همسات ريح
منذ سنواتٍ عديدةٍ، كان حيوان الأبوسوم يمتلكُ ذيلًا جميلًا جدًا، مخطّطًا بالأبيضِ والأسود، ومع فروه الرّماديّ وعيناه اللّتان تحيطُهما دائرةٌ سوداء، كان يبدو جميلًا. لكنّه أحبّ ذيله أكثر مِنْ أيّ شيءٍ آخرٍ ، فأصبح مغرورًا.
لمْ تحبّ الحيوانات الأخرى كيف يتصرّف الأبوسوم، فهو يرفضُ الحديثَ معهم بأسلوبٍ لطيفٍ، ولا يتعاون معهم في حالةِ الطّوارئ قائلًا: «العملُ معكم سيفسد جمالي».
لذلك قرّرتْ الحيواناتُ التخلص مِنْ ذيله، فاتّفقوا على اختيار الأبوسوم ليكون الرّاقص الرّئيس في المهرجان الكبير الّذي تقيمه حيواناتُ الغابةِ، وطلبوا منْه أنْ يحرصَ على جماله بالذّهابِ إلى صالونِ الحشراتِ، لذلك ذهب إلى صالون الحشرات، ليجعل ذيْله أكثر جمالًا.
دخل الأبوسوم إلى الصّالونِ، وهو يتحدّثُ مع الحشراتِ لتهتمَّ بهِ متجاهلًا الحيواناتِ الأخرى. ذهبَ ليجلسَ على وسادةٍ مصنوعةٍ مِنْ أوراقِ شجر الموزِ.
جلس الأبوسومُ، وجاء الصّرصورُ ليقوم بتمشيطِ ذيل الأبوسوم، وبسبب حركةِ الصّرصور اللّطيفةِ نام الأبوسومُ.
وبينما كان الأبوسوم نائمًا بدأ الصّرصور بحلاقةِ ذيله الجميل، ووضع قوسًا كبيرًا في نهايتهِ، وما إنْ استيقظَ الأبوسومُ حتى قال له الصّرصور: «لا تنزع القوس إلا عندما تبدأ الرّقصَ، فحينها سينفردُ ذيلكَ بشكلٍ جميلٍ».
قام الأبوسوم بالاستماعِ لكلماتِ الصّرصورِ، وعندما حلّ يومُ المهرجانِ واجتمعت الحيواناتُ لمشاهدةِ رقصّة المهرجانِ التي سيؤدّيها الأبوسومُ، وعندما بدأ الرّقصَ أزال القوس.
فسمع صوت ضحك الحيواناتِ مِنْ كلّ مكانٍ؛ فالحيواناتُ تضحكُ على ذيله الّذي أصبح الآن عظميًّا وقبيحًا للغايةِ، فأُصِيبَ الأبوسومُ بالإحراجِ الشديدِ، حتى انقلبَ ميّتًا.
ما إنْ أنهيتُ قراءتي لقصّة الأبوسوم، حتّى تخلّصتُ مِنْ آثار اندماجي مع القصّةِ، وأزحتُ عينَيَّ عن شاشة الحاسوبِ بينما أفركُهما بلطفٍ. حدقتُ مِن النافذةِ قربي، وتذكرتُ كيف كنتُ أبحثُ عن إجاباتٍ لأسئلتي التي تفجرتْ عندما سمعتُ اسم (قصص الأطفالِ).
وكلّ ذلكَ بدأ بسؤالٍ وجيهٍ هو (ما الّذي يرويه الأباءُ والأجدادُ والكبارُ للأطفالِ في القبائلِ؟) لذلك لمْ أدّخر جهدًا حتى وجدتُ هذه القصّةُ التي تمّ تناقلها عبر أجيال قبيلةِ الهنودِ الحمرِ.
ومع هذا شرع مخي بطرح الأسئلةِ حول هذا الموضوع، فسارعتُ لتدوينِ هذه الأسئلةُ بينما أستعدُّ للبحثِ عن مصادرَ موثوقةٍ أجدُ فيها الإجابات.
