روحُ المِحراب

«مهلًا يا صاح! هل حصلتَ على أجوبةِ أسئلتك أخيرًا؟» قالها ذلك الرّجل لصديقه المقرّب بينما يبتسم بفرح، ويضع أنامل يده البيضاء على ظهره مريحًا أرجله على أعشاب خضراء زمرديّةٍ! أردف الآخر: «نعم يا صديقي، وقد أمنتُ بالله قلبًا وقالبًا!»

يا لها من جملة أزاحتْ طغيان الكفر والمعصيّة من قلب الإنسان لأجل سببين فقط؛ وهما العبادة وتعمير الأرض، ولكن لا يزال هناك العديد والعديد من الأشخاص ينكرون وجود الله! أو يعبدون إلهًا غيره سبحانه وتعالى، فلا نسأل لهم غير الهداية والتّوبة! لذلك فإن مهمّة كتّاب هذه الفئة مهمّة كبيرة للغايّة، وتُعتبر من أهم تصنيفاتِ الأدب التي يجبُ التّحدّثُ عنها بكلِّ صدقٍ وشفافيّة، وذلك ما فعلناه ولله الحمد طيلة شهر مايو الفائت.

لن ننسَ تعب تقييم قصص المسابقة، واختيار القصّة الرّوحانيّة التي زُيّنت كلماتها وسطورها وأحداثها الجميلة بالطّابع الرّوحانيّ الدّينيّ المميّز، مهما اختلفت اعتقادات الكتّاب وميولهم الدّيني، فسوف تظلُّ القصّة روحانيّةً رغم كلِّ شيء!

والآن، نأتي إلى اللّحظة الحاسمة، لحظةٌ ينتظرها جميع المشاركين بمسابقتنا المتواضعة، وبعد التّقييم وجمع علامات القصص، واختيار الفائز المستحق، رأينا بأن تلك القصّة سحرت عيوننا بفكرتها الغريبة والجديدة! ونهايتها الصّادمة والعميقة كثيرًا، قصّةٌ قد تخلّلت تحت أبراج الهلالِ وسطع ظلامها المدمّس على عقول القُرّاء!

فرحّبوا معنا أعزّائي المتابعين، وهنّئوا جميلتنا kpop_adctv بقصّتها الفائزة بالمسابقة: «إلحاد إلا ربع» فنبارك لكِ عزيزتي بنيل شرفِ ظهورك بفصل النّتائج كفائزةٌ في تلك الفئة الصّعبة والمهمّشة من قبل الكتّاب! وقد اجتزتِ مهمّة الفوز بجدارةٍ ونجاح.

لذلك يسعدنا تقديم شهادة تقدير لكِ، كشكرًا لكِ على ما تعبت به أناملك في كتابة تلك القصّة.

وأيضًا! لا ننسى تقديم جائزة النّقد لدينا، وهي جائزة مهمّة وقيّمة للغاية للكُتّاب؛ فيتعرّفون من خلاله على مواطن الجمال والقبح بقصصهم.

نقدُ قصِّة «إلحاد إلا ربع»:

صوتُ المنادي يخترق آذاننا بعذوبته، يبعث الراحة لدقّات القلب، ويعطي الصّفاء والغذاء للرّوح، لكن ماذا إن أصبحت الرّوح شرهةً لحظة؟ لا يكفيها ما تناله، وحث النّفس على المرض وكم تشتهي أنفسنا أن تُمرض الجسم، فيصبح ذلك الشره وسواسًا قهريًا يخترق ذاتنا ليتعب جسدنا وروحنا ويهلك نفسنا، فلا نستطيع إيقافه! ومن مرضٍ إلى مرضٍ فما يفتأ عدّاد الزّمن عن السّير فلا يظل فيه إلّا القليل، فنرى عالمًا غريبًا مليئًا بأشياء هي ليست واقعًا.

نصعد سلّم التفرعات وكلّما صعدنا لا نرى إلّا الربع قد ظلّ منه، لكنّهُ فعليًا أكثر من ذلك!

