مزهرية الأيدي
كان يا ما كان في قديمِ الزّمانِ، وفي سالف العصرِ والأوان، كانتْ هُناكَ قريةٌ صغيرةٌ في إحدى المُدن، وفي تلك القريةِ كانت الحَربُ قائِمةً منذ وقتٍ طويلٍ.
كان الدّمار والحزن يملآن نفوس الأهالي، ولكن رغم الدّمارِ والحزن الّلذين كان أهلُ القرية يعيشونهما إلّا أنّهم كانوا يبذلون جهودهم لكيلا تمحى الابتسامةَُ عنْ وجوههم.
وفي أحد الأيام كان سُكّانُ القريةِ قد اجتمعوا في أحد المنازلِ لحضورِ حفلِ زفافٍ متواضعٍ، أقيم رُغم الظّروف الصعبةِ، وكانَ الجميعُ سعيدًا ومبتهجًا وقتها.
بزينةٍ بسيطةٍ وجميلةٍ تزيّن منزل العروسين، وتجمّلتْ عروسُنا بفستانها الأبيض الجميل، وأمسكتْ يد العريس بحلّتهِ الأنيقة.
ترونها قصّةً سعيدةً يا أحبّائي؟ لا تتعجّلوا فمازلنا في بدايتها فاستمعوا جيّدًا لها.
كان الجميعُ فرحًا وقتها، وعلتْ هلاهلُ النّساءِ بسعادةٍ، وكانَ الصّغار يحومون حول الحضور محاولين رؤية العروسين.
سعادةٌ تَملأ المكان، محاها بغمضةِ عينٍ قذائفٌ سقطتْ على المكانِ مُدمّرةً إيّاه.
تناثرتْ الشّظايا المحترقةُ في المكان، وتقطّعتْ الأطراف عن الأجساد، وتهدّم البيت بزينتهِ المتواضعةِ، وتلوّن فستانُ العروس باللّون الأحمر.
خرجَ رجلٌ مِنْ إحدى منازل القرية التي تقع على مسافةٍ ليستْ بقريبةٍ من منزل حفل الزّفاف مهرولًا بخوفٍ باحثًا عن زوجته، وخرجَ خلفه ابنهُ لاحقًا إيّاه.
توجّهَ الأبُ نحو منزل الزّفاف، وبحث بين جثث الحضور عن جسد زوجته، فلمْ يجدها!
كان أحد الحاضرين جريحًا فأخبر الأب بأنّه لمح زوجته تغادر الحفلة قبل أنْ تسقط القذائف على المكان بقليلٍ.
كان صغيرنا يلهو بسعادةٍ جامعًا الأيدي المقطوعةِ مِنْ على الأرض ظانًّا أنّها دمى، فجمع عدّة أيادٍ وكان فرحًا بها.
صرخَ الأب بهِ أنْ يعود للمنزل فورًا، ووعده بعودته للمنزل وعودة أمّه معه، فجرى الصغيرُ للمنزلِ معانقًا الأيدي المقطوعة.
دخلَ إلى المنزل، واتّجه نحو غرفة الجلوس، أمسكَ مزهريّةً كانتْ موضوعةً على الطاولةِ، وقام برمي الورود الّتي فيها ووضع بدلًا عنها الأيدي، ثمّ وضع الإناء على الأريكة وجلس بجانبهِ مبتسمًا ببلاهةٍ.
مرّتْ السّاعات، ومضى الوقت، ووالده لمْ يعد بعد، شعر الصّغير بالنّعاس، تثائبَ، ثمّ غفا بجانب مزهريّةِ الأيدي.
غَطَّ صغيرنا في النّوم، بلا غطاءٍ وبالبيتِ بمفرده، فمالتْ يدٌ مِنْ الأيدي الّتي في المزهريّة إليهِ بهدوءٍ، لتمسح بحنانٍ على شعرهِ النّاعم.
-
لطالما كانتْ براءةُ الأطفال لا تُلائم قساوة الحرب، تلك الّتي حتى الكبار لا يملكون القدرةَ على تحملّها، ففي الحروب يُفقد الأمل، إلّا أنّه نادرًا ما يفقد الأطفال إحساسهم بالأملِ، ولا ينبغي الاستهانة بقدرتهم على الصّمودِ في تِلك الظّروف الصَّعبة، فقوّة الأطفال الممتزجة ببرائتهم لا تضاهيها قوّةٌ أخرى.
في ظِلِّ الظُّروف القاسية، يَحتفظ الأطفال ببرائتهم كما صغيرنا الّذي جمع الأيدي البشريّة المقطوعة، وصنع منها مزهريّةَ أيدٍ، بدلًا مِنْ مزهريّة الورود، فعقول الصّغار لا تستوعب مقدار القساوة التي تخلقها الحرب، والّتي تُحطّم طفولتهم، فتمحو الأمانَ مِنْ حياتهم.
الرُّعب، الذُّعر، الخوف، مشاعرٌ تُلازم الجميع عند وقع أصوات الرّصاص والقذائف على الأماكن، فكيف يحتمل الأطفال هذهِ الأصوات المرعبة؟
يحتاج الأطفال إلى الرّعاية والحماية التي يوفّرها لهم العيش داخل أسرتهم، ومجتمعهم المحليّ، وحين ينفصل الأطفال عن عائلاتهم يصبحون عُرضةً لأشدّ المخاطر، مثل: الإهمال، الاستغلالُ، سوء المعاملةِ، التبنّي غير المشروعِ، والاتّجار بهم، كما الحال مع صغيرنا الّذي بقي بمفردهِ في بيته مع مزهرية الأيدي المقطوعة.
