مسلكٌ للبتراء
أهلًا وسهلًا بكم في فصلٍ حارٍّ ورطب هذه المرّة، لنحاول الصّمود والتّماسك حتّى نهاية الفصل ونتجنّب الشّمس الحارقة، فهل أنتم مستعدّون لخوض هذه الرّحلة الممتعة والمفيدة معًا؟
بالطّبع أنتم كذلك.
إذًا فلنباشر برحلتنا دون الكثير من اللّغو، وجهتنا الأولى ستكون الخزنة! آوه... ألا تعرفون الخزنة؟ حسنًا لإثراء معلوماتكم قبل البدء فهي واجهةُ البتراء وأكثر معالمها صيتًا، ولن نكثر في الحديث لأنّنا متشوقوّن للدخول!
اليوم سنتحدّثُ عن السّرد والوصف، أرأيتم قصّةً أو روايةً خاليةً من السّرد؟ بحقّكم لا يوجد ما يُدعى بقصّةٍ من غير سردٍ ووصف! وهذا ما يثبت أن السّرد من الدّعامات الأساسيّة للقصّة، ولا وجود لما يدعى بقصّةٍ إن لم يتّسم السّرد بهيئته والوصف بحضوره، إذًا هل هناك فرقٌ في السّرد والوصف حسب التّصنيف؟
نعم، فهناك ما يدعى بالسّرد التّاريخيّّ، لكن لم يتمّ دعمه ونساه الأدب لغموضه وفي الحقيقة لم يجد الأدباء فرقًا بين السّرد القصصيّّ والسّرد التّاريخيّّ، بل ساورتهم الحيرة بخصوص هذا التصنيف؛ فنِصفُ التّاريخ علميٌّ ونصفه الآخر أدبيّ، ممّا دعى لانسحاب السّرد التّاريخيّّ ونفيه لأيّ ارتباطٍ بين السّرد والتّاريخ، وهذا ما جعل التّاريخ السّردي قضيّةً خاسرةً بربط الطّبيعة السّردية للتّاريخ بشكلٍ خاصٍّ من أشكال التّاريخ وسيتمّ التّوضيح أكثر في التّالي؛ فجميعها خيوطٌ تربط بعضها.
ستقولون ماذا يعني ذلك؟ هذا مشوّش! نعم إن الأمر مشوّشٌ في بادئ بدايته، لكن رويدًا رويدًا سترسخ الفكرة بعقولكم وستدركونها.
ننتقلُ الآن للتّالي، ألا يراودكم الفضول من الّذي سبق؟ صحيحٌ ستتساءلون إذًا كيف سيكون السّرد التّاريخيّّ؟
وسأجيبكم، السّرد التّاريخيّ لا يختلف عن السّرد القصصيّ في ما يحتويه، وهذا ما جزم به الأغلبيّة وكما ذكرت أعلاه، فصُنع التّصنيف التّاريخيّ فوضى، لذلك رفضه العديد من النقّاد ممّا جعلهُ منبوذًا لا دعامة له لا من الزّمن السّرديّ أو زمن الفعل حتّى، وهذا ما جعل الغموض يحفّهُ أكثر، وهذا ما جعلنا لا نثبتُ على رأيٍ واحدٍ بخصوص طريقة سرده؛ لكن من هُنا يظهر لنا سؤالٌ آخر يرتبط برباطٍ وثيقٍ مع هذا السّؤال، إن لم يكن السّرد تاريخيًّا؛ فما أهميّة وصف الأحداث التّاريخيّة بناءً على ذلك؟
إن فقد السّرد التّاريخيّ أهميّته، فلا ينطبق هذا على الوصف كذلك، كما أنّ الوصف يُعد سلاحًا قويًا في هذا التّصنيف؛ فبوصف طريقة الحديث، المكان والشّعور الّذي يحيط بالأجواء، الثياب وحتى تصفيفات الشّعر والرّقصات، الشّوارع والمتاجر، أكشاك الطّعام وإلى آخره من الاختلافات الّتي تقفُ بين حاضرنا والزّمن الخاصّ بالقصّة التّاريخيّة، كلّ تلك الأشياء ستجعلنا نلج لجوف القصّة، فحتّى طريقة التحدّث تختلف والكلمات التي ننتقيها تتنوّع، وقانون الطّبقات الاجتماعيّة سواءً كان في حاضرنا أو الماضي والذي كان أسوأ بكثيرٍ ممّا نمرُ به، وهذا بدوره يدل على أهميّة الوصف؛ فيرينا العديد من التّفاصيل التي ترمز للزّمن الخاصّ بالقصّة، ولا يعني بلفظ «التّاريخيّ» بالضّرورة حقبةً ماضية، وإنّما قد يكون أيضًا قفزةً زمنيّةً للمستقبل أيضًا وهذا ما يرينا إيّاه الوصف من خلال التّفاصيل والأحداث.
حسنًا لنأخذ نفسًا من كمّ المعلومات الهائل هذا ونذكرهم واحدًا تلو الآخر، ما الذي ذكرناه حتّى الآن؟
لا اختلاف بين السّرد القصصيّ والتّاريخيّ، أمّا عن الوصف فيكون عاملاً مهمًا في التّصنيف التّاريخيّ لما يذكره من تفاصيل دقيقةً تربط زمن القصّة بالسّرد والقصّة عامّةً، أتمّ توضيح أوّل سؤالين إذًا؟
هيّا بنا مع السؤال التّالي، آوه ألم تلاحظوا أنّنا أصبحنا في منتصف السّيق الآن؟ أجل فنحنُ سرنا طويلًا دون أن نلاحظ هذا حتّى! لا علينا فلنباشر بطرح السّؤال فأنا أحترق شوقًا لإجابتكم.