نستهلُّ ببدايةٍ غريبةٍ؛ فكانت المقدمة جذّابةً تطرح عدة أسئلةٍ، فمنَ الإسلام إلى الإلحاد، وباب الكره بدأ يفتح على قلبها، تشابكت الأسئلة في رأس أشجان لتكون المدخل الذي نلجه نحو القصّة، فما السّبب ولمَ؟ الإنسان بطبعه يحبُّ الشّ
ك، والأسئلة الدّنيويّة والبحث عن الحقائق دومًا موجود، فما هي النّهاية هنا؟

تراودنا هذه الأسئلة مع معرفتنا لبداية القصّة، فكانت بداية ملائمةً لفحوى الفكرة، وجاذبةً للمتابعة.

فقد امتدّت التّشابكات عاليًا لنرى بوضوحٍ أصلها بالأسفل، فكرة داخل جوهرةٍ تشابكت خيوطها، نرى منها كم التّساؤلات والهلاوس التي دارت حولها لنرى تلك الجوهرة تنطفئ رويدًا رويدًا، التّشكيك في وجود خالقٍ فعليٍّ يزرع الشّك في نفس الإنسان ويدفعه للتّفكير في أمورٍ غيبيةٍ، فيكون هو الدّافع نحو الارتداد والكفر، نسجتْ خيوط الفكرة جيدًا ليكون مغزى القصّة منها واضحًا وذا أهميّة؛ فالدّين هو دين يسر لا عسر، فللإنسان نصيب لنفسه ودنياه ونصيب لآخرته وقبره، فالموازنة بينهما خيرٌ لنفسه وهذا ما أوصى به النّبي عليه الصّلاة والسّلام.

وتهدينا القصّة بالأخير لنعلم أن كل شيءٍ زاد عن حدّه قُلب ضدّه، ولا تجلبُ إلّا المرض للعقل ثم البدن، وهو ذاته ما حصل مع أشجان.

فتمدّدت التّشابكات معها لنصل إلى اللُّب ونرى ما ينطوي خلفها من حطامٍ خلفه العقل والنّفس؛ فلم تكن التّشابكات بالقصّة أقلَّ من تلك التّشابكات داخل أشجان بطلة قصّتنا.

فقد توغّل الشّك في أعماق نفسها، فظلّت تبحث عن حقيقةٍ واضحةٍ لوجودِ الله، بدأنا رحلتنا معها من داخل الصّف المدرسيّ ومع مدرّس علم الفلسفة، فكان كالبلسم لشكّها بأجوبته المقنعة التي تصيب الهدف دومًا، لكن نستغرب كون أشجان وكأنّ رفضها للدّين وارتدادها عنه أكبر من أن يكون مجّرد شكٍ، عائلتها المتديّنة وأبوها إمام المسجد، كلُّ ذلك كان غريبًا أن تكون متفتحةً هكذا دون حجابٍ ومهملةً لصلاتها، والشكُّ في نفسها أبى الخروج.

أوّلُ حدثٍ بالقصّة كان ملائمًا لها، فقد علمنا منه الكثير عن محيط أشجان ومكنون نفسها وكان كحدثِ البداية جيّدًا ويزرع التّشويق داخل نفسِ القارئ حول شخصيّة البطلة، فكيف سوف تؤمن لاحقًا؟ وما هو الذي سيقنعها؟

انتقلنا بعدها لجلساتٍ مع الطّبيب النّفسي فكانت أشجان تروي لنا عن أهلها، وكيف أنّ كثيرًا من الأهل يظنّون أنّ المال هو صانع السّعادة. نفرَت أشجان وجود أمّها بقربها بعدما قلقت عليها، لكن من هنا نعرف علاقة أشجان السّيئة بالبشر، فكان الحدث على القدر الكافي كذلك لدراسة المحيط جيدًا، ولمعرفة أشجان أكثر وخصوصًا علاقتها بعائلتها، رُغم الملل الذي حاوطه، فقد خمد التّشويق فيه، فكان هذا مبرّرًا لعدم اهتمام عائلتها بها كثيرًا فهم يظّنونها مريضةً نفسيّة.

