للرّوح أشكالُها.

كان خوخ في غرفته مُوَلٍّ كلَّ اهتمامه لسباق السّيارات في اللّعبة أمامه بينما يتحرّك بسرعة، فاجأه دخول مشمش بنحيبٍ وبكاءٍ ممّا جعل اهتمامه يتشتّت. 

أخذ مشمش ينظر لصديق طفولته خوخ الذي تعامل مع بكائه كأنّه شيء عادي، فازداد بكاؤه بينما يهزُّ خوخ يمينًا ويسارًا.

«ساعدني يا خوخ، يا خوخ ساعدني!»

استنشق ماء أنفه ثم استأنف: «مطلوبٌ منّي كتابة بحثٍ ولا أعلم كيف أكتبه، وكلّما بحثتُ عن المعلومات أتيه وسطها». 

«هذا لأنّك لا تبحث بتركيز وفهم» ردّ عليه خوخ وهو يترك جهاز اللّعب، ويعتدل جهة مشمش.

«عليكَ أن تساعدني في بحثي الآن» قالها مشمش بعدما هدَّأ من روعه وتوقّف عن البكاء، أخرج موزةً من جيب معطفه ليبدأ بتقشيرها وتناولها في حين زفر خوخ بهدوء: «حسنًا، بدايةً ما موضوع بحثك؟»

ابتسم خوخ وهو يوَجّه نظره لمشمش، الذي أنهى موزته وأمسك بالقلم يرسم به مجموعة من المحاور والخطوط بأوراقه.

«عن أنواع الرّوايات الرّوحانيّة وكيفيّة الدّمج بينها» 

«حسنًا مشمش، الأمر سهل» أخذ منه القلم وبدأ يشرح على ورقة؛ كي يستطيع مشمش تجميع المعلومات بسهولة بعد ذلك.

ثم استأنف: «تندرج الرّوحانيّة لعدّة أنواعٍ منها ما هو دينيّ كالأخلاقيّة والعقائديّة، ومنها ما هو غير دينيّ كالتّأمل. 

سأخبرك أوّلًا عن الرّوحانيّة الأخلاقيّة، وهي التي تتحدّث عن القيم والمبادئ والأخلاق التي يمتاز بها الشّخص» قال خوخ برَوِيَّة. 

«نعم نعم، تذكّرني برواية المنتقبة والشّباب، التي تتحدّث عن الأخلاق والمبادئ» قالها مشمش وهو يضحك.

«كفاك سخريّة مشمش وانصت جيّدًا، في ذلك النّوع تكون الفكرة الرّئيسة عن صفةٍ أخلاقيّة معيّنة، كالصّدق مثلًا، وتكون الشّخصيّة الرّئيسة تمثّل غالبًا الشّخصيّة التّائهة والضّائعة، لكنّ وجود الله سبحانه وتعالى يُعلّم تلك الشّخصيّة الصّدق أو الفضائل المختلفة، كذلك أيضًا تتكلّم تلك الرّوايات عن المبادئ والقيم التي يجبُ أن يتمتّع بها الشّخص الزّاهد العابد، فبسبب قربه من الله وصراعه الدّاخليّ حول أن يكفَّ عن الكذب ويتعلّم الصّدق، يتحول ذلك الصّراع إلى طمأنينة بسبب الله ودينه؛ فتبدأ تلك بإعطاء مغزًى نبيل يمثّل تلك الصّفة الأخلاقيّة». 

أومأ مشمش بينما يأخذ كوبَ عصيرٍ كان موجودًا على منضدة جانبيّة: «حسنًا خوخ، هذا بسيطٌ حتى الآن وسهل؛ لذا أخبرني عن النّوع الثّاني». 

