نجاحاتٌ تؤرخُ


هل تسمعون؟ إنّها أصوات ضجّةٍ تنبثق مِنْ كلّ مكانٍ. بعد شهرٍ كاملٍ مِنْ الإعداد والتّجهيز؛ استعدادًا لحفل اللّيلة، هو حفلٌ ليس كأيّ حفلٍ، بل حفلٌ على الطّراز الفيكتوريّ.

وهاهي قائدتنا تنادينا، يبدو أنّنا تأخّرنا وعلينا الإسراع، فالنّصف الآخر مِنْ الفريق قد استعدّ. إنّه قسم الرّجال الّذين ارتدوا بدلاتهم ذات السّترات الطويلة المزركشة، كم يبدون رائعين في هيئتهم الفيكتوريّة!

أمّا نحن فنصطفّ تبعًا للقسم النسائيّ؛ لذلك قد احتجنا وقتًا أكبر في الإعداد، يا ويلي! ما أصعب التحرّك بهذا الثّوب الضّخم المُزدحم بتلك الطبقات المتعدّدة! إنّه ثقيلٌ للغاية. لكننا جميعنا سعداءُ بهيئتنا، والأجواء حقًا رائعةٌ.

وها قد وقفنا استعدادًا لاستقبال نجم الحفل، لقد ارتفع صوت موسيقى التّرحيب، لقد وصلتْ!

إنّها صاحبة القصّة الفائزة في مسابقة درع التّاريخ، فبعد تفقّد الكثير من الأعمال وقع الاختيار على الأفضل والأنسب ألا وهي قصّة (حدث ذات مرّةٍ في ويلفيرتون) لصاحبتها المبدعة: @oOmamao

حيث انتقلنا معها إلى قصرٍ رائعٍ في أحد أطراف الرّيف الإنجليزيّ في موسم الصّيد، ووسط المزيد مِنْ الغموض والإثارة انغمسنا جميعنا في حلّة العصر الفيكتوريّ -ولا زلنا تحت تأثيره، انظروا إلينا-

هيا انثروا الورود وأغدقوا عليها أرقّ عبارات التّهاني، مباركٌ لكِ!

وبعد فقرة التّرحيب بنجمة الحفل، دعونا نقدّم لها الجوائز -تصفيقٌ يا سادة-

والآن موعدنا مع الجائزة الأولى، ألا وهي خلفيّةٌ لأحد اقتباسات قصّتنا الرّائعة يضعها الفريق كخلفيةٍ.

أمّا الجائزة الثانية، فهي فيديو تشويقيّ للقصّة.

وجائزتنا الثّالثة، هي وضع القصّة الفائزة في قائمة القراءة الخاصّة بحسابنا. في حين أنّ الجائزة الرّابعة هي كتابة فعاليةٍ تُنشر على حائط الفريق. وعلى الكاتبة التّواصل مع الفريق لمناقشة ذلك، على صندوق الرسائل الخاصّة( الخاصّ بالفريق).

وأخيرًا وليس آخرًا جائزتنا الكبرى ألا وهي نقد القصّة.

_______________________

نقد رواية «حدث ذات مرّةٍ في ويليفرتون»

في ريف محافظة ويلفيرتون الهادئ، تتولّد أحداثٌ مختلطةٌ، تستحضر الماضي والمستقبل، تحوي في ثناياها الانتقام والحبّ والنُبل والجريمة، وينتج مزيجٌ فيكتوريٌّ في سطورٍ.

في بادئ الأمر قد يظنّ القارئ أنّها روايةٌ تتبع مسير نبيلةٍ في البحث عن الزّوجٍ المثاليّ الّذي سيحتويها ويكون لها السّند الثابت الّذي لا يميل. ثمّ ينتهي الأمر بمسرح جريمةٍ وضحاياه ومتّهميه ومحاميه. ما القصّة خلف هذه الجريمة؟ مِنْ مدبّرها وما سببه؟  أهو الكره؟ أم الانتقام مِنْ واقعةٍ حدثتْ في الماضي؟

الفكرة مِنْ القصّة، والّتي هي أساس العمل والبذرة الّتي تنمو في القصّة، ومعها تظهر أغصان بقيّة العناصر القصصيّة، هي حجر البناء الّذي تستند إليه.

فكرة قصّتنا والّتي تمثّلتْ في عودة صوفيا وديريك للانتقام مِنْ اللّورد كاريت المتسبّب في مقتل والديهما، ولقد تأخّرتْ الفكرةُ في ظهورها، ولم نتعرّف على معالمها سوى في آخر الفصول، حيث رأينا القصص الّتي تدور حول الانتقام، ممّا يجعل الفكرة تبدو مبتذلةً في البداية، ولكن وضع الأفكار الثانويّة معها هو لمسةٌ فريدةٌ ستضفي التَّميّز على القصّة، ولو كان قدرها أقلّ مِنْ القدر الموجود في القصّة.

والمقصد هنا، أنّ الفكرة المعتادة بأفكارها الجانبيّة تجعلها مميزةً، لكن لا يجب عليها أنْ تغطّي الرئيسة بحيث لا تكاد تظهر!

رافقتْ هذه الفكرة فكرتين ثانويّتين وارتبطتا بها ارتباطًا وثيقًا رائعًا لكن -كما سبق وقلنا- مبالغٌ فيه، فالأولى كانتْ بحث اللّيدي سارا عن النّبيل المناسب لها حتّى تهرب مِنْ رغبة والدها في تزويجها من اللّورد لوغان. والثانية كانتْ محاولة اللّورد ويلفيرتون حلّ الخلاف الّذي نشب بين اللّورد كاريت والسِّير هاثواي الّذي انتهى بأحدهما قتيلًا والآخر متّهمًا. وقد أحسنَتْ الكاتبة اختيار هاتين الفكرتين لدعم الأساسيّة، ولكن حبّذا لو خفّفتْ تأثيرهما على القصّة والسّماح للفكرة الأم بالظّهور والبروز أكثر.