ولم تدم تلك السّعادة طويلًا بوجود عائلتها ليرحلوا بعدما رفضت الذّهاب معهم للتّنزه، رحلوا ولم يعودوا، فكان غير منطقيّ اشتياقها لهم، فلم نرَ منها سابقًا حبًا لهم أو دافعًا حتّى للسّؤال عن الحال، بل العكس كان النّكران لوجودهم والنّفور منهم هو الواقع الذي رأيناه، لكنّ الذّنب ظلَّ ملازمًا لها، فهم بالأخير عائلتها ولو أنكرتهم، ولم يزد موتهم انطوائيّتها إلّا الكثير.

كان موتُ عائلتها إجابةً لسؤال لديها، فلا يفرّق الموت بين مسلم وكافر، فلكلٍّ أجله ويوم يموت فيه، والعمل للآخره يبدأ مع أوّل نفسٍ بالتّدريج، انتقلت عمّتها وجدّتها إلى منزلها كمؤنس لها، لكنّ شعور الذّنب والوحدة معهما زادتْ ولم تتضاءل.

الكبرياء، كلٌّ لدينا كبرياء، لكن هل للكبرياء وجود أمام الجبّار؟ يعلمنا كلّ حدث مغزًى معه؛ فالشّعور بالذّنب إثر موت والديها وأختها يشعرنا أن برّ الوالدين واجبٌ وعند خسرانهما لا ينفع قول يا ليتني!

من هنا يرتفع الأدرينالين داخل الجسم، ويزداد التّشويق، كوخ قديمٌ ورؤيا لأهلها بالمنام، فسّرت لها جدّتها المنام، ليصبح لديها فضولٌ نحو ذلك الكوخ، لكنّ ساكن الكوخ لم يكن بشرًا منذ اللّحظة الأولى نعلم ذلك! بل جنٌ مسلم تهيّأ بشكلِ عجوز.

وللجنِّ قدراتٌ خارقة فبلمسةٍ منها استطاعت معرفة مكنونها، لكنّ الغريب كون الجن مخلوقات من نار، فكيف تخرج من العجوز برودةً تُقشعِرُ الجسد؟

هنا نرى أن العجوز توحي لأشجان بإعطاء قربان لله.

ومن الغريب كونها سارعت بفعل ذلك، والأغرب هو رؤيتها لعائلتها وسماعها لصوتِ أستاذ الفلسفة، امتلأت الجرّةُ بالدّيدان، ملأها أهلها! والتّشويق في أوجه.

لكن أخيرًا أخبرتها العجوز كون الله لا يريد حاجزًا ووسيطًا بينه وبين عبده وهذه حقيقة، فالله نقابله بالصّلاة له مباشرة، دون وسطاء من البشرِ أو الأصنام.

كلُّ تلك الأحداث لم تكن إلّا وهمًا، وهمٌ كامل، فأشجان ماتت! وغطى الثّرى جسدها، ولم يكنْ كلُّ ذلك إلا نسج مخيّلتها، فقد أفرطتْ بالعبادة حتّى أصبحت وسواسًا قهريًا، ثمّ مرضًا عقليًا، ثمّ إلى مشفى الأمراض العقليّة، وإلى القبر بعدها..

كانت الحبكة هنا تسلسليّةً بدأنا منذ البداية بتسلسلٍ زمنيٍّ واحد سِرنا عليه، ساعد هذا فكرة القصّة أن تصل بأكمل وجه ولأحداثها أن تُصاغ بالشّكل الأمثل، فأحسنت الكاتبة هنا. ووضع الأحداث كلٌّ بفصلٍ داخل قصّةٍ منفصلةٍ رغم كونه مشتتًا بعض الشيء، لكنّه أخيرًا كان أفضل هكذا من دمج القصّة باسترجاعاتٍ زمنيّة.

