واقعية سحرية
فراغ أبيض على امتداد النّظر، ذلكما قابل أليس والأرنب عندما عبرا البوابة، التفتت أليس للخلف لعلّها تعود للبوابة للسّابقة، لكنّ البوابة اختفت للعدم وأصبح المحيط كلّه الفراغ نفسه.
«أين نحن؟» سأل الأرنب بينما يلتفت يمنةً ويسرةً بحثًا عن أيّ مخرج، لم تجب أليس وإنّما بقيت شاردة في الأفق وكأنّها تفكر بشيء.
«انظر لهذا!» همست للأرنب مشيرةً للأفق البعيد، حدّق إلى حيث أشارت ولكنّه لم يفهم ما الّذي تشير إليّه! كاد ينطق بشيءٍ ما متذمرًا، إلّا أنَّه لمح ما كانت تتحدث عنه.
لونٌ أسود كان يحتل الفراغ الأبيض الّذي هم فيه بالتدريج وبشكلٍ مريب ومخيف، أمسكت أليس أليس سريعًا بيد الأرنب لتسحبه بعكس اتجاه الظلال السوداء الّتي كانت تزحف ببطئ نحوهم، خلال ثوانٍ معدودة ابتلعهم الظلام ليسقط الاثنان نحو الأسفل وكأنّهم فعلا في الفراغ.
انتهى بهما المطاف بالوقوع في بركةِ ماء، لم يستطيعا السّباحة للأعلى، ولم يأتِ أحدٌ لمساعدتهما. كان القلق ينهش عقل أليس بينما تفكر بأنّ هذه هي النّهاية، توقفت عن الحراك لينزل جسدها للأسفل تدريجيًّا، كانت تراقب الأرنب الّذي استسلم بدوره وانخفض معها.
بينما قلّ الأوكسجين في رئتيهما وقبل أن يغيبا عن عالم الواقع، سقط الاثنان ليرتطما على أرضيّة باردةٍ أفاقتهما نن الغفلة الّتي كانا فيها.
«ماذا حدث بحقّ الله!» استنكر الأرنب متعجبًا من أنّ السّقف حيث سقطا هو الماء! استقامت أليس لتحدق بالماء باستغرابٍ ثم راقبت القطرات الّتي تسقط من الأرضيّة إلى السّقف بطريقة مثيرةً للجنون، معاكسةٌ للواقع بشكلٍ مخيف.
«هيّا لنبحث عن مخرج، قد نجد البوّابة التّالية» تحدّثت أليس بينما انطلقت برفقة الأرنب يسيران في هذا المكان الضخم.
«هناك بوابة!» هتف الأرنب بسعادةٍ مشيرًا إلى بابٍ غريب الشّكل، ليسارع الاثنان إلى ذلك المكان.
كان بابًا صغيرَ الحجم نسبةً للبوابات، الأمر الّذي أثار استغراب أليس ممّا يحدث، طرقت على الباب ومسحت عليه لعلّ اللّغز المعتاد يظهر ولكنّ لا شيء. سحبت مقبض الباب ليفتح بسهولة.
«هذا غريب!» همست باستغراب شديد بينما تكمل فتح الباب الغريب أمامهم، ما وراءه كان غرفة ضخمة أكثر من السابقة تحتوي على صفوف من الأعمدة المرتبة بشكلِ يبدو كأحد المعابد القديمة ولكنّ المختلف فيها هو شكل الأعمدة الّذي يبدو كالفطر الضخم المتحجر.
دخل الاثنان إلى تلك القاعة ليُغلَق الباب فجأة ويختفي عن الوجود.
«هذا ليس منطقيًا!» تذمّر الأرنب مشيرًا للباب وللأعمدة والصّالة كلّها
«لقد سقطنا من العدم إلى بركة ماء، ثم سقطنا من بركة الماء الثّقيلة اللّزجة تلك إلى غرفةٍ مريبةٍ سقفها من الماء، والماء يصعد من الأسفل للأعلى، وها نحن في مكانٍ مريبٍ أكثر! والأغرب أنّه لا وجود للبوّابة حتّى الآن. ما هذا الجنون؟! ألن يظهر حارسٌ غريبٌ للبوّابة يلقي علينا بعض الألغار ويرمينا ببعض تعاويذ السّحر حتّى نهرب عبر البوّابة للمرحلة التّالية؟!» الأرنب كان يتذمّر بصوتٍ عالٍ بينما تحاول أليس تهدئته ولكنّ بلا جدوى! بدا وكأنّه يفقد عقله بالفعل.
