صراع مشروط
الفصل الثّاني عشر/ صراعٌ مشروط.
مرحبًا بكم اليوم، قاربنا على الختام.
صوت صفيرٍ أشبه بشوكةٍ تضغط على صحنٍ خزفيٍّ بقوّة، صرخ القط سيلڤستر بحنقٍ ليقفز على القفص الخاصّ بتويتي محاولًا الانقضاض عليه، ثوانٍ مرّت قبل أن يصيح تويتي قائلًا: «توقّف، إن أتت السيّدة ملعقة ورأتك هكذا لن ترحمك!»
لم يهتمّ له سيلڤستر ليتابع محاولة صيده وفتح القفص، لكنّ مكنسةً طائرة هبطت على رأس القطّ المسكين، خرج من بعدها صوت عجوزٍ أصحُّ بدنًا من رجلٍ يافع: «سيلڤستر! اترك صغيري تويتي ولا ترعبه، اذهب وجِد شيئًا غيره تتسلّى به.»
صمت سيلڤستر بامتعاض، شزر تويتي بعينيه ليراه يمدّ لسانه باستفزازٍ، زمّ سيلڤستر شفتيه بغيض قبل أن تخرج العجوز قائلة: «سأذهب لزيارة جارتنا، لا تحدثا مشاكلًا.»
وفور إغلاق الباب، قفر سيلڤستر نحو القفص ليفتح بابه، سارع تويتي بالطّيران، توقّف فوق الخزانة، شدّ انتباهه كتابٌ غطّى التّراب ملامحه، نفضه قليلًا ليقرأ كلمة كوميديا.
ظهر مصباحٌ فوق رأسه فرقعه سيلڤستر بمخلبه ساخرًا، تراجع تويتي قائلًا بتوتّر: «لنلعب لعبة، لو خسرتُ سأسمح لك بالتهامي!»
رفع سيلڤستر كفّيه لمحاولة النّيل من تويتي لكن محاولته باءت بالفشل.
توقّف تويتي فوق الثّريا ثم أردف لسيلڤستر: «سأعتبرها موافقة، برأيك ما هو الصّراع الكوميديّ؟ إن أجبت سأسمح لك بامساكي.»
-«أهو أن يقف شخصٌ كوميديٌّ بطرف وآخر غير كوميديٍّ بالطّرف الآخر ويتصارعان؟»
فقد تويتي انتباهه للحظةٍ من بلاهة الإجابة قبل أن يسرع بالقول: «لا يا أحمق، بكلّ القصص هناك صراعات، ولا يختلف الصّراع الكوميديّ كثيرًا عنها، لكن ما يميّز الصّراع الكوميديّ هو أنّه يولّد الضّحك، مثلًا كصراعٍ بين أعداءٍ بشركة، هنا قد تحدث سخريةٌ لاذعة بين أحد الطّرفين فيردّها له الآخر ويقلب الطّاولة لمصلحته وكلّه خلال اجتماعٍ مهمّ، هذا صراعٌ هنا.
أيّ الصّراع يبني الضّحك أحيانًا، لكنّه شيءٌ أساسيٌّ بتركيب القصّة ويمكن استخدامه كداعمٍ للكوميديا ورفع مستوى الإضحاك.»
_«توقّف عن الفلسفة، لم أفهم حرفًا واحدًا!»
_«لأنّك أحمقٌ لا يفكر بشيءٍ غير بطنه.»
_«سألتهمك إن شتمتني مجدّدًا يا هذا.»
_«حسنًا سيلڤستر، تعرف شيئًا...
إن أجبتَ على سؤالي هذا سوف أنزل من على الثّريا.»
اتّسعت ابتسامة سيلڤستر، ولكن لم تدم تلك الابتسامة طويلًا إلّا وعاد يقفز محاولًا الوصول للثّريا ناطقًا بحنق: «لقد اكتفيت من ألاعيبك، سألتهمك قبل عودة العجوز!»
أخذ تويتي الكناري الأصفر يصفر بصوتٍ يُدمي الآذان، توقّف سيلڤستر مغلقًا أذنيه قائلًا برجاء: «حسنًا حاضر، تكلّم وأخبرني بالسّؤال.»
ضحك تويتي بصخبٍ ليردف بعدها قائلًا: «كيف نجعل التّشويق ملاحقًا لنا طوال القصّة الكوميديّة؟»
وقف سيلڤستر قليلًا قبل أن يقول بدهاءٍ: «نحضر له طعامًا لذيذًا!»