وكما يظلّ بقاء الرّضّع والأطفال الصغار محفوفاً بالمخاطر، في حين تعدّ الفتيات أكثر عُرضةً للاعتداء الجنسيّ والزّواج المبكر.
فالحروب لا ترحم أحدًا مِنْ الناس، حتّى الأطفال يصابون بجروحٍ، يشوَّهون، ويُقتلون. وعلاوةً على ذلك، تُدمّر مرافق الخدمات الاجتماعيّة، أو تتدهور بسبب نقص الصّيانة خلال النزاعاتِ المسلّحةِ، ويصبح الحصول على الخدمات الصحيّة والأدوية محدودًا، وينهار أحيانًا النّظام الصحيّ برمّته، وغالبًا ما تفوق الاحتياجاتُ بكثيرٍ ما يتوفّر مِنْ مواردٍ.
أصوات ألحان أغاني الأطفال اللّطيفة، ووقع إيقاعها الظّريف يختفي في الحروب، ويحلُّ محلّهُ أصوات القذائف ومدافع الهاون، ورصاص الأسلحة، ويصبح لحنًا يعتاد الأطفال على سماعهِ في الحروب، فهل العادة تُزيل الخوف الّذي تولّده؟
يتسبّب الخوف والذّعر الّذي تولّده أصوات الحروب وفظاعة وقعها بأذًى نفسيٍّ وجسديٍّ وعقليٍّ، قد يعمل الأطفال في مناطق الحرب كجناةٍ، ويصبحون جنودًا أطفالًا.
الطّفل في الحرب هو الإنسانُ الشّجاع، فمقاومتهُ لقساوةِ الحرب بالنّسبة لعمرهِ الصّغير وتعايشهُ معها هو إنجازٌ عظيمٌ يقومُ به. وللحكاياتِ الّتي تُحكى دورٌ كبيرٌ في تعزيز عزيمة الأطفال وتقويتهم، وزرع الشّجاعة فيهم لمواجهة مخاوفهم تجاه الحرب. فهل لديكَ قصّةٌ تروي لنا فيها موقفًا برزتْ فيه شجاعةُ الأطفالِ في الحرب؟
أو هل يمكنكم أنْ تخبرونا بقصّةٍ قد تريدون سردها على أطفالٍ أحاطتْ بهم الحروب؟
قد تندرج القصص الّتي تُروى لهم ضمن إطارٍ دينيٍّ، يعزّز بدوره إيمانهم وتمسّكهم برحمة الله وثقتهم به، وكما يمنحهم الأمان والطّمأنينة كذلك.
وهنا يأتي دور القصص لإبراز معاناة الأطفال مع الحرب، وقوّتهم، وواقع الحال الّذي يعيشونه.
ففي قصّتنا رُغم قصرها إلّا أنّها لعبتْ على الوتر الحسّاس، وصوّرتْ ببساطتها الألم الّذي يعيشه الأطفال في الحرب، وكذلك مدى برائتهم وبساطة فكرهم، وعدم قدرتهم على استيعاب مقدار القساوةِ الّتي أُجبِروا على العيش فيها.
وتصوّر لنا العديد مِنْ القصص حال الأطفال في الحروب كرواية «أنا ديفيد» للكاتب الدنماركيّ «آن هولم»، والّتي تدور أحداثها عام 1951 عن صبيٍّ هاربٍ مِنْ معسكر عمّالٍ شيوعيٍّ في بلغاريا، يسافر للدّنمارك بحثًا عن والدته.
وكذلك العديد مِنْ القصص التي تصوّر لنا حالهم ومعاناتهم، فهل تروون لنا قصّةً واقعيةً لأطفالِ الحرب، تبيّن معاناتهم مع الحرب؟
وبالعودة لقصّتنا القصيرة، وجدتْ بعض العناصر المفقودة فيها، وكذلك أُهمل بعضها، فهل يُمكنكم إخبارنا عن العناصر المفقودة؟ عوّضوا العناصر المفقودة بما ترونه مناسبًا، ولكن ركّزوا جيّدًا، فالأمر يحتاج إلى تركيزٍ وتحليلٍ جيّدين.
وأيضًا، ما تصوّركم عن قصص الأطفال في الحرب؟ وبرأيكمْ ما القصص الّتي مِنْ الممكن أنْ تُحكى لطفلِ الحرب؟
وهل سبق وقرأتم قصصَ أطفالٍ موجّهةً لأطفالٍ في الحرب؟ وماذا قد تُعَلِّمُ هذه القصص الطّفل؟
وبرأيكِم كيف تستغلّ الدّول هذه القصص؟ وما هي الوسائط التي تعرفونها كونها موجّهةً للأطفال وتتعلّق بالحرب؟
أخبرونا بآرائكم، سنكون بانتظارها💙.
وختامًا، ندعوا بأنْ يعمّ السّلام والأمان جميع أطفال العالم، وتخفّ معاناتهم مع الحروب 💙✨.
كانت معكم ضاد دُمتم بودٍّ💙
المراجع:
-https://dahnon.org/archives/7211
بتصرّف*
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top