«العقائديّة» قال خوخ ثم ظهرتْ علاماتُ التّعجب على وجه مشمش: «أهذا اسم امرأة؟»

«لا، إنّها نوع العقائديّة، وهذا النّوع مهمٌ جدًا بالرّوايات الرّوحانيّة وأكثر الأنواع انتشارًا بالعالم، فهي تتحّدث بصفةٍ عامّة عن تغيير الشّخصيّة ديانتها من دينٍ لآخر، كأن تقتنع بنفسها بأنّ الدّين الذي اختارته هو الدّين الصّحيح؛ فتبدأ بالبحث عن الرّب وعن الديّن الذي تود اعتناقه، فتكون راضية تمامًا عما اختارته، أو تقع تحت الإجبار العقليّ الدّيني». 

نظر له مشمش قائلًا: «هكذا دخلنا بأمورٍ لا أعلمها». 

«انظر مشمش، الإجبار العقليّ الدّيني هو عندما يكون هناك شخصٌ من دينٍ وأنت من دينٍ آخر فيبدأ هو بالتّلاعب بعقلك حول دينك، ويشكّكَ به، ويسبّه بكلامٍ قد لا تفهمه؛ فيجعلك تتّبع دينه وتعتنقه، أو قد تكون أنت من شككتَ بدينك أو ظننت بكون الله موجودًا أم لا».

ثم استأنف قائلًا بعدما شرب قليلًا الماء: «وأيضًا العقائديّة قد تكون فكرتها «البحث عن الله» فالشّخصيّة الرّئيسة بالرّواية تبحث عن الله، وتبدأ بالتّفكر حول المخلوقات والكون؛ فينشأ صراعٌ دينيٌّ بداخلها، فهل تتّبع الدّين وتعبد الله؟ أم تتّخذ الإلحاد مسارًا لحياتها؟ وقد تكون العقائديّة أيضًا عن عبادة الإله، فتكون مجرى أحداث الرّواية عن عبادة الله أو قد تكون الشّخصيّة تعبد إلهًا آخر». 

«خوخ، ماذا تعتقد سنتناول اليوم على الغداء؟» سأل مشمش بجديّةٍ مطلقة؛ ممّا جعل خوخ يزفر حانقًا. 

«مشمش، أنت من أردت مساعدتي لذا لا تتحدّث بأمورٍ غير بحثك حاليًا، أو سترسب!» قالها خوخ بينما يبتسم ببرودٍ.

«حسنًا، سأصمت» قالها مشمش مجعّدًا حاجبيه بينما يستمع إلى كلام خوخ.

«النّوع الثّالث من الرّوايات الرّوحانيّة هي التّعليميّة، وهذا النّوع كتابته بسيطةٌ جدًا ومفيدةٌ كذلك، فتلك الروايات تُعلّم الناس دروسًا ومواعظًا عديدةً بالحياة، كأن تكون الشّخصيّة عاصية لله سبحانه وتعالى؛ فيبدأ الرّاوي بالتّحدّث رويدًا رويدًا عن توبةِ هذه الشّخصيّة لله، وكيف أصبحت حياته بعد التّوبة، فتعطي للنّاس درسًا كبيرًا عن التّوبة ووجوب وجودها في حياة الشّخص». 

أخذ خوخ نَفَسه ثم استكمل حديثه: «كما أنّ هناك الرّوحانيّة التي تُعنى بالتّأمل في الطّبيعة ورحلات البحث عن الذّات، شخص مثلًا يمارس رياضة اليوغا فيتحدّث ويصف ما يشعره من خلالها وكيف يصفّي ذهنه، أو كيف من الممكن أن يتقبّل الإنسان ذاته؛ فهذه كلّها تندرج تحت الرّوحانيّة كذلك». 

أومأ مشمش رأسه برضًى تام عمّا قاله صديقه خوخ، وبدأ بالرّجوع لتسجيلِ كلَّ ما قاله خوخ؛ حتى يكمل بحثه الجامعي: «والآن أخبرني، كيف أدمج تلك الأنواع بروايةٍ واحدة؟» 

أرجع خوخ ظهره إلى الكرسيّ وجلس باعتدالٍ واضعًا رجله اليمنى فوق اليسرى ثم قال: «الأمر بسيطٌ يا صديقي، سأخبرك، الدمّج بين الرّوايات بسيطٌ بالفعل… فهو أشبه بدمجِ روايةٍ خياليّةٍ وتاريخيّة تحتوي على طابعٍ كوميديّ». 