ولأنّنا قلنا أنّ الفكرة هي بذرةُ العمل وأغصانها هي العنصر، نتسلّق أوّل هذه الأغصان الخضراء الغضّة ألا وهو الحبكة، مجموعة الأحداث المُعاشة في القصّة الّتي تضمّ داخلها العُقَد المنسوجة بأيدي الشّخصيّات.

حبكتنا كانتْ مركًبةً واقعيّةً تحوي بداخلها عدّةَ عُقدٍ مختلفةٍ ومترابطةٍ مع بعضها بشكلٍ جيّدٍ، لم تسهم -للأسف- بشكلٍ فعّال في تثبيت دعائم الفكرة الرئيسة أكثر ممّا فعلتْ للثانويّة؛ فتوجّب العدل والإنصاف في توجيه الأحداث نحو الفكرة الرئيسة بشكلٍ أفضل.

وكأصغر مثالٍ على التّرابط بين الأحداث، ترابط كَوْن صوفيا لا تثق بسبستيان لأنّها تظنّه كوالدها، يخفي الحقائق ويدافع عن المُخطئ ويتستّر عليه لأجل المصلحة الشخصيّة. حيث أنّه فعل هذا مع قضيّة السيّدَين اللّورد بلاك وود وزوجته، وانتهى بالقضيّة مغلقةً بإدّعاء أنّهما ماتا في حادثِ عربة، وأنْ لا أحد افتعل الحادث. وظهر ذِكر هذا الحدث سابقًا على لسان زوجة ابنهما والّتي تكون صديقة سارا، حيث أخبرتها بهذه التّفاصيل.

ومثالٌ أكبر، هو السّبب خلف رغبة ديريك في مراقصة سارا ولا أحد غيرها، حيث تبيّن أنّه بهذه الطريقة يريد التقرّب منها ومِنْ عائلة ويلفيرتون، بعد عِلمه أنّها لها علاقةً باللّورد كاريت، وذلك ليقدر أنْ يصل إليه وأنْ ينتقم منه شرَّ انتقام.

ولمثالٍ آخر أشدُّ وضوحًا، سفر كلٍّ مِنْ ديريك وصوفيا ومعاناتهما في تأسيس نفسيهما خارجًا، وبنفس الوقت محاولة التقرّب إلى اللّورد كاريت، ترابطت مع رغبة الاثنين للوصول إليه لقتله والأخذ بثأر والديهما، هذا التّرابط الّذي نتحدّث عنه، وقد أبهرنا فعلًا.

كانتْ الحبكة معروضةً بسلاسةٍ وانسيابيّةٍ، أيّ أنّ الكاتبة بدأتْ الأحداث بنقاشٍ بين اللّورد وزوجته وابنته والمرافقة صوفيا، ثمّ تحوّل إلى قصر ستاندفورد حيث حفلٌ راقصٌ كانتْ قد دُعِيت إليه اللّيدي سارا. تلاه موسم الصّيد الأكثر إثارةً في قصر ويلفيرتون مِنْ أحداثه الشّائقة في الصّيد والمناوشات بين اللّورد كاريت والسير هاثواي. اتهاماتٌ بالاغتيال ثمّ اتهاماتٌ بالقتل، ينتهي الأمر بتحقيقاتٍ في مقتل السير هاثواي وكشفٌ لأحداثٍ قد سبق وحدثتْ، فتنتهي القصّة حينما تصل الفكرةُ إلى نهايتها.

عرض الحبكة بتسلسلٍ كان في محلّه، ساعد هذا في توضيح الأحداث دون تشويشٍ. ولو أنَّ الكاتبة استعملتْ عرضًا انكساريًّا لساعدتْ في تحسين التّشويق وزيادته، شريطة أنْ تتقنه، فإنْ لم تفعل سيهدم هذا بنية الحبكة بأكملها ويجعل الوقائع غير مفهومةٍ وغير مترابطةٍ.

ورغم كون الحبكة سلسةً إلّا أنّ بعضًا مِنْ مظاهر الاسترجاع الزمنيّ قد تدخّلتْ في بضعِ مواضعٍ، قد تكون قصيرة المدى، كعودة الكاتبة إلى حيث كانتْ صوفيا وحيدةً في الحفل تاركةً اللّيدي تراقص رجالها براحةٍ، وما الّذي حدث لها حينها، ومَنْ قابلتْ ومَنْ حادثتْ، أو طويلة المدى كالعودة إلى يومِ دُفن والِدا ديريك وصوفيا، وما آل به وفاتهما مِنْ حزنٍ للقرية بأكملها، وما تبع ذلك مِنْ الأحداث.

الاستعانة بالاسترجاع الزمنيّ لتوضيح الأحداثِ نقطةُ قوّةٍ للقصّة، رغم أنّ الحبكة سلسةٌ، لكن هذا ساعد على وضع أسسٍ لأحداثٍ قادمةٍ، عملٌ أحسنتْ الكاتبةُ به.

ومِنْ الغصن الثّاني إلى الثّالث، نقابل عنصرًا يعطي الشّجرة لونها الأخضر، المسؤول عن كون العالم الّذي خلقه الكاتب في القصّةِ منطقيًّا لا يحوي فجوات انعدام المنطق، وأنْ يكون للأحداث طابعٌ يتقبّله الكاتب فيحاكي واقعه، هذا عنصر الواقعيّة.

كانتْ الواقعيّة في هذه القصّة مُبهرةً جدًا، الاهتمام بالتّفاصيل والحفاظ على منطقيّتها أحد أسس نجاح هذا العمل بصفته روايةً تاريخيّةً، لا صُدف مُفاجئةٍ، ولا أحداث غيرَ واقعيّةٍ، سوى في موضعٍ جلب الريبة وصُنف كغير واقعيٍّ بالفعل.