«رأينا ما هو أغرب من هذا! ابتلعنا تمساحٌ بقدمين بشريّة ثم استقبلنا في معدته! قابلنا تنينًا وشبحًا شريرًا وساحرًا مريبًا، كما كنّا أشباحًا غير مرئيين لوقتٍ بسيط! هذا ليس غريبًا وإنّما مريبٌ فقط» سحبته أليس من يده بعد أنّ أنهت كلامها ليبدأ الاثنان بالسّير بالتّدريج، ولكنّ ما أوقفهما عن السّير هو ضحكاتٌ تردّدت في المكان، ثمّ ظهر من العدم شيءٌ ما لم يستطع الاثنان تحديد ما إن كان شيئًا أو أحدًا ما!
تحرّكت المادّة اللّزجة الّتي ظهرت من العدم، ليخرج من داخلها رجلٌ غريب الشّكل، وجهه وجه رجل، ولكنّ يديه تبدوان كأنّهما لواقط سرطان البحر، وأقدامه ضخمةٌ بشكلٍ غريب. أمّا المثير للرّيبة هو شعره الأبيض المضيء الطّويل والّذي يتعدّى طوله طول الرّجل ذاته!
«أهلًا بالزّوار! أين وجهتكما؟» تساءل بسرعة بينما يحدق بساعة يده الضخمة بتفكير.
«لا وقت لدينا! تفضلا من هنا» دعاهما للتّحرك لينفذ الاثنان ما قاله، ولكنّ قبل أن يصلا إليّه سقطا من جديد في حفرةٍ عميقةٍ بينما يحدّق ذلك الغريب بهما بابتسامةٍ جانبيّة.
«أنّا أكره السقوط مرارًا وتكرارًا» صرخ الأرنب بينما كان الاثنان يستمران بالسقوط للأسفل أكثر فأكثر.
كان النفق مظلمًا ولكنّه فجأةً أضاء عندما تحولت عينا الأرنب للون الأحمر المثير للاهتمام، كان الاثنان مصدومين من الأمر، ولكنّ أليس تداركت الأمر وهتفت بشيءٍ من الاستغراب.
«أليس على الأنّفاق أنّ تمتلك نهاية أيًّا كان عمقها؟ هذا ليس منطقيًّا فنحن نستمر بالسقوط للأسفل من المفترض أنّ نكون قد وصلنا إلى المركز بالفعل!» ما إنّ أنّهت حديثها حتى ظهرت مكانهما أرضيّة يقف عليها الاثنان، كان ظهورها سحريًّا.
«ابحث عن الواقعيّة في المكان حتى تجد المفتاح!» همس الأرنب يقرأ ما كُتب على الأرضيّة.
«نحن في عالم الفانتازيا كيف سيكون هناك واقعيّة؟» سأل الأرنب باستغراب شديد بينما يشيير لما حوله.
«ألم تسمع بالواقعيّة السّحريّة؟ حتى أكثر القصص خيالًا يجب أنّ يكون فيها واقعيّة ومنطقيّة! الواقعيّة في الفانتازيا تأتي من نسيج الكاتب، فهو من يخلق هذه الواقعيّة، يقوم الكاتب بوضع أسسٍ وقوانينٍ لعالمه الخياليّ، ليجعل منه منضبطًا في واقعيّةٍ سحرية تختلف عن واقعيّة العالم الحقيقيّ، إلّا أنّها تعتبر واقعيّةً للفانتازيا» شرحت أليس للأرنب الموضوع ليعقد حاجبيه بتفكير.
«ولكن كيف ذلك؟ هناك أماكن وأوقات تتفاوت وتختلف عن بعضها البعض، كيف سيتمكَّن الكاتب من وضع واقعيّةٍ لكلّ ذلك؟!» سألها باستنكار.
«دعني أخبرك بينما نتحرّك للخروج من هنا!» أخبرته لتبدأ بلمس الجدران من حولهما.
«بما أنّ أيّ عالم فانتازيّ يحتاج للضّوابط فهذا يعني وجود قوانينٍ للعالم نفسه كعالم بعيدًا عن ما فيه. كما أخبرتك سابقًا، نحن كنا نسقط لوقت طويل! فإنّ كان هذا العالم مستديرًا فيمكن أن نصل للمركز! وعندها يجب أنّ نتسلق الصخور لنخرج! وأمّا إنوكان مسطحًا فيجب أنّ نجد مخرجًا في الأسفل» هتفت له ليرمش بعدم فهم.