ومع حدّةِ تلك التّشابكات ننتقل تدريجيًا نحو نهايتها بدءًا من الأقرب للحَبكة وهو الصّراعات، والتي كان أغلبها أو لنقل جميعها يدور حول أشجان، وجميعها دون استثناء كان داعمًا للقصّة، فكان الصّراع الرّئيسيّ الظّاهر والذي كان أساس العقدة هو تردّد أشجان بين الإسلام والإلحاد.

كذلك حيرتها بوجود الخالق وأنّ دلائل التّأمل للطّبيعة ليست بالشّيء الكافي، نضيف إليها كل الأسئلة التي راودتها وزرعت صراعاتٍ نفسيّةٍ فيها أدّت لمرضها.

والشّجارات بينها وبين أهلها وما سبب البعد عنهم، وهذا ما أظهر لنا مغزى البرّ.

ومع كلِّ تلك الصّراعات نلاحظ كيف أنّ أشجان كالقارب الذي تعصفُ به الرّيح جيئةً وذهابًا؛ فكانت تأخذها أسئلتها يمينًا وشمالًا مكوّنةً القصّة.

أترون تلك النّيران موزّعةً حول الأشواك؟ إنّها نيران التشويق التي اشتعلت بسبب الفضول المكبوت داخل عقل القارئ، نيران رفعتْ مستوى الأدرينالين منذ البدء، ليستمرَّ الحال تصاعديًّا مع الأحداث كما سبق وأسلفنا.

تلك الأشواك الغزيرة دفعتنا للتّساؤل عن كونها في أيّ زمان وقعت، فكانت في فتراتٍ زمنية منفصلةٍ لكنّها في مكانٍ واحد، فكانت البداية بذكر الزّمان لنعلم أنّه وقتنا الحاضر يسير بنا، لكن مع النّهاية نعلم أنّ كل تلك الأحداث لم تكن إلّا ماضيًا بالنّسبة لزمن القّصة، فكانت تروى في عام ٢٠١٩ بدايةً مع اختلاف الأشهر ومنه انتقلنا إلى عام ٢٠٥٢ ميلادي، حيث لم تكُ أولى الأحداث إلّا ماضيًا يروى كمذكّراتٍ لكنّ الزّمن قد أعطيَ حقه كاملًا، فعلمنا حتّى الأزمان الأخرى من عُمر البطلة إلى الأزمان والأوقات الأقصر كساعاتِ النّهار المختلفة.

أمّا المكان بدايةً فلم يذكر، ولكنّ الدّين، دينُ الإسلام وما يجري من الأحداث يعلمُ منها القارئ أنها دولةٌ عربيّة، ولكن فُضِّل التّخصيص هنا، لنعلم تقاليد وعادات البلد، ولتقرّب العدسة نحو عائلة أشجان التي في مخّيلتها وكيف هي معتقداتهم، فعدم ذكر المكان سبَّب بعض الاختلال، لكن بقيّة المسرى من الأحداث قد علمنا فيها الأماكن الضيّقة والصّغيرة، كالبيت وحصّة الفلسفة، وكوخ عجوز الجان، والمصحّة العقليّة، وكان هذا حَسنًا ومقرّبًا القارئ أكثر؛ ليشعر بالأحداث.

جذر تلك التّشابكات قلنا أنها تخرج من جوهرةٍ، وتلك الجوهرة ألا وهي عقل أشجان، المحرّك للأحداث هنا هو الشّخصيّات، فما يزيد تلك التّشابكات نبضًا إلّا عقلُ الشّخصيّات الذي ينبض من داخلها.

