الفصل الأول | مُكابـدة

وددتُ لو أني بدأتُ قصَ كُل شئ في وضعٍ أفضل من هذا، الانطباع الأول يدوم كما يقولون،
و انا الأن في هذه اللحظة اهرب -من قطع الرقاب- بشقِ الأنفس !

اصوات الهرع خلفي تماماً، اشعر بحرارتها تقترب و أن أحدهم سينتشلني من مؤخرة رقبتي في أي لحظة.

تعرفون الطاقة التي تنتابكم حين تدركون شيئ ما؟ هذا بالضبط ما حدث حين قررت الانخراط بالجموع في اقرب فرصة.

و قد كانت الفكرة الاسوء على الأطلاق،
تعرقلت حركتي كثيرا و على الصعيد الاخر لم ينفك هؤلاء البلهاء عن اقتفاء أثري!

اصتدمت بالكثير من النساء ذوات الحركة البطيئة و الاطفال الذين يظهرون فجأة من العدم !
اما بالخلف فقد كانوا بالفعل يركلون من يعترض طريقهم.

بحق الله ما كان علي ان اسلك طريق الأصبحي بتاتا.
"ايها الوغد أتظن انك ستهرب مني الى الابد ؟ّ!" صخب بها احد الثلاثة خلفي, هذا بالتأكيد صوت أجاويد, ان انتشلني فأنا هالك لا محالة.

انعطفت في أحد الأزقة التي أقسم كل مرة علي عدم الانطعاف اليها.
و ها...أنا...ذا

مُحاصر مجدداً.
التقطت انفاسي في ثلاث ثوان
ثم التفت متفوهاً بكل ما أوتيت من تصنع : أجاويد، يا عزيزي، من كان ليتوقع ان اصادفك اليوم ؟

انه يتصبب عرقاً و يلتقط أنفاسه
لقد أغضبتُه...أخرستني نظراته كلياً، قبل أن يتحدث بصوت أجش : أجل، من كان ليفعل.

قبض قبضته جعلت صوت تحرك مفاصله تتخلل إلي أذني.
و علي كلا جانبيه الأبلهين مِشعل و عدنان.
لا اعرف لما يحبان الابتسام كاشفين عن أسنانهم

لا يملكون نصفها علي أي حال!

قطع حبل تفكيري أخذهما لخطواتهما تجاههي، من الفزع تفوهت : إنتظرا إنتظر ا!
ثم وجهت نظراتي لأجاويد : يسُرني تبليغك اني حصلت على عمل ! و سأحصل على راتبي الأول خلال أيام.

ساد السكون لثانية قبل أن يتلفظ اجاويد ب"بففف" ساخرة : انت حصلت علي عمل ؟

ثم بدأ بالقهقهة بصوت يصم الأذان ليتبعه هذين الاحمقين بالمثل : ما هو عملكَ يا ترى؟ كيس لَكم مهترئ؟

ليتبعوا الجملة الساخرة بقهقهات أعلى
رائع جداً، حِس فكاهته بالحضيض.

استغللت أقل طبقة ضحك لاقاطعهم : حسناً، لا انا...

قاطعني أجاويد صاراً على أسنانه: لا أهتم من أي خُردة تحصل علي نقودك يا حشرة، أمامكَ أسبوعين
و صدِقني حين أقول و شارِبي شاهد إن لم تحضر ما عليك في هذا الأسبوع
سأقطع رقبتك كما أقطع رِقاب أبقاري !

سمعت صوت ابتلاع لعابي، و لوهلة شعرت أن رقبتي ليست بمكانها حتى.

تصببت عرقاً أكثر مما جنيته من الهرب منهم.
ثم صرخ : هل سَــمِــعــت ؟!

أومأت برأسي قبل إنهاء الصرخة حتى.

ليتلفظ : جيد

أعطى نظرة خاطفة لأحد أغبياءه، لا أعلم كيف لاحظاها حتى لم يرفعا مقلتاهما من على هيئتي!
ليشرعا بإتجاههي : لا لحظة لقد وعدت بأحضار المال !

ليرد أجاويد : تذكير صغير للمهلة.
لينسحب من الزقاق عاقداً حاجبيه.

تم تسديد أربعة عشر لكمة في وجهي من قِبل عدنان و مشعل.

لا اعلم حقاً ما حدث بعدها فأنا فقدت الوعي كلياً.

_______________
عدت للمنزل خلال النافذة.
لا تنظروا إلى هكذا، أدين بالمال أيضاً للجارة لُبيبة.

ألقيت نفسي على اقرب كومة ملابس مُتسخة.
و أخرجتُ تنهيدة طويلة جداً.
أشعر أني خسرتُ كل الدماء بوجهي.
بالإضافة اني اشعر أنه بات ضعف حجمه من التورم.

اتعرفون ما هي سخرية القدر ؟ انا لم احصل على اي عمل.
و لا أحد منكم يـُخبرني بأن احصل على واحد.
الامر ليس بتلك السهولة..خصيصاً لشخص ترك الدراسة قبل الحصول علي الشهادة المتوسطة حتى!

أعتقد ان علي فقط الإستمتاع بآخر أيام حياتي.

" سِــراج "
انتفضت فزِعاً بسبب تلك الصرخة.
حملقت لثانية قبل النهوض خارجاً.

