ما وراءَ السّتار
الحكاياتُ تترك داخلنا بصمة، وحكايات الرّعب بصمتها لا تُمحى بسهولة، فارتفاع نبضات قلبك، الإثارة الّتي تشعر بها، ربط الحكاية بشيء يُخيفك ويسبّب لك أسوأ كوابيسك، كلّ هذا يؤثّر عليك ويجعلك تتأكّد من تغطية أرجلك بالغطاء قبل النّوم، يجعلك تفزع عندما يقع نظرك على بقعة ما بالظّلام وترى شيئًا مخيفًا، تُشعل الأضواء فتراها حقيبتك الورديّة!
هذه الحكايات عندما يتمّ كتابتها وتصبح قصصًا قصيرةً تكون واقعةً تحت فئة «أدب الرّعب»، وفي عتمة اللّيل القاحل ووسط أصوات البوم المخيفة تستطيع أن تسمع سؤالًا يرنّ في أرجاء عقلك: ما هو أدب الرّعب؟
أدب الرّعب هو نوع من الأدب يهدف من خلال مجموعةٍ من الأحداث المتشابكة إلى غرز الشّعور بالإثارة والخوف في نفس المتلقّي. وقد تحتوي قصص الرّعب على كائنات خارجة عن الطّبيعة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بتدفّق شعور الخوف إليك، وقد يكون هذا بسبب الأساطير أو الحكايات، مثل: السّاحرات، مصّاصي الدّماء والمستذئبين.
أو بسبب أشياء مرعبة أُخرى، مثل: قوى شيطانيّة، أمراض غريبة، أشباح وأحداث خارقة للطّبيعة لا تكون موجودة عادة في الحياة اليوميّة العاديّة.
وتأكيدًا على هذا الحديث، فإن الكثير من الأعمال في أدب الرّعب مستَمدّة من أقسى الشّخصيّات التّي ظهرت في القرن الخامس عشر، فمثلًا «حكاية دراكولا» وهي رواية رعب من تأليف الكاتب الإيرلندي برام ستوكر وقد أُلّفت في العصر الفكتوريّ، فدراكولا الحقيقي هو اسم عائلة، وكان أحد حُكّامها هو «فلاد الثّالث المخوزِق» الملقّب بدراكولا، والّذي كان موصوفًا بتعامله الوحشيّ مع المسؤولين الفاسدين واللّصوص وخصوصًا المحتلّين.
فلقد استوحى برام ستوكر فكرة بطل روايته من شخصيّة الأمير فلاد الثّالث، والّذي حكم هنغاريا ورومانيا بين عامي ١٤٥٦ و١٤٦٢، وكذلك من الشّخصيّة الواقعيّة الكونتيسة إليزابيث باثوري من ترانسلفانيا، الّتي اشتهرت بجمالها، والّتي حين بدأت تتقدّم بالعمر أصيبت بجنون الخوف من فقدانه، واعتقدت بأنّ دماء الفتيات الشابّات ستحفظ لها ديمومة تألّقها. وهكذا فقد قتلت خمسين خادمة من خادماتها لتسبح في دمائهنّ، وذلك قبل أن تُكتشف فعلتها حيث احتُجزت خلف جدران قلعتها حتّى وفاتها في عام ١٦١٤.
قد يبني الكاتب قصّته على أسطورة قديمة أو على الحقائق المعنويّة أو الماديّة كالشرّ، الموت، الشياطين... إلخ؛ فهذا يلمس مشاعر بعض القرّاء الّذين لا يصدّقون القصص الخياليّة بسهولة، إذ غالبًا ما يؤمنون بالحقائق أكثر من المختلقات، ولكنّ هذا لا يعني أنّ استخدام الحقائق الماديّة أفضل، فكلا النّوعان جيّدان إذا أُجيد استخدامهما بطريقة صحيحة.
الخوف شعور يصاحبنا مذُ الصّغر، فيبدأ الخوف معنا من سنّ الطّفولة، حيث نخاف من الوحش أسفل السّرير، نخاف من الوحش الذي سيأكلنا إن لم نُنهِ طعامنا، وهكذا يرافقنا الخوف طوال حياتنا، بل الخوف جزء من حياتنا.
ذكرنا كيف بدأ الخوف معنا فهل سأل أحدكم نفسه قبلًا متى بدأ أدب الرّعب؟
أدب الرّعب بدأ في الغرب، وبصورة عامّة لا أحد يعرف متى بدأ هذا النّوع من الأدب، ولكنّ أغلب الباحثين يعتقدون أنّه بدأ منذ زمن بعيد جدًّا، والأساطير القديمة هي الدّليل على ذلك، فقد كانت تحتوي على قصص تهدف إلى إثارة الخوف لدى المستمع أو القارئ.
ويتّفق الباحثون على أنّ هذا النّوع من الأدب لم يتّخذ شكله الحاليّ إلّا مع بداية ظهور روايات الرّعب القوطيّة الشّهيرة والتّي تحكي القصص في أجواء مرعبة قديمة، مثل: «حوت القلاع والبرق» و«أضواء الشّموع». ولقد حاز هذا النّوع من القصص على شعبيّة واسعة.
وفي القرن الثّامن عشر تحديدًا سنة ١٧٦٤ ظهرت رواية رعب قوطيّة اسمها «قلعة أوترانتو» للكاتب هورساي والبول، والتّي عُرفت كأوّل رواية حديثة تستخدم عنصر الخوارق بدلًا من الواقعيّة، في الحقيقة أوّل طبعة نُشرت مختفية كقصّة من القرون الوسطى في إيطاليا واكتشفت وأعيد نشرها من قبل المترجمين، وحين تمّ الكشف عنها كقصّة معاصرة وجد الكثير أنها رجعيّة وقد حدثت في غير زمانها.