كيف يمكننا تسخير التّقنيّات السّرديّة لدعم حبكة القصّة؟
بالطّبع القصّة أو الرّواية التّاريخيّة لن تقتصر فقط على السّرد والوصف، وبالتّالي كيف يمكننا دعم بقيّة العناصر من خلال السّرد وبالأخصّ دعم الحبكة؟
يكون ذلك من خلال عدم الإسهاب الكثير في السّرد، والتوسّط بالأسلوب؛ فلا يكون فصيحًا للغاية فيصعب على القرّاء فهم معانيه، أو بسيطًا للغاية وعاديًّا ممّا يسبّب ضجرًا، وخير الأمورِ أوسطها فيمكن دعم الحبكة وتسلسل أحداثها من خلال السّرد البسيط الجذّاب والمترابط والّذي يتسلسل بعذوبةٍ مع تسلسل أحداث الحبكة؛ فنستطيع استغلال العديد من التّقنيّات السّردية والتي تختلف من كاتبٍ لآخر؛ فأحدهم يستغلّ الرّاوي العليم بكلّ شيءٍ حتّى لا يخفى شيءٌ عن القارئ، وبعضهم يستعمل راوٍ خلاف الأخير وهكذا، أو حتّى استغلال الحبكة كصنع انحدارٍ انكساريٍّ أيّ عودة الأحداث للماضي أو المستقبل، أو استعمال الاستعارات والتّشبيهات حتّى تزيد من رونق السّرد وجماله.
لنأخذ راحةً تعرضون بها أفكاركم قليلًا حول موضوعنا، ما هي الأهمّية العظمى في السّرد من وجهةِ نظركم؟ وكيف تفضّلونه أن يكون في القصص التي تقرأونها؟
وبالنّسبةِ للوصف، هل تفضّلونه محشوًّا بالكثير؟ أم أن يكون مفصّلًا لكن بين الفصل دون أن تشعروا بثقله وكثرته؟ بالطّبع سيكون الأخير يا لغبائي XD
ومن لديه رأيًا فريدًا أو مختلفًا عن ما طرحته، فليشاركنا إيّاه.
حسنًا لنُكمل الآن فقد باشرنا على الوصول لجهة الخزنة المقابلة ونهاية السّيق!
وسؤالٌ آخر يطلُّ علينا ويزورنا، يطرح ما بجعبتهِ قائلًا: «ما الّذي يربط لغة القصّة بالسّرد وبفئة القصّة كالتّاريخيّة مثلًا والّتي نتناولها الآن؟»
هممتُ يالهُ من سؤالٍ مشوّش قليلًا، لنتمعّن بهِ قليلًا ما الّذي يربط لغة قصّةٍ بسردها والّذي بدوره يرتبط بفئة القصة؟
حسب الشخصيّات، فمثلًا إن كانت الشخصيّة نبيلةً فمن الطبيعيّ أن تكون لبقة الحديث والمجلس، إلّا إن كانت شخصيّتها الدّاخليّة منافيةً لواقعها، ولكن هذا لا ينكر أن تتصرّف بنبلٍ أمام المجتمع، وحسب عمر المتحدّث أيضًا فلا يُعقل أن يتحدّث طفلٌ بمعانٍ عميقةٍ وفلسفيّةٍ تنطقها شخصيّةٌ بعقدها الثّالث كمثال، ولا يعني هذا أن لا يتحدّث الطفل بلغةٍ صحيحةٍ في القصّة، ولكن بمفرداتٍ بسيطةٍ تناسب عقله وفكره وتحترمُ سنّه، ومن نظرةٍ أخرى فلا تقارن لغة القصّة باللّغة في الواقع؛ فاللّغة في القصّة تحتاج أن يتمّ العمل عليها من قبل الكاتب، فتحمل طابع الكاتب المميّز وأسلوبه وتحمل قدراته اللّغوية بين سطورها، وهذا ما يضفي رونقًا مُختلفًا للتّعبير عن الشعور واتّخاذ اللّغة كوسيلةٍ لنقل الأفكار بين الشخصيّات ذاتها أو للقرّاء.
وأخيرًا نحن نرى جهة الخزنة المقابلة ونهاية هذا السّيق، نبعدُ خطوةً أخيرةً عن ختام رحلتنا الممتعة والمثمرة مع سؤالٍ أخيرٍ أطرحه عليكم، ما هي نظرتكم للسّرد والوصف في التّصنيف التّاريخيّ بعد هذا الفصل؟ هل اختلفت، أم هل زادت معلوماتكم عن هذا التّصنيف الرائع؟
وسؤالٌ إضافيٌّ آخر، هل تخطّطون لكتابة قصّةٍ تاريخيّةٍ أم أنّكم لا تحبّذون هذه النوعيّة من القصص؟
وختامًا، نتمنّى أنّكم استفدتم من هذه الرّحلة واستمتعتم برفقتنا، ابقوا بخيرٍ وأمان.
دُمتم أملًا لنا.
المراجع والمصادر:
-مجلّة الجديد.
-ّكتاب الزّمان والسّرد الجزء الأوّل الحبكة والسّرد التّاريخيّ.
*بتصرّف
__________________________
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top