خَطَطَتُ بقلمي أوّل سؤالٍ استراح ببالي ثمّ تبعته بقيةُ الأسئلةِ، وقد كان أوّل تلك الأسئلةِ يتحدّثُ عن أهميّةِ هذه القصص لهؤلاءِ الأطفالُ. ودوّنتُ بعدها الإجاباتَ بخطٍّ واضحٍ. تلك التي كان محتواها أنّ الفحوى مِنْ روايةِ هذه القصص هو سَرد تاريخ النّاس، أو لإخبار الأطفال مِنْ أين أتوا أو لاستذكار مآثر بطلٍ معينٍ. وغالبًا ما تُروى هذه القصص لتثقيفِ الأطفال حول الأخلاق والقيم الثّقافيّة، كما أنّها تساعد أيضًا في شرح الجوانب الخارقة للطّبيعة والغريبة للحيواناتِ والبيئة. وتُظهر القصّة التّاريخ الطّويل للنّاس وتقوّي الرّوابط داخل المجتمع.
مثيرٌ للاهتمامِ صحيح؟ إذًا لو تحدّثنا عن الأغراض الثّقافيّةِ للقصّةِ، فما هو المغزى في رأيكم مِنْ قصّةِ الأبوسومِ وذيله؟ سأدعُ لكم الفرصة للإجابةِ.
أمّا أنا فسأنتقلُ للسّؤال التّالي والّذي جاء ببالي فور معرفتي لموقع قبائل الهنود الحمر، حيث أنّهم كانوا يعيشون في أمريكا، بالتّحديد في شرق ولاية كارولينا الشّماليّةِ، وهذه المناطقُ قد تعرّضتْ لحملاتِ الاستيطان الأوربيّ، فتساءلتُ كيف تعامل الأطفالُ مع ذلك الواقعِ؟
وهنا كانتْ الإجابةُ متمثلةً في ذلك الصوتِ الّذي تصدره الأمّهاتُ الهندياتُ مِنْ شعب (كوهاري) لأطفالهن لكيّ يناموا ويصمتُوا عندما يمرّ الغرباء بهم، ذلك الصوتُ الّذي يبدو مثل حفيف أوراق الشّجرِ بينما تتمُّ مداعبتها بواسطةِ الرّياحِ.
وعندما يتساءل الأطفالُ عن ذلكَ الصوتُ، تسارعُ الأمّهاتُ لسّرد القصّةِ المعروفةِ بينهن بأنّ هذا صوت تاريخِ القبيلةِ وماضيها، وهو يتمُّ تناقله عبر همسات الأشجار والرّياحِ.
وبعد هذا السّؤال الوجيه، حدّقتُ في السؤال التّالي، والّذي تحدّث عن طريقة خلود هذه القصص حتّى الآن.
حدّقتُ في شاشةِ الحاسوب لثوانٍ، ثمّ نقرتُ على المفاتيح بسرعةٍ، وانتظرتُ الصّفحة حتّى يتم تحميلها.
وما إنْ فعلتْ حتى تنقّلتُ بعينَيَّ عبر السّطورِ بسرعةٍ حتّى ألتقطتُ كلمة (نقلها).
وهنا عدتُ لقراءة الفقرةِ بتمهّلٍ، وقد كان الجواب مستكينًا فيها، فالسّببُ في خلودِ هذه القصص هو تناقلها عبر الأجيالِ، فهي في النّهايةِ موجودةٌ نتيجةً لمزيجِ المجتمع، فلمْ يبتكرها شخصٌ بعينهِ، ولذلك حرص الشّيوخ والكبارُ على نقْلها جيلًا بعد جيل، ممّا يعني أنّه في اللّحظةِ التي يتوقّفُ فيها سرد هذه القصص لأطفال الجيل التّالي، ستندثرُ هذه الحضارةُ، وينكسر سحر الخلود.
الآن يا أيّها القراء النّهمون للمعرفة، دعوني آخذ رأيكم عن فكرة القصص البسيطةِ التي رويتها لكم؟
أترون أنّ حبكة هذا النّوع مِن القصص ضعيفةٌ أم ملائمةٌ؟
وماذا عن سرد القصص مِنْ خلال التّلفاز، هل ترون الفائدة منه كالفائدةِ التي نحصل عليها عندما يسرد القصّة لنا شخص ما القصص تحت ضوء القمر، وأمام شعلات النّار المتأرجحةِ؟
كما هل يذكّركمُ حيوانُ الأبوسوم هذا بشخصيةٍ كرتونيّةٍ معيّنةٍ؟
-تهمس- لن أخبركم أنّ الشخصيةِ مِنْ كرتون (بطاريق مدغشقر).
كانتْ معكم العضو تارديس.
المصدر:
https://www.ncpedia.org/culture/stories/american-indian
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top