شخصيات عاطفية
فُتح باب العيّادة، لتدخل شابّةٌ عشرينيّةٌ بردائها الورديّ الباهت وشعرها الذي يماثل لون ثوبها. وجود تلك الورديّة في غرفةٍ كل ما بها أبيض، لهو شيءٌ ممّيز، مثل وجوده من يرتدي قميص أصفر اللّون باهتًا وسروالًا بنيًا.
جلست الشّابّة على الكرسيّ المحبّب لكلِّ من يطرح مشكلته عليه، تمدّد جسدها السّفلي واستندت بظهرها وعلى ملامحها غضب. تقدّم من مكتبه الذي يقع في زاوية الغرفة إلى الكرسيّ الأبيض المقابل لها، جالسًا بصمت، يريد أن يستمع لها، لكنّها كانت غاضبةً لدرجة أنّها لم تتحّدث!
«مرحبًا، كيف الأخبار معك أيّتها الفئة العاطفيّة؟» قالها أخيرًا وعيناه البنيّة تشعُّ طاقةً جعلتها تهدّئ من روعها قليلًا.
«مرحبًا»
قالت له باختصار، ثمّ شردت، ولم يرغب هو بأنْ يباشر الحديث، وتركها حتّى تستجمع حديثها.
«برأيك دكتور ناقد هل لي قيمة؟ وهل أنا مهمّة بالنّسبة لأيّ أحد؟»
استرسلت وهي تنظر بعينيها الخضراوين الحزينتين إليه.
«بالتّأكيد لكِ قيمة، كلُّ شيء في الوجود له قيمته، لمَ هذا السؤال؟»
«كلّ الأشخاص المقرّبين مني يقلّلون من قيمتي.» قالت بحزنٍ شديد مطأطِئة رأسها.
«أخبريني إذًا من هم الأشخاص المقرّبون إليكِ؟»
«الشّخصيات، الرّاوي، المغزى، الحوار والوصف»
قالت بعد أن أرجعت بعض خصلات شعرها الوردي اللّامع إلى خلف أذنيها.
ابتسم المعالج بهدوء وقال: «تمتلكين الكثير بالفعل، لكن لنتحدّث عن أوّل شخص، أخبريني أكثر حول عنصر الشّخصيّات، كيف يقلّل من قيمتك؟»
تنهّدت الفئة العاطفيّة بحزن، لتسترسل قائلة: «مشكلتي أنّ عنصر الشّخصيّات يفهم وجوده في حياتي بشكلٍ خاطئ، يظن أن عليه أن يكون بصورة واحدة غير متجدّدة، جميل، ذكي، غني، وأقرب للمثالي! لا يعلم أنه يمكن أن يكون غير ذلك!»
اختتمت حديثها بانفعالٍ، بينما المعالج ناقد قد فهم ما تشعر به وشعر بالشّفقة تجاهها.
«وضّحي لي أكثر، ما المشكلة في كونه مثاليًا؟»
سأل المعالج ناقد بعدما اعتدل في جلسته، يحاول تحليل هذا العنصر بشكلٍ دقيق، ليستطيع مساعدتها.
«تخيّل معي أيّها الناقد، أنّ آلاف الرّوايات ذات الفئة العاطفيّة، شخصيّاتها ثابتة! الذّكر يتميّز بأنّه جذّابٌ حدَّ العذاب، غنيٌ لدرجة أنّه يمكنه شراء المجرٌة والمجرّات المجاورة، لطيفٌ مع محبوبته، خارق الجمال، والفتاة ذات شعر ناعم، بيضاء، مثيرة وجميلة ورقيقة. وكأنّ كل الذّكور والإناث على كوكب الأرض هكذا؟ لماذا لا يتم ذكر أنواع جميع الإناث! من لها شعرٌ مجّعد، من هي سمراء، من هي متواضعة الجمال؟ والأمر سيان للذّكر، من قال أنّه يجب أن يكون غنيًا؟ أو حتّى طويلًا؟»
قالت الفئة العاطفيّة بانفعالٍ شديد.
«صحيح، نحن مختلفون، وعلى عنصر الشّخصيّات أن يراعي هذا الاختلاف، خاصّة لديك أيتّها الفئة العاطفيّة، العالم واسع وشخصيّاته مختلفةٌ وهناك حالات حبٍ كبيرةٌ وعظيمةٌ مختلفةٌ عن العادة. الكثير من علاقات الحبّ بين ملامح العرب المميّزة، سمراء أو حنطيّة اللّون، هناك علاقات حبٍ إحدى شخصّياتها لديه إعاقة ما مثلًا، نحن غير كاملون، وعرض عدم الكمال هذا ممّيز»
قال المعالج ناقد بانفعال، مشاركًا الفئة العاطفيّة رأيها.
«صحيح يجب أن نعرض كلّ اختلافاتنا الواقعيّة!»
«إذًا هل لديكِ مشكلة أخرى مع الشّخصيّات؟»
«نعم لديّ، تعلم أنّ عنصر الشّخصيّات مهم لي كثيرًا، وكلّما زاد الاهتمام كثرت الأخطاء، وزاد حزني على ذلك العنصر.»
قالت الفئة بحزن لترجع ظهرها إلى الخلف.
«كلامك صحيح، إذًا أخبريني عن مشكلتكِ الثّانية مع الشّخصيّات.»
«أيّها المعالج ناقد، أليس لكلِّ شيءٍ سبب؟»
سألت الفئة العاطفيّة.
«بالتّأكيد لكلِّ شيء سبب منطقيٌّ».
«إذًا هل تتخيّل أن يكون أحد الشّخصيّات يخاف من الحبّ بلا سبب؟ أو فاقدٌ للثّقة بلا سبب!»