حسناً...أعرفكم بأمي، جليلة
تلك المرأة عبست مرة واحدة في حياتها منذُ خمسين عاماً.
و تلك العبسة مالاتزال مستمرة لهذه اللحظة.

شرعت بالتحدث مُعنفة متجاهلة وجهي المتورم -اصبحت معتادة بطريقة ما -"سِراج، كلمتني السيدة رفيف تطالب بمالها، هل اقترضت منها؟"

صحت غاضباً : ماذا؟! لم يمض شهر حتى!
ثم اكملت بتذمر و انا اجلس علي اقرب كرسي : تباً ظننتها إمرأة طيبة.

ضربت والدتي الطاولة أمامي بالمِغرفة التي كانت تقلب بها الحساء  : سِراج ! اتعلم ما تاريخُ اليوم؟!

حدقت بها قبل ان اخرج "ااااااا" من فاهي جاهلة
فأجبت بأول ما جال بخاطري : الخريف؟

تجاهلت امي الإجابة العبثية : ميلادك في جُمادى القادم.

" أجل و إن يكن؟ ستعطيني مالاً في يوم ميلادي ؟" رددتُ بسخرية رافعاً مقلتاي

"ستكمل عامك التاسع و الثلاثين" قالت امي بشئ من الخيبة

"و ؟ " رددت

شعرت بعيني أمي تشتعل غيظاً، صخبت بحنق : عام واحد فقط علي إتمامك الأربعين! على ما أضعت عمرك ؟
بالمقامرة و تحصيل اكبر قدى ممكن من البغضاء و الديون ؟
علي جعلي أحملكَ رضيعاً، فتياً، و هرماً؟
سأموت قهراً يا سِراج.
انظر إلى حالك !

ها قد بدأت،
و حين تبدأ، لن تتوقف أبداً

اكملَت: ترتدي ذات اللباس منذ أسبوعين
حال لحيتك يُرثي لها من حلقها بالسكين
و بالله متى أخر مرة إستحممت ؟

"اسمعي يا إمرأة توقفي عن تلك الدراما" اردفتُ، انا حقاً اتضور جوعاً متي ستعطيني حِصتي لليوم.

"أربعون عاماً يا سِراج! اتعرف عدد الايام التي اهدرتها؟"

"بلى، ثلاثة عشر ألفاً و ثمان مئة و اربع و ثمانون.
هل بأمكاني تناول الغداء الان؟"

على ما اظن ضاقت امي ذرعاً فلزمت الصمت
اطفئت اللهيب مُتناولة قِدر الحساء، أردفَت : انا ذاهبة للسيدة لُبيبة، لا غداء لك اليوم

"بحق الله يا إمرأة اكاد أهضمُ نَفسي !" انتفضت بحنق
لكنها تجاهلتني تماماً كاللعنة و غادرت

أياً يكن حساءُها هو الاسوء و كنت اتناوله للأسبوعين الماضيين،
لا تضع فيه الملح حتى! اعني اعلم اننا لا نملك أياً مِنه لكن هذا ليس مبرراً.
فلتحصل علي معلقتين من الجِيران، تباً.

أشحتُ بنظري لصوت موزع الجرائد في الشارع، انه يوزع جريدة يومِ الاثنين.
الاثنين !
سأحصل على غدائي بنفسي.
________________________
زُقاق شَارِع بِرنقاع الخامس
كانت هذه وجهتي.

ما إن ولجتُ إليه لأجد ذاك الغُلام يجلس فوق مجموعة الصناديقِ تلك.
يا الله هيئته لا تتماشي ابداً مع هذا المكان.

ما إن لمحني لينتفض منتصباً كجندي حرب : يا مُعلم !
لمعت عينيه قبل يفسح لي مجالاً للجلوس : تفضل يا مُعلم.

لم يكن الطريق شاقاً، لكني أحببت التلاعب قليلاً،
لذلك جلستُ بتململ.

لذلك تفوه بقلق : أعتذر لأنك قطعتَ كُل هذا.

"هل أحضرت كعك الذُرة" أردفتُ.

لمعت عينيه قبل ان يخرج "أوه" من فاهه.
سحب حقيبته قائلاً : بالطبع يا مُعلم، هذا لا شئ امام ما تُقدمه لي.

حسناً احب إطراءه، لكن أحب الكعك أكثر.

ناولني كعك الذُرة المُغلف، فتحتها و كأني خرجت لتوي من مجاعة: إذاً، ماذا لديك هذا الأسبوع؟

"اوه اوه، لقد أخذنا اللغواريتمات يا مُعلم" انتفض داخلياً.

رفعت حاجباً : فقط؟ ياللسهولة، تعال سأشرح كل شئ بلمحة بصر.

ابتسم ابتسامة عريضة قبل ان يعطيني دفتراً و قلم.

حسناً لا أعلم، يقول أدهم أني بارِع بالرياضيات.
.
.
يُتبع..

_____________

انا التي عُدت من قعر الجحيم زحفاً🥴

مرحباً يا رفاق😆
لن تصدقوا اني عُدت، و لا أنا كذلك😳

لكن لم أعد فارغة الأيدي🕵️
انتظروا الكثير🥳

أراكم قريباً، جداً.

٢٠٢٢/٨/٦

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top