نستحضر مشهد التقاء السيّد ماكدونيل بسبستيان في الفندق، حيث نسأل أنفسنا سؤالًا هامًّا، كيف عرف بكونه سيمرّ مِنْ هنا فينتظر لقاءه؟ إنْ كان يعلم أنّه سيتّجه إلى الرّيف وأنّه سيقيم في الفندق الوحيد فيها فلِمَ لم توضّح الكاتبة هذا؟ أم أنّه فقط علم بطريقةٍ مجهولةٍ؟ لو أنّ الكاتبة قالتْ على لسان ماكدونيل أنّه جاء إلى هنا بعد علمه أنّه سيقيم هنا لكان الأمر أكثر واقعيّةً.

غيرَ هذا كانتْ الواقعيّة -كما قلنا- مبهرةً، ومِنْ هذا أكثر الأحداث واقعيّةً هو الدّافع الّذي قتل بسببه اللّورد كاريت السير هاثواي، حيث أنّ هذا الدّافع هو قوله أنّه حالما يفوز بالانتخابات سيبيد كلّ المسؤولين الفاسدين. ممّا شكّل تهديدًا لكاريت وجعله يظنّ أنّه سيستغلّ منصبه لفضح كلّ جرائمه. لذلك قرّر قتله. سببٌّ أكثر مِنْ واقعيٍّ، أحسنتْ كاتبتنا!

إلى غصنٍ آخرٍ، البداية هي مقدّمة كلّ شيءٍ حتّى القصص، الممهّدة لولوج القارئ إلى عالم القصّة وتحسّس ملامحها لإعطاءها ردّة فعلٍ أوليّةٍ قد تتغيّر في النّهاية أو لا.

كانتْ بداية قصّتنا وَصفيّةً تشرح الأجواء في القصّة خفيفة الحركة، بدتْ جامدةً مملّةً بعض الشيء، وددنا لو أنّ للقصّة بدايةً محمّسةً أقوى مِنْ هذه، تشدّنا إلى الإكمال، ماذا عن أنْ تقتطع الكاتبة جزءًا مِنْ ماضي صوفيا وديريك في البداية أولًا؟ هذا سيدفع القارئ إلى أنْ يتساءل ما الّذي جرى ليحصل كلّ هذا؟ وسيساعده على التشوّق للوصول إلى الجزء الّذي يشرح ما حدث سلفًا.

بعيدًا عن التّشويق في البداية، التّشويق في القصّة ككلٍّ كان لا بأس به، كان خفيف المرور وقد ترك لنا الكثير مِنْ التّساؤلات الّتي وددنا معرفة إجابتها والتعرّف على المجهول حولها، حتّى جاءتْ ذروة التّشويق في وصول خبر موت السير هاثواي، فنشبتْ نار الفضول فينا حتّى نعرف ما الّذي سيحصل بعدها؟ مَنْ المتسبّب؟ ما عقابه؟
لهذا كان التّشويق جيّدًا في كثيرٍ مِنْ الأحيان، ولا ضير مِنْ أنْ تزيده الكاتبة مع اشتداد الصّراع، والّذي سنتحدّث عنه الآن.

مِنْ غصن التّشويق نتشبّث بأوراق غصن الصّراع الخضراء، هذا العنصر التّالي هو نتيجة اشتداد تعاقد المصائب وتراكمها، هو ذروة العُقد في القصّة، تصادم القوى وتضاربها.

كانتْ الصّراعات متكرّرةً في القصّة، وكان مِنْ الصعب قليلًا تمييز الصّراع الرّئيس بينهم، ولكنّه في النّهاية الصّراع الخارجيّ بين اللّورد كاريت وكلّ أعدائه، كانوا صوفيا وديريك، السير هاثواي أو حتّى القضاء بحدّ ذاته، صراعٌ جيّدٌ وداعمٌ لفكرة القصّة ومرتبطٌ بها.

أمّا الصّراعات الأخرى فكانتْ ثانويّةً جانبيّةً، منها صراع سارا الدّاخليّ المعنويّ مع ذاتها حول كيف ستهرب مِنْ الزّواج بالدّوق لوغان، وإذا كان ديريك يملك تجاهها مشاعرًا أم لا، حيث أنّه لم يراقص أو يغازل غيرها، ثمّ يقول أنّه لا يفكّر بالزّواج.

صراعٌ ثانويٌّ خارجيٌّ آخرٌ كان صراع اللّورد ويلفيرتون مع السير واللّورد، حيث كان في نيّته الإصلاح بينهما وانتهى الأمر بأحدهما مقتولًا وباللّورد نفسه متّهمًا بمساعدته للقاتل، ممّا أضعف هذا مِنْ مكانة عائلته اجتماعيًّا وانعزاله في بيته لا يظهر للعيان. جميع الصّراعات السّابقة حُلَّتْ في نهاية القصّة عدا هذا الأخير.

ها هو غصن السّرد يُبين، فنقفز عليه ونراه متينًا قوّيًا، فالسّرد هو طريقنا إلى معرفة الأحداث. هو القصّ للوقائع، دونه تبقى الأحداث في بال الكاتبة دون أنْ نصل لها، وتصبح القصّة لا شيء سوى مسرحيّةً جامدةً.

كان سردنا سلسًا متسلسلًا غير منقطعٍ أو منكسرٍ، بدأ مِنْ بداية القصّة، مرَّ بالعُقد وجمعّها، اندفع يحلُّها ببطءٍ فتنتهي كلّها عند آخِر كلمةٍ مِنْ الرواية. وناسب هذا النّوع القصّة، حيث أظهر ما نحتاج معرفته دون داعٍ لطرقٍ التفافيّةٍ  ورغم أنّ السّرد المنقطع كان ليعطي القصّة تشويقًا أكثر، إلّا أنّه جيّدٌ وقد أدّى الغرض منه على أكمل وجهٍ.