ونجم القصّة ومحرّكها الرّئيسي هي أشجان، المراهقة التي واجهت أسئلةً تشكيكيّةً عدّة، فكانت هي طريقها نحو الإلحاد، فمرحلة المراهقة من أخطر المراحل في النّمو؛ فهي القوقعة التي تكوّن شخصيّة الإنسان، فإمّا أن يبقى يسير على خطٍّ مستقيم وإمّا أن ينحرف، أو يستيقظ من انحرافه، لكنّ أشجان قد سلكت الطريق الثّاني، وفعليًا هي لم تسلكه إلّا في مخيّلتها؛ فما كان هذا إلّا جانبها النّفسي، أما الخُلقي فقد كانت فتاةً انطوائيّةً بشكلٍ مخيف، تكره البشر ولا تحبُّ قربهم، لكن مع أستاذ علم الفلسفة رأينا العكس، فكان هو الوحيد الذي لو استمرَّ الحال معه لربّما كسرت تلك القوقعة التي أحاطت بها نفسها، كنّا نرى في أسئلتها فضولًا وتحديًا لكنّ الرّفض كان وكأنّه يخرج من أعماقها لسبب مجهولٍ حُلَّ لاحقًا، أمّا عن جانبها الخَلقي فقد قيل عنها الجمال والظّرافة خارجيًّا، فكانت صاحبة وجهٍ مستدير وعينين عسليّتين وأنف دقيق وفمٍ ممتلئ، وشعرٍ بلون الدّجى والديّجور.

فكانت أشجان متكاملةَ البناء نميّز جانبها النّفسي، أمّا الخُلقي فكانت واضحةً من تصرّفاتها وحواراتها مع معلّمها، أو معاملتها مع والدتها عندما قلقتْ عليها، أمّا جانبها الاجتماعيّ، فقد كانت ابنة عائلةٍ طغى الثّراء عليها.

ومن أشجان إلى أستاذ علم الفلسفة، الذي قد بدا الوقار والهيبة عليه، وكان يملكُ لكلِّ سؤالٍ جوابًا من أسئلة أشجان، فلم يكن السّبب إلّا كونه كان ملحدًا يومًا ما، وقد بحث مثلما بحثت أشجان، كان أستاذًا طيّبًا فطنًا، لكنّه يملكُ حسَّ الدّعابة، لم نعرف عمرهُ لكن نتبيّن كونه عجوزًا أو كهلًا لرّبما، وذلك لكون أشجان قالت أنه صاحب لحيةٍ بيضاء وشبهته بالفلاسفة القدماء، فهنا نعلم جانبه النّفسي فالخُلقي فالخَلقي، أمّا عن جانبه الاجتماعي، فلم نعلمه، وما علمنا منه إلّا أنه أستاذٌ في علم الفلسفة، سبق وكان يعيش بالولايات المتحدّة، ولم نحتج لمعرفةِ اسم له فوظيفته قرّبتنا لمعرفة من يكون بحكم تناسجها مع شخصيّته.

أمّا عن العجوز التي سكنتْ الكوخ القديم فقد علمنا كونها ليستْ ببشريّةٍ، وهي جان مسلم ومتهيءٌ بهيأة إنسان حتّة لا تخاف منها أشجان، كانت تلك العجوز صاحبة وقارٍ ومعرفة كبيرة، وفطنةٍ بلا حّد، وهي مثالٌ للمسلم المتعبّد، الذي لا يفتأ يسبّحُ الله، بينما جانبها الخَلقي هو الهيئة التي اتّخذتها ألا وهي العجوز شديدة البياض، أمّا جانبها الاجتماعيّ فهي من مخلوقات الجان فلا نعلم عنها شيئًا غير أنها تقطن ذلك الكوخ القديم.

أمّا عن عائلةِ أشجان ورغم كونها كانت محرّكًا نفسيًا عميقًا داخل ابنتهم، إلّا أن جوانبهم كانت خفيةً عنّا؛ فنعلم كونهم عائلة ذات حالةٍ ماديّة مرتفعة، يعيشون بمنزل من ثلاثِ طوابق.

أمّا عن جانبهم الخَلقي فهو مجهول، بينما الخُلقي فرأينا فطرةَ الأم وخوفها على ابنتها، وحتىّ استنكارها لنفر ابنتها منها.