نظر تويتي نحوه بصدمةٍ قبل أن ينفجر ضاحكًا بصخب: «ألا تفكّر في شيءٍ غير بطنك؟»
هناك قاعدةٌ بعيدةٌ عن التّشويق لكنّها قريبةٌ منه، تقول «الزم عنصر المفاجأة بقصّتك، فهذا مهمٍّ في كلّ أنواع الكوميديا»
وهذه القاعدة شابهت ردّك ذاك، فهو ردٌّ مفاجئٌ يبعث التّشويق لمعرفة ما سيقوله قطٌّ غبيٌّ مثلك! لكنّك تفوّقت على نفسك بالإجابة.»
-«هذا يعني أنّ إجابتي صحيحة؟»
-«لا»
-«بئسًا لك، سآكلك سآكلك!»
ضحك تويتي من جديدٍ قبل أن يقول: «دعني أكمل كلامي لعلك تتعلّم، التّشويق عنصرٌ مهمٌّ في كلّ الأنواع القصصيّة.
لكن، إن أردنا القول بأنّ هذا النّوع هو الكوميديا، فيجب علينا إضافة الإضحاك إليه، فيُضحك القارئ وفي نفس الوقت يشدّه للمتابعة، ومن الأساليب هي المفاجأة بالردّ.»
تنهّد سيلڤستر بمللٍ ما إن أنهى تويتي كلامه، نظر إليه وهو يتخيّله طبقًا لذيذًا لطائرٍ مشويّ، ممّا جعل تويتي يطير مضاعفًا المسافة بينه وبين القطّ الشّرس ناظرًا له مترقّبًا أيّ هجومٍ مباغت: «سيلڤستر.. لقد عقدنا هُدنة، نفّذ الشّرط وسأسمح لك بالتهامي، غير هذا أعود إلى قفصي آمنًا، أنسيت هذا؟»
تململ القطّ عابثًا بشاربه: «حسنًا، أهو دوري في الشّرح؟»
ابتسم تويتي: «هو كذلك.»
تنحنح سيلڤستر، همهم ببعض الكلمات قبل أن يستهلّ: «بعدما تعرّفنا على كيفيّة جعل عنصر التّشويق حاضرًا في القصّة، بأن نعقد صراعًا مناسبًا ونداهم عقل القارئ بالأسئلة من آنٍ لآخر كي لا يملّ، وجب أن نعرف أنّه في الفئة الكوميديّة خاصّةً، لا يُستفضل تعقيد الصّراعات، أيّ أنّ صراعًا رئيسيًا واحدًا سيكون كفيلًا بجعل الحبكة متماسكةّ ومشوّقة، ربّما نضيف بعض الصّراعات الثانويّة البسيطة لزيادة التّشويق، ولكن مع الحذر، فالإكثار من الصّراعات الثّانوية سيؤدّي إلى الابتعاد عن الهدف الأساسيّ للقصّة (ألا وهو إضحاك القارئ) والتوجّه لحلّ الصّراعات الكثيرة الّتي وضع الكاتب نفسه فيها».
ابتسم تويتي بفخر: «محقّ!»
ابتسم سيلڤستر وقد شعر بأنه ظفر بمراده، ولكنّ تويتي حطّمه عند قوله: «ولكن إجابتك ناقصة!»
بدا على سيلڤستر الغضب: «إيّاك والتّلاعب بي، إجابتي كاملة، ووجبتي اليوم أيضًا.»
قفز نحو تويتي الذي ابتعد طائرًا: «فقط استمع إليّ»
زفر سيلڤستر حانقًا في حين أكمل تويتي: «كنت محقًّا حين ذكرت أنّ كثرة الصٌراعات تؤذي حبكة القصّة الكوميديّة، ولكن أيضًا كان عليك ذكر أن تعقيد الصّراعات ضرارٌ لها، فالفئة الكوميديّة تتميّز بصراعاتها البسيطة ذات النّمط المضحك، فهمتني؟»
-«بلى، وقت الطعام؟»
قفز تويتي فارًّا من الشباك: «لا، وقت الهرب.»
**
إذًا أعزّاءنا... ما رأيكم في كلمات سيلڤستر وتويتي؟ ألديكم أيّ سؤال؟
إذًا فلنتأكّد من كونكم قد فهمتم، أيمكنكم تقييم الصّراعات المعتادة بين سيلڤستر وتويتي؟ ما الّذي يعيبها؟ وما الذي يميّزها؟
قدّم الفصل الربيعيّان لياما ونيلوڤر، دمتم بـحبّ بلّوراتنا الثّمينة.
¹فنّ كتابة الكوميديا
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top