نحو الأرض


بحدقتين متّسعتَين صرختْ ذات الخمس سنوات: «يا إلهي! ما هذه الحُمرة الّتي تكسو الطاولة! أهي دماءٌ يحاول مصّاصو الدّماء شربها؟» بتأفّفٍ ردّت أختها الكبرى: «من أين سيأتي مصّاصو الدّماء بحقّ الله؟! إنّه معجون طماطمٍ فحسب.» أردفتْ موجّهةً نظرها للقُرّاء بعينين لامعتين: «حسنًا، بعد رحلتنا الشّيقة بين الكواكب مع مختلف أعضاء النّقد، قرّرتُ أن نعود لكوكبنا الحبيب، وما سأتحدّث عنه اليوم...» صرختِ الصّغيرة مقاطعةً حديث أختها الكبرى: «عجبًا! تتحدّثين إلى القُرّاء؟ مرحبًا!» بخفّةٍ ضربت الكبرى جبهتها قبل أن تحاول إخراج أختها من الغرفة: «أُنظري يبدو أنّ هناك برنامجٌ جديدٌ يعرَضُ علی التّلفاز!»

أكملتْ حديثها بعد زفرةٍ مرتاحة: «وأخيرًا! أين كنّا؟ إذًا بما أنّنا على كوكب الأرض سنتحدّث عن الواقعيّة» أردفتْ تمسح الطّاولة من معجون الطّماطم: «كما تعرفون إنّ الواقعيّة هي عكس كلام أختي في البداية؛ فمن غير الممكن أن يتواجد مصّاصو الدّماء في منزلنا الهادئ، وبما أنّ قصص الخيال العلميّ تختلف عن منزلي؛ فإنّها ستحتوي على مختلف الكائنات الغريبة المستقبليّة كالفضائييّن، وبالطّبع ستجري أحداثها في المستقبل أو في الفضاء.

مثلًا في قصّةٍ تتحدّث عن المستقبل محالٌ أن يرتدي الفضائيّون ثيابًا من الكتّان وجلود الحيوانات كالفراعنة القدماء، فمن المتوقع أنّ ثياب المستقبل ستكون أكثر عصريّةً وتطوّرًا، بالإضافة لذلك لن يستخدموا هواتفَ أرضيّةً في التّواصل مع بعضهم البعض، بل سيكون لديهم أجهزةٌ أكثر تطوّرًا، هذا من ناحية الزّمان، فيجب أن تتوافق كلّ تفصيلةٍ في قصّة الخيال العلميّ مع زمنها؛ أمّا من ناحية المكان، فلن يستبدل الفضائيّون حافلات المدرسة التّي تتواجد في الأرض ويتكبّدون عناء توصيلها للقمر من أجل غزوه في حين يستطيعون استخدام مركباتهم الطّائرة، ولن يستطيعوا زراعة الأزهار في تربة القمر بانعدام المياه والجاذبيّة، وهكذا بالنّسبة للأمور الأخرى؛ فكلًُ شيءٍ عليه أن يكون واقعيًّا ومبرّرًا لأقصى درجةٍ ممكنة.

يجب الانتباه أيضًا للعناصر الأخرى، كالشّخصيّات الّتي يجب أن تتأثّر تصرّفاتها وردّات فعلها تجاه الأحداث المختلفة، فعادةً تكون الشّخصيّة الّتي تلعب دور البطولة في القصّة مستعدّةً لكلِّ شيء وشُجاعةً لا تخشى المفاجآت، وحتّى لو لم تكن كذلك في بداياتها فإنّها بحكم عيشها في المستقبل بين الغزاة وفي الفضاء المجهول، تعتاد على الحروب وكلِّ ما هو غامض، لكن يبالغ بعض الكُتّاب في ذلك فيجعل شخصّياته خارقة وربّما تكون مجرّد شخصّياتٍ بشريّةٍ، حتّى لو كان لديها قوّةٌ خارقةٌ فيجب أن تكون تلك القدرات في حدود الواقعيّة، أيّ أن تمتلك نقاطَ ضعفٍ كامتلاكها للقوّة؛ فانهيار الشّخصيّة أحيانًا وإصابتها سواءً نفسيًّا أو جسديًّا سيقرّبها من الواقع ويجعل القُرّاء متأثّرين بها وشاعرين بكلِّ ما تشعر به.

إنّه من المؤكّد أنّ الخيال العلميّ لا حدود له، فيمكن للكاتب أن يحلّق بعيدًا جالبًا الأفكار من خارج الصّندوق ومبتكرًا فيها؛ فلطالما توقّع كتّاب هذا المجال أمورًا مستقبليّةً غير معقولةٍ في زمانهم لكنّها أصبحتْ واقعًا في الحاضر، وهذا لا يخالف الواقعيّة مطلقًا، إذ أنّ الواقعيّة تعني أن يبتكر الكاتب عالمًا له قوانينه وحدوده، مثلًا حين يفشلُ العدوّ بسبب قلّةِ متانة الدّرع الّذي يستخدمه، لا يمكن للبطل أن ينجح وهو يستخدم ذات الدّرع، أي حين يضع الكاتب قانونًا لن يخرقه من أجل البطل وكي تسير الأحداث كما خُطِّط لها؛ فتلك الصّعاب كلّما تواجدت وتمكّن الكاتب من تخطيّها بواقعيّةٍ زادتْ من مستوى القصّة ودلّتْ على احترافيّة الكاتب.

ختامًا، إنّ الخيال العلميّ صِنفٌ مميّزٌ ومختلفٌ عن بقيّة الأصناف؛ فكُتّابه من توقّعوا أنّنا سنحلّق بعيدًا للقمر ونغوص عميقًا تحت المياه… وبعد أن انتهينا من رحلتنا حول الخيال العلميّ ومختلف عناصره ومواضيعه حانت لحظة النّهاية، نأمل أن يزدهر هذا العنصرُ في الأدب العربيّ وتزدهر الأفكار المبدعة فيه.

كاتب الفصل: العضو زُهرة.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top