أمّا والدها إمام المسجد وأختها فلم يكن وجودها إلّا طيفًا وتكملةً للعائلة ومن هناك نرى جدّتها وعمّتها اللّتين لربّما ظهرت عليهما الطّيبة لتأتيا بعد موت عائلة أشجان وتؤنساها، ومن قميص الصّوف التي كانت تحيكه الجدة، نرى كم كانت لها معزّةٌ في قلبها.

لم تكن تلك الشّخصيّات إلّا نسجًا من مخيّلة أشجان، فالواقع أنّ أشجان فتاةٌ تخاف الله حتّى تغلغلَ الشك في نفسها ليصبح وسواسًا قهريًا تعيد الصّلاة مرارًا وتكرارًا حتى نسجت تلك الشّخصيّات في عقلها لتهرب من واقعها، فلم يؤدّي ذلك إلّا لانتحارها، فلم ترَ كيف أنّ عائلتها قلقةً عليها واقعيًا، أهملت هذا الشّيء لتنسج واقعًا آخرًا ترى فيه إهمال عائلتها لها، وخيوط الوحدة تنسجُ حولها فيها.

بناء الشّخصيّات كان متينًا وجيّدًا، وكان لإهمال أيِّ جانب من جوانبِ أيٍّ شخصيّة سببٌ يحلّه.

نرى من بعيد أحد تلك التّشابكات يخرجُ صوتًا ليكون هو الرّاوي الخاص بالقصّة، ألا وهو صوت أشجان؛ فكانت هي من تروي لنا أغلب الأحداث، وقد وفقّتِ الكاتبة باختيار الرّاوي الشّخصيّة، فأشجان هي البطلة، وكلُّ الأحداث تدور حولها، فلم يكن اختيار الّراوي إلّا مساندًا لها لنعرف ما يدور حولها بوجهة نظرها هي، ونعلم كذلك كل شيءٍ من وجهة نظرها، ليعزّز ذلك الحلَّ بوصول النّهاية، وفي النّهاية تغيّر الرّاوي ليكون العالم بكل شيءٍ، لتظهر الحقيقة التي كانت تخفيها أشجان طوال الوقت.

أتعلمون ما الأهمُّ في القصصِ الرّوحانيّة كهذه؟ إنه الحوار الذي نراه يحلُّ التّشابكات ويزيل كل الألغاز حوله، وقد توازن الحوار هنا، ولأن الرّاوي هي أشجان فقد ظهر الحوار الدّاخليّ بالشّكل الأمثل لنا، علمنا منه كلَّ الصّراعات التي تخوضها وخاضتها، علمنا الاضّطرابات التي تسكنها، وما الذي تخرجه وما الذي تخفيه، أما الحوارات الخارجيّة، فلم تكن إلّا بقدرٍ كبير من الفائدة، فيستفيد منها القارئ، وقبلها نعلم منها ردّات فعل أشجان حول الدّين وكما أسلفنا كيف أنّها رغم ثقتها بصحّته إلّا أنّ النّكران من الدّاخل ثابت.

تعدّدت الحوارات الخارجيّة سواءً مع أستاذ علم الفلسفة، فساعدنا الحوار على فهم الشّخصيتين المتحاورتين، وساعدنا على معرفةِ كل منهما بالتّفصيل، وقد كان الحوار روحانيًا خالصًا، ينقِصُ من تشابكات أشجان، لكنّه يزرع غيرها بنفس الوقت.

ومن بابِ السّرد نلجُ لنرى فيه انحلالًا لتلك التّشابكات، وتهيئة حلّها ليكوّن تشابكاتٍ أخرى أعمق وأقوى، فكان السرد بالقدر الكافي، روي من وجهة نظر أشجان، فكان سردها يمثل صراعاتها وتساؤلاتها بصيغة إخباريّة تخبرنا فيها عنها، فكان السّرد من أفضل ما يكون تضامنًا مع كلّ العناصر، وقد استخدمت صيغةً سرديةً واحدةً هي الوصف، وهو التّوأم للسّرد لا يفترقان.