بهذا الغصن يرتبط غصنٌ آخرٌ قد نما مِنْ أصله، الوصف هو ابن السّرد، يصاحبه ويرافقه موضّحًا إياه، دونه تبقى صورة الأشياء والأماكن والأشخاص مشوّشةً وضبابيّةً في أذهاننا.

ولا ملاحظاتٌ على هذا العنصر، كاملٌ لا تشوبه شائبةٌ، وُصف ونقل لنا الصّورة بكلّ تفاصيلها دون إسهابٍ بشكلٍ ساعدنا على تخيّل ما يجري في القصّة، مِنْ ثياب الخدم المتنوّعة بين الأزياء السوداء ذات الصّدريات والقفّازات البّيضاء للرجال، والفساتين السّوداء ذات المرايل البيضاء مزخرفةَ الأطراف، إلى تفاصيل القصر وغرفه بأماكنها حيث قيل أنّ بناءه قوطيُّ المظهر على طراز قصر وستمنستر، كما أنّه شاسعٌ ويحوي مئة غرفةٍ، مِنْ أجنحة نومٍ، وغرف ترفيهٍ، وطعامٍ وقاعاتُ احتفالاتٍ. أبهرتنا الكاتبة مجدّدًا فهنيئًا!

الغصن الّذي يليه له ورقتان كبيرتان، نعرّفكم على أوّلهما وهو الزّمان، الوقت والإطار الزمنيّ الّذي تحدث فيه القصّة، وهو إحدى حدود القصّة.

اعتنتْ الكاتبة بهذا العنصر جيّدًا؛ وذلك لأنّ القصّة تعتمد عليه كونها تاريخيّةً، فعلمنا مِنْ طباع وملابس وتقاليد الشّخصيّات أنّه العصر الفيكتوريّ، وما أثبتَ هذا الحكم الّذي أطلقناه -رغم أنّ ما ظهر مِنْ مظاهر هذا العصر كان كافيًا لإثباته- هو ذكر اسم الملكة فيكتوريا كإسم الحاكمة في بريطانيا ذلك الوقت، نجحتْ فيه واختارتْ عصرًا جميلًا بحقٍّ.

وبعيدًا عن العصرِ التّاريخيّ، كانتْ تصف الأوقات مِنْ صباحٍ ومساءٍ، وأيّامٍ وتنقّلاتٍ بينهم بشكلٍ جيّدٍ. كوصفها للوقت حينما بدأتْ اللّيدي جانيت تجهيز نفسها وأنّ الساعة وقتها كانتْ التّاسعة صباحًا. كما حين وصفتْ الوقت في أوّل أيّام موسم الصّيد، وأنّ الجميع بدأوا في تمام السّادسة صباحًا وتوقّفوا في تمام الثّانية عشرَ، ممّا كان يساعدنا على فهم الأحداث بشكلٍ جيّدٍ، أحسنتْ.

وما سلف كان صورًا للزّمان الإصطلاحيّ، ويعود السّبب أنّه كان الوحيد الموجود في القصّة، ولم يتواجد أخوه السيكولوجيّ، وإنْ كان موجودًا لحسّن ذلك الجانب النفسيّ للشّخصيّات، وسنتحدّث عنهم فيما بعد.

مثال هذا، حينما راقصتْ اللّيدي سارا مِنْ طلب منها مراقصتها، كان يمكن أنْ تقول الكاتبة أنّها شعرتْ بالوقت طويلًا مِنْ شدّة شوقها ورغبتها في مراقصة ذاك الشاب الوسيم الّذي أخذ منها كلّ الإعجاب منذ أنْ عرّف بنفسه بهذا الشّكل اللّبق، ونقصد هنا ديريك كارفين. هكذا يظهر الزّمن السيكولوجيّ بالشّكل الصّحيح وحبّذا لو تواجد.

ومِنْ هذه الورقة، ننتقل إلى الثّانية فنجدها منعوتةً باسم (المكان)، هذا العنصر هو المحيط والموقع الّذي يتبنّى الأحداث فتحدث فيه، وهو ثاني حدود القصّة وآخرها.

المكان مِنْ حيث البلاد كان بشكلٍ رئيسٍ بريطانيا، ثمّ تدرّج الأمر إلى العاصمة لندن الّتي حدثتْ فيها بعض الأحداث، ثمّ محافظة ويلفيرتون حيث كان موسم الصّيد ومعظم الأحداث الكبرى، ثمّ مقاطعة هارفورد، وكلّها مناطقٌ في ذات البلاد.

شهدنا قصر آل ويلفيرتون في لندن والّذي كان مكانًا مغلقًا ذا ملكيّةٍ خاصّةٍ لأصحابه، قصرهم الثّاني في ويلفيرتون والّذي طابق السّابق في مواصفاته التّصنيفيّة. الغابة الّتي كانتْ ملكيّةً عامّةً مفتوحةً. وقصر آل ستنافورد حيث كان الحفل الرّاقص والّذي كان ككلّ القصور، ملك صاحبه ومغلقًا رغم كبره.

لم نر أيّ ارتباطٍ بين المكان والشّخصيّات، فلم يَنْحَزْ أحدهم إلى مكانٍ معيّنٍ بسبب شخصيّته أو ميوله أو اجتماعيّته، فلو أنّ الكاتبة أضافتْ تفاصيل كهذا كان هذا سيكون مِنْ الأفضل وسيقوّي الجانب النفسيّ للشخصيّات.

تحدّثنا كثيرًا عن الشّخصيّات، أليس كذلك؟ إنْ الشّخصيّات هي المُحرِك الفعليّ للأحداث، دونها مِنْ أين سيُضرم الصّراع؟ ومَنْ سيقوم بالفِعل ومَنْ سينطق بالحوار؟ دونها تصبح القصّة صورةً جامدةً.