«من المؤكّد لا، لابدَّ أن يكون هناك سببٌ لهذا الخوف وفقدان الثّقة»
«متّفّقان إذًا، تخيّل معي أنّ روايةً كاملةً تقوم على تعقّد الشّخصيّات في الفئة العاطفيّة، بدون سبب، هكذا فقط! البطل استيقظ من النّوم شعر بكرهٍ لكلِّ النّساء عدا من سيحبّها دون سبب!»
«صحيح، هذا يعني أنّ المنطقيّة يجب أن يتمَّ مراعاتها في الشّخصيّات، أي يجب أن يكون هناك سببٌ لتغيير الشّخصيّة ومشاعرها.»
«إذًا فأنت تقول، لكي تكون للشّخصيّات أسبابها الخاصّة، يجب أن يكون العنصر منطقيًا؟»
«هذا صحيح، يجب أن يعطيكِ سببًا منطقيًا للنّتيجة التي حدثت.» أجاب ناقد، لتهزَّ الفئة العاطفيّة رأسها بفهم.
«عنصر الشّخصيّات متسرّعٌ أحيانًا، أي في بعض الرّوايات يقع الأبطال في الحب دون تمهيد أو تلميح لوقوعهم في حبّ بعضهم! هل من الطّبيعي أن يكون الشّخص قادرًا على تدمير العالم أجمع من أجل فتاةٍ رآها لمّدة خمس ثوانٍ فقط؟»
قالت الفئة العاطفيّة بنبرة استنكار.
«لا يصحُّ أن يفعل هذا، على عنصر الشّخصيّات أن يمهّد لمشاعره حتّى يكون كل شيء مترابطًا ومتكاملًا. ومن الأفضل أن يكون هناك سببٌ للوقوع في الحب لا أن يقع في حبّها هكذا فقط. بالطّبع إلّا في بعض المواقف كالإعجاب من النّظرة الأولى، لكن غير هذا من الأفضل ذكر أسباب متعدّدة عن الوقوع في الحبّ، مثل الصّفات المشتركة، أو الانجذاب لصفةٍ ما يميل إليها البطل، كالصّدق والوفاء».
قال المعالج ناقد مفسّرًا لها طريقة التّعامل مع عنصر الشّخصيّات.
هزّت الفئة العاطفيّة رأسها بفهمٍ، وصمتت قليلًا، لتسترسل بعدها قائلةً: «لديّ مشكلة أخرى مع الشّخصيّات».
«يبدو أنّ صديقك هذا يمتلك الكثير من الأخطاء بالفعل» قال المعالج ناقد.
«نعم هو مهمٌ بالنّسبة لي، لذا أخطاؤه تؤلمني، ولهذا أنا هنا للوصول إلى حلٍ».
«إذًا أخبريني ما هي المشكلة الأخرى؟»
«عنصر الشّخصيّات يظنُّ أنّ دوره في حياتي هو المشاعر بين الذّكر والأنثى، لكن من قال أنّني أمثّلُ هذا فقط؟ لمَ المحدودّية؟»
«أنتِ تقصدين أنه يمكن استخدام العلاقات بين أفراد الأسر مثًلا أو الأصدقاء؟» قال بعد أن دوّن بعض الجمل في المستند الذي يحمله بين يديه.
«تمامًا، لستُ محدودةً بين علاقات الحبِّ التي تجمع العاشق الولهان مع خلّابة الجمال تلك، فأنا أتواجد بين الجميع، بين الأب وابنه، والأخت وأختها، وبين الأصدقاء كذلك».
«لديكِ حق، على عنصر الشّخصيّات أن يكون غير محدودٍ أو أن يوسع حدوده قليلًا» ردَّ المعالج ناقد لتهزَّ الفئة العاطفيّة رأسها بحزن.
ترك المعالج ناقد المستند على المنضدة أمامه بعد أن نظر إليه قليلًا في صمت، ومن ثمّ اعتدل في جلسته ونظر إلى الفئة العاطفية بجديّة وقال: «أنتِ فئة مهمّة ولكِ قيمتك من بين جميع الفئات، ورغم مشاكلك مع عنصر الشّخصيّات إلّا أنّ الجلوس مع عنصر الشّخصيّات والحديث معه سيحلُّ كلَّ شيء، أخبريه بأنّه غير محدود بين ذكرٍ وأنثى فقط، وأنّ هناك علاقات عاطفيّة بين الجميع، والكتابة عنها شيءٌ ممّيزٌ وجميل، كما وضّحي له أنّ صفات الشّخصيّات يجب أن تكون في اختلاف مستمرٍ ومعايير مختلفةٍ تتناسب مع كلِّ دولة تتواجد فيها، فنحن مختلفون وهذا الاختلاف هو ما يصنع التّميّز والجمال. كما أنّه لا يوجد أحدٌ مثالي، فالكمال لله عزّ وجل. فما دمت بشرًا ففيك عيوبٌ ونواقص. وأخبريه كذلك ألّا يتسرّع ويكون منطقيًا، فيعطيكِ أسباب واقعيّةً لكلِّ ما يفعله وينتج عنه. وحينها فقط مشكلتكِ معه سيتمُّ حلّها بكلِّ بساطة. لذا تواجهوا معًا، فأحيانًا المواجهة هي حلُّ كلِّ شيء.»
فسّر ناقد كل هذا بينما كانت الفئة العاطفيّة تستمع له بكلِّ اهتمامٍ وتركيز، فكلامه يريحها ويقنعها بطريقة أو بأخرى.
«جلستنا اليوم انتهت، أراكِ في جلساتٍ أخرى!»
كانت معكم زُريقاء الرّبيع، آيرى.💙
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top