مجرة الزمكان

الفصل الخامس: مجرّةُ الزّمكان. 

نصّ الفصل:

أهلًا بكم في فصلنا لهذا اليوم، حيث نناقش  أهمَّ العناصر الّتي تكوِّن البناء الأوليَّ للعمل الخياليّ العلميّ الأدبيّ ضد.

كما نعلم، أنّه على مدى تطوّر الزّمان تطوّرت التّخيّلات، والفكر قد توسّع، ودائرة المعرفة كبرت، فالفانتازيا والخيال العلميّ كانا إحدى الأشياء الّتي كبرتْ معها، وسنتطرّق اليوم في موضوعنا حول الخيال العلميّ، الّذي يحبّه الكثير منّا نظرًا للشّيء الجديد الّذي يعرضه والجماليّات البحتة الّتي يتبنّاها.

فيعدُّ الزّمكان هُو القالب المرموق الّذي يحوي أيَّ عملٍ أدبيّ، وإن تمَّ الاعتناء به سيعكس صورةً مَلِيحةً عن هذا العمل ببراعةٍ كاملة، فيعتبر الزّمكان أو عنصريّ الزّمان والمكان المكوّنَين الرّئيسيّيَن لمعرفةِ أيّ حدثٍ وأيَّ قولٍ جرى به وحينه.

فلا يمكن إنشاءُ قصّةٍ دون معرفة المكان الّذي تحدث فيه الأحداث، أو على الأقلَّ ارتكاز القصّة ومغزاها على نوعيّة المكان وشكله وأهميّته.

كما أنّه لا يمكن أن يتمَّ خلق قوامٍ كاملٍ للقصّة دون الزّمان الّذي يفرّقُ ما بين الصّباح والمساء وحياة عيش البدائيّين والآن.

والآن تعرّفنا على الزّمكان، الّذي سيكون الفلك الكبير لنا اليوم لنُبحر في الخيال العلميّ دون هوادةٍ!

يرتبط الخيال العلميُّ بكثيرٍ من الأمور أهمّها الزّمن، فنتساءل دومًا، ما الّذي قد يحدث بعد عشر سنين من الآن؟ عشرون، مائة!

تخرج افتراضاتٌ لربّما تكونُ صحيحةً أو لا، لكنّ الكاتب لا يملك هذا النّوع من التّشتّتِ، فبإمكنه أن يؤسّس عالمه المستقبليّ بقصّته الخاصّة الّتي تجري أحداثها في المستقبل بكلِّ بساطةٍ إن امتلك العزيمة، واستطاع أنْ يوازن الزّمان مع التّطوّرات والخيال العلميّ الّذي يُعنى بالأمور الفيزيائيّة والبيولوجيّة، بنظريّاتٍ محتملةٍ أو مؤكّدة كالانتقال الآنيّ من الأرض إلى كوكب المرّيخ مثلًا، فالمرّيخ كوكبٌ متواجد ومن المنطقيِّ أن يسافر إليه البشر إن تمَّ أخذ الاحتياطات اللّازمة ومراعاة المنطقيّة خلال الكتابة كتوفيرِ الهواء والطّعام مثلًا.

أمّا كزمان، فإنّ الزّمن سيختلف، طريقة مروره، حيّزه، دقائقه، جميعها ستتغيّر وتختلف عن الأرض أو كالوقت المعتاد بالنّسبة إلينا، لذا فأمرَ اللّجوءِ للأمور المنطقيّة وحساباتها الفيزيائيّة الكونيّة مهمٌ أيضًا في هذه الحالة؛ لمراعاةِ الخيال العلميِّ بكلِّ تفاصيله.

ونظرًا لأنّ هناك أمورٌ غير مؤكّدة، فإنّ الأمر يبقى محتملًا في العادة كما ذكرنا سابقًا خلال الكتابة، أو طرح توقّعاتٍ عن مدى تطوّر هذا النّوع من الخيال في المستقبل، وكيف يمكن الكتابة عن خيالٍ لا وجود له ولكنّهُ يُكتب في زمنٍ مستقبليّ.

لكن! يمكن أيضًا أن يستند الكاتب على أسسٍ علميّةٍ واقعيّةٍ في زمننا الحاضر، فمثلًا السّفر عبر الزّمن من الحاضر إلى الماضي أو المستقبل، هنا استعنّا بالزّمن الحاضر والّذي هو المكان الأوّليّ للعمل بغضِّ النّظر عن التّغيّرات المكانيّة الّتي تطرأ على القصّة نتيجةَ الحَبكة.

ويمكن الاستعانة بالقدرات الخارقة الّتي تملكها الشّخصيّات للتّحكّم بالمكان أو الزّمن كالسّفر عبره مثلًا.

كما أنَّ للخيال العلميّ أيضًا متّسعٌ آخر من الانطلاق، فهناك أمورٌ أخرى غير الفضاء يمكننا الاستعانة بها، فيتواجدُ ما لا نعلمه في أوساط الأرض الّتي نحيا عليها، والبحر الّذي لا أحد يدرك ما به؛ نظرًا لأنّه لم يتمَّ استكشاف إلّا القليل جدًّا منه، فيمكن للكاتب أن يستعين بهذه الأمور ويخلق منها شيئًا على مدلولٍ علميٍّ واضحٍ في الأساس البشريّ على الأرض مع تغييراتٍ بسيطةٍ لا تؤثّر على قوامه النّهائيّ ليجعلها مناسبةً للبيئة الّتي أسّسها.

فمثلًا: ماذا عن هجينٍ نصفه بشريٌّ والآخر حوريّة؟ ألا يعتبر خيالًا علميًّا يعتمد على أسسِ الجينات؟ ويعتمد على المكان الّذي نشأ بهِ هذا الشّيء، أين سيعيش أطفالهم، كيفَ ستستطيع الحوريّة أن تتزاوج مع البشريّ على الأرض دون الماء الّتي تُحييها، وكيف سيستطع البشريّ أن يأخذ راحته في الماء حتّى، وهذا إن لم يختنق!

جميعها تُعدُّ أمورًا على الكاتب أنْ يمنح أمرًا وسببًا واقعيًّا لها مع مراعاة الزّمكان الخاصّ بهذا النّوع من الخيال.

فلا خيالَ دون مكانٍ يصفُ حالَ القصّة ولا خيال دُون الزّمن الّذي يؤسّس الأحداث ويجعل لها ترابطًا معيّنًا في الحبكة وأمورًا أخرى كالواقعيّة.

وفي الختام، رأينا كيفَ أنّ الخيال العلميّ لا يكتمل إلّا بالزّمكان، وأمثلة على كيفيّة تأسيسه مع الاستعانة بالعنصر بمهارةٍ ممتازة، كما كيف يمكن للزّمكان أن يؤثّر به، لذا نقولُ جملتنا الأخيرة ألا وهي: «رعايةُ الزّمكان كرعاية الأمِّ لرضيعها، فلا طفل يعيش دون مرضعته».

دُمتم بأمان الله.

كتبت الفصل العضو صدف.

المصدر: كتاب تنمية الخيال العلمي الإلكتروني، صفحة 3 و4.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top