تنوّع الوصف من الحوار الحسّي، فكانت تصف لنا أشجان الحوار وبأيّ لغة قالته هي، وما مكنون مشاعرها وما يختزلها، بينما حوار الطّرف الآخر فقد اكتفينا فيه بالكلمات، وقد ساعدت علاماتُ التّرقيم فيه لفهمه أكثر.

تشكّل لنا الوصف أيضًا في وصف أشجان لدواخلها، وما يكتنز روحها من أحاسيس متضاربةً، وبوصف محيطها بدءًا من هيأتها الخَلقيّة إلى وصف بعض الشّخصيّات الأخرى.

فوجد الوصف في مكانه الملائم غالبًا ولم يتمادَ مع السّرد، وهذا حسن.

ومن باب الوصف والسّرد إلى تشابكاتِ سلّم اللّغة، فأبدأ بتهنئة الكاتبة على لغتها الجيّدة نوعًا ما؛ فوجدتُ أخطاءٌ قليلةٌ تعدّ على الأصابع منها:

١- حرف العطف الواو يلتصق بما بعده من كلمة.

٢- أقواس التنصيص هذه "" أجنبية، بينما الصّحيحة العربيّة فهي هذه «».

٣- نهاية كل جملة نضع نقطة دلالةً على انتهائها.

٤- كلمة «عسليتان» ليس لها أصلٌ في اللّغة والصّحيح قول «عسليان».

٥- بعد جملة تحتاج سببًا نضع فاصلةً منقوطة.

٦- خطأ وقعَ بسبب سرعة الكتابة ألا وهو قول شجاهة بدل شجاعة.

٧- الثّلاث نقاطٍ المتتالية «...» هي علامةٌ لكلامٍ محذوف، بينما الصّحيح وضعُ فاصلةٍ فقط.

٨- هنالك بعض الكلمات تم تشكيلها بالشّكل الخاطئ، بسبب خلطٍ في العلامة الإعرابيّة.

ومع نهاية التّشابكات التي بدأت تسقطُ رويدًا رويدًا، نهايةٌ قد أغلقت معها عقدةُ القصّة، لنصدمَ لاحقًا بكون كل الأحداثِ السّابقة هو وهم عاشت به أشجان داخل عقلها، لتروي لنا أختها التي زعمت سابقًا أنها توفيّت ما حدث، روته لابنتها بعدما كبُرت، فقد تبين لنا إفراط أشجان في أداء العبادات دون توسطٍ هو السّبب، فكان نتيجةُ هذا جنونها ومغادرتها الحياة، على كرسي، داخل عيّادةِ طبيبٍ نفسيّ، والتي سبق وخرجت منها منتصرة!

نهنّئ الكتابة على حسنِ الختام الذي كان بالقدر الكافي والوافي لإيصال فكرة القصّة والمغزى منها.

فمباركٌ لكِ فوزك، وبالتّوفيق دائمًا وأبدًا.

----------------------------

ويسعدنا أن نقدّم لكِ عزيزتي الكاتبة، فيديو إعلانيّ تشويقي لقصّتكِ، قوموا بمشاهدته وتخيّل أحداث القصّة من خلاله! وبالتّأكيد سوف يتمُّ تشويقكم منه للذّهاب إلى قراءة القصّة، وسيتمُّ نشره علی حائِط حسابنا كذلك.


ها قد وصلنا أعزّائنا إلى نهاية كتاب: «محرابُ الرّوحانيّة» انتهت أخيرًا رحلة طويلة مع محرابنا الدّيني الجميل، كانتْ مليئةً بالصّراعات أثناء طريقنا إلى النّهاية.

نودُ شكر كل من شارك بقصّته في تلك المسابقة، نبارك للفائز مؤكّدًا، ونقول حظًا موفقًا للبقية؛ لأنّ المسابقات القادمة كثيرة جدًا، والطريق لم ينتهِ بعد!

نرجو أن تكونوا بخير وبصحة وعافية، وانتظروا مفاجأتنا القريبة جدًا⁦.

دُمتم سالمين. 🤎

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top