ويا لكثر الشّخصيّات في قصّتنا! ننوه أنّ هذا قد أضعف مِنْ القصّة ككلٍّ، وشتّتنا كثيرًا خلال القراءة، لهذا ننصح الكاتبة لو أنّها تمسّكتْ بالمهمّ مِنْ الشّخصيّات، وأنّها لم تسهب في وضعهم كلّما أرادتْ، لأنّ هذا سيكون أفضل بكثيرٍ نظرًا لأنّها قصّةٌ.

نبدأ بالشّخصيّات حسب الأهمية ليكون أوّلهم أبطال القصّة، محور الأحداث وأصحاب أكبر تأثيرٍ على العمل الأدبيّ، وفي قصّتنا كمثالٍ كانا صوفيا مورغن وديريك كارفين، رغم أنّ تحديدهما كأبطالٍ أخذ وقتًا منّا إلّا أنّهما أهمّ الشّخصيّات لا محالةً.

نتحدّث عن المُرافقة صوفيا مورغن أو صوفيا دوبلات، عمرها تسعٌ وعشرون عامًا مِنْ عائلةٍ متوسّطة الحال، متعلّمةٌ، متقنةٌ للعديد مِنْ ألوان العلم، تعمل لدى الماركيز ويلفيرتون منذ أنْ كانتْ في السّابعة عشرَ، لم يظهر لنا جانبها الاقتصاديّ ولم نعرف كم تتقاضى مِنْ الأجر.

خَلقيًّا، كانتْ ذات شعرٍ بنيٍّ داكن إلى حدّ عظام الكتف وعيونٍ بنيّةٍ، ترتدي زيّ الخدم الأسود ذا الصّدريّة وغطاء الرّأس الأبيضان، لم تحتوِ علاماتٍ مميّزةٍ على جسدها ولكنّها كانتْ ذات جمالٍ، ولكن هل كانتْ ذات جسدٍ ممشوقٍ أم اعتياديّ؟ نحيلةً أم بدينةً؟ نأمل أنْ تجيب الكاتبة على سؤالنا في قصّتها.

نفسيًّا، لم نقدر على تحديده، فلم نجد ما يفيد هذا الجانب بها بتاتًا، وكان هذا شيئًا قد أضعف قوام القصّة.

أخلاقيًّا، كانتْ صوفيا ذات عزّةِ نفسٍ وكرامةً يستحيل لها أنْ تكسرها، كما أنّها رزينةٌ ووديعةٌ، تبتسم مِنْ وقتٍ إلى آخرٍ، تهتم بدقّة عملها وتكرّس نفسها له، ولها غيرةٌ على دماء أبيها ظهرتْ في رغبتها بالانتقام مِنْ قاتل والدها.

ثانيًا، ديريك كارفين أو ديريك أوتمان، ثاني الأبطال في القصّة، يعمل محقّقًا في شرطة سكوتلانديارد كما أنّه النّائب الأوّل للسير هاثواي ولهذا علاقاته الاجتماعيّة ليست بتلك الجودة لانشغاله، ولم نعرف مجدّدًا ما جانبه الاقتصاديّ، رغم ذلك ظهر جانبه الاجتماعيّ جليًّا.

خَلقيًّا، له بنيةٌ جسديّةٌ جيّدةٌ، وجرحٌ غائرٌ في جبينه الأيسر يقطع حاجبه الأشقر، شعره ذهبيٌّ طويلٌ يربطه بربطةٍ مرتخيّةٍ، هذا ما قيل في منظره الخارجيّ الجذّاب.

أخلاقيًّا، كان كارفين وديعًا يبتسم ويجامل الجميع، بدا أمامهم كشخصٍ سعيدٍ ولكنّه كان ما يزال جريح القلب على موت والده، يملأه الغضب تجاه قاتله.
عُرِف بالأدب واللّباقة وحسن الأسلوب، لم يكن مغرورًا أو حتّى متكبّرًا بإنجازاته أو مكانته، لطيفًا هادئًا بشكلٍ ملحوظٍ.

تاليًا نتحدّث عن الشّخصيّات الثانويّة الكثيرة في القصّة، جميع اللّوردات والسيّدات والخدم الّذين برزوا في القصّة.

أولًا: اللّيدي جانيت ويلفيرتون، في عقدها الرّابع مِنْ العمر. خُلُقيًّا، ذات عيونٍ خضراء، وشعرٍ أشقر داكن خالٍ مِنْ الشّيب، لها تعرّجاتٌ قرب عينيها تظهر كلّما ابتسمتْ.
اجتماعيًّا، هي زوجةُ أحد أهمّ اللّوردات في العصر الفيكتوريّ، ذات مالٍ وجاهٍ، لكن علاقتها الاجتماعيّة مع النّاس قد قلّتْ لمرضها.

أخلاقيًّا، هي إنسانةٌ مرحةٌ ووديعةٌ مع غيرها، لكنّها تتعامل باحترامٍ وحدودٍ مع مَنْ ليس لها علاقةٌ قوّيةٌ معهم ،وتحافظُ على طباعِ الرّزانةِ والأدب الّتي يجب أنْ تتحلّى بها كلّ سيدةٍ في هذا العصر.

هي وفيّةٌ داعمةٌ لزوجها، كما أنّها ذات نظرةٍ ثاقبةٍ تساعدها على اختيار الأفضل وقد ظهر هذا حينما أرادتْ إقناع ابنتها باللّورد لوغان زوجًا لها. تُقدّر مجهودات الآخرين ولا تُهمّشها بداعي الفرق في المكانة الاجتماعيّة.