«من غير المنطقيّ أنّ يكون عالم كامل مسطحًا لذلك سنفترض أنّه دائريّ، وبما أنّنا وصلنا لنهاية مسدودة فهذا يعني بأنّنا اقتربنا من المركز بحسب الجاذبيّة. والجاذبيّة تعدّ أمرًا حتميًّا حتى في قصص الفانتازيا، لأنّها تثبّت الأشياء في العالم! وبما أنّ الحرارة ازدادت، ولكنّ هناك بعض الرطوبة فهذا يعني أنّ ما أسفل هذه الأرضيّة يفترض أنّ يكون نبعًا ساخنًا، ومع انفجار الماغما الّتي تتكون في قلب أيّ كوكبٍ بسبب الضّغط، بذلك سنندفع للأعلى بسبب البخار الّذي سيكتون من تبخّر الماء بالأسفل! وباعتقادي ستكون هذه الأرضيّة مجرد قشرةٍ رقيقةٍ ستتحطم خلال ثوانٍ» شرحت له لتتّسع عيناه بصدمة.
«سيتم سلقنا كما نفعل بحبّات البطاطا!» هتف بخوفٍ يولول.
«إذًا ساعدني لنتسلَّق هذا النّفق ريثما نجد حلًّا!» قالت له، ولكنّها توقفت فجأة تفكر.
«لحظة! نحن في عالم الفانتازيا! لماذا لا نخلق الواقعيّة؟! الأرضيّة هذه ليست بأرضيّة! وإنّما هي جمجمة حيوان الثّيرودينا، و هو حيوانٌ أسطوريٌّ انقرض قبل سنواتٍ طويلة. شكله يشبه التّنين ولكنّه أكبر. البحيرة الّتي أسفلنا ليست إلا نبعًا مائيَّا سحريًّا سينفجر للخارج، يدفع الجمجمة الّتي نجلس عليها لنخرج من هذا النفق! الانفجار سيحدث بعد خمس ثوانٍ لأنّ مستوى الماء ارتفع للغاية وحان وقت خروجه!» تحدثّت أليس ثمّ عدت الثّواني لتندفع الأرضيّة الّتي تحولت لجمجمة فجأةً حتى خرج الاثنان من سطح النفق ليجدا ذلك الغريب أمامهما!
«أنّت تخاف الماء لأنّ نصفك سرطان البحر فقد عائلته بسبب حوت استر العملاق الأحمر لذلك ستخاف الماء المندفع وتهرب» ما إنّ نطقت بذلك حتى اتسعت عينا المخلوق برعبٍ ثمّ اختفى من المكان.
ركض الأرنب وأليس بعيدًا عن الحفرة بين الأعمدة الفطريّة.
«المكان قديم لا يمكنه أنّ يكون بذلك الاتساع، البوّابة قريبة!» هتفت أليس لتظهر البوّابة بشكلٍ قريب.
طارت فراشاتٌ في المكان قرب البوّابة، كانت البوّابة مغلقة، ليتوقّف الاثنان باستغرابٍ شديد.
«لم أفهم! يجب أنّ تفتح!» تذمّرت أليس لتظهر عباراتٌ على البوابة بلون أحمر.
«كيف تؤثّر المظاهر على المنطق في عالم الفانتازيا؟» قرأ الأرنب المكتوب على البوّابة، لتعقد أليس حاجبيها بتفكير، لم تكن تعرف الإجابة.
«يؤثّر الوصف على تحديد بعض القواعد الثّابتة، كيف يمكن لمخلوق مائيّ أن يعيش في الغابة؟!» همست فراشةٌ في أذن أليس.
«الوصف يؤسّس قواعد العالم، فهو أداة الكاتب لوضع الضّوابط في العالم الّذي خلقه من أشكالٍ وصفاتٍ وألوانٍ تحدّد المنطقيّة في عدم تجاوز هذه القوانين والثّوابت!» هتفت أليس مبتسمة للفراشة الّتي غمزت لها.
تذمّر الأرنب بملل لأنّه جرح إصبعه بالأنّياب الّتي ظهرت فجأة من العدم في فمه للتدلى للأسفل!
كادت أليس تتحدّث ولكنّ البوّابة انفتحت أمامهما، تردّد الاثنان بالدّخول ولكنّ منظر مياه النّبع المتفجّر القادمة باتجاههما قضت على التردّد ليدخل الاثنان عبر البوّابة!
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top