أكثر أعمال الرّعب الخياليّ في هذه الحقبة -القرن الثّامن عشر- كتبتها النّساء و بيعت لجمهور النّساء، وكانت تحمل السّيناريو التقليديّ الذي يبدأ بالبطلة في قلعة كئيبة.
ومن الكاتبات النّساء اللّواتي كتبن في نهاية القرن الثّامن عشر وبداية القرن التّاسع عشر هي آن رادكليف الّتي كتبت قصّة «أسرار أودولفو» وقصّة القرد.
أمّا عن الكتّاب الّذين سطعوا في هذا العصر فهم ماثيو لويس وروايته «القرد» في نهاية القرن الثّامن عشر وعلى مشارف القرن التّاسع عشر، لنبدأ قرنًا جديدًا بتطوّر جديد لأدب الرّعب.
في القرن التّاسع عشر ازدهرت تقاليد الرّعب القوطيّ، و أصبح القرّاء يطلقون عليه اسم أدب الرّعب، فتواجدت أعمال وشخصّيات قويّة ونافذة والّتي تحتوي على رنين الأفلام والسّينما اليوم، مثل:
«فرانكشتاين» لميري شيلي والّتي أُنتجت عام ١٨١٨، و«سقوط بيت آشر» لإدغار آلان بو، والعديد من الرّوايات الأخرى وفي نهاية القرن أُطلقت الرّواية الشهيرة الّتي تحدّثنا عنها سابقًا «دراكولا» ١٨٩٧ ميلاديًّا.
وفي القرن العشرين أصبح أدب الرّعب يعدّ من أشهر أنواع الأدب العالميّ، وربّما كان هذا بسبب ازدياد قرّاءه ومتابعيه. وأكمل ازدهاره حتّى الوقت الحاليّ، ولكن في هذا الوقت كانت لحظة القيامة لأدب الرّعب العربيّ، وذلك كان على يد العرّاب أحمد خالد توفيق بسلسلته «ما وراء الطّبيعة».
كانت هذه هي الشّرارة لاشتعال أدب الرّعب لدى العرب، فبعدها اتّجه العديد من الكتّاب للكتابة بهذه الفئة، ويمكننا القول أنّ أكثر أنواع أدب الرّعب انتشارًا هو الأدب الأمريكيّ، فعلى الرّغم من عدم وجود موروث ثقافيّ كبير لدى الأمريكييّن من ناحية الرّعب، إلّا أنّهم استطاعوا أن يقتبسوا من الأساطير الأوروبيّة الكثيرة ذات الموضوعات المثيرة للاهتمام.
وبالمقابل إذا بحثنا عن أدب الرّعب العربيّ سنجده ما زال في طور النّشوء، حيث لم يبدأ سوى في أواخر القرن السّابق، على الرّغم من أنّ ثقافتنا زاخرة بالكثير من الأساطير الشعبيّة، ولكنّه لم يحظَ بشهرة واسعة لدى كتّابنا العرب كما الغرب.
وهذا لا يعني أنّ أدب الرّعب لدى العرب ليس موجودًا، فلا يمكن لأيّ أحد إنكار أنّ هناك بعض الكتّاب الّذين ضخّوا دماءً جديدةً في أدب الرّعب بالإضافة إلى أحمد خالد توفيق، مثل: أحمد مراد، بسمة الخولي، عمرو المنوفي، حسين السّيد، تامر إبراهيم، حسن الجندي وغيرهم من رائعين تميّزوا في هذا المجال.
وإذا أردنا المقارنة بين الرّعب المعاصر والقديم سنجد فرقًا شاسعًا، ففي البداية كانت معظم القصص والرّوايات واقعةً تحت فئة الرّعب القوطيّ، أمّا الآن فقد حدث تطوّر كبير وأصبح هناك أقسام؛ فهناك الرّعب الدّمويّ، الرّعب النفسيّ أو الرّعب الّذي يُدمج بالخوارق.
والجدير بالذّكر أنّ هناك بعضًا من الرّوائيين الّذين يصنّفون قصصهم ضمن فئة الرّعب يفضّلون استخدام تسميات بديلة، مثل: الخيال الغامض أو حكايات الرّعب القوطيّة، أمّا بالنّسبة للرّوايات التي لا تحتمل أن تكون أحداثها خارقة للطّبيعة فيطلق عليها اسم الإثارة النّفسيّة.
الآن عزيزي المتابع، هل تظنّ أنّه يجب أن تظلّ فئة رائعة كهذه مهمّشة؟
وهنا نصل لنهاية أولى جولاتنا معكم في مسرحنا، نتمنّى أن تكونوا قد استفدتم بل وتعرّفتم على أدب الرّعب وتاريخه بصورة أوسع، إذا كان لديكم أيّ سؤال أو استفسار ضعوه -هنا-.
سيسعدنا الرّد على جميع أسئلتكم، كما سيسعدنا سماع إجابتكم على سؤالنا: ما هو كتابك المُفضّل بهذه الفئة؟
نلقاكم قريبًا جدًّا في جولة أخرى. كُن بالقرب ولا تنسَ أن ترسل تحيّاتنا للقابع في ركن غرفتك ويراقبك الآن بابتسامة مُخيفة.
-الفصل من كتابة العضو آرا. 💙
دمتم بودٍ. 🤎
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top