ثانيًا: اللّيدي سارا ويلفيرتون، ابنة اللّورد واللّيدي الوحيدة وعمرها واحدٌ وعشرون سنةً. خلقيًّا، تشابه أمّها في الشعر الأشقر والعينين الخضراوين والابتسامة اللّطيفة، ارتدتْ فساتين مختلفةً طوال تواجدها في القصّة.

واجتماعيًّا، هي الابنة الوحيدة لوالديها لهذا هي مدلّلتهما، لها مِنْ الصّديقات الكثير، كما أنّ طبعها اللّطيف يجذب مِنْ حولها لهذا هي محبوبةٌ اجتماعيًّا، وما تزال عزباء.

أخلاقيًّا، هي فتاةٌ مرحةٌ تحبّ الحياة، عفويةٌ ضحوكةٌ رغم أنّها بالغةٌ، كما عرفنا أنّها في صغرها كانتْ ذات روحٍ لعوبةٍ طائشةٍ. تحمل طبعًا عنيدًا إذا ما أرادتْ الحصول على شيءٍ، لها مِنْ الحياء ما يجعلها مؤدّبةً خجلةً في حضور الرّجال وغيرهم.

ثالثًا: اللّورد جاك ويلفيرتون، أكبر مِنْ زوجته بعقدٍ كاملٍ، ممّا يجعله في الستّين، له ابنان فقط، ملامحه جادّةٌ وصارمةٌ، أبيض الشّعر بعينين حادّتين وحاجبين كثيفين وأنفٍ مستقيمٍ.

اجتماعيًّا، تنحدر أصوله مِنْ أحد أهمّ العوائل الرّاقية وله مكانةٌ تجعل الجميع يعرفه وإنْ كان بالاسم فقط، له الكثير مِنْ العلاقات والمعارف، كما أنّ له منصبًا مهمًّا في مجلس اللّوردات وما يُعنى برئاسة المحافظات والانتخابات.

أخلاقيًّا، كان جاك ذا شخصيّةٍ قويّةٍ، عُرف بها في المحافل السياسيّة والاجتماعيّة، لا يبدو أنّه شديد الصّرامة مع غيره. حازمٌ أغلب الوقت، هادئٌ ورزينٌ لكن طيّب القلب وحنونٌ مع آل بيته، يقدر على حلّ المشاكل وفكّ الصّراعات، كما أنّ مكانته تهمّه ويخشى أنْ تُهدم.

رابعًا: الدّوق لوغان سكوت هو دوقٌ مِنْ أعلى مراتب سلّم النّبلاء، قضى طفولته مع أبناء الملكةِ. وله لهجةٌ إكسفورديّةٌ مميّزةٌ عُرِف بها. صاحب طولٍ فارعٍ وبنيةٍ قويةٍ، شعره داكنٌ مقصوصٌ بعنايةٍ، ووجهه حليقٌ وملامحه حادةٌ وبارزةٌ.

اجتماعيًّا، هو ابن عم الملكة فيكتوريا لذا هو معروفٌ وذو صيتٍ واسعٍ، يتميّز بين أقرانه بكونه بارعًا في ركوب الخيل والرّياضة. تخرّج مِنْ أحد أشهر الجامعات والّتي هي جامعة إكسفورد وهو مِنْ أشهر عزّاب لندن.

نفسيًّا، لا يتحدث كثيرًا ممّا يدلّ على انطوائيّته، لكنّنا لم نجد أيّ شيءٍ يخصّ الجانب النفسيّ الخاصّ به على نحوٍ مركّزٍ.

أخلاقيًّا، لعوبٌ يحبُّ رؤية سارا مُستَفَزَّةً، يمكن الإحساس ببعض الغيرة المتولّدة مِنْ طرفه تجاه ديريك، هادئٌ، مُحبٌ، ومسامحٌ، يبدو كشخصٍ باردٍ ومتغطرسٍ.

خامسًا: اللّورد أولفير كاريت في نهاية الخمسينات مِنْ العمر، رشيق الجسد، طويلٌ وهزيلٌ، وجهه مطاولٌ، مدبّب الذقن أصهب الشّعر كما شعر رأسه الّذي تخلّله الشّيب، وجهه ملامحه غير بارزةٍ، ذو بشرةٍ باهتةٍ، ونمشٍ يغطّي ما أسفل عينيه.

أخلاقيًّا، هو وقحٌ متغطرسٌ ومتحرّشٌ، خائنٌ لزوجته ويهتمّ لشهوته وماله. لا يحبُّ الاختلاط الشّديد، ونواياه ليستْ حسنةً، يخاف أنْ تُفضح جرائمه وهو محشوٌّ بالأنانيّة وحبّ النّفس.

اجتماعيًّا، له جزءٌ كبيرٌ مِنْ أراضي المملكة تحت إِمرته، ممّا يظهر كثرة ماله، وله مكانةٌ في مجلس اللّوردات الّذي له تأثيرٌ كبيرٌ على الملكة فيكتوريا.

سابعًا: غاري ويلفيرتون، أحد الشّخصيّاتِ قليلة الظّهور، عمره ستةٌ وعشرون عامًا، ظهر مِنْ جانبه الاجتماعيّ ما يرتبط بوالده جاك فيه، ولم نعرف عن مكانته مع غيره مِنْ حيث عمله أو كونه لوردًا أو شيئًا آخرًا.

وأمّا عن أخلاقه فقد كان ذا روحٍ مرحةٍ كوالدته، لكنّه جادٌ حينما يتطلّب الأمر، متردّدٌ لا يحبّذ الشّجارات. هُمِّش جانبيه الأخلاقيّ والنفسيّ وكان على الكاتبة إظهارهما والاعتناء بهما ولو بشكلٍ يسيرٍ. أمّا خَلقيًّا فقد كان كوالده، ولكن يختلف عنه في أنّ شعره شديد الحُلكة.

