع التي أبت الهطول؛ أن يجُرّني إلى هُنا مُتغاضيّاً عن احتجاجي لهو أمرٌ قاسٍ...شعرتُ بالإهانة...

لطالما كرِهتُ أن أُسلَب الإرادة، وقد حصَلتُ على ماكرهته مِراراً... ما الذي فعلته لأستحقَ هذا؟

شامتاً حدّق بي، رُغم الماء المالح الذي يُغشي بصري ما كان من الصّعب إدراك تلك النّظَرات...وتلك الإبتسامة المُتشفيّة

أنخفضَ نحوي وأرسى شفتاه بجانب أُذني يفّح فيها كما يُبَخ السَّم

"من الجيّد أنّك لم تُخبري أوليڤر بمولوده القادِم، أنا فضوليٌّ قليلاً...تُرى، ما الذي سيفعلهُ إذا ما علِمَ بأنني أجهضتُ طِفلَه؟"

أُزيحت الغَمامة الأن عن إجابة تساؤلاتي العديدة حول هذا المحلول وماهيته...

ما زال يظُن بأنني أحمِل طِفل أوليڤر بعد أن كذبتُ عليه في الإسطبل بغرض استفزازه

بصعوبة وبقوّة لا أدري أنّى ظهرت أزحتُ كفّه المتموضع على فمي، لكي أوقف هذه المسرحيّة الهَزَليّة التي لعِبَت ظنونه الغبيّة دور البطولة فيها، لكنّه سُرعان ما عاود وضعَه صائِحاً بقوّة:

"صه! ستكتفين بالإستماع هذه المرّة"

تبّدل حاله سريعاً عاوَدَ التشدّق دانياً نحوي أُذني الأخرى، ليهمسَ فيها:

"هذا الطّفل كان وسيلتي للإنتقام منِك ومن أوليڤر في ذات الوقت، لقد أسدى لي معروفاً كما فعلت له المِثلَ أنا، أعني...من المُشين أن يولَد ويحظى بأبوين مِثلَكُما!"

توقّف بُرهة تِحِفُّ أنفاسه السّاخنة جانِبَ وجهي ثُم أكمل بنبرةٍ ميتة...لا حياة أو تعابير فيها:

"لا تظُنّي بأنني نسيت ما فعلتِهِ بطفلي..."

مُخطئ مُخطئ! لمَ أقتُل طِفلَك ولم أمَسّ إيلينا، ما تظُنَّ غير صحيح

ودِدْتُ لو أبوحَ بهِذا لكنّ أبى الإنصات، حرَمني الحديث وحرم أنفاسي من الشّهيق والزّفير بحريّة

بات التنّفُسُ صَعباً، وعَلْقم المحلول لا يُحتمل، حتّى خوالجي تتمزق ألَماً وكان الخَلاص في الظّلام الدّامِس الذي تسلّل لعقلي ثُمّ استولى على بصري وأرداني مُغمىً عليها....





سلام يا حلوين، عارفه إني مقصرة بحقكم وحق الرواية وتحديثي للتشابترز يطول بس صدقاً غصب عنّي، لما بدأت نادِني مِلكه كان في بالي أجرب شيء وهواية جديدة زي الكتابة وكُنت وقتها قاعده بالبيت ما عندي جامعة بس الان الوضع تغير ومشاغل الحياة زادت،

بالإضافة إلى إنه كتابة الفصل أبداً مو شيء سهل والله، كل فصل أنزله لكم ما يقل عن 5 آلاف كلمة، وقبل ما أنزله أدققه نحويّاً ولغويّاً وحتّى لو فيه معلومة معيّنة تخص حقبة الرواية القديمة، عشان يطلع لكم بأسلوب مُنمّق سلس وبأفضل صورة تناسبكم وتناسب عقليتكم، وهالشي ياخذ من يومي ساعات 💔

لذلك أتمنى منكم الصّبر ونادني ملكه رح تكتمل إن شاء الله ه حتى لو تأخرت بالتحديثات ما رح أسحب على الرواية أبداً...شكراً لكل اللي ما يوقفون يدعموني ويدعمون الرواية، كُلّ الحُبْ🖤

إلى الّلقاء بالفصل القادِم بإذن الله🍀.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top