مهدٌ ولحدٌ.
بين طرقاتِ مدائنِ صالحِ كنتُ أجول وأطّلَّع على المكان وجمال آثاره، فإذ وصلتُ إلى مدافن جبل المحجر بعدما قادتني قدماي لها والّتي تتألّف من ثلاثِ كتلٍ صخريّة تحتوي على أربعة عشر مدفنًا نبطيًّا منحوتين فيها، ثمّ إلى مدافن قصر البنت والّتي تتكوّن من جبلين؛ حيثُ يحتوي الجبل الأوّل على واحدٍ وثلاثين مدفنًا ويمتدُّ ذلك الجبل من جهة الشّمال إلى الجنوب، أمّا الجبل الثّاني فقد كان ضئيلَ الحجم ويحتوي على مدفنين، ويقع في الجهة الشّمالية الغربيّة بالنّسبة للجبل الأوّل، ووسط تلك المعالم التّاريخيّة جال في بصيرتي أننّي يجب أن أكتب روايةً تاريخيّةً، وذلك المكان المرتبط بالتاّريخ يُعدُّ أحد أكثر الأشياء دعمًا في كتابة صنفٍ كهذا فيه؛ لذا بدايةً سأطرحُ عليكم السّؤال التّالي: كيف يتمُّ البدء بقصِّ رواية تاريخيّة؟
في الحقيقة يمكن البدء بحدثٍ تاريخيٍّ شهير يتبعه أحداث غير مرتبّة ومدهشة؛ لأنّها لا تخضع لقوانين السّرد التّقليديّة ولا الواقعيّة تمامًا، فمثلًا لدينا رواية كافكا على الشّاطئ كانت بداية موراكامي عظيمة ومدهشة، لتمتدّ الدّهشة طوال أحداث روايته، هو أحد أبطالها الأساسييّن؛ والذي يُدعى «قِط» حيث يسرد العديد من صفحات الرّواية من وجهة نظره، ويندرج هذا الأسلوب المدهش في إطار أثر القنبلة النوويّة على البشر، فيحولّها موراكامي من أداة دمارٍ إلى أداةٍ سحريّة، لم تمنع انبثاق أشكالِ حياةٍ فاتنة وغنيّة بالخيال والواقع معًا، فالسّماء لا تمطر الأسماك، بينما «كافكا» بطل الرّواية، كان شخص اتّصف بالسّوداويّة البحتة، لكنّه في ذات الحين متفائل كبير إذ أنّه كان يعشق امرأة مرسومةً في لوحة! بل ويتفانى في حبّها إلى أنْ تلجَّ خارج اللّوحة صوب الحياة وصوب الأرض، بينما يمكن للقطِّ أنْ يمتلك حكمةً أبعد من حكمة البشر في الرّواية.
وفي النّهاية، يبحث أبطال الّرواية الكُثر عن مصائرهم، فيجدونها متعلّقةً بانتصار الطّبيعة على أدوات الدّمار التي صنعها الإنسان وبالحبِّ والخيال اللّذانِ يصنعا من الرّماد جذور حياةٍ جديدة دومًا.
حسنًا خطر لي هذا السّؤال أيضًا: هل يجب على النّهاية أن تكون سعيدة؟
ليس حتمًا فمن الممكن أن تنتهي الرّواية بحدثٍ عادي لا يطوي جوفه الحزن أو السّعادة، فتكون الأحداث انتهت عنده فقط، كما مثلًا رواية كافكا على الشّاطئ فهي روايةٌ غير عاديّة أو مألوفة تقصُّ أماكن وشخوصَ غير عاديّة وتغوص في مداخل مجهول لتصل بشخصيّاتها إلى ميلاد جديد.
ورواية «آنا كارينا» حيث بدأتِ القصّة بزيارة بطلة الرّواية آنا كارنينا لبيت شقيقها لتصلح الخلاف الذي جرى بينه وبين زوجته بسبب خيانة الزّوج، وبحنكتها تستطيع أن تبعد تلك العاصفة عن بيت أخيها لكنَّها تقع في حبِّ ضابط فارس من أسرة نبيلة وهو فرونسكي حيثُ يلتقيان على نفس القطار، ومنذ ذلك الوقت يبدأ الصّراع النّفسي في داخلها وتشعرُ بأنَّها أصبحت تكره زوجها وترى فيه الكثير من السّلبيّات التي لم تكن تراها سابقًا، وبعد صراعٍ طويل تختار حبيبها وتتخلّى عن زوجها وطفلها؛ لأنَّها لا تستطيع أن تحافظَ على حبِّ طفلها وحبيبها في نفس الوقت، فنبذها المجتمع بعد ما كانت عليه من مكانة محبوبةٍ فيها، وفرونسكي بدأ يزهد فيها ويبتعد عنها إلى أن هجرها بعد ذلك، وبذلك تؤول حياتها إلى جحيم، وينتهي الصّراع بأن تلقي بجثمانها تحتَ عجلات القطار الذي بدأت عنده قصَّة وقوعها في الحبِّ.
وأما الآن سأسألكم آخر سؤالٍ في فصلنا لليوم: كيف يمكن جعل تسلسل الأحداث مرنًا بين البداية والنّهاية؟
مثلًا في الحبكة المركّبة والمقصود بالحبكة المركّبة هو الحبكة التي تحوي العديد من العقد والأفكار التي تُعرض على مدار الرّواية أو القصّة، الأحداث ستكون مرنة مع الاستعانة بالاسترجاع الزّمني وتنقّل الرّواة، أو فقط التنقّل بين الصراعات وعرضها بشكل كامل سيكون ملائمًا، ولا ضرورة لتغاير الرّواة؟
أمّا عند الحبكة البسيطة والتي تحوي عقدة واحدة فحسب على طول القصّة فحينها سيعتمد الأمر على السّرد والرّاوي.
وبهذا يُختتم فصلنا لليوم وقد تجوّلنا وسط مدائن صالح، وبين ثنايا بعض عناصر القصّة، وقد كانت رحلة ممتعة بالفعل، دُمتم لنا.
كان معكم العضو ليان.
المراجع:
رواية آنا كارينا.
موقع حفريات: أشهر-مقدمات-لـ-6-روايات-أدهشت-القراء-حول-العالم.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top