ثامنًا: زوجته اللّيدي إستر، في الواحد والعشرين مِنْ عمرها، ما تزال في طور التعلّم أنْ تكون زوجةً ونبيلةً جيّدةً، رقيقةٌ لا تحبّ السياسة وجوانبها، ما غير ذلك لم نعرف عنها شيئًا، وهو لأمرٌ مؤسفٌ.

تاسعًا: سبستيان فينيست محامٍ شهيرٍ كما والده، في الثّالثة والثلاثين ولم يتزوّج بعد، شارك في الكثير مِنْ القضايا الهامّة ولهذا علا اسمه سماء النّجوميّة في مجاله، تفاصيلٌ كهذه عن جانبه الاجتماعيّ ننصح الكاتبة بوصفها أكثر.

عن مظهره الخُلقيّ، هو صاحبُ ملامحَ مبتسمةٍ هادئةٍ طوال الوقت، يحبُّ ارتداء البدلات البيضاء والرماديّة، بشعرٍ أسودٍ وليس وسيمًا بشدّةٍ لكنّه حسنُ المنظر.

أخلاقيًّا له شخصيّةٌ مبتهجةٌ مرحةٌ جعلت الجميع يظنّ أنّ المحاماة لا تناسبه، لكنّها تضفي له لمسةً مميّزةً، شديدُ الملاحظة. جانبه النفسيّ والاقتصاديّ مُهمّشٌ لكنّه كما قلنا سعيدٌ واجتماعيٌّ، منفتحٌ وذو مكانةٍ.

عاشرًا: السير كريستفور هاثواي البالغ مِنْ العمر نهايات الأربعين وهو المدير العامّ لشرطة سكوتلانديارد وكان يعمل فيها منذ شبابه، مرشّحٌ في الانتخابات الرئاسيّة وقد شقّ طريقه مِنْ كونه ضابطًا مِنْ أسرةٍ متوسّطةٍ إلى أنْ أصبح سيرًا بأعماله في حلّ قضايا صَعُبَتْ على غيره، وقبضه على عصابات إجرامٍ كثيرةٍ. ولكنّه فعليًّا تبيّن أنّ طريقه إلى هذا المنصب كان مليئًا بالدماء والخيانة والتستّر على غيره مِنْ أجل التّرقية.

خلقيًّا كان ذا شعرٍ أسودٍ قد شَابَ، ووجهٍ ملأته التّجاعيد خاصّةً ما تحت عينيه، وذو وزنٍ زائدٍ يزيده عمرًا، لكن كيف هي عيناه؟ هل له أيّ سمةٍ مميّزةٍ مثلًا؟ لأجل زيادة جانبه هذا.

نفسيًا هُمّش، لكن أخلاقيًّا كان ذا شخصيّةٍ ضبابيّةٍ، ظهر أنّه غير مبالٍ، ثمّ في موقفٍ مِنْ أجل مصلحته تخلّى عن كرامته بشكلٍ مريبٍ، ولم نتعرّف عليه أكثر مِنْ هذا.

وفي الختام، ظهرتْ بعد الشّخصيّات المهمّشة الّتي لم تستفد منها الكاتبة سوى في إظهار بعض المواقف، كالخدم مِنْ كاثلين وهنري وجاسبر، الكونت وأمّه الكونتيسة، عائلة اللّورد هاريسون وغيرها.

كان جانب الشّخصيّات النفسيّ والأخلاقيّ مهمّشًا بشدّةٍ في كثيرٍ مِنْ الشّخصيّات، كما أنّ كثرة الشّخصيّات قد شوّشتْ القارئ، نتمنّى مِنْ الكاتبة العناية بهذه النقاط حتّى يكتمل هذا العنصر المهمّ.

غصننا التّالي هو الحوار، وهو عرضٌ مباشرٌ لأفكار الشّخصيّات وآرائها، المرآة إلى دواخلها والطّريق إلى معرفتها بشكلٍ أفضل.

ينقسم هذا العنصر إلى حوارٍ خارجيّ (ديالوج) ويكون منطوقًا بين اثنين يتجاذبان أطراف الحديث. وتكرّر هذا النوع بكثرةٍ في القصّة، كقول سارا لمرافقتها: «لماذا هو يقترب مِنْ هنا!!» عن الدوق لوغان في الحفل الرّاقص.

كما الحوار الداخليّ (مانالوج) وهو الكلام الّذي تسرّ به الشخصيّة لذاتها، بكون منبعه ومرقده جوفها. وهذا النّوع لم يتواجد سوى مرّةً واحدةً ممّا يعني أنّ هذا النوع نادرٌ جِدًا، وهذا الموضع الوحيد كان قول سارا: «ألا يفكّر السيّد كارفين في الزّواج؟ إذًا لماذا غازلني بهذه الطّريقة!»

كما نرى، أبدى هذا النصّ تعجّب واستغراب سارا مِنْ قولٍ سابقٍ للسيّد، وهذا خيرُ برهانٍ على أنّ الحوار الداخليّ صديق الكاتب فيما يتعلّق بإظهار مشاعر الشّخصيّات، لهذا مِنْ النّصيحة تكرار وجوده ودمجه بالقصّة أكثر وذلك لدعم جانبها النفسيّ.

وقد دمجتْ الكاتبة السّرد بالحوار بشكلٍ ممتازٍ، بيّنتْ المتحدّث وحاله، فهنيئًا لها.

الغصن الّذي نراه تاليًا هو صديقنا الرّاوي، مَنْ يُجالسنا ليخبرنا الأحداث ويقصّها علينا، فإنْ كان السّرد الأداة فالرّواي هو مستعملها.

تتغيّر وتختلف أنواع الرّواة، لكن كاتبتنا استعملتْ الرّاوي العليم بكلّ شيءٍ، وشرحتْ على لسانه ما حدث. ونودّ أنْ نهنّئها على اختيارها فقد كان الأمثل لروايةٍ تاريخيّةٍ كثيرةٍ الشّخصيّات ومختلفةِ الأحداث.