رفع مشمش حاجبه بعدم فهمٍ وهو يحرّك يديه كأنّه يرسم شيئًا أمامه مردفًا: «أنا أتخيّلها الآن مثل عصيرِ توتٌ ممزوجًا بالباذنجان مع الملح». 

زفر خوخ بقلّةِ حيلة: «ما أردتُ قصده يا مشمش، أنّه يمكن لروايةٍ واحدة أن تضمَّ كل تلك الأنواع، فمثلًا يمكن أن تتكلّم عن شخصٍ تائه في عالم يملؤه الفساد و يبحثُ بداخله عن قيمٍ أخلاقيّة ثمينة وفي نفس الوقت هذه القيم تهدفُ إلى طريق مستقيم ومن خلال هذا الطّريق سيتعرّف ذلك الإنسان عن من يدير هذا الطّريق والكون بأكمله، الذي في النّهاية سيتبيّن له أنّه هو الله عز وجلّ، وفي أثناء رحلته داخل هذا الطّريق سيتوصّل إلى الحقيقة التي ستجعله يبني لديه الاعتقاد الكامل حول ما يجب عليه أن يتبعه، وسيرى حينها العالم بمنظور مختلف، ولكن قبل أن يصل إلى هذا كلّه سيتوجّب عليه أن يمرَّ بعقباتٍ كثيرةٍ وهفواتٍ عميقةٍ ستجعله يسقط ويقف لمّرات عديدة حتّى يتعلّم، وهذا التّعلم يكون إمّا بسبب العقباتِ التي واجهها في طريقه أو من قصص الآخرين الذين من قبله، وهكذا سيصبحُ لديه رصيدٍ عظيم من المواعظ و الحكم الدّينيّة، وعندها سيتمكّن من الوصول إلى اليقين التّام الذي سيوصله إلى النّور؛ كي ينير به حياته المظلمة، وهكذا نستطيع دمج النّوع الأخلاقيّ مع العقائديّ مع التّعليميّ في روايةٍ واحدة، بالإضافة لأنّ هذا الشّاب كان يبحث عن ذاته كذلك! لذا تصبح الرواية ملمة بالروحانية جميعها، هل فهمت؟»

دعك مشمش رأسه وهو يفكّر، ثم أردف: «فلتقلها من الأول يا صديقي، أنّ هذه الرّواية أشبه بقطعة بيتزا ضخمة، مع أنّها تحتوي على العديد من المكوّنات إلّا أنّ نتيجتها تكون لذيذةً». 

تنهّد خوخ بعمقٍ وهو يردف باستسلام: «المهم أنّك فهمت». 

بعد أن أنهى خوخ كلامه، وضع مشمش يديه على بطنه والتفت إلى صديقه خوخ بحاجب مرفوعٍ وهو يقول ببراءة متناسيًا كل ما كان يقوله قبل قليل: «ألا تشعر بالجوع؟»

----------------------

والآن يا أصدقاء ما رأيكم بالفصل؟ هل استفدتم جيّدًا؟

ما الأنواع التي تستخدموها دائمًا عند كتابة روايةٍ روحانيّة؟

ما رأيكم بالأمثلة السّاخرة التي طرحها مشمش؟ 

نرجو أن ينال الفصل إعجابكم، وأنّنا قمنا بتحفيز النّاس على كتابة الرّوايات الرّوحانيّة؛ لأنّها شبه غير موجودة تقريبًا في الواتباد.

تمت كتابة الفصل من قِبل العضو سنيم كخوخ، والعضو صبا كوين كمشمش.

اقتربتِ النّهاية وكدنا نطفئ النّور، عجّلوا بتسجيلِ قصصكم أو إنهاءها أعزّائي قبل أن تفوتكم الفرصة.

دمتم موفّقين. 🤎

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top