كما لاحظنا انعدام وجود تقنيّة تعدّد الرواة، رغم أنّها كانت لتكون لمسةً فريدةً للقصّة وننصحها بها لتوضّح مشاعر بعض الشّخصيّات وخاصّةً الشّخصيّاتُ الرئيسةُ، كصوفيا مثالًا.

نهاية القصّة هي غصننا التّالي وختام الأحداث ونقطة توقّفها، حيث يصل المعنى منها وتُحلّ العُقد وتنتهي المشكلات، وهي بالتّأكيد المرحلة الّتي يتشوّق كلّ قارئٍ وكاتبٍ إليها!

نهايتنا هنا كانت مفتوحةٌ، انتهتْ بالقبض على اللّورد بعد اعترافه بجرائمه وسحب اللّقب منه، شعور اللّورد ويلفيرتون بالخزي الاجتماعيّ، وعودة كلّ المدعوّيين إلى بيوتهم واستقرارهم. مع ذلك تركتْ هذه النّهاية العديد مِنْ الأسئلة لدينا، مثل: ماذا بعد زواج سارا والدّوق؟ ماذا سيحلّ بصوفيا؟ هل كان لسبستيان مشاعر تجاهها؟ وهل هي على علاقةٍ مع ديريك؟ ما الّذي واجهه الأخير بعد ترقيته إلى مدير الشّرطة بعد السير المتوفّي؟

كما أنّنا لمسنا المغزى مِنْ القصّة في نهايتها، ورغم ضعفه شعرنا به ألا وهو ألّا تترك لكَ حقًّا قبل أنْ تردّه، فتحترم كرامتكَ وذاتكَ. مغزًى جيّدٌ، لكنه يعاني مِنْ ضعف ظهوره، ونتمنّى لو أنّ الكاتبة ركّزتْ عليه أكثر ليكون للقصّة معنًى أعمق.

غصننا الأخير ها هو قد ظهر. اللّغة جسرٌ أوّله الكاتب وآخِره القارئ وعليه تمشي الأفكار، فإنْ فسد الجسد ضاعتْ الأفكار!
مِنْ النّاحية الصرفيّة والنحويّة والبلاغيّة كانتْ اللّغة شديدة السِلم، لم تشبها شائبة الخطأ، ولكن في الإملاء شهدنا حشدًا مِنْ الأخطاء سنستعرضها في نقّدنا:

عنما -> عمّا / عن ما
إنحناءه -> انحناءة
إلتفتت -> التفتتْ
إستقبال -> استقبال
إثنان -> اثنان
ربطه -> ربطة
الأنسات -> الآنسات
ذاهبها -> ذهابها
تستمع -> تستمتع
نظر إليها مليئًا -> نظر لها مليًّا
متانسب -> متناسب
بحفاوه -> بحفاوة
صول -> وصوله
طسلًا -> سطلًا
اللاحم -> اللّحم

كما ننوّه ببعض الملاحظات الّتي لاحظناها، أوّلها أنّ كلمة (طبق) أفضل لغويًّا مِنْ كلمةِ (صحن)، وأنّ علامات التّرقيم لا تلتصق بما بعدها كما حصل في بعضِ المواضع، كما على الكاتبة أنْ تهتمّ لهمزات الوصل والقطع والتّفريق بينها، كما التّفريق بين التّاء المربوطة والهاء.

صدفنا علامات تنصيصٍ لاتينيّةً في الحوار الداخليّ، و مِنْ الخطأ وضعها في حال كانتْ القصّةُ عربيّةً، لذا يُفضّل دمج الحوار بالسّرد، وفي حال أرادتْ الكاتبة وضع علامات التّنصيص فاستعمال العربيّة هو الصّحيح («»)

استخدمتْ الكاتبة مصطلحاتٍ وألقابٍ كثيرةً في القصّة منها اللّورد واللّيدي والسير وغيرها، ومع أنّه صحيحٌ استعمالها في حال عبّرتْ عن رتبةٍ ولكن نحبّ لو أنّ الكاتبة وضّحتها أكثر دون حاجة القارئ إلى البحث عنها لفهمها. عدا ملاحظاتنا الآنفة كانتْ اللغة جيّدةً جدًا.

نهايةً، نهنّئ الكاتبة على فوزها، نأمل أنْ يدوم قلمها ويزداد إبداعها عن الآن.
بوركتْ جهودكِ ودمتِ لنا.

وتذكّري دومًا أنّنا نحن فريق النقّد في الجوار.💖
___________________

وفي الختام لن نخفي عليكم استمتاعنا ببعض الأعمال الأخرى المشاركة، لكن يكفيكم شرف المحاولة، وهذا أيضًا لا يعني أنّنا سنتوقف هنا، أو أنّ فيض إبداعكم سيتوقف هنا! بالتأكيد لا، فمسابقات فريق النقّد الآتية في العام القادم شيّقةٌ وكثيرةٌ جدًا، كما حماسيّةٌ تشعل جوفي فيضًا مِنْ الاتّقاد ترقّبًا لقراءة أعمالكم الرّائعة؛ لذا مِنْ الآن أقول لا تنسوا المشاركة فيها. (;

ومرّةً أخرى نتمنى لكم وللفائزة المزيد مِنْ التّوفيق والتألّق.

أمّا الآن فقد حان وقت المرح والاحتفال، هيّا!

وقبل الختام أخبرونا عن رأيكم في جوائزنا، نرجو أنّها أعجبتكم حقًا، وأعجبتْ كاتبتنا أيضًا. (;

وأخيرًا لا تنسوا أنّ فريق النقّد دومًا بالجوار ويحبّكم.✨🌷

_____________________________________
مقطع بخلفية الفصل الأخير:
https://youtu.be/b4ETY_O7nWc

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top